Almanara Magazine

توجيهاتٌ من أجل استخدام عِلْم النَّفْس في قَبول طُلَّاب الكَهَنوت وتنشئتِهم

عرَّبها الشَّمَّاس إيلي سمعان

مقدَّمة المُعرِّب

   منذ أواسط القرن الماضي، بخاصَّةٍ في السِّتِّينيَّات منه، تطوَّر استخدام عِلْم النَّفس في البلدان الأوروبيَّة، ولا سيَّما في الإكليريكيَّات ودُور التَّنشئة الرُّهبانيَّة. وألزَمَتْ بعض هذه الإكليريكيَّات ودُور التَّنشئة جميعَ الَّذين يرغبون في الدُّخول إليها أنْ يخضعوا لاختباراتٍ نفسيَّةٍ مُلزِمةٍ لبدْء مسيرة تنشئتهم فيها. ولقد تساءلتِ الكنيسةُ عن ضرورة استخدام العلوم النَّفسيَّة وعن مدى أهمِّيَّتها في مؤسَّساتها، ولا سيَّما في الإكليريكيَّات؛ وعمَّا إذا كان من الواجب وضْع ضوابط لهذا الاستخدام، أو الحدّ منه وحتَّى منعه.

   بعد تفكير طويلٍ، ما يقارب الثَّلاثين عامًا، أصدَرَ مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة هذه الوثيقة الَّتي تحمل العنوان الآتي: توجيهات من أجل استخدام عِلْم النَّفْس في قَبول طُلَّاب الكَهَنوت وتنشئتِهم، في 29 حزيران من العام 2008. وكان الهدف من إصدارها إيجاد توازنٍ في الممارسة ما بين القائلين: “كلّ شيءٍ يجد تفسيره من خلال علْم النَّفس”، وبين الَّذين يرفضون اللُّجوء إلى هذا العلم رفضًا قاطِعًا.

   فقد بدأت الوثيقة بتوضيح رباط الدَّعوة الكَهَنوتيَّة بعِلْمِ النَّفس، فأبانَتْ أنَّ “الدَّعوة إلى الكَهَنوت (…) تتفلَّتُ من كفايات (compétences) عِلْم النَّفس الدقيقة” (العدد 5)، هذا من جهة. ولكن، من جهةٍ ثانية، يمكن أنْ يكون “اللُّجوء إلى «علماء النَّفْس» (…) مفيدًا في بعض الحالات، وذلك من أجل تقييمٍ أكثر صدْقًا لوضْع الطَّالب النَّفسيّ، ولقدراته الإنسانيَّة الَّتي تُـمَكِّنه من الإجابة على الدَّعوة الإلهيَّة، ومن ثمَّ من أجل تقديم مساعدةٍ في نموِّه الإنسانيّ” (العدد 5). كما تقرُّ هذه الوثيقة بضرورة أنْ يتمّ تمييز دعوة طلَّاب الكهنوت في ضوء بعض المعايير النَّفسيَّة، إذ تورد النَّصِّ الآتي: إنَّ “حالات عدم القدرة النَّفسيَّة (inaptitudes psychiques) العديدة، والـمَرَضيَّةٍ نوعًا ما، لا تبان إلَّا من بعد السِّيامة الكَهَنوتيَّة. فإنَّ تمييز هذه الحالات في الوقت المناسب يُـجنِّب مآسي كثيرة” (العدد 4).

   من ناحيةٍ أخرى، توصي هذه الوثيقة بأنْ يتمتَّع الـمُنَشِّئون أنفسُهم بمعارف نفسيَّةٍ عميقة. كما تعتبر أنَّ اللُّجوء إلى عالِـم النَّفس أمرٌ ضروريٌّ ومحبَّذ، ولكن من دون أنْ يصير ذلك قاعدةً أو أمرًا ممنْهَجًا وصارمًا؛ وللطَّالب الإكليريكيّ الحقّ في أنْ يرفض الخضوع للخبرة النَّفسيَّة. كذلك، من واجب الكنيسة ومن حقِّها “أنْ تتأكَّد -عبر اللُّجوء إلى الطِّبّ وإلى علم النَّفس- من أهليَّة كهنة الغد” (العدد 11). وتتابع الوثيقة، بخصوص قَبول أحد الطُّلَّاب في الإكليريكيَّة أو في دار التَّنشئة واستخدام الخبرة النَّفسيَّة، فتورد الآتي: “في حال وجود شكٍّ حول أهليَّة الطَّالب، يمكن أنْ يتمّ القَبول في الإكليريكيَّة أو في دار التَّنشئة، في بعض الأحيان، فقط من بعد إجراء تقييمٍ نفسيٍّ لشخصيَّة الطَّالب” (العدد 11).

   كذلك، تتطرَّق الوثيقة إلى الشُّروط الَّتي يجب توافرها لاستخدام علْم النَّفس: ومن أهمِّها احترام صيت الطَّالب الإكليريكيّ وخصوصيَّته؛ إذ تورد الآتي: “إنَّ حقّ مؤسَّسة التَّنشئة وواجبها بالحصول على المعارف اللازمة من أجل حكمٍ متروٍّ وأكيدٍ في شأن أهليَّة الطَّالب، لا يمكنهما أنْ يسيئا إلى الحقِّ الَّذي يتمتَّع به الشَّخص بالصِّيت الحسن، ولا أنْ يُسيئا إلى حقِّه في الدِّفاع عن خصوصيَّته” (العدد 12). ومن الشُّروط الأخرى الواجب أنْ تتوافر أيضًا لاستخدام عِلْم النَّفس، هي أنْ تنال الإكليريكيَّة موافقة الطَّالب ورضاه: “(…) مؤسَّسة التَّنشئة يمكنها أنْ تلجأ إلى استشارة عالم النَّفس فقط في حال حصولها على رضى الطَّالب الـمُسبَق والـمُعلَن والصَّريح والحرّ” (العدد 12).

   أمَّا بخصوص الطُّلَّاب الإكليريكيِّين الَّذين صُرِفوا من إحدى الإكليريكيَّات، وترغب إكليريكيَّةٌ أخرى بقَبولهم، فإنَّه “من واجب المنشِّئين السَّابقين أنْ يقدِّموا معلوماتٍ دقيقةً إلى المنشِّئين الجدد (…). بخاصَّةٍ في موضوع أسباب الصَّرْف أو المغادرة” (العدد 16).

   وتشدِّد الوثيقة أيضًا على الصَّراحة الَّتي يجب أنْ يُبديها الطَّالب الإكليريكيّ للمنشِّئين الجدد، فتورد الآتي: “في حال انتقل الطَّالب من إكليريكيَّةٍ الى أخرى، أو إلى دار تنشئةٍ آخر، عليه أن يعلم المنشِّئين الجدد بأنَّه قد استشار، في السّابق، عالِمًا نفسيًّا. ولا يمكن أنْ يحصل الـمُنَشِّئون الجدد على التَّقرير الَّذي رفعه الخبير (النَّفسيّ) من دون موافقة الطَّالب الحرَّة” (العدد 16).

   وتتطرَّق هذه الوثيقة أيضًا إلى الأسباب الـمُوجِبة الَّتي تلزم الإكليريكيَّة بإيقاف مسيرة تنشئة الطَّالب؛ وهذه الأسباب تتعلَّق بالنَّاحيتَين الإنسانيَّة والنَّفسيَّة، والَّتي لا تتوافق والكهنوت. ونجد، في هذا الشَّأن، الآتي: “يجب أنْ يتم إيقاف مسار التَّنشئة عندما يستمرّ الطَّالب في إظهار عدم القدرة على أنْ يواجه بطريقةٍ واقعيَّةٍ حالات عدم نضوجٍ خطير (تعلُّقٌ عاطفيٌّ كبير، ونقصٌ فاضحٌ في الحرِّيَّة لبناء العلاقات، وتصلُّبٌ مفرطٌ في الطِّباع، وغياب النَّزاهة، وهويَّةٌ جنسيَّةٌ غير واضحة، وميولٌ لواطيَّةٌ متأصِّلةٌ تأَصُّلًا عميقًا، وغيرها)، على الرُّغم من جهوده، ومن مساندة عالم النَّفس أو العلاج النَّفسيّ” (العدد 10).

