Almanara Magazine

يسوع القائد

تمهيد

مثالك في الحياة يجسِّد حلمك. مثاله يحثُّك ويذهب بك دومًا لتؤمن في إمكانيَّة تحقيق حلمك. فإن كنت تعرف هذا المثال شخصيًّا أو لا، فسوف تطبع فيك شخصيّته ميزة معيَّنة وهي سوف تظهر عاجلاً أم آجلاً. ومن دون أن تدري وحتَّى دون أن تريد، سوف تتصرَّف مثله وسوف تصبح لديك طريقته في رؤية الأمور. لكن ما هو خطير في الموضوع، هو أنَّك قد تقع في نفس الأخطاء الَّتي ارتكبها قبلك هذا المثال في الحياة. إنَّما لا نريد أن نعظِّم الأمور، فنقول هذا كي نوضح الصُّورة حول الدَّور الرَّئيس الَّذي يلعبه مثالك في حياتك.

يقدِّم لنا العالم أشخاصًا مميَّزين ليكونوا لنا مثالاً، وقد أثَّروا فينا من خلال شخصيَّتهم أو حياتهم. أشخاصًا أحدثوا ثورة من خلال أفكارهم، أبدعوا من خلال عبقريّتهم، سطعوا من خلال موهبتهم، انتصروا من خلال شجاعتهم، أشخاصًا علّمونا كيفيَّة النَّجاح من خلال رؤيتهم، وقد ظلُّوا مطبوعين أبدًا في ذاكرتنا وتاريخنا. إنَّما كلّ الأعمال الَّتي صنعوها لا تشكِّل سوى ناحية من حياتهم، إذ إنَّ النَّاحية الأخرى تخفي وراءها حياة أخرى ممكن أن تكون مليئة بالعادات السيئة كالإدمان على الكحول، المخدرات، الجنس وغيرها من الأمور، بالمختصر، حياة غير متوازنة. لكن كي تبقى الصُّورة واضحة وكي لا نظلم أحدًا في رأينا هذا، نتكلَّم بالإجمال وليس على سبيل الحصر، إذ أنَّ حياة بعض القادة الكبار تُتَرجِم هذا الأقوال وتلك الإفعال.

من ناحية أخرى، يوجد شخص واحد في العالم لديه كلّ المؤهلات كي يُعتَبَر مثالاً في الحياة. ففي إحدى نواحي حياته، أظهر مجده من خلال الآيات والشفاءات الَّتي صنعها وأعمال الرَّحمة الَّتي قام بها، ومن ناحية أخرى أظهر تألّق قداسته. قدَّم نفسه للعالم على أنَّه “الطَّريق والحقّ والحياة” (يو 14/6)، المثال الحقيقي الَّذي يُقتدى به. إنَّه يسوع المسيح الَّذي أصبح “القائد” بامتياز، الَّذي قَلَبَ موازين القوى وغيَّر مفاهيم القيادة. إنَّه الَّذي “حطَّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين” (لو 1/52).

مقدِّمة

إذًا يوجد شخص غيَّر نظرة العالم حول القيادة إلى حدّ أنَّه أصبح نقطة الارتكاز والمرجع الرَّئيسي في التَّاريخ. ويُقسم التَّاريخ اليوم إلى مرحلتين كبيرتين: واحدة قبل ولادته وأخرى بعد ولادته. إذًا أصبح هو النقطة المفصل للتَّاريخ وقيادته سوف تبقى حتَّى اليوم الأخير، يوم اللقاء معه وجهًا لوجه.

فإذا أردنا أن نعرف أكثر ونغوص أكثر في طريقة قيادة يسوع المسيح، مرجع واحد ومصدر واحد يمكنه أن يطلعنا على تلك القيادة، هو الكتاب الَّذي يخبرنا عنه وعن حياته، إنَّه الكتاب المقدَّس، الكتاب الأكثر قراءة في العالم.

يسوع: بما أنَّ الموضوع يتعلَّق به وبطريقة قيادته، إنَّه القائد الأكبر في كلّ الأزمنة، الوحيد الَّذي ما زال حيًّا وما زال يعمل في قلوب النَّاس من خلال قوَّة روحه القدُّوس، قوَّة الرُّوح القدس تلك الَّتي هي مفتاح الملكوت. هذا الرُّوح الَّذي وعده يسوع لكلّ الَّذين يؤمنون به، يستطيع العالم من خلاله، إضافة إلى الخلاص الَّذي حصلوا عليه، يستطيع العالم أن يكون قادرًا على العمل وإدارة الأمور بنفس طريقة المسيح ومع صفات القيادة ذاتها الّتي لدى المسيح.

إذًا يهدف موضوعنا إلى إظهار حياة المسيح من خلال قيادته، إدارته وطريقة عمله وكيفيَّة إنعكاس هذه الأمور وعيشها ضمن الرِّسالة التَّربويَّة الرُّوحيَّة في العمل الرَّسولي التَّربوي في جماعة الصَّلاة والرِّسالة.

