Almanara Magazine

مذابح السريان 1894-1918

الدكتورة جويل الترك

الجامعة اللبنانية – قسم التاريخ

“مشروع الابادة-المجزرة الذي نكّل بشعبنا السرياني بجناحيه الأرثوذكسي والكاثوليكي، كما بإخوتنا من كلدان واشوريين وأرمن لمئة عام خلت في دولة الخلافة العثمانية، لهو وصمة عار ستلاحق، ليس فقط الاشرار الذين خططوا لها والبرابرة الهمجيين الذين ارتكبوها بل العالم المعروف آنذاك لصمته المطبق ولغيابه المتآمر” [1]

المقدمة:

لا تعتبر الأحداث التي ألمّت بالسريان في السلطنة العثمانية وليدة الفجائية، انما هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإيديولوجية العثمانيين، الذين ما انفكوا عن السعي الحثيث لفرض هويتهم وتطلعاتهم على الشعوب التي تقطن السلطنة وذلك بفضل قوتهم العسكرية، وبفعل مجريات الأمور التاريخية، التي ساعدت على توسّع رقعتها، حيث ضمّت الكثير من الجماعات المختلفة عنها بالعرق واللغة والدين، والتي بدورها ارتضت ان تكون مشاركة بالنسيج الاجتماعي، محافظة على ارثها وتراثها من جهة، ومشاركة في خدمة وبناء مجتمعها من جهة اخرى.

السريان، كغيرهم من المكوّنات المسيحية داخل السلطنة، الذين مورست عليهم كلّ عمليات الفتك والتعسّف، بشكل مباشر وبوحشيّة قلّ نظيرها آنذاك؛ بالرغم من انّهم اكتفوا ان يكونوا مواطنين يتقيدون بقوانين المجتمع ولم تكن لديهم مطالب قوميّة او هموم سياسية.

الحقيقة واحدة فقد كانت هذه المكوّنات فريسة التتريك الظالم وضحية ايديولوجية عثمانية مهّدت للقضاء عليهم، فارتكبت بحقهم مجازر سطّرها التاريخ في خانة الكره للإنسانية وعدم احترام حق الاختلاف بالعرق والدين. فشعب الترجمة والثقافة والرقي اضحى شعباً مستضعفاً يلهث وراء رجاء بالحياة صعب بعيد المنال. شريعة الغاب قد شُرّعت، وافترس القوي الضعيف، وشبّت نيران الاضطهاد على المسيحيين في تركيا تحت عناوين وشعارات كثيرة، تتّهم المسيحيين بالشغب والثورة تارةً، وبالتحالف مع دول اخرى غير حليفة للسلطنة تارةً أخرى. 

هذه المجازر التي بدأت شرارتها علانية منذ 1894 وقد أطلق عليها آنذاك مذابح الثورة[2] الى أن بلغت أوجّها بين 1915-1918 فترة الحرب العالمية الاولى، حيث اختلفت القوى والموازين وساءت الأحوال في السلطنة وانتهجت تركيا الفتاة سياسة الغاء المسيحيين وسلخهم عن أرضهم.  لقد أبادوا شعباً وحضارةً وتراثاً، بالقتل والتدمير وكان قد خُطّط مسبقاً لإبادة المكوّنات المسيحية دون تمييز بين الطوائف، عاملين بمقولة ضياء كوك ألب[3] الذي يعتبر من مؤسسي القومية التركية: إنّ اليونان والأرمن وبقيّة الأقليات هم أتراك الهويّة فقط، لا في الانتماء القومي التركي، وسيبقون عضواً غريباً في جسد الأمة التركيّة[4].

لقد شغلت هذه الأحداث  الرأي العام الدولي وأخذت  حيّزا وافراً من دراسات ومحادثات وأرشيفات متعددة، بالرغم من تزعزع الاوضاع خلال الحرب العالمية الاولى وانشغال معظم البلدان بالحرب، فكثيرون من الدبلوماسيين ومراسلي صحف وبعثات انسانية وكثير من رجالات الدين والدنيا الغربيين القاطنين آنذاك في تركيا قد شاهدوا بأم العين الأحداث والفظائع التي كان المسيحيون ضحيتها ، ومنهم من كان على بينة لما يحاك من مخططات  للتهجير والفتك بالمسيحيين: وكيف  بدأت الخطة الأولى بتجريد الجنود المسيحيين من سلاحهم ورتبهم العسكرية  وكوّنوا منهم طوابير الخدمة، الى ان غابت القوة  الادارية والفكرية المسيحية واصبح المسيحيون بلا حماية ثم بدأت الخطوة الثانية وهي الترحيل والسوقيّات[5] لتنفيذ خطّة الإبادة الجماعية  وهذا يظهر من كتاباتهم ومذكراتهم التي نشرت لاحقاً.

مطالبة السريان بحقّهم

اليوم تلقى هذه القضية اهتمام العديد من الكتّاب والمؤرّخين ورجال الدين وغيرهم، بعد مضي قرن ونيّف على تلك المجازر الشنعاء، التي دفعت بأبناء المضطهدين لحط رحالهم في جميع القارات.

 شهدت دراسة تاريخ السلطنة العثمانية والولايات التابعة لها، بحكم الاحتلال العثماني مواضيعا مختلفة، وتناول كثيرون اوضاع الشعوب فيها، خصوصا المسيحيون الذين شكلوا نواة مهمة في هذا المجتمع القائم على التعددية الايديولوجية. وقد سعى العثمانيون الى صهر تلك الايديولوجيات في “واحدة” الا وهي الايديولوجية العثمانية، بكل ما للكلمة من معنى.

وكانت مجازر “سيفو”[6]، وكانت السوقيّات، ولا يخفى عن أحد أن هاتين العبارتين هما ملخصاً للتنكيل والتعذيب والقتل والسبي وانتهاك الاعراض وحرمة الدين، متذرعاً الظالم بالحفاظ وبحماية أيديولوجية تلغي الآخر وتفرض ذاتها بالقوة.

