Almanara Magazine

«عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة»: في مراحل تنشئة الكهنة

الخوري دانيال زغيب

مقدَّمة

   لازَمَ همُّ تنشئة الكهنة الكنيسةَ منذ نشأتها، إذ كان هدفها توفير تنشئةٍ ملائمةٍ لخدَّام شعب الله لكي يتمكَّنوا من خدمة هذا الشَّعب، خدمةً لائقةً وفاعلة. بيد أنَّ “تنشئة الكهنة (كانت) سريعةً وبدائيَّةً عندما كان النَّاس لا يقرأون ولا يكتبون، (ثمَّ) أصبحت متطلِّبةً وصعبةً مع تقدُّم الثَّقافة وطلب العِلْم عند عامَّة الشَّعب (…). فكان الأساقفة في المرحلة الأولى يرسلون المدعوِّين إلى ديرٍ قريبٍ أو إلى كاهنٍ مثقَّفٍ وتقيٍّ حيث كانوا يحصلون على تنشئةٍ سريعة”([1]). “ففي غياب المؤسَّسات التَّعليميَّة، يبدو أنَّ التَّنشئة الكَهَنوتيَّة قد خضَعَتْ للعلاقة الفرديَّة على يد معلِّم، كاهنٍ أو راهب، إذ كان يتمُّ التَّدريب على يده بالتَّعليم والاقتداء([2]). لذا، لم يعرف الإكليروس المارونيّ لغاية القرنَين الخامس عشر والسَّادس عشر، تنشئةً “جامعيَّة”، ولم يرتَدِ الكهنة “كلِّيَّةً” لدراسة الفلسفة واللاهوت. “فالدَّير والرَّعيَّة والمحبسة كانت مراكز تنشئتهم الوحيدة”([3]). ومن ثمَّ تأسَّست المدرسة المارونيَّة في روما، في العام 1584، وخضع التَّلامذة فيها للنُّظُم الرُّومانيَّة. فصاروا يتعلَّمون اللُّغتَين اللاتينيَّة والإيطاليَّة، وشرعوا في دراسة الفلسفة مدَّة ثلاث سنوات. وبعد الدُّروس الفلسفيَّة، كان الطُّلَّاب يدرسون اللاهوت طوال أربع سنوات. “أمَّا الَّذين تنقصهم المقدرة الكافية لمتابعة الدُّروس، أو الَّذين تخطَّوا العمر المطلوب، فإنَّهم يتلقَّون فنَّ الخطابة، وعلم النيَّة، وعلم الكلام لمدَّة ثلاث سنوات”([4]).  

   أمَّا في لبنان فقد تأسَّسَتْ مدرسة حوقا، في العام 1624، “لتهيئة الطُّلَّاب الإكليريكيِّين النُّجباء للفضيلة والتَّقوى والعلم، من أجل إرسالهم لمتابعة تنشئتهم العالية في المدرسة المارونيَّة الرُّومانيَّة”([5]). ومن بعد المجمع التِّريدنتينيّ (1545-1563) الَّذي أمر بإنشاء الإكليريكيَّات لتنشئة الكهنة، سعَتِ الكنيسة المارونيَّة إلى تطبيق مقرَّراته، فأنشَأَت إكليريكيَّاتٍ عديدة([6])، بدءًا من القرن الثَّامن عشر، وكانت مدرسة عين ورقة-غوسطا، أولى هذه الإكليريكيَّات، إذ تأسَّست في العام 1789. أمَّا نظام الدُّروس في هذه الإكليريكيَّات فنجد توصيفًا مفصَّلًا له في المجمع اللُّبنانيّ الَّذي عُقِدَ في العام 1736. إذ يورد النَّصّ المجمعيّ، عن مرحلة الدِّراسة الأولى، ما يلي:

“نأمر هؤلاء المعلِّمين (…) أنْ يرعوا النظام العام فيعلّموا الأحداث في المدارس أولًا القراءة والكتابة في السريانية والعربية ثم المزامير ثم كتاب خدمة القدّاس والفرض اليومي والعهد الجديد”([7]).

   وفي حال كان مستوى الطُّلَّاب رفيعًا، كانوا ينتقلون إلى مرحلةٍ أعلى، يورد عنها المجمع الآتي:

“ثم اذا توسّموا في بعضهم الأهليّة لتحصيل العلوم فليعلّموهم قواعد النحو والصرف في السريانية والعربية ثم علم اللحن والحساب البيعي”([8]).

   أمَّا المرحلة الأخيرة والأعلى فيورد المجمع في شأن موادها، ما يلي:

“ثم يرقّوهم الى درس العلوم العالية اي الفصاحة والنظم والفلسفة والمساحة والحساب وعلم الفلك وما أشبه ذلك من الرياضيَّات ثم مبادئ الحق القانوني وتفسير الكتاب المقدس واللاهوت الاعتقادي والادبي ولا سيما ما يرونه مناسبًا لقبول الاسرار وتوزيعها ولمعرفة طرق الطقوس والاحتفالات”([9]).

   ومع المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، وفاقًا للقرار المجمعيّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، بدأت عمليَّة إعادة النَّظر في الدُّروس الكَهَنوتيَّة؛ وتهدف إعادة النَّظر هذه “إلى أنْ يكون هناك ارتباطٌ متزايدٌ للفروع الفلسفيَّة باللاهوتيَّة”([10]). وحدَّد هذا القرار المجمعيّ الموادَّ الَّتي يجب أنْ تُعطى للطُّلَّاب الإكليريكيِّين، سواء أكانت لمرحلة الدُّروس الفلسفيَّة أم لسنوات الدُّروس اللاهوتيَّة، وكيفيَّة إعطائها([11]). أمَّا الغاية من تنشئة الطُّلَّاب في الإكليريكيَّات الكبرى فهي “أنْ تجعل منهم رعاةً حقيقيِّين للأنفس، على مثال سيِّدنا يسوع المسيح المعلِّم والكاهن والرَّاعي”([12]). ويشدِّد هذا المجمع على التَّنشئة الرُّوحيَّة الَّتي يجب أنْ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتَّنشئة العَقيدِيَّة والرِّعائيَّة. ويؤكِّد أيضًا على وجوب أنْ تُعطَى هذه التَّنشئة الرُّوحيَّة بمساعدة “المرشد الرُّوحيّ، بطريقةٍ تُلَقِّن الطُّلَّاب أنْ يعيشوا بدالَّةٍ، متَّحدين مع الآب بابنه يسوع المسيح في الرُّوح القدس”([13]). وفي ما يتعلَّق بالنَّاحية الإنسانيَّة من التَّنشئة، يوضح القرار المجمعيّ عينه أنَّ “التَّنشئة الـمُوَجَّهة توجيهًا رشيدًا، يجب أنْ تغذِّي النُّضْج الإنسانيّ الضَّروريّ عند الطُّلَّاب. ومن أخصّ ميزات هذا النُّضج استقرارٌ في الطَّبْع، وقدرةٌ على التَّقرير الرَّزين، وحكمٌ سديدٌ على الأحداث والنَّاس”([14]). ويسلِّط القرار المجمعيّ الضَّوءَ على تنشئة المدعوِّين إلى الكَهَنوت تنشئةً راعويَّة، إذ عليهم أنْ “يطَّلِعوا بدقَّةٍ على كلِّ ما له علاقة بالخدمة المقدَّسة بصورةٍ خاصَّة: منها التَّعليم المسيحيّ والوعظ والعبادة الطَّقسيَّة ومنح الأسرار وأعمال المحبَّة وواجب الذَّهاب إلى من هم في الضَّلالٍ أو الكفر من دون إغفال سائر المهامّ الرِّعائيَّة”([15]).

   ومن بعد هذا المجمع أصدر مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة شِرْعة التَّنشئة الكَهَنوتيَّة في العام 1970. ومن ثمَّ أدخل تعديلًا إليها في العام 1985، لتصبح هذه الشِّرْعة ملائمةً للحقّ القانونيّ اللاتينيّ([16]) الَّذي كان قد صدر في العام 1983. كما أصدر هذا المجمع عينه، ما بين العام 1970 والعام 2008، مجموعةً من الوثائق والتَّوجيهات الكنسيَّة المهمَّة الَّتي تتعلَّق بتنشئة كهنة الغد. وأصدرَ البابا يوحنَّا-بولس الثَّاني، في 25 آذار من العام 1992، الإرشادَ الرَّسوليَّ أُعطيكم رُعاة([17]) الَّذي تناول موضوع التَّنشئة الكَهَنوتيَّة في الأحوال الرَّاهنة. فقدَّم مقاربةً متكاملةً عن طبيعة الكهنوت المسيحيّ، ومفهوم الدَّعوة الكَهَنوتيَّة، وأُسُس تنشئة طُلَّاب الكَهَنوت، وتنشئة الكهنة الدَّائمة. أمَّا في ما يتعلَّق بـالشِّرْعة الأساسيَّة للتَّنشئة الكَهَنوتيَّة (Ratio fundamentalis)، فلم تصدُر أيّ شِرْعةٍ جديدة، طيلة هذه الفترة، إذ بقيَتْ شِرْعة العام 1985 موضع التَّنفيذ، إلى حين صدور الشِّرْعة الجديدة في 8 كانون الأوَّل من العام 2016، بعنوان: عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة([18]).

   تُقسَم هذه الشِّرْعة الجديدة إلى مقدَّمةٍ وثمانية فصول، وتتناول أبرز المواضيع الَّتي ترتبط بتنشئة الكهنة، ومنها على سبيل المثال: أُسُس التَّنشئة، والتَّنشئة الأساسيَّة والدَّائمة، وأبعاد التَّنشئة والمسوؤلون عنها، وتنظيم الدُّروس، وغيرها. وقد استوحَت نصوصها من رسائل البابا فرنسيس وخطبه وعظاته، ومن الإرشاد الرَّسوليّ أُعطيكم رُعاة الَّذي يبقى أهمّ وثيقةٍ كنسيَّةٍ كاثوليكيَّةٍ تطاول موضوع تنشئة الكهنة([19])

   ولا بدَّ من أنْ نشير إلى حدَثٍ كنسيٍّ مهمٍّ وفريدٍ في كنائسنا الشَّرقيَّة الكاثوليكيَّة، ألا وهو صدور شِرْعة التَّنشئة الكَهَنوتيَّة في الكنيسة المارونيَّة([20])، في العام 2008، وذلك قبْل ثمانية أعوامٍ من صدور الشِّرْعة الكاثوليكيَّة الجديدة. وقد استند معِدُّو هذه الشِّرْعة الوطنيَّة إلى أبْرَزِ الوثائق الكنسيَّة، وبخاصَّةٍ إلى أُعطيكم رُعاة؛ وأخذوا في الاعتبار الخصوصيَّة المارونيَّة والواقع الكنسيّ الَّذي يخدم فيه الكهنة الموارنة. فجاءت هذه الشِّرْعة الوطنيَّة لتُوَحِّد الرُّؤية في ما يتعلَّق بتنشئة الكهنة الموارنة، وتُقدِّم نموذجًا يمكِّن الكنائس الشَّرقيَّة الأُخرى من أنْ تقتدي به.   

