الأب جان ماري المير م. ل
في ظل الأوضاع الراهنة والدقيقة التي يمرّ بها القطاع المصرفي في لبنان، شئت أن ألقي نظرة مقتضبة حول نشأة هذا القطاع وتطوّره، وأبرز المعضلات التي واجهها، وتحكّم الأسواق والدول الأجنبية فيه. عسانا نتعظ، ونستخلص الدروس، ونستخرج العبر، ونعي الأسباب التي يمرّ بها وطننا الآن من ضائقة اقتصادية متأتّية من الضغط السياسي الدولي الذي يُمَارَس على القطاع المصرفي.
أولاً: مصارف جبل لبنان: من المتصرفية إلى الانتداب.
من المسلّم به أنه لم يكن هناك مصارف أو بنوك في سوريا ولبنان خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولكن اعتبارًا من النصف الثاني بدأت بعض البنوك المتواضعة تظهر وتقوم على صغار الرأسماليين. ومن أوائل هذه البنوك “البنك العثماني”
- البنك العثماني
تناول الخط الهمايوني الصادر عام 1856 بوجوب القيام بعملية “اصلاح العملة والمالية وإيجاد رؤوس الأموال اللازمة لاستغلال ثروة ممالكي المحروسة الشاهنانية”. إطلع على هذا القرار عدد كبير من الصيارفة، فقدّم قسم ٌ كبيرٌ منهم مشاريع عديدة تخدم هذا الهدف. ولكن صيارفة انكلترا فازوا برضى السلطنة وأسسوا خلال هذه السنة (1856)، بنكًا عرف في لندن باسم “البنك العثماني” وقُدِّر رأسماله بنصف مليون فرنك فرنسيّ. وصدّقت السلطنة على تأسيسه في 24 أيار سنة 1856على أن يكون مركزه الرئيسي في لندن، وفرعه الرئيسي في القسطنطينية. وأسست له عدة فروع في أهم مدن شرق البحر الأبيض المتوسط . غير أنه لم يزود بالصلاحيات للقيام بأي إصلاحات نقدية ومالية نظرًا لأنه كان مجرد بنك لحفظ الودائع [1].
فلما تفاقمت الأزمة المالية في الدولة العثمانية شعر المسؤولون أنهم بأمس الحاجة إلى بنك يمدّ الدولة بالنقد الضروري لتغطية نفقاتها بدل اللجوء إلى الاستدانة وإصدار أوراق نقدية. فقرّر الصدر الأعظم فؤاد باشا في 4 شباط 1863، تحويل البنك المذكور من تجاري عادي إلى بنك حكومي تجاري، يشبه بنك انكلترا ومنحه امتياز واحتكار وإصدار سندات، وله صفة مشتركة انكليزية فرنسية. وحمل البنك إسمًا جديدًا عرف باسم “بنك السلطاني العثماني”، برأسمال قدره سبعة وستون مليونًا وخمسمئة ألف فرنك فرنسي. وبلغ عدد أسهم البنك مئة وخمسة وثلاثين ألفًا، وقيمة السهم الواحد خمسمئة فرنك[2].
بموجب الصفة المشتركة التي ضمت كُلاً من فرنسا وانكلترا فقد حدّدت مدة الامتيازالتي منحت بثلاثين سنة ثم جُدِّدت سنة 1895، وكان ثمانون ألفًا من الأسهم حصة المتمولين الإنكليز وخمسون ألفًا للفرنسيين وخمسة الآف للأتراك[3].
مُنح هذا البنك حقّ احتكار إصدار الأوراق النقدية العثمانية، كما كان يقوم بسائر العمليات التجارية من تقديم السلف وإجراء الحسم وسحب الكمبيالات والشيكات.
قدّم هذا البنك قروضًا عديدة للحكومة العثمانية، وأمَّن بذلك أرباحًا كبيرة، وغدا بفضل ذلك المفاوض الوحيد والمحتكر لعملية سندات الدين على الحكومة كما كان الوسيط في عقد القروض الأجنبية.
وهكذا إزدهر هذا البنك وسطع نجمه وبدأ يتعاطى الأعمال التجارية والأشغال المصرفية للمواطنين ولاسيما بعد بروز منافسين له مثل “بنك سالونيك”[4] وبنك “الدوتش”[5]
والجدير ذكره هنا أن هذا البنك كان له سلطة مطلقة مما يعني أنه تصرّف بأموال الدولة بحرية تامة، ولم يعطِ المودعين فوائد على أموالهم إنما استخدمها في الأعمال التجارية والمصرفيّة، فحقّق ارباحًا كبيرة إستفاد منها أصحاب الأسهم.
إن هذا البنك لم يُعرَف له في بداية مسيرته أيّ منافس في السلطنة مّما دفعه لسياسة الاحتكار وبالتالي انتشار فروعه بشكل سريع في كافة أرجاء وأنحاء السلطنة العثمانية. وهذه لوحة بيانية تظهر تاريخية افتتاح هذه الفروع[6]:
الفرع | تاريخ التأسيس |
بيروت | 1863 |
دمشق | 1875 |
أضنه | 1889 |
مرسين | 1892 |
حلب | 1893 |
طرابلس | 1904 |
حيفا | 1906 |
عينتاب | 1906 |
حمص | 1908 |
صيدا | 1911 |
أورفا | 1912 |
الإسكندرون | 1913 |
زحلة | 1914 |
كما رأينا أن أول فرع للبنك العثماني في بيروت يعود للعام 1863 وكان يشرف على المعاملات المالية الرسميّة لولايتي سوريا وبيروت. وهنا بدأت سياسة المنافسة ما بين الصيارفة الذين كانوا يتقاضون فوائد باهظة على التسليفات للتجار لمدة شهرين أو ثلاثة وقد بلغ بهم الأمر أن يأخذوا فائدة كانت تتراوح ما بين 24 -36بالمئة؛ أما البنك العثماني فقد منح قروضًا للتجار بفائدة 16بالمئة لمدة تسعين يومًا دون ضمانات رهنية. وهكذا اكتسب هذا البنك بسرعة فائقة ثقة اللبنانيين الذين تهافتوا للتعامل معه؛ فعمل على شراء العملات واقدم على بيعها في استانبول فحقق بذلك أرباحًا طائلة، كما وتمكنت إدارة الفرع أيضًا من استقدام كمية كبيرة من أموال التحاويل من أميركا فبلغت بذلك الأرباح الإجمالية لفرع هذا البنك في بيروت عام 1908 ما قيمته 660,000 فرنك فرنسي، أما الربح الصافي فقد بلغ 355,000 فرنك فرنسي.
