Almanara Magazine

ومضات رجاء في زمن التحولات السياسية في الشرق الاوسط (تحليل العوامل الثقافية للسلام في الشرق الاوسط)

مقدمة

عقب إطلالة الالف الثالث، والحديث عن العولمة والنظام العالمي الجديد، وعلى اثر أحداث الحادي عشر من ايلول 2001، وما تبعها من ترددات أمنية وسياسية، بدأ الحديث عن صراع الحضارات، وازداد عدد التنظيمات الارهابية، وانتشرت الاصولية في العالم. ولم يكن كل هذا، إلا بفضل وسائل الاتصالات السريعة، والثورة الرقمية التي غزت العالم. وفي ظلّ هذه الاجواء، لم يعد للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة وسيلة للاستمرار في القمع، والتكتّم عن الجرائم والابادة والظلم، كما كان في السابق. لقد أطاحت الثورات العربية بهذه الانظمة، وبدأت بتأسيس أنظمة أخرى على أسس جديدة، لا نعرف حتى الآن مراميها ونتائجها.

وفي خضمّ هذه التحولات السياسية المتسارعة في بلداننا، وحيال التحديات التي تواجهها الكنيسة المشرقية من فقدان حرية المعتقد وحرية الضمير وتعاظم الاسلام السياسي في المنطقة، وتفاقم الهجرة من شرقنا بسبب فقدان السلام، كانت دعوة قداسة الحبر الاعظم البابا بندكتوس السادس عشر الى  عقد جمعية خاصة لسينودوس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط. فمن وحي هذا السينودوس ومن ارشادات بطاركة الشرق الكاثوليك من خلال رسائلهم، سوف أحاول أن أبيّن بعضًا من أشكال الحضور النوعي للمسيحيين، الذي يشكل بحد ذاته ظاهرة ثقافية قد تسهم في تثبيت السلام المفقود؛ وأن أضع استراتيجية من شأنها الحدّ من نزف الهجرة، والتأسس لحضور بنّاء يكون شهادة ورسالة في شرقنا.   

أولا، واقع بلدان الشرق الاوسط وكنائسها

تختلف أوضاع بلداننا المشرقية من بلد الى آخر. فالانظمة العربية الحاكمة وان كانت في ظاهرها ملكية أو جمهورية فانها، في نسيجها الاساسي، هي قبائل أو عشائر، تعايشت في مجتمعات مبنية على التعددية الثقافية والدينية والاتنية. وان هذه القبائل كانت حينا متحالفة واحيانا كثيرة متقاتلة فيما بينها، وقد انضوت طوعًا أو قسرًا تحت راية واحدة وحكم أحادي. هذه الانظمة هي في معظمها ديكتاتورية وتفتقر في الممارسة اليومية الى الديموقراطية الصحيحة. أيقظت الثورة العربية التي نشهدها اليوم، في الوعي الجماعي لهذه القبائل، نزعتها التحررية. وان ما نشهده في ليبيا مؤخرا هو شاهد على هذه النزعة الاستقلالية والتحررية.

لا تختلف الجماعات المسيحية في بلدان الشرق الاوسط، في تركيبتها عن باقي الجماعات الدينية أو الاتنية أو الثقافية، سوى أنها الجماعة الاضعف والاقل عددًا وقد اضطرت ان تعيش في حمى هذه الانظمة وتتحالف مع حكامها للحفاظ على وجودها. وقد واجهت الجماعات المسيحية من جراء هذا النمط من العيش تحديات عديدة[1] منها تبعات الصراعات السياسية في المنطقة، والنضال في سبيل حرية العقيدة وحرية الضمير، والتكيف مع تطور الاسلام المعاصر، والحدّ من الهجرة والافادة من الانتشار. ونستعرض هنا واقع كل بلد على حدة.

  1. فلسطين والارضي المحتلة[2]

لعل القضية الفلسطينية هي المعضلة الاساس في الشرق الاوسط. فقبل العام 1948، كان اليهود والمسلمون والمسيحيون يعيشون في سلام في جميع الدول العربية دون تفرقة أو تمييز. وبعد هذا التاريخ، وعلى اثر الاحتلال الصهيوني للاراضي المقدسة، تغير واقع الشرق الاوسط باكمله ونمت العداوة بين هذه الشعوب.

فبدل ان يعم السلام في ارض السلام، نجد ان هناك احتلال اسرائيلي للاراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من حريتهم ومن ابسط حقوقهم. ونجد هناك أيضا الجدار الفاصل، الذي قطّع أوصال الوطن وحوّل المدن والقرى الى سجون كبيرة وفصل فيما بينها. ولا ننسى قطاع غزه الذي يعيش اوضاعًا لا انسانية في ظل الحصار بعيدا عن الاراضي الفلسطينية. وتقيم السلطات الاسرائيلية المستوطنة تلوا الاخرى، وتستولي بذلك عنوة على اراضي الفلسطينيين باسم الله كما تستولي على الموارد الطبيعية من مياه واراضي زراعية، فتزيد بذلك تفقيرًا للشعب وازلالا له. ولا نغالي اذا قلنا ان الفلسطيني اليوم يعاني في حياته اليومية الكثير من جرّاء اقامة الحواجز العسكرية، ومن الحرية الدينية المحدودة، والحرمان من ممارسة شعائره الدينية بكل حرية.

فمن الفلسطينين من هم أسرى منسيون في السجون الاسرائليلية منذ اعوام، ومنهم من هم لاجئون لا يزالون يعيشون في المخيمات في ظروف لا انسانية، ومنهم من يعانون من العقاب الجماعي وكل انواع التنكيل من قبل السلطات الاسرائيلية  بحجة الدفاع عن النفس. اما الفلسطينيون في دولة اسرائيل، فليسوا اوفر حظًا، اذ يعانون هم ايضا من سياسات التمييز، ومن الفصل بين افراد العائلة الواحدة التي لا يحمل احد الزوجين الهوية الاسرائيلية. زد على هذا كله استخفاف اسرائيل بالقرارات الدولية وبالشرعة الدولية وقراراتها وامتهان أبسط حقوق الانسان.

وماذا نقول عن القدس التي أُفرغت من سكانها، بطرد ابناءها وبهدمت منازلهم. وقد غدت القدس سببَ خصام وهي التي كانت رمزًا لسلام.

دفعت هذه الاوضاع المأساوية الفلسطينين لمجابهة هذا الواقع بالتفاوض حينًا والمقاومة المسلحة حينًا آخر. وقد نتج عن هذه المواقف امران: الامر الاول انقسام الفلسطينين على بعضهم، وتفاقم صراعاتهم الداخلية التي افقدت المقاومة الفلسطينية قوتها في التفاوض، كما افقدتها اعتبارها لدى الدول الاجنبية. والامر الثاني هو هجرة الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين وبخاصة الشباب منهم، هجرة لا عودة عنها.

رغم كل هذه المآسي، لا تزال كنيسة الاراضي المقدسة تتسلح بالايمان والرجاء والحوار وتخطي احقاد الماضي، والانفتاح على الاخر والمناداة بملكوت الله، ملكوت عدل وسلام وكرامة. وقد عبر عن هذا الرجاء مجموعة من الفلسطينيين المسيحين بقولهم: « إنّ الظروف القاسية التي عاشتها وتعيشها الكنيسة الفلسطينيّة جعلتها تصقل إيمانها وتتبيّن دعوتها بصورة أوضح. بحَثْنا (نحن الفلسطينيون المسيحيون) في دعوتنا وازدادت معرفتنا بها في وسط الألم والمعاناة : نحن نحمل اليوم قوّة المحبّة بدل قوّة الانتقام وثقافة الحياة بدلَ ثقافة الموت. وهذا مصدر رجاء لنا وللكنيسة وللعالم. القيامة أساس رجائنا. كما قام يسوع منتصرًا على الموت والشرّ، كذلك نستطيع ويستطيع كلّ سكّان هذه الأرض الانتصار على شرّ الحرب فيها. وسوف نبقى، نحن، كنيسة شاهدة وصامدة وفاعلة في أرض القيامة».[3]

  • العراق

اما الشعب العراقي فهو مكّون من مسيحيين آشورين وكلدان وسريان كاثوليك وارثوذكس، ومن مسلمين سنة وشيعة ومن اتباع الصائبة واليزيدية وغيرهم من الاديان. وهو ايضًا نسيج من عرب وفرس واكراد وسواهم من الاقليات الاتنية. كل هذه الفسيفساء، المركبة من هذه الجماعات المتعددة، عانت الكثير أيام حكم صدام حسين، وأيام الحصار الاقتصادي والعزل السياسي، وايام غزو العراق سنة 2003، وأيام الحكم الاميركي للبلاد.

نتج عن كل ذلك[4]، تدمير قواعد الأمن الأساسيّة، وازدياد عدد الضحايا البريئة، الى جانب تنامي النزاعات الطائفية بين فئة وأخرى حيث اختلط الدين بالسياسة وبالحكم وبالأمن، وتضاربت الرؤى العقائدية بالايديولوجية، ودخول فئات متطرفة الى البلاد بدافع محاربة المحتلين.

ولعل المسيحيون، الذين يشكلون الجماعة الأصغر عدداً والأضعف بين الجماعات العراقية الاخرى، هم الضحايا الأساسيون. لانهم لاقوا الاضطهاد من قبيل الجماعات الاسلامية المتطرفة بحيث اعتبروا، عن غير حق، حلفاء الغرب، كما لم تراعي السياسة الدولية لهم أي حساب. ففُجّرت كنائسهم، وخُطِف بعض أساقفتهم وكهنتهم والمؤمنين، وقُتل عدد منهم، وأجبروا البعض الاخر على الهجرة القسرية خوفًا من القتل. فدخلوا خلسة الى الاردن وسوريا ولبنان، ساعين الى الهجرة النهائية الى اوروبا واميركا . وبدل ان تعي الدول الغربية خطورة هذا التهجير، على المدى القصير والبعيد، فتسعى الى الدفاع عنهم وعن سواهم من الاقليات بالحفاظ على حقوقهم الدينية والمدنية، وتصون هذه الحقوق وتكرسها في دستور البلاد، سعت على عكس ذلك الى توطينهم لديها بحجة اللجوء السياسي أو الانساني. فساهمت، عن وعيٍ أو غير وعي، بأفراغ الشرق من مسيحييه.