عانت الشعوب المسيحية من الاضطهاد، وحفر تاريخها بمشاهد واحداث دامية، ولكنها صمدت وأصرت على حماية وجدانها وهويتها وتكوينها لأن الشعب الذي لا تاريخ له، يفقد اهميته ويزعزع وجوده واستمراريته.

في هذا الإطار، كتب اسحق ارملة[7] مؤلفا من 504 صفحات يحتوي على الاخبار المحزنة والمؤثرة، وقد قدم كتابه هذا للبابا بيوس XI مظهراً له البؤس والشقاء الذي حل بالمسيحيين في ماردين وما بين النهرين وخصوصا السريان الكاثوليك منهم وكهنتهم سنة 1895 ومن ثم ما بين 1914 و1919. ليس هذا فحسب، فالمجازر التي ارتكبت بحق السريان، الكاثوليك منهم تحديدا، ما زالت احداثها قابعة في الارشيف البطريركي في دير الشرفة.[8]

صحيح ان مطالبات السريان بحقهم لم تظهر باستمرار وعلانية أمام الجميع، ولكنهم سعوا دائماً لذلك وكان لهم دوراً بارزاً في المحافل الدولية، فطالب الرؤساء الروحيون كبار الشخصيات والدول الكبرى بإنصافهم وقدموا شكواهم اليها، واستعرضوا أحداث المجازر السريانية التي نكلت بشعبهم بشكل مفصّل وواضح.

  • من أشهر مَن كتب ووثّق تلك المجازر:

التقارير التي قدّمت في مؤتمر السلام[9] سنة 1920 وخصوصاً بعد ما تمّ الاتفاق على مبدأ حق تقرير المصير الذي اعطى فرصة أمل للشعوب ان تتحرر وتقرر مصيرها ولذلك قد قدمت إلى باريس وفود عديدة تمثل شعوبا وأقليات تعاني من ظلم الحكام. فقدّمت التقارير والهواجس والمخاوف والمطالب من مختلف المسؤولين عن المكونات المسيحيّة آنذاك: 

تقارير بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس افرام رحماني (1848-1929)

تقارير بطريرك السريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام الأول برصوم (1887-1957)

تقارير بطريرك الكلدان يوسف عمانوئيل الثاني توما (1852-1947)

مار بينيامين شيمون (1887-1918)

المطران اوجين منّا (1868-1928)، مطران كلداني على وان، كتب عن المأساة التي حلت بأبناء شعبه والهروب المخيف نحو القوقاز

المطران اسرائيل اودو المطران الكلداني في ماردين (تقرير عن المذابح في ماردين وسعرت والجزيرة ونصيبين) ….

ورغم انّ الكثير من المؤرخين قد كتبوا عن الإبادة الأرمنية وعن خسائر الارمن، الا أنّ السريان والكلدان والاشوريين قد خسروا العديد منهم آنذاك نسبة الى عددهم: ” هم الذين مزجت دماؤهم بدماء اخوانهم الأرمن ولاقوا المصير نفسه”[10]

وضع السريان تاريخيّاً

عانى المسيحيون من الاضطهادات منذ القرون الاولى على يد اباطرة الرومان الذين رأوا في المسيحية زعزعة لتقاليدهم وعباداتهم وتعاليمهم. ولم ينجوا من مظالم البيزنطيين وهللوا لقدوم العرب والفتوحات الاسلامية ليتخلصوا من الاستعمار الطاغي. ولكن لسوء الحظ لم تدم هذه الروابط طويلا فبعض الحكام المسلمين اساؤوا للمسيحيين ولا سيما بجعلهم اهل ذمة. وقد فرضوا عليهم جزية وأثقلوا كواهلهم بالضرائب.

وبالنسبة الى السريان والسريانية فهي تسمية تعود الى القرن الثالث ق.م حيث كان السريان قديما يسمون آراميين واول من استعمل كلمة السريان بدل الاراميين هم اليونان.[11]

انتشرت حضارة السريان من بلاد فارس حتى سواحل البحر المتوسط وبرزوا بين قبائل العرب قبل الاسلام واشتهروا في الدولة الاموية وفي ايام الدولة العباسية “فتفجرت ينابيع المعارف على يد علماء السريان وسالت الصحف بأقلام مترجميهم[12] وقد كانت لغتهم لغة ادبية هامة ولغة التجارة والديبلوماسية وقد شكلت الحلقة الرابطة التي سمحت للشرقين الادنى والاوسط بامتلاك منجزات العالم اليوناني [13]

أجل، كانت السريانية اهم اللهجات الآرامية القديمة على الاطلاق واغناها في الانتاج الادبي والعلمي والفلسفي. والجدير بالذكر ان جميع الشعوب التي كانت تتكلم بالآرامية دعيت اولا “سريانا” [14]

لقد استمدت شعوب كثيرة ثقافتها من السريان وكان لهم الفضل في النهضة العربية الفكرية منذ العصر الاموي حتى منتصف العصر العباسي وخاصة حركة النقل والترجمة من اليونانية والفارسية.

أنشئت المدارس في عهدهم وجعلتهم في طليعة الشعوب في الشرق ثقافة، مثل مدرسة الرها ونصيبين وأنطاكية وقنسرين …ناهيك عن المكتبات السريانية في الرها وآمد ومديات…

ولكن هؤلاء المسيحيون وقعوا مرارا تحت سيطرة الفتوحات والاستعمارات الأخرى مع المماليك وصولاً الى سقوط القسطنطينية عام 1453 بيد محمد الفاتح القائد العثماني. ومنذ ذلك التاريخ رأى العثمانيون ان أفضل طريقة لحكم البلاد هي التسلح بالدين، وباسم الدين يحللون ويحرمون، يشرعون وينفذون…

ان الدولة العثمانية نمت وتوسعت واصبحت قوة عسكرية مهمة وحكمت على قوميات مختلفة مثل العرب واليونان والارمن والسريان والبلغار والصرب وغيرهم. فالطوائف التي كانت تعيش تحت سيطرتها لم تعتبر بمثابة مواطنين لهم كامل الحقوق بل كانت تنعم بضمانات محدودة تحت ظلال السلطات المركزية والمحلية، خصوصا في مجال الضرائب.