أما دوام العمل اليومي في فروع بيروت فكان يبدأ من الساعة التاسعة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، فيأخذ الموظفون قسطًا من الراحة لمدة ساعتين ونصف ليستعيدوا بعد ذلك عملهم حتى المساء.
لما اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى فرضت الدولة العثمانية في 3 آب 1914 “موراتوريوم” لجميع المدفوعات لمدة شهر، كما واًصدرت نقدها الورقي فرفض اللبنانيون التعامل بها، إنما ظلوا يطلبون الذهب في تعاملهم. وفي نيسان 1916 أتخذت السلطنة العثمانية إجراءً نقديًا جديد فجعلت القرش وحدة نقد، على قاعدة الذهب. ولكنّ هذا الإجراء بدوره لقي الفشل[7].
أما إجراءات السلطنة العثمانية في غضون الحرب فقد قضت على نقل الأموال الموجودة في صناديق فرع بيروت إلى دمشق، مع الاحتفاظ بمبلغ قدره عشرة الآف ليرة تركية.
وهكذا فقد بنك السلطاني العثماني دوره، لحل مكانه مع دخول الحلفاء بنك “سوريا ولبنان الكبير”
- بنك سوريا ولبنان الكبير
ما إن دخل الحلفاء لبنان وسوريا في تشرين 1918، حتى شرعوا بسلسلة من الاصلاحات والاجراءات من ضمنها تأسيس أول مصرف لهم تحت إسم “البنك الفرنسي لسوريا” الذي ما لبث أن عرف فيما بعد باسم “بنك سوريا ولبنان الكبير”.
دعا الكولونيل دو بياباب جميع صيارفة بنوك بيروت ومديريها للإجتماع والتداول بمصير العملة الورقية العثمانية والاجراءات الممكن اتخاذها في هذا الصدّد[8].
وما هي سوى بضعة اشهر، وتحديدًا في 2 كانون الثاني 1919، حتى تمَ تأسيس “البنك الفرنسي لسوريا” [9] وبلغ رأسمال هذا البنك عشرة ملايين فرنك فرنسي، وبلغ 25 مليون فرنك في كانون الأول من العام 1920 ومن ثمَ إلى 119 مليونًا في عام 1928[10].
أما أسهم هذا البنك فقد ارتفعت في عام 1920 إلى واحد وخمسين ألف سهمٍ قيمة الواحد منها خمسمئة فرنك فرنسي. بيع من الأسهم 40 ألفًا نقدًا، وأبقي أحد عشر ألفًا للبنك السلطاني العثماني لقاء موجوداته والتنازل عن أسهمه. أما مركز البنك الرئيسي فقد جعل في باريس “ومدته 99 عامًا اعتبارًا من يوم تأسيسه، و”بذلك غدا البنك فرنسياً برأسماله ومركزه الرئيسي، ومجلس إدارته”[11].
ساهمت أهم الشركات الفرنسية بتأسيس هذا البنك مثل “الشركة العامة” و”المصرف العقاري الفرنسي” و”المصرف العقاري الجزائري التونسي”. ومن المؤسسات المساهمة كانت كتلة “بنك الهند الصينية”، و”بنك باريس والبلاد المنخفضة”، و”بنك الاتحاد الباريزي” المساهم مع البيوتات المالية البروتستانتية والرساميل الانكليزية في “البنك السلطاني العثماني” البنك الأم ل “بنك سوريا ولبنان الكبير”[12].
وتشكل أول مجلس إدارة للشركة مطلع العام 1919 من السادة:
الرئيس: إدوار كوين
المدير: بيير مابيل
الأعضاء: ادريان ارتور، جاك دي لابيس، الفرد مزراحي، امانويل سالم، هنري تيزيل، جورج فرستريت[13]
بعد الاتفاق مع بنك سالونيك، تولّى بنك سوريا تصفية البنك المذكور في بيروت. فجعل فرعه في بيروت في مركز بنك سالونيك وعُين سليم دانا مديرًا للفرع وابراهام وادوار ساسون وكيلين.
ومن أهم وابرز أعمال بنك سوريا ولبنان:
- إصدار الأوراق النقدية.
- عقد قروض وسلفات للحكومات السورية واللبنانية.
- قطع جميع الأوراق التجارية من سندات وكمبيالات
- فطع جميع انواع السندات، القابلة للتحويل أو غير قابلة، وعقد قروض أو سلفات عليها شرط أن تكون تلك السندات مضمونة.
- فتح حسابات لمختلف الأشخاص.
- قبول جميع انواع النقود والمعادن الثمينة والأوراق المالية وفتح حسابات ايداع وحسابات جارية وحسابات شكات.
- قبض ودفع قيمة جميع الأوراق المالية والحوالات.
- إصدار وشراء وبيع وتصريف أوراق تتعلق بقروض عامة وخاصة الحوالات على الخزينة.