غير ان مسيحيو العراق، وهم ابناء الأيمان الرجاء، قدموا لشعوب البلدان التي استضافتهم في هجرتهم صورة مشعة عن ايمان كبير بالله، وعن تقوى وورع وتمسك بالقيم الدينية والتراثية والاخلاقية وكبر النفس. فأحيوا الحياة الراعوية والنشاطات الرسولية في الرعايا والابرشيات السورية واللبنانية حيثما حلّوا.

  • لبنان

تميّز لبنان ما بعد إتفاق الطائف وإنتهاء الحرب، خلافًا لباقي الدول العربية، بالنظام الطائفي الذي يعترف بوجود ثمانية عشرة طائفة، كما يتميّز بتداول السلطة وبالديموقراطية العددية، وبحرية الرأي والاعلام وبحرية ممارسة الشعائر الدينية التي يصونها الدستور. غير ان هذا النظام الطائفي، بعد اتفاق الطائف، ولّد اجحافًا في حقوق الافراد وفي حقوق الطوائف التي لا  يعترف بها هذا الدستور. ومع ما يسمى بثورة الارز، ، التي يعتبرها اللبنانيون الشرارة التي أشعلت الثورات التحررية في مختلف البلدان العربية، وبعد خروج السوريين من لبنان على اثر ذلك، نمت الاحزاب، وانتقلت من الصراعات اليدانية النضالية المسلحة الى الصراعات الفكرية والسياسية، غير أنها بقيت في غالبيتها طائفية تتأثر سياستها بالمواقف الدينية.

لم يكن هذا الانفراج السياسي كافيًا لينعم اللبنانيون بفضله بالطمئنينة والأمن وينصرفوا الى تحسين أوضاعهم الاقتصادية، بل سرعان ما برزت على الساحة السياسية ملفات عديدة متراكمة، كانت خلال فترة الاحداث منسية. من هذه الملفات والمشاكل التي تنتظر حلولاً عاجلة: الازمة الاقتصادية المتفاقمة يومًا بعد يوم، والمشاكل السياسية مثل استراتيجية الدفاع، وتوطين الفلسطينين، مشكلة الطائفية السياسية والعلمنة، وترسيم الحدود مع اسرائيل ومع سوريا، وتحرير مزارع شبعه، وقضية إرتهان السياسين الى الخارج وإنقسامهم الى معسكرين: المعسكر الايراني السوري من جهة والاميركي والسعودي من جهة اخرى، أضف الى المشاكل الاجتماعية مثل الفساد الاداري والمالي والمحسوبيات والرشوة، وتسيس القضاء، ومنح الجنسية اللبنانية بصورة عشوائية التي أخلّت في الديموغرافية، واستعادة الجنسية للمغتربين، والمطالبة باعطاء الجنسية لعائلة الام اللبنانية، الى مشكلة تنامي الاصولية، ومشكلة «كتاب التاريخ»، وبيع الاراضي الى غير اللبنانيين، وما الى ذلك من أمور زادت من الهجرة بدل أن تعيد الثقة المواطن ببلده.

اما على صعيد الكنيسة في لبنان، فقد عرفت نشاطًا مكثفًا لردم الهوة بين الرعاة والمؤمنون. تمثّل كل ذلك في عقد السينودس من أجل لبنان، وزيارة الحبر الاعظم لتسليم الارشاد الرسولي الى اللبنانيين، وعقد المؤتمر الاول للبطاركة والاساقفة الكاثوليك في الشرق الاوسط، ومؤتمر العلمانيين، والتعليم المسيحي والمجمع البطريركي الماروني وغيره من المجامع التي كان من شأنها ان تفتح أبواب كنيسة لبنان على كنائس الشرق وعلى الحوار المسكوني والحوار بين الاديان، وإعطاء دور اكبر للعلمانيين والمرأة والشبية في الكنيسة، فكان لبنان بفضل كنيسته، وطن حقيقي للرسالة والحوار.

يتكون الشعب المصري من مسلمين وأقباط. وكان يحكم مصر قبل الربيع العربي، نظام الدولة الحامية والحاكمة لكّل أفرادها. فقد عاش الشعب الظلم والكبت والحرمان والجهل والفقر طيلة اربعين سنة، مما دفع بالمصريين، وبخاص الشبيبة مهم، الى الهروب من الواقع المؤلم بتعاطي المخدرات للبعض منهم، وبالهروب الى التعصب الديني أو الانضمام الى المنظمات الارهابية للبعض الاخر، واللجوء الى التواصل الاجتماعي او الى الهجرة للعديد منهم. لقد جاءت الثورة المصرية لتخرج مصر من قبضة النظام ولتفتح الباب على فوضى كبيرة على المستوى الاجتماعي والديني والثقافي والسياسي.

قبل الربيع العربي، كان المسيحيّون[6] يتعرضون من حين إلى آخر إلى مواقف اعتداء أو مواجهات يعود مصدرها غالبًا إلى تصادمات فرديّة، لابل إلى اعتداءات، تتطوّر غالبأ لتتّخذ طابعًا فئويًا دينيًا. وكان النظام الرئيس مبارك، ذات الأيديولوجيّة الأحاديّة، يرى في المسيحيين اجمالا وفي الاقباط خاصة غرباء وعناصر معوِّقة لهذه الأيديولوجية. وقد دفع هذا الواقع الأقباط الى مزيد من التعصب الديني والانغلاق على الذات في حركة عفوية غير واعية للدفاع عن النفس. تنوّعت ردود الفعل المسيحيّة في داخل مصر وخارجها، وقد اصبحت المنظمات القبطية خارج مصر قوة ضغط على الدولة و«صوت صارخ » في وجهها، تندد بالظلم وتدعوا الى احترام حقوق المواطنين. هذه المواقف دفعت الدولة الى مزيد من اضطهاد اقباط الداخل والتضييق عليهم.

خلال الثورة المصرية وما بعدها، لم يكن في داخل مصر من احزاب معارضة منظمة سوى الاخوان المسلمون والسلفيون، مما جعلهم يتحكمون بزمام امور الثورة وقيادتها، وبالفوز بالانتخابات فيما بعد. وأما المسيحيون فلم يكن لهم موقف موحد وثابت لينظّم العلاقة مع المجتمع ومع الدولة، ويعطيهم حظًا في دخول المعادلة.

  • سوريا

يتكون الشعب السوري من غالبية سنية تحت حكم الأقلية العلوية، التي تعاونت مع الاقليات المسيحية والدرزية وغيرها وضمنت حمايتهم. أما النظام السوري فهو نظام الحزب الواحد، الذي يعزز الاقليات ويعتمد على المخابرات للحفاظ على ديمومته وعلى أمن المواطنين. كما إعتمد العلمنة نهجًا لإبعاد الناس عن منطق التمييز الديني أو العرقي أو المناطقي ليحمي نفسه. وجد المسيحيون في ظل هذا النظام حماية لهم من التطرف الديني والاصولية الاسلامية، فانضووا في صفوفه وأخلصوا الولاء له أسوة بباقي الاقليات الاخرى.

إذا عُرفت الثورة التونيسية والمصرية بالثورة السلمية، وانتصرتا بفضل الضغوط السياسية. وإذا عُرفت الثورة الليبية بالثورة المسلحة من الخارج، ولم تنتصر الا بتدخل الناتو المسلح. وأما الثورة السورية فلم تكن منظمة من جهة ولا بريئة من جهة اخرى. ولم تكن جهود الثوار بالتالي موحدة وهادفة، فلذلك سرعان ما انقلبت من ثورة سلمية الى مسلحة وكادت أن تتحول الى حرب أهلية.

إن الوضع القائم، في ظل هذه الثورة، لا يسمح لحسم عسكري، ولا يسمح للعودة الى النظام السابق كما هو، ولا يسمح لاصلاحات فيه، ولا يسمح لتوحيد المعارضة، ولا يسمح لسيطرة فئة على فئة بما فيها الاخوان المسلمين والسلفيين. ومن جهة أخرى، لا تستطيع جامعة الدول العربية حسم الموقف. كما لا يستطيع الغرب ان يسلح المعارضة أو ان يدعم النظام أو ان يوحد كلمته بسبب تضارب المصالح الاجنبية في الشرق الاوسط وبخاصة  في سوريا.

هذه الحيرة في المواقف تجاه الاحداث السورية في الداخل والخارج، تعكس تمامًا حيرة الكنيسة في اتخاذ موقف واضح أو اصتفاف معين. فمن المسيحيين من وجد في الثورة فقدانًا لحمايتهم وخطرًا  يهدد وجودهم، وخوفًا من سيطرة الاسلام المتطرف وحكمه. ومنهم من  وجد فيها فسحة للتغيير نحو الديموقراطية وفسحة للحرية الحقة. لكن السلطة الكنسية لم تستطع ان تحسم القرار. فان مالت الى النظام اتهمت بالارتهان، وان مالت الى الثورة اتهمت بالخيانة، ففضلت الصمت لأنه في كلتي الحالتين سوف يرتدّ عليها تبعات مواقفها.  

