Almanara Magazine

يسوع راعي الرعاة صورة القائد في الكتاب المقدس

الأب مروان تابت م. ل.[1]

مقدمة

يشكل موضوع القيادة اليوم موضوعاً رائداً في عالم الإدارة الحديثة، وينسحب على واقع الخدمة الكنسية. لقد لاحظنا خلال السنوات الأخيرة دأباً أكبر ضمن الجماعات الروحية على التعمق في حيثياته وهنا بعض الأسئلة التي تحدد أطر للتفكير والتعمق في تحليل مضامينه: ما هي مقومات القيادة في العمل الكنسي؟ من هو مثال القيادة صورة القائد الكنسي الحق؟ هل هناك منظومة قيم تحكم هذه المقومات؟ ماذا يقول الكتاب المقدس عن هذا الموضوع؟

لقد تحلى يسوع المخلص بشخصية قيادية مذهلة، جميلة ومتألقة، تجلت معالمها بين سطور كتاب العهد الجديد. لم يتوقف هذا الكتاب بالتفصيل عليها، لكنها بارزة إذا ما قرأنا النصوص البيبلية على ضوء مفاهيم القيادة في العلم الحديث. تعرض هذه الدراسة لشخصية ومزايا المعلم الأول القيادية عبر تأسيس موضوع رعاية الرب يسوع استناداً الى الكتاب المقدس وسوف نتناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور أساسية:

  • رعاية يسوع،
  • شخصية يسوع القيادية: وقائع بيبلية،
  • السلطة في حياة يسوع.
  1. رعاية يسوع

أ – شرحَ الربُ يسوع عن ذاتِه انهُ الراعي الصالح.   في إنجيل القديس يوحنا 10/11 يقول ″أنا الراعي الصالحُ والراعي الصالحُ  يبذلُ نفسَهُ في سبيل الخرافِ″.  وهو برعايتِه ليسَ كالأجيرِ الذي لا  يبالي بالخرافِ بل ″أعرفُ خرافي وخرافي تعرفـُني وأبذُل نفسي في سبيلِها″ (يو 10/15 ).

ب – ما دامَ يسوع راعٍ بشهادتِه، وشهادته حقٌ، فما هي مجالات رعايتِه؟

أولاً، هو يرعى “شعبي إسرائيل”.عندما جمعَ هيرودوس  عظمَاء الكهنةِ وكتبَة الشعبِ كلِه واستخبرهَم أين يولدُ المسيح، إقتبسَ هؤلاءُ بتصرُّفٍ كلاماً كان ورَد في سفري ميخا 5/1و2 صم 5/2 وقالوا:

 “… فمنكَ يخرجُ الوالي الذي يرعى شعبي إسرائيل” (متى 2/6).

ثانياً، يسوع هو راعي الخراف العظيمْ الذي يتحدثُ عنه كاتبُ الرسالةِ الى العبرانيين قائلاً: ” جعلكُم إله السلامِ الذي أصعدَ من بين الأمواتِ، بدم ِعهدٍ أبدي راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع، جَعَلكُم أهلاً لكلِ شيءٍ صالحٍ للعملِ بمشيئتهِ” (عب 13/20).

ثالثاً، يسوع هو راعي النفوس. هذا ما أكدَه بطرسُ في رسالتِه الأولى حين قالَ: ” فقد كنتُم كالغنمِ ضالينَ، أما الآن فقد رجعتـُم إلى  راعي نفوسِكم وحارسِها” (1بط 2/25).  ومن أولى من بطرسَ في الشهادةِ للمسيحِ في رعايتِه وهو الذي طلبَ منهُ الربُ ثلاثَ مراتٍ رعايةَ خرافِه وغنمِه.

            يسوع هو راعي الشعب، هو راعي النفوسْ، وهو راعي الخراف، رعايتُه هذه رعاية ٌصالحة ٌ: “أنا الراعي الصالح”.  ليسَ ذلك فحسب، بل أنّ يسوعَ هو راعي الرعاة.  كانَ الرسولُ بطرس يوجه كلاماً إلى الكهنةِ حين كتبَ قائلا ً: “… كونوا قدوة  للقطيع ، ومتى ظهرَ راعي الرعاة  تنالونَ إكليلاً من المجدِ لا يذبلُ” (1 بط 5/ 3-4).