    سوف نكتفي، في هذا المقال، بالتَّطرُّق إلى موضوعٍ واحدٍ فقط([21]) نجده في الفصل الرَّابع من شِرْعة عطيَّة الدَّعوة الكهنوتيَّة، ألا وهو: مراحل التَّنشئة الكَهَنوتيَّة. ويُقسَم الفصل الرَّابع المخصَّص للتَّنشئة الأساسيَّة والدَّائمة، إلى قسمَين رئيسَين يحملان العنوانَين الآتيَين: التَّنشئة الأساسيَّة ومراحلها، والتَّنشئة الدَّائمة. وسوف نعرض محتوى هذَين القسمَين ونعرِّف بمضمونهما. كما نلجأ إلى مقارنة ما ورد في هذه الشِّرْعة الجديدة بما ورد سابقًا من وثائق كنسيَّةٍ أخرى صدَرَتْ عن الكنيسة الجامعة أو عن الكنائس المحلِّيَّة، لتبيان مدى التَّواصل بين مختلف هذه الوثائق، ولإظهار الجديد الَّذي يتجلَّى في “عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة“.

   يبدأ الفصل الرَّابع من هذه الشِّرْعة الجديدة بتقديم تعريفٍ بالتَّنشئة الكَهَنوتيَّة، ويورد الآتي:

“يمكننا أنْ نقسم التَّنشئة الَّتي هي مسارٌ موَحَّدٌ ومتواصلٌ من أجل تنشئة التِّلميذ الـمُرسَل، إلى مرحلتَين كبيرتَين: التَّنشئة الأساسيَّة في الإكليريكيَّة، والتَّنشئة الدَّائمة خلال الحياة الكَهَنوتيَّة”([22]).

   وتهدف التَّنشئة الأساسيَّة (initiale) إلى تهيئة الطَّالب الإكليريكيّ لعيش حياةٍ كَهَنوتيَّةٍ أصيلةٍ على حسب قلب الرَّبّ. وغايتها أنْ “تُكَوِّنَ قلبًا كَهَنوتيًّا”([23]) لدى الطَّالب المدعوِّ إلى الكَهَنوت. وذلك “يتطلَّب عملًا صبورًا ودقيقًا للغاية يطاول الإنسان الَّذي ينفتح على عمل الرُّوح القدس”([24]).

   أمَّا التَّنشئة الدَّائمة (permanente) فهي حاجةٌ ملحَّةٌ وضروريَّةٌ في حياة الكاهن وخدمته الرَّاعويَّة. إنَّها “تفترض ارتدادًا مستمرًّا للقلب، وقدرةً على قراءة الحياة والأحداث في ضوء الإيمان، وبشكلٍ خاصٍّ في ضوء المحبّة الرَّاعويَّة، بهدف بذْل الذَّات من أجل الكنيسة بذْلًا كاملًا، وفاقًا لِمُخطَّط الله”([25]).

أوَّلًا: التَّنشئة الأساسيَّة ومراحلها

   تقسم التَّنشئة الأساسيَّة، على حسب هذه الوثيقة الجديدة، إلى أربعة مراحل كبرى، هي الآتية:

“«المرحلة الإعداديَّة»؛ و«مرحلة الدُّروس الفلسفيَّة» أو «تكوين التِّلميذ»؛ و«مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة» أو «المرحلة التَّشبُّهيَّة» («configuratrice»)؛ و«المرحلة الرَّاعويَّة» أو «الخلاصة عن الدَّعوة» («synthèse vocationnelle»). لا يبرح الكاهن، طوال حياته، “تلميذًا”، مع رغبةٍ ثابتةٍ في أنْ يسعى إلى “التَّشبُّه” (d’être «configuré») بالمسيح، ليقوم بالخِدْمة الرَّاعويَّة”([26]).

   وتشدِّد هذه الشِّرْعة على وجوب أنْ يتأكَّد المنشِّئون من أنَّ كلّ مرحلةٍ تربويَّةٍ قد بلَغَتْ إلى الأهداف المرجوَّة منها. وتشير هذه الوثيقة أيضًا إلى أمرٍ بالغٍ الأهمِّيَّة، ألا وهو تقبُّل السِّيامة الكَهَنوتيَّة بارتباطها والنُّضْج المطلوب على صُعُدٍ عديدة، وليس بارتباطها وإنهاء مراحل الدِّراسة بنجاح؛ وتصيغ هذه الوثيقة هذا الأمر كالآتي:

“لا يجب أنْ يبلغ الطَّالب إلى الكَهَنوت لِمُجرَّد اجتيازه المراحل (…)، ومن دون الأخذ في الاعتبار التَّقدُّم الَّذي حقَّقه، بشكلٍ فعليّ، على مستوى نضوج كامل شخصيَّته. في الواقع، تشكِّل السِّيامة حصيلة مسارٍ روحيٍّ قد تحقَّق بشكلٍ حقيقيّ (…)، (مسارٍ) قد مَكَّن الطَّالبَ الإكليريكيَّ من البلوغ إلى النُّضْج المطلوب على الصَّعيد الإنسانيّ والمسيحيّ والكَهَنوتيّ”([27])

   وتحدِّد الوثيقة دور كلٍّ من جماعة الـمُنشِّئين والطَّالب نفسه. إذ تطلب من المنشِّئين أنْ يتحلَّوا “بالتَّماسك والموضوعيَّة (cohérence et objectivité) في تقييم الطُّلَّاب الإكليريكيِّين تقييمًا دوريًّا ومتكاملًا، آخذين في الاعتبار أبعاد التَّنشئة الأربعة([28]) الَّتي سوف تُعالَـج في الفصل الخامس”([29]). كما تطلب من الطَّالب الإكليريكيّ “طواعيَّةً (docilité)، وقراءةً ثابتةً تطاول حياته، واستعداديَّةً (disponibilité) لتقبُّل الإصلاح الأخويّ، لكيما يتطابق -دومًا وبشكلٍ أفضل- مع نداءات النِّعمة”([30])

  1. المرحلة الإعداديَّة

   تعتبر هذه الوثيقة الجديدة، استنادًا إلى خبرات العقود الماضية في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، أنْ من الضَّروريّ تخصيص “مرحلةٍ من أجل إعدادٍ ذي طابعٍ تمهيديٍّ بهدف التَّنشئة الكَهَنوتيَّة الَّتي ستأتي لاحقًا، أو بالعكس، من أجل اتِّخاذ قرارٍ لتغيير التَّوجُّه في الحياة”([31]). ومن ثمّ تُقدِّم تعريفًا بهذه المرحلة من التَّنشئة([32])، يقول:

“إنَّ المرحلة الإعداديَّة هي مرحلةٌ ضروريَّةٌ ولا بدَّ منها في التَّنشئة، ولها خصوصيَّتها. وتكمن غاياتها الأساسيَّة في وضْع الأساسات الصُّلبة للحياة الرُّوحيَّة، وفي تعزيز معرفة الذَّات بشكلٍ أفضل من أجل النُّموِّ الشَّخصيّ”([33]).

   وتشدِّد هذه الشِّرْعة الجديدة على أهمّ الوسائل الَّتي ينبغي توافرها لدى الطَّالب الإكليريكيّ من أجل البلوغ إلى حياةٍ روحيَّةٍ متينةٍ وإلى التَّمرُّس في الصَّلاة، وهي: ممارسة الأسرار، والصَّلاة الخورسيَّة، والأُلفة لِكلمة الله، والصَّمت، والتَّأمُّل والقراءة الرُّوحيَّة. كما تشير إلى وجوب أنْ يتعرَّف الطُّلَّاب في هذه المرحلة إلى العقيدة المسيحيَّة انطلاقًا من كتاب تعليم الكنيسة الكاثوليكيَّة المسيحيّ([34]).

   كما تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الوثيقة تترك للكنائس المحلِّيَّة الحرِّيَّةَ في تنظيم هذه المرحلة الإعداديَّة “وفاقًا للثَّقافات والخبرات”. ولكنَّها تشدِّد، في كلّ الأحوال، على وجوب أنْ تبقى هذه الفترة “وقتًا حقيقيًّا وخاصًّا يتعلَّق بتمييز الدَّعوة، يتحقَّق في إطار حياةٍ جماعيَّة، ووقتًا «يُـمَهِّد» للمراحل اللاحقة من التَّنشئة الأساسيَّة([35]). ومن ناحيةٍ أخرى، يجب أنْ تشدِّد التَّنشئة الَّتي تُقدَّم للطَّالب على “الشَّراكة مع الأسقف وإكليروس الأبرشيَّة والكنيسة المحلِّيَّة بأسْرِها”([36])؛ وذلك لأنَّ عددًا لا يُستهان به من الدَّعوات يأتي من حركاتٍ رسوليَّةٍ أو جمعيَّاتٍ مسيحيَّةٍ لا ترتبط غالبيَّتها بالأبرشيَّة ولجانها والعاملين فيها.

   وعن مكان عيش الفترة الإعداديَّة هذه، تورد الشِّرْعة -بوضوحٍ تامٍّ- ما يلي:

“من الملائم أنْ تُعاش الفترة الإعداديَّة في جماعةٍ متمايزةٍ عن جماعة الإكليريكيَّة الكبرى؛ ومن الملائم أيضًا -إذا كان ذلك ممكنًا- أنْ يُفرَد لها مكانٌ خاصٌّ بها”([37]).

   كما تنصح هذه الوثيقة أنْ يكون لهذه الفترة من التَّنشئة منشِّئوها الخاصُّون بها، والَّذين يهدفون إلى إعطاء الطُّلَّاب فيها تنشئةً إنسانيَّةً ومسيحيَّةً متينة، وإلى القيام باختيارٍ جدِّيٍّ وصارمٍ من أجل الإكليريكيَّة الكبرى. فالاختيار هو فعل تمييزٍ مستمرٍّ يرافق فترة التَّنشئة كلِّها.

   أمَّا النِّظام الدَّاخليّ للإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة-غزير([38])، فيُقدِّم تعريفًا بماهيَّة هذه المرحلة بالنِّسبة إلى ارتباطها بالإكليريكيَّة، وشرحًا لبُنيتها وأهدافها. ويُعتَبَر تنظيم هذه الفترة الإعداديَّة، كما هو واردٌ في هذا النِّظام، التَّنظيمَ الأوضح والأكثر صوابيَّةً من بين أنظمة الإكليريكيَّات الكاثوليكيَّة الشَّرقيَّة. ويورد الآتي:

المادَّة 129: الفترة التَّمهيديَّة هي فترةٌ يقضيها الطَّالب في الإكليريكيَّة لتمييز الدَّعوة وتأسيس الحياة الرُّوحيَّة وتعميقها، وترسيخ الانتماء والحسّ الكنسيَّين وتنمية المستوى الفكريّ.

المادَّة 130: تمتدّ هذه الفترة من سنةٍ كحدٍّ أدنى إلى سنتَين كحدٍّ أقصى بحسب حاجة كلِّ طالب ووضعه:

البند 1: تكون السَّنة الأولى سنةً تأسيسيَّةً (propédeutique) إلزاميَّةً للجميع، إلَّا إذا ارتأى مجلس الإدارة عكس ذلك.

البند 2: تكون السَّنة الثَّانية سنةً تحضيريَّةً (préparatoire) إضافيَّةً للطُّلَّاب الَّذين تتوافر فيهم شروط الدَّعوة بوضوح، وهم في حاجةٍ إلى المزيد من الوقت والتَّحضير للوصول إلى المستوى الفكريّ الجامعيّ المقبول، بعد موافقة مطران الطَّالب.