   ولقد استنَدَت الشِّرْعة الجديدة للتَّنشئة الكَهَنوتيَّة، الَّتي هي بعنوان: “عطيَّة الدَّعوة الكَهنوتيَّة“، والَّتي صَدَرَتْ في 8 كانون الأوَّل 2016، إلى هذه التَّوجيهات، مرَّاتٍ عديدة، لتُشدِّد على أهمِّيَّة استخدام علْم النَّفَس في مُؤُازَرَة الـمنشِّئين على إنجاح مرافقة الطُّلَّاب الإكليريكيِّين، “بالطَّريقة الَّتي تتناسب مع ظروف كلِّ واحدٍ من الطُّلَّاب”. ونقتطف من هذه الشِّرْعة النَّصَّ الآتي: “لقد اتَّضحَ أنَّ ما قد يؤتي به علم النَّفْس هو ذو فائدةٍ قيَّمةٍ للمنشِّئين الَّذين تعود إليهم، بطريقةٍ إلى أخرى، مسؤوليَّة تمييز الدَّعوة، إذ إنَّ هذه العلوم تمكِّنهم من أنْ يتعرَّفوا بشكلٍ أفضل على طباع الطُّلَّاب وعلى شخصيَّتهم، وبالتَّالي مِنْ أنْ يُتَمِّمُوا خدْمتهم في التَّنشئة بالطَّريقة الَّتي تتناسب مع ظروف كلِّ واحدٍ من الطُّلَّاب” (مجمع الإكليروس، عطيَّة الدَّعوة الكَهَنوتيَّة. المَنْهَج التَّأسيسيّ للتَّنشئة الكَهَنوتيَّة، منشورات الإكليريكيَّة البطريركيَّة المارونيَّة بالتَّعاون مع المركز الكاثوليكيّ للإعلام، غزير، طبعة أولى، 2018، العدد 192، ص 120).

   تُقسم هذه التَّوجيهات إلى ستَّة أقسامٍ رئيسيَّةٍ وخاتمة. يتطرَّق القسم الأوَّل إلى موضوع الكنيسة وتمييز الدَّعوات. ويعالج القسم الثَّاني إعداد الـمُنشِّئين. ويتوسَّع القسم الثَّالث في التكلَّم على مساهمة عِلْم النَّفس في تمييز الدَّعوة وفي التَّنشئة الكَهَنوتيَّة (في قسمَين رئيسَين: التَّمييز الأوَّليّ والتَّنشئة اللاحقة). ويشدِّد القسم الرَّابع على كيفيَّة طلب التَّحقيق النَّفسيّ وعلى ضرورة احترام خصوصيَّة الطَّالب الإكليريكيّ. ويُحدِّد القسم الخامس حدود العلاقة ما بين الـمُنَشِّئين والخبير النَّفسيّ، ويُسلِّط الضَّوء على دور المرشد الرُّوحيّ. أمَّا القسم السَّادس والأخير فيُحدِّد دور الإكليريكيَّة أو دار التَّنشئة في حال انتقل الطَّالب الإكليريكيّ من مؤسَّسةٍ تُعنى بالتَّنشئة إلى أخرى. كما يُـحدِّد، هذا القسم من هذه الوثيقة، واجبَ الطَّالب نفسه تجاه الإكليريكيَّة الجديدة الَّتي يبغي الدُّخول إليها.

   إنَّ هذه الوثيقة لهي حقًّا مُهمَّةٌ وأساسيَّةٌ في مجال تمييز الدَّعوة وتنشئتها. وعلى الإكليريكيَّات ودُور التَّنشئة أنْ تطَّلع عليها، وتستفيد ممَّا جاء فيها من توجيهاتٍ لِما فيه خير الطَّالب الإكليريكيّ نفسه وخير شعب الله الَّذي سيكون هذا الطَّالب راعيه في مدى ليس بطويل.

    وإلى القارئ الكريم نصّ هذه الوثيقة(*) مُعَرَّبًا، بشكلٍ كامل، عن اللُّغة الفرنسيَّة، كالآتي:

مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة

توجيهاتٌ من أجل استخدام عِلْم النَّفْس في قَبول طُلَّاب الكَهَنوت وتنشئتِهم،

حاضرة الفاتيكان، 2008.

  1. الكنيسة وتمييز الدَّعوات

1. “كلُّ دعوةٍ مسيحيّة تصدر من الله وهي عطيَّة الله، ولكنَّها لا تُعطى أبدًا خارج الكنيسة وبمعزلٍ عنها، بل تمرّ في الكنيسة وعبر الكنيسة […]، انعكاسًا نيِّرًا وحَيًّا لسرّ الثَّالوث القدُّوس”([1]).

وينبغي على الكنيسة، الَّتي “هي أمُّ الدَّعوة ومُربِّيَـتُها”([2])، واجب أنْ تُـمَيِّز دعوة الطُّلَّاب إلى الخدْمة الكَهَنوتيَّة وأهليَّتهم. في الواقع، “إنَّ نداء الروح في الباطن، يجب على الأسقف أنْ يثبِّته ويوثِّقَه”([3]).

من أجل تعزيز هذا التَّمييز ومن أجل التَّنشئة الكاملة على الخدمة، تتنبَّه الكنيسة إلى أمرَين اثنَين: المحافظة على خير رسالتها، وعلى خير الطُّلَّاب. في الواقع، تتضمَّن الدَّعوة إلى الكَهَنوت، ككلِّ دعوةٍ مسيحيَّة، بُعدًا إِكليزيولوجيًّا أساسيًّا مُرتبطًا بالبُعد الكريستولوجيّ: “فليست الدَّعوة نابعة فقط «مِنَ» الكنيسة وتأمُّلاتها، ولا هي تتثبَّتُ وتتحقَّق في الكنيسة وحسب، بل هي أيضًا وحتمًا خدْمةٌ للكنيسة، في نطاق الخدْمة الأساسيَّة الَّتي تؤدِّيها إلى الله. الدَّعوة المسيحيَّة، في كلِّ أشكالها، هي عطيَّةٌ غايتها بناء الكنيسة ونموّ ملكوت الله في العالم”([4]).

وبالتَّالي، فإنَّ خير الكنيسة وخير الطَّالب يتلاقيان بدلًا من أنْ يتعارضا. والمسؤولون عن التَّنشئة ملتزمون بأنْ يعملوا على تناغم هذَين الـخَيرَين، إذ ينظرون إليهما معًا في ترابطهما الحيويّ: وهذا يشكِّل جانبًا أساسيًّا من جوانب مسؤوليَّتهم الكبيرة في خدمتهم الكنيسة والأشخاص([5]).   

2. تتطلَّب الخدْمة الكَهَنوتيَّة الَّتي تُفهَم وتُعاش على أنَّها تشبُّه (configuration) بالمسيح العريس والرَّاعي الصَّالح، عطايا وفضائل خُلُقيَّةً ولاهوتيَّةً تستند إلى اتِّزانٍ إنسانيٍّ ونفسيّ، وبخاصَّةٍ عاطفيّ. ويمكِّن هذا الاتِّزانُ العاطفيّ الطَّالبَ مِنْ بذْل ذاته بشكلٍ حرٍّ تمامًا، من أجل المؤمنين في حياة العزوبة([6]).

يتناول الإرشاد الرَّسوليّ ما بعد السِّينودُس أُعطيكم رُعاة (Pastores Dabo Vobis) مختلف أبعاد التَّنشئة الكَهَنوتيَّة والإنسانيَّة والرُّوحيَّة والفكريَّة والرَّعائيَّة. وقبْل أنْ يتوقَّف هذا الإرشاد عند التَّنشئة الرُّوحيَّة الَّتي هي “العنصر الأكثر أهمِّيَّة في التَّربية الكَهَنوتيَّة”([7])، يُشير إلى البُعد الإنسانيّ الَّذي هو أساس كلِّ التَّنشئة. كما يُعدِّد مجموعةً من الفضائل الإنسانيَّة ومن الإمكانيَّات العلائقيَّة المطلوبة من الكاهن، لكي تصبح “شخصيَّته «جسرًا» لا عائقًا يحول بين الناس وبين يسوع المسيح فادي الإنسان”([8]). وتمتدُّ هذه الفضائل والإمكانيَّات من الاتِّزان العامّ الَّذي يطاول الشَّخصيَّة إلى القدرة على تحمُّل ثقل المسؤوليَّات الرَّاعويَّة، ومن معرفةٍ معمَّقةٍ للنَّفْس الإنسانيَّة إلى معنى العدالة والوفاء([9]).