هذا الراعي يقودُ الخرافَ، وليس من نص  كتابي حولَ قيادةِ الخرافِ أجملُ من المزمور 23 والذي يقول: “الرب راعيَّ فلا يعوزُني شيءٍ، في مراعٍ نضيرةٍ يريحني” (مز 23/ 1).

        كيفَ قادَ ويقودُ هذا الراعي الخرافَ؟ ما هي مبادئ وأساليبِ القيادةِ عندَه؟ 

إذا تأملنا في هذا الجانب من رسالة يسوع راعي الخراف العظيم وقائد  الكنيسة نرى أن هناكَ سبعُ صفاتٍ   في شخصيّةِ القائدِ كانتْ متمثـِّلةً بأجمَلِ حُللِهَا في شخصِ يسوع.

  • شخصية يسوع القيادية: وقائع بيبلية
    • التواضع: لا يُحبُّ الناسُ القائدَ المتكبِّرَ حتى وَلو كان موهوباً ومُميّزاً في إِنجازاتِه.  ولَعَلَّ أجملَ صورةٍ لتواضُعِ يَسوعَ رَسَمَتْها ريشَةُ القديسِ بولسِ في رسالتِهِ الى أهلِ فيلبي (2/ 6-11) حيثُ يقول:

               ″هوَ الذي في صورَةِ اللهِ، لم يَعُدَّ مساواتِهِ للهِ غنيمةً،

بل تجرَّدَ من ذاتِهِ مُتَخِذاً صورة َالعبدِ وصارَ على مِثالِ البشرِ

وظهرَ في هيئةِ إنسانٍ فوضَعَ نفسَهُ وأطاعَ حتى الموتِ

موتِ الصَّليبِ لِذلك رفعهُ اللهُ إلى العُلى

ووهبَ له الإسمَ الذي يَفوقُ جميعَ الأسْماءِ

كيْما تَجْثو لاسمِ يسوعَ كلُّ رُكبَةٍ في السمواتِ

وفي الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويشهدُ كلُّ لسانٍ

انَّ يسوعَ المسيحَ هو الربُّ تمجيداً للهِ الآبِ″.

تواضع يسوع هذا أعْطىَ لله مساحة لإظهار مجده. فإذا كانَ التَجسُّدُ مَظْهراً أولاً من مظاهرِ “التجردِ من الذاتِ”، فإنَّ المظهرَ الآخرَ واضحٌ وقويٌ أيضاً، وقد وردَ ذِكره في كتاب أشعيا الفصل 53، عندما تحدثَ عن “صورةِ العبدِ”.   اختارَ المسيحُ التواضعَ طاعةً لمشيئةِ أبيهِ، ولقد أطاعَ حتى ماتَ “موتَ الصليبِ” الذي يفرضُ على المجرمينَ “… تحمّلَ الصليبَ مستخفاً بالعارِ…” (عب12/2).  هذا هو عثارُ الصليبِ أهمُّ مواضيع ِ تبشير ِ بولسَ.

  • اختبار الأتباع قبل تقلُّد مهام القيادة : إن لمْ يكنْ القائدُ يوماً تابعاً، منفذاً للأوامر ِ (follower)، فهوَ لنْ يعرِفَ، كقائدٍ، شعورَ الذين حولَهُ ووراءَهُ، كيفَ يُفكِرونَ وما همْ بِحاجةٍ إليهِ.  لنقرأْ ونسمَعْ معاً ثلاثَ عباراتٍ قالهَا يسوعُ:
  •  ″ طَعامي أن أعملَ بِمشيئةِ اللهِ الذي أرسَلني وأن أتِمَّ عَمَلَه ″  ( يو 4/34)
  • ·         ″ أنا لا أستطيعُ أن أفعلَ شيئاً من عندي بلْ أحكُمُ على ما أسمعُ ″ ( يو 5/30)
  • ·         ″ فقدْ نَزلتُ من السماءِ لا لأعملَ بمشيئتي بلْ بمشيئةِ الذي  أرسَلني ″ (يو 6/ 38)