  • الاردن وسائر البلدان العربيّة[7]

يشعر المسيحي في الاردن بانه مواطن عربيّ أصيل. «لا يواجه المسيحي العربي، كما تقول الرسالة العاشرة لبطاركة الشرق الكاثوليك، سوى أحداث فرديّة محصورة، وهو يعيش في دولة ساهرة قويّة وفي مجتمع يُنضَّج فيه ويتنامى الحسّ الوطني المحتضن لجميع المواطنين. ومع ذلك هنا أيضًا، تعمل بالسرّ أو بالعلن الأيديولوجيّات الإسلاميّة المتطرّفة، المختلفة في رؤاها عن رؤى الدولة والمؤثّرة على الشارع وعلى مناحي التربية العامّة في ما يختصّ بالعلاقات بين المؤمنين في مختلف دياناتهم»[8].

«وأمّا في بلدان الخليج العربي، فالوضع مختلف تمامًا. أوّلاً، المسيحيّون فيها، عربًا أم أجانب، هم ضيوف وافدون على الدولة. وثانيًا، بعض هذه الدول يتيح للمسيحي العربي أو الأجنبي حرّية محدودة، بينما يحرمه البعض الآخر كل حرّية دينيّة على الإطلاق»[9].

يتواجد المسيحيون في جميع بلدان الشرق الاوسط، وهم يشكلون أقلية بسيطة، باستثناء لبنان. إنهم أقل من واحد في المئة في ايران وتركيا، ويصلون الى عشرة بالمئة في مصر، إلا انهم اينما وجدوا يشكلون جماعة ناشطة تتميز بالانفتاح والاشعاع، وهي رائدة في الحداثة وفي العمل الاجتماعي والتربوي والثقافي. إن المجتمعات العربية والتركية والإيرانية، برغم اختلافها، لها خصائص مشتركة. ففيها يتغلّب أسلوب الحياة التقليدي، وبالأخص فى ما يتعلّق بالأسرة والتربية. وتحكم الطائفية العلاقات بين المسيحيين وغير المسيحيين، وتؤثّر بعمق على العقلية والسلوك. فالدين عنصر من عناصر الهويّة الذي من شأنه أن يفرّق بين المواطنين ويدفع بالمسيحيين الى الانطواء على الذات والخوف من الآخر.[10]

ثانيا، الهجرة والتحولات السياسية

ونستنتج من استعراضنا لواقع البلدان المشرقية بأن جميع مواطنيها يهربون من الواقع الذي وصفناه بالهجرة، التي هي نافذة الأمل الوحيدة لمستقبل أفضل. ولكن مع بداية ما سمي بـ«الربيع العربي»، بدت الثورات للبعض بارقة أمل جديدة من شأنها أن تستعيض عن الهجرة بأنظمة بديلة أكثر ديموقراطية، يأملون من خلالها أن يستعيد الانسان حقوقه وكرامته وحريته. ولعّل لظاهرة الهجرة كما لظاهرة الثورات التي نشهدها نفس الأسباب الاقتصادية والسياسية والأمنية والدينية.

  1. الاسباب الاقتصادية

تعاني الشعوب العربية بمجملها من الحرمان الفقر المتزايد بين المواطنين. فالطبقة الغنية زادت في غناها على حساب الطبقة الفقيرة بسبب إرتباطها بالشركات العابرة للقارّات. والطبقة المتوسطة هي في طريقها الى الزوال، وأما الطبقة الفقيرة فازدادت فقرًا وبات العديد من هذه الفئة دون مستوى الفقر. وبات الناس يسعون بكل قواهم الى تأمين لقمة العيش، والى تحسين الظروف الاقتصادية للعائلات والافراد.

  • الأسباب الاجتماعية

تعاني مجتمعاتنا العربية أيضا من التخلّف، والجهل، والتعصب الطائفي والانقسامات الداخلية المذهبية. لم تعطي الأنظمة العربية القائمة الأهتمام المطلوب لحقوق الانسان والمرأة والطفل والعامل وغيرها من الحقوق الاساسية لكل مواطن. ولم يتربى المواطنون كفاية على تأدية واجبهم تجاه أوطانهم ولا على المطالبة بحقوقهم. ولأن مجتمعاتنا هي مجتمعات شابة، فالشباب هو الشريحة الأولى التي تضررت من هذا الواقع الاليم. فالبطالة وعدم تأمين المسكن اللائق وتحقيق الطموحات لم يشجع الشباب على المغامرة، في مستقبل غير مضمون النتائج بالنسبة اليهم، فترددوا في الالتزام بالزواج وتأسيس العائلة.

زد على ذلك، تخوّف العالم العربي من الحداثة، الغريبة عنه والتي فرضت نفسها عليه. فقد تعامل معها بحذر، خوفًا من أن تفقده هوّيّته الروحيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة، ولكنه سرعان ما ادرك انه ليس باستطاعته ان يتجاهلها لارتباطها بالنموّ والتقدم العلمي، فمشى في ركابها من دون سابق استعداد.

أدخلت الاتصال الحديثة، من قنوات تلفزيونية عالمية وأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، قيمًا جديدةً على المجتمع المدني وأضاعت قيمًا أخرى. فسمحت للمسيحيين الاعلان عن ايمانهم وايصال كلمة الله الى جميع البلدان التي كان هذا النوع من التبشير محظرًا دخوله، كما ساهمت من جهة في المزيد من انتشار الجماعات الإسلامية الأصولية، ومن جهة اخرى مزيد من التسلط لدى السلطات المدنية والى وفرض رقابتها على وسائل الإعلام والصحافة.

  • الاسباب السياسية والامنية

لم تعرف الدول العربية استقرارًا سياسيًا يتيح لها العمل على تطوير ذاتها والدفع بعجلة الديموقراطية الى الأمام. لقد أخفقت الأحزاب والتيارات والأيديولوجيات التقليديّة في معالجة الاوضاع الاجتماعية. وأخفقت أيضًا النخب السياسيّة والثقافيّة التي كانت تمسك بزمام الامور في ظلّ التدخّلات الأجنبيّة، التي سلبت الشعوب إرادتها ومارست في المنطقة ازدواجيّة في اعتماد المعايير وفقًا لمصالحها الأنانيّة. ان الدكتاتوريات في اشكالها المتعددة، التي حكمت بعض الدول العربية عدة عقود، ولّدت ردّات أفعال عنيفة تمثلت بتشكيل الاحزاب الدينية المتطرفة وبظهور التيارات الارهابية المناوئة للنظام. فاضفى هذا الواقع الى اللا استقرار الأمني والسياسي، زد على ذلك  فقدان الامن، والخوف على السلامة الجسديّة، والخوف من الانظمة الاستخباراتية والاعتقالات التعسفية؛ فكان كل هذا مصدر قلق للمسلمين كما للمسيحيين. وبدل ان يعالج الحكام الامور بمزيد من الاصلاحات الدستورية واعطاء فسحة كبيرة من الحريات للمواطنين، زادوا في القمع والاستبداد، وازكاء الحساسيات الطائفية والمذهبية في النفوس.

  • الأسباب الدينية

حيال فشل السياسية والسياسيين، برزت الحلول الدينية كالبديل الاوحد، وهذا ما سمي بالصحوة الاسلامية أو بالإسلام السياسي. «ويشمل الإسلام السياسي، بحسب ما جاء في رسالة البطاركة العاشرة، مختلف التيّارات الدينيّة التي توَدّ أن تفرض الإسلام الاجتماعي على كلّ المجتمعات العربية وعلى كلّ من فيها، مسلمين وغير مسلمين. ترى هذه التيّارات أنّ مَردّ الأوضاع المتردّية التي نعاني منها لأسباب داخليّة أو خارجيّة هو الابتعاد عن الإسلام، ومن ثمّ يقوم العلاج بالرجوع إلى ينابيع الإسلام الصافية. ومن هنا الشعار: الإسلام هو الحلّ. وقد برزت هذه التيّارات في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. بدأت أوّلاً على شكل تيّارات فكريّة، ثمّ ما عتّمت أن تحوّلت إلى أحزاب سياسيّة فعّالة. كما راح البعض منها يلجأ إلى العنف لتحقيق أهدافه. وتتّخذ هذه التيّارات أشكالاً متنوّعة ومختلفة، من الأكثر تطرّفًا إلى الفئات الأكثر وسطيّة واعتدالاً.

أمّا الأحداث التي عصفت بالعالم الإسلامي في العقود الأخيرة (حروب الخليج، وحرب أفغانستان إبان الحكم الشيوعي والآن تحت الهيمنة الأميركية…) فقد أدّت إلى تعقيد الأمور وفتح المجال للكثير من الحركات العنفيّة المتطرّفة. وهذا ما جعل البعض يحملون لواء الحرب على الإرهاب من غير التنبّه إلى القضايا الشائكة التي تعيشها المجتمعات العربيّة والإسلاميّة. وهذا ما جعل الأمور تأخذ منحى سلبيًّا وعنيفًا لدى كل الأطراف.

ولا بدّ من القول إن هذه القضية هي قبل كل شيء، قضيّة إسلاميّة تمسّ وتهمّ العالم الإسلامي قاطبة، بما فيه عالمنا العربي. ووسط جميع هذه التفاعلات يعيش العالم الإسلامي حالة من الانقسام الحادّ والارتباك والتناقضات. وهذا ما يفسر الاتجاهات الكثيرة فيه المتناقضة والمتصارعة… »[11] ويضيف البطاركة: «… ولكنّ هذه القضية لها تداعياتها أيضًا على الحضور المسيحي في الشّرق، وتؤثّر تأثيرًا عميقًا في فهم المسيحي لنفسه ولدوره في مجتمعه. ونعلم جيّدًا أنّ هذه التيّارات وإن كانت منتشرة في العالم الإسلامي كلّه، إلاّ أنّها تمثّل جزءًا فقط من الإسلام الذي عشنا وسنعيش معه. وسنعيش معه إذا ما ميّزنا بين الأفكار والتيّارات وعرفنا أنّه لا بدّ لنا من أن نقف صفًّا واحدًا، مسلمين ومسيحيّين، في وجه التيارات المتطرّفة الجديدة التي تشكّل تهديدًا للمسلمين والمسيحيّين على السواء.»[12]

ثالثاً، آفاق جديدة لوجود فاعل وايجابي

  1. أوضاع المسيحيين المشرقيين

إنّ جميع هذه العناصر التي أوردناها تجعل مجتمعاتنا العربية في مأزق حقيقي، وتشهد على تحوّلات تاريخيّة وسياسية غير مسبوقة في حجمها وتداعياتها، ولن تجد هذه التحوّلات نقطة توازن تؤمّن لشعوب المنطقة ودولها الاستقرار والأمن على المدى المنظور، ولا يستطيع أحد أن يتكهّن بمخارجه.

