بقلم هيام جورج ملاّط[1]
يعتبر البطريرك بولس مسعد (1806- 1890) من كبار المؤرخين اللبنانيين بحيث أنه أسهم مع البطريرك الدويهي (1630 – 1704) والبطريرك يوسف اسطفان (1729 – 1793) في النهضة الثقافية والعلمية في الطائفة المارونية، وهو أول بطريرك قام بإصدار المؤلفات وهو مرتقي على السدة البطريركية – مع الإشارة الى أن البطاركة العلماء أسلافه وضعوا مؤلفاتهم دون أن يتمكنوا من نشرها خلال حياتهم وهو ما عانا منه البطريرك الدويهي والبطريرك يوسف اسطفان حيث لا تزال بعض مؤلفاتهم مخطوطة حتى أيامنا هذه.
وإذا رغبنا بإلقاء الضوء على مؤلفات البطريرك مسعد فلأنها تتسّم بمرجعية و بمصداقية خاصة وهو الذي تطرق بطريقة علمية نسبة لأيامه ولما كان يتميز به من دقة حيث لم يتقدم بزعم دون التأكد منه وإثباته ببينات لا ريب فيها وذلك وفقاً للمنهجية العلمية المعتمدة في أيامه والتي اكتسبها خلال سنوات دراسته في روما وفي حياته العامة.
أما مؤلفات البطريرك مسعد فهي التالية – وقد يتبين من تاريخ نشرها بأنه صدر قسماً منها بعد وفاته ضمن مجلدات أو مجلات:
أولاً– “دحض رسالة فتح الله مرّاش الذي بها ينكر انبثاق روح القدس من الأبن” 57 صفحة –طبع في مطبعة انتشار الايمان المقدس في روما عام 1854.
ثانياً– الدرّ المنظوم وملحق الدّر المنظوم – طبع في دير طاميش عام 1863.
ثالثاً– لمحة في تاريخ الأسرة الخازنية – نشرها الأب بولس مسعد في المجلد الثالث من مجلة “الأصول التاريخية” عام 1958 (صفحة 300 الى 308) وكان قد نشرها قبله الأب بولس قرالي في كتاب “عود النصارى الى جرود كسروان” المطبوع عام 1927 (صفحة 38 الى 47).
رابعاً– بحث تاريخي قانوني اثباتاً لكون النسخة العربية للمجمع اللبناني المنعقد سنة 1736 هي الأصلية الصحيحة التي يجب الاعتماد عليها – طبع هذا البحث للمرة الأولى في مؤلف الأب بولس عبود “بصائر الزمان في تاريخ العلاّمة البطريرك يوسف اسطفان” الجزء الأول – بيروت 1911 من الصفحة 134 لغاية الصفحة 151 منه، كما ان الأب انطونيوس شبلي قد نشر تتمة هذا البحث في “المجلة البطريركية” للأب بولس قرالي في سنتها الخامسة (1930) في العددين الخامس من الصفحة 311 الى 318 والسابع من الصفحة 446 الى 451.
خامساً– رسالة في الملكية والمارونية – صدرت في كتاب “المحاماة عن الموارنة وقديسيهم ” للقس إفرام الديراني المطبوع عام 1899 ضمن الصفحات 493 لغاية 513.
سادساً– جلاء المصريين عن لبنان وسورية – صدرت هذه المذكرات التاريخية للمرة الاولى بهمّه الاب بولس قرالي الذي عثر عليها في بكركي ونشرها في “المجلة البطريركية” في سنتها الخامسة (1930) ضمن الاعداد التالية: الاول من الصفحة 3 الى 15، الثاني من الصفحة 74 الى 90، الثالث من الصفحة 145 الى 155، الرابع من الصفحة 236 الى 244.
سابعاً– التحفة الغراء في دوام اثبات بتولية العذراء – طبعت في بيروت في المطبعة العمومية عام 1869.
ثامناً– سلسلة بطاركة الموارنة – صدرت في مقال للمطران ناصر الجميّل في مجلة “المنارة” (المجلد 26 – 1985 ص. 55 – 70)
تاسعاً- قرونيقون الجيل الثامن عشر الذي نشر في مجلة “المنارة” للمرسلين اللبنانيين ابتداء من أيلول 1981.
عاشراً– واخيراً لا بد من التساؤل هل قام البطريرك مسعد بتأليف كتاب يتعلق بالانساب في لبنان.
أولاً – كتاب دحض رسالة فتح الله مراّش الذي بها ينكر انبثاق روح القدس من الابن – روما – 1854.
في عام 1854 أي خلال السنة التي انتخب فيها المطران مسعد بطريركاً على الطائفة المارونية صدر له في مطبعة انتشار الإيمان المقدس في روما كتاب يحمل العنوان التالي: “دحض رسالة فتح الله مّراش الذي به ينكر إنبثاق الروح القدس من الابن تأليف السيد بولس بطرس البطريرك الانطاكي على الطايفة المارونية حينما كان مطران طرطوس ووكيلاً بطريركياً”.
يستدل من الصفحة الأولى من المؤلف بأن البطريرك مسعد وضع هذا الكتاب عندما كان مطرانا رداً على رسالة “الخواجا فتح الله مّراش الملكي الحلبي المدونة في اوائل آذار سنة 1849” ويقتضي بالتالي تعريف صاحب الرسالة هذه التي استوجبت قيام البطريرك مسعد بتفنيدها والرد عليها.
من هو فتح الله مّراش؟
يقول المطران يوسف الدبس[2] “أما فتح الله مّراش فكان احد اعيان طائفة الروم الملكيين في حلب وله المام ببعض العلوم وقد كتب مقالة في أنبثاق الروح القدس من الأبن وحده على مذهب الروم غير المتحدين فرد هذه المقالة الطيّب الذكر البطريرك بولس مسعد اذ كان نائباً “بطريركياً” رداً مفحماً قي كتاب افرده لذلك ولما طالع فتح الله هذا الكتاب حصحصى له الحق وأبكمته الأدلة السديدة التي اشتمل الكتاب عليها فأذعن للعقيدة الكاثوليكية بأن الروح القدس ينبثق من الأب والابن وصار كاثوليكياً”.
