الأب نوهرا صفير الكرملي
من رهبانيَّة الكرمَليِّين الـحفاة في لبنان
مقدِّمَة
هكذا أحبّ يوسفُ يسوعَ الذي سمّته الأناجيلُ الأربعة “ابن يوسف” (راجع لو 4، 22؛ يو 6، 42؛ را. متى 13، 55؛ مر 6، 3).
نجّارًا متواضعًا (را. متى 13، 55)، خطّيب مريم (را. متى 1، 18؛ لو 1، 27)؛ “رجلًا بارًّا” (متى 1، 19)، مستعدًّا دائمًا لتتميم مشيئة الله التي تجلّت في شريعته (را. لو 2، 22. 27. 39) ومن خلال أربعة أحلام (را. متى 1، 20؛ 2، 13. 19. 22). بعد رحلة طويلة ومرهقة من الناصرة إلى بيت لحم، رأى ميلاد الـرَّبّ في مِذوَدٍ، لأنَّه “لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ” (لو 2، 7). وشَهِدَ سجُودَ الرُّعَاة (لو 2، 8- 20) وسجود الـمَجُوس (را. متى 2، 1- 12)، الذين يمثّلون على التوالي شعب إسرائيل والشعوب الوثنيَّة.
هو شخصِيَّة لا مَثِيلَ لـهَا في تاريخ الخلاص …، هو أَبٌ حَبِيب، أَبٌ في الحنَان والطاعَة والقبُول؛ أَبٌ يَتَحَلَّى بِشَجَاعَةٍ خَلَّاقَة، عَامِل مـُجْتَهِد، وَدَائِمًا في الظِلّ …
يقول البابا فرنسيس: “إِنَّ شَخصِيَّتهُ هي مِثَاليَّة للغَاية، في عَالمٍ “يحتَاجُ إِلى الآباء ويرفض الأَسيَاد”، وَيرفض الَّذِينَ يخلطُونَ بين “السُّلطَة والاستِبدَاد، والخِدمَة بالذلّ، والمواجَهَة بالقَمع، والمحبَّة بِتَقدِيمِ المسَاعَدة، والقوَّة بالتَّدمِير”. (ر. رِسَالَة “Patris corde – بِقَلبٍ أَبويّ” للبابا فرنسيس، روما، قرب كاتدرائية القدّيس يوحنا اللاتيراني، 8 كانون الأوّل / ديسمبر، عيد الحبل بلا دنس، سنة 2020).
ذاعَ صيتُهُ وإكرامهُ في حيَاةِ الكَرمَل، وبالأخصّ مع أمّنا القدِّيسَة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”، قائلة: “بودِّي أن أَحُثَّ الجميع على التعبُّد لهذا القدِّيس الـمَجيد لخبرتي الواسعة في النِّعَم التي ينالها لنا من لَدُنِ الله” (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 7). اتُّخِذَ شفيعًا قديرًا وكبيرًا، ومثالًا حقيقيًّا لِحَياة الصَّمت والتأمُّل وهي ميزة الحياة الكرمَليَّة، كمَا سنراهَا في هذه الـمقالة من خلال كتابات قدِّيسي الرَّهبانيَّة، ومدى تأثيرِهِ على الحضور الليتورجي، والعيش في ظِلّ الكَلِمَة والتأمُّل بِهَا، التي هي كلّ ركيزة وشريعَة الكَرمَل، التأمُّل ليلَ نَهَار في شريعَة الرَّبّ، مع السهر والصلاة، (ر. القانون الأوَّل الرسوم وقواعدها التطبيقيَّة، رهبانيَّة الإخوة الحفاة، 10 – (6) – الصلاة المستمرَّة)، إلى جانب العَمَل الرَّسولي. وعن الصلاة والتأمُّل، تقول أمّنا القدِّيسَة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”: “…، من لا يجد مرشدًا يعلِّمهُ التأمُّل فليتَّخِذ هذا القدِّيس الـمَجيد معلِّمًا لهُ ولن يضَلّ الطريق” (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 8).
من هو القدِّيس يوسف:
يوسُف أعظم القدِّيسين شَرَفًا وإجلالًا، لأنَّ ما نالَهُ مِنَ الشَّرَف لدى الله لَم يَنَلْهُ أَحَد. هو ابْنُ يعقوب بن ماتان، من نسل داود الـمَلِك وإبراهيم أب الآباء (ر. متى 1: 1 – 16). أقامَهُ اللهُ الآب القدير، أبًا ومربِّيًا لابنهِ الوحيد يسوع الـمَسيح ربّنا، واتَّخذهُ الله الإبْنُ أبًا لهُ بالجَسَد، واصْطَفَاهُ اللهُ الرّوحُ القدُس خطِّيبًا للكُليَّةِ القداسَة مريم العذراء الدائِمَةِ البتوليَّة. مِن هنا يُستَدَلُّ أَنَّ سيرتهُ كانت منطبقةً على انتخابِ الثَّالوث الأقدَس لهُ. يقول الإنجيليّ متَّى: “وكانَ يوسُف رَجُلُهَا صِدِّيقًا” (ر. متى 1: 19).
إِنَّ الكَلِمَةَ الـمُتَجسِّد قد آثَرَ في حَيَاتِهِ التواضُعَ والفقر، فأرادَ أن يكونَ مربِّيهِ والحارس لهُ رجلًا فقيرًا مسكينًا، على أَنَّ فَضَائِلَهُ كانت فوقَ كُلِّ ثروةٍ. فإيمانهُ الرَّاسخ، وثقتهُ العَظيمَة بالله كانا لهُ عونًا في الـمَصَاعِب. وأَوَّل ما اصْطَدَمَ بِهِ، أَنَّ العذراء الَّتي اتَّخَذَهَا خطِّيبَةً لَهُ هي حُبلى، فاحتارَ في أَمرِهِ، لكنَّ شَهَامتهُ مَنَعَتْهُ مِن أن يَشهرهَا، فَهَمَّ بِتَخلِيَتِهَا سِرًّا. وفيمَا هو مُفَكِّرٌ في ذلِكَ، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّبّ في الحلم وكَشَفَ لَهُ عَنِ الـحقيقة.