إنّ التحدّيات التي تواجهها مجتمعاتنا كثيرة وهائلة تنعكس في تداعياتها على وجود مسيحيي الشرق، أفرادًا وجماعات وعلى  كنائسهم ومؤسّساتها وتفاعلها في مجتمعها. فبين الصعوبات الجمّة والانتظارات الكبرى، تعيش الجماعات المسيحية حالة من المعاناة والترقُّب في محاولة لرسم استراتيجية واضحة «للأستمرار في الوجود».

يتحدث الأب ريشارد فتوريك اليسوعي في مقال له عن ثلاث نماذج من استراتيجيات «الاستمرار في الوجود»، اعتمدتها كنائس الشرق على مدى تاريخها. الأول هو “النموذج الاحتمائي” الذي عاشته الكنائس في الشرق في ظل الدولة الإسلامية وفق نظام الذمة أو «أهل الذمة» الذين طلبوا الحماية أو فرضت عليهم. وهو النموذج الذي يؤمّن للمسيحيين العيش المستقر على هامش الحياة العامة. والثاني هو “النموذج الطائفي”، الذي تَرسَّخ إبان الحكم العثماني، وراح يأخذ طريقه لدى بعض الجماعات المسيحية ذات العدد المتماسك، في مصر ولبنان، على سبيل المثال. وهو النموذج الذي يؤكّد على الخصوصية المسيحية ليصل، في المجال السياسي، إلى حد المطالبة بكيان مستقل. أما النموذج الثالث، فهو “النموذج القومي”، الذي تبنّته شرائح واسعة من مسيحيي الشرق، ابتداء من القرن التاسع عشر الى يومنا، تحت تأثير المدّ القومي.

ويضيف الكاتب أن هذه الاستراتيجيات القائمة على الاستمرار في الوجود قد فشلت جميعها. ويعود السبب إلى أنها تحوّل المسيحية وكنائسها إلى مجرد كيانات اجتماعية-ثقافية بحتة. ويخلص الكاتب إلى الاستعاضة عن هذه النماذج الثلاث بنموذج جديد هو ما آمن به ودعا الى عيشه بطاركة الشرق الكاثوليك في رسائلهم الثلاث الاولى، وهو نموذج «الكنيسة الفصحية» إنه «نموذج  حضور جديد يتيح للكنائس أن تكتشف من جديد البعد الروحي لكيانها الكنسي لتصبح من جديد جماعات إيمان حية، مُجذَّرة في سر المسيح؛ … أي كنيسة تنتقل دوما من الموت إلى الحياة، بفعل السيد المسيح، الذي غلب الموت بالحياة[13].

  • خارطة الطريق

ادرك بطاركة الشرق الكاثوليك، منذ تأسيس مجلسهم عام 1990، عمق الازمة الوجودية للمسيحية في الشرق، وهم الذين قالوا: «اننا في الشرق، نكون مسيحيين معًا، أو لا نكون»[14]. وادرك البطاركة الكاثوليك ايضًا ان وجود المسيحية في الشرق ليس صدفة بل دعوة وشهادة ورسالة؛ وأنه ليس وجودًا عابرًا بل متجذرًا في الارض والتاريخ، منذ بدء المسيحية حتى يومنا هذا؛ وأن هذا الوجود من شأنه ان يثبّت أصحابه في ارضهم اذا اتّبعوا خارطة الطريق التي رَسمت معالمها رسائلهم الراعوية، وبخاص الرسالة الثانية التي هي بعنوان: «الوجود المسيحي في الشرق، شهادة ورسالة»[15]. تمحورت هذه الرسالة حول ستة أنواع من الحضور الفاعل للمسيحية، تشكل مجتمعة عوامل أساسية لحضور فاعل وايجابي وهي بمثابة بوادر سلام حقيقي بين الشعوب.

«إننا نعيش في هذا الشرق منذ القدم، فهو جزء من هويتنا العميقة كما أننا بدورنا، جزء من هويته وكيانه. وعليه فلا يحقّ لنا أن نبقى هنا وجلّ اهتمامنا فقط الاستمرار في البقاء، مما قد يؤدّي الى الانعزال والخوف وعقدة الأقلية القاتلة. ان حضورنا في الشرق هو حضور رسالة وشهادة، لا حضور جسم يكتفي بالحنين الى الماضي ويعجز عن شقّ طريقه الى المستقبل. ان كنائسنا حيّة تتفاعل مع دعوة الله لها عبر الأحداث والبيئة والتراث والحضارة.»[16]  ويضيف البطاركة : «… ان الوقت الذي نعيش فيه ليس وقت الخوف والتظلّم والتشكّي والتهرّب، بل وقت الأمل والعمل من أجل مستقبل ننغرس فيه باضطراد في مسيحنا، وننغرس فيه، في الوقت عينه، في مجتمعاتنا لنكون فيها، خميرة خير ومحبة ومصالحة وتقارب وسلام… ان أوطاننا وكنائسنا بحاجة الينا، في هذه الأوقات العصيبة. لقد عشنا مع مواطنينا أيام اليسر، وما أحرانا أن نقاسمهم أيام العسر فنعمل معًا على النهوض بأوطاننا وبنائها، على أسس ثابتة وسليمة.»[17]

رابعًا، حضور المسيحيين في الشرق: شهادة ورسالة

يحدد البطاركة مفهوم الحضور وابعاده وغاياته على الشكل التالي: «لقد اخترنا «الحضور» كواقع إيماني يرافق تفكيرنا، ويوحد أطرافه، ويحدد اتجاهه العام. ويعني الحضور أن نكون في وسط المجتمع الذي نعيش فيه علامة لحضور الله في عالمنا، مما يدعونا إلى أن نكون «مع» و «في» و «من أجل»، لا «ضد» أو «خارج» أو «على هامش» المجتمع الذي نعيش فيه. وهذا مطلب أساسي من متطلبات إيماننا ودعوتنا ورسالتنا. ويقف الحضور بين نقيضين: الانعزال والذوبان. وكلاهما شر قاتل. فالانعزال يلغي رسالتنا، والذوبان يقضي على هويتنا. أما الحضور الأصيل فهو ضمان لهذه وتلك، إذ يعمق أمانتنا لله ولأنفسنا وللمجتمع الذي أراده الله مكانًا لمسيرتنا الأرضية.»[18]

 حضور الايمان والصلاة

لعل من أهم العوامل التي تساعد على السلام في اوطاننا، هي التزامنا في ايماننا وعيشه. «يرتبط حضورنا المسيحي ارتباطًا وثيقًا بنوعية إيماننا وعمقه وكثافته وأصالته وصدقه»[19]. وقد دعا البطاركة المؤمنين الى ان لا يعيشوا عقدة الاقليات بل ان يكونوا ملح الشرق ونوره، وأن ينفتحوا على محيطهم ومجتمعهم بدل التقوقع والانعزال. ويدعوا البطاركة المؤمنين الى ان يكون ايمانهم ايمانًا شخصيًا لا وراثيًا، وان يرتبطوا بعلاقة شخصية مع يسوع المسيح. والايمان هذا يتطلب تثقفًا دينيًا. «إن التربية الدينية حق للمؤمن وواجب عليهم، وتنتظر من الكنيسة أن توفر لهم الظروف الملائمة، والأدوات الناجعة، والمتابعة المستمرة، فتأخذ أهميتها ودورها في حياة الكنيسة في بلادنا، سواء أكان ذلك في البيت أو المدرسة أو الرعية، ذلك المثلث التربوي الذي ينشأ فيه المؤمن وينضج من كل جوانب حياته المسيحية. من الضروري أن تبقى التربية الدينية مجالاً أساسيًا من التزام كنائسنا ومؤسساتنا كي يصبح الإيمان «حيًا، وصريحًا، وفاعلاً»[20]، في حياة المؤمن والجماعة المسيحية»[21].

ان العناصر التي تدلّ على تجاوب المؤمنين مع نداء رؤسائهم لتمتين العلاقة مع الله وعلى حضور الايمان والصلاة في مجتمعاتنا العربية هي عديدة، نذكر منها: التزام الشبيبة بالحياة المسيحية وانضمامها الى اكثر من اربعين حركة رسولية ناشطة، إهتمام الكنيسة بتثقيف الايمان والتربية الدينية في البيت والكنيسة والمدرسة، وإنتشار معاهد التثقيف الديني في جميع البلدان العربية، واقامة مراكز للرياضات الروحية للعلمانيين، ودورات اعداد للزواج، واقامة مخيمات رسولية في مختلف المناطة تعزيزا للايمان في قلوب المؤمنين. أضف الى ذلك النشاطات الاعلامية والاعلانية لرسالة المسيح التي تجلت بتكريس الاعلام المكتوب والمرأي والمسموع في خدمة البشاره. وبتأسيس الإذاعات الدينية وإنشاء المحطات التلفزيونية والمواقع الالكترونية لتكون أداة فعالة في نشر كلمة المسيح.  