كان اهل الذمة تحت السيطرة العثمانية مقسمين حسب ديانتهم او مذهبهم في مجموعات تدعى ملة ولم تكن هذه الملل بمساواة مع المسلمين ذلك ان وضعهم خاص ولا يساوى بالمسلمين فمثلا لم يكن مسموحا لأهل الذمة ببناء منازل اعلى من منازل المسلمين.

ان الوضع القانوني للطوائف غير المسلمة في السلطنة كان يحدد خصوصا من خلال القانون الاسلامي[15]

ان طريقة الحكم التي اتبعها العثمانيون تعتمد على التسامح والاحتقار في ان، في نظر الشعب التركي المسلم في السلطنة، لم يكن المسيحيون فقط سببا للهزائم التي يمكنها اضعاف وتجزئة السلطنة انما كانوا يشكلون ايضا مجموعة غايتها السيطرة على مراكز هامة في السلطة والتسلّط[16].

لذا سعى الاتراك لقمع “هذه الاقليات” ويجب الاشارة الى ان التتريك قد ظهر بعد عهد التنظيمات خلال سنة 1880 وقد بلغ ذروته مع تركيا الفتاة. وحتى قبل ان تكون القومية التركية ايديولوجية سياسية بأغلبيتها كان الاتراك يدافعون عن فكرة ضرورة صهر الطوائف التي تعتبر اقليات في صفوفهم. وهذه الفكرة سوف تكون الاساس في المجازر.

تجدر الاشارة أيضاً الى انّ العلاقة بين السريان والعثمانيين لم تكن متوترة فلم يطمع السريان لا بمنصب ولا بانقلاب ولا بتغيير بغية الاصلاح انما عاشوا التغييرات المستمرة في السلطنة وقبلوا بالانظمة السياسية المفروضة عليهم. ورغم الازمات الداخلية التي المت بكنيستهم وضعف الادارة احيانا في السلطنة الاّ انهم حافظوا على استمراريتهم وعلاقاتهم الجيدة بالحكام وبالشعوب الاخرى وصدّوا اي خطر يمكن ان يهدد كيان كنيستهم وخصوصاً الصراعات التي تفتك بكيانهم وهويتهم.

ولكن، لم يدم ذلك طويلاً لأنهم كغيرهم من المكونات المسيحية لم ينعموا بالصفاء والسلام، فقد بادر الحكم العثماني بتأجيج الاحقاد في نفوس العثمانيين والاكراد وحثّهم على التخلّص من هذا العنصر المسالم.

الإطار التاريخي والسياسي للمجازر

لم يسلم السريان من الظلم وخصوصا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم بتشدد وفرض ظلما في حكمه. بالنسبة اليه كان المسيحيون مسألة خاسرة وبعد فشل محادثاته مع الارمن سنة 1895 بالنسبة للإصلاح ومظاهراتهم في اسطنبول وقع هذا الشعب ضحية مجازر بحجة اثارة اعمال شغب خلال تظاهرهم في بيتليس-وان-خربوت-دياربكر… وكان قد اتصف عهده بالتشدد وعدم العودة والعمل بدستور 1876 والمجازر….

كل ذلك كان نتيجة احداث مختلفة كانت تتعرض لها السلطنة، وهنا يمكن القول انّ التقارير التي وجهها القنصل الفرنسي في دياربكر فيلكس برتران الى السفير الكونت دي مونتبيللو بين ايار 1887 واذار 1890، تظهر الانهيار التدريجي للنسيج الاجتماعي العثماني بسبب المجاعة، وعدم الامان المتزايد حتى كانت المذابح الاولى للسريان في طور عبدين[17].

بالإضافة الى ذلك، ومن بين المعوقات التي واجهت السلطنة العثمانية في فرض التتريك ضعفها بمواجهة الدول الاوروبية. وكان هاجس زعماء الاتحاد والترقي الحفاظ على دولة قوية وكانوا يخشون من تذويب هذه الدولة وتجزئتها. وفي ظل هذه الهواجس وجد الاتحاديون تفسيرا لانهيار السلطنة: سعي الاقليات المسيحية للمساواة في الحقوق والسعي من اجل الاصلاح.

للتوضيح أكثر، انّ المجموعات غير الاسلامية داخل السلطنة العثمانية قد ” اعتبرها الاتحاديون عائقاً في وجه اعادة بناء عظمة الأمّة التركية، لذا عملوا بشتّى الوسائل على ازالة خطرها”[18]

وبعد استلام تركيا الفتاة الحكم في تموز سنة 1908 قوبلوا بحماس من قبل الطوائف المسيحية ولكن منذ خريف 1908 بدأت توجهاتهم السياسية تأخذ اتجاها قوميا تركيا متطرفا. “فكانوا يريدون شعبا واحدا ولغة واحدة وبدأت التدخلات في الحياة الروحية للطوائف المسيحية التي حملت بعد ذلك مسؤولية الهزائم الخارجية التي حصلت عام 1911-1913[19]

      بعد هذه الفترة، خلقت الحرب جوّا مناسبا للمجازر بحيث ابعدت التدخلات والامتيازات الاجنبية، مما سوف يعزز وضع تتريك الدولة. ليس هذا فحسب، فهناك مراجع تعرض في مستهل نصها انه في نهاية القرن التاسع عشر، وفي إطار الحصول على مصالح الغرب في السلطنة، غضت الطرف المانيا عن العثمانيين بهذا الشأن.