  1. مفهوم القيادة والإدارة والتَّسويق

القيادة هي القدرة على التَّأثير في الآخرين وتوجيههم لتحقيق هدف معيَّن. أمَّا الإدارة تكمن في كيفيَّة إدارة مجموعة من الأشخاص أو فريق معيَّن، أمَّا التَّسويق فهو المقاربة أو الطَّريقة الَّتي من خلالها يناضل القائد مع فريقه لتسويق فكرتهم أو منتوجاتهم.

هنا، القائد هو يسوع المسيح، والهدف من موضوعنا هو معرفة كيفيَّة إدارته لفريقه، أي الرُّسل والتَّلاميذ. ومن خلال إدارته نستطيع أن نعرف كيفيَّة إدارته لفريقه، ومن خلال تسويقه نكتشف الاستراتيجيَّة الَّتي من خلالها توصَّل هو وفريقه إلى تسويق منتوجهم: الإنجيل أو البُشرى السَّارَّة.

  • القيادة عند يسوع المسيح

يسوع هو “القائد” بامتياز وأعتقد أنَّ دراسة استراتيجيَّته في القيادة أدَّت إلى تحوّل في أنماط القيادة والإدارة الَّتي نعرفها ونمارسها اليوم. فتدور قيادة المسيح حول نقاط ثلاث أساسيَّة: مثلَّث المحبَّة، التّواضع والاحترام؛ عدم المواجهة من أجل الخلاص؛ عيش سلام المسيح

  • مثلَّث المحبَّة، التّواضع والاحترامالمحبَّة

يمكننا أن نفهم أهميّة المحبّة في عمل القائد من خلال علاقة يسوع مع تلاميذه. كان لدى يسوع مشروع ليبنيه، لكنَّه كان مدركًا أنّه لن يتمّمه بنفسه مع أنّه كان قادرًا على ذلك. كان لديه رسالة إلهيَّة عليه أن يحقّقها في جسدٍ فانٍ وفي مدّة زمنيّة محدّدة قبل مجيّئه الثّاني. كان عليه أن يحلّ معضلة على صعيدين اثنين: كيف يصل لهدفه الخلاصيّ خلال ثلاث سنوات من خدمته ورسالته الإلهيّة؟ وما هي الاستراتيجيَّة العمليّة الّتي يجب عليه اتّباعها لتحقيق هذا الهدف؟

الجواب على هذين السؤالين بسيط: تحضير بنية قوية، ديناميكيّة وفعّالة، قادرة على أن تتابع رسالته من جيل إلى جيل. وقد رأينا عبر التّاريخ أنّه، وبالرّغم من موته، استطاع الرّسل أن يتابعوا تلك الرّسالة إلى حدِّ بذل حياتهم في سبيل تقدّم البشارة. لماذا برأيكم هذا الاستبسال في الالتزام. هل لسبب شخص ما بالكاد عرفوه أو رسالة بالكاد تمَّمها؟ لماذا كل هذا العناء والألم لشخص رَفَضَه كل إسرائيل بسبب أفكاره الثوريّة؟

أعتقد أننا نستطيع أن نكون أمناء لشخصٍ ما ما دام حيًّا. لكن السؤال: لماذا نشعر أنّه ينبغي أن نظلّ أمناء له حتّى بعد موته؟ كان يمكن للرّسل أن يتخلّوا عن الرّسالة ما دام يسوع غير قادرًا على تشجيعهم وتحفيزهم. إنّما في المقابل، أظهر الرّسل أمانة ثابتة لأفكار ورؤية يسوع. لماذا؟ لأنّ يسوع نجح في إظهار محبّته للرّسل وللجمع فكسِب محبّتهم لأنّه أحبّهم في البداية.

أن تحبّ معاونيك، يضمن لك متابعة أكيدة لرسالتك عندما تصبح غير قادر على متابعة المسيرة وحدك. حتما سوف تواجه مصاعب وعوائق تمنعك من تنفيذ أو تحقيق ما أردت تحقيقه، وفي هذه الوقات بالذات، سوف تفهم معنى الحاجة إلى مساعدين أمناء يقوموا مكانك أو معك. لكن القاعدة الذهبية تقول أنه لا يمكن لأحد أن يقوم مكانك أو حتّى يضحّي بنفسه من أجلك أو من أجل مشروعك ورؤيتك إن لم يكن يحبّك حبّا عظيمًا. لن يحبّك إن لم تحبه أنت أولاً. فعلى القائد أن يتعلّم محبّة امرين إثنين: الفريق الّذي يعمل معه ورسالته. طوال رسالته على الأرض، كرَّس يسوع حياته لإظهار محبّة الآب للبشر، ومع أنّه صُلِبَ من قِبَلِ الَّذين أتى ليخلّصهم، فهذا لم يمنعه من إكمال وإظهار محبّته لهم: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون” (لو 23/34). رغم أنّ المحبّة كانت أساس رسالته الخدميّة (mission ministérielle)، نستطيع القول أيضًا أنّ المحبّة كانت قاعدة النّجاح لأعماله. فإذا أردت النّجاح لجماعتك الّتي أنت قائدها، إبدأ أولاً بمحبّة معاونيك. أحبب مجانًا ومن دون أي مقابل، لأنّه إن أردت أن تحصل على شيء ما، أي شيء، عليك أن تعطي هذا الشيء أولاً فتحصل عليه ثانية. لا تحبب الآخرين من أجل مصلحة ما، لأنّك بهذا لن تصبح قائدًا حكيمًا أو ناضجًا. فالحب له قدرة على تغيير قلوب الآخرين فيحبّوك ويطيعوك.كلّما احببت أكثر كلّما أصبحت إنسانًا محبوبًا أكثر. الحب الَّذي في قلبك يغيّر لك صورتك فتصبح إنسانًا يفتح يديه للآخرين، إنسانًا لا يخاف الآخرون من الاقتراب منه. هذه الفضيلة تمنحك حتمًا تقدير الآخرين لك.