كل هذا يدلّ على ان كنائسنا انتقلت نقلة نوعية من المواقف السلبية الى الالتزام والعمل. وقد تحدث اصحاب الغبطة في رسالتهم عن نوعية حضورنا الايجابي هذا بقولهم: «إن الكنيسة لا تقاس بالأرقام والإحصاءات، بل بوعي أبنائها الحي لدعوتهم ورسالتهم. لقد حان الوقت لنستوعب هذا الواقع الكمي لنحوله إلى واقع نوعي، حيث يحل حجم القوة الروحية محل الحجم العددي. وبذلك نتحرر من كل ما خلفه وضع الأقلية في التاريخ من رواسب نفسية واجتماعية قاتلة، كتجربة الانكفاء، وعدم الثقة بالنفس وبالمجتمع، والتظلم، والانعزال أو الذوبان: «لا تخف، أيها القطيع الصغير»[22]… إن نظرة الناس إلينا تقررها، بشكل من الأشكال، نوعية حضورنا وكثافته، لا قلة عددنا أو كثرته».[23]

  1. حضور متجسد[24]

ان التجسد هو اساس حياتنا المسيحية، فالله تجسد لاجل خلاصنا وكنيستنا تتجسد في مجتمعها من اجل اغناءه. وهذا ما ندعوه بتعبير حديث هو ما يسمى بالمثاقفة. «إن تجسد الكنيسة هو وجه من أوجه سر المسيح المتجسد. فالكنيسة واقع إلهي وإنساني يعاش في نطاق الزمان والمكان بكل ما يرتبط بهما من حيثيات تاريخية وجغرافية واجتماعية وحضارية. تتفرس الكنيسة في هذا الواقع البشري الملموس لتأخذ منه ملامح وجهها المميز وطابعها الخاص، وهذا ما ينعكس على شكل ممارستها لدعوتها ورسالتها الآن وهنا»[25]. يقول البابا بولس السادس «إن البشارة الإنجيلية تفقد الكثير من قوتها وفاعليتها، إن لم تأخذ في الاعتبار واقع الشعب الذي تخاطبه، وتستخدم لغته، وإشارته ورموزه، وإن لم تجب عن التساؤلات التي يرددها، ولم تندمج في حياته الواقعية»[26]. أظهرت كنائسنا عبر التاريخ مقدرة فائقة على التكيّف الحضاري وسط مجتمعها، وقد أدى هذا التفاعل الحضاري نشوء تراثات كنسية مختلفة ومتنوعة غذّت التراث الكنسي العام واغنى الثقافة الإنسانية، وقد أشاد المجمع الفاتيكاني الثاني بهذا التراث وبغناه التي شكلت ثروة للكنيسة جمعاء. [27] إن التفاعل الحضاري لكنائسنا لم يتوقف في وقت من الأوقات، بل احتفظ بحيوية متجددة عبر الأجيال والمراحل التاريخية المتعاقبة التي مرت بها منطقتنا. فقد اعتمدت كنائسنا اللغة العربية في طقوسها وثقافتها ومعاملاتها اليومية، واهتمت بالشأن الثقافي والحضاري العام. وأسهم المسيحيون مساهمة فعالة، عبر الزمن، في بناء الحضارة العربية، عن طريق الترجمة أو التأليف. وفي عصر النهضة الحديثة، كان المسيحيون روّاد تلك النهضة الثقافية والسياسية في العالم العربي. وأودّ ان اذكر هنا أن اول كتاب طبع باللغة العربية كان الكتاب المقدس، وأن الكنيسة تحوي على تراث ضخم وفريد من نوعه والذي اتخذ من العربية لغة له، ويعرف بـ «التراث المسيحي العربي»، الذي نشأ بنوع خاص ما بين القرنين الثامن والرابع عشر في مختلف الكنائس المسيحية في الشرق.

هذا الحوار الحضاري الخلاّق والتفاعل الثقافي الذي لا يزال قائمًا حتى يومنا، يتجلى في حركة الترجمة والبحث والتأليف والنشر، في مجال اللاهوت والكتاب المقدس والليتورجيا، التي تغني المكتبة المسيحية العربية، الى جانب وسائل الاعلام الحديثة المكتوب والمرئي والمسموع، يشكل أداة حقيقية للشهادة المسيحية وللحضور المسيحي المتجسد في المجتمع العربي.

ويشجع البطاركة ابناءهم على المضي في هذا الحوار الثقافي الذي يميز خبرتنا المسيحية في الشرق والذي يؤكد على تفاعل الحضارات وتكاملها بدل الصراع فيما بينها. «إن هذا الحوار الثقافي الذي يميز خبرتنا المسيحية في الشرق يجب ألا ينفصل عن الأصالة والفرادة، لأن التفاعل الحضاري يفرض الأصالة ويستدعيها. على هذا الأساس يثرينا مجتمعنا ونثريه بدرونا… إن الشأن الثقافي مجال حيوي لتطور مجتمعاتنا، مما يتطلب متابعة تطوره، وتعميق علاقته بتراثنا من جهة، وتفاعله مع الثقافة العالمية من جهة أخرى. وهذا ما يؤهلنا أن نسهم في بلورة ثقافة عربية ووطنية أصيلة ومتجددة تناسب إرثنا الحضاري ومتطلبات عصرنا، بروية وموضوعية وروح نقدية، بعيدًا عن الانجرافات الإيديولوجية التغريبية التي تسلخنا عن ذاتنا وعن محيطنا الثقافي، وبعيدًا، في الوقت عينه، عن الاستسلام للشعارات المبتذلة»[28].

  • حضور الخدمة[29]

على مثال المسيح الذي جاء الى ارضنا بدافع من محبته « ليَخدم لا ليُخدم»[30]، أوصى تلاميذه وكنيسته بان تحذو حذوه. وهو الذي «أخذ منديلاً فائتزر به، ثم صب ماء في مطهرة وأخذ يغسل أقدام التلاميذ، ويمسحها بالمنديل الذي ائتزر به»[31]. ولقد رأت الكنيسة دومًا في مثال السيد المسيح وتعليمه دعوة ملحة لها،كي تضع نفسها في خدمة كل إنسان، أيًا كان، خاصة المتألم من شتى أنواع البؤس البشري، وكل الإنسان، روحًا وجسدًا. وقد تجلت خدمة الكنيسة تجاه المنبوذين والمهمشين في المجتمع: المرضى، والمعوقين، وأصحاب العاهات الطبيعية، والفقراء، والخطأة، والنساء، والأطفال، وغيرهم دون تمييز ديني أو عرقي، أو طبقي.

لقد حققت الكنيسة المشرقية، على مدى تاريخها الطويل، هذا التوجه؛ وقد عرفت بالكنيسة الخادمة بفضل مؤسساتها الاجتماعية والخيرية التي عملت وتعمل على تلبية مختلف حاجات الإنسان، المادية والثقافية والاجتماعية وعلى التنمية الاجتماعية المستدامة الى جانب الاهتمام باحتياجاته الروحية، وكل ذلك بعيدًا، عن مكسب مادي أو غاية دنيوية. «ولا تقصد كنائسنا من وراء عملها الاجتماعي هذا، تجاه أي محتاج، أية منفعة ذاتية ولا أية مصلحة مهما كان نوعها ولا أية نية مبطنة. فهي تخدم كل إنسان متألم على أنه إنسان، وعلى أنه صورة للمسيح المصلوب والمعذب في تاريخ الإنسانية»[32].

أن الخدمة الاجتماعية والإنسانية في كنيستنا تشكل أحد جوانب رسالتها البارزة، وأنوه هنا بكل المشاريع التي تقوم بها مؤسسة كاريتاس في جميع بلداننا العربية، الى جانب خدمات مجلس كنائس الشرق الاوسط، والمؤسسات الخيرية في كل كنيسة، والمؤسسات الاجتماعية التي لا تتوخى الربح. ولا اغالي اذا قلت ان الكنيسة هي الرائدة في هذا الشرق في بناء المستشفيات والمياتم، ودور العجزة، ودور العناية باطفال الشوارع. والكنيسة هي الرائدة في التربية والتعليم وفي العناية بالمساجين، وهي المدافعة والمحامية عن النساء المعنفات جنسيًا، واللواتي يستغلّن في البغاء، والمدافعة عن حقوق العاملين والعاملات الاجانب. والكنيسة هي ذاك «السامري الصالح» الذي يتوقف ليداوي جراح الإنسان: «رآه فأشفق عليه، فدنا منه وضمد جراحه»[33].

أن عمل الكنيسة هذا يسهم اسهامًا فعّالا في إرساء السلام والمحبة والوآم بين ابناء الوطن الواحد، ويوثق ثقة المواطنين بها، فتكون بخدمتها هذه شاهدة على القيم المسيحية، وحاضرة حضورًا فاعلاً لبناء حضارة المحبة. 

  • حضور مسكوني[34]

لقد ورد في رسالة بطاركة الشرق الكاثوليك الاولى تحت عنوان «إلى اخوتنا المسيحيين»[35] ما يلي:

«ان كنائسنا في الشرق تمتاز بقدمها، وغنى تراثاتها، وتنوع تعابيرها الطقسية، وأصالة روحانياتها، وآفاقها اللاهوتية، وقوة شهادتها عبر القرون التي وصلت حتى الاستشهاد البطولي في بعض الأحيان. وكل هذا رصيد حيّ نحمله في قلوبنا، وحافز أمل عظيم ومصدر ثقة وثبات نستلهمه بينما نتلمّس طريق المستقبل.