وهكذا بدأت حركة ابادة ضد المسيحيين في مختلف المناطق على يد اكراد وعسكر عثماني هجموا على القرى ممارسين أسوأ طرق التعدّي والانتهاكات. بدأت مع السلطان الأحمر (عبد الحميد) ومن ثم مع خلفائه الاتحاديين وانتهجوا مبدأ القومية الطورانية، وقد بلغت المجازر ذروتها عام 1915 وسميت بالسوقيات او سفر برلك اي المنفى البعيد.

كان الهدف الأسمى لحزب الاتحاد والترقي الحكم من خلال نظام مركزي. ولكن ذلك يتعارض مع مبدأ نظام الملة الذي يعاكس هذه الفكرة خصوصاً أنّ المجتمع العثماني بقي مقسوما بين عدة طوائف دينية ولا مجال لفرض المواطنية بين افراد مختلفون في توجّهاتهم وايديولوجياتهم. فلا يمكن ان يتحقق حلم الاتحاديين بدمج كل شعوب السلطنة بسياسة التتريك.

إذا هذه الابادة سببها الايديولوجية التي هدف من خلالها الاتراك الى تحقيق الحلم الطوراني بإنشاء امبراطورية قوية تمتد من الصين الى اوروبا وتضم عرقا واحدا. والتعصب القومي والديني لبناء دولة ذات لون واحد وقومية تركية في دولة اسلامية.

برز اضطهاد المسيحيين بحجة انهم يقتنون السلاح ويمكنهم ان يقاوموا الامبراطورية، متحالفين بذلك مع الانكليز والفرنسيين. وهكذا بدأوا يفتشون بيوت المسيحيين واستغلوا الفرصة واخذوا ينهبون كل ما تقع عيونهم عليه. وألزموا الشباب والرجال للانخراط معهم ومقاتلة الأعداء وفرضوا عليهم الضرائب الباهظة والتبرعات والمساعدات لتحسين حياة الجنود.

ظهرت وثائق بالفرنسية وبالروسية وبالإنكليزية وبالألمانية وبالإيطالية وبالعربية وبالأرمنية وبالسريانية تبرز هول هذه الماساة. وقد اجمعت كلها على ان هذه المجازر قد نفذت من قبل السلطات العثمانية ولا يمكن اعتبارها ابدا معزولة عنها ام منفذة من قبل جماعات غير مراقبة او غير مسيطر عليها[20] وقد كتبت الارساليات فظاعة هذه النكبات مثل الارساليات الاميركية واللعازاريين وبنات المحبة وايضا البروتستانت[21].

بعد دخول السلطنة الحرب الى جانب النمسا والمانيا صدر أمر جازم بجمع القوات والعساكر. وقد صدر “فرمانا في 16 اب 1915 يقضي بان يسجل كل الرجال المسيحيين اسماءهم لينضموا الى صفوف الجنود او يدفعوا بدلا. وهكذا استطاعوا ان يحصلوا على اسماء المسيحيين مما يسمح لهم بالتالي بالانقضاض عليهم.[22]

اندلعت الحرب واندلعت معها السرقة والنهب وبدأت المجازر بإعدام كل من حاول الهروب من الخدمة العسكرية واعتبروهم خونة. وأصبح المسيحيون خونة للوطن وجواسيس ضد الحكومة. فكانوا يلقون القبض عليهم ويعذبونهم بشتى انواع التعذيب[23] وقد شملت هذه المجازر الارمن واليونان والاشوريين والكلدان والسريان… وانتشرت في دياربكر وسعرت وماردين ونصيبين وطور عبدين واورميا وارمينيا وقيليقيا وبلاد ما بين النهرين ونينوى وجبال حكاري وغيرها…

كانوا يقودون الشباب الاقوياء ويقتلونهم في المنحدرات والوديان وكان الفعلة الذين يعملون بالاشغال الشاقة يتمنون الموت بدلا من هذه العذابات والشدائد المريرة.

لم يكن قتل المسيحين عاديا بل كانوا يتفننون بقتلهم فمنهم من يقتلونهم بالفؤوس وغيرهم بالسيوف وكثيرين كثيرين بالمطارق والمكالب والمنشار. والاصوات تتعالى وتستغيث وليس من يجيب[24]

لم تقتصر هذه المأساة على البشر فحسب بل شملت الارث الثقافي لهؤلاء. فقد هدموا كنائس ومدارس وبعض المكتبات التي تحتوي على كتب نادرة وعلى مخطوطات مهمّة سرقت او احرقت، وعملوا على محو الذاكرة التاريخية للمسيحيين.

مذابح الثورة بين 1894-1896

دون أدنى شك ان السلطنة العثمانية اعلنت وبدون تردد بداية مذابحها ضد العنصر المسيحي من خلال انقضاضها عليه وكانت البداية في ولاية دياربكر، وان قال البعض ان البداية لهذه المذابح كانت من خلفية سياسية وليست دينية.

ومن هنا كانت التسمية مذابح الثورة، وكانت اداة تنفيذها هو العنصر الكردي، حيث اعلن في جوامع خربوط ومولاب اعلان الحرب المقدسة ضد المسيحيين، وكان العدوان الاول في 9 شباط 1895[25] في سوق دياربكر من قبل جماعة من الاكراد (25- 30 شخص) ضد الارمن وكانت السيوف والسكاكين اداتهم بالترهيب والقتل ويصرخون انهم سيذبحون جميع المسيحيين، ووقع السريان ضحية هذا العدوان.

