الأب جان ماري المير م.ل
إنطلاقًا من تساؤلي عن التكريم المميّز الذي تنعم به اليوم مريم العذراء في لبنان، والمكانة المرموقة التي تحتلها في قلوب المؤمنين، رحتُ أبحث عن جذور وتواريخ بعض الأعياد والصلوات والإكرامات، وإلى ما أشبه ذلك، التي يحتفلون بها ويردِّدونها ويمارسونها من دون أن يدركوا زمان ومكان وضعها والظروف التي ساهمت في انتشارها، كما وتاريخ دخولها إلى وطننا الحبيب.
وللإجابة على كل تلك التساؤلات عمدت إلى وضع دراسةٍ بسيطة لتغني ثقافتي الشخصية في هذا الصدد؛ غير أنني اكتشفت بعد حين أنّ هناك قسمًا كبيرًا من المؤمنين يجهلون هذه المعلومات. لذا أقدمت على توسيع هذه الدراسة، مغنيًا إيّاها بالمعلومات التي استقيتها من كتب ودراسات ومراجع عديدة تعمّقتُ بها، فجمعتها ورتّبتها في هذا الكتاب، آملاً أن يكون السبيل لتنوير الكثيرين، فيزدادوا محبةً لله وإكرامًا لسيدتنا مريم العذراء التي لم تترك البشرية يومًا.
مِنَ المؤكّد أنَّ ما رسَّخ العبادة لسيّدتنا مريم العذراء في بلادنا وإكرامها في قلوب المؤمنين، وجعلها من مقوِّمات حياتنا المسيحيّة، إنما هو من دون شك إنتشار الصلوات والمدائح والزياحات الموجَّهة إليها في طقوسنا الكنسية، كما وانتشار زيّاحاتها وطلباتها وكنائسها، كما وتردّد جمعيّاتها وأخويّاتها إلى المزارات؛ مّما جَعَل عبادة العذراء من أعرق تقاليدنا وأعمقها أثراً في النفوس.
ففي هذا الفصل سوف نتوقف عند بعض المحطّات التاريخيّة لأهم الصلوات والابتهالات المريميّة المعروفة لدى جميع المؤمنين، كالسلام الملائكي، وسبحة الوردية، وطلبة العذراء… عسانا من خلال ذلك نعي أهميّة هذه الصلوات وعمقها الروحي وكيفيّة دخولها إلى لبنان وتوارثها عبر مختلف الأجيال وصولاً إلى يومنا هذا.
أولاً: تكريم العذراء عبر الأزمنة
إنَّ مظاهر التكريم للعذراء مريم وتعلّق المؤمنين بشخصها الكريم، ليس وليد عصر من العصور أو بلدٍ من البلدان. فجميع العصور تبارت في التعبّد للعذراء، وكل البلدان كرَّمتها حتى أن بعض الرؤساء والملوك كرّسوا شعبهم وأرضهم للعذراء مريم، من إكرام الرسل لها في حياتها على الأرض، إلى الرسوم التي رسمها الفنّانون والقصائد التي نظمها الشعراء والآباء القدّيسون. فكل ذلك يدل على مظاهر التقوى والعبادة والإكرام لأمّنا العذراء مريم.
نَوَدْ هنا أن نتوقّف عند بعض الصلوات المريميّة المشهورة والمحبَّبة لدى جميع المؤمنين، متأملين بسيرة العذراء وفضائلها وملتمسين شفاعتها كَوْنَها القديرة لدى الآب السماوي:
إن السلام الملائكي هو قبل كل شيء صلاة، لا بل الشهادة الأكثر تردادًا على شفاه البشر في العالم أجمع، إذ أنَّ ملايين المؤمنين يردِّدونها يوميًا ما بين الخمسين والمئة والخمسين مرّة وأكثر.
معلومٌ أنّه في الكنيسة الأولى لم يكن يُتلى السلام الملائكي.
واليوم عندما تصلّي العذراء في ظهوراتها وهي حاملة السبحة، لا تقول السّلام الملائكي، بحيث أنّ هذه الصلاة تخصّها مباشرة. ففي لورد مثلاً، عندما كانت برناديت سوبيرو تتلو الوردية أمام العذراء،كانت سيّدة المغارة تشترك في صلاة المجد الموجّهة إلى الآب، ولكنها لم تكن تحرك شفتيها حين كانت تلك الراعية تتلو السلام الملائكي. وفي مديوغوريه، عندما تصلّي العذراء مع من تظهر لهم، فإنها تتلو معهم صلاة الأبانا والمجد، من دون السّلام الملائكي الذي يُتلى عادةً قبل الظهور.
يمكن القول أنّ السلام الملائكي هو أشرف صلاة بعد الصلاة الربيّة، وأجمل تحيّة نحيّي بها العذراء. هذا ما أعلنته السماء على لسان جبرائيل الملاك، وأكملته الأرض على لسان المؤمنين…
فصلاةُ السلام هذه مؤلّفة من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: “السلام عليك (إفرحي) يا ممتلئة نعمة، الرب معك”، مباركة أنت في النساء” (لوقا 28:1) أعلنها الملاك جبرائيل رئيس الملائكة، مُحيّيًا بها البتول المجيدة ومبشّرًا إيّاها بسّر التجسّد.
القسم الثاني: “مباركةٌ أنت بين النساء ومباركة ثمرة بطنك” (لوقا 42:1) تنبّأت به القدّيسة إليصابات بوحي من الروح القدس لمّا زارتها مريم العذراء وهي حاملة مخلِّص العالم.
إن هذين القسمين الواردين في الإنجيل المقدّس شاع استعمالهما في الكنيسة القديمة كما تفيدنا بذلك نوافير مار يعقوب، ومار مرقس، ومار باسيليوس الكبير[1].
وقد أضافت الكنيسة “اسم مريم” بعد كلمة “السلام” واسم “يسوع” بعد “ثمرة بطنك” تسهيلاً لفهم معاني هذا السلام.
القسم الثالث: وضعته الكنيسة، فالجملة “يا قدّيسة مريم يا والدة الله صلّي لأجلنا” أدخلها البابا قِلِسطينس الأول (422 – 432)[2] عند ظهور البدعة النسطورية.
وعن خاتمة السلام الملائكي “نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا”، فقد ظهرت في كتاب صلوات راهب فرنسيسكاني من العام 1525. وأيضًا في كتاب الصلاة الذي حدَّده القدّيس بيوس الخامس (1566- 1572)[3] في العام 1568، الذي أوصى بتلاوة الأبانا والسلام في بداية كل ساعة من ساعات الفرض الإلهي. فبهذه الطريقة انتشر وثبت السلام الملائكي بكامله في الشكل الذي نعرفه اليوم[4]. وإليك أيها المؤمن شرح كلمات هذا السلام ومعانيه، لنزداد له ممارسةً وللعذراء إكرامًا. “السلام عليك يا مريم”: تحية الملاك جبرائيل تفتح صلاة “السلام”: إنّه الله نفسه من يُحيّي مريم على لسان ملاكه.
كلمة السلام باللاتينية “ave” إذا عكسناها تصبح “eva” ومعناها حوّاء لأنّ مريم هي حوّاء الجديدة. فالأولى ولدتنا للموت بالجسد، والثانية ولدتنا للحياة بالروح.
الكلمة الثانية من السلام الملائكي تنادي “مريم” باسمها. وهذا الاسم لم يرد في نصّ الإنجيل بعد سلام الملاك، لأن الكلمة الثانية في البشارة تعطي مريم اسمًا آخر جديدًا، اسم نعمة. فاسم “مريم” يعني السيدة والملكة. لأن مريم هي ملكة الملائكة والقديسين والبشر وسلطانة السماء والأرض والمحامية والوسيطة؛ وتعني أيضًا نجمة البحر والصبح[5]، لأنها بمثالها وعونها تقودنا في بحر هذا العالم المضطرب إلى ميناء الخلاص.
“يا ممتلئة نعمة، الرب معك”: هاتان العبارتان من السلام الملائكي توضح إحداهما الأخرى. فمريم ممتلئة نعمة لأن الرب معها. والنعمة التي ملأتها هي حضور مَن هو ينبوع كل نعمة. فمريم، التي جاء الرب بذاته ليسكن فيها، هي بذاتها ابنة صهيون، تابوت العهد، الموضع الذي يقيم فيه الربّ.
“مباركة أنت في النساء، ومباركة ثمرة بطنك يسوع”: بعد تحية الملاك، نجعل من تحية إليصابات الممتلئة من الروح القدس تحيّتنا. فمريم “المباركة في النساء” آمنت بتحقق كلام الرب، وأصبحت أمًّا للمؤمنين، بها تتقبل جميع أمم الأرض مَن هو بركة الله عينُها[6].
“يا قديسة مريم يا والدة الله”: فمن خلال إعطائنا لابنها يسوع، فهي تصبح والدة الإله وأمنا، وبإمكاننا بالتالي أن نودعها كلّ همومنا وطلباتنا، وبإتكالنا على صلواتها نوكل أنفسنا إلى مشيئة الله[7].
“صلي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا”: عندما نسأل مريم أن تصلي لأجلنا، نعترف بأننا خطأة مساكين نتوجّه إلى “أم الرحمة”، إلى الكاملة القداسة. نستودعها ذواتنا “الآن” في الحاضر من حياتنا. ويتّسع مجال ثقتنا لنوكل إليها منذ الآن “ساعة موتنا” لتكون حاضرةً فيها كما عند موت ابنها على الصليب، ولتقبلنا كأمّنا في ساعة عبورنا لتقودنا إلى ابنها يسوع[8].
أمّا لفظة “آمين” الختامية، المترجمة قديماً بكلمة “هكذا فليكن”، فتعني أكثر من هذا الدعاء التقوي. إنها كلمة عبرية، تعني الإذعان لسلطة الله التي لا تتزعزع، بعيداً عن ضعفنا وعن تقلّباتنا. وهي أيضًا من وضع الكنيسة.
وفي الختام، لا بد لنا من إعادة ذكر ما قاله القدّيس فرنسيس الأسيزي (1181- 1226)[9] عن مفاعيل هذه الصلاة: “فيما أتلو السلام عليك تبتسم السموات وتفرح الملائكة وتهلّل المسكونة، يرتجف الجحيم وتهرب الأبالسة”.
وردية العذراء هي الصلاة التي أحبّها الكثير من القدّيسين وشدّدوا على تلاوتها، كما حرّض عليها التعليم الكنسي. فها نحن نعرض الآن تاريخيّة نشأة هذه الصلاة وزمن دخولها إلى لبنان.
إن صلاة مسبحة الوردية قديمة العهد، تعود إلى فجر المسيحية. ففي القرون الأولى، كان المسيحيون الأولون يستعملون الحبْل المعقود عقدًا معدودة في عدّ أعمالهم التقوية. ولمّا تأسّست الأديار والرهبانيات في القرن الرابع، كان الرهبان يصلّون الفرض مشتركين، وكان يقتصر على تلاوة المزامير الداودية البالغ عددها مئة وخمسين مزمورًا[11]. أمّا الرهبان الأميّون فكانوا معفيّين منها، ولكنّهم كانوا يستعيضون عنها بتكرار صلاة “الأبانا” مئة وخمسين مرّة، يعدِّدونها عن طريق حبل طويل معقود على عدد المزامير، وهذا ما سمّي بكتاب “مزامير الأبانا”[12].
ويروي البعض أنّه في مطلع القرن الحادي عشر، لمّا زحفت الجيوش الصليبية إلى الشرق، كان لا بد من إيجاد صلاة سهلة وبسيطة لتوضع في متناول أولئك الجنود الأميّين. فأوصاهم قائدهم ومرشدهم بطرس الناسك باستعمال الحبل المعقود بمئة وخمسين عقدة الذي استعمله الرهبان، أي بتلاوة مئة وخمسين سلاماً للعذراء مريم على عدد المزامير. واستُعمِلت حينذاك هذه الصلاة لدى الكثيرين من المؤمنين.