وتستحقّ بعض هذه الصِّفات اهتمامًا خاصًّا: تبنِّـي الطَّالب لهويَّته الذُّكوريَّة بشكلٍ إيجابيٍّ وثابت؛ والقدرة على بناء علاقاتٍ ناضجةٍ مع أشخاصٍ آخرين أو مع مجموعاتٍ من الأشخاص؛ وحسٌّ راسخٌ بالانتماء (إلى الكنيسة)، وهو أساس الشَّراكة المستقبليَّة مع الجسم الكَهَنوتيّ (presbytérium)، وأساس التَّعاون المسؤول في خدْمة الأسقف([10])؛ والحرِّيَّة في أنْ يكون متحمِّسًا لِمُثُلٍ سامية، والانسجام في تحقيق العمل اليوميّ؛ والجرأة في اتِّخاذ القرارات والالتزام بها؛ ومعرفة الذَّات ومواهبها ومحدوديَّتها، عبر دمجها في تقدير الذَّات أمام الله؛ والقدرة على تصحيح الذَّات؛ وحسّ الجمال الَّذي يُعتَبَر “تألُّقًا للحقيقة” وفنّ الإقرار بهذا الجمال؛ والثِّقة الـمُتَأتِّية من تقدير الآخر، والَّتي تقود إلى تقبُّله؛ والقدرة على دمْج بُعده الجنسيّ، وفاقًا للنَّظرة المسيحيَّة، بخاصَّةٍ في إطار إلزاميَّة العزوبة (célibat)([11]).

تُصاغ هذه الاستعدادات الدَّاخليَّة طوال مسار تنشئة الكاهن العتيد المدعوِّ، بكونه رجل الله ورجل الكنيسة، إلى بُنيان الجماعة الكنسيَّة. وبما أنَّه هائمٌ بالأزليّ، فهو مدعوٌّ إلى أنْ يُقدِّر الإنسانَ تقديرًا أصيلًا ومتكاملًا (authentique et intégrale)؛ وهو مدعوٌّ إلى أنْ يحيا، أكثر فأكثر، غنى البُعد العاطفيّ في حياته عبر بَذْلِ ذاته في سبيل الله -الواحد والثَّالوث- ومن أجل إخوته أيضًا، بخاصَّةٍ أولئك الَّذين يتألَّمون.

لا يمكن طالب الكَهَنوت أنْ يبلغ هذه الأهداف إلَّا إذا عمل على أنْ تتطابق حياته، يومًا بعد يوم، مع عمل النِّعمة فيه؛ وسوف يبلغ هذه الأهداف، تدريجيًّا، وفاقًا لِمَسارٍ طويلٍ لا يتَّبع دائمًا اتِّـجاهًا واحدًا([12]).

تترابط الدِّيناميَّات الإنسانيَّة والرُّوحيَّة بشكلٍ رائعٍ وبديعٍ في قلب الدَّعوة. وإذا ما وعى طالب الكَهَنوت ذلك، يمكنه أنْ يجني فائدةً كبيرةً من تمييزٍ يقظٍ ومسؤول. وعلى الطَّالب أنْ يسعى إلى أنْ يجعل مسار التَّنشئة مسارًا شخصيًّا وخاصًّا به (à personaliser)، وأنْ يتخطَّى -شيئًا فشيئًا- النَّقائص الرُّوحيَّة والإنسانيَّة الممكنة الحدوث. ومن واجب الكنيسة أنْ توفِّر للطَّالب إمكانيَّة أنْ يدمج، بشكلٍ فعَّال، البُعد الإنسانيّ في ضوء البُعدِ الرُّوحيّ، فينفتح الواحد منهما على الآخر، ويتكاملان([13]).      

  1. إعداد المُنَشِّئين

3. على كلِّ مُنشِّئٍ أنْ يكون خبيرًا بالإنسان، وبإيقاعات نموِّه وبطاقاته وبضعفه، بالإضافة إلى معرفته طريقة عيش علاقة هذا الإنسان بالله. كما أنَّه من الـمُستَحبّ أنْ يقوم الأساقفة الَّذين يتمتَّعون بخبراتٍ، ولديهم برامج ومؤسَّسات أثبَتَتْ جدارتها، بإعداد الـمُنشِّئين إعدادًا مناسبًا في ما يتعلَّق بالتَّربيَّة الخاصَّة بالدَّعوة الكَهَنوتيَّة، بحسب التَّعليمات الَّتي سبقَ وأصدرها مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة([14]).

يحتاج الـمُنشِّئون إلى إعدادٍ ملائمٍ لكي يتمكَّنوا من تحقيق تمييزٍ يحترم تعليم الكنيسة بشأن الدَّعوة الكَهَنوتيَّة. ويمكِّن هذا التَّمييزُ المنشِّئَ مِنْ أنْ يقرِّر، بطريقةٍ أكيدةٍ إلى حدٍّ ما، قَبولَ الطُّلَّاب في الإكليريكيَّة أو في دار التَّنشئة الخاصّ بالرُّهبان الكهنة، أو رفضَهم بسبب عدم أهليَّتهم. كما يمكِّنه من أنْ يُرافق الطَّالب من أجل أنْ يكتسب الفضائل الخُلُقيَّة واللاهوتيَّة اللازمة لكي يعيش، بانسجامٍ وحرِّيَّةٍ داخليَّة، بذْل حياته كـ”خادمٍ للكنيسة الشَّركة”([15]).

4. إنَّ الوثيقة الَّتي تحمل العنوان الآتي: توجيهاتٌ تربويَّةٌ للتَّنشئة على العزوبة الكَهَنوتيَّة، الصَّادرة عن مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة، تُقرُّ بأنَّ “الأخطاء في تمييز الدَّعوات كثيرةٌ، وبأنَّ حالات عدم القدرة النَّفسيَّة (inaptitudes psychiques) العديدة، والـمَرَضيَّةٍ نوعًا ما، لا تبان إلَّا من بعد السِّيامة الكَهَنوتيَّة. فإنَّ تمييز هذه الحالات في الوقت المناسب يُجنِّب مآسي كثيرة”([16]).  

وهذا يتطلَّب من كلِّ مُنشِّئٍ أنْ يكون لديه الحِسّ والإعداد النَّفسيّ الـمُلائم([17]) لكي يتمكَّن، بقدر ما يمكنه ذلك، مِنْ أنْ يكتشف دوافع الطَّالب الحقيقيَّة، ومِنْ أنْ يُـميِّز العوائق الَّتي تتعارض والاندماج الإنسانيّ والمسيحيّ لدى الطَّالب، ومِنْ أنْ يميِّز كذلك الأمراض النَّفسيَّة الممكنة الظُّهور. وعليه أنْ يُقيِّم، بانتباهٍ شديدٍ وبحرصٍ كبير، تاريخ الطَّالب. ومع ذلك، لا يشكِّل تاريخ الطَّالب المعيار الحاسم والكافي ليتمّ قَبوله في التَّنشئة أو رفضه منها. وعلى الـمُنشِّئ أنْ يعرف كيفيَّة تقييم الشَّخصيَّة في كلِّيَّتها وفي نموِّها -مع نقاط القوَّة فيها ونقاط الضُّعف-، ومدى إدراك الطَّالب لمشاكله، ومدى قدرته على التَّحكُّم بتَصَرُّفه بشكلٍ مسؤول.

لذلك، على كلِّ منشِّئٍ أنْ يكونَ مهيَّأً، عبر دروسٍ خاصَّة، لكي يفهم -بشكلٍ أعمق- الإنسانَ، ولكي يدرك متطلِّبات تنشئته من أجل الخدْمة الكَهَنوتيَّة. ومن أجل هذه الغاية، تصبح اللِّقاءات والاستيضاحات مع علماء النَّفس، حول بعض المواضيع، مفيدةً جدًّا.