أما الأب لويس شيخو فقد أورد هذه القضية في مؤلفه “الأداب العربية في القرن التاسع عشر – الجزء الثاني عندما قال ان “بنو المّراش عرفوا في حلب منذ القرن الثامن عشر ومنهم كان بطرس المراش الذي قتل في سبيل دينه سنة 1818 في حلب… وعرف بعد قليل فتح الله المراّش وكان له المام بالعلوم اللغوية والادبيات وابقى آثارا مخطوطة ثم اراد ان يخوض ميداناً لم يكن من فرسانه فعثر جواده وكبا زنده. وذلك انه ألف سنة 1849 كتاباً في انبثاق الروح القدس فزعم انه من الأب وحده على خلاف معتقد الأباء والكنيسة الرومانية فدحض اقواله الطيب الذكر السيد البطريرك مسعد باثبات الحجج في كتاب طبع في رومية عام 1856 [3] فلما اطلع عليه فتح الله المّراش ارعوى عن غيّه واذعن للحق الواضح[4].
من الواضح اذا بأن فتح الله مراّش كان يشغل نسباً وثقافة وعلما مركزا مرموقاً في طائفته مما حمل بدون شك البطريرك مسعد على دراسة مؤلفه والرد عليه لما يجوز ان يكون قد انطوى لهذا الكتاب من تأثير سلبي على مجتمعه ومحيطه – الأمر الذي فرض ان يقوم أحد اللاهوتيين بتفنيد ورد التهم الواردة في المؤلف.
وقد استهل البطريرك مسعد ردّه على فتح الله مراّش بعبارات تثبت ترفعه وكل ما يتصف به من خلقية في مجال الجدل حيث قال “أما بعد فيقول الحقير في رؤساء الكهنة بولس مسعد مطران طرطوس والوكيل البطريرك الماروني، أنه وان لم تكن لنا معرفة لا عياناً ولا سماعاً بالخواجه فتح الله مّراش الملكي الحلبي صاحب الرسالة المذكورة لنستدل من ذلك على أطباعه وتقلباتها إلا ان مجرد العبارات المودعة منه في رسالته هذه متبيناً عما هو منطو عليه روحه إذ كانت كتابة المرء دليل عقله ولا غرو ان الإناء ينضح بما فيه … ومن ثمة قد كان الخليق بنا ان ننبه القارىء على ما يقذفه من فيه من كان منطبعاً على الأهواء والأغواء الذاتية نظير الخواجة المذكور قبل ان نأخذ بالرد عليه. ولكن من كونه هو عينه قد استدرك الشرح بقوله انه لا ينبغي النظر إلى من قال بل إلى ما قال فرأينا من باب اللياقة التي تقتضيها غالباً واجبات الإنسانية ان نضرب صفحاً عن إيضاح ما ينتج عن رسالته هذه من روح الاعتداد بالذات الذي به يقصد هو أن يرفع نفسه فوق طغمات جهابذة البيعة المقدسة وأعمدتها من آباء قديسين وعلماء لاهوتيين شهيرين كأنه بعد أجيال عديدة قد اتصل إلى معرفة شيء لم يتصل أحد منهم إلى معرفته منذ الأزمنة الأولى للكنيسة حتى الآن ولا سيما بما ان القارىء الرسالة المذكورة إذا كان موسوماً ولو بنذر من الخبرة فيمكنه ان ينتج منها ما أشرنا إليه وذلك حالما يلحظ ان الخواجه مّراش المرقوم إذ كان لغايات لا يعنينا ذكرها مرق عن إطاعة الكنيسة الرومانية المقدسة التي هي أم الكنائس ومعلمتهن قليلاً يلام قلما يكون من بني جنسه ومن أصدقائه كما يقول… فلننظر إذاً إلى مقول الخواجه مّراش المذكور بعين خالية من الغرض كما يبغي لا كما فعل ونشرع في الرد عليه بوجه الإيجاز الممكن إطاعة لمن إطاعته علينا واجبة واتماماً لالزامات ديانتنا الكاثوليكية المقدسة وان كنا نظن بأن غيرنا ممن هم أقرب التزاماً لردعه قد تمموا واجبات وظيفتهم الرعائية نحوه الأمر الذي إذ كان لحد الآن لم يتصل إلينا فمن ثمة نظراً إلى القضية الأولى من قضاياه الثلاث المرموقة.”
وبعد هذه المقدمة، قام المؤلف في ثلاثة فصول بدحض ما ورد في رسالة فتح الله مّراش في موضوع الجدال مستنداً إلى مراجع لاهوتية وتاريخية ودينية دقيقة – وقد انتهى في الخاتمة إلى القول:
“فهذا ما حملتنا اليه الهمة القاصرة ايها القارىء اللبيب لهذا الرد الوجيز على قضايا الخواجه مّراش الثلث المبينة عليها رسالته المذكورة التي لا بد ما يستبني منه ذلك انها تقوضت من اساساتها بالادلة الموردة منا فيه اذا طالعته بروح خالٍ من الغرض. ومن ثمة اذا كانت هذه القضايا الثلاث هي بالحقيقة اخص الأسباب التي صيّرت الخواجا المذكور ان يخرج من حظيرة الكنيسة الرومانية المقدسة كما يوهم فيمكنك ان تستنتج منها باقي ما هو غير اخص من الاسباب الباطلة التي يدعيها في فواتح واواخر رسالته عن هذه الحقيقة وعن باقي الحقائق المنكرة الآن من الكنيسة اليونانية المشاقة وان نناشده كما يوهم نحن نناشده من صميم القلب ليترك هذا الضلال ويقطع حبايل الشكوك التي زرعها في قلوب السذّج لينجو من الويل المعطى من فادينا له المجد لزارعي الشكوك يلاقي أمر واجبات خلاص نفسه الذي من المستحيل ان يجد إليه سبيلاً خارجاً عن هذه الكنيسة الكاثوليكية الرومانية المقدسة التي رأسها المنظور هو الحبر الروماني الأعظم نايب السيد المسيح وخليفة القديس بطرس والتي هي السفينة الأمينة المنجية من الغرق في بحر هذا العالم ولو مهما هاجت عليها عواصف ارياح الانشقاقات ولاطمتها أمواج الارتقات لان الذي وعدها في ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها هو فادينا نفسه الامين والصادق بوعد الذي نتوسل اليه جلَ ثناءه بان يهدي الخواجه مّراش ومن يقول بقوله الى الصواب يفيض مراحمه لأنه تعالى أرحم الراحمين. أمين”.
ثانياً – الدّر المنظوم وملحق الدّر المنظوم – طبع عام 1863 في دير طاميش
في عام 1863 قرر البطريرك مسعد وهو في السدة البطريرك أصدار مؤلفه الذي كان سبق ووضعه قبل انتخابه بطريركاً على الطائفة المارونية عام 1854 – وكان قد اشار اليه في مؤلفه الأول”الرد على فتح الله مّراش”.
