كونه متطوّرًا، وكونه في صيرورة وتقدّم، يتحلى عالمنا المعاصر بصفات غنيّة أكسبته المعرفة والعلم، التوسّع والغنى. بالرغم من عتدّد خيوره يبقى هالمنا اليوم في حيرة، لا بل نراه يفتقد إلى الحقّ وهو يصبو إلى السلام، تنقصه السكينة وهو يسعى إلى الاستقرار. يتخبّط بكثرة المظالم، يعاني من زيادة المفاسد والنقص في القيّم الإنسانية والروحيّة، إلى حدّ الضياع. عالمنا ضائع بين كثافة الخيور، وكثرة المعلومات، سرعة العمل، وتمادي المشاكل والافتقار إلى لاقيم؛ فهو يطلب “شهودًا”، يجسّدون الحقّ ويحقّقون الحياة ليعود إلى قابلية الحياة، بدل السقوط في الشرود عنها. عالمنا يطلب “شهودًا” ينقلون له عدوى السلام والاستقرار والسكينة، لأنهم “فقراء الروح، أنقياء القلوب، وجدعاء، رحماء، فاعلو سلام” (راجع متى 5/ 1 -11). إنهم أخصاء الله، أحباؤه الذين “اختارهم وأقامهم ليثمروا وتدوم ثمارهم” (يوحنا 15/16).
لقد دعا يسوع اثني عشر تلميذًا “سماهم رُسُلاً”، عايشهم وشهد أمامهم لأبوّة الآب، ومن ثم أرسلهم “ليكونوا شهودًا” حتى أقاصي الأرض. لم يشهد أحد منهم “حدث القيامة”، لكنّهم رأوا “القائم من الموت” فشهدوا “أنّه حيّ”، وعلى شهادتهم قامت الكنيسة، فاختبر المسيحيّون إيمانهم الأول ونشأوا على شهادتهم “فكانوا يواظبون على تعليم الرُسُل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات…يجعلون كلّ شيء مشتركًا بينهم…يكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بابتهاج وسلامة قلب، يسبّحون الله وينالون حظوة عند الشعب كلّه” (أع2/42 -–47).
هؤلاء الشهود أحيوا الكنيسة، فشهدوا أنّ الله حيّ بالاصغاء للكلمة والتعليم. بالصلاة المشتركة، بشركة كسر الخبز، والإلفة الأخوية، حتى صاروا معروفين “بالذين يحبّون بعضهم بعضًا” كما أوصاهم الربّ، وعندها عرف الجميع “أنهم تلاميذه” وسمّوهم “مسيحيّين”.
مطلوب شهود على قياس التلاميذ لكي يعرف العالم أنّ يسوع حيّ، وبالتالي يحيا منه ومعه فيتتلمذ له.
لمناسبة سنة “الشهادة والاستشهاد”، يسرّ إدارة مجلة المنارة أ، تقدّم لقرائها عددها الجديد تحت عنوان “تكنون شهودًا” وفيه مواضيع متنوّعة تبيّن الشهادة في غنى ألوانها: الشهادة بالعمل، بالفن، بالخدمة وبكلّ ما أوتي المرء من قدرة على التعبير والتفكير. وسوف يتخصّص العددان التاليان بموضوع الشهادة مباشرة بكلّ جوانبها ومفاهيمها. فتتمنّى إدارة المجلة أن تكون سنة الشهادة حافزًا لمواصلة الجهاد الروحي اقتداء بشهدائنا وقدّيسينا الذين فضّلوا الأمانة للربّ على حياتهم، فأحبّوا مثله حتى بذل الذات في سبيل من يحبّون.
هيئة التحرير