إليسار البعلبكي عيد[1]
ماهيّة السياحة. يقال ساحة المياه أي اندلقت خارج حوضها أو محيطها، أو جرت في أقنية إلى مصابّ مختلفة. ويقال ساح فلان أي تحوّل في القفار للعزلة و العبادة أو للتنزه، او ساح في لبلدان العامرة أو للعلم أو للاطلاع على الحضارات أو لغير ذلك، فهو سائح وجمعها سيّاح.
والسياحة مصدر من ساح وهي التنقل والتجوّل في الأرض للاستمتاع أو للانتفاع أو للاطلاع، ما يعني أنّ السياحة انواع متعدّدة منها الداخلية والوافدة ومنها الترفيهيّة والبيئيّة والاستشفائية والطبيّة والعلميّة والاقتصادية والدينية وغيرها.
السياحة الداخليّة هي تجوال المواطنين في ارجاء أوطانهم لتعرّف معالمها التاريخيّة ومواقعها الأثرية ومحميّاتها الطبيعيّة ومقاماتها الدينيّة، وفوائدها كثيرة لتلامذة المدارس طلاّب الجامعات، إذا حسُن تنظيمها، إذ يدرسون تاريخ بلادهم وجغرافيّتها في الطبيعة لا في الكتب وحسب، وهي سياحية حقيقية إذا لم تقتصر على رحلات في نزهة إلى الطبيعة، بل تعدّت ذلك إلى الإقامة في الفنادق وبيوت الاستضافة في البلدات والقرى الريفيّة.
السياحة الوافدة يشكلها الأجانب الذين يوفدون جماعات أو فرادى لأهداف متنوّعة منها الترفيهيّة فيقصدون أماكن الرياضة الشتويّة أو الصيفيّة لما توقره من رياضة مغامرات كالتسلق الطيران والتجوال في الجبال والأماكن الوعرة، أو يرودون مرابع اللهو والسهر والمهرجانات وأنواع التسلية الهادئة المتاحة.
ومنها السياحة البيئيّة ويهدف هواتها إلى زيارة المحميّات الطبيعيّة والمنتزهات وإلى اكتشاف المغاور ومصادر المياه والثروات الطبيعيّة ونمط تعامل المواطنين مع مناخهم وعالم الأحياء حولهم.
أما السياحة الطبيّة والاستشفائيّة فتقصد للطبابة كما في المشافي المشتهرة، أو المتخصصّة أو للاستشفاء والنقاهة في دورٍ واستراحاتٍ مجهّزة لمثل هذا الغرض.
أمّا السياحة العلميّة والثقافيّة فتتجلى في المؤتمرات والدورات التدريبيّة والمحاضرات التثقيفيّة التي تنظمها الجامعات والمراكز لعلميّة والشركات العالميّة كلّ بحسب اختصاصه ودوره، كما تتجلى في الحفلات الفنيّة وزيارة المتاحف والمعارض والحضور إلى المسارح وإلى الندوات الإعلامية والحواريّة المتنوّعة.
أمّا السياحة الاقتصادية فهي التي تجذب رجال الأعمال والصناعيّين والتجّار والمستثمرين وممثلي الشركات الكبرى إلى المعارض الصناعيّة والزراعيّة التي تقام في المدن والقرى لتبادل الخبرات وتنشيط المستثمرين وتحفيزهم وإطلاعهم على مناهج جديدة لتطوير مشاريعهم ومؤسساتهم. ولا نستقلّ على هذا الصعيد اهتمام الكثيرين من السيّاح بالاطلاع على المطبخ المحليّ وعلى أنواع الغذاء والشراب، ولدينا في لبنان تنوع غذائيّ لافت، ومن المشروبات الروحية كالعرق والنبيذ والجعة وغيرها ما ينافس انتاج الدول العريقة في انتاجها، وقد يأتي بعضهم من أجل هذه الغاية فقط، وغالبًا ما يكونون من أصحاب المطاعم في بلدانهم أو من طلاّب المدارس أو أصحاب الشركات المتخصّصة بالتموين وبصناعة المأكولات.