أما عن ملابسات إصدار هذا الكتاب، يقول المطران يوسف الدبس الذي أشرف على طباعته ما يلي[5]:
“وأما مؤلفاته فمنها كتابه الموسوم بالدر المنظوم رداً على المسائل والأجوبة المعزوة إلى البطريرك مكسيموس مظلوم مع الملحق به وقد طبع هذا الكتاب بدير طاميش سنة 1863 بعد ان عهد إليّ بتنقيح بعض عباراته وكنت أحب أن أفصل فيه الفوائد التي لا تتعلق بموضوع الجدال في حواش أعلقها على ذيل الكتاب فلم يسمح لي بذلك خشية ان لا يحسن الطابعون تعليق تلك الحواش”. وبالنتيجة، صدر عام 1863 المؤلف تحت العنوان العام التالي:
“كتاب الدر المنظوم رداً على الأسئلة والأجوبة الممضاة باسم السيد البطريرك مكسيموس مظلوم تأليف السيد بولس بطرس مسعد البطريرك الانطاكي إذ كان مطراناً على مدينة طرطوس ونائباً بطريركياً – وقد ترتب وتصحح منه على النسق المشروح في هذه النسخة المعوّل عليها دون باقي النسخ، وقد طبع تسهيلا لاقتنايه في مطبعة الرهبان اللبنانيين في دير سيدة طاميش الكاين في معاملة كسروان من جبل لبنان سنة 1863”.
أما عدد النسخ المطبوعة من هذا الكتاب، فلم يتجاوز المائة نسخة، وذلك تبعاً لما تمكّنا من جمعه من معلومات في هذا المجال.
وفي مطلق الأحوال، يشكل كتاب الدّر المنظوم أول أثر تاريخي وديني مفصّل وموثق بالمستندات التاريخية الصادر باللغة العربية عن الطائفة المارونية – بحيث ان مؤلفات الدويهي لم يباشر بطبعها الا ابتداء من عام 1890، كما ان قسماً وفيراً من مؤلفات البطريرك اسطفان لا يزال مخطوطاً. فيكون بالتالي البطريرك مسعد من رواد البحث التاريخي في لبنان وأول من التزم من البطاركة طبع مؤلف من هذا النوع.
ومن أبرز مميزات هذا المؤلف ان البطريرك مسعد قد تحقق شخصياً من كل أمر قد اتى على ذكره – واذا كان هذا الأمر سهلا بالنسبة للمؤلفات الصادرة خلال القرون الماضية كمؤلفات الحاقلاني والسمعاني وأبن نمرون الباني الخ … فانه ما زال عسيراً بالنسبة لما تضمنه تاريخ الموارنة من صعوبات المنال وضرورة تقصّي المعلومات في الأديرة والمكتبات القديمة والمستندات والأوراق المحفوظة لدى العائلات والافراد، ومن نتيجة خلفية التدقيق والبحث الذي قام به البطريرك مسعد ان كل ما أتى على ذكره يتصف لدى المؤرخين بالحجيّة التاريخية.
أما المؤلف بالذات الصادر عام 1863 فهو يحتوي على قسمين الأول من الصفحة 2 لغاية الصفحة 191 هو الدّر المنظوم والثاني هو نبّذة ملحقة بالدّر المنظوم من الصفحة 192 لغاية الصفحة 313 – وقد تضمن المؤلف فهرس عام من الصفحة 314 لغاية الصفحة 341 مع تصحيح بعض الأخطاء المطبعية في الصفحتين 342 و 343.
(أ) الدّر المنظوم (من الصفحة 3 لغاية الصفحة 191 من المؤلف)
يقول البطريرك مسعد في مقدمة الكتاب ما يلي[6]:
“أما بعد فيقول… بولس مسعد مطران طرطوس ونايب بطريرك انطاكية على الطايفة المارونية… اننا قد عثرنا في هذا الاثناء على كراسة منطوية على ثلثة أسئيلة واجوبة وخاتمة موجزة الأنباء. مذيلة بامضا السيد مكسيموس مظلوم بطريرك الطايفة الملكية الكاثوليكية فحواها تفضيله الطايفة اليونانية وطقسها ولغتها على كل ما سواها عند الفرق النصرانية الشرقية. معزيا نفسه وطايفته الملكية الى هذه الطايفة اليونانية.
“وقد كانت كراسته تداولتها قبل يدنا أيدي… وعظم قدرها الاميون الوفير عددهم في هذه الديار. حتى استسمن ورمها من نقلوا له عنها الأخبار. ولا بدع اذ كثر ما ساووا الزجاج بالماس وقل ما مزجوا بين الذهب والنحاس حتى كاد غمام الاوهام يسدل على زكا الحق ستارا وديجور الجهل لا يمكّن من التمييز بين ما استحق امتهانا او اعتبارا ولدى انتقادي لها… لم يجارني ضميري على الحكم بانها لمن أعزيت اليه لما كنت اسمعه من معظم الثنا عليه ولكن لما ركنت ان موقع الرد هو القول لا القايل،… شددت ضعف العزيمة بالاتكال على مقوىّ الضعفا. وشحذت فلول القريحة بمطالعة تواريخ السلفا وأخذت اكشف عن محيا الحق الذي كان غشى انواره غمام الشقشقات وأبدد ذياك الظلام بذاكي انوار البرهانات الى ان عاد الحق كالشمس في رابعة النهار وشهد كل ناظر بمحق ذلك الستار. وايم الله أني لم اتبع بذلك ميلا شين بالانحراف ولم أنحرف بخطة عن حرفي الانصاف ولم أدن من التحريف ولا بحرف قول مما وردت اليه ولم أعول الا على ما حق التعويل عليه. على أنه قد حضني على هذا الرد داع آخر هو ان علم التاريخ قد خمدت في هذه الديار ناره وعفت دياره وبعد مزاره وهيهات ان نعمت بني قطرنا بعد عينه آثاره. وكانت كبار التأليفات فيه وضعت في ديارنا على يدي عدل. ورد شمسه من مغربها الى مشرقها يحتاج ليالي كد من ذوي فضل ففكرت بأن موجز ردي يكون مخزا يوقظ الغافل عنه نعاسه ويحضه على درسه بعد اندراسه. ولذا تراني في بعض محالة أسهبت الشرح فوق ما يقتضيه المقام واوردت بعض ما قلّت علاقته بواقع الكلام فما ذلك الا رغبة في تكثير الافادات وحثّ على المطالعة والالتفات ولما انجزت روس الاقلام نظم فرايد التقطتها من معادن كتب العلما الاعلام سميته “الدّر المنظوم” ردا على الاسيلة والاجوبة الممضاة باسم السيد البطريرك مكسيموس مظلوم وقد اجتزيت بذكر خلاصة كل من أجوبته محافظأ على ما لزم من الفاظه وعلى معناه برمته فدونكه ايها الراغب تجده لفرايد الفوايد كنزا – … وليس لسوى وجهه الكريم تعبيّ.”