  1. مساهمة عِلْم النَّفْس في التَّمييز والتَّنشئة

5. بما أنَّ الدَّعوة إلى الكَهَنوت وتمييز هذه الدَّعوة هما ثمرة عطيَّةٍ خاصَّةٍ من الله فإنَّهما يتفلَّتان من كفايات (compétences) عِلْم النَّفس الدقيقة. وعلى الرُّغم من ذلك، إنَّ اللُّجوء إلى “علماء النَّفْس” يمكن أنْ يكون مفيدًا في بعض الحالات، وذلك من أجل تقييمٍ أكثر صدْقًا لوضْع الطَّالب النَّفسيّ، ولقدراته الإنسانيَّة الَّتي تُـمَكِّنه من الإجابة على الدَّعوة الإلهيَّة، ومن ثمَّ من أجل تقديم مساعدةٍ في نموِّه الإنسانيّ. ويمكن لعلماء النَّفس أنْ يُقدِّموا للمنشِّئين، لا رأيًا في تشخيص الاضطرابات النَّفسيَّة وفي العلاج الممكن اعتماده فحسب، بل مساهمةً لتعزيز نموّ الصِّفات الإنسانيَّة، وبخاصَّةٍ العلائقيَّة، المطلوبة من أجل القيام بالخدْمة([18])، وذلك عبر اقتراح مساراتٍ تُسهِّل إعطاء جوابٍ أكثر صراحة على الدَّعوة.

كذلك، على التَّنشئة الكَهَنوتيَّة أنْ تأخذ في الاعتبار مختلف مظاهر هذا الاتِّزان الَّذي يتأصَّل في قلب الإنسان([19]): وتتجلَّى هذه المظاهر، بشكلٍ خاصّ، في التَّناقضات ما بين الـمِثال الَّذي يطمح إليه الطَّالب، بكامل وعيه، في بذْل الذَّات، وبين حياته الواقعيَّة. وعلى هذه التَّنشئة أنْ تأخذ بعين الاعتبار أيضًا الصُّعوبات الـمُرتبطة بنموّ الطَّالب التَّدريجيّ في الفضائل الخلُقيَّة. لذا، فإنَّ مساعدة الأب الرُّوحيّ والـمُعرِّف، أساسيَّةٌ ولا غنى عنها البتَّة لكيما يتمكَّن الطَّالب، بمساندة نعمة الله، من أنْ يتخطَّى صعوباته. بيد أنَّ نموَّ هذه الصِّفات الخلقيَّة، في بعض الحالات، يتعرقل بسبب جروحٍ سابقةٍ لم يتمكَّن الطَّالب من استيعابها بَعْد.

في الواقع، يعكس الَّذين يرغبون اليوم في دخول الإكليريكيَّة، بطريقةٍ حادَّةٍ نوعًا ما، التَّململ من ذهنيَّةٍ معاصرةٍ مطبوعةٍ بالاستهلاكيَّة، وعدم الاستقرار في العلاقات العائليَّة والاجتماعيَّة، والنِّسبيَّة الخلقيَّة، والمفاهيم الزَّائفة المتعلِّقة بالبُعد الجنسيّ، وعدم الثَّبات في الخيارات، والعمل المنتظم الَّذي يرفض القيَم، وبخاصَّةٍ مِنْ قِبَل وسائل الإعلام.

ونجد، من بين الطُّلَّاب، بعض الَّذين عاشوا خبراتٍ خاصَّةٍ -إنسانيَّةٍ وعائليَّةٍ ومهنيَّةٍ وفكريَّةٍ وعاطفيَّة- سبَّبَتْ لهم، بطرقٍ مختلفة، جروحًا لم يُشفَوا منها بعد. وتؤدِّي هذه الجروح إلى اضطراباتٍ يجهل الطَّالب مداها الحقيقيّ، وينسبها -غالبًا وبشكلٍ خاطئٍ- إلى أسبابٍ خارجةٍ عنه، وبالتَّالي لا يمكنه مواجهتها بشكلٍ مناسب([20]).

ومن الواضح أنَّ كلَّ هذه الأمور يمكنها أنْ تُقيِّد القدرة على النُّموّ في طريق التَّنشئة نحو الكَهَنوت. 

عند الحاجة” (««Si casus ferat)([21]) -أيّ في الحالات الاستثنائيَّة الَّتي تُظهِر صعوباتٍ خاصَّة-، يمكن اللَّجوء إلى علماء النَّفس، إنْ قَبْل قَبول الطَّالب في الإكليريكيَّة وإنْ خلال مسيرة التَّنشئة، وهذا ما يساعد الطَّالب على تجاوز الجروح، بهدف استبطانٍ (intériorisation) أكثر عمقًا لأسلوب حياة يسوع الرَّاعي الصَّالح، رأس الكنيسة وعريسها([22]).

ومن أجل تقييمٍ مناسبٍ لشخصيَّة الطَّالب، يمكن للخبير أنْ يلجأ إلى لقاءاتٍ أو اختباراتٍ ينجزها دائمًا بعد موافقة الطَّالب الـمُسبَقَة والـمُعلَن عنها والصَّريحة والحرَّة([23]).    

بفعل الدقَّة والحساسيَّة الخاصَّتَين بهذا الموضوع، يجب أنْ يمتنع المنشِّئون عن استخدام الوسائل النَّفسيَّة الـمتخصِّصة جدًّا.

6. ومن المفيد أنْ يتمكَّن رئيس الإكليريكيَّة والـمُنشِّئون الآخرون من أنْ يعتمدوا على تعاون “علماء النَّفس”. ولكن مهما يكن الأمر، لا يستطيع علماء النَّفْس أنْ يكونوا أعضاءً في فريق الـمُنشِّئين. كما أنَّه عليهم أنْ يكتسبوا كفاءةً  خاصَّةً بعالم الدَّعوة الكَهَنوتيَّة. وليوفِّقوا ما بين الكفاءة وحكمة الرُّوح.

إنَّ اختيار “علماء النَّفْس” هؤلاء يمكَّن من تجنُّب الالتباس كما التَّباينات ما بين التَّنشئة الخُلُقيَّة والتَّنشئة الرُّوحيَّة، ويسهر على الاندماج (intégration) ما بين هاتَين التَّنشئتَين. وعلى الخبراء أنْ يتميَّزوا بنضوجهم الإنسانيّ والرُّوحيّ الرَّاسخ. كما عليهم أنْ يستوحوا عملهم من نظرةٍ إلى الإنسان، تتوافق والنَّظرة المسيحيَّة إلى الإنسان وإلى البُعد الجنسيّ وإلى الدَّعوة إلى الكَهَنوت والعزوبة (الـمُكرَّسة)، لكيما يأخذ تدخُّلُهم بعين الاعتبار سرَّ الإنسان في حواره الشَّخصيّ مع الله بحسب مفهوم الكنيسة. 

وإذا لم يكن هناك خبراء على مثال هؤلاء متوفِّرون، فليُعمَل على إعدادهم([24]).

يجب أنْ تُدمَج المساعدة النَّفسيَّة في إطار تنشئة الطَّالب المتكاملة؛ وبعيدًا عن أنْ تتعارض والمرافقة الرُّوحيَّة (الَّتي تهدف إلى أنْ تُثبِّت الطَّالب في حقيقة الخدْمة المكرَّسة وفاقًا لنظرة الكنيسة)، إنَّها تؤكِّد -بطريقةٍ خاصَّة- على قيمتها. إنَّ جوَّ الإيمان والصَّلاة والتَّأمُّل في كلمة الله ودراسة اللاهوت والحياة الجماعيَّة -إنَّ هذه الأمور أساسيَّةٌ لكي ينضِّج الطَّالبُ الجوابَ السَّخيّ على الدَّعوة الَّتي تلقَّاها من الله- تساعد الطَّالب على أنْ يفهم، بشكلٍ صحيح، معنى الاستعانة بعِلْمِ النَّفْس وإدماج هذه الاستعانة في مسيرة دعوته (الكَهَنوتيَّة).

7. يجب على شِرْعات التَّنشئة الكَهَنوتيَّة (Rationes institutionis sacerdotalis)، في مختلف البلدان، أنْ تُنظِّمَ الاستعانة بـ”علماء النَّفْس”، وعلى المسؤولين والرُّؤساء العامِّين المعنيِّين بهذا الموضوع، أنْ يُنظِّموا الأمر في كلِّ إكليريكيَّة، وذلك بأمانةٍ للمبادئ والتَّوجيهات الواردة في هذه الوثيقة وبانسجامٍ معها.