في مثل الرّاعي الصّالح (يو 10/1-15) ميّز يسوع بين الرّاعي والأجير. الرّاعي يعرف خرافه، يعتني بها ويسير قدّامها. إنّه يترك التّسعة والتّسعين ليبحث عن الخروف الضّائع ويردّه إلى حظيرة الخراف،وهذا كله محبّة بالخراف (را متّى 18/12-14). ألا يمثّل الأجير، في يومنا هذا، القادة الّذين يفكّرون في أنفسهم وباستراتيجيّاتهم الخاصّة فيأخذوا من معاونيهم منافعهم الخاصة من دون أن يعطوهم ما يستحقونه.

فالحب الَّذي بداخلك أنت أيّها القائد، يجب أن يقودك إلى الاهتمام بحياة الآخرين، بخاصة معاونيك، وأن تكون على علم بمجريات حياتهم، فتهتم لأمرهم وتدخل في علاقة شخصيّة معهم. لا تتوقف أبدًا عن المحبة، لأنّه فقط القادة الَّذين يعملون بمحبّة يحصلون على أعمال تدوم في الزّمن. لم يدفع يسوع أي راتب شهري لتلاميذه، لكن انظروا مدى تضحيتهم لأجله، فقط لأجل المحبّة.

أيّها القائد، أحبب رسالتك، صلِّ لأجلها واسأل الله أن يجدِّد فيك القوّة والحياة كي تكون دائمًا فعالاً في رسالتك. فالله يبارك أعمال الَّذين يعملون بمحبّة والَّذين يهتمون ويكترثون للأعمال الّتي توكل إليهم. فإن كنت أمينًا على القليل سوف تكون امينًا على الكثير فتدخل فرح سيّدك (متّى 25/13-21).

  • التّواضع والاحترام

“من أراد أن يكون أوّل القوم، فليكن آخرهم جميعًا وخادمهم” (مر 9/35). يقول الكتاب المقدّس في رسالة القدّيس يعقوب “إنّ الله يكابر المتكبّرين ويُنعِم على المتواضعين” (يع 4/6). يستعطف القائد المتواضع رضى الله أوّلاً ثمّ رضى معاونيه. فالتّواضع فضيلة تعلّمك أن تكون تلميذًا على الدّوام، “تلمبذًا” يتعلّم أن يقبل الآخرين كما هم ومن دون أي تعقيدات. فإذا أردت أن تربح طاعة معاونيك في الجماعة تعلّم فضيلة التواضع، لأنّه من السّهل جدًّا إطاعة قائد متواضع على إطاعة قائد متكبّر.

فلنأخذ مثلاً رسالة وخدمة المسيح. كان في عهدة المسيح رجالاً أكبر منه سنًّا، وكانوا يحترمونه ويطيعونه بسبب تواضعه. يسوع هو ابن الله، الله الَّذي تجسّد وصار إنسانًا ليخلّص الإنسان. بالرّغم من سموّه وعلوّه لم يتباهَ بمجده. لقد عمل بتواضع لنجاح رسالته وللوصول إلى أهدافه. فالدّعوة موجّهة إلينا اليوم كي نتخلّص من الكبرياء الَّذي بداخلنا، كل تلك الأمور الّتي قد نعتبرها مهمّة وأساسيّة، الأمور الَّتي تعطينا الإحساس والشّعور بأنّنا أشخاص أهمّ من الآخرين (منصبنا الإجتماعي، علاقاتنا، مالنا، مؤهّلاتنا وكفاءاتنا، ألخ…) وإلاَّ أصبح من الصعب علينا تقديم التنازلات والتضحيات الَّتي تتطلّبها نجاحاتنا. فلنتعلّم كيف نكون صغارًا لأنّه من كان صغيرًا كَسِبَ رحمة الله.

تعلّم هذا القول: إنّ قلب الرّجل المتواضع يشبه بيتًا كبيرًا مع الأبواب مشرّعة. يستطيع الجميع أن يدخل إليه، يضعوا فيه كنوزهم الَّتي ستخدمهم للأبد. أمَّا قلب الرّجل المتكبّر يشبه منزلاً جميلاً إنَّما أبوابه مغلقة. لا أحد يستطيع الدّخول إليه، فيُحكم عليه بالمحافظة على نظافته كما هو وعلى ما هو موجود بداخله فقط، فلا يكون على مستوى التّجدد الدَّائم.