- الاتجار بالمعادن الثمينة.
- جباية المداخيل العامة لحساب السلطات ودفع قيمة النفقات العمومية ومعاونة الحكومة اللبنانية والسورية في اعمالها المالية…
ومنذ العام 1920 غدا بنك سوريا ولبنان أكبر مؤسسة مالية في لبنان وسوريا، وحلَّ مكان البنك السلطاني العثماني[14]. والجدير ذكره أن هذا البنك عرف بالبداية باسم “البنك الفرنسي لسوريا” وفي عام 1922 عُرِف باسم “بنك سوريا ولبنان الكبير” وفي عام 1937 تم تبدل الإسم أيضًا وأصبح يُعرف باسم “بنك سوريا ولبنان”، وصدرت الليرة تحمل هذا الاسم الجديد، وحدّدت قيمتها بعشرين فرنكاً فرنسياً، ما أدى الى ربط النقد بالفرنك الفرنسي وتم تمديد حق إصدار العملة لغاية العام1963 [15].
أما استقلال العملة اللبنانية عن السورية فقد تمّ بعد مرور حوالي شهرين أو ثلاثة من استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني 1943. فقد وقع اتفاق في 25 كانون الثاني 1944، تمَّ بموجبه فصل الليرة السورية اللبنانية عن الفرنك الفرنسي، واستعيد عنه بتغطية الجنيه الإسترليني.
وبموجب اتفاق 24 كانون الثاني 1948، انفصلت الليرة اللبنانية عن الليرة السورية، مع الإشارة الى ان “بنك سوريا ولبنان” تابع عمله بإصدار النقد اللبناني حتى عام 1963، تاريخ تأسيس مصرف لبنان او “البنك المركزي” في اول شارع الحمراء، وتحول بذلك “بنك سوريا ولبنان” الى مجرد مصرف عادي[16].
ثانيًا: المؤسسات المصرفيّة الأجنبيّة
كما رأينا في المقطع السابق أن تأسيس البنوك في بيروت يعود للنصف الثاني من القرن التاسع عشر. وما إن إفتتح بنك واحد، أو فرع لأحد البنوك، حتى كرّت السبحة وأخذت المنافسات تظهر بشكل علني بين الرأسماليين الأجانب والمؤسسات التي تعنى بشؤون الصيرفة.
ومّما شجع وفسح المجال أمام بروز هذا التنافس في منطقة الشرق وخاصة في جبل لبنان هو التنظيمات التي اصدرتها السلطنة وخاصة في الأعوام 1839 و1856 و1874، ومن أبرزها تنظيم 1856 الذي بمادته الحادية عشرة وعد بإجراء إصلاحات شاملة في المجالات المالية والمواصلات والمصارف والزراعة والتجارة[17]، مما أفسح المجال وجذب رؤوس الأموال الأوروبية وبخاصة الإنكليزية والفرنسية… وذلك بعد منحها الضمانات المناسبة ووضعت تحت تصرفهم جميع الموارد الرئيسية للسلطنة التي كانت بحال إفلاس بسبب القروض الواسعة والمتكررة منذ أواسط القرن التاسع عشر[18].
- مؤسسات فرنسية
لم يقتصر التنافس الأوروبي في متصرفية جبل لبنان على الإرساليات التبشيرية، وتأسيس المصانع والمعامل واحتكار انتاج الحرير، إنما اتخذ طابع الغزو المالي، فمشاريع البناء الخاصة والعامة، وتجهيز وتوسيع المرافئ، وشق طرق المواصلات، ومدّ السكك الحديد، والمشاريع البلدية الكبرى كالإنارة، والهاتف والتلغراف والنقل العام،… كانت تخص كليًا وجزئيًا، شركات فرنسية، هذا بالاضافة إلى إدارة الدين العمومي العثماني وإدارة حصر التبغ والتنباك، وإدارة الملح التي كانت بأغلبية رأساميلها الساحقة للفرنسيين[19].
فكما رأينا فقد كانت فرنسا تحتل المرتبة الأولى في المشاريع والأشغال العامة والمؤسسات الطبية والتعليمية،…ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط إنما تعدّى للتحكم في الشرايين الحيوية لاقتصاد السلطنة العثمانية ولاسيما في تأسيس ودعم أعداد كبيرة من المصارف؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- Truilhier de Rostand فبالعودة إلى أقدم المراجع حول تأسيس المصارف في بيروت نجد أنه في الدليل العائد للعام 1860، يفيدنا Joanna وIsambert على وجود مصرفٍ فرنسي في بيروت معروف باسم Truilhier de Rostand فكان هذا المصرف يقوم بأعمال الصِرافة ويقدم خدمات جليّة للمواطنين، كما كان مصدر ثقة بالنسبة لهم.
- شكل بنك سوريا ولبنان الكبير أكبر تروست مالي استغل واستثمر اقتصاديات سوريا ولبنان لمصلحته الخاصة واستطاع نقل كميات كبيرة من ذهبهم إلى فرنسا.
- اتخذ البنك الفرنسي الاحتياطي Caisse Francaise de Prevoyance المؤسس سنة 1886 في باريس فرعًا في بيروت، واقدم على بيع جميع الأسهم المالية بالتقسيط بإذن الحكومة الفرنسية، كما ونظم بيعها بأسعار متفاوته لا بل احتكارية في بعض الأحيان وكان يتم كل ذلك تحت مراقبة الحكومة المذكورة.