أ) التَّمييز الأوَّليّ

8. إعتبارًا من الوقت الَّذي يتقدَّم فيه الطَّالب لدخول الإكليريكيَّة، من الضَّروريّ أنْ يتمكَّن الـمُنشِّئ من أنْ يعرف، باهتمامٍ شديد، شخصيَّة الطَّالب وطاقاته واستعداداته ومختلف أنواع الجروح الَّتي من المحتمل أنْ يُعاني منها، ومنْ أنْ يُقيِّم طبيعتها وحِدَّتَـها.

ولا يجب أنْ يغفل المنشِّئ مَيل بعض الطُّلَّاب إلى أنْ يُقلِّلوا من شأن هذه الأوهان (faiblesses) أو إلى أنْ يُنكروا وجودها: فهم لا يتكلَّمون مع المنشِّئين على بعض الصُّعوبات الجسيمة خوفًا من أنْ يؤدِّي ذلك إلى عدم فهْم حالتهم وإلى رفضهم. وهكذا، يُنمُّون انتظاراتٍ غير واقعيَّةٍ في ما يتعلَّق بمستقبلهم. وعلى عكس هؤلاء، نجد أنَّ بعض الطُّلَّاب يميلون إلى تضخيم صعوباتهم، معتبرين أنَّها عوائق لا يمكنهم تجاوزها في طريق دعوتهم.

إنَّ التَّمييز المناسب للمشاكل الَّتي من الممكن حدوثها والَّتي قد تعترض هذه المسيرة -كالتَّعلُّق العاطفيّ الـمُفرِط، والعنف غير المتجانس، والقدرة غير الكافية على تحمُّل المسؤوليَّة وعلى إقامة علاقاتٍ صافيةٍ ومنفتحةٍ وواثقة، والصُّعوبة في التَّعاون مع الإخوة ومع السُّلطة، والهويَّة الجنسيَّة غير الـمُتمايزة بَعْد- هو ذو منفعةٍ كبيرةٍ للشَّخص نفسه وللمؤسَّسة الَّتي ترعى الدَّعوات وللكنيسة.

في بداية التَّمييز، يمكن أنْ تكون مساعدة “علماء النَّفْس” ضروريَّةً، قبْل كلِّ شيء، في مجال التَّشخيص، في حال الشَّكِّ بوجود اضطراباتٍ نفسيَّة. وإذا كان العلاج ضروريًّا، يجب أنْ يتمَّ قَبْل قَبول الطَّالب في الإكليريكيَّة أو في دار التَّنشئة.      

ويمكن للمنشِّئين أنْ يستفيدوا، أيضًا، من الاستعانة بالخبراء (l’aide d’experts)، لكي يتمكَّنوا من أنْ يرسموا مسارًا لتنشئةٍ تتَّصف بطابعٍ شخصيٍّ (personnalisé)، وذلك وفقًا لحاجات الطَّالب الـمُلِحَّة.

في تقييم القدرة على عيش موهبة العزوبة، بفرحٍ وأمانة، -أيّ بذْل الحياة بشكلٍ كاملٍ على صورة المسيح رأس الكنيسة وراعيها- فليتذكَّر الـمُنشِّئون أنَّه لا يكفي أنْ يتأكَّدوا من قدرة الطَّالب على الامتناع عن ممارسة الجنس. ولكن، من الضَّروريّ أنْ يقيِّموا أيضًا التَّوجُّه الجنسيّ وفاقًا للتَّعليمات الصَّادرة عن مجمع التَّربيَّة الكاثوليكيَّة([25]). في الواقع، إنَّ العفَّة من أجل الملكوت هي أعظم من مجرَّد امتناعٍ عن إقامة العلاقات الجنسيَّة.

ففي ضوء الغايات الَّتي أشرنا إليها أعلاه، يمكن أنْ تكون استشارة أحد علماء النَّفس مفيدةً، في بعض الحالات.

ب) التَّنشئة اللاحقة

9. خلال فترة التَّنشئة، يأتي اللُّجوء إلى “علماء النَّفْس” تلبيةً لضروراتٍ ناجمةٍ عن أزماتٍ ممكنة الحدوث. ويمكن أنْ يكون هذا اللُّجوء مفيدًا أيضًا لتثبيت الطَّالب في مسيرته من أجل اكتساب الفضائل الخلقيَّة اكتسابًا ثابتًا؛ ويمكن أنْ يوفِّر للطَّالب معرفةً أكثر عمقًا لشخصيَّته، وأنْ يساهم في تخطِّي الـمُمانعات (résistances) النَّفسيَّة الَّتي ترفض ما تعرضه التَّنشئة.

إنَّ تحكُّم الطَّالب تحكُّمًا أكبر لا بأوهانه فحسب([26])، ولكن أيضًا بقواه الإنسانيَّة والرُّوحيَّة، يسمح له بأنْ يهب ذاته لله، بشكلٍ واعٍ وبحرِّيَّةٍ وبمسؤوليَّةٍ تجاه ذاته وتجاه الكنيسة.

بالطَّبع، إنَّ النُّضْج المسيحيّ والمرتبط بالدَّعوة الكَهَنوتيَّة والَّذي يجب أنْ يبلغه الطَّالب، يجد عونًا له في الكفايات النَّفسيَّة، ويستنير -أكثر فأكثر- بمعطيات الأنتروبولوجيا الخاصَّة بالدَّعوة المسيحيَّة، إذًا بالنِّعمة. بيد أنَّه لا يجب أنْ نقلِّل من حقيقة أنَّ هذا النُّضْج سيواجه صعوباتٍ وتوتُّراتٍ تتطلَّب انضباطًا داخليًّا وروحًا تتميَّز بالتَّضحية وقَبولًا بالتَّعب وبالصَّليب([27])، وثقةً بالمعونة الَّتي تقدِّمها النِّعمة([28])، بشكلٍ دائم.

10. يجب أنْ يتمّ إيقاف مسار التَّنشئة عندما يستمرّ الطَّالب في إظهار عدم القدرة على أنْ يواجه بطريقةٍ واقعيَّةٍ حالات عدم نضوجٍ خطير (تعلُّقٌ عاطفيٌّ كبير، ونقصٌ فاضحٌ في الحرِّيَّة لبناء العلاقات، وتصلُّبٌ مفرطٌ في الطِّباع، وغياب النَّزاهة، وهويَّةٌ جنسيَّةٌ غير واضحة، وميولٌ لواطيَّةٌ متأصِّلةٌ تأَصُّلًا عميقًا، وغيرها)، على الرُّغم من جهوده، ومن مساندة عالم النَّفس أو العلاج النَّفسيّ، أو بكلِّ بساطة على الرُّغم من التَّدرُّجيَّة الخاصَّة بالنُّموّ الإنساني.

وكذلك هي الحال عندما يبان، بشكلٍ واضح، أنَّ الطَّالب يعاني من صعوباتٍ في عيش العفَّة في حالة العزوبة؛ هذه العفَّة الَّتي تُعاش على أنَّها إلزامٌ ثقيلٌ، ممَّا يؤدِّي إلى تعريض الاتِّزان العاطفيِّ والعلائقيّ للخطر.  

  1. طلب تحقيقاتٍ خاصَّة واحترام خصوصيَّة الطَّالب

11. يعود إلى الكنيسة أنْ تختار الأشخاص الَّذين تعتبرهم مناسبين للخِدْمة الرَّاعويَّة. ومن حقِّها ومن واجبها أنْ تتأكَّد من وجود الصِّفات المطلوبة لدى الَّذين تقبلهم للخدْمة المقدَّسة([29]).

إنَّ القانون 1051، الفقرة 1، من مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ) يلحظ، من أجل التَّصويت على الصِّفات المطلوبة من أجل السِّيامة، أنْ يُجرى -من بين أمورٍ أخرى- تحقيقٌ بشأن حال الطَّالب الصحِّيَّة، من النَّاحيتَين الجسديَّة والنَّفسيَّة([30]).

ويؤكِّد القانون 1052 أنَّه على الأسقف أنْ يتمتَّع باليقين الخُلُقيّ في ما يتعلَّق بأهليَّة الطَّالب، “الـمُثبتة ببراهين إيجابيَّة” (الفقرة 1)، لكي يتمكَّن من منْح السِّيامة، وأنَّه في حال وجود شكٍّ مُثبتٍ عليه ألَّا يعمد إلى سيامة الطَّالب (الفقرة 2).

