Almanara Magazine

عقيدة الحبل بلا دنس في القرآن الكريم

الخوري وليد نقولا

          إنَّ الإختلافات والتشابهات في الإنجيل والقرآن حول شخص المسيح وتعاليمه وأعماله لكثيرة جدًا. بيدَ أنَّ ما يُدهِشُ القارىء الجيِّد، وهو يَلِجُ بعمق الآيات التي يتحدث فيها القرآن عن مريم العذراء. إنها المرأة الوحيدة التي وَرَدَ ذِكرُها تسعة عشرَ مرّة في القرآن الكريم، ولم يذكر إسم غيرها من زوجات الرسل، حتى ولم يؤثر على ذكر بناتهم وأمهاتهم. وهي المرأة الوحيدة التي حُبِلَ بها بلا دنس.

          في القرآن الكريم كما في انجيل لوقا في حَدَثَي البشارة والزيارة؛ فمريم العذراء، هي الشخص الوحيد الذي أسقط الإختلاف، وأظهر التوافق في ما يتعلق بعصمتها من الخطيئة الأصلية. هذه العصمة دَفَعَت بالبابا بيوس التاسع في الثامن من كانون الأول عام 1854 في كنيسة القديس بطرس بروما، إلى إعلانها (أي العصمة) كعقيدة إيمانية، حيث قال:

          ” تمجيدًا للثالوث الأقدس غير المنظور، وإكرامًا لمريم العذراء والدة الإله، وتعزيزًا للإيمان الكاثوليك، وإعلانًا لشأن الدّين المسيحي. إننا بسلطان سيدنا يسوع المسيح والرسولين الطوباويين بطرس وبولس، وبسلطاننا الخاص، نُعلن ونحدّد أن التعليم القائل بأن الطوباوية مريم العذراء قد عُصِمَت من اللحظة الأولى للحبل بها من كل لوثة للخطيئة الأصلية، وذذلك بنعمة وإنعام فريدين من الله القدير، ونظرًا إلى استحقاقات سيدنا يسوع المسيح، فخَلَصَ الجنس البشري. هو تعليم موحى به من الله، وواجب من ثم على جميع المؤمنين الإيمان به إيمانًا ثابتًا لا يتزعزع “.

          فإذا عُدنا إلى القرآن الكريم نجد، في سورة مريم (21-15)بشارة الملاك لها، “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا  فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا. قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا. فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا”.

وفي سورة آل عمران (47-45): “إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِن الصَّالِحِينَ. قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ.  قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُلَهُ كُنْ فَيَكُونُ”.

كذلك سورة النساء (171): “إنما المسيح عيسى ابن مريم، رسول الله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه…”.  وفي سورة الانبياء (91) ورد أيضًا: “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ”.

 وفي سورة التحريم (12): ” وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْمِنَ الْقَانِتِينَ”.

أما ولادة المسيح عيسى بن مريم فنجدها واضحة في سورة آل عمران في الآيات (39-30)،

          ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ”.

          وقد جاء في صحيح البخاري في كتاب ” التفسير “:

          ” إنِّي أُعيذها بك، وذريتها من الشيطان الرجيم “.         

ما يلي: حدثني عبدالله بن محمد: حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا مُعمرّ عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضِيَ الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال:

          “ما من مولود يولد إلاّ والشيطان يمسه حين يولد، فيستهلّ صارخًا من مسِّ الشيطان إيّاه إلاّ مريم وابنها “[1].

          وزاد شعيب بن محمد بإسناده عن قتادة قوله:

          ” كل آدمي يطعن الشيطان في حينه حين يولد إلاّ عيسى وأمه عليهما السلام، جعل بينهما حجاب، فأصابت الطعنة الحجاب، ولم ينفذ إليهما من شيء “.

          قال: ” وذكروا لنا أنهما كانا لا يُصيبان من الذنوب كما يُصيبه سائر بني آدم ” [2].

          وعقيدة الحبل بلا دنس في الديانتين المسيحيّة والإسلام، هي التنزيه عن الخطيئة الأصلية المعبّر عنها بمسّ الشيطان وبطعنته في جنب المولود. وهذا التنزيه عن الخطيئة الفعليّة – كذلك الذي شاركت فيه مريم -إبنها الطاهر، فارتفعا فوق البشر أجمعين. حيث لا يُستثنى منهم نبيّ أو رسول.


[1]  صحيح البخاري، الجزء الخامس: 166.

[2]  أحمد بن محمد الثعلبي، كتاب قصص الأنبياء، ص: 253.

Scroll to Top