في عملنا أو في جماعاتنا، مهما كان نوع الأشخاص الَّذين علينا إدارتهم، فلنعلم أنّ لديهم دائمًا نظرة دونيّة أو نظرة نقص تجاهنا، ممكن بسبب عمرهم أو مستواهم العلمي أو الاجتماعي، لمجرّد أنَّنا قادة. هؤلاء الأشخاص سوف يكونون تحت خدمتك أيّها القائد ويطيعونك، حتّى ولو كانوا مجبرين على ذلك أو كان ذلك ضدّ إرادتهم. لكن، من ناحية أخرى، يعطيهم تواضعك أن يطيعوك بإخلاص وصدق أكبر. فلنتواضع إذا ونحترم معاونينا لكي يكون لدينا اعتبار لديهم فيحترموننا بدورهم، لأن احترام النّفس يُقدَّر باحترام الآخرين.

  • عدم المواجهة من أجل الخلاص

واجه يسوع خلال رسالته بعض الحالات الدَّقيقة والحسَّاسة، مثلاً المرأة الَّتي أُخِذَت بالزنى (يو 8/1-11) والمرأة الخاطئة الَّتي دهنت رجليه بالطّيب (لو 7/36).

في ما يخصّ المرأة الزّانية، كان كلّ الشعب وحتّى الفرّيسيّون ينتظرون بفارغ الصّبر ما سوف يقوله يسوع. حكمه كان أصعب من أن يُقال، لأنّ موسى كان قد حلّ هذه المسألة وأعطى الحكم اللاّزم لمثل هذه الأمور. يجب أن تُرجم المرأة بكل بساطة. فمنذ حداثتهم، تعلّم اليهود كيفيّة تطبيق الشّريعة وقوانينها، لقد أصبحت تشكّل قطعة من تقاليدهم وشرعة أو قاعدة لحياتهم. بالمقابل جاء يسوع حاملاً نظامًا جديدًا والصّعوبة لديه كانت بكيفيّة تقبّل محيطه هذا النّظام الفكري الجديد. كان يجب على نظامه أن يخترق النّظام القديم كي يستطيع أن يفرض ذاته. كان يجب أيضًا على المسيح أن يواجه ردّة فعل تلاميذه الَّذين لم يستطيعوا أن يفهموا كيف يمكن تغيير نظام شريعة موسى. كما يجب أيضًا تفهّم نظرة معارضيه الفرّيسيّين الَّذين كانوا معارضين له في كلّ شيء.

أمَّا في ما يخصّ المرأة الخاطئة، فإنّ أحدًا لم يفهم كيف أنَّ رجلاً جاء ويدَّعي القداسة، يستطيع أن يسمح لنفسه بلمس امرأة خاطئة؟ لم يستطع أحدًا أن يفهم أعمال يسوع، إنَّما هو كان يعلم تمامًا ما هو فاعله. حتَّى لو أنَّ أغلبيَّة الأشخاص لم يفهموا ماذا أراد يسوع من تخطّيه شريعة موسى، إلاَّ أنَّ يسوع كان مقتنعًا تمامًا برسالته الَّتي تجسّد من أجل تحقيقها.

قد يحصل في بعض الأحيان أنَّه بحكم وظيفتك كقائد أنَّك قد تواجه بعض الحالات أو المواقف حيث أنَّه لا أحد يفهمك بسبب فكرتك أو مشروعك الَّذي قد يشكل ثورة ما. لكن لا تهتم، إبقَ واثقًا من خطوتك وانظر دائمًا إلى الأمام. لا تسمح لآراء الآخرين أن يُهبِطوا من عزيمتك أو يكبّلوك بالكماليَّات أو التقاليد، لأنَّك إن أردت أن تبقى على ما هو موجود، فلن تنجح أبدًا في تغيير وتطوير الأمور، لهذا، تحلَّ بالشَّجاعة وكن واثقًا من خطوتك، فترى أنَّ الأمور بدأت تتغيَّر من حولك.

دعونا نفكِّر في هذا السُّؤال: هل قرأتم، ولو لمرة واحدة، في الكتاب المقدَّس، أنَّ المسيح كان يأخذ برأي تلاميذه؟ لماذا برأيكم؟

لم يكن يُظهر المسيح أي نوع من الكبرياء أو التّملّق. بل، على العكس، كان يعلّمنا درسًا، نحن القادة اليوم، أنَّه عندما يكون لدينا رؤيا معيّنة، هدفًا نريد تحقيقه أو حلمًا ما في قلبنا، فنحن المسؤولون الأوائل عن هذه الأمور وهي تخصّنا وحدنا وليس الآخرين. فرأيهم لن يكون بذي أهمية على قدر نظرتي ورأيي أنا. كثيرٌ من القادة انتهوا بالتّخلّي عن نظرتهم أو مشروعهم بسبب اعتمادهم على رأي الآخرين، متناسين أن خبرتهم في الحياة هي شخصيّة وفردية وليست مثل خبرات الآخرين ولا تجسّد تلك الخبرات. فلنقبل إذًا أننا فريدين، أشخاصًا مميّزين كلٌّ منّا عن الآخر، ولن نغيّر شيئًا ما دمنا نقبل بالواقع، بل أننا سوف نحسّن الواقع فقط لا غير، وتلك ليست دعوتنا في الحياة. فإذا كان الرّب يسوع قد أحدث تغييرًا في التّاريخ، أوليست دعوتنا أيضًا، نحن المخلوقين على صورته ومثاله، أن نحدث تغييرًا في وقتنا وتاريخنا.