أمّا السياحة الدينيّة فهي التي يفد الناس فيها إلى الأماكن التي يعتبرونها مقدّسة وترمز إلى معتقداتهم أو تذكّرهم بالأولياء والنساك القديسين، فيتبركون بزيارتها ويفون نذورهم. وقد يفد بعضهم إليها لقضاء مدّة من الخلوة والصلاة والتأمل، أو للرياضة الروحيّة، وتكون المساجد والأديار والكنائس المشتهرة والمقامات الدينيّة هي المقصد، والتبرّك أو طلب الشفاعة هما الغرض الأساس، وقد وضع قداسة البابا فرنسيس لبنان سنة 2019 على خريطة البلدان السياحة الدينيّة، وتقوم عندنا ورشة ترميم في المساجد والأديار والكنائس القديمة فضلاً عن ورشة صيانة الطرقات المؤدية إليها وتعبيدها.
ولبنان، إذا اخذنا السياحة بمفهومها الحديث، وتنوّعها، واطلعنا ما يختزنه من آثار ومقامات دينيّة وفنادق ومنتجعات ومحميّات طبيعيّة ومن مراكز طبيّة واستشفائيّة، ومن قدرة على تنظيم أنواع المؤتمرات الدوليّة الاقتصادية والعلميّة والثقافيّة، فضلاً عن إعتدال مناخه في الفصول جميعها، إذا اخذنا السيّاحة بهذا المفهوم والتنوّع، يعتبر من أهمّ البلدان السياحيّة في المنطقة وأكثرها جذبًا وارتيادًا، وتعتبر السياحة فيه من أهم وسائل توفير فرص العمل ومصادر الدخل الوطني، لذلك تعتبر السياحة ورشة وطنيّة فالأمن وحماية البيئة وصيانة الطرق المؤدية إلى المواقع السياحيّة وتنظيم المواصلات والاتصالات والسهر على سلامة الخدمة الطبيّة والفندقيّة وصيانة المواقع الأثريّة وترميم المدمر منها، كلّها مهام ليس بوسع وزارة السياحة أن تقوم بها وحدها، لا من حيث الصلاحيّة والمسؤوليّة ولا من حيث القدرة على التخطيط والإنجاز.
المرشد السياحي.
إذا كانت السياحة على هذا المستوى من الهميّة حضاريًا واقتصاديًا وعلى كلّ صعيد فكم هو مهمّ دور المرشد السياحي في هذه الورشة الوطنيّة الواسعة؟ إنه، في تصوّري رسول متعدّد المهام. إنّه صاحب الدار والمضيف والقائد والمحاضر والحارس، إنّه وجه وطنه الذي لا يجوز أن يكون إلاّ مشرقًا.
فضلاً عن ذلك كله على المرشد السياحيّ أن يكون مرشدًا للمسؤولين في مجتمعه، وأن يكون الساهر على كل ما له علاقة بجودة النشاط السياحيّ في البلد فينبه على ما يراه من خلل في سلامة الغذاء او في نظافة الفنادق والمنتجعات والمنتزهات أو في غياب الصيانة عن الطرقات المؤدية إلى الأماكن الأثرية والمقامات الدينيّة، إنه، ويجب أن يكون العين الساهرة على كل ما يبقينا، كما نحن، من أفضل بلدان العامل استافة سياحيّة وإنسانيّة.
الإرشاد السياحي مهنة حرّة منظمة، في لبنان، بمرسوم ينصّ على أنّ المرشد السياحي هو أيّ لبناني حائز، من وزارة السياحة، على إجازة دليل بعد نجاحه في دروة ينظمها معهد أدلاّء السياحة وهي إجازة تجدّد سنويًا. يقوم هذا الدليل المرشد بمرافقة السيّاح المحليّين أو الوافدين وإرشادهم إلى مقاصدهم وفي المعالم الأثرية التاريخيّة والمنتجعات والمحميّات الطبيعيّة أو في المتاحف والمعارض والأماكن ذات الأهميّة ويشرح كلّ ما يتعلق بها بعمليّة واحتراف واثق ووضوح. ما يعني أنّه ليس مجرّد دليل يقود الوفود إلى مقاصدها، بل هو محاضر يجب أن يكون على مستوى معرفيّ وثقافيّ مميّز وبخاصة في ما له علاقة بتاريخ بلاده وجغرافيتها وتقاليد أهلها وأعرافهم فضلاً عن ضرورة إتقانه لغات متعدّدة وإلمامه بثقافة الناطقين بها. لذلك يفترض ان يحمل شهادات جامعيّة في اللغات وعلم الآثار أو التاريخ أو الجغرافية، أو اجازة من المعاهد والكليات السياحيّة أو من قسم الارشاد السياحي في الجامعة اللبنانيّة، ويكون على دراية بالقوانين التي تنظم الحركة السياحيّة في البلد وتنظم مهنته وشروط ارتياد الأماكن السياحيّة المحدّدة.