يستخلص من هذه المقدمة إضافة على تحديد نطاق النقاش، ما كان للبطريرك مسعد من غيرة على حث مواطنيه على الذود بالعلم والاهتمام بالتاريخ ويبرر هكذا ما في مؤلفه من شروحات وافية في مواضيع شتى تتعدى في بعض الأحيان نقاط الرد أو الجدل ولكنها تشكل برأي البطريرك مسعد جزءاً من مهمة تعليم القراء والمواطنين في عصره على زيادة معلوماتهم وتطلعاتهم.
أما المؤلف بالذات فهو كناية عن ردّ مسهب على ثلاثة أسئلة طرحها البطريرك مظلوم في مؤلفه وهي:
السؤال الأول: أية طائفة في المشرق هي الأولى بين الطوائف المسيحية الموجودة الآن وأي طقس من الطقوس الشرقية هو الأول؟
السؤال الثاني: لماذا افترقت في الشرق الطوائف الأخرى من الطقس اليوناني وفي أية أزمنة حدث ذلك؟
السؤال الثالث: كيف ومتى رجع الكثيرون من خمس الطوائف المقدم ذكرها إلى الإيمان الكاثوليكي المقدس تحت السدة البطرسية وصاروا متميزين من أراطقة طائفتهم وقايمين بذواتهم كما يشاهدون في أزمنتنا الحاضرة؟
قد اغتنم البطريرك مسعد مجال البحث والنقد والتدقيق في أجوبته هذه إلى سرد تاريخ الطوائف في الشرق والتطورات السياسية التي مرت على هذه المنطقة – وقد خصّ في جوابه على السؤال الثالث الطائفة المارونية بأول تاريخ مستندي وعلمي ينشر في تلك الأيام فيتبين بالتالي جليا من جراء هذا الأمر ان البطريرك مسعد قد توسع في بحثه مغتنماً الفرصة لوضع أولى المؤلفات العلمية التاريخية باللغة العربية وإصدارها.
(ب) نبذة ملحقة بالدّر المنظوم (من الصفحة 192 لغاية الصفحة 313)
يعود وضع النبذة الملحقة “بالدّر المنظوم” لسبب موضوعي مباشر وقد أتى على ذكره البطريرك مسعد بالذات عندما أورد في بداية النبذة الملحقة هذه ما يلي”: فأنا الفقير الى فضل ربي بولس مسعد مطران طرطوس والنائب البطريركي الماروني قد تجشمت اتمام هذا الوجوب كما اقدرني الله عليه في ردتي المسمى بالدّر المنظوم على الأسئلة والأجوبة الممضاة باسم البطريرك مكسيموس مظلوم “مراعياً مقام من تذيلت بامضائه ناسبا اياها الى قريحة مجهولة وعزيمة مغلولة مظهرا أني غير عالم … من أية كتانة أخرجت تلك النبال. وأما هو فلما بلغ الدّر المنظوم اليه. واطلع على ما انطوى عليه، رفض ما كنت أبديت نحوه من الاحترام وكانه قال لي بلسان حاله ان مراعاة المقام لا تحجب في كذا احكام. ولكي يظهر للناس اني لم اصب باعزائي ما ذكر من الأسئلة والاجوبة الى غيره نشر كريرية أخرى مؤرخة في غاية تموز سنة الف وثمانماية وست وأربعين في القسطنطينية تنطبق على خمسة عشر سؤالاً وجواباً مستراً انشأه الى ما فندته بقوله انه اضطر اليه بداعي طلب أحد المنتمين اليه فلما تصفحت معانيها واجلت الفكر في مبانيها الفيتها لا تستوجب الرد بعدما اشتمل عليه الدّر النظوم… غير انه لئلا يغشى ثانية بصاير السذج الضعيفة بال برهاناته المكشوف كذبها قبلا اذا راوا هذه الكريرية مهملة من الرد عليها فيحتسبونها داحضة مع كونها مدحوضة وخاصة لانطوايها على بعض اسئلة خارجة عن موضوع الجدال لم يكن لها في كرييرسته الاولى من مجال. فقد تحملت ايضاً الوجوب لاظهار ما فيها من الخلل والتحريف وما تستحقه من التزييف واضعا نصب عيني القارىء هذه الاسئلة وخلاصة اجوبتها مردفاً كل منها بردّى عليه متبعاً فيه ما اتبعته في ردّى الأول من مقصد وسياق متعمداً اظهار المحق والافادة لا تبيان سبق في ذا السباق وعلى الله الاتكال واليه المآل[7]“.
وبعد هذه المقدمة قام البطريرك مسعد، من خلال أجوبته على خمسة عشر سؤالا بوضع شرح مفصل للتاريخ الديني والسياسي في الشرق ابتداء من القرن الأول لغاية أيامه – وقد ضمن هذه الأجوبة استشهادات وبيانات تثبت دقته في استقصاء المعلومات والتأكد من صحتها وهذا السبق التاريخي في عصره يدل على الروح العلمية التي أضفاها البطريرك مسعد على مجمل مؤلفاته محاولاً من خلالها حث مواطنيه على الاطلاع بالعلوم التاريخية وحفظ التراث ونقله بأمانة من جيلٍ إلى جيل.
ثالثاً- “لمحة في تاريخ الاسرة الخازنية” نشرها الأب بولس مسعد في المجلد الثالث من مجلة الأصول التاريخية عام 1958 (صفحة 300 الى 308) وكان قد نشرها من قبل الأب بولس قرالي في كتاب “عود النصارى الى جرود كسروان” المطبوع عام 1927 (صفحة 38 الى 47)
في نسخة خطية من الدّر المنظوم المحفوظ في مكتبة آل مسعد في مدرسة القديسين بطرس وبولس خاصتهم في عشقوت نبذة تاريخية عن الاسرة الخازنية بقلم البطريرك بولس مسعد وهي تشغل 9 صفحات. أما الكتاب المضمون اليه فغير مرقوم الصفحات وخطه نسخي جميل ونظيف أتم نسخة الخوري بولس برهوش من ساحل علما في 7 من حزيران 1852 أي قبل ارتقاء مسعد إلى السدة البطريركية. والدّر المنظوم الذي طبع في مطبعة دير طاميش للرهبان البلديين اللبنانيين سنة 1863 لم يتضمن هذه النبذة القيمة التي تبرز بعض المعطيات الأساسية عن العائلة الخازنية ومنها لجوء الأمير فخر الدين وشقيقه الأمير يونس إلى قرية بلّونة كما يستفاد مما يلي:
“شرح وجيز في أصل العائلة الخازنية الشريفة منظوم من المطران بولس مسعد مطران طرطوس والوكيل البطريركي الكلي الشرف والجزيل الإحترام.