وقد أرّخ الاب ارملة في كتابه القصارى عن هذه الثورة ذاكراً فظاعتها بحق السريان ومسيحيين آخرين[26] والباعث لتلك المذابح هو ادعاء الحكومة التركية بانّ الارمن يتسلحون طلباً لاستقلالهم معتمدين على قوّة اجنبية، والادعاء عينه استخدمته لسائر المسيحيين والكاثوليك والارثوذكس[27]

بالإضافة الى ما قد نشره الخور اسقف اسحق ارملة في كتابه القصارى في نكبات النصارى الفصل السادس عشر صفحة 43 عن نكبات سنة 1895 المعروفة بالثورة ومستعيناً بما قد عثر عليه بين اوراق المقدسي حبيب دي جروة[28]، هناك ايضا المخطوط الذي نحن بصدد نشره وهو الشاهد العيان لمجزرة سويرك عام 1895 وقد خطّ بيد كاهن طائفة السريان الكاثوليك في سويرك ، وفيه يظهر جليّاَ التعصّب والهمجية والفتك والقتل.

من بين الشهادات والتصريحات من جهات او شخصيات رسمية عربية بارزة تتعلق بموضوع المجازر شهادة من مصر عام 1909 من الشيخ سليم البشري (1832-1916) شيخ الازهر الشريف حيث قال:” وبعد، فقد اطلعنا في الصحف المحلية على اخبار محزنة واشاعات سيئة عن مسلمي بعض ولايات الأناضول من الممالك العثمانية، وهي انّ بعضهم يعتدون على بعض المسيحيين فيقتلونهم بغياً وعدواناً، فكدنا لا نصدق ما وقع الينا من هذه الاشاعات ورجونا ان تكون باطلة”[29]

احداث مروعة وطرق مختلفة للتعذيب، فمن يقرأ ما كتب عن المآسي سكن الحزن الشديد نفسه:”وكان الزقاق مغطّى بجثث القتلى الممزقة بالدماء والكلاب ترعى فيها”، “نساء وبنات بأشقى حال والأطفال على صدورهنّ يبكون من الجوع والرعبة”، النصارى أضناهم الجوع”[30]….

عندما هجمت الجماعات الكردية والعثمانية على القرى المسيحية تجمّد دم النصارى وطفق كل واحد يفكّر اين سيحفظ أفراد اسرته وممتلكاته، فلم ينج اي نصراني من الفتك والتعذيب والسلب ونهب مقتنيات البيوت والضيق والشتائم والضرب والتهديد….

من هنا وبحسب جميع المعطيات المتوفرة ولسنا هنا بصدد تبيانها والولوج في تفاصيلها وسردها ونكتفي بما عرضناه  لنقول انّ الاوضاع السياسية هي كانت الحافز لارتكاب تلك المجازر من خلفية دينية حيث تمّت ضد المسيحيين عامّة والتي لطالما كان العثمانيون يتوقون ويتربصون لتلك اللحظة ان تأتي.

ان تساءلنا عن الاعداد والاحصاءات وهذا ما يجول في خواطرنا جميعاً ولربما هو السؤال الاول الذي يبادر الى اذهاننا؟؟  نقول:

  •  كتب في هذا المجال بعض القناصل في تقاريرهم عن عدد المسيحيين بالاجمال في تلك القرية او تلك المنطقة، وما كانت الخسائر من بيوت وكنائس وبكم تقدّر، وكانوا ينقلون معلومات تقريبية تتقارب مع حجم الويلات والخسائر، ولربما في بعض الاحيان يأتي نقلهم للوقائع والاعداد قريب الى الحقيقة وهذا يختلف بمدى قربهم او بعدهم عن المنطقة التي كانوا يسكنون فيها او الولاية التي يتواجدون فيها.
  • الاحصاءات الدقيقة ان وجدت فيجب ان تكون قابعة في ارشيف السلطنة العثمانية بتعداد المسيحيين بحسب المناطق والقرى (بالنسبة الى ذلك الوقت) ولم نقل الاحصاء الدقيق بحسب الطوائف.
  • الصعوبة بتحديد الاعداد تكمن في الآتي: كان زمن الارساليات الغربية في المنطقة، وكانت حركة الكثلكة في اوجّها، فبحسب الكثير مما رأيناه في الوثائق التاريخية في بطريركية السريان الكاثوليك-الشرفة، فيما يخص تعداد المؤمنين في قرية معينة، نجد عدد العائلات واسماءهم، ومن يخدمهم وكم عدد الرهبان بينهم والنساء والاولاد…  وما نلبث ان نجد بعض الملاحظات بالقرب من الاسماء او في الرسائل الواردة فيما بعد ان فلاناً أصبح كاثوليكياً او رجع الى طائفته القديمة، او لم يسجّل بعد في السجلات العثمانية تحت اسم طائفته الجديدة…. وغيرها من المشكلات ..  فبالإمكان التوصل الى اعداد تقريبية من خلال البحث الدقيق في التقارير الواردة من الكهنة وسجلات الكنائس… وان أمكن فذلك لفترة قبل المذابح واما بعدها فالصعوبة أكبر، لأن منهم من قتل ومنهم من تشرّد وتاه، ومنهم من دخل الاسلام[31].

يظهر في تقرير المطران افرام برصوم في 2 نيسان 1920 في مؤتمر السلام أن عدد ضحايا الحرب الكونية 1915-1918 قد بلغ 90313 ألف شخص. والعدد المتداول الذي نصادفه في كثير ممن كتبوا ونشروا… 250 ألف من السريان بما فيهم الكلدان والاشوريين 

إنّ المأساة كانت شاملة لم تفرّق بين ارمني وسرياني وكلداني ويوناني كانت القوافل تسير وتقتل دون تمييز مذهبي. في ظروف صعبة جدّاً وكثيرون هلكوا فيها، فكانت تحتوي على المسنّين والأطفال والنساء والكهنة … نرى المطران مالويان حافي القدمين، مكبّل اليدين ومحاطاً بجنديين. وبالرغم من ذلك استطاع ان يبارك للمرة الأخيرة مدينته الأسقفية[32].