فمن حقِّ الكنيسة، إذًا، أنْ تتأكَّد -عبر اللُّجوء إلى الطِّبّ وإلى عِلْم النَّفْس- من أهليَّة كهنة الغد. في الواقع، يعود إلى الأسقف أو إلى الرَّئيس ذي الصَّلاحيَّة لا أنْ يُخضِع أهليَّة الطَّالب هذه للامتحان فحسب، بل أنْ يعترف بها. ولا يمكن لطالب الكهنوت أنْ يفرض شروطه الشَّخصيَّة، ولكن عليه أنْ يقبل -بتواضعٍ وعرفان جميلٍ- المعايير والشُّروط الَّتي تضعها الكنيسة، في ما يتعلَّق بمسؤوليَّته([31]). كذلك، في حال وجود شكٍّ حول أهليَّة الطَّالب، يمكن أنْ يتمّ القَبول في الإكليريكيَّة أو في دار التَّنشئة، في بعض الأحيان، فقط من بعد إجراء تقييمٍ نفسيٍّ لشخصيَّة الطَّالب.

12. إنَّ حقّ مؤسَّسة التَّنشئة وواجبها بالحصول على المعارف اللازمة من أجل حكمٍ متروٍّ وأكيدٍ في شأن أهليَّة الطَّالب، لا يمكنهما أنْ يسيئا إلى الحقِّ الَّذي يتمتَّع به الشَّخص بالصِّيت الحسن، ولا أنْ يُسيئا إلى حقِّه في الدِّفاع عن خصوصيَّته، كما يحدِّد ذلك القانون 220 من مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ). هذا يعني أنَّ مؤسَّسة التَّنشئة يمكنها أنْ تلجأ إلى استشارة عالم النَّفس فقط في حال حصولها على رضى الطَّالب الـمُسبق والـمُعلَن والصَّريح والحرّ.

وعلى الـمُنشِّئين أنْ يوفِّروا مناخًا منَ الثِّقة، ممَّا يمكِّن الطَّالب مِنْ أنْ ينفتح على عمل التَّمييز والمرافقة هذا، ومِنْ أنْ يشارك فيه باقتناع، مُقدِّمًا بذلك “مساهمةً شخصيَّةً صادقةً ونابعة من قلب محبِّز”([32]). ويعود إلى الطَّالب أنْ ينفتح، بصدقٍ وثقة، على منشِّئيه. ولا يمكن للمُنشِّئين أنْ يساعدوا الطَّالب في المسيرة الرُّوحيَّة، هذه المسيرة الَّتي يبحث عنها عندما دخل إلى الإكليريكيَّة، إلَّا إذا سمح الطَّالب لهم أنْ يعرفوه معرفةً صادقةً وحقيقيَّة. 

إنَّ المناخ التَّربويّ الَّذي يسود ما بين الطُّلَّاب والـمُنشِّئين، هذا المناخ المطبوع بالانفتاح والشَّفافيَّة، بالإضافة إلى الدَّوافع والأشكال الَّتي يعتمدها الـمُنشِّئون ليقترحوا على الطَّالب استشارة عالم النَّفس، مهمَّةٌ جدًّا وفي غالب الأحيان حاسمةٌ لكي يتمّ تجاوز سوء الفهم الَّذي قد ينشأ.

وعلى المنشِّئين أنْ يتلافَوا الانطباع الَّذي قد يسود عند اقتراح هذه الاستشارة، أي أنْ تُعتَبر هذه الأخيرة بمثابة مقدَّمةٍ للفَصْل الأكيد من الإكليريكيَّة أو مِنْ دار التَّنشئة.

ويمكن الطَّالب أنْ يلجأ، بكلِّ حرِّيَّة، إلى خبيرٍ يختاره من بين الخبراء الَّذين يُحدِّدهم الـمُنشِّئون، أو إلى خبيرٍ يختاره بنفسه ويوافق عليه الـمُنشِّئون.  

بحسب الإمكانيَّات الـمُتاحة، يجب أن نضمن للطّالب القدرة على أنْ يختار، بحرِّيَّة، بين مختلف الخبراء الذين يتمتَّعون بالمعايير المطلوبة([33]).   

في حال رفض الطَّالب أنْ يلجأ إلى استشارة عالم النَّفس، إذا ما طَلَبَ منه ذلك الـمنشِّئون بناءً على طلبٍ معلَّل، على الـمُنشِّئين ألَّا يلزموه على فعْل ذلك، وعليهم أنْ يجروا التَّمييز بحرصٍ شديد، مستندين إلى المعلومات المتوفِّرة لديهم، وآخذين بعين الاعتبار القانون 1052، الفقرة 1، المذكور أعلاه.

  • علاقة مسؤولي التَّنشئة بالخبير

أ) المسؤولون عن المَسْلَك الظَّاهر (for externe)

13. من الممكن أنْ يطلب الـمُنشِّئون من الطَّالب، انطلاقًا من روح الثِّقة المتبادلة والتَّعاون مع الـمُنشِّئين في تنشئته، أنْ يوافق -على نحوٍ حرٍّ وبطريقةٍ خطيَّة- لكي يتمكَّن الخبير النَّفسيّ، الـمُلزَم بالسِّرِّ المهنيّ، مِنْ أنْ يُقدِّم نتائج الاستشارة إلى الـمُنشِّئين الَّذين يُـحدِّدهم الطَّالب. فيعمد الـمُنشِّئون على استخدام المعلومات الـمُتوافرة بين أيديهم ليُحدِّدوا رَسْـمًا عامًّا يُظهِر شخصيَّة الطَّالب، وليستخلصوا التَّعليمات المناسبة من أجل مسيرة تنشئته اللاحقة أو من أجل قَبول (مبدإ) سيامته.

ومن أجل المحافظة على خصوصيَّة الطَّالب وعلى صيته الحسن، في الحاضر وفي المستقبل، فليُعنَ الـمُنشِّئون عنايةً خاصَّةً بأن يبقى ما قدّمه الخبراء محصورًا بمسؤولي التّنشئة دون سواهم؛ كما يُـمنعون منعًا تامًّا ومُلزِمًا (précise et contraignante) من أنْ يستخدموها من أجل أيّ غايةٍ سوى غاية تمييز الدَّعوة وتنشئة الطَّالب.

ب) الطَّابع الخاصّ بالإرشاد الرُّوحيّ

14. لا يمكن الاستهانة بالمهمَّة الَّذي يقوم بها الأب الرُّوحيّ في تمييز الدَّعوة، وعلى صعيد الضَّمير لدى المدعوّ أيضًا.

لا يمكن للمساعدة النَّفسيَّة، بأيٍّ شكلٍ من الأشكال، أن تحلّ مكان الإرشاد الرّوحيّ؛ بالمقابل، تُعزِّز الحياةُ الرّوحيّةُ، في حدِّ ذاتها، النُّموَّ في الفضائل الإنسانيّة. في حال لم يُظهِر الطَّالب الإكليريكيّ أيَّ حاجزٍ نفسيّ (blocage psychologique)([34])، وأمام الحاجة إلى توضيح بعض الشُّكوك غير القابلة للحلّ إلَّا في اللُّجوء إلى علم النَّفس، يمكن الأب الرُّوحيّ -إنْ رأى هناك حاجة- أن يعرض على الطّالب، من دون إجباره على ذلك، استشارة طبيبٍ نفسيّ؛ وتسمح هذه الاستشارة للأب الرُّوحيّ من أنْ يتابع مسيرة التَّمييز والمرافقة الرُّوحيَّة بأمانٍ أكبر([35]).

في حال طلب الأب الرُّوحيّ إستشارةً نفسيَّة، من الـمُحَبَّذ أن يعرض الطَّالب نتائج هذه الاستشارة على هذا الأب الرُّوحيّ. وعليه أيضًا أنْ يُعلِم بها منشِّئَه المسؤول عن المسلك الظاهر (for externe)، وبالأخصِّ إنْ طلب الأب الرُّوحيّ منه ذلك.