لم يتفوّه يسوع بأي كلمة أمام الزّانية، وبصمته منحها الخلاص، وأمام المرأة الخاطئة، بكلمة بسيطة وبنظرة حب وحنان منحها أيضًا الخلاص. فعلان لا يتطلّبان الكثير منّا لنكون على صورة ومثال خالقنا، ربّنا وإلهنا، يسوع المسيح.

  • عيش سلام المسيح

يقول يسوع في إنجيل القدِّيس يوحنّا الرّسول: “السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم. فلا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم ولا تَفْزَعْ” (يو 14/27). أن نعيش في سلام بالرّغم من كل الضغوطات والصعوبات، هي حالة إيمان تساعدنا أن نرى كيفية عمل يد الله في حياتنا. فالأفضليّة المطلقة للقائد المسيحي على القائد غير المسيحي هو أنّه يعيش سلام المسيح. هذا السّلام هو ميراث مجد، عهد مساعدة أزلي قطعه يسوع مع تلاميذه ومع كل الَّذين يؤمنون به بمن فيهم نحن الَّذين ما زلنا نكمل هذه الرّسالة.

سلام الله هو عنصر لا بدّ لأنّه، كما سبق وقلنا، أنّ القائد قد يواجه مواقف صعبة عليه إدارتها. فدعونا ألاّ نتوقّف أبدًا عن الاتّكال على الله. فسلام الله يعطينا دائمًا الطمأنينة اللازمة كي نفكّر في حلول للمشاكل بدلاً من التّوقف والتّركيز فقط على المشكلة من دون إيجاد حلّ لها.

تذكروا يوم كان يسوع نائمًا في السّفينة والأمواج تضربها من كلّ جهة (متّى 8/23-27). كان كل من في السّفينة خائفًا ومضطربًا، إنّما وحده يسوع بقي هادئا، نائما، مطمئن البال. هكذا يجب أن يكون موقف القائد الحكيم: يعرف كيف يظلّ هادئا، محافظًا على السّلام، حتّى عندما يرى أنّ كلّ شيء ينهار من حوله. فلا ننسى أبدًا أن حالتنا النفسية تؤثر دائمًا على معاونينا، إيجابيًا أو سلبيًا.

فلنفكّر للحظة واحدة أنّ يسوع كان مضطربًا وقت العاصفة، ماذا كان ليحصل؟ أؤكد لكم أنّ التّلاميذ كانوا ليكونوا الأوائل على رمي أنفسهم من السّفينة علّهم يرجوا وسيلة خلاص من خلال السّباحة. وإذا سألنا لماذا؟ نقول بكل بساطة إنّه عندما توجد مشكلة ما في جماعاتنا، لا يشعر أبدًا المعاونون أنَّهم معنيّون بالمشكلة على نفس مستوى القائد، لأنّ القائد يُعتَبَر مالك “السَّفينة” (أي الجماعة، المشروع، الرؤيا…). فإذا ما اضطرب، يبدأ بالتّعبير على أنَّه لم يعد يوجد أي حلّ ممكن للمشكلة، فيبدأ عندها المعاونون بالبحث عن أعذار، تاركين القائد وحده مع سفينته.

في وقت العاصفة بالذات، لم يكن يسوع يستطيع أن يعطي أي أمر لأحد من التلاميذ، لأنّ أحدًا منهم لم يكن ليسمع له أو يطيعه، لأنّه في حال الخطر، كلٌّ يريد أن ينأى بنفسه ويخلّص نفسه. هكذا هي الحال في جماعاتنا، ففي وقت الشدّة، يحدّد موقفنا ردّة فعل الآخرين. فعندما كان الرّسل مضطربين كان لديهم ردة فعل واحدة: إيقاظ القائد لمعرفة الحل للمشكلة الرّاهنة. وفي قلب هذه الحالات والمواقف، نستطيع أن نكتشف قيمة وأهميّة القائد الحقيقي، القائد الَّذي يستطيع النّجاح في العمليّة الَّتي يديرها، القائد الَّذي يستطيع إيجاد الكلمات المناسبة كي يُبقي فريقه ضمن السّفينة.

فلنتعمّق في موقف يسوع داخل السّفينة: لقد “أمر الرّياح والبحر فحدث هدوء تام” (متَّى 8/26). لماذا نجح في أمر الرّياح والبحر فأطاعاه؟ لأنّه كان مدركًا تمامًا أن لديه السّلطان أن يتسلّط ويأمر الرّياح والبحر، فلم يكن مضطربًا أو خائفًا. لقد قاد التلاميذ ضمن حالة كانت خلالها قدرته قادرة على تخليصهم من المشاكل. كان مدركًا أنّ الوضع هو تحت سيطرته، ولا يمكن لأيّ شيء أن يفوق قوّته وطاقته.

إذاً، فلنحافظ على سلامنا في حضور الله. لو مهما كانت المعضلة أو المسألة، فلنقترب منه وهو يساعدنا على إيجاد الحلول. عندما نضع رجاؤنا في الله، نكون في سلام. قال لنا يسوع: “تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم (متَّى 11/28). بمعنى آخر، أنا أعطيكم السّلام “لأَنَّ نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف” (متَّى 11/30).