البند 3: تتميَّز السَّنة الثَّانية التَّحضيريَّة ببرنامجٍ وأوقاتٍ خاصَّةٍ بها تتلاءم وحاجة كلِّ طالب”([39])

   وتُقدِّم الشِّرْعة المارونيَّة بعض المعايير لاختيار الطُّلَّاب الَّذين يمكنهم أنْ ينتقلوا في ختام المرحلة الإعداديَّة إلى الإكليريكيَّة الكبرى، كالآتي:

“في نهاية الفترة الإعداديَّة يتأكَّد المسؤولون من صحَّة النِّداء الَّذي يوجِّهه الرَّبّ إلى الشَّخص المدعوّ، ومن قبوله لهذا النِّداء بعد أنْ يكون قد أظهر حدًّا كافيًا من الطواعيّة للدخول في نظام الحياة الجماعيَّة، ورغبةً صادقةً في التمرُّس بالمسائل الرُّوحيَّة والتَّقْوِيَّة، وأهلِيَّةً مقبولةً للعمل الفكريّ([40]).    

   ويُشدِّد الإرشاد الرَّسوليّ أُعطيكم رُعاة على بعض المزايا الَّتي يجب أنْ تتوافر عند الطُّلَّاب الَّذين يرغبون في عيش اختبار دعوتهم في الفترة الإعداديَّة، ويورد الآتي:

“(…) خلوص النيَّة، وقدر كافٍ من النُّضْج الإنسانيّ ومعرفة واسعة لعقيدة الإيمان وبعض الإلمام بطرائق الصَّلاة ونمط حياةٍ ينسجم مع التَّقليد المسيحيّ. وليكن لهم من السِّيرة ما يعبّر، طِبْقًا للعادات المرعيَّة في مناطقهم، عن سعيهم إلى الله وإلى الإيمان”([41]).

  • مرحلة الدُّروس الفلسفيَّة (أو تكوين التِّلميذ)

   تقدِّم هذه الشِّرْعة الجديدة تعريفًا لاهوتيًّا وروحيًّا بهذه المرحلة من التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، وتربطها بمفهوم التِّلميذ (disciple) وماهيَّته، إذ تورد الآتي:

“إنَّ التِّلميذ هو الَّذي يدعوه الرَّب إلى أنْ يكون معه (راجع مر 3: 14)، وإلى أنْ يتبعه ويصير مُرسَلًا للإنجيل (…). أنْ نكون مع المسيح يصبح طريقًا تربويًّا وروحيًّا يحوِّل الوجود، ويجعل منَّا شهودًا لحبِّ المسيح في العالم”([42])

   لا يرتبط مفهوم التَّلمذة بفترةٍ زمنيَّةٍ محدَّدة، إذ “أنْ يصير (الإنسان) تلميذًا هي خبرةٌ وديناميَّةٌ تطولان الحياة بأسرها، وتشملان التَّنشئة الكَهَنوتيَّة كلَّها”([43]). وهذا ما يتطلَّب، على المستوى التَّربويّ، فترةً زمنيَّةً خاصَّةً تُـمَكِّن الطَّالبَ الإكليريكيَّ من الالتزام، بعمقٍ، بـاتِّباع المسيح (sequela Christi). وتتميَّز هذه الفترة بتنشئة تلميذ المسيح وتكوينه ليصير راعيًا، وبالتَّشديد على البُعد الإنسانيّ، بتناغمٍ والنُّموّ الرُّوحيّ([44]). وتورد هذه الوثيقة، في خصوص النَّاحية الإنسانيَّة من التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، ما يلي:

“تسمح هذه المرحلة، عبر انفتاحٍ على الرُّوح القدس، بإنجاز عملٍ منهجيٍّ يطاول شخصيَّة الطُّلَّاب الإكليريكيِّين (…). في الواقع، ترتبط قداسة الكاهن، في قسمٍ كبيرٍ منها، بأصالة إنسانيَّته ونضوجها؛ هذه القداسة الَّتي تلتحم بالإنسانيَّة وتتَّحد بها. فإذا كانت الشَّخصيَّة غير منظَّمةٍ وغير متَّزنةٍ بما فيه الكفاية، فإنَّها تشكِّل -بطريقةٍ موضوعيَّة- مانِعًا جدِّيًّا من متابعة التَّنشئة في الكَهَنوت”([45]).

   وتشدِّد الشِّرْعة على دور الطُّلَّاب أنفسهم في أنْ يُرَوِّضوا طِباعَهم ويهذِّبوها، وأنْ يقتنوا الفضائل الإنسانيَّة، “كالصِّدْق والاهتمام المستمرّ بالعدالة والأمانة للالتزامات والتَّصرُّفات المهذَّبة والكلام الـمُحِبّ والـمُحتَشِم معًا”([46]). وهذه الفضائل تجعل منهم “انعكاسًا حيًّا لإنسانيَّة المسيح، وجسرًا ما بين النَّاس والله”([47]).

   كما تشدِّد هذه الوثيقة على أهمِّيَّة مرافقة الطُّلَّاب في نموِّهم: إنَّ مرافقة المنشِّئين أساسيَّة، بالإضافة إلى مرافقة المرشد الرُّوحيّ، وإلى ضرورة وجود مرافقةٍ نفسيَّةٍ يُقدِّم المساعدة في بعض الحالات. ويهدف مسار التَّنشئة، في هذه المرحلة، إلى تربية المدعوِّ إلى الكَهَنوت على معرفة حقيقة ذاته، وعلى الحرِّيَّة، وعلى ضبْط نفسه. كما يجب أنْ تساعده على تخطِّي مختلف أشكال الفردانيَّة، وعلى تحقيق بذْل ذاته بشكلٍ صادقٍ وتامٍّ، لكي يتمكَّن من تكريس حياته من أجل الآخرين([48]). ويجب أنْ يلحظ “المنشِّئون، وبخاصَّةٍ المرشد الرُّوحيّ، مسارًا تربويًّا يقترحونه على الطَّالب، لكي يتمكَّنوا من مرافقته في ديناميَّة نُـمُوِّه، وذلك بمساعدته على أنْ يعي فقره الشَّخصيّ، من جهة، وحاجته إلى نعمة الله والإصلاح الأخويّ، من جهةٍ أخرى”([49]).

   في ختام مرحلة الدُّروس الفلسفيَّة، وإذا بلغ الطَّالب الإكليريكيّ “الحرِّيَّة الدَّاخليَّة والنُّضْج الدَّاخليّ الكافيَين”، عليه أنْ يبدأ “بسلامٍ وفرح، مسيرةً تقوده إلى أنْ يتشبَّه (configuration)، بشكلٍ أكبر، بالمسيح على حسب الدَّعوة إلى الخدْمة المكرَّسة”([50]). وتقبل الإكليريكيَّة الطَّالب في عداد المدعوِّين إلى الكَهَنوت (من بعد أنْ يكون قد قدَّم طلبًا لذلك)، من بعد تأكُّدِها من أنَّه بلغ النُّضْج الكافي، واكتسب الصِّفات المطلوبة منه. وتضيف الشِّرْعة، في هذا الشَّأن، ما يلي:

“إنَّ قَبول الطَّالب في عداد المدعوِّين إلى الدَّرجات يمثِّل، بالنِّسبة إليه، اعترافًا رسميًّا من الكنيسة الَّتي تدعوه إلى متابعة تنشئته من أجل أنْ يتشبَّه بالمسيح الرَّاعي”([51]).  

   أمَّا النِّظام الدَّاخليّ فيعرِّف بـ”قسم الفلسفة” كالآتي:

“فترة الفلسفة هي فترة تمييزٍ لمؤهَّلات الطَّالب وقدرته على تحمُّل متطلِّبات الدَّعوة الكَهَنوتيَّة والعمل على تنميتها، وعلى تنضيج البعد الإنسانيّ والرُّوحيّ والفكريّ بشكلٍ أساسيّ”([52]).

   وإذا عُدْنا إلى الشِّرْعة المارونيَّة، نجد فيها ما ينبغي للطَّالب الإكليريكيّ أنْ يتحلَّى به من قيمٍ وفضائل لكي ينتقل من مرحلة الدُّروس الفلسفيَّة إلى مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة، كالآتي:

“وفي ختام مرحلة الفلسفة، يتثبَّت المسؤولون من اكتساب الشَّخص المدعوّ للفضائل الإنسانيَّة، ومن قدرةٍ كافيةٍ على المنطق السَّليم والحكم الصَّائب، ومن ممارسةٍ مسؤولةٍ لحرِّيَّته الذاتيَّة، ومن سلامة علاقاته الاجتماعيَّة، وتمسُّكه بقول الحقيقة، ومن فَهْمٍ سليمٍ لحياته العاطفيَّة([53]) وعلاقته بالمرأة([54]).

  • مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة (أو التَّشبُّه بالمسيح)

   تشدِّد شِرْعة “عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة“، في هذه المرحلة، على مفهوم التَّشبُّه بالمسيح (configuration au Christ)، معتبرةً إيَّاه مفهومًا يلخِّص مسيرة الكاهن كلِّها. وتعتبر هذه الشِّرْعة أنَّ “حياة الكاهن بأسرها، منذ لحظة تقبُّله الدَّعوة، هي تنشئةٌ متواصلة (…). وفي ختام المرحلة الَّتي تُدعى بتكوين التِّلميذ، تُرَكِّز التَّنشئة على تشبُّه الطَّالب الإكليريكيّ بالمسيح، الرَّاعي والخادم، لكي يتمكَّن هذا الطَّالب -وهو مُتَّحِدٌ بالمسيح- من أنْ يُقدِّم حياته عطيَّةً من أجل الآخرين”([55]).

   تحدِّد هذه الوثيقة المهمَّة غايةَ مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة وهدفها “بالتَّنشئة الرُّوحيَّة الخاصَّة بالكاهن”([56]). فيسعى الطَّالب الإكليريكيّ إلى أنْ يتماثل تدريجيًّا مع المسيح، وإلى أنْ يتبنَّى أحاسيسه ومواقفه، وإلى “أنْ يتشبَّه، بشكلٍ تدرُّجيٍّ، بقامة الرَّاعي الصَّالح الَّذي يعرف خرافه ويبذل حياته من أجلها، ويخرج باحثًا عن الخراف الَّتي هي خارج الحظيرة (راجع يو 10: 14-17)”([57]). وتدعو هذه الشِّرْعة الطَّالب أيضًا إلى عيش الفضائل الأساسيَّة والفضائل اللاهوتيَّة، والمشورات الإنجيليَّة: الفقر والعفَّة والطَّاعة. كما تدعوه إلى أنْ “يتمَّرس بقراءة تاريخه الشَّخصيّ، بشكلٍ تدرُّجيّ، في ضوء المحبَّة الرَّاعويَّة الَّتي تُحيي حياة الكاهن وتُكَوِّنُـها وتُحرِّكها”([58]).