ومنذ تلكَ السَّاعَة جَعَلَ يوسف حياتهُ وقفًا على خِدمَةِ العذراء القدِّيسَة وابنِهَا يسوع. فكانَ الـمُربِّي الصَّالِح والأَمين ليسوع، من مغَارَة بيت لحم إلى تقدِمَتِهِ إلى الهيكَل، إلى الهرب والعودة من مصر، إلى الحياة الخفيَّة في الناصرة، إلى فقدان يسوع ووجوده في الهيكل.
واصَلَ رسالتَهُ وعنايتهُ بيسوعَ وَمَريَم بإيمَانٍ حَيّ وَمَحَبَّةٍ وحَنانٍ وَصَمت، فاستَحَقَّ أَن يموتَ بين يديّ يسوعَ وَمَريَم، وكانَ بذلِكَ: شفيع الكنيسَة، الـميتَةِ الصَّالِحَة، العائلة، والعُمَّال.
القدِّيس يوسُف في الوثائق البابويَّة:
خرجَ تكريم القدِّيس يوسُف من الظلّ، كلَّما تمَّ الإعتراف بمقامِهِ وقداستِهِ. سنعرض بعض أجزاء من أهمّ الوثائق البابويَّة التي صدرَت في القرن السابق وفي القرن الحاليّ.
الوثيقة الأولى: إِنَّ أوَّل تصريحٍ صَدَر هو في 8 كانون الأوَّل سنة 1870، حين وضعَ البابا بيّوس التاسع الكنيسة الكاثوليكيَّة كلّها في رعاية القدِّيس يوسف، مسمّيًّا إِيّاه “شفيع الكنيسة الجامعة”: “كما أنّ الله القدير قد وضعَ يوسُف، إبن يعقوب، على رأس مصر لينقذ شعبه من المجاعة، هكذا، حين تمَّ الزمان، زمان إرسال ابنه الوحيد إلى الأرض، إختار يوسُف آخرَ حارس لأعزَّ كنوزه… فقد وهبه زوجًا للعذراء القدِّيسة التي وُلدَ منها ربّنا يسوع المسيح بعمَل الرُّوح القدس، وعُرِفَ، في نظر الناس، إبنًا ليوسُف… وذلك الذي رغب ملوكٌ وأنبياء في رؤيتهِ طوالَ القرون، لم يكتفِ يوسُف برؤيتِهِ والتحدُّث إليهِ، بل كنّ له عطفًا أبويًّا، وقبَّله، وربَّاه… وبسبب المقام السامي الذي منحه الله لآمن خدّامه، فإنَّ الكنيسة لم تنقطع عن مدحِ يوسُف وتكريمه، بعد زوجتِهِ العذراء أمَّ الله، وعن اللجوء إلى شفاعتِهِ في الظّروف العصيبة”.
الوثيقة الثانية: هي رسالة عامّة أصدرها البابا لاون الثالث عشر في 15 آب سنة 1889، وهي أهمّ وثيقة خُصَّ بها القدِّيس يوسُف: “…إنَّ وضع القدّيس يوسُف هو السبب الذي من أجلِهِ يتشفَّع جميع المؤمنين، في جميع الأماكِن وجميع المراتِب، بالقدِّيس يوسُف ويضعون أنفسَهُم في حمايتِه. ففيه يجد أربابَ العائلات مثالاً رفيعًا لبُعدِ النظر والإهتمام الأبويّ. وفيه يجد الأزواح صورة كاملة للحبّ والوفاء الزوجيّ. والذين نذروا البتوليَّة يستطيعون أن يعتبروه، في الوقت نفسه، مثالهم وحارس بتوليّتهم. وإذا تأمّل عظماء هذه الدنيا في القدِّيس يوسُف استطاعوا أن يتعلّموا كيف يحافظون على مقامهِم في أصعبِ الظروف. فيفهم الأغنياء ما هي الكنوز التي يجب عليهم قبلَ كلّ شيء أن يبحثوا عنها ويجمعوها بحرارة، في حين يجب على الفقراء والعمَّال والمحرومين أن يذهبوا إليه بحقّ، ويتعلّموا الإقتداء به. كان يوسُف زوج أعظم النساء وأقدَسُهنَّ، وكانَ “أبا” لابن الله، ومع ذلك، أمضى حياته في العمل، وبفضلِ يديهِ ومهارتِه، أنتج ما كان ضروريًّا لأعضاءِ العائلة. ولذلك، وبكلّ صدق، فإنّ وَضْعَ الذين هم محدودو سبُلَ العيش ليسَ شائنًا على الإطلاق، لأنَّ عمل الصانع، بدل أن يكون فقدانًا للتقدير، يمكن أن يزدادَ شرفًا بالفضيلة…”.
كتب البابا لاون الثالث عشر، صلاة للقدِّيس يوسف شفيع الكنيسَة الجامِعَة، يقول:
“إِليكَ نهرعُ في شَدائِدنا، أَيُّهَا الطوباويّ يوسف، وَنَستَغِيث وَاثِقين بِحِمَايتِكَ بعد أَن اسْتَعَنَّا بحمَاية عروسِكَ الكليَّةِ القداسَة. وَنَسألكَ متوسِّلين بحقِّ ذلِكَ الرِّباط الوثيق، رباط المحبَّة، الَّذِي وحَّدَ بينكَ وبين العذراء البريئة مِنَ العَيب أُمِّ الله، وبالحبِّ الأَبويّ الَّذِي احتَضَنْتَ بِهِ الطفلَ يَسُوع، أَن تَنظُرَ منعطِفًا إِلى الميراثِ الَّذِي اقتَنَاهُ يسوع الـمَسِيح بدَمِهِ، وَتُسَاعدنا في حَاجَاتِنَا بما لكَ مِنَ الفعل والـمَقدِرَة، يا حارسًا جزيلَ العِنَايَةِ بالعَائِلَة الـمقدَّسَة، أَي ذريَّة يسوع المختارة. فاصْرِف عنَّا، أَيُّها الأَب الكليَّةِ محبَّته، وباءَ الأَضَاليل والـمَفَاسِد بِأَسرِهَا. يَا نَصيرنَا القَدير، بِعَطْفِكَ علينا، قِفْ إِلى جَنْبِنَا عضدًا مِنَ السماء في هذه الـمَعركة بينَنا وبين قوَّاتِ الظلام. وَكَمَا خَلَّصْتَ يومًا الطفل يَسُوع مِنَ الخَطر العَظِيم الـمُحْدِق بِحَيَاتِهِ، هَكَذا إِحْمِ الآنَ كَنِيسَةَ الله الـمُقَدَّسَة مِن مَكَايِدِ الأَعدَاء وَمِن كلِّ كَارِثَةٍ. أُبْسُط على كُلٍّ مِنَّا ظِلَّ حِمَايتِكَ الدائِمَة، بحيثُ نستطيع، على مِثَالِكَ وبواسِطَةِ مَعُونَتِكَ، أَن نحيَا حَيَاةً مقدَّسَة، ونموتَ ميتَةً صَالِحَة، وَنحصُلَ على السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّة في السَّمَاوات. آمين”.
