«أنا مسيحي»، قول يدلّ إلى أكثر من هوية، إنه يرمي إلى علاقة شخصيّة مع يسوع. يكتسب المسيحي في كيانه هويته الحقيقيّة الواعية في الحبّ والإيمان والرجاء. فالإيمان بيسوع يقتضي علاقة ثقة؛ علاقة طاعة وعلاقة حبّ ورجاء. وحده من يحبّ يسوع يؤمن به. وإيمانه هذا الذي يبنيه على علاقة معرفة شخصيّة وحبّ شخصي، يتخطّى البُعد الفكري في اكتساب حقائق الوحي حول يسوع، ويصبح ديناميّة علاقة حبّ تولّد مسيرة التشبّه بالمسيح. فاللقاء الشخصي مع المسيح يجسّد اختباراً نامياً في التخلّي والتخطّي للوصول إلى الانتماء لمن «يدعو ويُدهش».
تبدأ هذه العلاقة كخبرة إعجاب وانجذاب لطريقة عيشه. لذا يرى المؤمن في المرحلة الأولى من الاتباع «مثالاً» في يسوع، يجد فيه المرجع الذي يُجيب على كلّ تساؤلاته والذي يشفي غليل حاجاته الشخصيّة. فينتظر منه أن يزيل كلّ عوائق الصعاب، والتعب، والألم، والمجازفات عن دربه. إنّه يسوع الشافي، الحامي، والمنقذ. هذه العلاقة الأولية من الاعجاب تولّد دينامية القرب من يسوع والانسجام معه، التعرّف إليه والاهتمام لأمره.
عندما تنمو العلاقة وتتقدّم، تعمق، فتتطوّر عمليّة التشبّه به والتهام كلامه والعمل على تحقيق أهداف ملكوته. فالنمو هنا يعني العبور من حالة «أحبّك لأنّني أحتاجك» إلى حالة «أحتاجك لأنّني أحبّك». وهذا يجعل من صاحب الخبرة الناضجة أن يؤسّس علاقته بيسوع ليس على «الافادة» بل على «شخصه بالذات»: فيسوع الذي يتبع ليس بطلاً ولا هو عبقري ولا هو أيضاً ساحر محرِّر.
فالدعوة إلى الاتباع هي «شغف»؛ وصاحب الدعوة هذه يصبح «محترف حبّ»، ولهذا يسعى لأن يتشبّه بيسوع الحبّ المتجسّد.
يسرّ أسرة المنارة أن تعيّد في هذه العدد الثالث جمعية المرسلين اللبنانيّين في يوبيل المئة والخمسين سنة على تأسيسها؛ وأن تكمل نشر مقالات تتناول مسار الجمعية ورسالاتها، حتى تفتح السُبُل للعبور من المعرفة إلى العمل، ومن الاعجاب إلى الالتزام. فاختبار العيش يزيد الخبرة، والخبرة تزيد المسؤوليّة والمسؤوليّة تزيد الالتزام. فبالالتزام نفتح أبواب الرجاء لمستقبل زاهر، حيّ وفاعل. «أن نرجو يعني أن نلتزم» يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي «رجاء جديد للبنان».
هيئة التحرير