مذابح 1915 -1918

منذ كانون الثاني 1915 عنونت New york times ان المسيحيين هم في خطر كبير في تركيا وان طلعت باشا صرّح بوضوح انه لا مكان للمسيحيين في تركيا[33]

ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من مراحل العذاب قتل كل الرجال المسيحيين وتمّ سجن النساء والاولاد ونهبت المنازل. كل المناطق حيث تمركز الاشوريون (ومنهم السريان) كان لها المصير نفسه[34]

لم تختلف طرق القتل والتنكيل بين مجازر الثورة سنة 1894 ومجازر سنة 1915، بل كانوا يتفننون باختراع آلات شيطانية لقتل المسيحيين. ان منفذي المذابح: هم الجيش التركي والاكراد والداشية.

باختصار تلك الفنون:

-كنائس قد تحوّلت الى مستودع للذخائر أو مساجد أو أمكنة للحيوانات

-سرقة مقتنيات الأوقاف في وضح النهار وبيعها بالمزاد العلني

-قتل علمانيين وكهنة واساقفة كاثوليك

-رؤية آبار عميقة مليئة بالجثث[35]

– استعمال التبن والنار والزيت للحرق الجماعي، نشهد ذلك خصوصاً في الكنائس والبيوت التي كان المسيحيون يتخذونها ملاذاً لهم.

-الرمي في الآبار، والرجم

– بتر الاعضاء.

– الكي بنعال البغال على الوجوه وراحات اليدين.

– استئجار القصّابين لذبح المسيحيين.

– القاء المسيحيين من أعالي شاهقة.

– ترك الشيوخ في الصحاري ليموتوا من الجوع والعطش.

-تجريد النساء من شرفهم وقتل أولادهم امام أعينهم.

-نتف ذقون الاكليروس حتى تتخضب وجوههم بالدم….

لم يسلم العديد من المسيحيين من السيف المسلّط على أعناقهم ولم يكتف العنصر العثماني او الكردي بمنطقة او اثنتين، اذ انّ قراهم تلطّخت بالدماء وأصبحت ثكلى على ابنائها، لذلك فكر العديد من المسيحيين بالهروب الى مناطق اخرى ومن بينها عبور الحدود الايرانية لكن الجماعات الكردية التركية نهبت واغتصبت وقتلت المسيحيين المسلوخين عن قراهم … كثيرون منهم وصلوا الى حد التسوّل والتعذيب والقتل[36] 

تحت سلطة قادة الحزب طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا كان الحكم ديكتاتورياً ويضع جانباً الغير عثمانيين[37]  

انّ هؤلاء المسيحيين الذين قدّر عددهم عام 1914 ب 400 ألف نسمة خسروا مايقارب 250 الف منهم وما زالوا حتى يومنا هذا مجهولين من قبل الكثيرين ومنسيين.[38]

لا يمكن ان ننسى بأنه منذ تاريخ 24 نيسان 1915 انطلق العنف من دون رقابة في كل السلطنة بحق الأرمن وايضاً بحق السريان الارثوذكس والسريان الكاثوليك والكلدان والاشوريين[39]

لم يسلم المسيحيون عام 1915 من الهلع فكانوا فريسة التعذيب والقتل من جديد والجدير بالذكر أنّهم تكاتفوا ازاء هذه الويلات وكانوا يحاولون فيما بينهم التخلّص من هذا النير.

في خضم تلك الاهوال ينهض المطران جبرائيل تبوني نهضة الأبطال في معالجة امور ابنائه وفي الدفاع عنهم. وشهد استياق الالاف من المسيحيين، بينهم كهنة واساقفة من مختلف قرى وبلدات جزيرة ابن عمر[40] ولم ييأس امام هذه الأهوال بل هب يعمل بلا كلل فأنشاأ مستشفى ومأوى للغرباء وللمعوزين.

لم تتوقف هذه المجازر عند العام 1915 انما أكملت مسارها الاجرامي حتى العام 1918. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واستسلام تركيا، بقيت اثار هذه المجازر حية حتى بداية الثلاثينات من القرن العشرين.

ولكن لا يمكن للعديد من الشعوب التي قاست هذه الآلام والرأي العام الدولي ألّا يلقوا الضوء على دور ألمانيا والنمسا لانهما استوجبتا لوم العالم لما كانتا لهما الدور الكبير في إطلاق يد العثمانيين بفتك المسيحيين في السلطنة العثمانية. نترك للوثائق أن تبرز وتؤكد ذلك.

اليوم وبعد مضي قرن على هذه الاحداث الأليمة نلقي الضوء على حقبة مشؤومة أصابت جماعات مسيحية، نالت نصيباً وافراً من المعاناة وسارت مرغمة بسوقيات، رغم فظاعتها، لم تحطّم ايمانها ولم تتهاون بهويتها ووجودها، لتكون شعلة منيرة على طريق من يصبو الى مشاركة المسيح بسلوك درب الجلجلة على أمل القيامة.

خاتمة

 كانت الدول الغربيّة على علم بهذه التجاوزات وهذه المجازر وقد سجّل عدّة قناصل هذه الأحداث [41]

ان المجازر التي حصلت آنذاك تحولت في القرن التاسع عشر من ردة فعل وتظاهر لتغيير الوضع الاجتماعي الى خلاف بين الاديان. وهذا قد اثبت من خلال عدة كتابات ووثائق.