  • القائد الخادم

إنّ أكثر ما تحتاج إليه الكنيسة في القرن الحادي والعشرين هو قائد خادم. علّم يسوع تلاميذه أن يخدموا لا أن يترأّسوا (مر10/42-44)، معلنًا أنّه “لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُمَ ويفديَ بنفسه جماعة النَّاس” (مر 10/45).  ثمّ قدّم نفسه مثالاً للخدمة حين غسل أرجلهم في العلّيّة (يو 13/1-17). يشير هذا إلى أنّ العظمة الحقيقيّة هي في خدمة النّاس والتّضحية في سبيلهم، وليست في تطويعهم واستخدامهم.

القيادة المسيحيّة هي أكثر من مجرّد مفهوم يُعرَّف؛ إنّها دعوة تُطاع، وتكليف ينفَّذ، إنّها دعوة إلى القائد المسيحيّ لكي يمارس مواهبه في خدمة فريق محدّد من النّاس، بهدف مجد المسيح. لذا، من واجب القائد المسيحيّ أن يكون مثالاً يحتذي به باقي أعضاء جسد المسيح. وهو عندما يتبع مثال المسيح في حياته وخدمته، سريعاً ما يدرك أنّ الخدمة ينبغي أن تكون أولويّة في حياته، وأنّ نجاحه يُقاس بالخدمة ليس إلاّ. من هنا، فإنّ المحبّة يجب أن تكون دافع القيادة المسيحيّة، والخدمة أسلوبها، والفداء هدفها. 

  • يسوع، مثال القائد الخادم

تعلِّم الكتبُ، الّتي تتناول موضوعَ القيادة، أساليبَ مختلفةً عن الخدمة الّتي ينبغي على القائد المسيحيّ أن يلتزم بها.  يشرح بعضها مِثالَ بولس في الخدمة، وبعضها الآخر يتناول أسلوب برنابا أو بطرس وغيرهما. إنّ قادة العهد الجديد المكرّسين هم قدوة صالحة، ولقد كُتِبَت سيرتهم لأجل تعليم المؤمنين وتوجيههم. لكن هنا نتحدّث عن مثال يسوع المسيح الّذي قال: “تعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” (متَّى 11/29). ما هو الأسلوب الّذي اتّبعه يسوع في القيادة؟ إنّه أسلوب الاتِّزار بالمنديل والإنحناء لغسل أرجل التّلاميذ.

يجد القائد المسيحيّ في إنجيل يوحنّا، الفصل الثَّالث عشر، القوّة الدّافعة إلى خدمة الآخرين وكسر قيود الذّات والأنانيّة المناوئة لروح الخدمة. يكشف القدِّيس يوحنّا بضع حقائق عن يسوع سبقت مغامرته المسمّاة بغسل الأرجل. تشير هذه الحقائق إلى السّر الَّذي يجعل من خدمة القائد مخاطرة حقيقيّة: إنّها المعرفة الواثقة للذّات والدّعوة والنّتائج المترتّبة.  لقد عرف يسوع أنّ الآب قد دفع بين يديه كلّ سلطان. وعلم أيضاً أنّ مركزه فائق لأنّه ابن الله، وأنّ رسالته إلى العالم مميّزة لأنّ الآب مصدرها، فلقد أتى من عنده، ووثق بأنّ ما يفعله هو جزء ضروريّ من خطّة الآب لحياته. وعرف أخيراً أنّه سيعود إليه، أي إلى مكانته كأقنومٍ ثانٍ من اللاّهوت. إنّ معرفته الواثقة هذه جعلته قادراً على تجسيد ما أرسله الله من أجله، أي أن يخدم الآخرين ويبذل حياته في سبيلهم.

عندما يدرك القائد المسيحيّ هذه الحقائق، تصبح هذه الأخيرة مصدر قوّة تدفع به إلى مغامرة الخدمة ومخاطر التّضحية، واثقًا بأنّ إيمانه هو في إلهه وليس في ذاته. إنّ القيادة في ملكوت الله، بحسب يوحنّا 13، تنبع من ثياب خادم ورُكَب مُنحنية. هي ليست مغنمًا يناله القائد، أو مركزًا يسعى له، ولا شهادة يحصّلها، أو وظيفة يختارها، إنّما هي شخصيّة يبنيها في ذاته، تنمو بوساطة الشركة اليوميّة والحميمة مع “السيّد” الّذي جاء ليَخدُم لا ليُخدَم. يُظهر مثال يسوع أيضًا تعريفَه القوّة؛ فهي في ملكوت المسيح، ليست رئاسة سلطويّة، بل خدمة طوعيّة. إنّها التّكريس الذّاتي لخدمة مقاصد الله ومنفعة الآخرين، وهي الإيمان الواثق بأنّ قوّة الله تكمل في الضّعف. وعلى هذا الأساس قدّم يسوع ذاته للعالم جسدًا مكسورًا ودمًا مسكوبًا.