“ان العائلة الخازنية أصلها من الشدياق سركيس ابن الخازن الماروني. فهذا الرجل الشهير كان مستوطنا في قرية تدعى جاج من معاملة جبيل في جبل لبنان. ولاجل صروف الزمان وتقلباته بارح المذكور سنة 1545 وسكن مع اولاده أولا في قرية البوار الكائنة في الفتوح بالقرب من كسروان ثم انتقل من المحل المذكور الى قرية بلّونه في أرض عجلتون في أرض كسروان، وفيها وطد سكناه مع أولاده الذين من جملتهم أبو صقر أبراهيم وابو صافي رباح اذ كان حاكماً الامير منصور ابن عساف التركماني في غزير. وقد أحسن الشدياق سركيس واولاده المومى اليهم سلوكهم بهذا المقدار حتى استمالوا اليهم مودة الجميع وكانوا عندهم بمنزلة عظمى من الاعتبار. وفي سنة 1584 اذ كان الأمير قرقماس حاكم بلاد الشوف، هرب من وجه ابراهيم باشا والي مصر الى مغادرة ما في بلاد الشوف ومات فيها عن ولدين صغيرين وهما الأمير فخر الدين والأمير يونس. وقد كانت البلاد وقتئذ منقسمة الى غرضين قيسي ويمني فالست نسب والدة هذين الأميرين والشيخ كيوان الماروني الذي كان كاخية عند زوجها الأمير قرقماز المرحوم ومتقلدا تدبير اعماله لإختشائهما من وقوع غدر ما على هذين الأميرين الصغيرين من الغرض اليمني قد خباهما عند اولاد الشدياق سركيس الخازن المشار اليهم. أولاً لأنهم من الغرض القيسي. ثانياً لإشتهارهم بالأمانة والتقوى. ثالثاً لبعد محلهم عن الشوف، فلا تقع عليهم الشبهة ولأن كانوا قيسية لوجودهم في كسروان محل ولاية ابن عساف اليمني. قأولاد الشدياق سركيس الخازن قد اقتبلوا في محلهم الأمير فخرالدين والأمير يونس المذكورين، وإحتفظوا عليهما كدرة ثمنية وربوهما أحسن تربية وثقفوهما تدريجا بكل ما يلزم لحال مقامهما. وفي هذه الفترة كان الذل مستولياً على الغرض القيسي ولم يكونوا يتظاهرون بشيء مخالف للغرض اليمني لخلوهم من سند يعضدهم. وكان الغرض اليمني ظن بان آل معن قد انقرضوا بالكلية، ولم يبق منهم بقية بعد موت الأمير قرقماس معن المذكور.
“ولكن ما شّب الأمير فخرالدين واخوه يونس وصارت بهما الأهلية لمعاطاة الاحكام وبلغ ذلك أولي الغرض القيسي وعقدوا الروابط الموصلة الى الغاية فتظاهر هذان الأميران للوجود واحدهما الأمير فخرالدين تولى الحكم على بلاد الشوف واستخدم عنده المشايخ بني الخازن واقام أحدهم الشيخ الخازن المكنى بأبي نادر أبن ابراهيم ابن الشدياق سركيس الخازن كاخية له ومدبرا لاعماله كأنه شريك له في الحكم… “
رابعاً- بحث تاريخي قانوني اثباتاً لكون النسخة العربية للمجمع اللبناني المنعقد سنة 1736 هي الاصلية الصحيحة التي يجب الاعتماد عليها
طبع هذا البحث للمرة الأولى في كتاب الأب بولس عبود “بصائر الزمان في تاريخ العلامة البطريرك يوسف اسطفان” ابتداء من الصفحة 134 لغاية الصفحة 151 منه وقد نشر تتمته الأب انطونيوس شبلي في المجلة البطريركية عام 1930[8] مقدما لها بعد شرح الملابسات المتعددة التي رافقت وضع واصدار نسخة المجمع اللبناني بالعبارات التالية : “ولما كانت نسخة هذا البحث القانوني التي وقف عليها الأب بولس عبود ونشرها في ذيل “البصائر” غير كاملة لأنه لم يطلع عليها كلها وهي تنتهي عند طلب المجمع المقدس نسخة المجمع اللبناني العربية فقط رأينا ان ننشر تتمة هذا البحث التاريخي الخطير للبطريرك بولس مسعد وقد اطلعنا حضرة المونسنيور المفضال عبدالله مسعد رئيس مدرسة القديسين بطرس وبولس في عشقوت على نسخة له كاملة بخط المثلث الرحمة المطران يوسف المريض النائب البطريركي وسمح لنا تلطفاً بنشرها مع جواب البطريرك مسعد للقاصد بيافي.”[9]
خامساً– رسالة في الملكية والمارونية – صدرت في مؤلف الأب افرام الديراني “كتاب المحاماة عن الموارنة وقديسيهم “المطبوع عام 1899 من الصفحة 493 لغاية 513
“يقول منقح هذا الكتاب سعيد الخوري الشرتوني الماروني اللبناني هذا كل ما انطوى عليه كتاب المحاماة عن الموارنة وقديسيهم قد هذبت عبارته وقوّمت ما في تركيبه من الأود وأما الرسالة الآتية فهي للمؤرخ الحجّة البطريرك بولس مسعد العلامة الشهير قد أمرني خلفه الطيّب الذكر العالي الهمة البطريرك يوحنا الحاج تغمدهما الله برضوانه ان أضمها الى هذا الكتاب لانها ثمرة اطلاع واسع ونتيجة برهان قاطع ففعلت امتثالاً لامره رحمه الله وقد كان في النية أن أعلّق على بعض ابوابه شيئاً ولكن في أثناء هذه المدة ما حوّل الذهن عن هذا المبحث بالمرة الى الشغال بمباحث هي منه بالمكان القصي.”