الوثيقة الثالثة: هي خطاب ألقاه البابا بيّوس الحادي عشر في 19 آذار سنة 1928: “… بين مهمّة يوحنَّا المعمدان ومهمّة القدِّيس بطرس، تظهر مهمّة القدِّيس يوسُف، المنعزلة والصامتة، والمعدَّة لأن لا تلمع إلاَّ بعد بِضعَةِ قرون. في الحقيقة، حيثما كان السِرّ عميقًا، وحيثما كانت الظلال التي تغطّيه سميكة، كان الصمت أتمّ، وكانت المهمّة عالية الشأن وكان مجمل الفضائل الضروريَّة، كالإستحقاقات التي تقابلها، أشدّ لمعانًا. ما أروع مهمَّة حماية إبن الله، ملك العالم، ومهمَّة المحافظة على بتوليَّة مريم وقداستها، وما أشدّ امتياز مهمَّة المشاركة في تحقيق السرّ العظيم المخفيّ عن عيون القرون الماضية، ومهمَّة التعاون في التجسّد والفداء”.
الوثيقة الرابعة: هي صلاة وضعها البابا بيّوس الثاني عشر في 11 آذار سنة 1958 وخصّ بها العمّال في الدرجة الأولى: «أيُّها القدِّيس المجيد، البارّ والـمتواضع، أيُّها العامل في الناصرة، يا من كان لجميع المسيحيّين، ولا سيّما لنا نحن، قدوة في حياة عمل متواصل وإتّحاد عجيب بمريم ويسوع، ساعدنا في أشغالنا اليوميَّة، لنستطيع، نحن العمّال المسيحيّين، أن نجد في عملنا السبُل الفعَّالة إلى تمجيد ربّنا يسوع المسيح، وأن نُفيد مجتمعنا الذي نعيش فيه. إحصَل لنا من الرَّبّ، أيُّها الحامي الحبيب، على تواضُع القلب وبسَاطتِه، وحبّ العمل، والعطف على رفاقنا، وعلى إتمام مشيئة الله في عذابات هذه الحياة، وعلى الفرح في تحمّلها. وهب لنا أن نشعر برسالتنا الإجتماعيَّة وأن نتحسَّس لـمسؤوليَّاتنا، وأعطنا روح النظام والصلاة، وزدنا احترامًا لرؤسائنا، وأخوَّةً لرفاقنا، ومحبَّةً وتسامحًا لـمرؤوسينا. كن معنا في النجاح، حين نتذوّق ثمار أتعابنا، ولكن كن سندًا لنا في ساعات الحزن، حين تبدو لنا السماء مغلقة ويبدو لنا أنّ أدوات عملنا تقاوم جهودنا. وهب لنا أن نستطيع، على مثالك، التأمّل في أمّنا مريم وزوجتك الوديعة، التي كانت تحبّك صامتةً بالقرب منك في مشغلك الوضيع. إجعلنا لا ننسى يسوع، الذي كان يعمل معكَ في مشغَلِ النجارة، فنعيش عيشةً مقدّسةً وهادئة على الأرض، مقدمةً لتلك الحياة الأبديَّة التي تنتظرنا في السماء. آمين”.
إِنَّ تاريخ الباباوات حافل بالعلاقة الـمُمَيَّزة مع خطّيب والدة الإله القدِّيسة مريم الدَّائِمَة البتوليَّة، ومربّي الرَّبّ يسوع الـمسيح. إِنَّ البابا لاون الثالث عشر كان يلتجىء مرّات عديدة إلى القدّيس يوسف ولا سيّما في الأوقات الصعبة التي كانت الكنيسة تمرّ فيها. إِنَّ البابا بيوس الحادي عشر، ثبَّت في ٢۱ آذار 1935، طِلبَة القدِّيس يوسف وَمَنَحَ الغُفرانات لكلِّ مَن يُصَلِّيهَا. وَكَذلَكَ فعَلَ البابا بولس السادس الذي كان يطلب شفاعة القديس يوسف كلّ مرّة صلّى فيها لأجل الكنيسة. أمّا البابا القدِّيس يوحنّا بولس الثاني فقد كتب إرشادًا رسوليًا بعنوان “حارس الفادي”، موضحًا من خلاله صورة وشخصيَّة القدِّيس يوسف ورسالته في حياة السيِّد الـمسيح والكنيسَة.