ولكن من الثابت أخيرًا أنّ صلاة المسبحة نشأت أولاً في الشرق على أيدي الرهبان المتعبدّين، وبخاصة النسّاك الذين كانوا يحملون مسبحة من ثلاث وثلاثين حبّة، تشير إلى عمر المسيح، وقد ضاعف بعضهم عددها فجعلها ستًا وستين وأكثر، وكانوا يكرّرون بعد كل حبّة نافذة روحية قصيرة، مثل:”يا رب ارحم”، “اللهمَّ اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني”، “يا والدة الإله خلّصينا”، إلى ما أشبه ذلك…
أمّا السلام الملائكي، فقد كان يُتلى في القرن السابع في روما، عند تقدمة القرابين في عيد البشارة. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر، فبدل صلوات الساعات الصغرى (الثالثة، السادسة، التاسعة) كانت تتلى صلاة السلام الملائكي بتكرار. حينها اشتهر الرهبان بتلاوة صلواتهم للعذراء وتكريمها، فراحوا يصلّون السلام عليك على غرار “مزامير الأبانا” وألفّوا ما سموّه “مزامير العذراء”[13]
مع مطلع القرن الثالث عشر، كان القديس دومينيك[14] مؤسّس رهبنة الدومينيكان، يبذل جهده في رد بدعة الألبيجيني[15]، فلم يحصل على نتيجة، عندها دخل كاتدرائية تولوز المكرّسة لله على إسم العذراء، وسجد أمام صورتها، وأخذ يطلب منها أن تساعده على رد الهراطقة. فظهرت له العذراء وحثّته على أن يتّخذ صلاة الوردية دواءً شافيًا لعصره وسلاحًا كافيًا لرد كل أعداء الكنيسة[16]. أمّا عن الظهور للقدّيس عبد الأحد فكان على الشكل التالي: “حيث ظهرت العذراء كسيّدة جميلة جداً ومعها ثلاث سيّدات، كل واحدة منهنّ معها خمسون فتاةًً وبثياب مختلفة:
فالسيّدة الأولى ترتدي مع فتياتها ثيابًا بيضاء إشارة إلى خمسة أسرار الفرح.
والسيّدة الثانية ترتدي مع فتياتها ثيابًا حمراء إشارة إلى خمسة أسرار الحزن.
أمّا السيّدة الثالثة فكانت ترتدي مع فتياتها ثيابًا صفراء إشارة إلى خمسة أسرار المجد.
هكذا وبعد أن أوحت العذراء صلاة الوردية للقدّيس عبد الأحد، عمد هذا الأخير وبالتعاون مع الأب ألان دولاروش[17] على تنسيق وتنظيم هذه المسبحة، وإدخال الأسرار إليها. كما هي في عصرنا اليوم.
أمّا تقسيمها إلى ثلاثة، فكان على اعتبار أنّ حياة يسوع ومريم مرّت بثلاث مراحل: الفرح، الحزن والمجد. وأضاف الأبوان المذكوران إلى هذه المسبحة “الصليب”، بحيث كل مسيحي يبدأ عمله وصلاته بإشارة الصليب. وقرب الصليب حبّة منفردة لتلاوة قانون الإيمان النيقاوي[18]، وتليها ثلاث حبّات للتأمّل بالصفات التي تتمتع بها العذراء: إبنة الآب، أم الإبن، وعروسة الروح القدس[19].
والجدير ذكره أنّ العذراء عادت وظهرت في 13 تموز 1917، في بلدة فاطمة- البرتغال على الأطفال الثلاثة: لوسيا، فرنسوا وياسينت، وطلبت منهم تلاوة الصلاة التالية، بعد كل بيت من بيوت المسبحة: “يا يسوع الحبيب، أغفر لنا خطايانا، نجّنا من نار جهنم، وَقُدْ إلى السماء جميع النفوس، خصوصًا تلك التي هي بأكثر حاجة إلى رحمتك. آمين”.
أخيرًا وفي 16 تشرين الأول 2002 وجّه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني (1978-2005)[20] رسالة إلى الأساقفة والإكليروس والعلمانيين بعنوان: “خمسة أسرار جديدة”، أعلن فيها إضافة أسرار النور إلى أسرار الوردية الخمسة عشر، وأعلن فيها أيضاً “سنة الوردية” من تشرين الأول 2002 إلى تشرين الأول 2003[21].
أمّا سبب تسمية هذه المسبحة “بالوردية” فقد يعود إلى تكليل العذراء بإكليل الورد. إذ كان الأقدمون يكلِّلون رؤوس الملوك والملكات بأكاليل الأزهار، وهكذا أراد المؤمنون أن يكرِّموا مريم العذراء، معبِّرين عن محبتهم وتقديرهم لها، مكلِّلينها بأكاليل ورد روحية في تكرار صلاة سلامها.
إن صلاة مسبحة الوردية هي من إحدى الممارسات التي يتميز بها الشعب اللبناني الكاثوليكي في تكريمه لسيدتنا مريم العذراء.
مِنَ المعلوم أنّه حتى سنة 1580 كان اللبنانيّون لا يزالون يجهلون هذه الممارسة التقوية، إلى أن أرسل البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572-1585)[22] راهبين يسوعيين الأب يوحنا المعمدان إليانو والأب يوحنا برونو بمهمّة خاصة[23] لدى البطريرك الماروني ميخائيل الرزي (1567-1580)[24]. وكانت صلاة المسبحة لتسع سنوات خلت (1571)، قد جعلت الأساطيل المسيحية تتغلب في مدينة ليبانت[25] على الأسطول العثماني. فكان من الطبيعي وَضعُ هذا السلاح الروحي بين أيدي اللبنانيين، وكان قداسته قد أوصى هذين الأبوين الموفدين بنشر هذا النوع من التكريم.
في طريقهما إلى لبنان مرّا بمدينة البندقية وابتاعا خمسة ألاف حبّة. ولما وصلا إلى دير سيدة قنوبين المقر البطريركي، في الوادي المقدّس، سلَّما تلك الحبَّات إلى الرهبان، فثقبوها ثم مرّروا فيها خيوطاً متينة وقسّموها إلى خمسة عشر بيتًا، وكل بيت مؤلّف من عشر حبّات[26]. وفي 15 آب من تلك السنة (1580)، انعقد مجمع أساقفة قنوبين[27]، فأتى الموفدان البابويان عندئذٍ ليعرضا على الجماهير المسيحية المتقاطرة من أنحاء لبنان ما أنتجته أيدي الرهبان. وما كاد الأب إليانو يبدأ بشرح نشأة هذا النوع من التكريم وطريقة استعماله وقوة مفعوله، حتى تزاحمت حوله تلك الجموع، فوزّع الرهبان حينها كلّ ما صنعوه من سبحات. ومَن لم يحصل على واحدة، لجأ إلى حبّات الزيتون كي يصنع مسبحة ويصلِّي بها.
هكذا دخلت مسبحة الوردية إلى لبنان وانتشرت بأعجوبة كالبرق بين جميع أبنائه، ولا تزال هذه الصلاة إلى اليوم الأكثر تحبّباً لدى قلوب المؤمنين نظرًا لبساطتها وسهولة تلاوتها ولغنى أسرارها المقدّسة.
إنّ طلبة العذراء هي من الصلوات الجميلة والبسيطة والغنية، التي اعتاد المؤمنون تلاوتها في منازلهم وكنائسهم وأديرتهم فعل إكرام لسيدتنا مريم العذراء.
فإذا أردنا أن نوجز هذه الطلبة بعبارة، نقول أنها امتيازات العذراء، أي الخصائص التي خصّها الآب بها، هي مَن استحقت شرف أن تكون أمّ الله.
لا نعرف زمن إبتدائها على التحديد، غير أنَّ التاريخ يرجعها الى الجيل السادس لنشأة الكنيسة. ففي أواخر هذا القرن أُصيبت روما بوباء الطاعون، فأمر البابا غريغوريوس الكبير (590- 604)[28] المؤمنين بإقامة صلوات عمومية وزياحات في كل مكان دفعًا لذلك الوباء الفتّاك. وفيما كان قداسة البابا يطوف بأيقونة العذراء التي كان قد رسمها القديس لوقا الإنجيلي، كان المؤمنون في الوقت عينه يرتّلون: “كيري أليسون [29] كرستي أليسون، يا ربنا يسوع إرحمنا![30].
ومنذُ ذلك الحين، أخذ المسيحيون يُضيفون إلى دُعائهم “كيرياليسون” بعض الإستغاثات الخاصّة “بمريم العذراء”، ويدعونها بألقاب ترمز إلى فضائلها ومقامها. وكان نيلهم مطاليبهم بشفاعتها داعيًا لأن يضاعفوا الهتاف إليها بشكل الإستغاثات. وهكذا امتّدت تلك الطلبات في الكنيسة وعمّت الشعب المؤمن. وقد علّمتنا الكنيسة المقدّسة في ابتداء الطلبة أن ندعو أولاً الله الآب طالبين الرحمة قائلين: أيها الآب السماوي الله إرحمنا! ثم الابن الفادي: يا ابن الله مخلص العالم، ومن ثم الروح القدس، ونعرف بها اتحاد الأقانيم الثلاثة بإله واحد.
أمّا الإستغاثات بمريم العذراء فليست إلاّ ملحقات بها ندعو أمّنا كوسيطة، لأننا لا نقول طلبة إلاّ ونستشفعها قائلين: تضرّعي لأجلنا.
تُقسم طلبة العذراء هذه إلى قسمين يحويان جوهر عبادتين: الله ووالدته. ففيها نطلب من الرب الرحمة والرضى، ونأخذ من جهة أخرى سيدتنا مريم العذراء كوسيطة لنا أمام الله.
إن هذه الطلبة قديمة العهد، وقد عرفت منذ وضعها بطلبة “سيدة لوريت”، وهي تتضمن طلبات عديدة (49)، كانت تردّد هنا وهناك. فجاء من جمعها في القرن الثاني عشر مكوِّناً منها صلاةً موحّدةً لتعظيم مريم العذراء. أُنشدت هذه الطلبة للمرة الأولى سنة 1483[31].
ومع مرور الزمن أضاف عدد من الباباوات ألقاباً جديدة إلى الطلبة، مثل: سلطانة جميع القديسين، من البابا بيوس التاسع، وسيدة الوردية المقدسة، وسلطانة الحبل بلا دنس، وسلطانة السلام، البابا بنديكتوس الخامس عشر، معونة النصارى، [32] ويا سلطانة السلام[33]، وسلطانة الانتقال من البابا بيوس الثاني عشر…
ومنها ما يذكّرنا بعظائم مريم العذراء وشرفها الرفيع وقدرتها الفائقة والنعم التي أنعمها الله عليها كأم الله[34]، وأم النعمة الإلهية[35]، ونجمة الصبح[36]… ومنها رموز مأخوذة من الكتب المقدّسة ومن عبارات التقوى، نذكر منها: يا برج داوود، يا تابوت العهد[37]…
أمّا الكنيسة المارونية فقد شبّهت العذراء بأرزة لبنان[38]، وأضافت هذا النعت الى “الطلبة” وذلك لأن الأرز يرمز الى فضائل العذراء. فهو بعلوه وارتفاعه يرمز الى الرفعة والشرف والمجد. وسيدتنا مريم العذراء هي الرفيعة والشريفة والمجيدة.
الأرز أيضًا يرمز إلى الخلود والصمود، تمر السنين والأجيال وهو ثابت لا يتغيّر، وسيدتنا مريم العذراء خالدة بمجدها. الأرز دائم الإخضرار، فلا الصيف بحرِّه ولا الشتاء بأمطاره وعواصفه وبرده، ولا الخريف بيباسه، كل هذه العناصر تقدر ان تُغيّر شيئا من جماله فهو دائما أخضر نضر. وسيدتنا مريم العذراء، لم يستطعْ لا الشيطان ولا العالم ولا الجسد أن يغيروا جمال نفسها ونقاوة قلبها، الأرز لا يخترقه سوس ولا تفسده حشرة وخشبه غير قابل للفساد. وسيدتنا مريم العذراء لم تستطعْ حشرة الخطيئة الأصلية أن تفسدها ولا سوس الخطايا أن ينخرها! الأرز يمدّ أغصانه الى مسافة بعيدة ويلطّف من حرارة الشمس ويَهِبُ من يستظل به برودة وطراوة عذبة.
وسيدتنا مريم العذراء تظلّل بحمايتها من يحتمي بها ويلجأ إليها وتهبه طراوةً سماويةً عذبة.
والأرز ينشر رائحة عطرة يتنشّقها من يدنو منه، وسيدتنا مريم العذراء تفوح منها رائحة الفضيلة والقداسة والعطف والحنان على أولادها وبنيها، يتنشقها من يتعبّد لها ويعيش تحت ظلّها![39] دائم الإخضرار فلا الصيف بحرِّه ولا الشتاء بأمطاره وعواصفه وبرده ولا الخريف بيباسه؛ يستطيع أن يغيّر شيئًا من جماله فهو دائمًا أخضر.
وهكذا تلاحمت سلسلة هذه الطلبة آخذة ببعضها البعض عبر الأجيال، الى أن استقرّت الى ما هي عليه اليوم. وقد تُرجمت الى جميع اللغات “كالأبانا”، وهي ليست صلاة فقط، إنما قانونٌ حدّدته الكنيسة، ولا يجوز لأحد أن يغيّر منها أو يضيف إليها شيئا إلاّ بإذنها.
أمّا الطلبة المعروفة بِ “نسجد لك يا بارينا…” فهي بالواقع نشيد مرافق لزياح أيقونة العذراء.