   وإذا عُدْنا إلى الشِّرْعة الماورنيَّة نجدها تشدِّد على وجوب اكتساب “مؤهِّلاتٍ جيِّدةٍ” تُـمَكِّن الإنسان المدعوَّ “من التَّشبُّه بالرَّبّ يسوع وتكريس حياته لخدمة بشارته”([59]). ونورد، هنا، بعض ما ورد فيها كالآتي:

“(…) الشَّخص المدعوّ قد كشف عن مؤهِّلاتٍ جيِّدةٍ تبرهن على استعداده ليكون خادمًا متواضعًا، وعن تمرُّسه بحياة الصَّلاة وممارسة الأسرار، لا سيَّما الإفخارستيَّا والتَّوبة، وعن لجوئه الثَّابت إلى الصَّمت والتَّأمُّل، وعن حبِّه للمسيح وللكنيسة والدِّفاع عن قضاياها وتعاليمها([60]).

   كما يؤكِّد النِّظام الدَّاخليّ على وجهة هذه المرحلة الَّتي يجب أنْ تكون “فترة التَّتلمذ المباشر لتكوين الهويَّة الكَهَنوتيَّة وتعميق الاختبار الإيمانيّ واختبار الواقع الرَّعويّ”([61]). ويحدِّد مدَّتها بأربع سنواتٍ جامعيَّة؛ وتكون السَّنة الرَّابعة بمنزلة سنةٍ رعائيَّةٍ يتابع فيها الطَّالب الإكليريكيّ تنشئةً أكاديميَّةً رعائيَّة([62]).

   تهدف تنشئة الطُّلَّاب الإكليريكيِّين، من ناحيةٍ أخرى، إلى إكسابهم “روحانيَّة الكاهن الأبرشيّ”، في هذه المرحلة من تنشئتهم؛ هذه الرُّوحانيَّة الَّتي تقتضي بَذْل الذَّات من أجل الأبرشيَّة، والارتباط الوثيق بالإكليروس الأبرشيّ، والعلاقة الوثيقة بالأسقف والإخوة الكهنة جميعًا([63]). وتُفرِد الشِّرْعة المارونيَّة بابًا خاصًّا بـالتَّنشئة في الحسّ الكنسيّ، إذ تعتبر أنَّ “الحسَّ الكنسيّ، أو الانتماء الكنسيّ يجب أنْ يشكِّل ميزةً خاصَّةً في لاهوت الخِدْمة الكهنوتيَّة الأبرشيَّة، وروحانيَّتها”([64]). وتتوسَّع في شرْح ذلك مشدِّدةً على وجوب أنْ “يتجسَّد الانتماء الكنسيّ إلى الكنيسة الجامعة في انتماء الكاهن إلى كنيسةٍ محلِّيَّة (…)”([65]). وتدعو المرشَّح إلى الكَهَنوت إلى أنْ يكون “«إنسانًا كنسيًّا»، ملتصقًا كلِّيًّا، في هويَّته وعمله، بجسد المسيح السِّرّيّ العامّ الـمُتجسِّد في كنيسته المحلِّيَّة. فعليه أنْ يفكِّر ويعمل ضمن مبدأ الشَّركة والتَّعاون الَّذي تؤسَّس عليه الكنيسة. وعليه أنْ يبتعد عن كلِّ نزعةٍ نحو الأنانيَّة والتَّفرُّد والانعزال”([66]).

  وتوصي الشِّرْعةُ إدارةَ الإكليريكيَّة بِـمَنْح طلَّابها، إبَّان هذه المرحلة، “وفاقًا لنضوج كلِّ مدعوٍّ ولِما هو مناسبٌ للتَّنشئة، خدْمَتَـي القارئيَّة والشَّمْعِدانِيَّة (acolytat)، لكي يتمكَّنوا من القيام بهاتَين الخِدْمتَين ضمن مدَّةٍ ملائمة، فيتهيَّأوا بشكلٍ أفضل لِـخِدْمَتَـي الكلمة والمذبح، في المستقبل”([67]). وهذا ما هو واردٌ أيضًا في النِّظام الدِّاخليّ الَّذي ينصّ على أنْ “تُـمنَح الدَّرجات الصُّغرى: المرتِّل والقارئ والشِّدياق خلال سنوات اللاهوت الثَّلاث”([68]).

   وتترك الشِّرْعة الباب مفتوحًا أمام إمكانيَّة تغيير المسار والتَّوجُّه في الحياة، وإيقاف التَّنشئة من أجل الكَهَنوت. فإذا ما اكتشف الطَّالب الإكليريكيّ أنَّ دعوته في الحياة ليست في الكَهَنوت، أو إذا ما ارتأى المنشِّئون أنَّ هذه الدَّعوة غير ثابتة، وذلك من بعد المرافقة المناسبة، على هذا الطَّالب “بمبادرةٍ شخصيَّةٍ منه أو بطلبٍ من المنشِّئين، أنْ يوقف تنشئته الهادفة إلى السِّيامة الكَهَنوتيَّة”([69]). ولكن تبقى “مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة، بطبيعتها، موجَّهةً نحو تقبُّل سرّ الدَّرجة”([70]).

  • المرحلة الرَّاعويَّة )أو الخُلاصة عن الدَّعوة)

   تُحدِّد الشِّرْعة الجديدة المرحلة الرَّاعويَّة فتقول إنَّها “تمتدّ ما بين الفترة الَّتي يقضيها الطَّالب الإكليريكيّ في الإكليريكيَّة والسِّيامة الكَهَنوتيَّة. وإنَّها تتضمَّن، بشكلٍ أكيد، تقبُّل (السِّيامة) الشَّمَّاسيَّة”([71]). على الشَّمَّاس، أثناء هذه المرحلة،  أنْ ينخرط -أكثر فأكثر- في الحياة الرَّاعويَّة، وأنْ يتحمَّل مسؤوليَّاتٍ أكبر، هذا من ناحيةٍ أولى. وعليه، من ناحيةٍ أخرى، أنْ يتهيَّأ -بشكلٍ ملائم- للحياة الكَهَنوتيَّة بمرافقةٍ خاصَّة([72])

   تحدِّد هذه الوثيقة دور المجالس الأسقفيَّة في ما يتعلَّق بمسار تنشئة الَّذين يستعدُّون للسِّيامتَين الشَّمَّاسيَّة والكَهَنوتيَّة. غير أنَّها تورد ما يلي: “عادة، تُنظَّم هذه المرحلة خارج الإكليريكيَّة نفسها، في القليل خلال فترةٍ غير قصيرة”([73]). وتشدِّد على دور كاهن الرَّعيَّة الَّذي يستقبل الشَّمَّاس الَّذي يتابع هذه المرحلة الرَّاعويَّة، إذ عليه أنْ يكون مُدرِكًا للمهمَّة الدَّقيقة الـمُلقاة على عاتقه، وهي مهمَّة تنشئة الطَّالب الإكليريكيّ ومرافقته في الانخراط التَّدريجيّ في العمل الرَّاعويّ. أمَّا في خصوص مدَّة هذه المرحلة فتورد الشِّرْعة ما يلي:

“إنَّ مدَّة هذه المرحلة من التَّنشئة قابلةٌ للتَّغيير والتَّبديل، وترتبط بالنُّضْج الفعليّ للطَّالب الَّذي يستعِدُّ لتَقَبُّل الدَّرجات، وبأهليَّته لتقبُّلها. غير أنَّه من الضَّروريّ احترام الفترات الزَّمنيَّة الَّتي ينصّ عليها الحقّ القانونيّ، والَّتي تفصِل ما بين تقبُّل الشَّمَّاسيَّة وتقبُّل الكَهَنوت”([74])

   أمَّا الشِّرْعة المارونيَّة فتشدِّد على وجوب أنْ يخضع الشَّمامسة لـ”سنةٍ رعائيَّةٍ تتضمَّن الموادَّ النَّظريَّة والتَّمارين العمليَّة”([75]). وفي شأنْ مكانها، تورد الآتي: “من المحبَّذ جدًّا أنْ تُنظَّم هذه السَّنة داخل الإكليريكيَّة وبالتَّعاون بين عدَّة إكليريكيَّاتٍ والتَّنسيق مع أبرشيَّات الشَّمامسة والرَّعايا الَّتي يمارسون فيها خدمتهم تمهيدًا لرسامتهم الكَهَنوتيَّة”([76]).

   وإذا راجعْنا النِّظام الدَّاخليّ نجد أنَّه يعتبر السَّنة الرِّعائيَّة مرحلةً أساسيَّةً من سنوات التَّنشئة، ويفرد لها قسمًا خاصًّا بها. ويعتبر هذا النِّظام أنَّ “السَّنة الرِّعائيَّة هي السَّنة الرَّابعة-لاهوت([77])، تهدف إلى التَّهيئة المباشرة للعمل الرِّعائيّ، للطُّلَّاب (…) الَّذين يتهيَّأون للسِّيامة الكَهَنوتيَّة”([78]). كما يعتبر أنَّ التَّنشئة الَّتي يخضع لها الطُّلَّاب الإكليريكيُّون في هذه السَّنة الرِّعائيَّة، أي “في السَّنة الرَّابعة، (هي) تنشئةٌ أكاديميَّةٌ رعائيَّة”([79]).

   وتشدِّد هذه الشِّرْعة على وجوب أنْ يتهيَّأ الَّذين ينالون سرَّ الكَهَنوت تهيئةً ملائمةً ومناسبة، بخاصَّةٍ على المستوى الرُّوحيّ. إذ يتدرَّبون على روح الصَّلاة والتَّأمُّل، وعلى بُنيان علاقةٍ وثيقةٍ بشخص يسوع المسيح، وعلى التَّردُّد إلى وجوهٍ كَهَنوتيَّةٍ تكون لهم بمنزلة مِثالٍ حيٍّ للخدمة والتَّفاني، وعلى قراءة رتبة السِّيامة والتَّعمُّق في نصوصها، وغيرها([80]). كما توصي بضرورة أنْ تستعدَّ عائلة المرشَّح للكَهَنوت والجماعة الرَّعويَّة الَّتي ينتمي إليها، استعدادًا مكثَّفًا وملائمًا لهذا الحدث الكنسيّ الجليل الَّذي يطولهما كما يطول المدعوّ إلى السِّيامة([81])

   لا يتوقَّف مسار التَّنشئة من بعد السِّيامة الكَهَنوتيَّة، إذ هو يُستكمل “داخل عيلة جماعة الإكليروس (presbyterium). وهنا، يعود إلى الأسقف، بمساعدة معاونيه، أنْ يساعد الكهنة على الدُّخول إلى منطق الدِّيناميَّات الخاصَّة بالتَّنشئة الدَّائمة”([82]).

ثانيًا: التَّنشئة الدَّائمة

   ليست التَّنشئة الدَّائمة (formation permanente)([83]) مجموعةً من اللِّقاءات والمحاضرات التَّثقيفيَّة. ولا هي استكمالٌ لِما نَقَصَ من تنشئة الكاهن الأساسيَّة. وليست الغاية منها تحديث معلومات الكاهن، الَّتي قد يكون الزَّمان قد تخطَّاها. إنَّما هي “تعبِّر عن الفكرة القائلة إنَّ على المدعوِّين إلى الكَهَنوت ألَّا يتوقَّفوا البتَّة عن أنْ يختبروا أنَّهم تلاميذ (…). فالكاهن (…) مأخوذٌ بمسارٍ يجعله يتشبَّه بالمسيح، بشكلٍ تدريجيٍّ ومستمرّ، على مستوى كيانه وفي مسلكه”([84]). أمَّا الدَّافع الأساسيّ للتَّنشئة الدَّائمة، فتبقى المحبَّة الرَّاعويَّة([85])، لأنَّه من حقِّ المؤمنين أنْ يكون كهنتهم ناضجين بما فيه الكفاية ومنشَّأين تنشئةً متينةً وصلبة([86]). لذا، على الكاهن أنْ يفقه أنَّه “المسؤول الأوَّل والأساسيّ عن تنشئته الدَّائمة”([87]) لِما فيه خير شعب الله الـمُؤتَـمَن عليه([88]).