  • مواصفات القائد الخادم

يجب أن يكون القائد المسيحي عظيمًا في شخصيّته. إنّها شخصيّة “الرّاعي الصّالح الَّذي يبذل نفسه عن الخراف” (يو 10/15)، أي إنّها قيادة على غرار عمل المسيح. هذا النّوع من القيادة لا يكتمل بمجرّد إصدار الأوامر، بل بالخدمة الفاعلة. والسّؤال هنا كيف يكون الخادم قائدًا على مثال المسيح؟

يعرض الكتاب المقدّس مواصفات القائد الكنسي في (1 تيموثاوس 3/2-7)، ويتحدّث عن مواهبه في الرِّسالة إلى أهل رومة (12) والرِّسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (12) والرِّسالة إلى أهل أفسس (4). لكن، لكي نشدِّد على “فكر” المسيح ومثاله في الخدمة نعود إلى الرِّسالة إلى أهل فيلبّي (2). لقد علّم يسوع تلاميذه أنّ القيادة في ملكوته هي درب آلام “حتّى الصّليب”. قال يسوع إنّ من يريد اتّباعه عليه أن يميّز ما بين “الرّغبة” و “الواجب”، فيُنكِر نفسه ويحمل صليبه في كلّ يوم. يسعى الإنسان عادة ليتمِّم رغبته أكثر من واجبه.  لكنّ واجب القيادة الّذي يضعه المسيح ليس مطلبًا اعتباطيًّا، بل هو مبدأ أساسي قائم على الخدمة وبذل النّفس. يصوِّر يسوع ملكوته كمجتمع خدّام حيث الكبير يخدم الصّغير، والعظيم يرفع الفقير، والقويّ يسند الضّعيف. وقد كان وقع هذا المبدأ كالصّاعقة في آذان التّلاميذ الّذين توقّعوا الوصول إلى مركز النّجوميّة المتفوّقة مع يسوع، وإذا به يقدّم لهم سلطانًا ممزوجًا بالألم والخدمة. تسطع النّجوميّة في الكنيسة المسيحيّة بالخدمة المضحِّية، وليس بالرّئاسة المتفرِّجَة. إنّ القائد المسيحيّ هو عبد متألِّم، يضع نصب عينيه بعض المبادئ الأساسيَّة الَّتي توصله إلى معرفة ذاته وتحقيقها:

  1. الصَّلاة

وفي تِلكَ الأَيَّامِ ذَهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي، فأَحْيا اللَّيلَ كُلَّه في الصَّلاةِ لله (لو 6/12).

على القائد أن يحبّ الصّلاة، أن يحبّ أن يبقى دائمًا في حضور ذاك الَّذي يخدمه حتَّى يسير مع الآخرين بطريقة أفضل ويتمِّم رسالته بطريقة أفضل. لا يمكن أن نكون قادة حقيقيِّين إن لم نعطِ الوقت الكافي للعيش في حضور الله.

  • الدِّقَّة في العمل

إِقتَدوا بي كُلُّكم مَعًا، أَيُّها الإِخوَة، واجعَلوا نُصْبَ أَعيُنِكم أُولئِكَ الَّذينَ يَسيرونَ على ما لَكم فينا مِن قُدوَة” (فل 3/17).

على القائد أن يحضر دائمًا قبل الوقت وقبل الجميع إلى اجتماعات جماعته واللقاءات الَّتي تحصل. يجب أن يكون قدوة في الدّقّة ومثال في العمل.

  • التَّواضع

كِبرِياءُ الإِنْسانِ تَضَعُه والمُتَواضعُ بِالرُّوحِ يَحصُلُ على الكَرامَة” (مثل 29/23).

البساطة والوداعة هما ورقة رابحة بالنّسبة للقائد.لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون فوق الآخرين. يجب أن يكون مدركًا أنَّه موجود  ليَخدُم لا ليُخدَم. عليه أن يعمل كلّ شيء بتواضع وبساطة نفس.

  • البحث عن السَّلام مع الجميع

سالِموا جَميعَ النَّاسِ إِن أَمكَن، على قَدْرِ ما الأَمرُ بِيَدِكم” (رو 12/18).

لا يجب أبدًا على القائد التّعامل ببرودة مع الأشخاص الَّذين يقودهم. عليه أن يبحث دائمًا عن السّلام عندما يجد أنَّ هناك خطب ما في الجماعة. عليه أن يكون صديق الجميع وأن يتفاهم مع الجميع.

  • التَّفويض

وأَنتَ فآختَرْ مِن كُلِّ الشَّعبِ أُناساً مَهَرَةً أَتقِياءَ لِلهِ أَهلاً لِلثِّقَةِ يَكرَهونَ الكَسْب. وتُقيمُهم علَيهم رُؤَساءَ أَلفٍ ومِئَةٍ وخَمْسينَ وعَشَرَة” (خر 18/21).

على القائد أن يتعلّم أيضًا كيفيّة الاعتماد على الآخرين من خلال تفويضه لهم لبعض الأعمال كي لا يكون كل شيء ممحور حول شخصه. إنّه لمهمّ جدًا أن يشعر الآخرون بأنّ وجودهم له معنى، إذ أنّ القائد ممكن أن ينهك نفسه بالأعمال وبالتّالي يصبح غير فعّال.