وتتضمّن مديحًا للعذراء مريم مُسهبًا، كما وطلبات متعدّدة مختلفة تُظهر جمال مريم…
ففي مدح مريم عمق لاهوتي ظاهر: شكر لله لأنه أعطانا مريم التي هي بنت الآب وأم الإبن وعروس الروح القدس. فيها تمّت النبوءات بحسب التدبير الإلهي. وأخيرًا امتلأت نورًا وكمّلت الأسرار وبها انعتق آدم من الخطيئة.
وفي هذه الطلبات، قد أقامها الله شفيعة لنا عند ابنها، صورة واضحة لحاجات الشعب: طهارة القلب، صحة الجسد، الخبز اليومي، شفاء المرضى، راحة الموتى.
والبيت الأخير من الطلبات سلام لمريم “عليها أشرف السلام”.
فطلبة العذراء هذه تحمل الطابع الكنسي الماروني – السرياني، كما أنّها تتحلّى بتعابير جميلة ولحن بسيط يَسلب القلوب، ويُحصّن النفوس.
والطلبة الثالثة المعروفة في الكنيسة المارونية ب “اشفعي في عبيدك”، هي من نوع الأناشيد السريانية الألفبائية، أي أن البيت يبدأ بالألف والثاني بالباء… وهي على اللّحن السرياني القديم.
ففي كل بيت من هذه الطلبات تطل نافذة تُظهر صورة روحيّة جميلة عن العذراء. والجدير بالذكر أنه لا نجد “طلبات” عدّة متأتية من حاجات المؤمنين، بل مدح وتعظيم للعذراء في مختلف ألقابها: أم الرّحمن، بتول نقيّة، مقدس الرب، جنّة الحياة، طور – جبل- عال، نجمة الصبح… إلى ما أشبه من ألقاب تُظهر عظمة هذه الأم القديسة مريم العذراء.
وبحسب العادات الطقسية في الكنيسة، جرت العادة على أن تنشد هذه الأوصاف بين المرتل الذي يقول النافذة، وبين الشعب الذي يرد باللازمة.
وتنتهي الطلبة بنشيد ثانٍ وبلحنٍ آخر موجَّه إلى المسيح “الإله المولود من مريم بنت داود”.
يُقال أنّ هذه الطلبة تعود إلى القرن السابع عشر، إذ نجد فيها تعبيرًا مارونيًا صادقًا عن هذا اللاهوت المريمي المُشبَع بالكتاب المقدّس والذي كان أباؤنا وأجدادنا يعتنقونه تماماً.
4– يا أم الله
هنا بيت القصيد إذّ قد حُسمت محبة اللبنانيين للعذراء مريم فوق كل شيء.
لها يكرِّسون حياتهم وإليها يلجأون في شدائدهم، ومنها يطلبون نِعَمَهم، وفي سبيلها يضحّون بأموالهم وأولادهم ودمائهم، ولها ينسبون كيانهم وحفظهم، وأمام صورها يسجدون هاتفين: “يا أم الله يا حنونة، يا كنز الرحمة والمعونة…”
تتفرّد الكنيسة المارونيّة وحدها بزياح العذراء هذا، وهو رتبة دينية تجمع الخشوع والتقوى الى الثقة والمحبة بنوع شعبي لا مثيل له في كل الطقوس البيعية. ويحتفل المؤمنون به في كل مناسبة، وينهون به معظم احتفالاتهم الدينية.
يتميّز نشيد “يا أم الله…” ببساطته وبنغمته المعبِّرة التي يصعّدها المرتّل بحرقة المؤمن، الذي يتوجه إلى “أم الله كنز المعونة…” طالبًا منها التّشفّع للمؤمنين لدى إبنها.
فهذا النشيد هو صرخة من القلب، وقد أصبح اليوم على كل شفة ولسان حتى لقبّه البعض: “بالنشيد الوطني الماروني”. فهو نشيد جماعي يجمع ما بين المؤمنين.
إذ وبعد أن يُنشد المرتّل “يا أم الله…” بصوته العذب، يهتف المؤمنون بعده مرتّلين بصوت واحد: “وإن كان جسمك بعيدًا منّا أيتها القديسة، فصلواتك معنا في كل حين”. “فيا عذراء وبتلك القوّة الخفيّة التي انحدرت وحلّت فيك، أطلبي المراحم من أجل الخطأة الملتجئين اليكِ[40]“. وأبرز ما يتميز به هذا النشيد هو عمقه الروحي وعقيدته الصادقة عن العذراء المنتقلة بنفسها وجسدها الى السماء. كما فيه لهفة المؤمن المتألم بأن طلبته ستستجاب لا محالة.
أمّا كيفية نشأة وانتشار هذا الزياح في الكنيسة المارونية، فإننا سنحاول من خلال هذه الأسطر المعدودة إلقاء الضوء على هذا الموضوع.
إنّ أقدم مخطوط قد عُثر عليه حتى الآن، والذي يعود إلى عام 1720، يُستشف منه أنَّ زياح “يا أم الله” لم يرَ الوجود دفعةً واحدة، إنما كان ذلك على مراحل متلاحقة حتى أصبح على ما هو عليه الآن. فإن كلمات “يا ام الله” قد سبقت، في التركيب، كلمات “وإن كان جسمك بعيدًا منّا…” والمأخوذة من “الشحيمة الأسبوعية، يوم الأربعاء، الساعة التاسعة لحن البخور”.
إن بنية الأبيات الشعرية المكوِّنة لزياح “أم الله”، والذي على مثاله قامت سائر الزياحات، لا تنتمي مطلقاً الى أوزان الشعر العربي المعروفة في علم العروض. إنما هي سريانية الانتماء، وذلك لأنها لا تخضع للأوزان بل هي مقطعية صوتية تتماشى وبنية الألحان السريانية. بالإضافة إلى ذلك فإنّ المقدِّمة التي ينشدها المرتّل لها وزن يختلف عن الأبيات التي تنشدها الجماعة.
أمّا لحن “وإن كان جسمك” وتقطيعه الشعري، فهو مشتق من لحن “لتحومو دهيمونوتو”، إذ أن أول مقطع هو ترجمة عن السريانية. أمّا سائر المقاطع المكونة للنشيد فإننا لا ندري إذا كانت قد ترجمت عن نصوص سريانية أخرى قد فُقدت. وفي هذا الموضوع يورد الأب إدمون خشان نقلاً عن الأب مارون كرم ر.ل.م. أنّ واضع كلمات، “وإن كان جسمك”، هو الراهب اللبناني الأب عبد الأحد البكاسيني من بلدة بكاسين الذي توفي في بيروت سنة 1760”. غير أنّه حتى الآن لم يُعثَر على أي دليلٍ يؤكّد صحّة هذا الكلام أو نفيه[41].
5– التبشير الملائكي
منذ فجر المسيحية والمؤمنون يتلون “السلام الملائكي” صباحًا وظهرًا ومساءً، وهي الأوقات المميزّة للنهار التي تحدّد فترات العمل وتدعو الى الصلاة، وذلك ليظلّوا بيقظة مستمرة واعين دومًا. فسيدنا يسوع المسيح وبقوة الروح القدس، تجسّد من مريم العذراء وحلّ بيننا وبذل نفسه تكفيرًا عن خطايانا.
يُقال أنه عام 590 أصاب روما وباء الطاعون، وراحَ يفتك بالسكان، ممّا دفع قداسة البابا غريغوريوس الكبير (590-604)[42] القيام بزياح للعذراء والتطواف بالأيقونة التي رسمها القديس لوقا الإنجيلي. وفيما كان قداسته ذات مرّة حاملاً الأيقونة وهو يصلي ويتضرع الى والدة الله القديسة، فإذا بجوق من الملائكة يظهر من السماء مُسبّحين الله في الأعالي مرنّمين:
“افرحي يا ملكة السماء، هللويا، لأن الذي استحققت أن تحمليه في أحشائك، هللويا، قد قام كما قال. هللويا”.
أمام هذه الأعجوبة، جثا قداسة البابا مع الشعب على الأرض وصرخ: “تضرّعي الى الله لأجلنا، هللويا”. فردّدت الجماهير من بعده هذه الصلاة بكل إيمان وخشوع.
ومن ثمَّ ظهر الملاك مستلاًّ سيفه، وإذا به يعيده الى غمده. ومنذ تلك الساعة وقف وباء الطاعون[43].
ومنذ هذا التاريخ تبنّت الكنيسة هذه الصلاة، وراحت تتلوها في أزمنة الفصح كل يوم ثلاث مرات مع قرع الأجراس، أي من الفترة الممتدة من ظهر نهار السبت العظيم ولغاية ظهر سبت أحد الثالوث الأقدس.
أمّا التبشير الملائكي الذي يتلى في الأيام المتبقية من السنة الطقسية، فقد استقته الكنيسة من الرسالة التي حملها الملاك جبرائيل من لدن الله لسيدتنا مريم العذراء.
وأول مَن أمر بتعميم التبشير الملائكي في الرعايا هو قداسة البابا يوحنا الثاني والعشرون (1316-1334)[44]، عندما وجه عام 1327 رسالة مريمية الى أبناء الكنيسة، حاثًا إيّاهم على ضرورة تلاوة صلاة التبشير، ومانحًا غفرانًا كاملاً لكل مؤمن إلتزم بترداد هذه الصلاة في أوقاتها المحدّدة.
وقد أعقبه في مسيرته هذه قداسة البابا بنديكتوس الثالث عشر (1724- 1730)[45] الذي منح غفران مئة يوم لكل من يقوم بتلاوة صلاة التبشير هذه، وغفرانًا كاملاً لمن يواظب طيلة شهر كامل على تلاوة التبشير والإعتراف، والمشاركة في الذبيحة الإلهية، وتناول جسد مخلّصنا يسوع المسيح[46].
فتعقيبًا لهذا، أصبح المؤمنون عند سماعهم جرس التبشير يهرولون ساجدين من أجل تلاوة صلاتهم اليومية.
وفي هذا الصدد وجّه ملك فرنسا لويس الحادي عشر (1461- 1482) في أول أيار سنة 1474 رسالة الى أبناء وطنه حاثًا إيّاهم على السجود بكل احترام وتلاوة صلاة التبشير الملائكي لدى سماعهم جرس التبشير[47].
وفي هذا الشأن أقرَّ قداسة البابا بنديكتوس الرابع عشر (1740 -1758)[48] على أنّه في الأيام الفصحيّة الثمانية يجب أن يتلى عوض “ملاك الرب” صلاة “إفرحي يا ملكة السماء”، وابتداءً من صلاة غروب نهار السبت الى ظهر نهار الأحد يتلى “التبشير الملائكي” دون ركوع[49].
ثانيًا: المواسم المريميّة في الكنيسة المارونيّة
وضعت الكنيسة لمؤمنيها روزنامة للأعياد على مدار السنة لتساعدَهم على أن يعيشوا ويتأملوا بأسرار حياة المسيح في تجسّده وميلاده، إلى موته وقيامته، إلى حلول الروح يوم العنصرة. فمن خلال تأملنا بأسرار المسيح، فإننا نكرِّم أيضًا بمحبّة بخاصة الطوباويّة مريم أم الله التي ترتبط بعمل ابنها الخلاصي ارتباطًا وثيقًا لا ينفصل.
سنتوقّف في هذا الفصل عند مصدر وتاريخيّة بعض الأعياد والشهور المخصّصة لتكريم أم الله، كما أننا سنورد نبذة عن عددٍ من الجمعيّات والمنظّمات الرسولية المريمية الموجودة في لبنان.
أولاً: مصادر الأعياد المريمية
إن أعياد العذراء ترافق أعياد المسيح، وقد فهم المؤمنون هذه الحقيقة باكرًا، فتكاثرت أعياد العذراء في الشرق أولاً ومن ثم في الغرب. فلا يخلو شهر من شهور السنة إلاّ وللعذراء فيه عيد من أعيادها.
أمّا مصدر هذه الأعياد فمتنوّع: بعضها مستقى من الإنجيل المقدس، وبعضها من التقليد المسيحي، وبعضها حدّدته الكنيسة، وبعضها فرضته التقوى المسيحية… فجميع هذه الأعياد تضع المؤمن في إطار حياة العذراء تكريمًا لها واقتداء بها.
لا تقل الأعياد المريمية في الكنيسة المارونيّة عن ثلاثة عشر عيدًا موزّعة على تسعة أشهر من السنة وهي[50]:
- أ- مولد العذراء (في الثامن من أيلول): تحتفل الكنيسة الشرقية بهذا العيد منذ القرن السابع. وأول إثبات خطّي يتوفر لدينا حول هذا العيد يعود للقديس إندراوس أسقف كريت (†720) الذي خلّف لنا خِطابين في عيد ميلاد العذراء. أمّا الكنيسة الغربية فقد كانت تحتفل بهذا العيد منذ أوائل القرن الثامن. ومّما لا ريب فيه أن الكنيسة جمعاء شرقًا وغربًا كانت تحتفل به منذ القرن العاشر[51]. وقد عزَّزه البابا زخيا السابع والبابا غريغوريوس الحادي عشر (1370 – 1378) والبابا أوربانوس السادس عشر (1378– 1389).