ان التنوع هو السمة الأساسية للكنيسة الجامعة والمسيحية في الشرق. ولقد كان هذا التنوع دومًا مصدر غنى للكنيسة جمعاء عندما عشناه في وحدة الايمان وبروح المحبة. ولكنه، ويا للأسف الشديد، تحول الى انقسام وفرقة بسبب خطايا البشر وابتعادهم عن روح المسيح. ومع هذا فان ما يجمعنا أكثر وأهم مما يفرقنا وما يفرقنا لا يحول دون تلاقينا وتعاوننا. ان مسيحية الشرق، على انقساماتها، تشكّل في أساسها وحدة ايمان لا تتجزّأ. اننا مسيحيون معًا في السرّاء والضرّاء. فالدعوة واحدة والشهادة واحدة والمصير واحد. وعليه فنحن مطالبون بالعمل معًا، بشتّى الطرق والوسائل، لتثبيت جذور المؤمنين الموكلين الينا بروح الاخوة والمحبة، في مجالات عدّة يدفعنا اليها الخير المشترك لعامة المسيحيين، كما تدفعنا اليها تطلّعات جميع المؤمنين من مختلف الكنائس المسيحية، الذين يضعون كبير آمالهم في تعاوننا وتقاربنا ».

بهذه الكلمات رسم البطاركة خطة التلاقي المسكوني، الذي يشكل برأيهم شهادة للرب الواحد ورسالة سلام ومحبة للجميع. فبعدما تمّ اللقاءُ التاريخيُّ بينَ البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول في القدس عام 1964، ورفعُ الحرمِ المتبادلِ، الذي يعودُ إلى سنة 1054، والذي أصبحَ رمزَ الانشقاقِ بيَن روما والقسطنطينية، بمثابةِ إعلانٍ رسميٍّ للتبدُّلِ العميقِ في العلاقاتِ والمواقف. وبعد صدور بيان مشترك مشابه بينَ البابا يوحنا بولس الثاني ومار دنحا الرابع، بطريرك كنيسةِ المشرقِ الأشورية، عام 1994، تمَّ التوصُّلُ كذلك إلى اتفاقٍ بينَ الكنيسةِ الأرثوذكسيةِ (الخلقيدونية) والكنائسِ الأرثوذكسيةِ الشرقيةِ (اللاخلقيدونية) وهي الكنائسُ الأرمنيةُ والقبطيةُ والحبشيةُ والسريانيةُ، بفضل أعمال اللجان اللاهوتية من كلا الطرفين.

ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم شهدت الحركة المسكونية تطورًا مطّردًا في بلدان الشرق الاوسط. فقد تأسس مجلس كنائس الشرق الاوسط وانضمت اليه الكنائس الكاثوليكية، وكرس البطاركة الكاثوليك في مؤتمراتهم السنوية لقاءً دوريًا مع البطاركة الارثوذكس، نتج عنه اتفاق راعوي عرف بـ «اتفاق الشرفه» ، ووضع كتاب التعليم المسيحي المشترك الذي شارك فيه الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية، وادخلت الحوار المسكوني مادةً اساسية في جميع كليات ومعاهد اللالهوت.

جميع هذه البوادر هي ظاهرة حضارية لكنائس ادركت ان وجودها متحدة هو صمام الامان الضامن لاستمرارية هذا الوجود، وهو خير دليل على رقيّها، وعلى شهادتها لرب واحد، هو يسوع المسيح.

  • حضور الحوار[36]

ان العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين هو للمسيحيين دعوة ورسالة وهو خبرة عمرها أربعة عشر قرنًا. لم يكن العيش المشترك والحوار بين المسلمين والمسيحيين أمرًا سهلاً، بل عرف على مدى العصور مراحل صعبة، وسوء فهم، واتهامات متبادلة وجهل متبادل. ولا يزال الحور والعيش المشترك، حتى يومنا يصتدم بالمشقات والصعوبات، لكنه بالنسبة الينا نحن المسيحيين هو قرار واعٍ التزمته كنائسنا وصممت السير بركابه مهما تفاقمة الصعوبات. وهذا ما يتضح في نداء اختتام الجمعيّة الخاصّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة، الذي عبّر عنه المجتمعون بقولهم: « نقول لمواطنينا المسلمين: إنّنا إخوة، والله يريدنا أن نحيا معًا، متّحدين في الإيمان بالله الواحد ووصيّة محبّة الله ومحبّة القريب. معًا سنعمل على بناء مجتمعات مدنية مبنية على المواطنة والحرّية الدينية وحرّية المعتقد. معًا سنتعاون لتعزيز العدل والسلام وحقوق الإنسان وقيم الحياة والعائلة. إنّ مسؤولياتنا مشتركة في بناء أوطاننا. نريد أن نقدّم للشرق والغرب نموذجًا للعيش المشترك بين أديان متعدِّدة وللتعاون البنَّاء بين حضارات متنوّعة لخير أوطاننا ولخير البشرية جمعاء.»[37]

ان العلاقة بالمسلمين تشكل «جانبًا مميّزًا وأساسيًّا لهوّيّة كنائسنا»، وهي «عنصر أساسيّ من حياتنا المسيحيّة في هذه المنطقة العزيزة من العالم.. ». وعليه، فمن الطبيعي أن تظلّ «دائمًا محطّ اهتمامنا وتفكيرنا والتزامنا»[38]. « وهذا تأكيد على خصوصيّة هويّة كنائس الشّرق ضمن الكنيسة الجامعة، وهي علاقتها بالإسلام والمسلمين، وهي كنائس دعاها الله لتكون حاضرة وشاهدة في العالم العربي والإسلامي. إنّ الخبرة التاريخيّة التي مرّت بها الكنائس في الشّرق شكَّلت هويّتها ومدى حضورها. وهي ترى في هذه الحيثيّات التاريخيّة مشيئة الله عليها.»[39] ولا نغالي اذا قلنا أن في حياة كل مسيحي شرقي شيء من الاسلام وفي حياة كل مسلم شيء من المسيحية. فالحوار فيما بيننا ، حوار الحياة، والحضارة العربية التي بنيناها معأ، والثقافة العربية التي أسهمنا في وجودها وبلورتها، واللغة العربية التي حافظنا عليها في أديارنا ومدارسنا خوفًا من تلاشيها أبان الحكم العثماني، تجعل من علاقتنا بالمسلمين علاقة مميزة لا نجد مثيلا لها في اوروبا مثلا أو في افغانستان واندونيسيا وغيرها من البلدان حيت العدائية والتقاتل هما سيدي الموقف.

لقد بدأ الحوار مؤخرًا بين العالم الاسلامي والعالم الغربي المسيحي، بهدف بناء الجسور بين الشعوب، والتلاقي الاخوي والعيش المشترك والتعاون. ويستمر هذا الحوار رغم الصعوبات المتأتية من الاحكام المسبقة والعدائية المجانية المتبادلة. اما في عالمنا العربي، فالحوار له تاريخه ومرتكزاته على قاعدة الموّدة والأخّوة، انما بقي الى حدٍ بعين بين الطبقة المثقفة والمنفتحة، ولم يصل الى الشارع الذي تحكمه في غالب الاحيان التيارات الاصولية والايديولوجيات المتطرفة وهذا ما يهدد مستقبل الحياة المشتركة. والحوار هذا « يجري في وسط تحوّلات اجتماعيّة وجغرافيّة وسياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة عميقة، ووسط صعوبات جمّة، داخليّة وخارجيّة، تجعل ميلاده عسيرًا لا يخلو من مدّ وجزر، بين الإنجازات والتعثّرات. وفي مثل هذه الحالة، تتشنّج النفوس، وتختلط الرؤى، وتستيقظ الغرائز، وتتقلّص الذاكرة. ويؤثّر ذلك كلّه في العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة في عالمنا العربي وفي العيش المشترك على جميع الأصعدة وبين جميع فئات الوطن الواحد»[40]. ويتجنب الحوار اجمالا الخوض في بعض المسائل التي قد تثير الحساسيّات، ومنها قضايا العائلة والزواج والتربية الدينيّة والمساواة في خدمة المجتمع في كل مجالاته ومستوياته، وحرّية الضمير والمعتقد لكلّ فرد في المجتمع.

ورغم كل ذلك، نجد عدة بوادر مشجعة في هذا المجال، نذكر منها تأسيس العديد من المؤسسات الحوارية في مصر والاردن ولبنان، وإدخال مادتي الديانة الاسلامية والحوار الاسلامي المسيحي في الكليات والمعاهد اللاهوتية. وفي لبنان، أعلن عيد بشارة السيدة العذراء في 25 اذار/مارس، عيدًا وطنيًا، وهناك مؤسسة «لقاء الاثنين» التي تدعوا الى الحوار وتعمل على تلاقي تلامذة المدارس الاسلامية بالمدارس المسيحية ولقاء الاهل والمعلمين، ومؤسسة «أديان» التي تعمل على التقارب الفكري ومحو الذاكرة من رواسب الماضي، ومؤسسة «آل البيت » في الاردن وغيرها من التجمعات.

كل هذه المبادرات هي حقًا عوامل اساسية للسلام بين الشعوب، وتؤسس لبناء مجتمع عصري متكافيء ومنفتح .

  • حضور من أجل الانسان[41]

يؤكد البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته «فادي الإنسان» بأن السيد المسيح هو طريقنا نحو الإنسان كما ان الأنسان هو بدوره «طريق الكنيسة»: «إن الإنسان في كامل حقيقة وجوده، أي في شخصه وحياته الجماعية والاجتماعية… هذا الإنسان هو بمثابة الطريق الأول الذي يجب على الكنيسة أن تسلكه لدى قيامها برسالتها. إنه طريق الكنيسة الأول الذي شقه السيد المسيح، إنه الطريق الذي يمر دائمًا بسر التجسد والفداء»[42]. ويشرح لنا «الدستور الكنسي حول الكنيسة في عالم اليوم» بأن المسيح  هو الذي أخذ الطبيعة البشرية دون أن يلاشيها فرفعها بذلك إلى مرتبة وكرامة لا مثيل لهما. «فبتجسده أتحد ابن الله نوعًا ما بكل إنسان. لقد اشتغل بيدي إنسان وفكر كما يفكر الإنسان وعمل بإدارة إنسان وأحب بقلب إنسان»[43].