إلى جانب هذا البنك كانت هناك مؤسسات مالية فرنسية أخرى، ولكنها كانت أصغر منه شأنًا وأقل أهمية، ولكنها لعبت دورًا بارزًا على الساحة الاقتصادية والمالية:
- بنك التسليف العقارية، وهو فرع من بنك الشركة العامة الباريسية في بيروت منذ أواخر عام 1919، وكان يقدر رأسماله ستة ملايين فرنك فرنسي[20]. ولكنه سرعان ما توسع وتأسس له فروع عدّة في أرجاء سوريا، وحلب 1930، ودمشق حزيران 1931، وطرابلس حزيران 1933.
- الشركة العقارية السورية؛ أسسها الكونت كريستاتي في بيروت عام 1922، برأسمال بلغ 10 ملايين فرنك فرنسي[21].
- بنك التسليف العقاري للجزائر وتونس وبيروت تأسس في بيروت عام 1921، برأسمال قدره 7 ملايين فرنك فرنسي[22].
- تأسس فرع لبنك كريدي – ليونيه في العام 1875، بهدف ربط إنتاج الحرير في بيروت وجبل لبنان بمصانع الحرير في مدينة ليون الفرنسية. لعب هذا البنك دورًا لا بأس به في الدول الواقعة تحت الانتداب الفرنسي ولاسيما أن له تاريخًا عريقًا في هذه البلدان فقد كان يشرف على مصانع الحرير. ومع مرور الزمن تطوّر وتقدم هذا البنك برأسماله فأخذ يدعم المشاريع العمرانية والإنمائية في بيروت.
إن هذه المؤسسات المالية اتجهت نحو التسليفات المالية القصيرة الأجل، ونحو مشاريع المواصلات والسياحة والمرافئ والموانئ وشركات التأمين والسكك الحديدية والكهرباء.
- يضاف إلى تلك المؤسسات المالية بنك التسليف الزراعي، الذي حلّ مكان بنك الزراعي العثماني، ولكن الحلفاء أوقفوا عمله عام 1919. وكان هذا البنك يعمل برساميل فرنسية منذ تاسيسه عام 1898 في القسطنطينّية، غير أن جبل لبنان المتصرفية لم يستفد منه أبدًا. ولكن سرعان ما تمّت إعادة هذا البنك، وفتح أبوابه في عام 1924 تحت اسم “البنك الزراعي لدولة لبنان الكبير”، ولم يبدأ عمله الرسمي إلاّ اعتبارًا من العام 1926. أما رأسمال هذا البنك فقد بلغ 269,000 ليرة سورية ورق في عام 1926، ولم يقدم أية فوائد للمزارعين الفلاحين لأن هذا البنك لا يعطي قروضًا إلاّ مقابل رهن على الأرض على ألاَّ يتجاوز مبلغ التسليف الألفي ليرة سورية تدفع على مدى خمس سنوات وتكون من أجل استصلاح الأراضي الزراعية. غير أن البنك لم يقم بأي دور إيجابي في تطوير الريف وافساح المجال أمام المزارعين القيام بمشاريع زراعية كبيرة نظرًا لرأسماله البسيط، وقلة انفتاحه على المزارعين واقدامه على القيام بمشاريع ذات أهمية كبرى، مما جعله موضع شك وقلة ثقة.
إنطلاقًا مما أوردناه، نرى كيف أن هذه المؤسسات المالية الفرنسية وسواها والمدعومة من سلطة الانتداب من السيطرة على جميع القطاعات المنتجة الاقتصادية والمالية في سوريا ولبنان، وهذا الدعم والتغطية السياسية يكشفها لنا بشكلٍ التصريح الذي وجهه الجنرال غورو لمرافقه الجنرال كاترو: ” “فتحنا الطريق أما رساميلنا فينبغي أن يكون للبضائع الفرنسية المقام الأول”. بهذا الوضوح اتسمت السياسة الفرنسية منذ عام 1921″[23].
- مؤسسات مصرفية انكليزية وإلمانية
إن التنافس بين البلدان الأوروبية، وبخاصة منذ أواسط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لم تكن مقتصرة على الأمور السياسية إنما تعداها للأمور الإقتصادية وسعي كل منها إلى بسط نفوذه واستغلال موارد بلدان الشرق الأوسطية، ومن ضمنها لبنان، وهذا ما سنظهره من خلال السعي الحثيث على تأسيس مؤسسات مصرفية تابعة لبلدانهم وذلك للاستئثار بالثروات المالية والتحكم باقتصاد هذه البلدان. وهنا سنتوقف عند دور انكلترا في هذا الموضوع:
- William and Robert Black and company: فبعد افتتاح فرع للبنك العثماني في بيروت قام الانكليز في السنة عينها بافتتاح بنك بريطاني في بيروت وهو William and Robert Black and company.
- كما تأسست شركة مصرفيّة بريطانيّة أخرى وهي Henry Heald and Compny وكيلة London Coutts and Cie.
- أشار Farley انه سنة 1865 تمَّ افتتاح فرع صغير للشركة المصرفيّة الإنكليزية في بيروت مع بعض الفروع الثانوية لها، وذكر انه حقق لتجارة البلاد إرباحًا طائلة. وخلال سني 1850-1860 عَمِل Duthese Stussy and Cie على إنشاء بنك بريطاني في مدينة بيروت[24].
- البنك الإنكليزي – الفلسطيني: عمدت الشركة الإنكليزية الفلسطينية إلى تأسيس في عام 1902 البنك الانكليزي الفلسطيني Anglo Palestine Co., Ltd، وهو في الحقيقة بنك يهودي فلسطيني تاسس في انكلترا برأسمال مئة ألف جنيه استرليني واتخذ لندن لمقره الرئيسي.
وتاسس له فرع في فلسطين عام 1903 ومن ثمَّ في يافا وحيفا والقدس، كما وتأسس له فروع عديدة في بيروت[25].
