كلامه عذب يغلغل في القلوب فيأسرها؛ أعماله باهرة تشدّ الأنظار وتشدّد الحياة فتطلقها متجدّدة. إنّه يبعث «الرجاء الذي لا يخيّب» فيسم الحياة «بلمسة الجمال» ويملأها فرحاً ورضى.
ثمينة هي الحياة وكلفتها باهظة، يدفعها المرء ألماً ومعاناة، ويحصد منها معنى وقوّة. «صدمة الوجع» تغيّب «لمسة الجمال»، وتطرح تساؤلات تفتح أبواب السعي والاجتهاد. فيطلّ كلامه من جديد يعمل في «صحوة الفكر» إلى أسمى الكلمات ليتعرّف على قدسيّتها، ومنها يصل إلى «نهضة الإيمان» بعد سبر غور مآلها، فتؤدّي بالنهاية إلى «قوّة الإرادة»؛ وهنا تُعيد «للهمّة قدرتها»، و«للفرح حيويّته»، و«للرجاء انتعاشه»؛ وعندها «يتّقد القلب»، كما قال أحد السائرين على طريق عمّاوس: «أما كان قلبنا متّقداً في صدرنا، حين كان يحدّثنا في الطريق؟» (لو 24/32).
«جمال فعثرة، ألم فمعاناة، سعي فهداية»، هي خبرة الطريق التي تتجدّد عندما «يتّقد القلب». إنّها دعوتنا إلى «أن نمشي».
عندما نمشي نتخطّى خيالنا ونلتقي بواقع الحياة المضيء،
عندما نمشي نتلاقى والمخلوقات التي لا نراها في مكان آخر،
عندما نمشي نلاطف الأرض وندغدغها حتى نراضيها،
عندما نمشي نسبر سرّ الآلهة فنسمع بآذانهم ونصغي إلى حوار الأشجار، ووشوشات الطيور،
هكذا بالتالي، نقلب، خطوة بعد خطوة، صفحات كتاب حياتنا الكبير. هذه قصتنا عندما نمشي طرقاً نسعى فيها إلى الأسمى.
عندما أدرج قداسة البابا فرنسيس لبنان على اللائحة الرسميّة للسياحة الدينيّة الكاثوليكيّة في عام 2019، وجّه الدعوة إلى «المشي» حتى يُعيد كلّ مؤمن اختبار الطريق الذي فيه «يتّقد القلب». يسعى السائح الديني إلى اللقاء مع الأسمى، فيعبر في «لمسة الجمال»، ويشقى مع «واقع الحياة» حتى يصل إلى اكتشاف «الأقدس». هذه هي دعوته إلى «المشي»، كما يشرحها الكاتب مارك بومون:
«إمشِ أيّها السائح
إمشِ! لقد ولدت للطريق.
إمشِ! فإنّك على موعد.
أين؟ ومع من؟ إنّك لا تعرف بعد، ربّما مع ذاتك؟
إمشِ! فإن خطواتك تصبح كلماتك،
والدرب أغنيتك، والتعب صلاتك،
وصمتك، بالنهاية، سيحدّثك.
إمشِ لوحدك، مع آخرين، ولكن أخرج من بيتك!
إنّك تخلق منافسين، وسوف تجد مرافقين
كنت ترى أعداء، فسوف تصنع لك إخوة.
إمشِ! فإنّ رأسك لا يعلم أين تقود رجلاك قلبك.
إمشِ! لقد ولدت للطريق، طريق الحج.
هناك آخر يمشي نحوك ويفتش عنك لكي تجده في مزار نهاية الطريق، في مزار عمق قلبك.
إنّه سلامك، إنّه فرحك.
إذهب! فإنّ الله أصلاً يمشي معك».
يتّقد القلب لأنّه يمشي من العبارة إلى العبور فالعبرة.
«إلتمسوا الربّ ما دام يوجد، أدعوه ما دام قريباً» (أش 55/6). يقول إشعيا لمن يمشي الطريق حتى يتّقد القلب.
يسرّ إدارة التحرير في مجلة «المنارة» أن تتابع في العددَين الباقيَين من إصدار سنة «السياحة الدينيّة»، حتى تكمل مسيرة التفكير بالموضوع وتغني قرّاءها بأقوى المعاني والخبرات، كما ترجو إدارة التحرير أن يسهم العددان في إغناء مفهوم الحجّ الديني والسياحة الدينيّة لأجل إنماء الإنسان، فيملك «قلباً متّقداً في الطريق». إدارة التحرير