انطلاقًا من هذه المباديء، تلتزم كنائسنا قضايا الانسان، وتعتبر نفسها المدافعة الاولى عن حقوقه وكرامته، وبذلك يكون حضورها في هذا الشرق حضورًا من اجل الانسان، كل انسان، أيًا كان جنسيته أو دينه أو انتماؤه الفكري أو السياسي أو الاجتماعي. تدعو الكنيسة المشرقية ابناءها الى التضامن مع الانسان العربي المتألم بسبب قيوده الخارجية والداخلية، أي القيود النفسية والاجتماعية أو بسبب تدخل الآخرين في شؤونه أو بسبب نظرة الآخرين إليه، أو بسبب الأدوات القمعية التي يتعرض لها كل يوم من أهل بيته ومن الآخرين.  وهذا الالم الذي يقيّد انساننا ويحدّ من تطلعاته وتحقيق ذاته وتأمين مستقبله يدفعه إلى التعبير عن ذاته تعبيرًا سلبيًا عن طريق العنف أو التطرف أو العدوانية أو التعصب حيث يرى أن العالم يهدده في هويته وشخصيته وكيانه.

حيال هذا الواقع تدعو الكنيسة ابناءها أن تخرج من الاهتمام بالذات وبمستقبلها وبمصالحها وأنانياتها وان تتضامن مع هذا الانسان، «لأنه جزء من إنسانيتنا، وعمقنا الحضاري، وبيئة دعوتنا ورسالتنا … إن كنائسنا ترفض أي تقريب ثقافي أو سياسي، وتؤكد تضامنها واندماجها الملتزم بمجتمعاتها، من منطلق إيمانها وهويتها ودعوتها ورسالتها، في هذا المنعطف الخطير من تاريخ المنطقة. إن آمال هذا الإنسان وأفراحه، واحزانه وضيقاته، لهي آمالنا وأفراحنا، وأحزاننا وضيقاتنا. لذلك نعرب عن تضامننا الحق والعميق معه»[44].

وفي هذا المجال لا بدّ ان نذكر هنا، ما قامت به شخصيات مسيحية، رائدة وفريدة وشجاعة، من نضال في سبيل التحرر القومي والاستقلال الوطني والتطور الثقافي. وما تقوم به اليوم من خلال تأسيس لجان العدالة والسلام، ومن خلال والتربية، في المدارس والكليات التابعة للكنيسة، على الديموقراطية،  والمواطنة الصحيحية والتزام قضايا المجتمع ، والدفاع عن حقوق المواطنين، والتوعية على اهمية الحوار والانفتاح والتحرر من الاحكام المسبقة، واحترام الشخص البشري، ونبذ العنف والتعصب.

  • العمل الراعوي المشترك، والعائلة والانتشار

لا يمكنني ان انسى، في سياق حديثي العوامل التي تؤسس للسلام الحقيقي وللغد المليء بالرجاء، الى جانب ما ذكرناه من انواع الحضور الفاعل في مجتمعنا، ثلاث ميّزات لكنائسنا: العمل الراعوي المشترك وقيم العائلة والتواصل مع الانتشار.

ان ما يميّز كنائسنا حقا هو أولا العمل الراعوي المشترك والتنسيق فيما بينها. لقد اعتادت كنائسنا على العمل الراعوي المشترك منذ ما قبل المجمع الفاتيكاني الثاني الذي اوصى بهذا التعاون والتنسيق عندما تمنى على الكنائس الكاثوليكية في كل بلد انشاء مجامع الاساقفة. فقد تاسس مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان عام 1948، وحذا حذوه باقي الول العربية، وفي العام 1949 صدرت اول رسالة راعوية لأحبار الطوائف الكاثوليكية في لبنان، بعنوان «التربية الحقيقية»، وفي العام 1990 تأسس مجلس البطاركة الكاثوليك. ومنذ ذلك الحين، أُنشأت على مستوى الشرق الاوسط عدة هيئات تايعه لهذا المجلس مثل هيئة التنسيق بين لجان العائلة ، والهيئة الكاثوليكية للتعليم المسيحي، والمكتب الكاثوليكي الدولي للتعليم، الأمانة العامة للشباب الكاثوليكي وكاريتاس الشرق الوسط وشمال افريقيا. كما تأسس في كل بلد الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية، ولجنة التعليم المسيحي، وغيرها من اللجان الفاعلة. وعقد السينودس من اجل لبنان والمؤتمر الاول لبطاركة واساقفة الشرق الكاثوليك، ومؤتمر التعليم المسيحي في الشرق الاوسط، ومؤتمر العلمانيين ، والمجامع البطريركية لكل من الكنائس، ومؤخرًا الجمعية الخاصة لسينودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط. وكان في تلك السينودوسات والمؤتمرات والمجالس همّ واحد وغاية واحد هي العمل المشترك . وان هذا العمل لهو حقًا أجمل صورة  يمكننا ان نعطيها عن تآخينا وتعاوننا وهو حافز لمزيد من العطاء في سبيل الخير العام.

ان العائلة، التي قال عنها الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني بانها «خلية الكنيسة والمجتمع» ، لا تزال تحافظ في مجتمعنا على قيمها الاساسية الروحية والتراثية والاجتماعية. ولما كان المجتمع الغربي يتخلى رويدًا رويدًا عن تماسك العائلة وترابطها، لا تزال والحمد لله عائلاتنا هي الرابط الاجتماعي الاقوى. ولما كان بلدان الشرق غير قادرة على تنظيم ضمان الشيخوخة، وغير قادرة ان تومن ابسط مطالب الافراد وحاجتها من طبابة مجانية وتعليم وغيره من الخدامات، كانت العائلة هي الضمانة وهي المربية وهي الملجأ.

واود ان اذكر أخيرًا الهجرة والانتشار. صحيح أن هجرة الشرقيين، وبخاصة المسيحيين منهم، هي «آفة» و«نزف»، تضعف قوانا وتشتت عائلاتنا، وتفرغ شرقنا من ابناءه؛ ولكنها تشكل، في الوقت عينه، فرصة لكنائسنا وشعبنا للانتشار والانفتاح والنمو.

اذا عرفنا ان نتواصل مع المنتشرين من ابنائنا، ونوطد العلاقة معهم. فنوصل اليهم تراثنا وتقاليدنا وعاداتنا وايماننا، ونستعين بمقدراتهم في مجال التنمية والازدهار واستعادة الارض، وإقامة المسشاريع الاقتصادية والاستثمار. واذا كان الانتشار والهجرة نتيجة حتمية لاوضاعنا السياسية وتقلباتها، فلنعمل على ان تكون هذه الظاهرة بادرة من بوادر السلام الذي نسعى اليه. 

لقد عُرفنا، نحن المسيحيون في البلدان العربية، باننا صلة الوصل بين الشرق والغرب، بين الحضارة الاوروبية والحضارة العربية، وبين الكنيسة اللاتينية والكنيسة الارثوذكسية وبين الاسلام والمسيحية. فهذا التواصل، سواء مع المغتربين أم مع العالم الغربي، في عصر الثورة الرقمية وعالم الاتصالات، الذي حوّل العالم الى قرية كونية، يخفف من وطئة الهجرة وتداعياتها، ويجعل منّا بُناة الجسور التي تربط الحضارات الكونية.

خامسًا، استراتجيات الحضور الفاعل وبناء السلام بين الشعوب

في سياق حديثنا حول الحضور الفاعل في مجتمعنا من الناحية العملية وحول اسباب ظاهرة الهجرة وظاهرة التحولات السياسية في بلداننا العربية، تبيّن لدينا أن هناك سببًا واحدًا هو ازمة الديموقراطية. 

  1. ازمة ديموقراطية والحضور الفاعل

إن حضور المسيحيين الفاعل في محيطهم، كشهادة ورسالة، يفترض أولا حصولهم على مناخ مؤآت يضمن لهم حق الحياة والبقاء والقدرة الفردية والجماعية على ممارسة العيش الكيرم اللائق والحر؛ ويفترض ثانيًا واجب تأدية الشهادة للقيم الانجيلية  وممارسة الرسالة التبشيرية. هذه المتطلبات لا نجدها في جميع بلداننا لان أنظمتنا تفتقر الى الديموقراطية. أن الديمقراطيّة في حياتنا اليومية ليست قيمة مضافة بل حاجة ملحة لحياة الشعوب وان غيابها عن مجتمعاتنا أدّى إلى التضحية بالازدهار التنموي، وبالإستقرار السياسي، وبحقوق الإنسان الأصيلة والمنبثقة من كرامة الشخص الإنساني، في آن واحد.

  • ازمة ديموقراطية والهجرة والتحولات السياسية

لقد تحدثنا مطولا عن الهجرة واسبابها والتي تدفع بالأفراد والجماعات إلى مغادرة أراضيهم، كما تحدثنا عن اسباب التحولات السياسية في بلادنا والتي عرفت بـ«الربيع العربي» أو بـ«الثورات العربية». وقد تبينت لنا الاسباب وهي نفسها التي دفعت بالبعض الى الهجرة وبالبعض الاخر الى الانتفاض على الواقع.