- ب- يواكيم وحنّة والدا العذراء (في التاسع من أيلول): تحتفل الكنيسة المارونيّة بهذا العيد منذ القرن السادس[52]. والبابا يوليوس الثاني أدخل هذا العيد في الكنيسة الغربية[53] سنة 1510.
ج- سيدة الوردية (في الأحد الأول من تشرين الأول، شهر الوردية): على أثر انتصار المراكب المسيحيّة على التركية في معركة ليبانتا (من جزر اليونان)، أضاف البابا بيوس الخامس (1566-1572)[54]الى طلبة العذراء “يا معونة النصارى”، وبعد وفاته أضاف خلفه البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572-1585)[55]الى الطلبة “يا سلطانة الوردية المقدسة”؛ وعيَّن السابع من تشرين الأول عيد الوردية. لكنه ما لبث أن نقل هذا العيد إلى أول أحد من الشهر المذكور. أما البابا اينوشنسيوس الحادي عشر (1676-1689)[56]فقد خصَّص هذا الشهر بكامله للوردية المقدسة، كما عمَّم قداسة البابا اكليمنضوس الحادي عشر (1700-1721)[57]هذا العيد على الكنيسة جمعاء عام 1716؛ وهكذا انتشر في الكنيسة المارونية في القرن الثامن عشر. وأُدخِلَ العيد كتاب الرتب المارونية المطبوع في روما عام 1839. يحتفل بزياح الوردية طيلة شهر تشرين الأول وتتلى فيه المسبحة بأكملها، أعني عشرين بيتًا، مع ما يسبق كل بيت من مقدّمات وتراتيل في مديح العذراء ويختتم الزياح بمنح البركة بأيقونتها. وضع رتبة زياح الوردية غبطة البطريرك يوسف اسطفان (1766-1793)[58].
د- تقدمة مريم العذراء الى الهيكل (في الحادي والعشرين من تشرين الثاني): تورد بعض الأناجيل المنحولة أنّ مريم العذراء حين بلغت السنة الثالثة من عمرها، قدّمها والداها إلى الهيكل. وفي سنة 543 تمّ تدشين كنيسة العذراء المسّماة الجديدة، التي شيّدها الإمبراطور يوستينيانوس على التل المغربي من القدس مقابل موقع الهيكل القديم. فهذه الذكرى أصبحت عيد تقدمة العذراء إلى الهيكل الذي يُحتفل به في الحادي والعشرين من تشرين الثاني.
احتفل الشرق أولاً بهذا العيد منذ القرن السادس، أمّا الغرب، وهو أشد تحفظًا للروايات المنحولة، فلم يقبل هذا العيد إلاَّ في القرنين الرابع عشر والخامس عشر[59].
هـ- الحبل بلا دنس (في الثامن من كانون الأول): بدأت الكنيسة منذ القرون الأولى تخطو أولى خطواتها باتجاه التفكر والصلاة إلى مريم “الكليّة القداسة”. وذلك انطلاقاً من المقارنة بين حواء القديمة ومريم العذراء “حواء الجديدة”. واعتبارًا من القرن السابع بدأ الاحتفال بعيد الحبل بلا دنس. وفي القرون الوسطى قامت مجادلات أدّت إلى تجابهٍ بين أنصار الحبل بلا دنس وخصومه، وكان برنردوس كليرفو (1090-1153)[60] وتوما الأكويني (1225-1274)[61] وبونافنتورا (1221-1274)[62] من المتحفّظين في موقفهم من هذا الأمر خلافاً لموقف المعارض دون سكوت (حوالي 1270-1308).
وفي عام 1476، وُضِعَ قداس وفرض للحبل بلا دنس، ألّفهما أحد الآباء الفرنسيسكان ليوناردي نوغاروليه وعُرِضا على موافقة قداسة البابا سكستوس الرابع (1474-1484)[63]، وهو في الدستور المعروف ب “الفائقة السموّ” (24/2/1477). منحهما الغفرانات. وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا الدستور، وافق سكستوس الرابع أيضًا على نصوص ليتورجية جديدة لا تزال شاهدة عليها صلاة تقدمة القرابين المستعملة حتى اليوم في القداس الروماني إكرامًا للحبل بلا دنس. كما ردَّ قداسة البابا أيضًا، على القائلين بأن التبشير بامتياز مريم غير جائز، فأصدر الدستور في 4 ايلول 1483. وفي عام 1708 جعل قداسة البابا أكليمنضوس الحادي عشر (1700-1721) منه عيدًا إلزاميًا في الكنيسة. أمّا البابا بيوس التاسع (1846-1878)[64] فقد جعل منه أيضًا بندًا من بنود الإيمان. وفي سنة 1840، رفع فئة من المؤمنين في فرنسا التماساً الى البابا من أجل تحديد هذه العقيدة، “الحبل بلا دنس”، فاستجاب البابا لطلبهم ودعا إلى استفتاء، فلبى عدد كبير من الأساقفة طلبه وأجابوه بأنهم موافقون على الأمر، كان ذلك في عام 1849. على أثر ذلك أعلن قداسة البابا بيوس التاسع في اليوم الثامن من كانون الأول 1854 عقيدة الحبل بلا دنس في البراءة الرسولية التي أصدرها[65]… والجدير بالذكر أن الكنيسة الانطاكية ابتدأت تحتفل بهذا العيد منذ القرن الثامن.
وكانت تكرّم هذه الذكرى في 9 كانون الأول من كل عام. وحتى الكنيسة المارونية الإنطاكية كانت تحتفل بهذا العيد في اليوم عينه، كما تشهد بذلك الروزنامة القديمة الملحقة بكتاب الفرض. لكن فيما بعد نقل هذا العيد إلى 8 كانون الأول ذلك اقتداء بالكنيسة الغربية، وقد ورد ذكره في 8 كانون الأول، في كتاب القداس المطبوع في رومية سنة 1716. وفي شهادة البطريرك اسطفان الدويهي، يوم كان في حلب سنة 1663: “انا اسطفان الدويهي الحقير بين رؤساء كهنة حلب ومرسل مجمع إنتشار الإيمان اعترف وأقر بأنّ سيدتنا الكوكب اللامع والطهر الساطع كانت خالية بريئة من كل خطيئة، إمّا حالية وإمّا أصلية بل لم يُقضى عليها بأن تُلطّخ بها البتة بنعمة خصوصية من ابنها. كما ورد في كتب طائفتنا المارونية والصلوات السريانية التي ألّفها الآباء القديسون والملافنة المختارون”[66].
مِن ثمَّ وعلى أثر إعلان عقيدة الحبل بلا دنس، قرّر مجمع بكركي المعقود سنة 1856 في جلسته الأولى تعميم إلزام البطالة في هذا العيد على الطائفة جمعاء، مجددًا بذلك قرار مجمع ميفوق المعقود سنة 1780[67]. وفي ذلك دليل على تأصّل هذه العقيدة في إيمان الكنيسة المارونية.
و- تهنئة العذراء بميلاد ابنها (في السادس والعشرين من كانون الأول): قد يعود هذا العيد في الكنيسة المارونية إلى القرن الخامس[68].
ز- دخول المسيح الى الهيكل على يدي والدته (في الثاني من شباط): يعود الاحتفال بهذا العيدإلى عصور المسيحية الأولى، فالكنيسة الأورشليمية كانت منذ القرن الرابع تحتفل بعيد “دخول المسيح إلى الهيكل” أو “تطهير البتول” ومنها امتدّ إلى سائر الكنائس المسيحية.
وفي عام 541 ظهر وباء الهواء الأصفر في مصر ومنها امتدّ إلى سائر أقاليم المملكة البيزنطية. فرأى الملك يوستنيانوس آنذاك أن خير وسيلة تقي المملكة من هذا الداء هو اللجوء إلى مريم البتول. فاتفق مع بطريرك القسطنطنية على أن يُحتفل بهذا العيد احتفالاً باهرًا. هكذا وبشفاعة مريم العذراء تمّ حينها تلاشي ذلك الوباء.
وعلى عهد الملك يوستنيانوس أيضًا تمّ نقل عيد دخول المسيح إلى الهيكل، من الرابع عشر من شهر شباط إلى الثاني منه. وفي هذا العيد تكرم الكنيسة الشرقية السيد الفادي الداخل مع والدته القديسة مريم العذراء إلى الهيكل. أمّا الكنيسة الغربية فتعتبره تطهيرًا للبتول وفقًا للناموس.
وعن تاريخ دخول هذا العيد إلى لبنان، فربما يعود إلى القرن الرابع أو الخامس[69].
ح- بشارة الملاك للعذراء (في الخامس والعشرين من آذار): يعود الاحتفال بهذا العيد إلى فجر المسيحية. لقد ذكره في مواعظهم آباء القرن الثالث والرابع للمسيح كالقديس أوغسطينوس (354-430)[70] واثناسيوس (298-373)[71]، وآخرون كثر نذكر منهم على سبيل المثال يوحنا الذهبي الفم (+407)[72]. ولهذا العيد أسماء مختلفة تدل على معنى واحد منها: “البشارة بالمسيح” أو” بشارة سيدتنا مريم العذراء…
أما لبنان فقد عرفَ هذا العيد منذ القرن السادس أو السابع[73].
ط- سيدة الزروع (في الخامس عشر من شهر أيار): يعود تاريخ سيدة الزروع، والحصاد، والكرمة إلى عهد الرسل. هذه التذكارات الثلاثة محض زراعية تدل على العلاقة الحياتية الوثيقة التي تربط العذراء أم الله والمؤمنين، والعذراء هي التي تبارك وتعطي الخيرات، فهي سيدة الزروع، وسيدة الفريك، وسيدة الكرم. وما هذان الرمزان – القمح والخمر – سوى إشارة واضحة وصريحة إلى الإفخارستيا: القمح خبزٌ مُعّدٌ لأن يكون جسد المسيح والخمر دمًا إلهيًا. دخل هذا العيد الكنيسة السريانية المارونية مع المسيحيين الأولين[74].
ي- زيارة أم الله لنسيبتها القديسة اليصابات (في الثامن من تموز): وضع هذا العيد البابا أوربانوس السادس (1378-1389)[75] ليلتمس من الرب بشفاعة والدة الإله زوال الإنشقاق الغربي وثبّته قداسة البابا بونيفاسيوس التاسع (1389-1404)[76] في سنة 1389. أمّا البابا بيوس التاسع (1846-1878)[77] فقد أمر بزيادة احتفاله تذكارًا لما ناله من النعم والمعونة الإلهية بشفاعة العذراء المجيدة في أوائل حبريته.
أُدخل هذا العيد في الروزنامة المارونية في القرن الثامن عشر[78].
ك- سيدة جبل الكرمل (في السادس عشر من تموز): أُدخل هذا العيد الكنيسة المارونية في أواسط القرن الثامن عشر.
ل- حنة أم مريم (في الخامس والعشرين من تموز): من المرجّح أن يكون الموارنة قد عرفوا هذا العيد منذ القرن السادس.
م- انتقال العذراء بالنفس والجسد الى السماء أو “النياح” (في الخامس عشر من شهر آب): بدأت الكنيسة الأورشليمية الاحتفال بهذا العيد قبل مجمع أفسس، وأقامت ذكرى السيدة مريم الذي أصبح منذ نحو سنة 550 “عيد الرقاد”، واختيرت لفظة رقاد للإشارة الى الوفاة العجيبة للسيدة، لأنّ وفاة أم الله لا يمكن أن تكون وفاة عادية مثل وفاة سائر الناس، ومنها انتقل إلى سائر المناطق والبلدان، ولاسيما مع الحجّاج الذين كانوا يزورون الأراضي المقدسة. فالكنيسة اليونانية مثلاً أقامت عيدًا خاصًا بهذه المناسبة أسمته “ميتراستاسيس” أي عبور مريم من حياة الأرض إلى حياة السماء. أمّا الكنيسة اللاتينية فقد عرفت هذا العيد منذ فجر الكنيسة الأولى. وأطلقت عليه لفظة أو تسمية “أسومبسيو” أي انتقال العذراء بالنفس والجسد الى السماء. عام 588 قرر الإمبراطور موريس عاهل القسطنطنية (582–602) نقل هذا العيد آنذاك من 18 كانون الثاني إلى 15 آب، وبقي العيد على تاريخه الى اليوم.
في أواخر القرن السابع عشر، أدخل البابا سرجيوس إلى روما عيد الرقاد الذي سُميَّ في ما بعد بالانتقال. وأمر أن يقوم المؤمنون بتطواف من كنيسة القديس أدريانوس الى كنيسة القديسة مريم الكبرى في روما. وأرادت الكنيسة هذه الظاهرة الدينية لطمس عادات وثنية كان الرومان حينها يعظّمون ذكرى الأمبراطور أغسطس في منتصف شهر آب. وعام 813، نقلت فرنسا هذا العيد أيضًا الى 15 آب وجعلته بطالة رسمية. وعام 1342 تبنّت الكنيسة الأرمنية هي أيضًا هذا العيد في التاريخ نفسه. وآخر الأمر وفي القرن الثالث عشر، علَّم علماء اللاهوت المدرسيّ، من فرنسيين ودومينيكانيين أن عقيدة الانتقال ثابتة، لتعمّقهم بالعظات البيزنطية[79].