سادسا – جلاء المصريين عن لبنان وسورية
شاءت الظروف ان يؤرخ البطريرك مسعد قبل سيامته اسقفا في 28 اذار 1841 حقبة حاسمة من التاريخ اللبناني ألا وهي الثورة اللبنانية على المصريين في 1840 وجلاء الجيش المصري عن لبنان وقد عثر الأب بولس قرالي على هذه المخطوطة الثمينة ونشرها في السنة الخامسة في مجلته البطريركية في الأعداد الأول والثاني والثالث والرابع مع مقدمة نقتطف منها ما يلي:
“… وعثرنا اخيراً، في خزانة بكركي نفسها، على كراسة مخطوطة مؤلفة من 14 صفحة بقطع متوسط وبحرف دقيق اغفل كاتبها اسمه ولكننا تأكدنا من مقارنة خطها مع بقية اوراق البطريرك بولس مسعد انها له وقد خالف فيها رحمه الله رأى القس شراباتي في المصريين والمير بشير ناسباً اليهم الغش والانانية والظلم والقسوة لكنه وافقه في ما سرد من حوادث الثورة وامتاز عنهم بتبيان اسبابها وببعض التفاصيل الخاصة بحركات الثوار في مقاطعه كسروان لانه كان أقرب منه اليها وقد اسهب في ذكر الجهود التي بذلها اللبنانيون ولا سيما المسيحيين منهم لمساعدة المصريين على احتلال سورية ولبنان وتثبيت اقدامهم فيها وقمع كل ثورة قامت ضدهم، وخاصة ثورة دروز حوران ووادي التيم سنة 1838 وغير ذلك من المعلومات المفيدة التي تكسب هذه النبذة قيمة تاريخية وحق الظهور في عالم الطباعة وكاتبها مشهور بالتدقيق في ما يريه وبسعة علمه وشاهد عيان لاهم تطورات هذه الثورة التي اتصل برجالها، ولا يبعد ان يكون من نافخي نارها ونرجح انه كتب نبذته على اثر قمعها ما بين اواخر سنة 1840 واوائل سنة 1841 أي قبيل سيامته الاسقفية اذ كان كاتماً لاسرار البطريرك يوسف حبيش المعدود من اقدر ساسة عصره واكثرهم اطلاعاً على دخائل الأمور … .
“ولا يسع من يطالع هذه النبذة الا ان يشارك كاتبها في تألمه من المظالم التي حاقت باللبنانيين من جراء استبداد المصريين بهم، وفي تحمسه لبسالتهم وثباتهم العجيب وتضحياتهم وتضامنهم مع اعيانهم للفوز بمطالبهم العادلة …”.
وقد امتاز التاريخ هذا بنفحة عارمة للبطريرك مسعد ضد المظالم والسياسات التي أتت على مقدسات لبنان وعلى انهماك الأهالي تحت وطأة المصاعب وفيه الأمثلة الحية لحقبة خطيرة من تاريخ النضال الوطني صادرة عن مواطن كبير اراد ان يترك للاجيال الصاعدة شهادة حقيقية ومعاصرة قد تثبت فيما تثبته انهيار كل مجتمع وكل وطن يقبل على نفسه الارتهان والاستقالة عن المدافعة الشرسة والشريفة عن حقوقه وعن أرضه بكل ذكاء وفطنة.
وفي هذا المؤلف صفحات منيرة للغاية عن وضع اللبنانيين في تلك الأيام وعن تصرفات السلطة تجاههم – كما ان العمليات العسكرية التي واجه بها اللبنانيون الجيش المصري في حينه تدل فيما تدل على ثبات التاريخ وفرضيات الطبيعة والسياسية بحيث ان تفهم المعطيات التاريخية من قبل الحكام والمواطنين من شأنه درء مخاطر عظيمة عن لبنان ومنع ان تتحكم به الاهواءوالظروف بصورة لم يعد من السهل ابعاد المخاطر والاهوال. وما اليوم والغد الا من الأمس القريب والبعيد.
سابعاً– “تحفة غراء في اثبات دوام بتولية العذراء” لسيادة المطران بولس مسعد مطران طرطوس والنائب البطريرك الماروني طبعت في بيروت المطبعة العمومية سنة 1869 – 25 صفحة
ان هذه النبذة التي قال عنها البعض انها مفقودة[10]والموجود منها نسخة في المكتبة الشرقية للأباء اليسوعيين هي دفاع لاهوتي وديني منظم من البطريرك مسعد – عندما كان مطراناً – عن اثبات دوام بتولية العذراء.
ثامناً– سلسلة بطاركة الموارنة
نشر المطران ناصر الجميّل في مجلة “المنارة” (المجلد 26 – سنة 1985 ص. 55 – 70) مقالة مطولة سندا لمخطوطة وصلت اليه من قريب له الشيخ فاضل الجميّل بخط يد البطريرك بولس مسعد تحمل عنوان “بخصوص البطريرك الماروني ورئاسته على مدينة انطاكية “وهي تقع في 40 صفحة. تضمنت هذه المخطوطة التي هي بشكل اجوبة على اسئلة شخص لم تعرف هويته – شرح لكلمة بطريرك وكلمة بابا – ظهور يوحنا مارون – لقب الموارنة وسلسلة بطاركة الموارنة.[11]
تاسعاً- قرونيقون البطريرك مسعد
يقول الأب بشعلاني ما يلي[12]:
“واهم ما بقي من هذه الأوراق مجموعة مكتوب عليها عنوانها “القرونيقون البطريرك بولس مسعد” بخط المطران بولس شبلي، وهو عنوان لكتاب كان قد بدأ به البطريرك ليجعله تكملة لتاريخ الدويهي، يذكر فيه موجز تاريخ القرن الثامن عشر وقد جمع له شتات الأخبار والمعلومات ودوّن معظمها على اوراق متفرقة بين محفوظاته التي سلمت بعد ما اصاب القسم المتعلق منها بتاريخ الأسر من نكبة الضياع والتمزيق ومما آفة التاريخ ونكبة المؤرخين. ولم يسلم من مجموعها الا كراس يحتوي اخبار الثلث الأول من القرن 18 وهو يتضمن تاريخ الحوادث من سنة 1700 التي انتهي فيها تقريباً تاريخ الدويهي الى غاية سنة 1737 أي بعد نهاية المجمع اللبناني. وقد حافظ المطران شبلي فقيد العلم على النسخة الأصلية المكتوبة بخط مسعد في 46 صفحة وعمل لها العنوان المشار اليه، وهي محفوظة في جارور آثار هذا البطريرك التاريخية عن الآسر وغيرها. ولم يقيص له اتمام عمله هذا أو تبييض مسوداته التي بقي منها الشذرات التي نسخناها نحن عن أصلها بكل ضبط وتدقيق، وهي أشبه بدرر منشور يجب ان تجمع في سلك. وقد نقلناها كما كتبها البطريرك بخطه الذي هو أشبه بالمعميات وفيها الكثير من المفاخر والعبر التاريخية التي لم ير بعضها النور حتى اليوم.”