إكرام القدِّيس يوسف في الليتورجيا والكرمَل:
إِنّ الكنيسة الـمقدّسة كرّست شهر آذار لإِكرامِهِ والإِحتِفَال بعيدِهِ يوم 19 مِنَ الشَّهر نفسِهِ، وقَد أخَذَت كنَائِس عديدة في الغَرب تُقيمُ عيد القدِّيس يوسُف في مثل هذا اليوم منذ القرن العاشر، وفي روما منذ سنة 1479. وفي سنة 1621، أُدخِلَ العيد في التقويم اللَّاتيني الروماني العام، وتردّد لنا دومًا قول الكتاب المقدّس: “إذهبوا إلى يوسف فما يقلهُ لكم فاصنَعوه” (تكوين ٤۱/ ٥٥). تتميَّز الليتورجيا بإبراز دور القدِّيس يوسف في تاريخ الخلاص، حيثُ يُذكَر في الصلوات الإفخارستيَّة وتوزيع أعياده في الدورة الطقسيَّة: ذكرهُ في أناجيل أيَّام الـمَجيء الكبرى، في أناجيل الزمن الميلاديّ، عيد العائلة المقدَّسَة (الأحد الواقع في ثمانيَّة ميلاد الرَّبّ أو في 30 كانون الأوَّل)، 19 آذار يوم إحتفاليّ كبير، 1 أيَّار القدِّيس يوسف العامل، وإكرامُهُ يوم الأربعاء من الزمن العادي (إذا لم يقع فيه تذكار، عيد أو إحتفال). تقول أمّنا القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”: “كنتُ أبذُلُ عنايتي للإحتفال بعيدِهِ بكلّ ما أستطيع من فخامة تطغى فيها الأبَّهَة على الروح، وهمِّي في ذلِكَ، على حسنِ نيِّتي، أن يأتي الإحتفال منتظمًا يثير الإعجاب” (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 7).
يحمل القدِّيس يوسف البتول، خطِّيب والدة الإِلَه ومُرَبِّي يسوع، أَلقَابًا أَضَافتهَا الكَنِيسَة عليه، وتُبرزُ الدَّورَ الـمُميَّز لَهُ، ومن خلالها ترفع الأنظار نحوه طالبةً شفَاعَتَهُ، من أَجل الرُّعاة، الـمُكَرَّسين، الـمؤمنين، الرَّهبانيَّات وسائر الـمؤسَّسات الكنسيَّة، وَتَسْتَشْفِعْهُ معَ العذراء القدِّيسَة، أمّ الله. وَمِن هُنا أُدْرِجَ إسْمُهُ بعد ذكر الكليَّة القداسَة مريم، في جميع الصلوات الليتورجيَّة، وقد أَصدَرَ المجمَع الروماني مرسومًا يقضِي فيه أنَّ إسْمَ القدِّيس يوسف سَيُذكَر مِنَ الآنَ فصَاعِدًا في القانون الكَنَسِي للقدَّاس وكان قد تَمَّ التداول فيه في 1 أيار 2013، باعتِبَار القدِّيس يوسُف شَفِيع العُمَّال وتمَّ نشرهُ مِن قِبَل الكرسِيّ الرَّسوليّ في 19 حزيران. وقَد أتَى في الـمرسوم الصَّادِر عن المجمَع: “بأن يُضَاف إسْم القدِّيس يوسُف، خِطِّيب مريَم العَذراء، إِلى الصَّلوات الإِفخارستيَّة الثانية والثالثة والرابعة وفي الصلوات الإفخارستيَّة للمصالحَة مِنَ الطبعَة النموذجيَّة الثالثة مِن كِتَاب القدَّاس بعد إسْمِ الطوباويَّة مريَم العذراء الدَّائِمَة البتوليَّة”.
تقول أمّنا القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”: “…، فما عرفتُ مَن يَتَعَبَّد لهُ عبادةً حقيقيَّةً ويُكرِّمهُ إكرامًا خاصًّا إلَّا ورأيتهُ متقدِّمًا في الفضيلة. إنَّهُ يفيد النفوس التي تستشفعهُ فائدةً عظمى. أذكرُ أنِّي منذ سنواتٍ عدَّة وأنا أسألهُ كلَّ سنةٍ في عيدِهِ حاجةً، وقد حقَّقها لي دائمًا. وإذا كان الطلب ملتويًا فهو يقوِّمهُ لخيري الأكبر” (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 7).
أُدْرِجَ إسْمُهُ في الليتورجيا الـمقدَّسَة، لأَنَّ القدِّيس يوسف قد اضْطَلَعَ بِدَورٍ بَالِغَ الأهميَّة في حيَاةِ القدِّيسة مريم ويسوع، فكَانَ مِثَالَ الأبوَّة الصَّالِحَة وشَفيع العَائلة المقدَّسة. قَبِل بتواضُع تامّ أَن يَتَخلَّى عن أحلامِهِ الخاصَّة ليَضُمَّهَا إِلى حُلْمِ الرَّبّ العَظِيم فيُحَوّلهُ ليُحَقِّق من خلالِهِ سِرَّ الخلاص. لم يَتَوانَى يومًا القدِّيس يوسف عَن الإِعتِنَاءِ بأمِّ الله بحبٍّ فائق الوصف، فَكَرَّسَ نفسهُ بِفَرَحٍ عَظِيم لِيُربّي يسوع الـمَسِيح. مِن هُنَا، أَصبَحَ حَافِظَ وحَارِسَ الكنوز الأَغلى لدى الله الآب، وَدَعم الجَسَد السرِّيّ أَي الكَنِيسَة الَّذِي لم يتوقَّف شَعبُ الله يومًا من إِكرامِهِ. تقول أمّنا القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”: “…، فأنا لا أدري كيف يمكن أن نوجِّه الفكر إلى سُلطانةِ الملائِكَة في حياتها على الأرض وما كابَدَتهُ مع الطفل يسوع من دون أن نؤدِّي الشكر للقدِّيس يوسف على المساعَدَةِ الفعَّالة لهما” (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 8).