هكذا وبعد أن آمنت واحتفلت الكنيسة على مدى قرون من الزمن بانتقال سيدتنا مريم العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، أخذ المؤمنون ورعاة الكنيسة يعملون من أجل إعلان عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء عقيدة كنسية. ففي عام 1849 مثلاً رفِعت إلى الكرسي الرسولي الطلبات الأولى لتحديد العقيدة. وفي المجمع الفاتيكاني الأول (1869-1870) وقّع نحو مائتي أسقف طلبًا بإعلانها عقيدة، معربين عن رغبة صادقة في أن ينضم حدث انتقال البتول إلى الكتاب الذهبي الحاوي عقائد إيماننا. ومع مطلع القرن العشرين انتشرت حركة الطلبات انتشارًا واسعًا إلى أن أجاب مجموع أساقفة العالم بالإيجاب على سؤال رسمي من البابا بيوس الثاني عشر (1939-1958)[80] حيث وجّه إليهم عام 1946 عن إمكان التحديد ورغبة المؤمنين فيه. وفي الأول من تشرين الثاني عام 1950 أعلن قداسة البابا بالمنشور الرسولي “الله الكثير الكرامة” عقيدة انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي[81].
إنّ لعيد انتقال سيدتنا مريم العذراء إلى السماء مكان خاص ومرموق في الكنيسة المارونية، فيسبق هذا العيد صوم وقطاعة طوال أربعة عشر يومًا، وفيها يتردد الناس إلى الكنائس وتكرّم العذراء بالتراتيل والصلوات. وتذكر بعض الكتب الطقسية المارونية صلوات وتراتيل خاصة بعيد انتقال العذراء. والجدير ذكره أنّه عام 1638 أعلن الملك الفرنسي لويس الثالث عشر السيدة العذراء “حامية المملكة”، وتحوّل تاريخ 15 آب عيدًا وطنيًا. وانتقل هذا التكريم لاحقًا إلى عدد من الدول المجاورة، إلى أن انتشر في أوروبا بكاملها.
وفي عام 1672، تبنّته الكنيسة الأرثوذوكسية هي أيضًا وثبتّته في الخامس عشر من شهر آب[82].
أمّا تاريخ بدء الكنيسة المارونية الاحتفال بهذا العيد فمن المرجّح إلى أنّه يعود للقرون الأولى للمسيحية[83].
2- ثوب الكرمل – في السادس عشر من شهر تموز
يقع جبل الكرمل في فلسطين حيث ظهر النبي إيليا[84] الغيور في القرن العاشر قبل الميلاد، وقد أصبح هذا الجبل فيما بعد موطنًا لتلامذة الأنبياء الذين يواصلون نمط حياة النبي إيليا، ثم النساك الذين ابتغوا الخلوة على سفح جبل الكرمل منتهجين حياة التوحّد.
رهبانية الكرمل، نشأت أساسًا من تجمّع للنساك التقوا في تلك البقعة من فلسطين على جبل الكرمل، ليحيوا حياة النسّك والانقطاع عن العالم والتفرغ لحياةٍ من التصوّف والزهد.
إبان الحروب الصليبية تنسّك عدد من الشبان الأوروبيين وأرادوا العيش على مثال إيليا النبي في الوحدة والصلاة والزهد بالعالم، ولكنهم سرعان ما شعروا بأنهم بحاجة إلى قانون ينظّم حياتهم ويوحّد أهدافهم. فبادروا إلى بطريرك أورشليم القديس البرتس (1205-1214) الذي استجاب لطلبهم ومنحهم “صيغة عيش” فريدة غدت وما تزال شرعة الرهبانية الأساسية[85].
ومع زوال الحروب الصليبية، تعرضّت الجماعة الناشئة لصعاب جمّة داخل الكنيسة، مّما دفع بالقديس سمعان ستوك اللجوء إلى السيدة العذراء والتوسل إليها كي تحمي هذه الرهبانية ورهبانها. فظهرت له العذراء في 16 تموز 1251يحيط بها عدد غفير من الملائكة، وأعطته “ثوب الكرمل” وقالت له: “هذا الإنعام لك ولأبنائِك من بعدك. كل من يموت لابسًا هذا الثوب لن يذوق عذاب الموت بل يخلص”. ومن ثمّ عادت العذراء وظهرت للبابا يوحنا الثاني والعشرين (1316-1334)[86] بعد ماية سنة وقالت له: “ثبّت هذا الثوب وكل من يلبس هذا الثوب ويندم على خطاياه ويعترف بها ينجو من عذابات المطهر في أول سبت بعد موته”. فثبّته البابا المذكور ومنحه الغفرانات. أمّا شكل الثوب فقد كان في البداية مصغرًا للثوب الذي يرتديه الرهبان، لكنّه تحول لاحقًا لما هو عليه اليوم: قطعتين من القماش موصولتين بخيط، إحداهما تحمل صورة سيدة جبل الكرمل، في حين أن القطعة الأخرى تحمل صورة قلب يسوع. وفيما بعد سمح قداسة البابا بيوس العاشر (1903-1914)[87] باستعمال إيقونة العذراء سيدة الكرمل المعدنية عوضًا عن ثوب القماش.
ولكي يتمتّع المسيحي بالإنعامات التي وعدت بها العذراء القديس سمعان ستوك، يترتب عليه:
– أن ينال الثوب من كاهن مفوّض ويسجّل اسمه في سجل أخوية الكرمل الروحية.
– أن يحمل دائمًا ثوب العذراء أو إيقونتها.
– أن يصلي يوميًا سبع مرات الأبانا والسلام والمجد.
– أن يكرّم العذراء ويشارك في القداس الإلهي في أعيادها الكبرى: ميلادها الشريف (8أيلول)، تقدمة العذراء للهيكل (21تشرين الثاني)، البشارة (25آذار)، سيدة الكرمل (16 تموز)، الانتقال (15 آب)، الحبل بلا دنس (8 كانون الأول).
– أن يقوم بواجباته المسيحية وينمي إيمانه ومحبته للمسيح[88].
هكذا وبعد أن أوردنا نبذة مقتضبة عن ثوب العذراء سيدة جبل الكرمل فإننا سنتوقف ههنا لنتكلم عن كيفية دخول هذا الثوب إلى لبنان.
قدِم الكرمليون إلى لبنان بناءً على دعوة غبطة البطريرك جرجس عمَيْرة (1633-1644)[89] ولدى مثولهم أمام غبطته، وهبهم هذا الأخير دير مار أليشع في وادي قنوبين عام 1643، فسكنوه ورمّموه ووسّعوه. ومنه انتقلوا برسالتهم نحو القرى المجاورة وبالتالي توسعوا نحو القرى اللبنانية الباقية[90].
هكذا بدأ الكرمليون رسالتهم في شمالي لبنان، حاملين معهم الهبة السماوية التي منحتهم إياها سيدتنا مريم العذراء موزعينها على جميع المؤمنين، شارحين لهم كيفية وصول هذا الثوب المقدّس إليهم، والواجبات المترتّبة على كل من يحمله.
أُدُخِل عيد ثوب سيدة الكرمل إلى الكنيسة المارونية في أواسط القرن الثامن عشر، بعد أن عمَّم قداسة البابا بنديكتوس الثالث عشر (1724-1730)[91] عام 1726 هذا العيد على الكنيسة الكاثوليكية. أمّا زياح ورتبة منح البركة بإيقونة ثوب سيدة الكرمل فقد وضعهما غبطة البطريرك يوسف اسطفان (1729-1793)[92] في غضون فترة إقامته في جبل الكرمل (1780-1785).
3- تكريم مريم العذراء – شهر أيار
خصّصت أمنا الكنيسة شهر أيار لتكريم مريم العذراء. إنّ هذا التخصّص لم يكن من قبيل الصدفة انمّا نظراً لما يرمز إلى العذراء بكل معانيه. فهو شهر الورود، والجمال، والحياة، والتجدد.
وعن كيفية انتقاء هذا الشهر لتكريم مريم العذراء يروي بعض الكتبة: كان من عادات أبناء القرون الوسطى في غربي أوروبا، أن يحتفلوا بقدوم الربيع، متأثرين بخطى الرومان، الذين كانوا يحتفلون بأعياد الزهور، مدة الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر نيسان واليومين الأولين من شهر أيار، لذا عمدوا انتقاء هذا الشهر لتكريم سيدتنا مريم العذراء نظرًا الى ما يرمز إليه وما يحمل بطيّاته من معاني. أمّا في فرنسا، فقد تحوّلت هذه الاحتفالات التي كانوا يحملون فيها الأغصان النضرة، والأكاليل المصنوعة من الورود والأزهار، إلى أعياد خُصِّصَت لتمجيد العذراء ملكة الأرض والسماء. ومنذ أوائل القرن الثالث عشر فقد تَّم انتقاء شهر أيار بين جميع أشهر السنة لتكريم أم الله. وفي سنة ألف ومائتين واربع وثمانين خصَّ أحد ملوك إسبانيا، هذا الشهر، بأنشودة من أناشيده متغنيًا بالعذراء. وفي القرن الرابع عشر اعتاد الطوباوي الدومنيكاني هنري سوزو أن يقدّم الى العذراء أكاليل من ورد في اليوم الأول من شهر أيار.
وفي العام 1549، نشر الأب سيدل كتابًا بعنوان “شهر أيار الروحي”[93]. في أواخر القرن السادس عشر ذُكِرَ، أنه ذات مساء، من ليالي شهر أيار جمع ولدٌ من أبناء الشعب الروماني، رفاقه الصغار، وجاء بهم إلى ساحة يزينها تمثال العذراء الطاهرة. فسُرَّت هذه الأم الحنون، برؤية أولادها الصغار، ملتفيّن حولها، وهم يردّدون طلبتها.
وفي اليوم الثاني، ازداد عدد هؤلاء الأطفال، وأخذوا ينمون يومًا بعد يوم، حتى أنّ أهلهم أصبحوا يرافقونهم لتكريم العذراء. فلمّا بلغ هذا الخبرالقديس “فيليب دي نيري” (1515-1595)[94] قام وجمع جميع هؤلاء المؤمنين في الكنيسة، أمام هيكل العذراء، وزيّن المذبح بأجمل أنواع الزهور من ورد وزنبق وبنفسج… وأخذوا جميعًا يكرّمون مريم العذراء.
في ذلك العهد أيضًا كان الآباء اليسوعيون يقيمون الاحتفالات عينها في مدارسهم ويحثوّن التلاميذ على التضحية، والتقشف، تكريمًا للبتول، كي تُمطر عليهم سوابغ نعمها.
في كولونيا كان التلامذة اليسوعيون في العام 1664 يرفعون الصلوات في أيار للسيدة العذراء. وفي الألزاس، كانت الفتيات يقرعن الأبواب ويقدّمن زهرة لتزيّن مذبح السيدة.
وبفضل هذه التكريمات المتنوعة، تمكّنوا من وضع قوانين ثابتة للشهر المريمي[95]. الكنيسة باركت هذا العمل وشجّعته؛ وقد أعلن قداسة البابا اينوقنطيوس الحادي عشر (1676-1689) عن تخصيص هذا الشهر لتكريم سيدتنا مريم العذراء. وأوّل أبوَين عملا على نشر كتابين حول تعيين شهر أيار لتكريم مريم العذراء هما: الأب كسافير جاكوله (1681- 1746) والأب ديونيري (1756).ومع مطلع القرن الثامن عشر، قرّر الرهبان الدومنيكان تكريم السيدة طوال شهر أيار بشكل رسمي وفي عام 1784، طبّق الآباء الكرمليون شهر أيار في إيطاليا. ويروى أنهم طلبوا أن تكرّس مذابح للسيدة العذراء في الليلة الأولى من أيار في كل منزل، ويزيّن بالزهور والأضواء، على أن تجتمع العائلة كل ليلة من هذا الشهر لتلاوة الصلاة على شرف السيدة.
إنّ تكريس شهر أيار لتكريم مريم العذراء في لبنان، بدأ في كنيسة سيدة النجاة للأباء اليسوعيين في بلدة بكفيا سنة 1837… وسرعان ما انتشر هذا التكريم من بكفيا إلى سائر أنحاء البلاد. وقد كان للأخويات المريمية في لبنان، بإرشاد من الآباء اليسوعيين فضل كبير في انتشار هذا التكريم خلال شهر أيار[96]. وأول كتاب مخصّص لتكريم مريم العذراء صدر باللغة العربية يعود الى سنة 1838، عربّه الأب ليباوس المتيني ر.ل.م. عن كتاب موزارلي المطبوع
باللغة الفرنسية سنة 1785[97].