غير أنه لم يحظ بثقة البيروتيين بالرغم من المساعي والضمانات والجهود التي بذلها مديرو الفروع في استمالة الزبائن عارضين عليهم أفضل التسهيلات غير المتوفرة في مصارف أخرى. لكن ذلك لم يبدّد شكهم حول الموارد الحقيقية لهذا المصرف وخاصةً أن مؤسسي هذا البنك هم من اليهود ومن جنسيات مختلفة.
ازدهرت حالة هذا البنك في مدن حيفا ويافا والقدس، غير أنه ما لبث أن أقفل ابوابه في بيروت، نظرًا للأسباب التي أوردناها سابقًا، النابعة من موقف اللبنانيين الحذر من المآرب السياسية التي كانت تكمن وراء تأسيسه.
إن سياسة سيطرة انكلترا على الاقتصاد في الشرق، بدأ كما رأينا منذ منحت السلطة العثمانية الامتيازات للدول الأجنبية[26]، كما وبرز دورها الفاعل على مسرح الأحداث في جبل لبنان عقب المشاركة بوضع نظام المتصرفية وتوقيعها على البروتوكول. واليوم نرى كيف أنها كانت تتغلغل تدريجيًا إقتصاديًا، مّما اوصلها في العام 1905 إلى تملك أكثر من 200 مليون فرنك في السلطنة وبذلك أصبحت تحتل المرتبة الثانية بعد فرنسا.
- مؤسسات مصرفية إلمانية
تأسست في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين، مؤسسات مصرفية ألمانية عدّة في بيروت، لن نتوقف عند جميعها إنما سنسلط الضوء على احدها نظرًا للدور الذي لعبه هذا البنك، وبالتالي لأن سياسة المانية الاقتصادية والمالية في منطقة الشرق الوسط كانت محدودة لا بل ضعفية أمام سياسة فرنسا وانكلترا.
من هذه البنوك نذكر البنك الألماني الفلسطيني Deutsche – Palestina Bank الذي تأسس عام 1889، وهو أول بنك الماني في منطقة الشرق الأدنى. تأسس هذا البنك أولاً في فلسطين كان رأسماله أربعمئة وخمسين ألف مارك، ثم زيد سنة 1901 ليبلغ ثمانمئة ألف، وارتفع في عام 1910 إلى مليون مارك. وكان الهذف من وراء تأسيس هذا البنك هو تسهيل التبادل التجاري بين البلاد السورية وإلمانيا.
تأسس لهذا البنك ستة فروع في كُلٍ من بيروت والقدس وحيفا ويافا وطرابلس ودمشق. وفي العام 1917م، افتتح فرعين له أحدهما في حلب والآخر في إسكندرون.
ولكن بالرغم من كل ذلك لم يتمكن هذا البنك من مزاحمة البنك السلطاني العثماني وبنك الكريدي ليوني.
- بنك سالونيك
من البنوك التي تأسست في الامبراطورية العثمانية والتي لعبت دورًا على الساحة الاقتصادية، نذكر بنك سالونيك الذي تأسس عام 1888 على يد جماعة من يهود سالونيك برأسمال قدره ثلاثين مليون فرنك فرنسي.
نقل هذا البنك مركزه من سالونيك إلى استامبول بعد احتلال اليونان لمدينة سالونيك سنة 1913. وتملك الشركة العامة Societe Generale القسم الكبير من رأسماله. وقد افتتح هذا البنك فرعًا له في بيروت وكان يقوم بجميع العلميات المصرفيّة ويدفع فوائد على المبالغ المودعة وفقًا لمدتها.
- بنكو دي روما
ما أن أنتهت الحرب العالمية الأولى حتى تم تاسيس فرع لبنكو دي روما في بيروت عام 1919، كما أنشأ فرعين في دمشق وحلب. واتخذ مركزًا لادارته في المدينة بوكالة بسترس، سوق الجميل، وأعلن أنه مستعد لتعاطي جميع الأعمال المصرفية بشروط حسنة.
وفي أواخر العام 1919، انشئت في بيروت الشركة العامة “بنك التسليف العقاري السوري” برأسمال قدره ستة ملايين فرنك فرنسي[27].
غير أن هذين المصرفين لم يكن بامكانهما الاستفادة من وجود الفرنسيين في إدارة الانتداب في بيروت، بل على العكس من ذلك، فقد فرض المندوبون الساميون تدابير صارمة تجاههم وألغوا كل أشكال المضاربة، وأخضعوا هذه البنوك وسواها لإشرافهم المباشر. مّما عرقل أعمالهم وحدّ من قدرة نفوذهم ودفع سلطة الانتداب إلى احتكار الاسواق المالية في لبنان دون وجود أي منازع ومنافس لها.
ثالثًا: المؤسسات المصرفيّة المحلّية
شهدت بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حركة عمرانية غيرت بمعالم المتصرفية ودفعت بالعجلة الاقتصادية والمالية نحو التقدم والإزدهار. فتم توسيع الطرقات وربطها بعضها ببعض، وتنشيط قطاع الخدمات فنشأت في ساحة العاصمة مكاتب للنقل والتأمين، كما وتم في عام 1893 الانتهاء من توسيع مرفأ بيروت، وفي الوقت نفسه، إنشاء سكة الحديد بين بيروت ودمشق، فبذلك لم تعد بيروت مجرد مرفأ لاستيراد البضائع إنما عاصمة اقتصادية لجبل لبنان وبوابة عبور نحو بلاد سورية. وهذا ما شجع عددًا من قناصل الدول الكبرى والمستشارين الأجانب والمرسلين من اتخاذ بيروت مركزًا لاقامتهم وتعزيز تمثيلهم.