وهذا القرونيقون بالذات قد قام بنشره الأب اغناطيوس سعاده مسنداً الى نسخة منسوخة من قبل الأب إبراهيم حرفوش وذلك في المجلدين 22 (1981) العدد 3 و23 (1982) الأعداد 1 و 2 و3 من مجلة “المنارة” للمرسلين اللبنانيين. وقد اصدره الأب سعاده المذكور في الجزء الثالث من خماسية الأب إبراهيم حرفوش من الصفحة 7 لغاية الصفحة 102[13] مع شروحات وتوضيحات علماً أن القرونيقون المذكور قد امتدّ من سنة 1700 (أي قبل وفاة البطريرك الدويهي مؤلف “تاريخ الأزمنة” بأربع سنوات) ولغاية سنة 1827.
عاشراً– هل وضع البطريرك مسعد مؤلفاً في الأنساب في لبنان؟
جرى التقليد على اعتبار ان البطريرك مسعد نظرا لسعة اطلاعه وقوة حجته، كان قد جمع مواداً وفيرة عن موضوع الانساب في لبنان وانه وضع مؤلفاً فيه وقد قمنا شخصياً بالتحري الدقيق عن هذا المؤلف فلم نعثر على اثر له لا في مكتبة البطريرك الخاصة في دير مار بطرس وبولس في عشقوت ولا في بكركي. وقد وجدنا بعد التدقيق ان الأب اسطفان البشعلاني الذي وضع مؤلفا في موضوع الأسر اللبنانية لا يزال مخطوطاً كان قد تطرق الى القضية بالذات في مقالة مسهبة صدرت في مجلة “المشرق” للأباء اليسوعيين وارتأينا ايراد ما قاله عن البطريرك مسعد لان الأب البشعلاني قد امضى السنوات العديدة في التحري والتنقيب عن الأنساب والعائلات وامعن في استيضاح ما اذا كان البطريرك مسعد قد وضع مؤلفاً في الانساب في لبنان.
قال الأب اسطفان البشعلاني[14]:
“كان النسّابة بولس مسعد أقدر اهل عصره في التاريخ وخاصة تاريخ الاسر، وله مؤلفات مشهورة في تاريخ طائفته المارونية والدفاع عن صحة معتقدها الديني، اهمها كتاب “الدر المنظوم ” وكان خبيرا بالاصول والانساب، ويروي الناس عنه اقوالاً مأثورة بنى عليها كثيرون تواريخ اسرهم وذكروا انه وضع تاريخا للاسر لاعتقادهم بسعة اطلاعه وغزارة علمه، وشاع ذلك عنه وذاع حتى أكد بعضهم وجود هذا التاريخ عند اقاربه الا لم يظهر شيء منه حتى الآن وقد مضى على وفاته أكثر من ستين سنة. قيل ان السبب في عدم نشر تاريخه انما كان اضطراره الى قول الحقيقة في أصل الأسر التي حازت نباهة الذكر وأصلها خامل. والذي نظنه ان السبب الذي منعه عن نشر معلوماته التاريخية عن اصل الاسر انما هو ما عرف به هذا البطريرك من التحفظ والحذر لما في تحقيق أصول الأسر اللبنانية من الصعوبات التي أشرنا اليها في تاريخنا، فخاف ان ينشر معلوماته ويعرّض نفسه للنقد الذي كان يتحاشاه ويحاذره.
“ويا ليته نشر هذه المعلومات على علاتها وذكرمصادرها المرويّة، اذن لكان له من ذلك عذر كاف ولكان أدّى للتاريخ والوطن والطائفة أكبر خدمة. لانه كان في عصره أكبر علمائنا بهذا الفن ضم صدره مجموعة واسعة من اخبار الموارنة وأسرهم وقد كان أقرب منا عهدا الى جدودنا الماضين من النقلة الثقات، واوسع اطلاعا على تقاليد القوم ورواياتهم التي تكيفت وتطورت مع الأيام حتى كادت تبعد عن أصلها وأصبح الحصول عليها والبحث في تحقيقها ومصادرها أمرا صعب المنال. ويظهر أنه كان كما يتبين من كتاباته شديد الحذر، ولعله أراد الاحتفاظ بما جمعه من اخبار الأسر فضاع وتشتت بعد وفاته.
“وروى لنا أحدهم : ان البطريرك كان عنده في بكركي راهب (لعله القس اسبيريدون العرموني الآنطوني) فلما توفي البطريرك وكانت الأوراق التاريخية تحت يده مجموعة كراريس. فكان الناس يتهافتون عليه وكان كل من يطلب اليه عن تاريخ اسرته فيمزق الأوراق التي فيها المعلومات المطلوبة ويدفعها اليه. وقيل ان المعلم رشيد الشرتوني عثر على اوراق البطريرك بولس ولم يتهيا له نشرها فاخذها ولده الذي ابتاعها منه سلوم المكرزل في اميركا. ويا ليت هذه الرواية صحيحة اذا لكانت نشرت الاوراق حالاً في جريدة الهدى.
“وبحثت بنفسي في خزائن بكركي وأمين المحفوظات فيها اليوم صديقنا العالم المحقق الخورسقف ميخائيل الرجي، فرأيت اوراقاً منشورة بخط البطريرك وفيها نتف عن الانساب وأصل الأسر وقد جمع هذه الأوراق نسيبنا الخوري ابراهيم حرفوش الذي كان أمين المحفوظات زماناً، وقد طالعنها فوجدت فيها فوائد لا بأس بها وهناك مذكرات أو يوميات البطريرك التي كان يدوّن فيها يومياً، حوادثه الجارية وتنقلاته عند ذهابه الى مصيفه ورجوعه الى مشتاه مؤرخاً اليوم بل الساعة وذكر رحلته الى اوروبا والاستانة وكل هذه المذكرات موجزة دقيقة كأنه كان يريد التبسط بها. وهناك شذرات كثيرة معظمها مسودات كتابه “الدر المنظوم” الذي قيل انه كان يريد تجديد طبعه بعد تجريده من المطاعن والتهكم، فمات ولم يخرج هذا الفكر الى حيّز العمل. وبين هذه الأوراق معلومات تاريخية مرسلة من بعضهم اليه الارجح انها أرسلت بناء على طلبه. ولا ندري اذا كان قد نقل هذه الرسائل والوريقات المنشورة وبيّض مسودّتها بدفاتره او انها بقيت على ما هي متفرقة فضاع أكثرها.