[1] السمراني، الأب فيليب،مريم العذراء تأملات في حياتها وفضائلها توافق الشهر المريمي،بيروت-لبنان 1958، ص. 39.
[2] ترأس البابا قلسطينس الأول المجمع المسكوني الثالث الذي عقد في أفسس وحرم نسطوريوس وحطّه عن كرسيه،توفي قداسته في 27 تموز 432. تاريخ الباباوات،نقله إلى العربية وعلق حواشيه شحاده ميلاد أبي خليل، منشورات صوت المحبة 1988 – ص. 27. خوان، داثيو، معجم الباباوات، نقله إلى العربية أنطوان خاطر، دار المشرق بيروت، 2001،ص 29.
[3] ولد أنطونيو-ميكال غيسليري في 17 كانون الثاني 1504 في بوسكو (لومبارديا) سامه البابا بولس الرابع (1555-1559) أسقفاً على سوتري ونيبي، وفي عام 1552 عينه كاردينالاً على كنيسة مريم دي لاميزوف وبعدها على كنيسة القديسة سابين. إنتخب بابا في 17 كانون الثاني 1566 ودُعيَ بإسم بيوس. حرم قداسته اليزابيت الأولى ملكة انكلترا وتحالف مع البندقية واسبانيا فهزموا الأتراك بحراً في ليبانت سنة 1571، توفي في أول أيار سنة 1572. المرجع السابق، ص 175-178. حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي، دار المشرق بيروت، 1988، ص 128.
[4] نادر الأب يوسف، سنابل العبادة المريمية، في المنارة، 5 (1934) ص 288-289.
[5] المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دستور عقائدي في الكنيسة نور الأمم عدد 62. صافي، الخوري مخايل، شهر أيار تأملات في طلبة العذراء، [د. ن.، د. ت. ]، ص. 7 و62.
[6] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عرّبه المتروبوليت حبيب باشا، المطران كيرلس سليم بسترس، المطران يوحنا منصور، والأب حنا الفاخوري، دار المشرق-بيروت، 1999، ص 752-753.
[7] المرجع السابق، ص. 753.
[8] السمراني، الأب فيليب، مريم العذراء… ص. 38-45.
التعليم المسيحي… ص. 753.
[9] من أكثر قديسي القرن الثالث عشر شعبية. ولد في إيطاليا سنة 1181. أراد إنشاء مجموعة من المؤمنين يعيشون من غير تساهل المشورات الإنجيلية. لكن هذه المجموعة القديمة ما لبثت أن أصبحت رهبانية، وأصبح كثير من أعضائها كهنة. القوانين التي وضعها القديس فرنسيس لرهبانيته عدّلت مرتين قبل وفاته وهي تشدد على الفقر والتواضع والتسوّل والغيرة للوعظ. من مؤلفاته نخص بالذكر “الوصية” و”نشيد الشمس”. حول سيرة هذا القديس راجع انجلبيرت، اومير، حياة القديس فرنسيس الأسيزي، عربها أحد الأباء الكبوشيين اللبنانيين، 1967. المارديني، الأب جرجس، حياة القديس فرنسيس، سلسلة شهود 8، منشورات المكتبة البولسية، 1987. فارس الكمال الإنجيلي، ترجمها وأعدها عن الإيطالية نخبة من الآباء الفرنسيسكان والأساتذة في كلية تراسانطة-عمان، القدس، 1989. خليل، الأب يوسف، القديس فرنسيس الأسيزي، موسوعة المعرفة المسيحية، القديسون 7، دار المشرق، بيروت، 1993.
[10] المَسبَحَة (سُبحَة) تعني التسبيح، وهي عبارة عن عقد حبات مجمعة في خمسة أبيات.
[11] محفوض، الخوري الياس، تاريخ المسبحة الوردية، مجلة الرعية (1998) 10، ص 48.
[12] صلوا وردية العذراء مريم، منشورات الرسل 2004، ص 18.
[13] المرجع السابق، ص 18-19.
[14] ولد القديس دومينيك (عبد الأحد) في إسبانيا، في مدينة كلاهورا سنة 1170. أنشأ سنة 1216 رهبانية الدومينيكان (الإخوة الواعظون) لمقاومة بدعة الألبيجيني. تميّز بالوعظ والإرشاد وإكرامه للعذراء مريم. رقد في الرب في اليوم السادس من شهر آب سنة 1221. لمزيد من المعلومات حول سيرة هذا القديس راجع: مروج الأخيار في تراجم الأبرار، الأب بطرس فرماج اليسوعي، مطبعة الأباء اليسوعيين، بيروت 1838، ص 443-446. وكتاب السنكسار، الذي وضعه المطران ميخائيل عساف، الجزء الثاني، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، 1984، ص 98-104. ضاهر، الأب بولس، السنكسار، الكسليك-لبنان 1996، ص 210.
[15] تجمعت في أواخر القرن الثاني عشر من ناحية ألبي جنوب فرنسا، مجموعات هرطوقية مختلفة الأصل، منها “الكتار” أو “الأنقياء”. قال أتباع هذه البدعة بوجود مبدأين مبدأ الخير ومبدأ الشر. كان أعضاؤها منقسمين إلى “كاملين” ذوي حياة تقشفية مثالية، و”مؤمنين”.
[16] السمراني، الأب فيليب، مريم العذراء…، ص 140-144.
[17] ألان دولاروش من أوائل الرهبان الذين انضموا إلى رهبنة الدومينيكان وهو من أبرز تلاميذ القديس عبد الأحد.
[18] في مجمع نيقيا 325، أعلن الآباء مساواة الابن والآب في الجوهر، وان قانون الإيمان العِماديّ المعروف في كنيسة القيصرية، هو الذي كان في أساس هذه القاعدة الإيمانية. يعود تاريخ وضع هذا القانون إلى حزيران سنة 325. وانطلاقًا من هذا التاريخ امتد تأثير هذا القانون الى القوانين الإيمانية العِماديّة المستعملة في الكنائس الأخرى. الإيمان الكاثوليكي. نقل أهم هذه النصوص إلى العربية الأب صبحي حموي،دار المشرق-بيروت،1999، ص 17-19.
[19] جمعية جنود مريم،الوردية، تاريخها وكيفية تلاوتها، ص 6-7.
[20] ولد كارول فويتيلا في 18 أيار 1920 في مادوفيس-بولونيا. وسيم كاهناً في 1 تشرين الثاني 1946 في كراكوفيا. في 4 تموز 1958 عُيِّن فوتيلا أسقفاً وسيم في 28 أيلول،واتخذ حرف “M “شعاراً له مع لفظتي totus tuus (كليّ لكِ) للدلالة على تعبده للعذراء. في 29 أيار 1967 عين فويتيلا كاردينالاً وانتخب بابا في 17 تشرين الأول 1978 واتخذ اسم يوحنا بولس الثاني. توفي في 2 نيسان 2005. الحاج،الأب نبيل،سيرة البابا يوحنا بولس الثاني الآتي من بلد بعيد،منشورات المطبعة الكاثوليكية،بيروت،1986. يوحنا بولس الثاني،دعوتي،نقله إلى العربية المطران فرنسيس البيسري،منشورات المركز الكاثوليكي للتعليم المسيحي في لبنان، 1997.
[21] لمزيد من المعلومات حول تاريخ سبحة الوردية راجع:
السمراني الأب فيليب مريم العذراء…، ص 140-144.
بشارة، يوسف، وفغالي، بولس، مريم العذراء، لبنان 1979 ص 126.
محفوظ، الأب الياس، تاريخ السبحة الوردية، مجلة الرعية (1998) 10، ص 47-52.
الجميل،بطرس،مريم العذراء في الكنيسة المارونية،منشورات أبرشية قبرص المارونية،1988، ص 120-122.
نبذة تاريخية حول مسبحة الوردية،رابطة الأخويات (1999) 9-10 ص. 22-25.
جمعية جنود مريم،الوردية تاريخها وكيفية تلاوتها،[د. ت.، د. ن. ]،ص. 18-19.
صلوا وردية العذراء مريم،منشورات الرسل،2004، ص. 7-34.
[22] ولد هذا الحبر في بولونيا في أول كانون الثاني سنة 1502. عيّن كردينالاً لكنيسة القديس سيكستوس سنة 1565. في عهد حبريته تجددت رهبانية الكرمل واستبدل التقويم اليولياني بالتقويم الغريغوري. توفي البابا غريغوريوس في 10 نيسان 1585، ودفن في الكابيلا الغريغورية في كنيسة القديس بطرس تاريخ الباباوات… ص. 178-181.
[23] حول مهمة هذين الموفدين ومجمع 1585 راجع: الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الطائفة المارونية، مطبعة الكاثوليك للأباء اليسيوعيين، بيروت، 1890، ص 176-177. فهد،الأباتي بطرس،مجموعة المجامع الطائفية المارونية عبر التاريخ،1975، ص 21-71. فهد،الأباتي بطرس،بطاركة الموارنة وأساقفتهم في القرن السادس عشر،الجزء الأول،1982، ص 61-114. شيخو، الأب لويس، الطائفة المارونية والرهبانية اليسوعية بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، منشورات دار المشرق، بيروت، 2003، ص 47 – 68.
[24] كان راهباً حبيساً في محبسة مار بيشاي التابعة لدير مار أنطونيوس قزحيا. إنتخب سنة 1567 بطريركاً على الطائفة المارونية. وفي أيامه زارت الطائفة المارونية بعثة باباوية وأرسل إليه البابا غريغوريوس الثالث عشر درع التثبيت سنة 1579 توفي في 18 أيلول 1580. الدويهي،البطريرك اسطفان،تاريخ الأزمنة،نشره الأباتي بطرس فهد،بيروت،1976، ص 430-432. فهد، الأباتي بطرس، بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر 1982. محفوظ، الأب يوسف، مختصر تاريخ الكنيسة المارونية، الكسليك، 1984، ص 44.
[25] في سنة 1571 وجه السلطان سليم الثاني الأسطول التركي عبر البحر المتوسط ليحتل أوروبا. فاستنجد البابا بيوس الخامس (1566-1572) بالدول الأوروبية. وأتته النجدة من دول ايطاليا،وإسبانيا،وفرنسا،والمانيا والنمسا… إلتقى الجيشان قرب جزيرة “ليبانتا” من جزر اليونان. وفي 7 تشرين الأول 1571 وصل الخبر إلى الفاتيكان بأن المراكب المسيحية تتراجع وتتشتت،لأن الريح تعاكسها،وأن المراكب التركية تتقدم بانتصار. فدب الرعب في قلوب المؤمنين ولجأوا إلى ساحة الفاتيكان. فأطل عليهم قداسة البابا وقال لهم: “لا تخافوا قوّوا إيمانكم وليأخذ كل واحد منكم مسبحة وصلوا الوردية… “. بواسطة الوردية انقلبت الريح منعكسة على مراكب الأتراك الذين أخذوا بالتراجع والإنهزام وعلى أثر هذه الأعجوبة التاريخية أضاف البابا بيوس الخامس إلى طلبة العذراء” يا معونة النصارى”،أما البابا غريغوريوس الثالث عشر فقد أضاف إليها : “يا سلطانة الوردية”. وعيّن السابع من تشرين الأول عيد الوردية ونقل فيما بعد إلى الأحد الأول من هذا الشهر. السمراني، الأب فيليب، الشهر المريمي،بيروت 1981، ص 80. صافي، الخوري مخايل، شهر أيار تأملات في طلبة العذراء، [د. ن.، د. ت. ]،ص. 75-76. محفوض، الخوري الياس، تاريخالسبحة الوردية، الرعية (1998) 10 ص 15-17.
[26] جلابير،الأب هنري،مريم العذراء في لبنان،نقله إلى العربية الأب فرانسوا نعمه اليسوعي،موسوعة المعرفة المسيحية،مريم العذراء،دار المشرق-بيروت،1990، ص 15-17.
[27] في آب لبس البطريرك ميخائيل الرزي الدرع المقدس وحلف الطاعة وذلك بحضور رؤساء الكهنة والكهنة وأعيان البلاد وجمهور غفير من الشعب. الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الطائفة المارونية…، ص 176، 177. الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الأزمنة…، ص 295. شيخو، الأب لويس، الطائفة المارونية والرهبانية اليسوعية…، ص 56.