ثلاثُ آياتٍ كتابيَّةٍ تعكِسُ اختبارَ “الابنِ” لعملِ مشيئةِ شخصٍ آخرَ، وهذا الشخصُ الآخرُ هو “الآب”.  لِذا عندما طلبَ يسوعُ من أحدِهِم أنْ يترُكَ كلَّ شيءٍ ويتبَعَهُ كان يعرِفُ ما مِعنَى ذلِك، فقد تركَ هو كلَّ شيءٍ إذْ “تجرّدَ من ذاتِهِ” كما تذاكرنا.  وعندما طلبَ من تابِعيِه أن يحمِلوا صليبَهُم كل يومٍ ويَتبعوهُ، كانَ يتكلَّمُ بِلُغةِ صاحبَ الإختبارِ،  إذْ كانَ يعرفُ انه سيحمِل صليبَهُ بعدَ فترةٍ قصيرةٍ في أزقَّةِ أورشليم.  وعندما لخَّصَ الشريعةَ والأنبياءَ والكتبَ المقدسةْ بوصيّةِ المحبةِ وطالبَ تابعيهِ بها، كان يعلَمُ عِلْمَ يقينٍ عمّا يتحدثُ، إذ انه “ليس لأحدٍ حبٌ أعظمُ منْ أنْ يَبذُلَ نفسَهُ في سبيلِ أحِبائِهِ” (يو15/13).

  • عظمة في الخدمة: لقد كان يسوعُ خادماً أولاً قبل أن يصعد إلى السماء.  فإبن الإنسان، وبشهادته هو، “لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم ويفدي بنفسه جماعة الناس” (متى 20/28).  علّمَ يسوعُ هذا الدرسَ للتلاميذِ بعد أن طلبت منه أم ابني زبدى أن يُجلسَ ابنيها عن يمينِه وشمالِه في ملكوتِه.  وتلخّصَ الدرسُ بعبارةٍ لا تزالُ تدوي في قلوبِ القادةِ المخلصين منذ ألفي سنةٍ ونيفٍ وهي:” من أرادَ أن يكونَ كبيراً فيكُم، فليكنْ لكمْ خادِماً، ومن أرادَ أن يكونَ الأولَ فيكُم فليكنْ لكُم عبْداً”(متى 20/ 26-27).

الكبير  = الخادم

                             الأول  = العبد

فيسوع الكبيرُ جداً والأولُ دائماً هو بالتالي الخادمُ والعبدُ.

  • الثقة التي تنتج جرأة: الجرأةُ التي لا يكونُ أساسُها ثقةً ناضجةً وواقعيةً، يكون أساسُها فقراً فكرياً.  إنَّ الثقةَ بِصوابِيِةِ موقفِهِ تعطي القائدَ جرأةً نوعيةً.  عندما دعا يسوع متى وكان هذا الأخيرُ جالساً في بيتِ الجبايةِ، ذهب الربُ وتناولَ الطعامَ في بيتِه.  وكالعادةِ استاءَ الفريسيونَ وسألوا التلاميذَ ″…لماذا يأكلُ معلمكُم مع الجباةِ والخاطئين″(متى 9/11).  سمعَ يسوعُ كلامَهم وهيأ لهم جواباً واضحاً صريحاً هادفاً وقال: ″ليس الأصحاءُ بمحتاجين إلى طبيبٍ بلِ المرضى…  فإني ما جئتُ لأدعوَ الأبرارَ بل الخاطئين″(متى 9/ 12-13).

هذه الثقةُ بصوابيةَ موقفهَ وكلامهَ ومهمته أبقتهُ مُرَكزاً (focused) على المهمةِ الساميةِ لا بلْ الأسمَى التي جاءَ من أجلِها، وهي خلاصُ النفوسِ.  في ثلاثةِ مواقعْ مختلفة نقرُأ هذه الجملَ الثلاثْ:

  • ″ روحُ الربِّ عليَّ لأنهُ مسحني لأبَّشِرَ الفقراءَ… ″  (لو4/18)
  • ·″ لأنِّ ابنَ الإنسانِ جاءَ ليبحَثَ عن الهالكِ فيُخلّصَه ″  (لو19/10)
  • ·″ لأنَّ ابنَ الإنسانِ لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم ويفدي بنفسِه جماعةَ الناسِ ″ (مر10/45)

ركّز يسوع القائد على الهدف نفسه، ردّد بثقة الكلام نفسه، هذه الثقة التي أعطته جرأة في الموقف.

  • الإئتزار بمنديل: كلنا يعلَم النصَ المدونَ في إنجيل يوحنا الفصل الخامس عشر: إنجيلِ العشاء الأخير، أو العشاء السري، وهو محورُ التأملاتِ في خميسِ الأسرار أو خميسِ الجسدِ وفيه يتبلور مبدأ  خامسٌ من مبادئ الأسلوبِ القيادي الذي اتبعهُ يسوعُ.  إنه مبدأ بسيط: ” لا يمكنك أن تخدم حاجات الآخرين دون أن تترك أمكنة الإمتياز”.