في حال فَضَّلَ الأب الرّوحي أنْ يحصل مباشرةً على النّتائج من الخبير (النَّفسيّ)، عليه أن يقوم بالخطوات اللازمة المشار إليها في الفقرة 13 والَّتي تتعلَّق بالمنشِّئين المسؤولين عن المسلك الظاهر.

إنطلاقًا من نتائج الاستشارة النَّفسيَّة، على الأب الرُّوحيّ أنْ يستخلص العِبَر الـمُناسِبة الخاصَّة بالتَّمييز في ما يتعلَّق بصلاحيَّته، والخاصَّة بالنَّصائح الَّتي يجب أنْ يُسديها إلى الطَّالب، إمَّا بمتابعة مسار التَّنشئة وإمَّا بإيقافه.

ج) مساعدة الخبير للطَّالب والمُنَشِّئ

15. يساعد الخبير، كما هو مطلوب منه، الطَّالبَ على أنْ يَصِلَ إلى معرفة ذاته معرفةً أكبر، وإلى معرفة إمكانيّاته وهشاشته. كما يساعده أيضًا على أنْ يجابه مُثُل الدَّعوة الَّتي تعلنها الكنيسة انطلاقًا شخصيَّته، وذلك بهدف تحفيز الطالب على الالتزام بالتَّنشئة بطريقةٍ شخصيَّةٍ وواعيةٍ وحرّة. فيصبح دور الخبير أنْ يقدِّم إلى الطَّالب التَّوجيهات اللازمة عن الصُّعوبات الَّتي يختبرها في هذه الفترة، وعن نتائجها على حياته وعلى خدْمته الكَهَنوتيّة في المستقبل.

عندما يجهز التَّحقيق، وبعد أنْ يكون الخبيرُ قد أخَذَ بعين الاعتبار التَّوجيهات الَّتي يقدِّمها المنشِّئون، يقوم هذا الأخير -بعد موافقة الطَّالب الخطيّة والـمُسبَقَة- بتقديم إسهامه إلى الـمُنشِّئين لكي يفهموا نمط شخصيَّة الطَّالب المعنِّي، والمشاكل الَّتي يواجهها اليوم أو قد يواجهها في المستقبل.

 ويشير أيضًا، بحسب تقييمه وصلاحيَّاته، إلى إمكانيَّات النُّموّ الكامنة في شخصيَّة الطَّالب. وبالمقابل، يقترح -إن وجد حاجةً لذلك- أشكالًا أو مساراتٍ للدَّعم النَّفسيّ.

  • الأشخاص الَّذين يُصرَفون مِنَ الإكليريكيَّات أو مِنْ دُور التَّنشئة أو الَّذين يغادرونها بقرارٍ حرٍّ منهم

16. إنَّه لَمُناقِضٌ لقواعد الكنيسة أنْ يتمَّ قَبول أشخاصٍ في الإكليريكيَّة أو في دار التّنشئة كانوا قد غادروا أو، من بابٍ أَولى، قد تركوا إكليريكيّةً أخرى أو دار تنشئةٍ آخر، من دون العودة الى المعلومات الضَّروريّة عنهم لدى أساقفتهم أو رؤسائهم العامِّين، وبخاصَّةٍ في موضوع أسباب التَّرْك أو المغادرة ([36]).

من واجب المنشِّئين السَّابقين أنْ يقدِّموا معلوماتٍ دقيقةً إلى المنشِّئين الجدد.

ولتُتَّخذ التَّدابير المناسِبَة لكي يعمد الطُّلَّاب أنفسهم إلى مغادرة مؤسَّسة التَّنشئة، بملءِ إرادتهم، بهدف استباق أيّ صَرْفٍ قسريّ.

في حال انتقل الطَّالب من إكليريكيَّةٍ الى أخرى، أو إلى دار تنشئةٍ آخر، عليه أنْ يُعلِمَ المنشِّئين الجدد بأنَّه قد استشار، في السّابق، عالـمًا نفسيًّا. ولا يمكن أنْ يحصل الـمُنَشِّئون الجدد على التَّقرير الَّذي رفعه الخبير (النَّفسيّ) من دون موافقة الطَّالب الحرَّة.

في حال استقبال طالبٍ تابَعَ علاجًا نفسيًّا من بعد ترَكْهِ الإكليريكيّة، يجب التَّحقُّق أوّلًا -بقدر الإمكان وبحيطةٍ وحذر- من وضْعِهِ النَّفسيّ؛ ومن أجل ذلك، يجب الحصول على المعلومات الضَّروريَّة مِنَ الخبير الذي رافقه، بعد  الحصول على الموافقة الحرَّة من الطَّالب نفسه.

في حال طَلَبَ طالبٌ ما الانتقال الى إكليريكيَّةٍ أخرى أو الى دار تنشئةٍ آخر، من بعد أنْ يكون قد تابعَه خبيرٌ نفسيّ، ولكنّه لم يقبل أنْ يحصل المنشِّئون الجدد على نتيجة الخبرة (النَّفسيَّة)، على المنشِّئين الانتباه إلى أنْ تكون أهليَّةُ الطَّالب مثبتَةً ببراهين إيجابيّةٍ، بحسب مبدأ القانون 1052، وبالتَّالي أنْ يكون كلُّ شكٍّ معقولٍ مُستَبْعَدًا.

خاتمة

17. على كلِّ المعنيِّين بالتَّنشئة، على تنوُّع مهامِّهم، أنْ يقدِّموا -باقتناع- تعاونهم آخذين في الاعتبار كفاءتهم الخاصَّة، بهدف أن يسمح تمييز دعوات الطُّلَّاب ومرافقتهم من “أنْ نقود إلى الكَهَنوت المدعوِّين إليه دون سواهم، بعد تنشئتهم تنشئةً ملائمة، وتأهيبهم لأنْ يؤدُّوا واجبًا واعيًا حرًّا يلزمهم إلزامًا كاملًا بيسوع المسيح الَّذي يدعوهم إلى العيش في أُلفته والاشتراك في رسالته الخلاصيَّة”([37]).

وافَق الحبر الأعظم بنديكتُس السَّادس عشر على هذه الوثيقة وسَمَحَ بنشرها، في المقابلة الَّتي خَصَّ بها الكردينال عميد المجمع الموقِّع أدناه، في 13 حزيران 2008.

روما، في 29 حزيران 2008، في تذكار الرَّسولَين بطرس وبولس.

الكردينال زينون غروكولِفْسكي

                   العميد

جان-لويس بريغِز

رئيس أساقفة-أسقف آنْـجِه المتقاعد

               أمين السِّرّ


(*) راجَعَ هذا التَّعريب ودقَّق فيه الخوري دانيال زغيب، فله شكرنا. للاطِّلاع على النَّصّ الفرنسيّ الأصليّ، راجع Congrégation pour l’Éducation Catholique, Orientations pour l’utilisation de la psychologie dans l’admission et la formation des candidats au sacerdoce, Cité du Vatican, 2008; document consulté, le 7/3/2018, sur le site internet suivant: http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/ccatheduc/documents/rc_con_ccatheduc_doc_20080628_orientamenti_fr.html.

([1]) أُعطيكم رُعاة، العدد 35.

([2]) المرجع نفسه.

([3]) المرجع نفسه، العدد 65.

([4]) المرجع نفسه، العدد 35.

([5]) راجع المرجع نفسه، العددان 66-67.

([6]) عن هذه الشُّروط، نجد شرحًا مُسهبًا في المرجع نفسه، العددان 43-44؛ راجع مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ)، القانونان 1029 و1041، العدد 1.

([7]) هذه التَّنشئة الرُّوحيَّة هي “لكلِّ كاهن، […] «القلب» الذي يوحّد ويحيي «كيانه» و«سيرته» الكَهَنوتيَّة” (أُعطيكم رُعاة، العدد 45).

([8]) المرجع نفسه، العدد 43.

([9]) راجع المرجع نفسه؛ وراجع أيضًا المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة (28 تشرين الأوَّل 1965)، العدد 11؛ قرارٌ في حياة الكهنة وخدمتهم الرَّاعويَّة الدَّرجة الكَهَنوتيَّة (7 كانون الأوَّل 1965)، العدد 3؛ مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة، الشِّرعة الأساسيَّة للتَّنشئة الكَهَنوتيَّة (19 آذار 1985)، العدد 51.