الميزة التي يمكن اضفاؤها على السياسة التركية تجاه الشعوب الخاضعة لها هي الممارسات العنيفة والوحشية. ولكن هذا العنف لم يؤدي الى النتائج المرجوة. وانما ساهم في ازدياد الهوّة بين الامبرطورية ورعاياها من غير الاتراك[42]

منذ كانون الثاني 1894 رأى القنصل الفرنسي غوستاف ميريي انّ هذا الوضع كان طبّق على كلّ المسيحيين من دون تفرقة، أكانوا أرمن أو كلدانيين او سريان او يونان. إنه نتيجة الحقد الديني كونه يعتمد على قوّة البعض وعلى ضعف الآخرين[43]

ترى ما هو ذنب السريان ليكونوا ضحية توجهات سياسية، مثلهم مثل سائر الطوائف المسيحية. ماتوا وهجّروا وهم لم يفكّروا يوما بالثورة او بحمل سلاح لاثارة الفتن والمشاكل، ولم يفكّروا يوما ان ينتفضوا ضد السلطنة العثمانية….

اهتمت بعض الشعوب بالمجازر فكان الروس اول من أخبر عنها وقدموا المساعدات للمنكوبين، فضلا عن الولايات المتحدة التي قدمت مساعدات مالية بمعونة مؤسسة روكفيلر ومؤسسات اخرى. والكنائس ايضا كان لها الفضل في ذلك.

كتبت الصحافة عنها مثل مجلة الارساليات البروتستانتية الاميركية The Missionnary Review of the world و Le Times البريطانية و Le Gaulois الفرنسية وغيرها…. وكانت كل النداءات التي أطلقت تؤثر في النفوس. ولكن لم يلق صداها جوابا.

شدد الاعلام على الحاجة الماسة للمساعدة الانسانية للمضطهدين وتحركت في هذا الصدد المؤسسات منذ عام 1915.

خلال مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، قدّم معظم رجالات الدين وخصوصا السريان من تركيا، من العراق، من القوقاز، من إيران، من الولايات المتحدة الاميركية لعرض قضية كنيستهم وشعبهم، مشددين على المجازر والخسائر التي اصابتهم.

نجد في ارشيفات مختلفة معلومات مهمة عن حجم الكارثة والدمار الذي حل بالسريان من بينها الارشيف البريطاني والارشيف السرياني في دير الشرفة وغيرها من الأرشيفات المحلية والخارجية. ولكن لم تقف هذه المأساة حاجزا امامهم فقد أكملوا مسيرتهم الثقافية وبعد المجازر قاموا بتأسيس مياتم ودور عجزة ومدارس ومؤسسات للاجئين السريان وغيرهم، في الشرق وفي بلدان الاغتراب. ساعدهم في ذلك انتشارهم في كل القارات وسعيهم الحثيث نحو الاستمرارية والامل بالغد.

انّ هذا الحدث، الوحيد في التاريخ بالظروف التي أحدثها، وبالهدف الذي كان يصبو اليه، يبقى على عاتق من أمر به، وخجلاً ابدياً للذي نفّذه، وألماً أبدياً للذي عاشه.[44]

اليوم وبعد مرور قرن على هذه المجازر والاضطهادات نرى ان التاريخ يعيد نفسه. اليوم وبعد مئة عام، ما زال كثيرون يرون هذه المشاهد المريرة والالام القاسية التي ألمّت بآبائهم. من يتحمّل المسؤولية؟ هل تعوض انتهاك الكرامات والاعراض وتعود ارواح الشهداء الى الحياة؟ وهل يمحى البكاء المرير الصادر عن الايتام والثكالى والارامل والشيوخ والجرحى والمذلولين؟


[1] من كلمة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك الكنيسة السريانية الانطاكية في المؤتمر الصحفي لإطلاقه السنة اليوبيلية بمناسبة الذكرى المئوية لشهداء مجازر الإبادة، وحملت الاحتفالات شعار:” دماء الشهداء بذار الإيمان” 5 شباط 2015 – المقر البطريركي – الأرشيف البطريركي، بيروت.

 أطلقت هذه التسمية مع تجمّع حوالي ثلاثة الاف شخص أرمني في جبل أنتوغ داغ في ولاية بتليس وأعلنوا عدم خضوعهم للسلطان العثماني.[2]

[3] ضياء كوك ألب (1875-1924) منظّر قومي تركي.

[4] راجع مؤلفات كوك ألب: ” أساسيات القومية التركية،1923 والقومية التركية بين الإسلام والمعاصرة 1923.

[5]هي قوافل سيق فيها النصارى بهدف الترحيل القسري أو القتل أو التعذيب في أماكن بعيدة ووعرة. هذه الخطوة نسّقت ما بين طلعت باشا وزير الداخلية التركية والمسؤول عن المدنيين، وبين أنور باشا وزير الدفاع التركي والمسؤول عن طوابير السخرة.

[6] تدعى هذه المذبحة بالمصطلح الأنجليزي (Sayfo أو Seyfo) وتعّرف بالأرامية (سايپا أو سيفو) (سريانية:ܣܝܦܐ) أو السيف بالعربية (وهي العائدة إلى المصطلح الإنجليزي) وتعرف بالآرامية الجديدة (الطورانية) “شاتو دو سايفو” أو “سنة السيف”.

الإسم (الأرامية:ܩܛܠܐ ܕܥܡܐ ܣܘܪܝܐ)والتي تعني (قتل الشعب السرياني)، توصف لدى بعض الجماعات للتذكير بالحادثة. ويوصف هذا الحدث في وسائل الإعلام السريانية باسم (ܩܛܠܥܡܐ) والتي تعني مذبحة أو مذابح.

[7] اسحق أرملة (1879-1954) كاهن سرياني من ماردين وشاهد عيان لتلك المأساة وقد ساقه الاتراك الى السجن مع رئيس دير مار افرام في ماردين، افرام احمر دقنه وجميع قسوس الدير ورهبانه، وبعد ان أطلق سبيله سطّر كتابه الشهير القصارى في نكبات النصارى بالحرف السرياني “كرشوني”.