في أَيَّام كانت عسيرة على الكنيسَة، أراد البابا بيوس التاسع أَن يَكِلَهَا إلى القدِّيس يوسف البتول، لِيشْمُلَهَا بِحِمَايَةٍ خاصَّة، فَأَعلَنَهُ “شفيعًا للكنيسَة الكاثوليكيَّة” وهو يَعلَم أَنَّ هذه المبادرة لم تكُن في غير مَحَلِّهَا، وذلِكَ لأَنَّ الكنيسَة الـمُقدَّسَة، نظرًا إلى مَا مَنَّ بِهِ اللهُ على هذا الخادِمِ الأمين مِن كَرامَةٍ سَامِيَة جدًّا، “فقد خَصَّت دائِمًا الطوباويّ يوسف، بعد زوجتِهِ العذراء القدِّيسة، بإكرامٍ عظيم، فَغَمَرَتهُ بِمَدائِحهَا، وآثَرَت اللجوءَ إِليهِ في الـمُلِمَّات” (راجع، مجمع الطقوس الـمُقدَّسَة، مرسوم في إقامَة القدِّيس يوسف شفيعًا للكنيسَة (8 كانون الأوَّل 1870): ص 283). تقول أمّنا القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”: “…، يبدو أنَّ الله أعطى قدِّيسين آخرين نعمةَ مساعدتِنَا في حاجةٍ معيَّنَة، أمَّا هذا القدِّيس الـمجيد فأعرف، بتجربتي الخاصَّة، أنَّهُ يساعدُنا في احتياجاتنا كلِّهَا. فالرَّبّ يريد أن يُفهمنا أنّهُ كمَا كانَ خاضعًا لهذا القدِّيس على الأرض، إذ كان يدعوه أبًا باعتباره مدبِّرًا فكان بإمكانِهِ أن يأمرهُ، هكذا أيضًا يفعل في السماء كلَّ ما يطلبه إليه فعله”. (ر. كتاب السيرة الفصل السادس، 6)
يتميَّز التراث اللَّاتيني بالتغنِّي في القدِّيس العَظيم يوسف، إذ يُنشِد لَهُ نشيدًا رائِعًا، أُدْرِجَ قديمًا في الصلواتِ الطقسيَّة، وصِفَاتُهُ نفسُهَا نَجِدُهَا اليوم أيضًا في الليتورجيا البيزنطيَّة، وهِيَ بدورِهَا تُعيِّد لَهُ أي الكَنيسَة البيزنطيَّة في مَحْفَلٍ مُقدَّس وكبير، في الأَحَد الواقع من 26 إلى 31 كانون الأوَّل، من الشهر نفسِهِ، وفيه يكون الأَحَد الَّذي يلي الـميلادَ الإِلَهِيّ، حيثُ يُقام تذكَار القدِّيس يوسف خطِّيب العذراء، وإِذا لم يَقَع أَحد في هذه الـمُدَّة، يُقام هذا التذكَار في يوم 26، قائلَةً في نشيد العيد للقدِّيسين، باللَّحن الثامن: “يا يوسُفُ بَشِّرْ داوُدَ جَدَّ الإِلَه بالعَجَائِب. فَقَد رأَيتَ العَذراءَ حَامِلًا. وَمَجَّدْتَ مَعَ الرُّعَاة. وَسَجَدْتَ مَعَ الـمَجوس. وبالـمَلاكِ أُوْحِيَ إِليكَ. فَابْتَهِلْ إِلى الـمَسيحِ الإِلَه في خلاصِ نفوسِنَا”.
أمَّا في نشيد التراث اللَّاتيني الرّوماني:
“طُوبـَى لكَ يا يوسُفَ الكَامِلُ الـحِكمَة، لأَنَّكَ شُوهِدْتَ بِجُمْلَتِكَ جميلًا لا عيبَ فيكَ.
طُوبـَى لكَ يا يوسُفَ البارّ، لأَنَّكَ مُزَيَّنٌ بالفَضَائِلِ الإِلَـهِيَّة، وَبِزَهْرَةِ العَفَاف.
طُوبَاكَ، لأَنَّ الرَّبَّ أَحَبَّ جَمَالَكَ، فَأَدْخَلَكَ إِلى الـخِدْرِ الـمُنِير.
طُوبَاكَ، أَيُّهَا الكَامِلُ السَّعَادَة، لأَنَّ التِّلالَ والـجِبَالَ ترى جَـمَالَ إِيـمَانِكَ.
طُوبَاكَ أَيُّهَا الـمُتوَشِّحُ بالله، لأَنَّكَ صِدِّيقًا وصَادِقًا، فَأَسْكَنَكَ اللهُ في مَسَاكِنِ الأَبرار.
طُوبَاكَ يَا يوسُفَ الشَّريف، لأَنَّ شَرَفَكَ بالـحَقيقَةِ لَعَظِيم، وَمَنْزِلَتِكَ سَامِيَةٌ على كُلِّ أَحَد.
أَيُّهَا النَّجَّارُ الـمَغْبُوط، الـمُعْتَنِي بالـمَسِيحِ ِإِلَـهِنَا الـمُتَجَسِّد،
إِنَّ الَّذي خَلَقَ السَّمَاءَ والأَرضَ والبِحَارَ بِكَلِمَتِهِ، صَارَ لكَ ابنًا بالتَّبَنِّي.
فَيَا مَنْ عُرِفْتَ لَهُ أَبًا، بِـمَا أَنَّكَ مَاثِلٌ لَدَيهِ،
أُطْلُبِ السَّلامَةَ مِنَ الشَّدائِدِ لِلَّذينَ يَـمدَحونَكَ.
يَا يوسُفَ الـمَجِيد، لَـمَّا أَخَذَتْكَ الدَّهْشَةُ مِن وِلادَةِ الـحَاوِي الـخَليقَةَ بِقَبْضَتِهِ،
سَجَدْتَ لَهُ بِخَوفٍ مُعَظِّمًا عِزَّتَهُ.
يَا يوسُفَ الـجَديرُ بالـمَديح، إِنَّكَ صِرْتَ لِلخَالِقِ هَيكَلًا حَيًّا، ومنيرًا بِمُمَارَسَةِ الأَعمَالِ الإِلَـهيَّة،
اسْتَحْقَقْتَ أَن تَتَسَلَّمَ مِنَ الـهَيكَلِ الـمُقَدَّسْ، مَن هي هَيكَلٌ مُقَدَّس، والِدَةُ الله،
الَّتي رَنَّـمْتَ مَعَهَا: “لِتُبَارِكِ الـخَليقَةُ بِأَسْرِهَا الرَّبّ، وَلْتَزِدْهُ رِفعَةً إِلى دَهرِ الدُّهُور” (مِنَ التراث الَّلاتيني 410 م).