كانتْ للحروبِ في الماضي “نكهةٌ” إذا جازَ التعبير.  في الحروبِ الإلكترونيةِ الحديثةِ، يجلسُ القادةُ في غُرفِ العملياتِ بمواجهةِ أجهزةِ الكومبيوتر.  أما في العصورِ الغابرةِ فقد كان القائدُ يقاتِلُ في المقدمةِ ويستشهِدُ مراتٍ في ساحةِ القتالِ أو ساحةِ الشرفِ.  ولكي يقاتِلَ في أرضِ المعركةِ كانَ عليهِ أن يتركَ قصورَ العزِّ والترفِ وينتقلَ مع عسكرهِ إلى أرضٍ قاحلةٍ أو موحِلةٍ حيثُ البردُ القارصُ في الشتاءِ والحرُّ اللاهبُ في الصيفِ.  فايُّ قائدٍ كانَ يسوعُ؟  كان ذلكَ القائدَ الذي يتركُ مكانَهُ ليخدُمَ الآخَرينَ.  في تِلكَ الحادِثَةِ التي أشرتُ إِليها آنِفاً،  قامَ يسوعُ بِسبعِ خطواتٍ لكلِّ واحدةٍ مِنها مَدْلولاتُها (يو 13/ 4-5):

  • قامَ عنَ العشاءِ
    • •          خلعَ ثيابَهُ
    • •          إِئتَزَرَ بالمِنْديلِ
    • •          صبَّ ماءً في مِطْهَرةٍ
    • •          أخذَ يغسِلُ أقدامَ التلاميذِ
    • •          مسَحَ أقدامَهُم بالمنديلِ الذي إِئتَزَرَ بِه
    • •          قبّل أرجل تلاميذه

سَبْعُ خطواتٍ َتخْتَصِرُ تاريخاً بِرُمَّتِهِ، سبعُ خطواتٍ تختصرُ مبدأ قياديا رائدا ً يتمثلُ في تركِ القائدِ لإمتيازاتِهِ من أجلِ خِدمةِ حاجاتِ الآخَرين.

  • التفويض والتمكين – مشاركة المسؤولية والسلطة: المبدأُ السادِسُ والثابتُ في قيادةِ يسوعَ هو التفويضُ والتمكينُ.  يقولُ تيودور روزفلت: ″ إنَّ أفضلَ مديرٍ هو الذي يَملِكُ حساً كافياً يُمَكِّنُهُ من اختيارِ الرجالِ الجيدينَ لِيَقوموا بما يريدُهُ مِنهُم، ويملِكُ ضبطَ النفسِ الكافي لِيمنَعَ نفسَهُ عن التدَّخلِ في عملِهِمْ بينما يقومون بِه ″،  وقالَ آخرُ: ″ إنَّ الطريقةَ الوحيدةَ لِجَعلِ نَفْسِكَ شخصاً لا يُمكِنُ الإِسْتِغناءُ عَنْه، هو أن تجعلَ نفسكَ شخصاً يمكنُ الإِستغناءُ عنْه ″.

في الفصلِ العاشِر من إنجيلِ متى يجمعُ يسوعُ تلاميذَهُ ويعطيهِم السُلطانَ والقوَّةَ على:

  • إعلانِ اقترابِ ملكوتِ السماواتِ
  • •          شفاءِ المرضى
  • •          إقامةِ الموتى
  • •          إبراءِ البُرْصِ
  • طردِ الشياطينِ

خمسُ مجالاتٍ فوّضَ يسوعُ تلاميذهُ التصرُّفِ فيها ومِن بَيْنِها ”القوةُ“، أيْ مكَّنَهُم مِن القِيامِ بذلك. تتعلقُ هذه المجالاتُ في عمقِها بشفاءِ الجسدِ والنفسِ والروح ِ.

لقدْ أعْطى يسوعُ تلاميذَهُ هذا السُلطان.  لَمْ يَبْخُل بِه عَليْهِم.  لَمْ يَخَفْ مِنْ أنْ يتعلّقُ الناسُ بهم أكثَرَ من تعلّقِهم به أو أنْ يَذيعَ صيتُهُم أكثرَ منْ صيتِه.  مبدأهُ كان ولَمْ يزلْ ″ كلُّ ما هُوَ لي هو لكُم ″.