[8] المقر الصيفي لبطريركية السريان الكاثوليك

[9] إنعقد مؤتمر السلام في باريس من 18 كانون الثاني 1919 إلى 21 كانون الثاني سنة 1920.  دامت تلك الاجتماعات حوالي 6 أشهر بشكل متقطع كان هدفها “إيجاد الحلول” للمشاكل العديدة في أوروبا والعالم التي تدهورت اوضاعها خلال الحرب العالمية الأولى.

[10] يمكن مراجعة دراسة قام بها Joseph Alichoran, “Assyro-Chaldeans in the 20the century: from Genocide to Diaspora” , journal of Assyrian Academic Society Vol VIII, N 2, des Plaines (USA) , 1994, p 45-79

[11]  نيسكو، موفق، السريان الاسم الحقيقي للأراميين والاشوريين والكلدان، بيسان، بيروت، 2012، ص 276

[12] طرازي، فيليب دي، الفيكونت، أصدق ما كان عن تاريخ لبنان وصفحة من اخبار السريان، بيروت،2010، ص 53

[13] بيغوليفسكايا، نينا، ثقافة السريان في القرون الوسطى، دار الحصاد، دمشق، 1990، ص54

[14] حافظ، شادية توفيق، السريان وتاريخ الطب، نهضة مصر، القاهرة، 1993، ص 185.

[15] Akçam Tamer, Un acte honteux : le génocide et la question de la responsabilité turque, traduit de l’anglais par Odile Demange, Denoël, Paris 2006, p31.

[16] Ibid, p 45.

[17] TERNON Yves, Mardine 1915: anatomie pathologique d’une destruction, Geuthner, Paris, 2007, p 109

[18] KOUYOMDJIAN, Ohannès, Le Liban: à la veille et au début de la grande guerre: mémoires d’un gouverneur, 1913-1915, Centre d’histoire arménienne contemporaine, Paris, 2003, p 18.

[19]  YACOUB, Joseph, Qui s’en souviendra?: 1915, le génocide assyro-chaldéen-syriaque, Cerf, paris, 2014, pp132-133

[20] Cf. YACOUB, Joseph, op. cit, p 22

[21]   انّ الإرساليات الغربية (انغليكان-لوثريين-كاثوليك…) شهدوا على هذه الأفعال، امّأ كشهود عيان، او من خلال رسائلهم او تقاريرهم المكتوبة لرؤسائهم.WEIBEL YACOUB, Claire, Le rêve brisé des Assyro-Chaldéens: L’introuvable autonomie,Cerf, Paris, 2011, p 74

[22] قره باشي، عبد المسيح نعمان، الدم المسفوك ومذابح السريان في ما بين النهرين، مطبعة توما، البوشرية، 2005، ص 119.

[23] المرجع السابق نفسه ص 126

[24] المرجع السابق نفسه ص 138

[25]Rapport n 2, le 9 février 1895, Gustave, Meyrier, “situation des chrétiens dans le Vilayet”, p.50

[26]  راجع كتاب أرملة، اسحق، الخوراسقف، القصارى في نكبات النصارى، [د.م]؛ [د.ن]، 1971

[27] حايك، اغناطيوس أنطون الثاني، بطريرك، سنابل في حقل التاريخ، مطبعة توما، بيروت،2004، ص 98.

[28] هو ابن ملكي بن جبرائيل ابن الشماس يوسف ابن المركيز ميخائيل ابن الكافلير جبرائيل ابن الشماس نعمة الله بن ميخائيل بن عطالله جروة انتزح جده الى ماردين من حلب (منهم غريغوريوي  شكرالله مطران اورشليم 1773 والبطربرك ميخائيل جروة 1880 والبطريرك جرجس جروة 1851

القي القبض عليه في ماردين 1915 وقتل شهيداً

[29] اريسيان، نورا، 100 عام على الإبادة الأرمنية، جامعة هيكازيان، بيروت 2015، ص43

[30] راجع الأرشيف البطريركي للسريان الكاثوليك-دير الشرفة، مخطوط بقلم الأب حنّا زلّو شاهد عيان لواقعة سويرك، سنة 1897. 

[31] COURTOIS, Sébastien de, Le Génocide oublié: Chrétiens d’Orient, les derniers araméens, Ellipses, Paris, 2002, p 122.

[32] Prologue, Rapport de Frère Hy. Simon des Frères Prêcheurs, à Mgr Théophile-Gabriel Tappouni, Vicaire patriarcal des Syriens catholiques de Mardine, Alep, juin 1919, p. 27 (Archives Patriarcales de Charfet)

[33] YACOUB Joseph, op. cit, p. 113.

[34]YACOUB WEIBEL Claire, Surma l’assyro-chaldéenne (1883-1975) : dans la tourmente de Mésopotamie, L’Harmattan, Paris, 2007, p. 56.

[35] Prologue, op. cit, p 5.

[36] YACOUB Claire, Surma, op.cit,  p 70

[37] Cf. MANTRAN Robert, Histoire d’Istanbul, Paris, Fayard, 1996, p 314

[38] OEUVRE D’Orient ‘ perspectives et réflexions, n 3, 2015, p. 82

[39] YACOUB Claire, Le rêve, op. cit, p 69

[40] طرازي، فيليب، السلاسل التاريخية، بيروت 1908، ص 17

[41] Cf. Les massacres de Diarbékir, correspondence diplomatique du vice-consul de France (1894-1896) présentée et annotée par Claire Mouradian et Michel Durand-Meyrier, Paris, Ed. L’inventaire, Coll. “Valise diplomatique”, octobre 2000, 259p.

[42]  مجموعة باحثين، الأقليات والقوميات في السلطنة العثمانية بعد 1516، منشورات الجمعية التاريخية اللبنانية، الفنار، 2001، ص 168

[43] MEYRIER, Gustave, Les Massacres de Diarbékir, L’Inventaire, Paris, 2000, p. 53

[44] Prologue, Op. cit,  p 3

Scroll to Top