وَوَرَدَ أيضًا في الرسالة البابويَّة “حارس الفادي” للبابا القدِّيس يوحنَّا بولس الثاني، لقب للقدِّيس يوسف، وهو: “شَفِيع الكَنِيسَة”. يقول: “إِنَّ يوسُف كانَ خطِّيب مريَم، واشتَهَرَ بِصِفَتِهِ أَبًا ليَسُوعَ الـمَسِيح ]…[ كان يوسف هو الحارِس والـمُدَبِّر والـحَامِي الشَّرعِيّ الطبيعِيّ للبيت الإِلَـهِيّ الَّذي توَلَّى رئاستهُ ]…[ فَمِنَ الطبيعيّ إذن، وَمِنَ الـخَلِيقِ جِدًّا بالطوبَاويّ يوسُف أَن يَشْمُلَ اليوم بِرِعَايَتِه السَّمَاوِيَّة، كَنِيسَةَ يسوعَ الـمَسِيح، وَيَذودَ عَنهَا كَمَا كَان يُلَبِّي قديمًا حَاجَات أسرة النَّاصِرَة ويحوطُهَا بحِمَايَتِه الـمُقَدَّسَة” (راجع، البابا يوحنا بولس الثاني، حارس الفادي، 28).
إِنَّ الكَنِيسَة الـمُقدَّسَة بحاجةٍ إِلى هذِهِ الحمَايَة مِنَ الأَخطَار الـمُحدِقَة بِهَا، وَلِدَعْمِهَا في جهُودِهَا الرَّامِيَة إِلى نَشرِ إِنجيل الـمَسِيح الخلاصِيّ، إِنجيل المحبَّة والسَّلام والعَدالة بين الشعوب. وَهِيَ تَثِق بقدرَتِه الـمُثلى.
عيد القدِّيس يوسف في الروزنامة الليتورجيَّة الـمارونية:
… مع وصول الأب شليستينو إلى دير مار أليشاع، يوم عيد مار يوسف في 19 آذار 1643، توجَّهَ الجميع إلى الدَّير وبدأ تحضير الكنيسة والمذبح وتزيينهما بما توفَّر لهم للإحتفال بالذَّبيحَة الإلـهيَّة. لم يكن عيد القدِّيس يوسف مُدرجًا بين أعياد القدِّيسين في الروزنامة الطقسيَّة للكنيسة الـمارونيَّة. هذا ما توضحهُ وثسقة في أرشيف جمعيَّة نشر الإيمان “روزنامة القدِّيسين الـمكرَّمين في الكنيسة الـمارونيَّة الإنطاكيَّة. طبعت هذه الروزنامة في الفرض البسيط لهذه الكنيسة، بسلطة وعلى نفقة أحبار الكنيسة الكاثوليكيَّة الأعظمين البابا بولس الخامس، والبابا غريغوريوس الخامس عشر، والبابا أوربانوس الثامن. طُبع في روما سنة 1624”. (APF SOCG, Maroniti, Vol. 1, P. 72).
ونزولًا عند طلب الأب شلستينو أدرج البطريرك الـماروني يوسف العاقوري (1644 – 1648)، عيد القدِّيس يوسف شفيعه في روزنامة القدِّيسين الـمكرَّمين من قبل الكنيسة الـمارونيَّة. بذلك نرى أنَّ عيد القدِّيس يوسف ما يزال يُحتفَل به حتَّى يومنا هذا في الكنيسة الـمارونيَّة في تاريخ 19 آذار من كلّ سنة.
القدِّيس يوسف في حياة الكرمَل:
يحتلّ القدِّيس يوسف، خِطِّيب الطوباويَّة العذراء مريم والدة الإله، مكانةً مميَّزة في الكنيسة وخاصَّة في حياة الكرمَل. لا يخفى على أحد أنَّ أمّنا القدّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”، كانت من أَكثر الشخصِيَّات وأَشهَرها الَّذين سَاهموا في نَشرِ إِكرام القدِّيس يوسف العفيف، وطلب شفاعته. كَتَبت نصًّا كامِلًا تُشيد فيه عن هذا القدِّيس العَظِيم، وَعَن مكَانتهِ في حياتها الشخصيَّة الخاصَّة ومسيرته في حياة قدِّيسين آخرين، ونجدهُ في الفصل السادس من كتاب السيرة للقدِّيسة الكبيرة وأول إمرأة معلِّمَة في الكنيسَة الجامعة المقدَّسَة (راجع الفصل 6، 6)، وفيه تشجِّع الكلّ على التعبُّد والإكرام الكبير لهذا القدِّيس المجيد، إِذ لخبرتها الخاصَّة معهُ دورٌ كبير مملوءٌ من النِّعَم، وشهادَة مميَّزة تُعلنهَا عن عيده الليتورجيّ في الكنيسة كلّ عام، وفيه حقَّقَ لها كلّ ما كانت تطلبهُ منهُ، قالت فيه:“… إنكشف لي أنَّ أبي هذا وشفيعي هو الذي أنقذني من المرض ومن مخاطر أَدهَى تهدِّد كرامَتي وخلاص نفسي، وآتاني خيرًا يفوق ما كنت أحسن طلبه منه. لا أذكر، حتى الآن، أنّي سألته شيئًا إلاَّ واستجابني. إنَّه لأمر يثير الدهشة ما غمرني به الربّ من نعمٍ بواسطة هذا القديس السعيد، وأخطار النفس والجسد التي أنقذني منها. … أطلب حبّاً بالله ، أن يختبر ذلك من لا يصدّق كلامي، فيرى بتجربته الخاصّة الخير الكبير في استشفاع هذا الأب المجيد والتعبّد له”. وفي عمليَّة الإصلاح الكبير للكرمَل، قد سَمَّت الدير الأوَّل الَّذِي أَسَّسَتهُ على إسم القدِّيس يوسف، وهو أوَّل دير للإصلاح.
