للإنسان علاقة مع الأرض تتخطّى الإطار الذي أعدّته العناية الإلهيّة لحياته إذ جهّزت كلّ الخيرات فيها والخصب الناتج عنها لسعادته وبقائه. ترقى هذه العلاقة إلى الرباط الحميم بين الإنسان والارض؛ فهو مأخوذ منها «آدم» (تك 2/7) وباسمها سمّي. لهذا اعتبرت الحضارات القديمة الأرض أمًّا؛ وتعترف بها الحضارات الجديدة مرجعاً وموطناً.
لقد التقط جهاز رصد الأجرام السماويّة «هابل» في دورانه حول الأرض صوراً رائعة الجمال لها، يطغى فيها اللون الأزرق لوسع مساحات البحار والمحيطات فيها، ولهذا سمّيت «الكوكب الأزرق». ولكن عندما نقترب من الأرض وندخل إليها، ماذا نرى؟ العنف، الحروب، الإرهاب، الظلم، الفساد، الأمراض، الإنحطاط، الفوضى، التراجع البيئي… كلّ هذه الآفاق وغيرها نبعت من فقدان الإنسان صداقته مع الله بسبب السقطة (راجع تك 3). فما يُعيد إلى الأرض جمالها وسكينتها هو إعادة بناء الصداقة مع الله، وهذا ما حقّقه يسوع على الصليب، تقدمة حبّ وبذل في سبيل من يحبّ.
نستعدّ خلال هذا العام للذكرى المئويّة الأولى لإعلان «دولة لبنان الكبير»، الأرض الوطن الذي تربطنا فيه أكثر من علاقة: علاقة الانتماء، علاقة البناء، علاقة العطاء. إلاّ أنّنا نصطدم بواقع مؤلم فنصغي إلى أنين الأرض من وجعها على أبنائها الذين لا يحترمون جمالها، وقيمة الوطن فيها على تنوّع أبنائه وغنى قدراتهم. هو النداء إلى الإلفة يقود إلى الجمال الذي ميّز الوطن وأرضه؛ فوحدة الأرض من لقاء القلوب.
يُعرف أنّه في مقاطعة بيرينع على مقربة من القطب الشمالي توجد جزيرتان «ديومد الكبرى» وهي تخصّ روسيا، و«ديومد الصغرى» وهي تخصّ الولايات المتحدة الأميريكيّة؛ يمرّ بينهما خط الساعات. فعندما يكون يوم الإثنين في الناحية الأميركيّة، يكون يوم الثلاثاء في الناحية الروسيّة؛ ولا تبعد الواحدة عن الأخرى إلاّ القليل من الكيلومترات، «أربعة». إنّهما بعيدتان نسبة إلى الزمن ولكنّهما قريبتان نسبة إلى المسافات. وهذا ما يظهر غرابة الأمر؛ ففي الواقع هما قريبتان، ولكن في العد والحساب هما بعيدتان. إنّهما تعكسان واقعنا في الأرض الوطن، بالواقع إنّنا قريبون حسب المسافات ولكنّنا أباعد حسب الحسابات.
يسرّ إدارة مجلة المنارة أن تدعو قرّاءها هذه السنة إلى التعرّف أكثر فأكثر على تاريخ أرضنا الأمّ، فاتخذت عنواناً للأعداد الثلاثة التي ستصدر: «لبنان الكبير». يحتوي العدد الأول مقالات متنوّعة في مواضيعها، وتتخصّص مقالات العددين الثاني والثالث في البحث بالموضوع الأساس: «لبنان الكبير». وتتمنّى الإدارة لجميع اللبنانيّين وللقرّاء خاصّة أن تكون هذه الذكرى محطّ تفكير ومنبع نهضة لمستقبل زاهر للوطن الأرض.
هيئة التحرير