هذا التقدم العمراني، دفع أبناء الجبل إلى تأسيس مؤسسات مصرفية محلية شبيهة بتلك الأجنبية غير أن دورها بالبداية إقتصر على لعب دور الوسيط «قومسيونجي» في استيراد البضائع الأوروبية، وقد حملت أسماء مؤسسيها بعد أن نالوا ترخيصاً من الدولة العثمانية، التي أخذت تمنح امتيازات لتأسيس مصارف محلية في بيروت، بهدف تقديم القروض المالية للتجار بفائدة منخفضة.
كان للأخوين مدوّر في بيروت خلال العام 1860 مؤسسة مصرفية على علاقة مع مدن الداخل السوري.
في أواخر القرن التاسع عشر أنشئت في بيروت مؤسسة تجارية للسلع المصنعة والشرانق والحرير، وكانت لهذه الشركة علاقات مميزة مع فرنسا وايطاليا، والهدف من وراء هذه الشركة هو تأمين تمويل صناعة الحرير وتجارته.
أسّس هذه الشركة ميخائيل وروفائيل فرعون عام 1876، بالتعاون مع عدد من الرأسماليين ورجال الأعمال كالسيّد أنطوان شيحا وقزما ومسعد لمدة ثلاث سنوات، ثم تجدّدت الشركة ثلاث سنوات أخرى لغاية سنة 1882. وبعد ذلك اتفق مخائيل وروفائيل فرعون مع صهرهما انطوان شيحا وأسَّسا بنك “فرعون وشيحا”. فكان أول شركة محلّية تتولى تمويل اقتصاد الحرير الذي كان إلى ذلك الحين حكرًا على البيوتات المالية الفرنسيّة. ولم تقتصر نشاطات الشركة على القطاع المالي بل تعدّته للقطاعين الصناعي والتجاري[28].
كانت شركة فرعون – شيحا تصنف بالمرتبة الثانية بتملكها معامل حلّ الحرير في ولاية بيروت وجبل لبنان، فكانت تمتلك 10 معامل من أصل 18 معملاً، وسيطرت على 12 بالمئة من تصدير الحرير الخام[29].
تحسنت أوضاع البنك عمومًا خاصة زمن مديره يوسف روفائيل فرعون الذي كان له الفضل الكبير بإدارة دفته خلال الأزمة المالية الخانقة وأبرزها الحرب العالمية الأولى التي قضت بالخراب والاضمحلال على مصارف عديدة.
اثر وفاة روفائيل فرعون عام 1901، قرّر أخوه ميخائيل فسخ الشركة المعقودة سابقًا باسمه واسم أخيه وصهره انطوان شيحا. فقام أبناء أخيه بتحرير حساباتهم وقسموا أموالهم وممتلكاتهم. فانسحب مخائيل من الشركة واستمرَّ أبناء أخيه روفائيل وصهره شركاء وواصلوا أعمال البنك تحت اسم بنك “فرعون وشيحا”.
وبعد دخول الحلفاء بيروت عام 1918، أصدرَ بنك فرعون وشيحا بتاريخ 4 تشرين الثاني إعلانه للذين يرغبون جلب دراهم من مصر. فأفادت إدارة البنك: “إن الذين بيدهم شيكات على أوروبا أو أميركا من فرنكات او ليرات انكليزية أو دولارات أو خلافها ويرغبون تصريفها في القطر المصري وإحضار قيمتها وأيضًا الذين لهم نقود هناك ويرغبون جلبها إلى هذه البلاد يمكنهم تشريفنا حالاً للإيقاف معنا بهذا الخصوص”. وهكذا تابع المصرف أعماله بعد الحرب ليعلن أيضًا عام 1919 أنه يقوم بجميع الأعمال المصرفيّة[30].
وفي غضون هذه الفترة أيضًا تأسس في بيروت عدد من المصارف نذكر منها:
بنك نقولا طراد: في المرفأ، بإدارة نقولا وأنطوان جرجس طراد.
بنك طراد: في غرب دار الحكومة، مديره جرجي طراد.
بنك جيراردي: في وكالة ثابت، بإدارة جول جيراردي.
بنك الريس: في جادة الحكومة بإدارة باسيل الريس.
بنك بستاني: في وكالة سرسق، بإدارة بستاني إخوان.
بنك صباغ: في خان حمزة (شمالي شارع فوش)، مديره حبيب صباغ وأولاده.
بنك Merck : في سوق الجميل، بإدرة السادة مرك ودرك.
بنك فارحي وطراب: في سوق رأس المخازن، بإدارة فارحي وطراب.
بنك طوطح: في سوق رأس المخازن، بإدارة موسى طوطح وشركاه.
بنك حكيم: في سوق رأس المخازن، بإدارة إبراهيم روفائيل حكيم وشركاه.
بنك الزلعوم: في وكالة الزلعوم، بإدارة لويس زلعوم وشركاه.
بنك اليازجي: في وكالة الزلعوم، مديره سليم اليازجي.
بنك قمر وشحادة: بجوار خان فخري بك، بإدارة السادة قمر وشحادة.
بنك الشقال: بجوار خان فخري بك، مديره رزق الله الشقال.
بنك خياط: بجوار خان فخري بك، بإدارة سليم بنيامين خياط وشركاه.
بنك داغر: بجوار خان فخري بك، بإدارة السادة داغر وبطرس وشركاهم.
بنك طبيب: بجوار خان فخري بك، بإدارة جبور طبيب وشركاه.
بنك جبيلي: في وكالة سرسق، بإدارة سليم جبيلي وأولاده وشركاهم[31].
ومع دخول السلطنة العثمانية الحرب العالمية الأولى تم إلغاء جميع الامتيازات التي منحت للدول الأجنبية ولا سيما التابعة منها لدول الحلفاء كفرنسا، وبريطانيا،… ولم تكتفِ السلطنة بذلك إنما تعدته بطرد سفرائها وقناصلها ووضع يدها على جميع الأموال المودعة في المصارف والعائدة لرعاياها، أو باعتبارهم ينتمون إلى الحلفاء ويؤيدونهم.