هذا على صعيد إعداده العلميّ والثقافيّ أمّا على صعيد بنيته الخارجية فيجب أن يتمتع بصحّة جيّدة وبالشكل الحسن وبالقدرة على إدارة المجموعات السائحة، وعلى تحمّل الضغوط الجسديّة والنفسيّة في الظروف المناخيّة المختلفة، والتأقلم مع من يرافقهم، وتفهّم نمط تفكيرهم والعناصر الأهمّ التي يسعون إليها في رحلتهم.
الإرشاد السياحيّ مهنة حرّة قلنا، ولكنه ليس نشاطًا مستقلاّ يقوم به أفراد هواة على هواهم، بل هو عمل وطنيّ بامتياز مرتبط بوزارة السياحة وبالمؤسسات السياحيّة على اختلاف انواعها، والتي هي مؤسّسسات خاصّة ولكنّها ذات منافع عامّة تخضع لقوانين تنظم علاقتها بزبائنها وبالمشاركين في نشاطها، وإذا كان الحراك السياحيّ ورشة وطنيّة ومصدر دخل مالي بارز فالمرشدون السياحيّون هم في مقدمة العاملين في هذه الورشة ومن أهمّ عناصر نجاحها، إنهم واجهة المّة في استقبال ضيوفها وزائريها، والسائح الذي يبحث عن خبير يرشده إلى ما جاء من أجل أن يعرفه عن معالم البلد الأثرية وعن تاريخ أهله وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وحياتهم اليوميّة يجب أن يرى في المرشد المصدر الصادق لتغذية فضوله والوجه المرحّب الذي يقوده بفرح إلى مبتغاه.
إنّ عدد السيّاح الذين هم من أصل لببناني والذين يقصدون وطن آبائهم لتعرّف جذورهم والبلدات التي هاجروا منها، او لتفقد من تبقى من أهلهم في تلك القرى والبلدات ليس بالعدد القليل، وهم بأشدّ الحاجة إلى مساعدة المرشد السياحيّ الذي يفترض أن يكون مؤهلاً لمساعدتهم، وأن يعرف كيف يحبّب إليهم وطن أهلهم وأجدادهم، ويشجعهم على العودة إليه، أو أقله على أن يبقوا على صلة به عبر استرجاع الجنسيّة، أو الانخراط في الجمعيّات الاغترابية اللبنانيّة في مواطن انتشارهم الواسعة.
حقوق المرشد السياحيّ.
ليس من العدل أن يكلّف المرء بمهمة من دون أن تؤمن له شروط القيام بمهمته، أقله على مستوى ما يضمن حقه وحقّ عائلته بحياة كريمة واكتفاء ماديّ مريح.
انتماء المرشد إلى نقابته واجب واكيد ووسيلة قانونيّة تساعده، بتضامنه مع زملائه، على تامين حقوقه التي بدونها لا يستطيع أن يقوم بواجباته وأن يصون مهنته ويطوّرها ويحميها من الدخلاء وغير المؤهلين لها أو المعدّين للقيام بها، غير أنّ السعيّ النقابيّ والمطالبة بالحقوق لا تثمر حقوقًا ما لم تكن الدولة والمؤسسات السياحيّة على اقتناع بضرورة تأمين هذه الحقوق التي من أبسطها احترام التعرفة المخصّصة له وتأمينه أثناء عمله، وتسهيل انتسابه إلى لاضمان الاجتماعي، ومساعدة نقابته على تنظيم المؤتمرات السياحيّة والدورات التدريبيّة التي تسهّل عليه تبادل الخبرات وتجديد ذاته.
المرشد السياحيّ رسول متعدّد المهامّ، نعم، لذلك يجب أن يكون مؤهّلًا تأهيلًا جسديًّا وعلميًّا وثقافيًّا كافيًا، وملتزمًا شروطًا مناقبيّة ومهنيّة دقيقة، وحدودًا قانونيّة واضحة، ولكن يجب، على الدولة والمؤسّسات السياحيّة، بالمقابل، أن ترعى مهنته، وتكفل له حقوقه، وتساعده، عبر تعاونها مع نقابته، على أن يطوّر ذاته، ويحمي مهنته من الدخلاء الذين يشوّهون تاريخنا ووجه وطنٍ حباه الله بالأجمل ممّا في بلدان العالم.
[1] نقيبة المرشدين السياحيّين