بعض أقوال من قدِّيسي الكرمَل في القدِّيس يوسف:
بالحبِّ ذاتهِ كان للقدِّيس يوسف البتول، مكانة خاصَّة في حياة رهبانيَّة الإخوة الحفاة للطوباويَّة مريم العذراء، سيِّدة جبل الكرمَل، وقدِّيسيهَا، وخاصَّةً معلِّمي الكنيسَة، كالقدِّيسة تريز الطفل يسوع الوجه الأقدس والتي لها علاقة مميّزة بهذا القدّيس العظيم. وكمَا كانت الأمّ القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة” مثالًا في إكرام هذا القدِّيس الـمَجيد، فلا بُدَّ مِن أَن تكون القدِّيسة تريز الطفل يسوع وغيرها، سائرين على خطى الـملفانة الكبيرة للكنيسة. لذا، نَجِد في كتاب الأعمال الكاملة، القصيدة رقم ۱٤، بعنوان: “إلى أَبينا القدِّيس يوسف”، وَقَد كتَبتهَا حوالي سنة ١٨٩٤، ووجَّهتها إلى القدِّيس يوسف، وتشير إلى بعض نواحٍ من حياة الكرمَل كالصَّمت والفقر وقد عاشها القدِّيس الـمجيد في الناصرة مع يسوع ومريم.
1 – يا يوسف، حياتُكَ الرائعَة انْقَضَتْ في الفقر، لكنّك كنت تتأمّل جَمَالَ يسوع ومريَم.
اللازمة: يا يوسف أَيُّهَا الأَب الحنون، إِحْمِ الكَرمَل. وَليَتَذَوَّق أَولادُكَ دائِمًا في الأَرض سَلامَ السَّماء!
2 – إِبْنُ الله في طفولَتِهِ استَراحَ على قَلبِكَأكثَرَ مِن مرَّة، مُغتَبِطًا، خاضِعًا لِطَاعَتِكَ.
3 – مِثلكَ نخدم في العزلة مريم ويسوع؛ إِرضَاؤهمَا هو سَعيُنَا الوحيد، ولا نَرغَب في شَيءٍ آخَر.
4 – أمّنا القدِّيسة تريزا ليسوع كانت تَبتَهِل إِليكَ بحُبّ. وتؤكِّد أنَّكَ اسْتَجْبْتَ لِصَلاتهَا دائِمًا.
5 – بعد مَنفَى هذِهِ الحياة لَنَا أَمَلٌ عَذبٌ: إِنَّنا معَ أمِّنا الحبيبة، يا قدِّيس يوسف، سَنَذهَب لِرؤيَتِكَ.
اللازمة: يا يوسف أَيُّهَا الأَب الحنون، إِحْمِ الكَرمَل. وَليَتَذَوَّق أَولادُكَ دائِمًا في الأَرض سَلامَ السَّماء!
في يوميَّات القدِّيسة إليزابيت للثالوث ذكر خاصّ للقدِّيس يوسف، وفي طلب مساعدته وشفاعته في الصلاة، هو الَّذي اختبَرَ على السواء، حقيقة الحُبّ، أيّ الحُبّ التأمُّلي الخالص للحقيقة المشعَّة في الرَّبّ، ومقتضى حبّ الخدمة والمساعدة، كتبت تقول: “يا يسوعي الصالح، نعم، ستساعدني، أليسَ كذلك؟…”. اليوم بدأتُ تساعيَّتي للقدِّيس يوسف الَّذي لي ثقة كبيرة بهِ” (إليزابيت للثالوث، يوميَّات، الإعتراف الشامل، 12 آذار 1899). “يا يسوع، يا مريم، يا يوسف، ساعدوني!” (إليزابيت للثالوث، يوميَّات).
تُظهر القدِّيسة مريم ليسوع المصلوب وهي في انخطاف سنة 1867، مكانة الثقة في شخصيَّة ودور القدِّيس يوسف المجيد، التي وضَعَت فيه جُلَّ ثقتها في طلب الحماية، فهي تثِق بقدوتِهِ الـمُثلى والكبرى التي لا ترتبط بوضع حياتيّ مُعَيَّن، بل هي متاحَة للجميع، أيًّا كانت فيه أوضاع كلّ مؤمن ومكرَّس وأيًّا كانت مهامهُ ورسالته ودعوتهُ، وهنا نبوءات العذراء تتحقَّق في حياتها خطوةً خطوة: فهَا قَد قَدِمَت مَريم إلى فرنسا، وصارت إبنة للقدِّيس يوسف، وهي تصبح الآن في الكرمَل، إبنة للقدِّيسَة الكبيرة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”. في حين أنَّهَا لم تكن تعرف مِن أمر الكرمَلِ شيئًا. بيدَ أنَّهَا تذكَّرَت رؤيا، روتها فيما بعد لمعرِّفها، وهي جديرة بأن نسمعَهَا كَمَا سَرَدَتهَا، قالت: “بدا لي أنَّني كنتُ أَرى يسوعَ وأمّهُ القدُّوسَة، وعند أَقدامهمَا القدِّيس يوسف وامرأَة لم أَكُن أَعرفُهَا… مَعَ أنَّها كانت على قَدرٍ كبير من الطِّيبَة … وَإِذ بهذِهِ المجهُولة تُبَادِر القدِّيس يوسف بالقول: “أيُّهَا القدِّيس الكبير، إِنَّكَ لم تَرفض لي، وَأَنا على الأَرضِ، أَمرًا، فَهَل ستَرفُض لي في السَّمَاء طَلَبًا؟ أَعطِني هذِهِ الفتَاة”. وَرَفعَ القدِّيس يوسف أَنظارهُ نحو يسوع ومريم، ثمَّ قادني إِلى تلكَ الـمرأَة المجهولة، فَأَدركتُ أَنَّها القدِّيسة الكبيرة تريزا ليسوع، وتلاشى لديَّ كلُّ خوف، وَأَحببتُ تريزا حُبِّي لأمِّي”.