([10]) راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 17.

([11]) يتطرَّق بولس السَّادس، بوضوحٍ، في الرِّسالة الرَّسوليَّة العزوبة الكَهَنوتيَّة Sacerdotalis cælibatus (24 juin 1967)، إلى هذه القدرة الإلزاميَّة لدى طالب الكَهَنوت، في العددَين 63-64. ويختم، في العدد 64، بما يلي: “إنَّ حياةً، كحياة الكاهن الَّذي يلتزم العزوبة، تتطلَّب التزامًا كلِّيًّا وحميميًّا من قِبَلِ الكاهن يُطاول مجمل بُنيته الباطنة والظَّاهرة، وتستبعد الأشخاص غير الـمُتَّزنين كفايةً من النَّاحية النَّفسيَّة-الجسديَّة (psychophysiologique) ومن النَّاحية الخلقيَّة (moral)؛ ولا يمكننا أنْ ندَّعي، في هذا المجال، بأنَّ النِّعمة تعوِّض عن الطَّبيعة”. راجع أيضًا أُعطيكم رُعاة، العدد 44.  

([12]) يحوز النُّضْج الإنسانيّ، في مسيرة التَّنشئة، اليوم أكثر منه في الأمس، اهتمامًا خاصًّا. “لا ننمو في النُّضْج العاطفيّ سوى عندما يتَّحد القلب بالله. فالمسيح بحاجةٍ إلى كهنةٍ ناضجين وأقوياء وقادرين على أنْ يَــبُــثُّوا أبوَّةً روحيَّةً صادقة. ولكي يتمّ الكاهن ذلك، ينبغي عليه أنْ يكون صادقًا مع ذاته ومنفتحًا على المرشد الرُّوحيّ وواثقًا برحمة الله” (Benoît XVI, Discours aux prêtres et aux religieux dans la cathédrale Saint-Jean de Varsovie [25 mai 2006]). Cf. Œuvre Pontificale pour les vocations ecclésiastiques, Nouvelles vocations pour une nouvelle Europe. Document final du congrès sur les vocations au sacerdoce et à la vie consacrée en Europe, Rome, 5-10 mai 1997, aux soins des Congrégations pour l’Éducation catholique, pour les Églises orientales, pour les Instituts de vie consacrée et les Sociétés de Vie Apostolique (6 janvier 1998), n. 37, p. 111-120.  

([13])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 45.   

([14])  راجع مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة، توجيهاتٌ لإعداد مربِّين في الإكليريكيَّات (4 تشرين الثَّاني 1993)، الأعداد 36، 57-59؛ وراجع بشكلٍ خاصّ المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، العدد 5.

([15])  أُعطيكم رُعاة، العدد 16.  

([16])  مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة،توجيهاتٌ تربويَّةٌ للتَّنشئة على العزوبة الكَهَنوتيَّة (11 نيسان 1974)، العدد 38.

([17])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 66؛ توجيهاتٌ لإعداد مربِّين في الإكليريكيَّات، الأعداد 57-59.

([18])  راجع المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، قرارٌ مجمعيٌّ في التَّنشئة الكَهَنوتيَّة، العدد 11.

([19])  راجع المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، دستورٌ راعويٌّ في الكنيسة في عالم اليوم فرح ورجاء (7 كانون الأوَّل 1965)، العدد 10.

([20])  إنَّ فهمًا أفضل لهذه التَّأكيدات يتطلَّب العودة إلى التَّأكيدات الَّتي أطلقها يوحنَّا-بولس الثَّاني، كالآتي: “يحمل الإنسان، إذًا، في داخله بذارَ الحياة الأبديَّة ودعوةَ تبنِّي القيَم السَّامية. غير أنَّه لا يلبث، في داخله، ضعيفًا ومعرَّضًا -بشكلٍ دراماتيكيّ- لخطر أنْ يخسر دعوتَهُ بسبب الـمُمانعات والصُّعوبات الَّتي تعترض طريق وجوده، إمَّا على مستوى الوعي حيث يُعاد النَّظر في مسؤوليَّته الخلقيَّة، وإمَّا على مستوى اللاوعي وذلك في الحياة النَّفسيَّة اليوميَّة أو في الحياة الَّتي تتأثَّر بأمراضٍ نفسيَّة، خفيفةٍ أو معتدلة، لا تؤثِّر بشكلٍ أساسيٍّ على حرِّيَّة الإنسان في تَوْقِهِ إلى الـمُثُل العُليا الَّتي اختارها بشكلٍ مسؤول” .(Allocution à la Rote romaine [25 janvier 1988], AAS 80 (1988) 1181)

([21])  راجع Ratio fundamentalis institutionis sacerdotalis, n. 39; Congrégation pour les Évêques, Directoire pour le ministère pastoral des évêques Apostolorum Successores (22 février 2004), n. 88.  

([22])  راجع أعطيكم رُعاة، العدد 29.

([23])  راجع Congrégation pour les Religieux et les Instituts séculiers, Istruzione sull’aggiornamento della formazione alla vita religiosa (6 janvier 1969), n. 11 § III, AAS, 61 (1969) 113.

([24])  راجع يوحنَّا-بولس الثَّاني: “من المناسب أنْ نولي أهمِّيَّةً خاصَّةً لإعداد “علماء النَّفس”؛ وعلى هؤلاء أنْ يقرنوا المستوى العلميّ المرموق بفهمٍ معمَّقٍ للنَّظرة المسيحيَّة المتعلِّقة بالحياة وبالدَّعوة إلى الكَهَنوت، لكي يتمكَّنوا مِنْ أنْ يقدِّموا مساهمةً فعَّالةً من أجل التّكامل الضَّروريّ ما بين البُعد الإنسانيّ والبُعد الرُّوحيّ (surnaturelle)” ( Discours aux participants de la Plénière de la Congrégation pour l’Éducation catholique [4 février 2002], n. 2, AAS, 94 (2002) 465).

([25])  راجع Congrégation pour l’Éducation catholique, Instruction sur les critères de discernement vocationnel  au sujet des personnes présentant des tendances homosexuelles en vue de l’admission au séminaire et aux Ordres sacrés (4 novembre 2005), AAS, 97 (2005) 1007-1013.

(راجع تعريب هذه الوثيقة، في: مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة، “توجيهٌ حول معايير تمييز الدَّعوة في خصوص الأشخاص الَّذين يَشكُون من ميولٍ لواطـيَّة في شأن قَبولهم في الإكليريكيَّة وفي الدَّرجات المقدَّسة”، عرَّبه عن الفرنسيَّة إيلي سمعان، مجلَّة الإكليريكيَّة، العدد 18 (كانون الثَّاني 2019) 84-92. الـمُعرِّب).

([26])  راجع توجيهاتٌ تربويَّةٌ في شأن التَّنشئة على العزوبة الكَهَنوتيَّة، العدد 38.

([27])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 48. 

([28])  راجع 2 قور 12: 7-10. 

([29])  راجع مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ)، القوانين 1029، 1031، الفقرة 1، و1041؛ Congrégation pour le Culte Divin et la Discipline des Sacrements, Carta circular Entre las más delicadas a los Exc. mos y Rev. mos Señores Obispos diocesanos y demás Ordinarios canónicamente facultados para llamar a las Sagrada Ordenes, sobre Los escrutinios acerca de la idoneidad de los andidatos (10 novembre 1997): Notitiæ, 33 (1997) 495-506. 

([30])  راجع مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ)، القوانين 1025، 1051، 1052؛ Ratio fundamentalis institutionis sacerdotalis, n. 39. 

([31])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 35. 

([32])  المرجع نفسه، العدد 69. 

([33])  راجع الحاشية 6 من هذه الوثيقة.

([34])  راجع الحاشية 20.

([35])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 40.

([36])   راجع مجموعة الحقّ القانونيّ اللاتينيّ، القانون 241، الفقرة 3؛ مجمع التَّربية الكاثوليكيَّة، توجيهٌ إلى المجالس الأُسقفيَّة في شأن قَبول طلَّابٍ في الإكليريكيَّة آتين من إكليريكيَّاتٍ أو من عائلاتٍ رهبانيَّةٍ أخرى (8 آذار 1996). 

([37])  راجع أُعطيكم رُعاة، العدد 42.

Scroll to Top