منذُ أنْ يتعرّفَ الإنسانُ على الربِ، يعطيه المخلص بلا حدودٍ وبلا تحفظٍ.  فيسوعُ يعطينا (على سبيل المثالِ لا الحصر):

  • سلطاناً لكي نصبحَ أولادَ اللهِ (متى 9/ 8).
    • •          كلام الآبِ (يو 17/ 14).
    • •          الملكوتَ (لو 12/ 32).
    • •          كلاماً وحكمةً (لو 21/ 15).
    • •          معرفةَ الأسرارِ (لو 8/ 10).
    • •          سلامُه (يو 27/ 14).

طبعاً هناك عطايا أخرى كثيرةٌ من الآبِ والروح ِ القدس ِ.  لكننا نختبرُ ونعاينُ بإختصارٍ انّ يسوعَ القائدَ يمكّنُ الذين يتبعونَهُ، يضعُهم على مواجهةِ ما سيأتي، يعطيهم سلفاً من غنى نعمتِه، يهيّئهُم ويدرّبهُم ويجعلَهُم مستعدين. 

والسؤال لنا اليوم: هل نحنُ نمكّنُ الذينَ نعملُ معهم منَ القيامِ بالمَهام التي نوكلُها إليهم؟  أم أننا نفوّضُهُم من جهةٍ ولا نمكّنُهم من الجهةِ الأخرى؟ شارك يسوعُ تلاميذَهُ المسؤوليةِ، لكنه فوق ذلك، أشرَكَهُم في السلطةِ أيضاً!

  • 2-7   بناء فريق العمل: من المستحسنِ ألا يبقى القائدُ وحدهُ لئلا يتحولَ الى حاكمٍ ديكتاتوريٍ، ويتوجبُ عليه أن يبنيَ فريقَ عملٍ حولهُ. لقد دربَ يسوعُ تلاميذَهُ ثلاثَ سنواتٍ.  جاءوا من مقاطعاتٍ مختلفةٍ في الأراضي المقدسةِ، كانت مهنهُم مختلفةً، تنوّعت شخصياتُهم ، لم تكُن ردودُ فعلهِم واحدةً، ولا طموحاتُهم، ولا مخاوفهُم، وحتى أخطاؤهُم وخطاياهم.  فأولٌ شكَ ، وثانٍ نكر وثالثٌ خان.  هكذا كانوا عندما إلتقاهُم طوالَ مرحلةِ تدريبهِم.  إستثمرُ يسوعُ طاقاتِهم إذا جازَ التعبيرُ.  ” دعك” هذه الطينةُ بين يديهِ، امتحنهُم، عنّفهُم، وبّخهُم، لكنه أحبَهُم دائماً ورعاهم، ووثِقَ بهم، وسلمهُم مسؤولياتٍ، ومنحهُم سلطاناً، وائتمنهُم حتى على أقربِ المقرَّبين منهُ، على أمِّه.  بإختصار: حولهُم الى فريقِ عملٍ.

انه على أهميةٍ كبرى أن نقرأ حال من بدؤا مع يسوع بالخدمةِ، وما هي مؤهلاتُهم!!  لكن الأهم يبقى، كيف تطوروا معه وكيفَ انتهوا؟

لعلَّ الصفةَ الأهم في فريقِ العملِ هي وحدةِ الأهدافِ.  بعدَ القيامةِ وقُبيْلَ صعودِهِ إلى أبيهِ،  وحَّد يسوعُ الأهدافَ لرسلِه وحثَّهُم على الإلتزامِ بِها:”إني أوُليتُ كلَّ سلطانٍ في السماءِ والأرضِ.  فاذهبوا وتلمذوا جميعَ الأممَ وعمِّدوهُم باسمِ الآبِ والإبنِ والروح ِالقدسِ، وعلِّموهُم أنْ يحفظوا كل ما أوصيتُكُم بهِ، وهاءَنَذا معكُم طوال َالأيامِ إلى نهايةِ العالمِ” (متى 28 /18-20).

سبع مقومات طبعت شخصية يسوع القيادية،  جعلت منه مثلاً ومثال.

  • السلطة في حياة يسوع

ونقف أمام موضوعُ السلطةَ، والسؤالُ الكبير والسهل الممتنع، كيفَ استعملَ يسوعُ سلطَتَهُ؟  وما هي ماهيتُها؟ 

في الحقيقةِ، إذا تفحصْنا أسلوبَ يسوع في استخدامِ السلطةِ، يُمكِنُنا أن نرَى مِثالاً نحْتذ يه في حياتِنا الكهنوتيةِ، وفي عملِنا الكنَسي.