   أمَّا في ما يتعلَّق بإطار هذه التَّنشئة الدَّائمة فتورد الشِّرْعة أنَّها تنمو وتتطوَّر في قلب “الأُخوَّة الكَهَنوتيَّة”([89]). لذا، على كلّ أبرشيَّةٍ أنْ تُعَيِّن كاهنًا أو مجموعةً من الكهنة يكونون مُعدِّين للقيام بهذه المهمَّة، لكي يتمّ تنظيم هذه التَّنشئة الَّتي عليها أنْ تأخذ في الاعتبار الفئة العمريَّة لكلِّ كاهن وظروفه الخاصَّة([90]). وتعتبر جميع الوثائق الكنسيَّة أنَّ مسؤوليَّة هذه التَّنشئة المستمرَّة تقع على البابا والأساقفة([91]).

   تقسم الشِّرْعة الجديدة التَّنشئةَ الدَّائمة إلى مرحلتَين: الأولى تتعلَّق بالسَّنوات الَّتي تلي السِّيامة الكهنوتيَّة مباشرة. والثَّانية تأتي بعد سنواتٍ عديدةٍ يكون الكاهن قد اختبر فيها العمل الرَّاعويّ.

   تُشدِّد هذه الوثيقة على أنَّ التَّنشئة الدَّائمة في السَّنوات الأولى بعد سيامة الكاهن، ينبغي لها أنْ تدرِّب الكاهن على الأمانة للقاءاته الشَّخصيَّة للرَّبّ يسوع، وعلى أنْ تكون للمرافقة الرُّوحيَّة مكانةٌ خاصَّةٌ في حياته، وعلى أنْ يعتاد على استشارة كهنةٍ ذوي خبرةٍ راعويَّةٍ كبيرة، وعلى أنْ يتمكَّن من التَّواصل والتَّعاون مع كهنةٍ من جيله. وتُحبِّذ الشِّرْعة هذه “المرافقة الَّتي يقوم بها الزُّملاء الكهنة الَّذين يعيشون حياةً مثاليَّةً والَّذين يتمتَّعون بغَيرةٍ راعويَّة، للكهنة الجدد بغية مساعدة هؤلاء على الانخراط، بكلِّ قلوبهم وبطريقةٍ فاعلة، في حياة الإكليروس الأبرشيّ بأسره”([92]).

   وتشير هذه الوثيقة عينها إلى الدَّور الأساسيّ الَّذي يؤدِّيه الأسقف، إذ عليه أن يسعى إلى “تفادي أنْ يغرق المرسومون الجدد في أوضاعٍ في غاية الصُّعوبة والدِّقَّة، كما يجب تحاشي الوظائف الَّتي تبعدهم، بداعي العمل، عن زملائهم. إنَّما يجب، بقدر المستطاع، تعزيز أشكالٍ ملائمةٍ من الحياة المشتركة”([93])، ويجب أنْ تُوَفَّر لهم مرافقةٌ شخصيَّةٌ مناسِبَةٌ وجدِّيَّة. وتشدِّد الشِّرْعة على دور كاهن الرَّعيَّة الَّذي يُعيَّن الكاهن الجديد معه، إذ عليه أنْ يعتبر نفسه المسؤول الأوَّل عن تنشئة هذا الكاهن الجديد الدَّائمة([94]).

   أمَّا التَّنشئة الدَّائمة الَّتي يتلقَّاها الكاهن بعد سنواتٍ عديدةٍ من الخدْمة الكَهَنوتيَّة فعليها أنْ تواجه تحدِّياتٍ جديدةً تطول خدمة الكاهن وحياته الشَّخصيَّة والكَهَنوتيَّة. وتعدِّد الشِّرْعة أبرز هذه التَّحدِّيات كالآتي:

  • اختبار الضُّعف الشَّخصيّ: تورد هذه الوثيقة عن هذا الموضوع، ما يلي: “يمكن الكاهن الَّذي يختبر ضعفه، أنْ يقوده هذا الاختبار إلى أنْ ينمو في التَّواضع وفي الثِّقة بالعمل الرَّؤوف الَّذي ينجزه الله”([95]). أمام هذا الواقع، على الكاهن ألَّا يعيش العزلة، بل هو يحتاج إلى سندٍ ومرافقةٍ على المستويَين الرُّوحيّ والنَّفسيّ. من هنا تبرز أهمِّيَّة توطيد علاقة الكاهن بمرشده الرُّوحيّ، فيتمكَّن من قراءة حياته في ضوء الإنجيل.
  • خطر أنْ يشعر الكاهن بأنَّه موظَّف لدى “ما هو مُقَدَّس” (du sacré): بمرور السَّنين، قد يقع الكاهن في خطر أنْ ينظر إلى ذاته “كأنَّه موظَّفٌ لدى الكنيسة أو لدى ما هو مقدَّس، من دون أنْ يكون لديه قلب راعٍ”([96]). لذا، على الكاهن الَّذي يقع في هذا المحظور أنْ يسعى إلى أنْ يكون قريبًا، أكثر فأكثر، من إخوته الكهنة، وأنْ يكون سلِس الـخُلْق ليِّن الجانب.
  • تحدِّي الثَّقافة المعاصِرة: يؤدِّي الكاهن خدْمته الكَهَنوتيَّة في قلب الثَّقافة المعاصرة مع كلِّ ما يتطلَّب ذلك من انفتاحٍ وتحديث. وهذا ما يجب أنْ يدفعه إلى تعزيز تنشئته الدَّائمة وتمتينها، على الصُّعُد كافَّة: الإنسانيَّة والرُّوحيَّة والفكريَّة والرَّاعويَّة.
  • جاذبيَّة السُّلطة والغنى: قد تجذب الكاهنَ السُّلطةُ أو المركز؛ وقد يُغريه السَّعي إلى امتهان وظيفةٍ أو إلى الرَّغبة في الغنى والثَّروة، ممَّا يقلِّل من الطَّواعيَّة لديه والاستعداد لعمل مشيئة الله في حياته، ولخِدْمة شعب الله. في بعض الحالات، على السُّلطةُ المختصَّة أنْ توجِّه تحذيرًا أو حتَّى توبيخًا أخويًّا إلى هذا الكاهن، وذلك بهدف الإصلاح.
  • تحدِّي العزوبة: ليس بالأمر السَّهل أنْ يعيش الكاهن العزوبة المكرَّسة من أجل الملكوت وسط عالمٍ يضخّ كمِّيَّاتٍ هائلةً من الإغراءات، ووسط ضغوط الحياة الرَّاعويَّة المتزايدة. فعوض أنْ تنمو شخصيَّة الكهنة وأن تبلغ نضوجًا أكبر، نلمس لدى البعض منهم تراجعًا عاطفيًّا وميلًا إلى الاهتمام المفرط بحياته الشَّخصيَّة وحاجاته الخاصَّة، ممَّا “يُعيق ممارسة الأبوَّة الكَهَنوتيَّة والمحبَّة الرَّاعويَّة”([97]).
  • الإخلاص التَّامّ للخِدْمة: إنَّ تعاقب السِّنين،والتَّعب الجسديّ، والصِّراعات أو الخلافات، وبروز الأمراض، وخيبات الأمل الَّتي قد يُصاب بها الكاهن تجاه الانتظارات الَّتي كان يتوقَّع تحقيقها في خدمته الرَّاعويَّة، وغيرها، “يمكنها أنْ تُضعِف لدى الكاهن الغيرة الرَّسوليَّة والسَّخاء في الالتزام بالخِدْمة الرَّاعويَّة”([98])

   تلفت هذه الشِّرْعةُ الجديدة النَّظرَ في إمكانيَّة أنْ نجد كهنةً مرضى، من مختلف الأعمار. يمكن هؤلاء أنْ يؤدُّوا شهادةً حلوةً، أمام الجماعة الكنسيَّة وأمام الإكليروس، على حياةٍ مكرَّسةٍ بأكملها للرَّبّ، بما فيها من مواطن قوَّةٍ ومواطن ضعفٍ ووهن. وتشدِّد هذه الوثيقة على ضرورة “أنْ يشعر هؤلاء بأنَّهم جزءٌ لا يتجزَّأ من الإكليروس ومن الحياة الأبرشيَّة، بخاصَّةٍ بالزِّيارات الَّتي يقوم بها لهم إخوتهم الكهنة، وبالقُرْب الـمُتنبِّه الَّذي يبدونه تجاههم”([99])

   وتتطرَّق هذه الشِّرْعة الجديدة، في المقطعَين الأخيرَين (راجع العددان 87-88) من الفصل الرَّابع، إلى مصطلحٍ دعَتْهُ: “الأُخوَّة الأسراريَّة” (fraternité sacramentelle). وتورد أنَّ “الأُخوَّة الأسراريَّة تشكِّل عونًا ثمينًا لتنشئة الكهنة الدَّائمة (…). و«أخوَّة السِّرِّ العميقة» ما بين الكهنة هي، إذًا، أُولى تجلِّيات المحبَّة، وهي الحيِّز الأوَّل حيث يمكن هذه المحبَّة أنْ تنمو”([100]). وتقترح هذه الوثيقة بعض الأشكال الملموسة لعيش هذه الأخوَّة الأسراريَّة، كالآتي:

  • اللِّقاءات الأخويَّة: بهدف الصَّلاة أو قراءة الكتاب المقدَّس أو تعميق موضوعٍ لاهوتيٍّ محدِّدٍ أو تمضية الوقت مع الإخوة الكهنة. ومن المستحبّ تشجيع هذه اللِّقاءات وتفعيلها. ويورد بطاركة الشَّرق الكاثوليك، عن هذا الموضوع، نصًّا جميلًا، يقول: “فليَعمَل الكهنةُ الموجودون في المدينة الواحدة على الالتقاء معًا، في القليل في بعض أوقات النَّهار، مثلًا للطعام والصَّلاة (…). وبصورةٍ عامَّة، يجب أنْ تنفتح الحياة الشَّخصيَّة للكهنة على الأُخوَّة الكَهَنوتيَّة، فتكونُ بينهم ضيافةٌ ولقاءاتٌ وصلوات”([101]).  
  • الإرشاد الرُّوحيّ والاعتراف: تصبح الأخوَّة الأسراريَّة أكثر فعاليةً في حياة الكهنة عندما يعمدون إلى اللُّجوء أحدهم إلى الآخر، بهدف أنْ يسترشد لديه أو أنْ يتقدَّم من سرِّ التَّوبة (أو الاعتراف). “ففي أوقات الشِّدَّة، يمكن الكهنة أنْ يجدوا في المرشد الرُّوحيّ أخًا يساعدهم على تمييز أصل مشاكلهم، وعلى أنْ يضعوا موضع التَّنفيذ الوسائل الملائمة لتخطِّيها”([102]). ويتطرَّق بطاركة الشَّرق الكاثوليك إلى هذه المسألة، ويورِدون الآتي: “إنَّ الإرشاد الرُّوحيّ ضرورةٌ حيويَّةٌ للكاهن، ولا سيَّما في المصاعب الَّتي يتعرَّض لها والأزمات الَّتي يمرُّ بها (…). ومن ثمَّ، على هذه الممارسة أنْ تستمرّ ما بعد الإكليريكيَّة، لأنَّ الكاهن لا يقدر أنْ يعيش كهنوته وحده. إنَّه في حاجةٍ إلى أبٍ روحيٍّ يرافقُه ويحمل معه ثِقَلَ «النَّهار وحرَّه» (…). ويكون المرشدُ عادةً هو نفسُه الـمُعَرِّف. وهذه أيضًا ضرورةٌ في حياة الكاهن ليَثبُتَ ويبقى أمينًا لكهنوته”([103]).  
  • الرِّياضات الرُّوحيَّة: لها أهمِّيَّةٌ قصوى في حياة الكهنة وخدْمتهم، لأنَّها تسمح لهم بأنْ يلتقوا بالرَّبّ في الخَلْوة والصَّمت، وتشكِّل زمنًا مميَّزًا لمراجعة حياتهم الشَّخصيَّة والرَّسوليَّة. كما أنَّها تشكِّل مِساحةً مهمَّة، إذا ما نُظِّمَت بشكلٍ جماعيّ، لتعزيز المشاركة الأخويَّة والشَّراكة الكَهَنوتيَّة في ما بينهم.
  • المائدة المشتركة: أنْ يتقاسم الكهنة المائدةَ بعضهم مع بعض، لَـهي فرصةٌ مناسبةٌ ليُعمِّقوا معرفتهم الشَّخصيَّة كلّ واحد بأخيه، وليتدرَّبوا على السَّماع لبعضهم، ولكي يُقدِّروا المواهب المتنوِّعة لديهم. ويورد المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، في هذا الشَّأن، ما يلي: “على الكهنة ألَّا ينسوا أمر الضِّيافة، منقادين بروح الأُخوَّة، وأنْ يواظِبوا على الإحسان وعلى شركة الخيرات، وأنْ يهتمُّوا خاصَّةً بالمرضى، والحزانى، والمرهقين بالشُّغل، وبمن يعيشون في عزلة (…). عليهم أنْ يجتمعوا، راضين فرحين للتَّرويح عن النَّفس (…)”([104])  
  • الحياة المشتركة: تشجِّع الوثيقة على أنْ يعيش الكهنة معًا وأنْ يعمدوا إلى الاحتفال بالصَّلاة الجماعيَّة (أي الصَّلاة الخورسيَّة الطَّقسيَّة أو ليتورجيَّا السَّاعات) سويَّة، وإلى التَّأمُّل في كلمة الله، والمشاركة في حلقات التَّنشئة الجماعيَّة. هكذا يعيشون حياةً مشتركةً تسند خدْمتهم الرِّعائيَّة. “كما تهدف الحياة المشتركة أيضًا إلى أنْ تدعم التَّوازن العاطفيّ والرُّوحيّ لدى من يعيش هذه الحياة المشتركة، وإلى أنْ تقوِّي الشَّراكة مع الأسقف”([105]). أمَّا بطاركة الشَّرق الكاثوليك فيُولُون هذا الموضوع الأهمِّيَّة الَّتي يستحقُّها، ويوصُون بالآتي: “الحياة الكهنوتيَّة المشتركة وسيلةٌ للتَّعاون الأخويّ وللتَّجدُّد في الحياة الكَهَنوتيَّة. وهي خبرةٌ جيِّدة، وإنَّنا نوصي بها حيث يمكنكم العملُ بها، ولا سيَّما في المدن حيث توجد رعايا كثيرة”([106]).
  • الجمعيَّات الكَهَنوتيَّة: تسعى هذه الجمعيَّات إلى تعزيز الوحدة في ما بين الكهنة، وارتباطهم بالأسقف، ممَّا يدفعهم إلى عيش القداسة وعيش التزامهم الرَّاعويّ بشكلٍ جذريّ. كما ينتسب بعض الكهنة إلى حركاتٍ كنسيَّةٍ تعزِّز لديهم جوًّا من الشَّراكة وتحثُّهم على عيش اندفاعٍ رساليٍّ دائم التَّجدُّد([107])

ثالثًا: ملاحظاتٌ عامَّة

  1. في ما يتعلَّق بمراحل التَّنشئة الأساسيَّة لطلَّاب الكَهَنوت، تبقى الشِّرْعة الجديدة في خطّ الكنيسة التَّقليديّ، أي أنَّها تقسم التَّنشئة الكَهَنوتيَّة إلى مرحلتَين كبيرتَين، هما: مرحلة الدُّروس الفلسفيَّة ومرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة. بيد أنَّ التَّجديد يبين في التَّشديد على غاية كلّ مرحلةٍ مِنْ هاتَين المرحلتَين. أمَّا جديد هذه الوثيقة الجديدة، فهو التَّركيز على أهمِّيَّة المرحلة الإعداديَّة وإلزاميَّتها، وعلى ضرورة إيلاء المرحلة الرِّعائيَّة الأهمِّيَّة الَّتي تستحقُّها. فبينما كان الإرشاد الرَّسوليّ أُعطيكم رُعاة حائرًا في ما يتعلَّق بـ”الفترة الإعداديَّة”، “نجد هناك تضاربًا، يورد هذا الإرشاد، في الآراء حول مضامينها ومزاياها وأهدافها: أهي تنشئةٌ روحيَّةٌ لتمييز الدَّعوة، أم هي تنشئةٌ فكريَّةٌ ثقافيَّة؟”([108])، نجد أنَّ وثيقة عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة تحسم الأمر وتعتبر هذه المرحلة (أو الفترة) ضروريَّةً وإلزاميَّةً ولا يمكن الطَّالب الإكليريكيّ الاستغناء عنها قبْل انتقاله إلى الإكليريكيَّة الكبرى([109]). وتحدِّد الشِّرْعة الجديدة مدَّتها ومكانها ومحتواها([110]).
  2. أمَّا في خصوص المرحلة الرِّعائيَّة فلا نجد لها ذكرًا في وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني ولا في أُعطيكم رُعاة، على الرُّغم من أنَّ هذا الإرشاد يتطرَّق بتوسُّعٍ إلى التَّنشئة الرَّاعويَّة وأهمِّيَّتها وأهدافها، ولكنَّه يتناولها في إطار مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة. بينما تعتبرها الشِّرْعة الجديدة مرحلةً متمايزةً عن المراحل الثَّلاث الأخرى، وتحدِّد ماهيَّتها ومكانها وارتباطها بالرَّعيَّة الَّتي يخدم فيها الطَّالب الإكليريكيّ أو الشَّمَّاس. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الشِّرْعة المارونيَّة كانت سبَّاقةً ورائدةً في هذا المجال، وذلك قبْل صدور شِرْعة التَّنشئة الجديدة بثماني سنوات، أي في تسمية المرحلة الَّتي تلي مرحلة اللاهوت وتسبق السِّيامة الكَهَنوتيَّة، باسم “سنة رعائيَّة“. وتعتبر الوثيقة المارونيَّة أنَّ هذه السَّنة إلزاميَّةٌ يجب أنْ يخضع لها جميع الَّذين نالوا السِّيامة الشَّمَّاسيَّة. ونورد النَّصّ لأهمِّيَّته، كالآتي: “لا بُدَّ أيضًا من أنْ يخضع الطُّلَّاب بعد أنْ ينالوا الدَّرجة الشَّمَّاسيَّة لـسنةٍ رعائيَّةٍ تتضمَّن الموادّ النَّظريَّة والتَّمارين العمليَّة … ومن المحبَّذ أنْ تُنظَّم هذه السَّنة في الإكليريكيَّة وبالتَّعاون بين عدَّة إكليريكيَّات والتَّنسيق مع أبرشيَّات الشَّمامسة والرَّعايا الَّتي يُمارسون فيها خدمتهم تمهيدًا لرسامتهم الكهنوتيَّة”([111]).     
  3. اقتَصَرَ موضوع التَّنشئة الدَّائمة([112]) على بعض الجمل في وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني([113]). ومن بعده تطرَّقَتْ شرْعة التَّنشئة الكَهَنوتيَّة الَّتي صَدَرَت في العام 1970 إلى هذا الشَّأن في عددَين فقط (100-101). إلى أنْ أتى الإرشاد الرَّسوليّ أُعطيكم رُعاة ليُفرد له فصلًا كاملًا، وهو الفصل السَّادس([114])، ويسلِّط الضَّوء على أهمِّيَّته. ومن بعده جاء الدَّليل في خدْمة الكهنة وحياتهم([115]) ليُخصِّص القسم الثَّالث بأكمله لموضوع التَّنشئة المستدامة، ذاكِرًا: مبادئها، وتنظيمها ووسائلها، والمسؤولين عينها، وشرائح عمر الكهنة وأوضاعهم الخاصَّة الَّتي يجب أنْ تؤخذ في الاعتبار؛ فشكَّل نقلةً نوعيَّةً في إعطاء هذا الموضوع حقَّه من الاهتمام الكنسيّ. وفي كنائسنا الشَّرقيَّة، أفرد بطاركة الشَّرق الكاثوليك في رسالتهم الرَّاعويَّة إلى الكهنة، الفصل الرَّابع والأخير، للتَّنشئة الدَّائمة، وأبرزوا أهمِّيَّتها وضرورتها وغايتها([116]). ومع الشِّرْعة الجديدة عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة، أصبَحَتِ التَّنشئة الدَّائمة جزءًا من التَّنشئة الأساسيَّة، إذ ليست مُكمِّلةً لها فحسب، ولكنَّها تبدأ في الإكليريكيَّة ولا تتوقَّف إلَّا مع “توقُّف” حياة الكاهن. أمَّا المسألة الأساسيَّة، فتبقى في تنظيم هذه التَّنشئة ووضعها موضوع التَّنفيذ، لكي تطول الكهنة بأسرهم. وهذا ما لم تتوصَّل كنيستنا بَعْدُ إلى تنظيمه وتحقيقه كما يجب. إذ تطول التَّنشئة الدَّائمة الكهنة الجدد فقط (الَّذين سيموا منذ خمس سنوات وما دون). ولا يلتزم بها جميع هؤلاء الكهنة المعنيِّين. ناهيك عن البرنامج وطريقة تطبيقه والأوقات المخصَّصة لها.    

([1])      المجمع البطريركيّ المارونيّ (2003-2006). النُّصوص والتَّوصيات، النَّصّ السابع: الكهنة (والشَّمامسة) في الكنيسة المارونيَّة، بكركي، 2006، العدد 40، ص 248.

([2])      ناصر الجميِّل، “تنشئة الكهنة في الكنيسة المارونيَّة قبْل المدرسة المارونيَّة في روما وخلالها (تاريخٌ ومنهج)”، الكاهن المارونيّ بين الثَّوابت والمتغيِّرات، أعمال المؤتمر الخامس الَّذي عُقِدَ في الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة بين 22-24 نيسان 2010، منشورات الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة، غزير-لبنان، الطَّبعة الأولى، 2010، ص 209-240 (هنا، ص 211).