عبَّرت الطوباويَّة ماريا كانديدا للإفخارستيا عن مكانة مريم ويوسف، وخاصَّةً أنَّ القدِّيس يوسف البتول، غدا بوجهٍ فريد، المؤتَمَن على السِرّ “المكتوم في الله منذ الدّهور” (أف 3: 9)، والمحافظ على قمح المختارين. إنَّ الليتورجيا المقدَّسَة تذكِّرنا بأنَّ حراسة الأسرار الخلاصيَّة، في فجر الأزمنة الجديدة، قد وُكِلَت إلى القدِّيس يوسف (ر. كتاب القدَّاس الروماني، صلاة الجماعَة قبل ليتورجية خدمة الكَلِمَة “القراءَات”، في قدَّاس عيد القدِّيس يوسف، خطِّيب العذراء مريم)، وهذا ما عاشته الطوباويَّة الكرمَليَّة التي حَمَلَت في قلبها وفي اسمها سرَّ الإفخارستيا، قالت: “يَا مريم، يَا مَن أَعطَتني الإِفخَارستيَّا، ويا أَبَتِ القدِّيس يوسف، يا مَن عَبَدَ وحافظَ على قَمْحِ الـمُختَارين، إِشْفَعَا بي! آمين”.
كتبت القدِّيسة ماريا مارافيلياس ليسوع عن القدِّيس يوسف البتول، وعن أهميَّة إكرامِهِ في الكرمَل وطلب شفاعته، تقول: “إنَّ إكرام القدِّيس يوسف في الكرمَل، كبير جدًّا، وشفاعته تـمتدّ إلى جميع احتياجاتنا، وكلُّ مَن يُكرِّمهُ ويتشفَّع له بثقةٍ، يُستجاب لهُ”.
خاتمة
“يا يوسف أَيُّهَا الأَب الحنون، إِحْمِ الكَرمَل” هذا ما طلبتهُ منه القدِّيسة تريز الطفل يسوع الوجه الأقدس في القصيدة رقم ۱٤، وهذا ما نردّدهُ كلّ يومٍ من حياتنا. هذه الحماية يجب أن نلتمسَهَا؛ فالكنيسَة والكرمَل بحاجةٍ إليها دائمًا، ليست فقط للحماية من الأخطار ولكن لدعم الجهود لتبشير الكون، بالكَلِمَة، وعلاوةً على ما يَجِدُهُ الكَرمَل من حماية في شخص القدِّيس يوسف، اقتداءً بأمّنا القدِّيسَة تريزا ليسوع، يثِقُ الكَرمَليّون والكرمَليَّات في العالم بقدوتِهِ الـمُثلى.
في هذا الرَّجُلُ البارّ، نَكِلُ دَعوَتَنَا، روحانيَّتنا، حَياتنا الكرمَليَّة، التأمُّليَّة والرَّسوليَّة، هو مَن “ائْتَمَنَهُ الله على حراسَة أَثمَن وأعظم كنوزهِ (ر. مجمع الطقوس المقدَّسَة، مرسوم في إقامة القدِّيس يوسف شفيعًا للكنيسَة (8 كانون الأوَّل 1870)) وَلْيَنَلْ هذا القدِّيس الـمَجيد للكنيسَة والكرمَل ولِكُلِّ الـمكرَّسين والـمؤمنين بركة الثالوث الأقدس.
المراجع:
– قدِّيسة من بلادنا، مريم البواردي، أديب مصلح، سلسلة “دراسات كرمليَّة” 2، منشورات المكتبة البولسيَّة، الطبعة الأولى 1990، بيروت، لبنان.
– دور الرَّهبانيَّة الكرمَليَّة في مجتمع جبل لبنان (1643 – 1750)، الأب هيَّاف فخري الكرمَلي، أطروحة شهادة الدّكتوراه اللبنانيَّة في التاريخ، 2018 – 2019.
– مار يوسف البتول، صلاة المساء والصباح والقدَّاس والزيّاح، الكسليك – لبنان، طبعة ثانية منقَّحة 2003.
– القانون الأوَّل، الرسوم وقواعدها التطبيقيَّة، رهبانيَّة الإخوة الحفاة للطوباويَّة مريم العذراء سيّدة جبل الكرمَل، بيروت 2006.
– القدِّيس يوسف، سيرتهُ في ضوء علم اللَّاهوت، الأب فرنسيس فيلاس اليسوعي، موسوعة المعرفة اليسوعيَّة، دار المشرق، طبعة أولى 1998 – بيروت، لبنان.
– حارس الفادي، إرشاد رسولي للحبر الأعظم يوحنَّا بولس الثاني، في شخصيَّة القدِّيس يوسف ورسالته في حياة المسيح والكنيسة، منشورات اللجنة الأسقفيَّة لوسائل الإعلام، جل الديب – لبنان، 1989.
– أضواء على أناجيل الطفولة، دراسة عن طفولة يسوع بحسب إنجيلّي متّى ولوقا، الكاردينال جان دانيالو، 1، دار المشرق – بيروت، 1984.
– كتاب صلاة ليتورجيا الساعات اللَّاتيني، مجلس العبادة الإلهيَّة والأسرار في رومة، طبعة ثانية، عمَّان 1994.
– كتاب القدَّاس اليومي اللَّاتيني الرّوماني، اللجنة الليتورجيَّة التابعة لبطريركيَّة اللَّاتين في القدس، طبعة ثانية – القدس 2006.
– كتاب الصلوات الطقسيَّة، كنيسة الرّوم الملكيِّين الكاثوليك، المجلَّد الأوَّل – الجزء الثاني، طبعة أولى، مطبعة الآباء البولسيِّين – جونيه، لبنان 1998.
– القدِّيسة تريزا ليسوع “الأفيليَّة”، معلّمة الكنيسة، الأعمال الكاملة، رهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة، منشورات تراث الكرمَل، بيروت (لبنان) – 2014.
– القدِّيسة تريز الطفل يسوع الوجه الأقدس، معلّمة الكنيسة، الأعمال الكاملة، رهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة، منشورات تراث الكرمَل، بيروت (لبنان) – 2020.
– القدِّيسة إليزابيت للثالوث، الأعمال الكاملة، رهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة، منشورات تراث الكرمَل، بيروت (لبنان) – 2016.
– le Carmel de Saint Joseph, Editions J. Grivoz Jeune, CREMIEU (Isère), Lyon, 11 Octobre 1937.
– Le Culte de S. Joseph et l’Ordre du Carmel, P. Léon de St Joachim O.C.D., Editions 20, 1902.
– La Liturgie des heures 2, Carême – Temps Pascal, Editions Cerf, 24 décembre 1979.