  • النَّزاهة

طوبى لِلكامِلينَ في سُلوكِهم لِلسَّائرينَ في شَريعةِ الرَّبّ” (مز 119/1).

عيش الإنجيل هو الهمّ الأوّل والآخر للقائد بحسب الله. على القائد أن يُظهر النّزاهة، أن يكون مثالاً أمام الآخرين. عليه أن يتجنّب الثّرثرة، الاتّهامات، الانتقادات اللاذعة… على أقواله أن تطابق أفعاله.

  • السَّيطرة على الذَّات

أَمَّا ثَمَرُ الرُّوح فهو المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف. وهذهِ الأَشياءُ ما مِن شَريعةٍ تتَعرَّضُ لَها” (غل 5/22-23).

حكمة القائد مرتكزة في قسم كبير منها في قدرته على عدم تهوّره. عليه أن يكون بطيئًا في ردّات فعله، سريعًا في التّفكير، لأنّ كلّ ما هو في موقع التّصرفات لديه دائمًا نتائج إيجابيّة أو سلبيّة، عليه وعلى فريقه، بحسب طريقة عمله.

  • الشَّجاعة والمثابرة

وتَعزِمُ على أَمرٍ فيَتمُّ لَكَ وعلى سُبُلِكَ يُشرِقُ نور” (أي 22/28).

قد يمكن في بعض الأحيان أن تتعقّد الأمور، فعلى القائد أن يكون الشّخص الأخير الَّذي يترك أرض المعركة. يجب أن يكون دائم التّصميم والعزم، حازمًا ودائم الشّجاعة لمواجهة كل محنة والحفاظ على تحفيز الآخرين.

  • العمل

فكونوا إِذًا، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، ثابِتينَ راسِخين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبَّ” (1 كور 15/58).

لا يجب على القائد أن يحبّ التّهاون أو الأمور السّهلة، لأنّ الأمور الثّمينة والمهمّة لا تأتي إلاّ بالمثابرة والعمل. فالعمل الدّؤوب هو قاعدة حياة القائد النّاجح.

  1. المسؤوليَّة

فأَقولُ إِنَّ الوارِثَ، ما دامَ قاصِرًا، فلا فَرْقَ بَينَه وبَينَ العَبْد، مع أَنَّه صاحِبُ المالِ كُلِّه” (غل 4/1).

المسؤول، هو الَّذي يمكن الاتّكال عليه والَّذي يأخذ على عاتقه الأعمال الموكلة إليه. فالمسؤوليّة هي ورقة رابحة ومهمّة بالنّسبة للقائد. لا يمكن للقائد أن يبقى طفلاً للأبد، لأن الطّفل لا يمكنه أن يقود أطفالاً آخرين.

  1. الحزم

مَن وَبَّخَ إِنْسانًا على طَريقهِ نالَ في الآخِرِ حُظوَةً أَكثَرَ مِمَّن يُمَلِّقُ بِاللِّسان” (مثل 28/23).

لا يمكن للقائد أن يستهزء برسالته أو رؤيته. فإن شَعَرَ أنّ هناك خطر ما يهدّد الجماعة، يجب أن يكون حازمًا تجاه هذا التَّهديد بخاصّة إن كان يأتي من أشخاص معيّنين، فلا بدّ له أن يكون حازمًا مع هؤلاء الأشخاص. الحزم يحثّ على التّأنيب، إنّما التّأنيب بكل لطف ووداعة ومودّة.

  1. التَّنظيم

يجب أن يكون وقت القائد مُدارًا بطريقة منظّمة، لذا لا بدّ له من أن يتعلّم كيفيّة تنظيم وقته ومشاريعه. لا يمكنه أن يقوم بأعماله بطريقة عشوائيّة، إنّما وفق برنامج ومخطّط مسبق. عليه أن يتعلّم كيفيّة إدارة المشاريع الطّويلة الأمد والقصيرة الأمد وأن يناضل دائمًا لتحقيقهم.

من خلال هذه المبادئ، يحفّز القائد الحكيم والنّاضج الَّذين يقودهم بطريقة مناسبة، فتُنَفَّذ تعليماته بسهولة، رسالته تصبح أكثر وضوحًا، فتكون خدمته على المستوى المطلوب وبالطّريقة الأحبّ إلى قلب الله.

كلمة أخيرة

تختلف القيادة في ملكوت الله عن مثيلاتها في العالم. فالقادة المسيحيّون يتبعون مثال المسيح وينسجون على منواله،  ويسَرّون بلقب الخادم ومهامه، لكي يمجّدوا الله ويؤهِّلوا آخرين للخدمة مكوّنين بذلك فريقاً متجانساً. أن تكون قائدًا بحسب الله، تلك مسؤوليّة صعبة تتطلّب الكثير من التّضحية وبذل الذَّات، إنّما ما من شيء أحب إلى قلب إبن الله من أن يشعر بأنّه مفيدًا لوالده ومحبوبًا منه.

ختامًا، من الضّروريّ أن يُدرك المسيحيّون أنّ شخصيّة القائد الّتي تنمو إلى قياس قامة ملء المسيح، هي منهج يتعلّمه القائد وسلوك يتدرّب عليه.

Scroll to Top