([3])      المرجع نفسه، ص 212.

([4])      المرجع نفسه، ص 217.

([5])      المرجع نفسه، ص 228.

([6])      منير خيرالله، “تنشئة الكهنة في الإكليريكيَّات المارونيَّة-نظرةٌ تاريخيَّة”، الكاهن المارونيّ بين الثَّوابت والمتغيِّرات، ص 158-169.

([7])      المجمع اللُّبنانيّ، القسم الرَّابع: في الكنائس والمدارس والأديار والترتيبات المجمعيّة، الباب السَّادس: في المدارس والدروس،  العدد 3-3، ص 535.

([8])      المرجع نفسه.

([9])      المرجع نفسه، العدد 3-3، ص 535-536.

([10])    المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، “قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة”، العدد 14 (اعتمدنا التَّعريب الآتي: المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني. الوثائق المجمعيَّة، تعريب يوسف بشاره وعبده خليفه وفرنسيس البَيسَري، طبعةٌ ثانيةٌ منقَّحة، 1984).

([11])    راجع المرجع نفسه، “قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة”، الأعداد 13-18.

([12])    المرجع نفسه، العدد 4.

([13])    المرجع نفسه، العدد 8.

([14])    المرجع نفسه، العدد 11.

([15])    المرجع نفسه، العدد 19.

([16])    للنَّصّ باللُّغة العربيَّة، راجع مجموعة الحقّ القانونيّ للكنيسة الكاثوليكيَّة اللاتينيَّة، لاتينيّ-عربيّ، نقلتها عن النَّصّ اللاتينيّ اللَّجنة القانونيَّة التَّابعة  للبطريركيَّة اللاتينيَّة في القدس، مطبعة البطريركيَّة اللاتينيَّة-القدس، بيت جالا، 2007.

([17])    راجع البابا يوحنَّا-بولس الثَّاني، أُعطيكم رُعاة Pastoris Dabo Vobis (اعتمدنا التَّعريب الَّذي أصدرته اللَّجنة الأُسقفيَّة لوسائل الإعلام، جلّ الدِّيب-لبنان، 1992. وإنَّ أرقام الصَّفحات مأخوذةٌ من هذا التَّعريب).

([18])    للاطِّلاع على النَّصّ الـمُعرَّب، راجع مجمع الإكليروس، عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة. المَنهَج التَّأسيسيّ للتَّنشئة الكَهَنوتيَّة، منشورات الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة بالتَّعاون مع المركز الكاثوليكيّ للإعلام، غزير، الطَّبعة الأولى، 2018. غير أنَّنا لم نعتمد نصوص هذا التَّعريب، لأنَّنا كنَّا قد ترجمنا النُّصوص عن النُّسخة الفرنسيَّة قبْل صدور النُّسخة بالعربيَّة. فالصَّفحات الَّتي يجدها القارئ في الحواشي مأخوذة من الطَّبعة بالفرنسيَّة، راجع Congrégation pour le Clergé, Le don de la vocation presbytérale. Ratio Fundamentalis Institutionis Sacerdotalis, Bayard-Cerf-Mame, Paris, 2017.

([19])    لمؤلَّفٍ سهل المنال ومشوِّق عن التَّنشئة الكهنوتيَّة، راجع Amedeo CENCINI, Éduquer, Former, Accompagner. Une pédagogie pour aider une personne à réaliser sa vocation, Traduction du polonais: Maria ZUROWSKA, Éditions des Béatitudes, 2007. 

([20])    راجع شرْعة التَّنشئة الكَهَنوتيَّة في الكنيسة المارونيَّة، منشورات الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة، غزير-لبنان، الطَّبعة الأولى، 2008 (من الآن فصاعدًا، نكتب: الشِّرْعة المارونيَّة).

([21])    كتبْنا، في هذه الشِّرْعة الجديدة، المقالات الآتية: دانيال زغيب، “«عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة»، شرْعةٌ جديدةٌ للتَّنشئة الكهنوتيَّة. خطوطها العريضة”، المجلَّة الكهنوتيَّة 48، 2 (2018) 393-411؛ دانيال زغيب، “«عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة». أبعاد تنشئة الكهنة”، المنارة 56،1 (2019) 11-37؛ دانيال زغيب، “جديد «عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة» في شخصيَّة الـمُنَشِّئ ودوره”، مجلَّة الإكليريكيَّة، العدد 19 (كانون الثَّاني 2020) 57-76. لمقالَين صَدَرَا حديثًا، باللُّغة الفرنسيَّة، راجع Jérôme BEAU, «Une nouvelle ratio au service de la formation des prêtres», Prêtres Diocésains, No 1553 (No spécial 2019) 330-334; Jean-Luc GARIN, «Le don de la vocation presbytérale. Présentation de la nouvelle Ratio fundamentalis pour la formation des prêtres», Prêtres Diocésains, No 1549 (Février 2019) 51-57.

([22])    Le don de la vocation presbytérale, n. 54, p. 69

([23])    المرجع نفسه، العدد 55، ص 69.

([24])    المرجع نفسه، العدد 55، ص 69-70.

([25])    المرجع نفسه، العدد 56، ص 70.

([26])    المرجع نفسه، العدد 57، ص 70-71.

 ([27])   المرجع نفسه، العدد 58، ص 71.

([28])    هذه الأبعاد الأربعة هي: البعد الإنسانيّ، والبعد الرُّوحيّ، والبعد الفكريّ، والبعد الرَّاعويّ. وقد تطرَّق إليها، بشكلٍ مفصَّل، الإرشاد الرَّسوليّ أعطيكم رُعاة، ومن بعده جميع الوثائق الكنسيَّة الَّتي تناولت موضوع تنشئة الكهنة. نشير، هنا، إلى بعض هذه الوثائق الَّتي صدَرت باللُّغة العربيَّة، وهي: مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالةٌ راعويَّةٌ إلى الكهنة. «كما أرسَلَني الآبُ أُرسِلُكم أنا أيضًا» (يوحنّا 20: 22)، الرِّسالة الرَّاعويَّة السَّابعة، منشورات الأمانة العامَّة، بكركي، عيد انتقال سيِّدتنا مريم العذراء، 15 آب 2004؛ والشِّرْعة المارونيَّة، غزير، 2008؛ ودليلٌ في خدمة الكهنة وحياتهم (طبعةٌ جديدة 2013) وملحقٌ في روحانيَّة الكاهن المارونيّ، منشورات الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة بالتَّعاون مع الدَّائرة البطريركيَّة المارونيَّة-مكتب شؤون الكهنة والمركز الكاثوليكيّ للإعلام، غزير، الطبعة الثَّانية، 2018.

([29])    Le don de la vocation presbytérale, n. 58, p. 71

([30])    المرجع نفسه.

([31])    المرجع نفسه، العدد 59، ص 72.

([32])    راجع دانيال خوري، “جديد «عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة» في السَّنة الإعداديَّة”، مجلَّة الإكليريكيَّة، العدد 19 (كانون الثَّاني 2020) 77-84.

([33])    Le don de la vocation presbytérale, n. 59, p. 72-73

([34])    في ما يتعلّق بالتَّعريب المعتمد، راجع التَّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيَّة، عرَّبه عن الطبعة اللاتينيّة الأصليّة حبيب باشا ويوحنّا منصور وكيرلُّس سليم بسترس وحنّا الفاخوريّ، الترجمة العربيّة: المكتبة البولسيَّة-جونيه، لبنان، 1999.

([35])    Le don de la vocation presbytérale, n. 60, p. 73

([36])    المرجع نفسه.

([37])    المرجع نفسه، العدد 60، ص 74.

([38])    إنَّه أوَّل نظامٍ داخليٍّ مكتوبٍ “صاغتْه إدارة الإكليريكيَّة، بشخص رئيسها الخوراسقف عصام أبي خليل والآباء المرشدين والمنشِّطين، وبإشراف سيادة المطران جوزف معوَّض، النائب البطريركيّ المشرف على الإكليريكيَّة والتَّنشئة الكهنوتيَّة” (مرسوم البطريرك بشارة بطرس الرَّاعي، سجلّ التَّفويضات: عدد 1/2015؛ بكركي، 2 كانون الثَّاني 2015)؛ إذ لم يكن هناك أيُّ نظامٍ داخليٍّ مكتوبٍ لهذه الإكليريكيَّة الكبرى منذ أنْ استلَمَت إدارتَـها البطريركيَّةُ المارونيَّة من الآباء اليسوعيِّين، في العام 1974، وعيَّنَتْ عليها رئيسًا وكهنةً منشِّئين من الخوارنة الموارنة.

([39])    النِّظام الدَّاخليّ للإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة-غزير، غزير، 2015، ص 42 (من الآن فصاعدًا، نكتب: النِّظام الدَّاخليّ).

([40])    الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 25، ص 30.

([41])    أُعطيكم رُعاة، العدد 62، ص 178.

([42])    Le don de la vocation presbytérale, n. 61, p. 74

([43])    المرجع نفسه، العدد 62، ص 74.

([44])    راجع المرجع نفسه، العدد 62، ص 75.

([45])    المرجع نفسه، العدد 63، ص 75.

([46])    المرجع نفسه، العدد 63، ص 75-76؛ والمجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، “قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة”، العدد 11 (اعتمدنا على التَّعريب الآتي: المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني. الوثائق المجمعيَّة، عرَّبها يوسف بشاره وعبده خليفه وفرنسيس البَيسَري، طبعةٌ ثانيةٌ منقَّحة، 1984).

([47])    Le don de la vocation presbytérale, n. 63, p. 76

([48])    راجع المرجع نفسه.

([49])    المرجع نفسه، العدد 65، ص 76-77.

([50])    المرجع نفسه، العدد 67، ص 77.

([51])    المرجع نفسه، العدد 67، ص 77-78.

([52])    النِّظام الدَّاخليّ، المادَّة 131، ص 42-43.

([53])    راجع أحدث كتابٍ صدر عن هذا الموضوع، باللُّغتَين العربيَّة والإيطاليَّة، في: أمِدِيو تشِنْشِيني، التَّنشئة على الحياة المكرَّسة والكَهَنوتيَّة. البُعْد العاطفيّ-الجنسيّ، أعمال مؤتمر نظَّمه المعهد العالي لإعداد المنشِّئين في كلِّيَّة العلوم اللاهوتيَّة والدراسات الرِّعائيَّة، أيَّار 2018، تنفيذ وتنسيق الياس شخطوره، دار نشر الجامعة الأنطونيَّة، 2020 (79 صفحة باللُّغة العربيَّة، و56 صفحة باللُّغة الإيطاليَّة). أمَّا العنوان بالإيطاليَّة فهو الآتي: P. Amedeo CENCINI, Atti del colloquio sul tema: La formazione alla vita consecrate e presbiterale: la dimensione affettivo-sessuale, Organizzato dall’Istituto di Formazione dei Formatori Facoltà delle Scienze Teologiche e degli Studi Pastorali, Maggio 2018, Les Éditions de l’Université Antonine, 2020.

([54])    الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 25، ص 30-31.