ولكن فور دخول الحلفاء بيروت ولبنان، أعلن حاكم بيروت دو بياباب إلغاء جميع التدابير التي أتخذت من قبل السلطنة العثمانية فيما يخص ضبط أموال الحلفاء المودعة بالمصارف.
هذه باختصار لمحة موجزة عن تاريخية المصارف في بيروت وجبل لبنان منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولغاية إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920.
تحليل واستنتاج
إنطلاقًا من هذه الدراسة التاريخية الموجزة لبعض المؤسسات المصرفية التي تأسست في لبنان اعتبارًا من أواسط القرن التاسع عشر ولغاية اعلان دولة لبنان الكبير يمكننا أن نستنتج الأمور التالية:
تميَّزَ جبل لبنان ومعهُ بيروت خلال الحقبة التاريخية المذكورة، بكونِه ظاهرةً اقتصاديةً، واجتماعيةً، وثقافيةً،…فاستطاعت بيروت أن تكون قبلة أنظار ومحطّ أمال لعدد كبير من التجار ورجال الأعمال، فأضحت بحكم موقعها الجغرافي عاصمة التجارة الداخلية والخارجية على السواء، مّما دفع أهم البنوك إلى التمركز فيها وفتح فروع لها.
أتى تأسيس تلك البنوك مع بداية الأزمة النقدية التي عرفتها السلطنة العثمانية. وان معظم تلك المؤسسات كانت ذات رأسمال أجنبي، فسيطروا بذلك على قطاع الحرير والمرافئ والمياه وسكك الحديد،… وبذلك تمّ استيراد نماذج إدارية ومالية من الغرب الرأسمالي وخصوصًا من فرنسا.
ويمكننا القول أن معظم المؤسسات المصرفية الأجنبية التي أسست لها بنوكًا ومصارف في بيروت كان هدفها ألأول توسيع نشاطها المصرفي والسيطرة على اقتصاد البلد ومن ثم التحكم بمقدراته الاقتصادية والزراعية والانتاجية، وثانيًا ما كان هذا التوسع سوى صورة عن التنافس الدولي الذي كانت تقوم به معظم الدول الأجنبية فيما بينها، والهدف من وراء ذلك وراثة السلطنة العثمانية ومحاولة بسط سلطتهم السياسية ومن ثم الاقتصادية ليصلوا إلى السيطرة العسكرية كما حصل في نهاية الحرب العالمية الأولى.
إن تاسيس المصارف الأجنبية قد شجع ودفع إلى تأسيس مؤسسات مالية محلّية ذات الطابع العائلي، فاعتمدت هذه سياسة التسليف بشكل خاص وتقديم القروض على سندات او بضائع، وتسليفات مقابل رهن، ولاسيما لصناعة وتجارة الحرير، والمشاريع الزراعية، والمؤانئ الحياتية الحيّة.
بعد أن اصابت الحرب العالمية الأولى البنوك بالتدهور، عادت فازدهرت في ظل الانتداب الفرنسي، وانتشرت البنوك التي كونتها رؤوس الأموال الفرنسية، مثل بنك الكريدي فونسيه الجزائري التونسي، والكريدي السوري، والشركة الجزائرية. فأخذت هذه البنوك بالتنوع؛ فظهرت بنوك الودائع وبنوك عقارية غير متخصصة، وبنوك تجارية كانت تقرض على الأراضي، والبنوك العقارية التي تمول على التجارة وأعمال البناء. مما يعني أن سلطة الانتداب الفرنسي اطلقت أيدي الفرنسيين قي السيطرة على جميع النواحي العسكرية والإدارية والمالية والإقتصادية، ووضع البلد تحت أمرتهم والخضوع لمزجيتهم.
فرضت السلطة الفرنسية سلطتها وفرضت الضرائب والغرامات…وكانت كلها بالذهب وبدأ الاهتمام بكيفية إخراج الذهب إلى فرنسا عن طريق المؤسسات المالية الفرنسية المتمركزة في بيروت، مّما ساعد على دعم العملة الفرنسية من الهبوط.
في الختام يمكننا القول ان القطاع المصرفي هو من القطاعات التي انقذت لبنان من الانهيار بمراحل كثيرة، من تاريخه. ويعود الفضل بذلك، لكون اللبنانيين كانوا ولا يزالون شديدي الحرص على بقائه وديمومته لما يمثله في وجدانهم ووعيهم. إن تبدّل الاقتصاد العالمي مع الرأسمالية المتحكمة والتي تسيطر على الاقتصاد العالمي، تؤثر في حرية العمل المصرفي. إلاّ أن خبرة اللبنانيين الطويلة في المجال المصرفي، وليونة تعاملهم مع المتغيرات السياسية والاقتصادية وقدرتهم على التأقلم، سوف تساعد في النهوض، على الرغم من الحظر الحالي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وان هذه الأزمة ستعبر مرور الكرام كما مرّ سواها وسيعود القطاع الاقتصادي لينهض من هذا الرقاد ويعرف الإزدهار، وستعود بيروت كما عرفت بالسالف “سويسرا الشرق”.
[1] مرسي، فؤاد، محاضرات عن البنوك في البلاد العربية سوريا ولبنان، جامعة الدول العربية معهد الدراسات العربية العالية، 1958، ص 6 و 52؛
Himadeh, Said, Monetary and Banking system of Syria, Beirut, 1935, p 15;
[2] لوتسكي، فلاديمير، تاريخ الأقطار العربية الحديثة، دار التقدم، موسكو، 1971، ص 384؛ هرشلاغ، ز.ي، مدخل إلى تاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، 1973، ص 65؛ عوض، عبد العزيز محمد، الإدارة العثمانية في ولاية سورية 1861 – 1914، دار المعارف مصر، 1969، ص 208-209.