“والآن لا يسعنا إلا ان نشيد بفضله على التاريخ وعنايته في جمع محفوظات الكرسي البطريركي وصيانتها. فقد دوّن الكثير منها بخط يده وأمر بجمعها وضمها الى ما جمعه البطريرك الدويهي والبطريرك يوسف اسطفان من السجلات والوثائق والاثار التاريخية التي تخلد لهم الذكر الحميد وقد أصبحت مراجع صحيحة لاهل البحث وطلاب الحقيقة ولا بد لنا ان نذكر: ان الخوري منصور الحدثوني الذي نشر تاريخا مطبوعا باسم “المقاطعة الكسروانية” وفيه فوائد كثيرة تتعلق بتاريخ لبنان ولاسيما كسروان قد صرح في كتابه هذا أنه اخذ عن البطريرك مسعد اكثر معلوماته من أصل الأسر وكذلك من الحوادث والأخبار. وهكذا قال في النبذة التي وضعها عن “دلبتا” وتاريخها وهي التي نشرها صديقنا الخوري بطرس روفائيل في تاريخه الذي وضعه عن هذه البلدة ونشره في “المشرق” لكي يكون مثالا لمن يريد ان ينشىء تاريخاً وعلى الجملة فان هذا البطريرك كان في أيامه أكبر مرجع في تحقيق الأمور التاريخية وحل مشاكلها الصعبة ولا سيما مشكلة أصل الأسر وانسبائهم.”
كما انه تجدر الإشارة إلى ما رواه الأب اغناطيوس الخوري الراهب اللبناني صاحب المؤلفات التاريخية العديدة عن لبنان والموارنة بحيث أنه قال[15] “وقد رسم العلامة البطريرك يوسف مسعد المؤرخ الكبير بخط يده الطاهرة شجرة نسب آل الضاهر كما رسم غيرها لمعظم الأسر النبيلة وذلك منذ ارتحالهم عن بقوفا إلى كفرحورا وهذه الشجرة محفوظة مع أمثالها في “جارور” 47 من خزانة بكركي، حيث تدبرناها مع ما يهمنا من غيرها، ونسخناها لنشرها في مؤلفنا المعهود “تاريخ أبرشية طرابلس وأسرها”. وفيها يسمي البطريرك الجد الأول الذي نزل من بقوفا بالشدياق بطرس الرزيّ ويقول عنه انه تزوج من مشايخ آل الدحداح ثم صار كاهناًباسم الخوري ضاهر. ومنه يسلسل ذراري بيت الضاهر الى عهد غبطته (1854 – 1890)”
* * *
هذه هي مؤلفات البطريرك مسعد التي تمكن من وضعها ونشرها او تحضيرها للنشر مع الإشارة الى ما كتبه المطران يوسف الدبس عن البطريرك مسعد بالذات في موضوع مؤلفاته حيث قال:[16]
“… وقد جمع شتات اوراق الكرسي البطريركي في هذه القرون الأخيرة فكان له سجل كبير كأنه خزانة درر وله نبذة … في دوام بتولية العذراء ومقالات كثيرة في المدافعة عن حقوق الطائفة في بعض الاديار وعن المجمع اللبناني وعن حقوق البطريركية إلى غير ذلك. وقد كان يجمع مواد لتكملة تاريخ الدويهي من سنة 1704 الى أيامه واعلم أنه جمع اكثر المواد اللازمة لهذا التأليف وكان ينتظر فقط بعض افادات من حلب وقد سألته مرات وانا بخدمته ان يدفع لي تلك المواد لاتمم ما اعدها له بارشاده فلم يسمح الوقت بذلك وبعد ان رقاني الى أسقفية بيروت كنت ارجوه ان يسلم تلك المواد لاحد ليصفها ويجعل لها فهرساً فقط وكان يسوفني بذلك الى ان قال لي في آخر أيامه رحمه الله انه ما عاد يعلم اين وضع تلك المواد لكننا نجدها بعد موته في المكتبة او في خزائن الأوراق”.
[1]– محام وأستاذ جامعي، رئيس مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ورئيس مجلس المحفوظات الوطنية سابقاً – صاحب مؤلفات أدبية وتاريخية وقانونية.
2- المطران الدبس – تاريخ سوريا – الجزء الرابع – المجلد الثامن ص. 692–693 – بيروت 1905.
[3]– والاصح 1854.
[4]– الأب لويس شيخو – الاداب العربية في القرن التاسع عشر – الجزء الثاني صفحة 45 طبعة عام 1926.
[5]– المطران يوسف الدبس – تاريخ سوريا – الجزء الثامن – صفحة 756.
[6]– البطريرك مسعد – الدّر المنظوم ص.2 – 3- دير طاميش – 1863.
[7]– الدّر المنظوم صفحة 192 – 193.
[8]– الأب شبلي: جولة في كسروان سنة 1927، المشرق 1927، صفحة 748.
[9]– المجلة البطريركية السنة الخامسة – ايار 1930 صفحة 315.
[10]– يراجع:
Hanna El Hajj – Le rôle socio-politique du Patriarcat maronite sous le Patriarche Bulus Massaad – vol. 1 p. 65. Thèse soutenue en 1992-1993 à l’Université libanaise Institut des Sciences Sociales Section 2.
11- تراجع تفاصيل المخطوطة ودراسة المطران ناصر الجميّل لها في كتابه “جنى الخمسين” ص. 119 – 135 – بيروت 2004.
[12]– البشعلاني: المرجع المذكور ص. 206.
[13]– الأب إغناطيوس سعاده: خماسية الأب إبراهيم حرفوش الجزء الثالث – منشورات الرسل جونيه 2010.
[14]– الأب اسطفان البشعلاني : تاريخ الآسر المارونية – المشرق المجلد 47 سنة 1953 ص. 213-216.
[15]– مجلة اوراق لبنانية المجلد الأول (1955) صفحة 258.
[16]– المطران يوسف الدبس – الجامع المفصل … صفحة 555 طبعة عام 1905.