([55])    Le don de la vocation presbytérale, n. 68, p. 78

([56])    المرجع نفسه، العدد 69، ص 78.

([57])    المرجع نفسه، العدد 69، ص 79.

([58])    المرجع نفسه.

([59])    الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 25، ص 31.

([60])    المرجع نفسه.

([61])    النِّظام الدَّاخليّ، المادَّة 133، ص 43.

([62])    المرجع نفسه، المادَّتان 134-135، ص 43.

([63])    راجع Le don de la vocation presbytérale, n. 71, p. 80

([64])    الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 77، ص 97.

([65])    المرجع نفسه.

([66])    المرجع نفسه، العدد 78، ص 97-98.

([67])    Le don de la vocation presbytérale, n. 72, p. 81

([68])    النِّظام الدَّاخليّ، المادَّة 148، ص 47.

([69])    Le don de la vocation presbytérale, n. 72, p. 82

([70])    المرجع نفسه، العدد 73، ص 82.

([71])    المرجع نفسه، العدد 74، ص 82.

([72])    راجع المرجع نفسه.

([73])    المرجع نفسه، العدد 75، ص 83.

([74])    راجع المرجع نفسه، العدد 76، ص 83

([75])    الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 67، ص 84.

([76])    المرجع نفسه.

([77])    إنَّ ما حدَّده النِّظام الدَّاخليّ (الموادّ 133-140، ص 43-44) بوجوب اعتبار “السَّنة الرِّعائيَّة” جزءًا لا يتجزَّأ من سنوات اللاهوت، أي من مرحلة الدُّروس اللاهوتيَّة، هو إنجازٌ مهمٌّ لا بدّ من الإشارة إليه والتَّنويه به، وهو سابقةٌ في تاريخ تحديد سنوات التَّنشئة الكَهَنوتيَّة في الكنيسة المارونيَّة. لا نغفل، طبعًا، عن أنَّ الشِّرْعة المارونيَّة قد أشارتْ إلى هذه السَّنة؛ ولكنَّ التَّحديد الَّذي أعطته لهذه السَّنة لم يكن بوضوح التَّحديد الَّذي أعطاه النِّظام الدَّاخليّ هذا. إذ كان الضَّياع سائدًا في ما يخصّ طريقة تنظيمها وإلزاميَّة المشاركة فيها: إذ كان بعض الشَّمامسة يخضعون لها، والبعض الآخر يُعفون منها. وتأخذ أبرشيَّاتٌ على عاتقها تنظيمها، وأبرشيَّاتٌ أُخرى لا تُلزِم شمامستها باتِّباعها. وبعض الشَّمامسة الرُّهبان يتبعونها، وبعضهم الآخر لا يشاركون فيها. فعلى حسب هذا النِّظام الجديد، لم تَعُدِ السَّنة الرِّعائيَّة سنةً مُلحقةً بسنوات اللاهوت، وكأنَّها ثانويَّة. لا بل بالعكس، فقد اعتُبِرتْ هذه السَّنة في قلب مسيرة الدِّراسة اللاهوتيَّة، وإنْ تَـمَيَّزَتْ من السَّنوات الثَّلاث الأخرى ببرنامجها ونظامها. فهي تتويجٌ للسَّنوات السَّابقة وبمنزلة خلاصةٍ جامعةٍ لها.   

([78])    النِّظام الدَّاخليّ، المادَّة 136، ص 43.

([79])    المرجع نفسه، المادَّة 135، ص 43.

([80])    Le don de la vocation presbytérale, n. 77, p. 84

([81])    راجع المرجع نفسه، العدد 78، ص 84.

([82])    المرجع نفسه، العدد 79، ص 84-85.

([83])    راجع بولس مطر، “جديد «عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة» في التَّنشئة الدَّائمة”، مجلَّة الإكليريكيَّة، العدد 19 (كانون الثَّاني 2020) 85-94.

([84])    Le don de la vocation presbytérale, n. 80, p. 85

([85])    أمَّا الإرشاد الرَّسوليّ أُعطيكم رُعاة فيورد الآتي: “هدف التَّنشئة المستمرَّة: التأَهُّب بطريقةٍ حرَّةٍ واعيةٍ لتلبية ما تتطلَّبه المحبَّة الرَّاعويَّة والرُّوح القدس ينبوعها الأوَّل وسندها الدَّائم” (أُعطيكم رُعاة، العدد 70، ص 200).

([86])    لا يستخدم المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني تعبير “التَّنشئة الدَّائمة”، ولكنَّه يشير إلى وجوب “متابعة التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، (…) بعد الانتهاء من دورة الدُّروس في الإكليريكيَّات” (المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، “قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة”، العدد 22). أمَّا الهدف من متابعة التَّنشئة، فهو أنْ “يندمج (الإكليروس) تدريجيًّا في الحياة الكَهَنوتيَّة والنَّشاط والعمل الرَّسوليّ من النَّاحية الرُّوحيَّة والفكريَّة والرِّعائيَّة، فيتمكَّن هكذا يومًا بعد يوم من تجديد وتعزيز هذه الحياة وهذا النَّشاط” (المرجع نفسه).

([87])    Le don de la vocation presbytérale, n. 82, p. 86

([88])    يورد بطاركة الشَّرق الكاثوليك عن ماهيَّة التَّنشئة الدَّائمة وضرورتها، ما يلي: “التَّنشئة الدائمة هي إحياءُ نعمة الله فينا وتجديد معارفِنا البشريَّة في جميع المجالات الإنسانيَّة والفكريَّة والرُّوحيَّة والرَّعويَّة (…). التَّنشئة الدائمة وسيلةٌ، لا بدَّ منها للكاهن في هذه الأيَّام، ليُحقِّقَ هدفَ دعوته، أي خدمةَ الله وشعبه” (مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالةٌ راعويَّةٌ إلى الكهنة. «كما أرسَلَني الآبُ أُرسِلُكم أنا أيضًا» (يوحنّا 20: 22)، الرِّسالة الرَّاعويَّة السَّابعة، منشورات الأمانة العامَّة، بكركي، عيد انتقال سيِّدتنا مريم العذراء، 15 آب 2004، العددان 42، 43، ص 51، 52).

([89])    Le don de la vocation presbytérale, n. 82, p. 86

([90])    المرجع نفسه.

([91])    نجد في المجمع البطريركيّ المارونيّ، في هذا الشَّأن، ما يلي: “إنَّ المجمع يناشد الأساقفة أنْ يعملوا ما في وسعهم على تأمين تنشئةٍ مستمرَّةٍ لكهنتهم وشمامستهم تُعزِّز تجدُّدهم الرُّوحيّ والثَّقافيّ وعملهم الرَّاعويّ” (المجمع البطريركيّ المارونيّ (2003-2006). النُّصوص والتَّوصيات، بكركي، 2006، النَّصّ السَّابع، العدد 57، ص 261). ومن ثمَّ يُحدِّد المجمعُ الآليَّات لتطبيق التَّوصية المتعلِّقة بهذه التَّنشئة (راجع المرجع نفسه، ص 269). ونجد أيضًا في دليل في خِدْمة الكهنة وحياتهم تشديدًا على دور السُّلطة الكنسيَّة، كالآتي: “تقع مسؤوليَّة التنشئة المستدامة على البابا والأساقفة، كونها نشاطًا مرتبطًا بممارسة كَهَنوت الخِدْمة” (دليل في خدمة الكهنة وحياتهم، العدد 90، ص 123). ويتوسَّع الدَّليل في مضامين التَّنشئة الدَّائمة مؤكِّدًا على وجوب “أنْ تكون كاملة”، إذ تساعد الكاهن “على تطوير شخصيَّةٍ إنسانيَّةٍ ناضجة (…)، وعلى أنْ يكون منشَّأً على العلوم اللاهوتيَّة (…)، وأنْ يمتلك حياةً روحيَّةً راسخة (…)، ويقوم بخدمته الرَّاعويَّة بغيرةٍ وتفانٍ” (المرجع نفسه، العدد 92، ص 124).

([92])    Le don de la vocation presbytérale, n. 83, p. 87

([93])    المرجع نفسه؛ ودليل في خدمة الكهنة وحياتهم، العدد 100، ص 133.

([94])    راجع Le don de la vocation presbytérale, n. 83, p. 88

([95])    المرجع نفسه، العدد 84، ص 88.

([96])    المرجع نفسه.

([97])    المرجع نفسه، العدد 84، ص 90.

([98])    المرجع نفسه.

([99])    المرجع نفسه، العدد 85، ص 90.

([100])  المرجع نفسه، العدد 87، ص 91.

([101])  مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالةٌ راعويَّةٌ إلى الكهنة، العدد 22، ص 27.

([102])  Le don de la vocation presbytérale, n. 88, p. 92

([103])  مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالةٌ راعويَّةٌ إلى الكهنة، العدد 46، ص 55، 56.

([104])  المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، “قرارٌ مجمعيٌّ في حياة الكهنة وخدْمتهم الرَّاعويَّة”، العدد 8.

([105])  Le don de la vocation presbytérale, n. 88, p. 93

([106])  مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالةٌ راعويَّةٌ إلى الكهنة، العدد 22، ص 26-27.

([107])  راجع Le don de la vocation presbytérale, n. 88, p. 93

([108])  راجع أُعطيكم رُعاة، الأعداد 62، ص 178.

([109])  لقد استنَدَت هذه الشِّرْعة الجديدة في موضوع المرحلة الإعداديَّة إلى الوثيقة المهمَّة الَّتي صَدَرَتْ عن مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة بعنوان: الفترة الإعداديَّة (1 أيَّار 1998).

([110])  يجدر بنا أنْ نذكر أنَّ الشِّرْعة المارونيَّة الَّتي صدرَتْ في العام 2008، قد سَبَقَتْ صدور الشِّرْعة الجديدة بثمانية أعوام، وقد أشارت إلى المراحل الثَّلاث الَّتي تمرّ بها تنشئة الطَّالب الإكليريكيّ، وقد عدَّدَتْها كالآتي: الفترة الإعداديَّة والفلسفة واللاهوت. ولكنَّها لم تُـحَدِّد ماهيَّتها ومضمونها ومدَّتها (راجع الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 25، ص 30).

([111])  الشِّرْعة المارونيَّة، العدد 67، ص 84.

([112])  من أهمّ الكتب الَّتي صَدَرَتْ وتناولت موضوع التَّنشئة الدَّائمة، راجع Amedeo CENCINI, La formation permanente … Y croyons-nous vraiment?, Traduit de l’italien par Jean-Marie FAUX et revu par Benoît MALVAUX, Coll. «La part-Dieu», 25, Éditions Lessius, Bruxelles, 2014. 

([113])  راجع المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، “قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة”، العدد 22؛ “قرارٌ في مهمَّة الأساقفة الرَّاعويَّة”، العدد 16؛ و”قرارٌ مجمعيٌّ في حياة الكهنة وخدْمتهم الرَّاعويَّة”، العددان 7، 19.

([114])  راجع أُعطيكم رُعاة، الأعداد 70-81، ص 195-230.

([115])  راجع دليل في خدْمة الكهنة وحياتهم، الأعداد 87-115، ص 121-147.

([116])  راجع مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك، رسالة راعويَّة إلى الكهنة، الأعداد 42-47، ص 51-58.

Scroll to Top