[3] دبس، لينا فريد، الحراك الإداري والاقتصادي في متصرفية جبل لبنان، في الحداثة 199 /200، ربيع 2019، ص 324.
[4] تأسس هذا البنك في مدينة سالونيك اليونانية سنة 1888 ثم انتقل في عام 1913 إلى القسطنطينية، وكانت تشرف على رأس ماله الشركة العامة الفرنسية، وقد ابتلعه في النهاية بنك الكريدي ليونه الجزائري التونسي. مرسي، فؤاد، محاضرات عن البنوك في البلاد العربية سوريا ولبنان،… ص 52؛ Guys, Henri, Esquisse de l etat politique, p 247.
[5] أول بنك الماني في الشرق الأوسط تأسس عام 1889. مرسي، فؤاد، محاضرات عن البنوك في البلاد العربية سوريا ولبنان،… ص 52 – 53.
[6] Chevalier, Dominique, La societe du Mont Liban a l époque de la revolution industrielle en Europe, Paris, Librairie Orientaliste Paul Geuthner, 1970, p 196 -198; Boissiere Importance actuelle des interet francais en syrie, p 24
[7] عشي، جورج، النظام النقدي في سوريا، دمشق، 1952، ص 2.
[8] كنعان، ابراهيم نعوم، بيروت في التاريخ، الجزء الثاني، بيروت، مطبعة عون، 1963، ص 235؛
[9] سباعي، بدر الدين، أضواء على الراسمالي الأجنبي في سوريا 1850-1950̤ ، دار الجماهير، 1967، ص 88
[10] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الإجتماعي 1914 – 1926، دار الفارابي، الطبعة الثالثة، بيروت، 2015، ص 179 -180.
[11] راجع بهذا الخصوص جردية لسان الحال بعددها 7830 الصادر بتاريخ 2 تموز 1919؛ شبارو، عصام، المطول في تاريخ بيروت، المجلد الرابع، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2018، ص 1547.
[12] Guys, Henri, Esquisse de l etat politique, p240.ومسعود ضاهر، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 -1926، ص 168.
[13] [13] Chevalier, Dominique, La societe du Mont Liban a l époque de la revolution industrielle en Europep 226
[14] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، ص 179 – 180Maxime. Nicolas, Questions monitaire en syrie, Reylyon, 1921 p21
[15] حول تاريخية هذا المصرف وجميع الاتفاقات التي وقعت راجع: مرسي، فؤاد، محاضرات عن البنوك في البلاد العربية سوريا ولبنان، جامعة الدول العربية معهد الدراسات العربية العالية، 1958.
[16] راجع بهذا الخصوص موسوعة عصام شبارو، المطول في تاريخ بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2018.
[17] عوض، عبد العزيز، الإدارة العثمانية في ولاية سوريا 1864 – 1914، دار المعارف، مصر، 1969، ص 19 -20؛ هرشلاغ، ز.ي، مدخل إلى تاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، 1973، ص 40 -69
[18] P 102 -103. Ducruet, jean, Les capitaux Europeens au Proche- Orient, Paris, 1964,؛ هرشلاغ، ز.ي، مدخل إلى تاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، 1973، ص 76 -85.
[19] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، ص 28.
[20] سباعي، بدر الدين، أضواء على الراسمالي الأجنبي في سوريا 1850 – 1950،… ص 88؛ ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، … ص 183.
[21] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، …ص 183؛ سباعي، بدر الدين، أضواء على الرأسمالي الأجنبي في سوريا 1850 – 1950،…ص 131.
[22] المرجع السابق.
[23] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، .. ص 185.
[24]Wekley, Ernest, Report Upon the conditions and Prospects of british trade in Syria, London: H, M, Stationery Off., 1911, p 656-657.
[25] جريج، الياس، ولاية بيروت 1887 – 1914 التاريخ السياسي والاقتصادي، مطبعة عكار، 2004، ص 277؛ حماده، سعيد، النظام النقدي والصراقي في سوريا، المطبعة الاميريكانية، بيروت، 1935، ص 28 – 29.
[26] لمزيد من المعلومات حول هذه الامتيازات راجع: الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية الآثار الإيجابية والسلبية (10 -13 ه/ 16 -19 م) دراسة لنيل شهادة الماستير في التاريخ الحديث والمعاصر، إعدادا الطالبتين سهيلة أحمد سرير وفتيحة حاج بن فاطمة، جامعة الدكتور يحي فارس بالمدية، كلية العلوم الاسانية والاجتماعية، قسم العلوم الإنسانية، السنة الجامعية 1435 – 1436 ه ، 2014 – 2015.
[27] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، .. ص 185.
[28] طرابلسي، فواز، صلات بلا وصل ميشال شيحا والإيديولوجيا اللبنانيّة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1999، ص 17-18.
[29] المرجع السابق.
[30] راجع حول هذا الموضوع: ريمون الكك، تطور بيروت منذ نهاية الحكم المصري حتى اعلان دولة لبنان الكبير 1840 – 1920، وهي أطروحة اعدت باشرف الدكتور جوزف لبكي، وقدمت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية الفرع الثاني، لنيل شهادة الدكتورة اللبنانية في التاريخ، بيروت، 1996.
[31] الأنسي، عبد الباسط، دليل بيروت تقويم الاقبال لسنة 1327 (1909 -1910)، طبع بمطبعة جريدة الاقبال، بيروت، 1327، ص 125 – 126.