  • الديموقراطية الشرق أوسط

يقول الاستاذ جان عزيز في مداخلته حول « هجرة المسيحيّين من الشرق »: « إن الديمقراطيّة كائن حيّ، يُولد وينمو وينضج ويتكيّف ويتأقلم مع واقعه وبيئته. وهي بالتأكيد ليست كائنًا مصطنعًا، يتمّ استنساخه وفق تركيبة جينيّة موحّدة، لكلّ الشعوب والأمكنة والأزمنة. واستنادًا إلى ذلك يمكن الجزم بأن الديمقراطيّة المرجوّة كحلّ لأزمة منطقنا، وكعلاج لهجرة جماعاتنا، يجب أن تكون ديمقراطيّة منبثقة من واقع هذه المنطقة وجماعاتها. من دون أن يعني ذلك تنسيبًا للحقائق والقِيَم.»[45] فهذه الديموقراطية لا تفرض على الشعوب، كوصفة سحرية، بل يُنشـّئ عليها، في البيت والمدرسة والمجتمع، انطلاقًا من حاجة هذا المجتمع وضمان حقوقه. ولعل أهم الحقوق التي لا بدّ لنا من المناضلة من اجلها هي حق المواطنة، دون تمييز بين مواطن وآخر، ثمّ حق اختيار المواطن لسلطته، ثمّ حقّه في مراقبتها ومساءلتها ومحاسبتها. ومن الحقوق التي للمواطن أيضًا، حقّه في تغيير السلطة وإرساء مبدأ التناوب. وصولاً إلى ما يقتضيه ذلك من حرّية إعلام واستعلام، ومجتمع مدني فاعل، وحرّية اقتصاد وتربية وفسحة من الحرية الجغرافيّة والمهنيّة والسياسيّة والفكرية والروحيّة وغيرها.

  • استراتجية الحضور الفاعل وبناء السلام

اعتمدت الاقليات المستضعفة استراتيجية الدفاع عن حقوق الانسان للحصول على ضمانات لبقائها. إنه سلاح الضعيف في عالم القوّة الراهن. لقد باتت معظم الدول الغربية ومؤسسات الاتّحاد الأوروبي تضع، ضمن مؤسّساتها الحكوميّة والرسميّة وضمن دساتيرها، أطرًا قانونيّة مختصّة لمواكبة حقوق الجماعات والأقليّات. وقد غدا العالم اليوم أكثر تحسسًا لحقوق الافراد والجماعات، وهذا ما شجع العديد من الاقليات في أوروبا، ومنها الجماعات الدينية الاسلامية، المطالبة بالمساواة وبحقوقها الانسانية. وخير دليل على اهتمام العالم الحر بهذه المطالب الحقوقية هو تضمين إتفاقيّات الشراكة الأورو ـ متوسطيّة، وفي البند الثاني منها، نصًّا يربط الاتفاق بمدى التزام الدولة المقابلة معايير حقوق الإنسان.

إن بمقدور الجماعات المسيحية في الشرق، إسوة بالمسلمين في الدول الغربية، المطالبة بحقوقهم المدنية، وأن لا يعودوا مجدّدًا إلى مهادنة الديكتاتوريّات للحفاظ على وجودهم، بل استعمال مطالبهم الحقوقية اداة للضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، على كل المستويات الدوليّة، لإثارة كل انتهاك تتعرّض له جماعتهم، في أي دولة من دول الشرق.

فاذا ما ناضل المسيحيون ضدّ انتهاك الحقوق الإنسانيّة، وفي سبيل نشر ثقافة الحرّيات الديمقراطيّة، ضمنوا العيش المشترك، وخففوا من اسباب الهجرة ونتائجها، وأسسوا لسلام دائم. ولهذا النضال مقاربات ثلاث ترتبط بحجم الجماعة المسيحية في كل بلد ونوعيتها ومدى تأثيرها: «فحيث الوجود بات وجود أفراد، لا يملكون الحضور الجماعي المؤسّساتي، يقتضي اعتماد «المقاربة الحقوقيّة الإنسانيّة الفرديّة». وحيث الوجود لا يزال يتمتّع بمقوّمات الحضور كجماعة وكفعل سوسيولوجي، يتمّ اللجوء إلى آليّات «مقاربة حقوق الجماعات والأقليّات». وحيث الوجود أخيرًا، ما برح قادرًا على الحضور والتفاعل على مستوى الدولة، عندها «مقاربة الحقوق السياسيّة الدستوريّة والدولتيّة»، تصير ضرورة وواجبًا. وفي المستويات الثلاثة تكون الخلفيّة والتطلّع موحّدين: الحفاظ على الوجود»[46].

خاتمة: الشرق على مفترق

يرى بعض المفكرين الغربيين أن قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني كان بابا الحرب الباردة بين الليبرالية والمركسية، وكان أحد أبرز المتصرين فيها، كذلك ان قداسة الحبر الأعظم بنديكتوس السادس عشر، بطرحه مبدأ «التعامل بالمثل» بين الجماعات، بدى وكانه بابا الحرب الباردة الجديدة التي تقوم على المواجهة مع الأصوليّات والتزمّت واللاتسامح، وانه لا بدّ ان ينتصر وتنتصر معه قيم التعايش والتعددية والتسامح، في اطار الحقوق الكاملة لكل فرد وكل جماعة.

أن بلدان الشرق الاوسط اليوم التي تضع دساتير جديدة لانظمة ديموقراطية جديدة، هي على مفترق، فاما ان تختار الشريعة الاسلامية اسسًا لدستورها، فتتحول الى نظام تيوقراطي جديد ويساهم في تهجير ما تبقى من أقليات غير اسلامية؛ واما أن تؤسس دساتيرها على حقوق الانسان وكرامته وحريته، فتكون بذلك قد اسهمت في بناء مستقبل زاهر يرتكز على الديموقراطية الحقة التي من شانها الحفاظ على جميع ابناءها سواسية.

وهنا يكمن دور الكنيسة المشرقية التاريخي في وقت التحولات السياسية المصيرية.


[1] راجع، الخطوط العريضة، لسينودوس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، روما، 2010، رقم  18- 27.

[2] راجع : وقفة حق، كلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية، لمجموعة من الفلسطينيين المسيحيين، 2010، الفصل 1 الفقرات 1 الى 5.

[3] المرجع نفسه، الفصل 3 الفقرتان 4 و 5.

[4] راجع: بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعوية العاشرة ، المسيحي العربي أمام التحدّيات المعاصرة، بكركي، 2009، رقم 13.

[5] راجع: الرسالة الراعوية العاشرة ،  رقم 13.

[6] راجع: المرجع نفسه، رقم 13.

[7] المرجع نفسه

[8] المرجع نفسه، رقم 13 فقر (ه).

[9] المرجع نفسه.

[10] راجع، الخطوط العريضة، لسينودوس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، روما، 2010، رقم  15- 17.

[11] الرسالة الراعوية العاشرة ، رقم 7.

[12] المرجع نفسه.

[13] راجع: Ryszard WTOREK, Une société plurielle est-elle possible? Entre utopie et idéologie au Moyen-Orient: Une étude des enjeux du dialogue islamo-chrétien d’après trois lettres des patriarches catholiques d’orient (1991-1994), POC, Tome 53 (2003), fasc. 1-2, P. 73-77.

[14] الرسالة الراعوية الأولى لبطاركة الشرق الكاثوليك، في مناسبة انعقاد اجتماعهم الأول في لبنان، من 19 الى 24 آب ،1991، رقم 8.

[15] بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعوية الثانية، الوجود المسيحي في الشرق، شهادة ورسالة، بكركي، 1992.

[16] الرسالة الراعوية الأولى ، رقم 3.

[17] الرسالة الراعوية الأولى ، رقم 5.

[18] الرسالة الراعوية الثانية، رقم 17.

[19] المرجع نفسه، رقم 21.

[20] قرار في مهمة الأساقفة الراعوية، رقم 14.

[21] الرسالة الراعوية الثانية، رقم 23.

[22] لوقا 12: 13.

[23] الرسالة الراعوية الثانية، رقم 20.

[24] راجع الرسالة الراعوية الثانية، رقم 26-33.

[25] المرجع نفسه، رقم 27.

[26] بولس السادس، دعوة رسولية من أجل إعلان الإنجيل، رقم 63.

[27] راجع مرسوم في الكنائس الشرقية، رقم 1، 5 وغيرهما.

[28] الرسالة الراعوية الثانية، رقم 33.

[29] راجع الرسالة الراعوية الثانية، رقم 34-38.

[30] مرقس 10: 45.

[31] يوحنا 13: 4.

[32] الرسالة الراعوية الثانية، رقم 37.

[33] لوقا 10: 39.

[34] راجع بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعوية الخامسة، الحركة المسكونية، بكركي، 1999، راجع أيضًا الرسالة الراعوية الثانية، رقم 39-44.

[35] بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعوية الاولى، بكركي، 1990.

[36] راجع الرسالة الراعوية الثالثة،  راجع أيضًا الرسالة الراعوية الثانية، رقم 45-51. راجع أيضًا بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعوية العاشرة، المسيحي العربي أمام التحديات المعاصرة ، بكركي، 2009، رقم 26-27.

[37] الجمعيّة الخاصّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة، 10 – 24 /10/ 2010، الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة و شهادة، النداء الختامي، رقم 9.

[38] الرسالة الراعويّة الثالثة، فقرة 3.

[39] الرسالة الراعوية العاشرة، فقرة 26.

39 راجع الرسالة الراعوية الثانية، فقرة 10.

[41] راجع الرسالة الراعوية الثانية،  رقم 52-55.

[42] البابا يوحنا بولس الثاني، فادي الإنسان، رقم 14.

[43] دستور راعوي حول الكنيسة في عالم اليوم، رقم 22.

[44] الرسالة الراعوية الثانية، فقرة 54، راجع أيضا دستور راعوي حول الكنيسة في عالم اليوم، رقم 1.

[45] جان عزيز، هجرة المسيحيّين من الشرق، اعمال المؤتمر السادس عشر لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، بكركي، 2006، ص 164.

[46] جان عزيز، هجرة المسيحيّين من الشرق، ص 167.

Scroll to Top