[28] كان من عائلة رومانية شريفة الأصل، “آل أنيقة “، أعطت الكنيسة سابقاً اثنين من الباباوات : فيلكس الثالث وأغابيتس. عينه البابا بيلاجيوس الثاني قاصداً رسولياً في القسطنطنية. إنتخب بابا في عام 590 وتم تكريسه في 3 أيلول من العام نفسه. قام غريغوريوس بإصلاحات منها إصلاح مدرسة المنشدين في روما ورتبة القداس، وعليه فإن الغناء الغريغوري يحمل اسمه. وكتب شروحاً على الكتب المقدسة، وألّف حوارات، وصنف مواعظ. توفي في عام 604. داثيو، خوان، معجم الباباوات…
[29] دعاء يوناني معناه “رحماك يا رب”، نجده في معظم الليتورجيّات. كان في البدء جوابًا لنداء أو طلب يطلقه مترئس الصلاة، كاهنًا كان أم شماسًا أم مرتلاً.
[30] طلبة العذراء، المنارة 8 (1937)، ص 394-395.
عساف، المطران ميخائيل، كتاب السنسكار، ج 1، المطبعة البولسية، جونيه، لبنان، 1984، ص 100-101.
فهد، الأباتي بطرس، لمحات مارونية تاريخية هامة، 1999، ص 28.
[31] بشارة، يوسف، وفغالي، بولس، مريم العذراء، لبنان، 1979، ص 172.
رحمه، الأب جورج، عبيد، انطوان، العذراء مريم من الناصرة إلى بشوات، منشورات اليوبيل المئوي الأول للمعهد الأنطوني (1906-2006) لبنان، 2005، ص 69.
[32] نتيجة لانتصار الأسطول المسيحي على الأسطول التركي سنة 1571 في معركة ليبانثيا أضاف البابا بيوس الخامس (1566-1572) الى طلبة العذراء يا معنونة النصارى.
[33] أدخلها البابا بنديكتوس الخامس عشر (1914-1922) عام 1917 الى طلبة العذراء.
[34] لقب أطلقه نسطور على مريم العذراء، وكان يعدها أم الإنسان الذي سكن الله فيه، أي المسيح. لكن مجمع أفسس نبذ هذا المعنى الحصري وأعلن في عام 431 أن مريم العذراء هي والدة الله.
السمراني، الأب فيليب، التذكار المئوي الخامس عشر لمجمع أفسس المسكوني (431-1931) المنارة 2 (1931)، ص 321-331.
الخوري، الأب بولس، مريم أم الله، المنارة 2 (1931)، ص 850-858، 944-946.
سعادة، الأب أغناطيوس، مجمعا القسطنطنية الأول وأفسس، المنارة (1982) 1، ص 17-27.
الإيمان الكاثوليكي، نصوص تعلمية صادرة عن السلطة الكنسية، نقلها الى العربية الأب صبحي حموي، دار المشرق، بيروت 1999، ص 173-179.
[35] وافق قداسة البابا لاون العاشر (1513-1521) في رسالته التي تعود الى 17 آذار 1521، على إطلاق لقب سيدة النعم على العذراء مريم. وكان المؤمنون قد بدأوا يسمونها هكذا منذ سنة 1519.
[36] من الألقاب التي تدعى بها سيدتنا مريم العذراء، لأن هذه النجمة تشير الى بزوغ الفجر فيستنير ويهتدي بها المسافرون في البحار والسائرون في القفار اذ يستبشرون بقدوم النهار وزوال الليل ويستهدون بها في الصحاري فلا يضلون. ونحن المسافرون في بحر وصحاري هذا العالم المظلم والمظلل يمكننا بواسطة مريم نجمة الصبح ان نستهدي الى ميناء الحياة الخالدة.
[37] آدم وحواء كرّما العذراء بشخص تلك المرأة التي تسحق رأس الحية، ونوح كرّمها بقوس السحاب الذي كان علامة الصلح بين اللهوالبشر، وإبراهيم كرّمها بتلك الشجرة التي قدمت الحمل فداء عن ابنه اسحق، ويعقوب كرمها بذلك السلم الذي كان واصلا الأرض والسماء وملائكة الله صاعدة منحدرة عليه والله الآب جالس فوقه. موسى كرمها بتلك العليقة التي كانت النار ملتهبة فيها ولم تحترق. وهارون كرّمها بالعصا التي أورقت وأزهرت وأثمرت لوزاً. وداود كرّمها بتابوت العهد الذي كان حاوياً المنَّ النازل من السماء. وسليمان كرّمها بالهيكل الذي شاده. وايليا بالسحابة التي أمطرت بعد الجدب. واليشاع بقارورة الزيت. وحزقيال ذلك العرش الذي رأى رب الجنود جالسا فوقه. ودانيال بذلك الجبل الذي قطع منه الحجر وسحق الصنم. واشعيا بالعذراء التي تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل. والشعب العبراني باشير ويهوديت.
الكتاب المقدس العهد القديم، دار المشرق، بيروت، 1989.
[38] يرد اسم لبنان في الكتاب المقدس 70 مرة والأرز 75 مرة نظرا لما يرمز الى القوة والقدرة والكرم ويسمى ايضا “شجر الله” وكان خشب الأرز مرغوبا جدا نظرا الى لونه وصلابته. استعمله داود في بناء قصره وسليمان في بناء الهيكل.
اما زيادة “أرزة لبنان” إلى طلبة العذراء فيرجح ان يكون أحد تلامذة مدرسة روما قد وضع هذه الطلبة في بعض كتب الصلوات التي طبعت هناك في مطبعة نشر الإيمان.
حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي…، ص 29. حرب، تريز، حياة العذراء مريم أم النور، لبنان، 2000، ص 238. أبي خليل، شحاده، الوردية انجيل يسوع المسيح مختصراً بحسب مريم العذراء، 1993، ص 44. فغالي، الخوري بولس، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، المكتبة البولسية، لبنان، 2003، ص 1097.
[39] منعم، الأب فرنسيس، تاريخ لمعبد سيدة لبنان، لبنان، 1982، ص 123-130.
صافي، الخوري مخايل، شهر أيار تأملات…، ص 47 – 49.
[40] لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع راجع الأب فيليب السمراني، مريم العذراء، ص 157، وصلاة الساعة التاسعة من يوم الأربعاء، في كتاب الفرض، المطبعة الكاثوليكية، 1981، ص 285.
البطريرك نصرالله صفير، في الطوباوية مريم العذراء، رسالة في مناسبة السنة المريمية، 1987، ص 18 بطرس الجميل، مريم العذراء…، ص 124. خشان، الأب ادمون، زياح “أم الله “وزياح “قلب يسوع “، في كتاب الزياحات والرتب الطقسية (سلسلة محاضرات)، منشورات معهد الليتورجيا في جامعة الروح القدس الكسليك – لبنان، 1996، ص 163.
[41] خشان، الأب ادمون، زياح “أم الله ” وزياح “قلب يسوع “…، ص177-180.
[42] مرَّ التعريف به سابقاً.
[43] مبارك، الأب نعمة الله، كاهن الرعية، المنارة 2 (1931)، ص 687.
عساف، المطران ميخائيل، السنكسار…، ص 100.
[44] اسمه جاك دُوز، ابن اسكافي من كاهور. كان امين سرّ سلفه. انتخب بابا في عام 1316. كان متواضعاً وعاش في الفقر. نظم تنظيماً تاماً دولته وشؤونها المالية توفي عام 1316. داثيو، خوان، معجم الباباوات…، ص147 – 150.
[45] ولد في 2 شباط سنة 1649 في غرافينا، دخل سلك الرهبانية الدومينيكانية ودعي باسم فانشنزو ماريا. انتخب بابا في 29 أيار سنة 1724 ودُعيَ اسمه بنديكتوس. وتوفي في 21 شباط 1730 ودفن في كنيسة القديسة مريم دي لا ميزفا. داثيو، خوان، معجم الباباوات…، ص 276.
[46] دي ليكوري، ألفونس، كتاب أمجاد مريم البتول والدة الإله الكلية القداسة، روما، مطبعة انتشار الإيمان، 1827، ص 322.
[47] كتاب المتعبد لمريم العذراء، لأحد الأخوة المريميين اللبنانيين، مطبعة المرسلين، جونية، [د.ت.]، ص 211-212.
[48] ولد في 21 أيار 1675 في بولونيا، انتخب بابا في 17 آب 1740. صرف اهتمامه الى تعزيز الكنائس الشرقية، وعمل في سبيل اتحاد المسيحيين. توفي في 3 أيار 1758 بعد آلام مريرة، ودفن في كنيسة القديس بطرس. داثيو، خوان، معجم الباباوات، ص 280– 283.
[49] دي ليكوري الفونس، كتاب أمجاد مريم…، ص 322.
[50] غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في مناسبة السنة المريمية (1987) تحت عنوان: في الطوباوية مريم العذراء، ص 20.
[51] نادر، الأب يوسف، سنابل العبادة المريمية، المنارة 15 (1934)، ص 414-415.
عساف، المطران مخائيل، السنكسار، ج1، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، 1984، ص 49-50. ضاهر، الأب بولس، السنكسار بحسب طقس الكنيسة الإنطاكية المارونية، الكسليك – لبنان، 1996، ص 345-346.
[52] ا لجميّل، بطرس، مريم العذراء في الكنيسة المارونية، منشورات أبرشية قبرص المارونية، 1988، ص 71.
[53] ضاهر، الأب بولس، السنكسار…، ص 320.
[54] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[55] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[56] ولد بنوا اوديسكالي في 19 أيار سنة 1611 في كوم، إرتقى سدة البابوية في 21 أيلول 1676 وأتخذ اسم انيوشنسيوس الحادي عشر ونجح في إرساء قواعد التحالف بين ملك بولندا يوحنا سوبيسكي والامبراطور ليوبولد الأول. وما إن كان تاريخ 12 أيلول سنة 1683 حتى كانت الجيوش المتحدة تحت قيادة سوبيسكي والدوق شارل دوق اللورين تسحق الأتراك عند أسوار فيينا وتذكاراً لهذا الحدث التاريخي أنشأ قداسة البابا عيد “مريم الأقدس” للكنيسة جمعاء. توفيَ في 12 آب 1689 ودفن في كنيسة ما بطرس.
أبي خليل، شحاده، تاريخ الباباوات، منشورات صوت المحبة، صربا – كسروان، 1988، ص206-209.
[57] ولد في 22 تموز 1649 في أوربان عيِّنَ كردينالاً سنة 1690، إنتخب بابا في 23 تشرين الأول عام 1700، توفي في 19 آذار 1721 ودفن في كنيسة القديس بطرس، المرجع السابق، ص212-216.
[58] يوسف اسطفان من بلدة غوسطا تلميذ المدرسة المارونية في روما. انتخب بطريركاً في دير مار شليطا مقبس وأرسل إليه البابا أكليمنضوس الثالث عشر (1758-1769) درع التثبيت في 6 نيسان سنة 1767. في أيامه، وقع خلاف بينه وبين الكرسي الرسولي بسبب الراهبة هندية، فَنَحَّته روما عن إدارة الكرسي البطريركي وعيّنت مكانه نائباً بطريركياً، المطران مخايل الخازن، لإدارة شؤون الطائفة الروحية والزمنية، وبعد أن ثبتت براءته، أعيد الى كرسيه بعد أن قضى فترة غير وجيزة منفياً في جبل الكرمل في فلسطين. رقد بالرب في 22 نيسان سنة 1793، في دير مار يوسف الحصن غوسطا الذي جعله مقرّاً له ودُفن في كنيسته. السمراني، الأب فيليب، الشهر المريمي، بيروت-لبنان، 1981، ص 80.
الجميّل، بطرس، مريم في الكنيسة المارونية…، ص 73.
سعاده، الأب اغناطيوس، على دروب التاريخ رجال وأعمال، منشورات الرسل، جونيه، 2000، ص 245.
[59] ضاهر، الأب بولس، السنكسار…، ص 319–320.
[60] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[61] راهب دومينيكاني ولد في إيطاليا وعلَّم في جامعة باريس. من معلمي الكنيسة وحججها في اللاهوت والفلسفة المدرسية. إطّلع على آراء ابن سينا والغزالي وابن رشد عن طريق الترجمات اللاتينة وانتقدها. من مؤلفاته العديدة “الخلاصة اللاهوتية” و “خلاصة الردّ على الأمم”.
حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي، دار المشرق، بيروت، 1998، ص 159.
[62] راهب فرنسيسكاني إيطالي، فيلسوف ولاهوتيّ. لقب بالمعلم الساروفيميّ. مثَّل النزعة الأوغسطينية في الفلسفة المدرسية. كان لتآليفه الروحية وقع بعيد في التصوّف المسيحيّ. من ملافنة الكنيسة الغربية. المرجع السابق، ص 122.
[63] ولد ديلد روفر سنة 1414 وفي عام 1467 أصبح كردينالاً لكنيسة سان بيار إس ليان وانتخب بابا في سنة 1471 متخذًا اسم سكستوس، أعلن عيد الحبل بلا دنس عام 1476، توفيّ في 12 آب 1484، أبي خليل شحاده، تاريخ الباباوات…
[64] ولِدَ جان ماري في 13 أيار 1792، سيم كاهناً سنة 1818، ورئيس كهنة سنة 1825، عيّن كردينالاً عام 1840، انتخب بابا سنة 1846، في عهده تمت الوحدة الايطالية وفقد الكرسيّ الرسولي ممتلكاته وانعزل في الفاتيكان وكذلك خلفاؤه من بعده. أعلن عقيدتيّ الحبل بلا دنس 1854 والعصمة البابوية في 1870، عقد المجمع الفاتيكاني الأول (1869-1870) توفيَّ سنة1878. أبي خليل، شحاده، تاريخ الباباوات…، ص 237-241، حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي…، ص 128-129.
[65] السمراني، الأب فيليب، مريم العذراء، تأملات في حياتها وفضائلها توافق الشهر المريمي، بيروت-لبنان، 1958، ص 29.
الجميّل، بطرس، مريم العذراء…، ص 139.
حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي…، ص 185.
حموي، الأب صبحي، الإيمان الكاثوليكي، دار المشرق، بيروت، 1999، ص 217-225.
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ترجمه عن اللاتينية المتروبوليت حبيب باشا، المطران يوحنا منصور، المطران سليم بسترس، والأب حنا الفاخوري، لبنان، 1999، عدد 966.
[66] شيخو، الأب لويس، عقيدة الحبل بلا دنس في الكنائس الشرقية، المشرق 7 (1904)، ص 407.
[67] فهد، الأباتي بطرس، مجموعة المجامع المارونية عبر التاريخ، 1975، ص 273–284.
ج، أ، عقيدة الحبل بلا دنس في الكنيسة المارونية، المجلة الكهنوتية (2004) 2-3، ص 191.
[68] الجميّل، بطرس، مريم العذراء…، ص 72.
[69] نادر، الأب يوسف، سنابل العبادة المريمية، المنارة 5 (1934)، ص 414-415.
عساف، المطران ميخائيل، السنكسار…، ص 3-6.
[70] أشهر آباء الكنيسة اللاتينية. ولد في تاغاستا في أفريقيا. قضى شباباً عاصفاً، ثم علَّم الخطابة في تاغاستا في قرطاجة. اعتنق المذهب المانوي مبتعداً عن الإيمان المسيحي رغم سهر والدته مونيكا، ولكنه عاد إلى المسيحيّة بتأثير من القديس أمبرسيوس في أثناء إقامته في ميلانو. عمَّده أسقف ميلانو في 387 ورُسم كاهناً في هيبون في 391 وأصبح أسقفًا على المدينة في 392. حارب مذاهب المانويّين والدوناطيّين والبيلاجيّين وأنشأ جماعة متوحّدين. ألَّف الكثير من الكتب في اللاهوت. لكنّ نظريّته في القَدَر أثارت مناظرات طويلة. مات عام 430 في مدينة هيبون. أهم مؤلفاته: “مناجاة النفس”، “مدينة الله”، “الاعترافات”، و”في الثالوث” و”الطبيعة والنعمة”.
الحلو، الخوري يوحنا، إعترافات القديس أغوسطيوس، دار المشرق، بيروت، 1996.
[71] بطريرك الكنيسة وأحد آباء الكنيسة، أسهم في حمل المجمع النيقاوي (325) على حَرم البدعة الأريوسية. أقيم مطراناً على الإسكندرية عام 328، لكن تمسّكه بتعليم المجمع النيقاويّ كان سبب نفيه خمس مرّات على يد الأساقفة المتحالفين مع الأريوسيّين. من مؤلفاته “رد على الوثنيّين” و”في تجسّد الكلمة” و”الدفاع عن الإيمان رداً على الأريوسيّين” و”رد على الأريوسيّين”، و”رسائل إلى سيرابيون في الروح القدس”. حموي، الأب صبحي، القديس أثناسوس الإسكندري، موسوعة المعرفة المسيحية، آباء الكنيسة 8، دار المشرق، بيروت، 1998.
[72] ولِدَ في إنطاكية وتلقى فيها تنشئته اللاهوتيّة. رُسم كاهناً في سنة 386، فانصرف إلى الوعظ في إنطاكية، قبل أن يصبح أسقفًا على القسطنطينية عام 398. عُزل سنة 403 على أثر الدسائس التي دسّها ثيوفيلس الإسكندريّ وتوفيّ في المنفى في 407. أولته أعماله الأدبية مكانة طليعيّة في آباء الكنيسة، بصفته كاتباً أخلاقياً ومفسِّراً. من هذه الأعمال “رسائل إلى أولمبياس”، ومقالات روحانية وأخلاقية في الكهنوت، ولا سيّما الكثير من المواعظ، وسلاسل طويلة في تفسير إنجيل متّى ويوحنا ورسائل القديس بولس. إستحقّ ببراعته الخارقة في الكلام أن يلقَّب بـ “الذهبي الفم”.
زهر، القس عبد المسيح، القدس يوحنا فم الذهب، موسوعة المعرفة المسيحية، آباء الكنيسة 5، دار المشرق، بيروت، 1993.
اغيا، الأب الياس، القديس يوحنا فم الذهب، البشرى (2003) حزيران، ص 78-83.
[73] نادر، الأب يوسف، سنابل العبادة المريمية، المنارة 5 (1934)، ص 414-415.
عساف، المطران ميخائيل، السنكسار، ج1، ص 64-68.
[74] الشحيمة، الزمن العادي، الكسليك-لبنان، 1982، صلاة مساء الأربعاء، ص 105. خشان، الأب ادمون، زياح العذراء “أم الله” وزياح “قلب يسوع”، الزياحات والرتب الطقسية (سلسلة محاضرات)، الكسليك – لبنان، 1996، ص 154– 157. بدوي، الأب عبدو، الأيقونة والصورة المقدسة في الزياحات والرتب “كتاب الزياحات والرتب”، الكسليك – لبنان، 1996، ص 111.
[75] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[76] مر التعريف به في الفصل السابق.
[77] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[78] فرماج، الأب بطرس، مروج الأخيار في تراجم الأبرار، بيروت، 1838، ص 365-368.
الجميّل، بطرس، مريم العذراء في الكنيسة المارونية…، ص 73.
[79] دوبره لاتور، الأب اغسطين، خلاصة اللاهوت المريمي، دار المشرق، بيروت، 2002، ص 89–99.
[80] في 2 آذار 1939، انتخب الكرادلة أوجين باتشيللي بابا. أصله من روما، وقد صادف انتخابه يوم عيد مولده الثالث والستين. عام 1917 عينه البابا بندكتوس الخامس عشر سفيراً بابوياً في ميونخ ثم في برلين. خلف الكردينال غاسباري في امانة سر الدولة. عرفت الكنيسة في حبرية بيوس الثاني عشر نمواً عظيماً في مجال الرسالات ليس في البلدان الإفريقية والآسيوية وحسب بل أيضاً في المجالين الخلقي والروحي. توفي في ليل التاسع من تشرين الأول 1958. داثيو، خوان، معجم الباباوات…، ص 354-359.
[81] نادر، الأب يوسف، سنابل العبادة المريميّة، المنارة 15 (1934)، ص 414-415.
السمراني، الأب فيليب، عقيدة انتقال العذراء إلى السماء، المنارة 21 (1950)، ص 438-464.
بشاره، يوسف، الفغالي، بولس، العذراء مريم…، ص 122.
عساف، المطران ميخائيل، السنكسار، ج2…، ص 32-34.
الجميّل، بطرس، مريم العذراء في الكنيسة المارونية…، ص 70-71.
أبي خليل، شحاده، تاريخ الباباوات…، ص 251-253.
مريم العذراء في الليتورجيا، سلسلة محاضرات، منشورات معهد الليتورجيا في جامعة الروح القدس، الكسليك-لبنان، 1994، ص 136.
حموي، الأب صبحي، معجم الإيمان المسيحي…، ص 67؛ 237؛ 518.
حموي، الأب صبحي، الإيمان الكاثوليكي…، ص 226-231.
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عرّبه عن الطبعة اللاتينية المتروبوليت حبيب باشا، المطران يوحنا منصور، المطران كيرلس سليم بسترس، والأب حنا الفاخوري، جونيه-لبنان، 1999، عدد 966.
سليمان، الخوري الياس، انتقال العذراء بين الصعود والعبور، مجلّة الرعيّة (2003) آب-أيلول، ص 36-38.
فارس، الخوري جورج، عيد انتقال أمنا مريم العذراء، مجلّة الرعيّة (2003) آب-أيلول، ص 40-41.
[82] صدقه، جان، سيدتنا مريم العذراء عليها السلام رموز وألقاب، سلسلة قديسون وانبياء -2-، دار ايفا للنشر، بيروت، 2005، ص 121– 122.
[83] رسالة غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى أبنائه الموارنة في مناسبة السنة المريمية (1987) تحت عنوان “في الطوباوية مريم العذراء”، ص21.
الجميّل، بطرس، مريم العذراء…، ص 71.
[84] إيليا من أنبياء العهد القديم، لم يترك أي أثر خطّي، لكنه اشتهر بشجاعته في الدفاع عن التوحيد في وجه آحاب وإيزابل. أهمّ ما يُروى عنه ورد في (1 مل 17-21 و2 مل 1-2). كيف أنّه رُفع إلى السماء في مركبة نارية وأنّه سيعود قبل يوم الرب (ملا 3/23) وورد اسمه إلى جانب موسى في إنجيل التجلّي (مر 9/4).
[85] الأخ لقلب مريم، سلسلة السلام الملائكي في كتاب، لبنان، 2003، ص 4.
[86] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[87] جيوزيني سَرتو ولد في رييزي من اقليم تريفير في 2 حزيران 1835. كان ابوه ساعي بريد وأمه تعمل قيمة بياضات. عينه لاون الثالث عشر أسقفاً على مانتوا في 1884، ثم كاردينالاً في 1893. وبطريركاً على البندقية. في 29 ايار 1954 اعلن البابا بيوس الثاني عشر البابا سرتو، رسول الأزمنة الحديثة المتواضع العبقري. داثيو، خوان، معجم الباباوات…، ص 339– 343.
[88] لمزيد من المعلومات حول ثوب الكرمل راجع : مريم العذراء تأملات في حياتها وفضائلها يوافق الشهر المريمي، للأب فيليب السمراني، بيروت، 1958، ص 136-138. ويوسف بشاره وبولس الفغالي، العذراء مريم، لبنان 1979، ص 126-127 وكتاب أمجاد مريم البتول للقديس ألفونس دي ليكوري، الجزء الثاني، لبنان، 1986، ص 338-340. وكتاب سلسلة السلام الملائكي…، ص 2-32.
[89] جرجس بن مخلوف بن عميرة الإهدني، هو تلميذ المدرسة المارونية في روما. انتخب في دير قنوبين وأرسل إليه البابا اوربانوس الثامن درع التثبيت سنة 1635، ألّف غراماطيقاً سريانيًا- لاتينيًا، عاش ومات في دير قنوبين.
[90] سليمان، الأب جان، رهبانية آباء الكرمل الحفاة، المنارة (1989) 1-2، ص 63-65.
سعاده، الأب أغناطيوس، على دروب التاريخ رجال وأعمال، منشورات الرسل-جونيه 2000، ص 253.
[91] مرَّ التعريف به في الفصل السابق.
[92] مرَّ التعريف به.
[93] صدقه، جان، سيدتنا مريم العذراء عليها السلام رموز وألقاب، سلسلة قديسون وانبياء، دار اديفا للنشر، بيروت 2005، ص 132.
[94] وُلد في مدينة فلورنسا في 26 تموز 1515، دخل “جمعية المحبّة” تميّز بتواضعه، ومحبّته للشبّان والأولاد، وغيرته على المرضى والفقراء. رقد بالرب في 25 أيار 1595. في سنة 1622 وضعه البابا غريغوريوس الخامس عشر في مصافّ القدّيسين. ولمزيد من المعلومات حول هذا القدّيس راجع فرماج، الأب بطرس، مروج الأخيار في تراجم الأبرار، ص 295-296. السمعاني، المونسنيور بولس، القدّيس فيليبوس نيري، جزءان، القدس، 1928. عسّاف، المطران ميخائيل، كتاب السنكسار…، الجزء الثاني، ص 91-99.
[95] ابو ناضر، مريم، مريم في لبنان، مجلّة الرعيّة (1991) أيار، ص 51.
كتاب المتعبد لمريم العذراء، لأحد الأخوة المريميين اللبنانيين، مطبعة المرسلين اللبنانيين، جونيه، [د.ت.]، ص 8-10.
[96] السمراني، الأب فيليب، مريم العذراء…، ص 5-9، الجميّل، بطرس، مريم العذراء في الكنيسة المارونية…، ص 74. بلابير، الأب هنري، مريم العذراء في لبنان إكرامها ومزاراتها، نقله إلى العربية الأب فرنسوا نعمه اليسوعي، دار المشرق-بيروت، 1990، ص 17.
[97] صدقه، جان، سيدتنا مريم العذراء…، ص 132-133.