هناك خمسة أنواع من السلطة:

  1. السلطة الإستغلالية  ( Pouvoir d’Exploitation):

هي السلطة التي تسخَّرُ الآخرَ لأيَّةِ غايةٍ قد يسعى إليها الذينَ هُم في السلطةِ.

  • السلطةُ المهيمنة   (Pouvoir manipulatif) :

هي سلطةٌ على الآخرِ.

  • السلطةُ التنافسيةُ  (Pouvoir Compétitif) :

هي السلطةُ ضدَ الآخر، أحدهُم يذهب صعوداً لأنَّ الآخرَ يذهبُ نزولاً.

  • السلطةُ المغذيةُ  (Pouvoir Nutritif):

هي السلطةُ  من أجلِ   خيرِ الآخرِ، كالراعي الروحي والأهلِ والأساتذةِ الذين يهتمونَ لحاجاتِ أبناءِ رعيتِهِم وأولادِهِم وطلابِهِم.  وهذه تنتجُ عن إهتمامٍ بخيرِ الإنسانِ الآخر.

  • السلطة التكاملية  (Pouvoir Intégratif):

وهي السلطةُ مع الآخرِ والتي تقودُ إلى التكاملِ والتطابقِ مع الغيرِ.

فكلُّ هذه الحالات السلطوية قد توجِدُ في نهج حياةِ شخصٍ واحدٍ وقد نكونُ كلُّنا قد اختبرْناها.  لكن، إذا ما ركزنا على السلطتينِ الأخيرتينِ، نرى ان يسوعُ قد استعملهما بامتيازٍ وهما:

السلطة المغذية:  يقولُ العهدُ الجديدُ:

  • فعرفوهُ عندَ كسرِ الخبزِ على طريقِ عماوسَ (لو24/ 30).
  • •          ارعَ نِعاجي، ارعَ خِرافي (يو21 /15-17).
  • •          إطعامِ الخَمَسَةِ آلافٍ (متى 14/ 17، لو 9/ 16).
  • •          خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا اشربوا هذا هو دمي (متى 26/26-28).
  • •          أنا خبزُ الحياةِ (يو6/ 41).
  • •          أنا الماءُ الحيُّ (السامرية يو4/ 10-14)، الكنعانية (متى 15/ 27).

فالمسؤولون الروحيون والكنسيون يغذون بخدمتهم القيادية والإدارية من يعمل معهم مباشرة، وبقراراتهم يغذوهم بطريقة غير مباشرة. و تقوم هذه التغذية على مساعدتهم في تطوير ذاتهم ومساندة المتقدمين بينهم، كما تساعد من يقوم بها على النضوج والنمو الروحي والإنساني، فيسوع ذهب إلى الجبل ليكون مع أبيه ويجدد قوته الغذائية.

السلطة التكاملية:  استعمل يسوعُ هذه السلطةُ ربما بافضليةٍ كُبرى حتى في مماتِهِ.  لقد جَمَعَ، اهتمَّ وأعطَى الحياةَ للعديدِ من المجموعاتِ المتفرقةِ والمنقسمةِ:

  • المتروكينَ والفقراءَ والأغنياءَ، والرجالَ والنساءَ، والخطأةَ (زكى، نيقوديمس، السارق)، والمنبوذينَ (الكنعانية والسامرية، واللص على الصليب).  فقالَ: ” أني أوليتُ كلَّ سلطان في السماءِ والأرضِ” (متى 28/ 18). 
  • مساعدة العائلاتِ والجماعات ِالممزقةِ.

أشخاص مضروبين ومصابين في شخصهم.

ساعدهم يسوع على السعي أن “يكونوا أكثر” بدلاً من أن “يملكوا أكثر”.

خلاصة

في الختام، يحق التذكير بما علمه الرسول بطرس في موضوع القيادة بناء على خبرته الرسولية حيث قال: ″فالشيوخُ الذينَ بينكم، أَعِظهم أنا الشيخُ مِثلَهم والشاهدُ لآلام المسيح ومَن له نصيبٌ في المجدِ الذي يوشِكُ أن يتجلّى: اَرعَوا قطيعَ اللهِ الذي وُكِلَ إليكم واحرِسوه طوعاً لا كِرهاَ لِوجهِ الله، لا رغبَةً في مكسبٍ خسيس، بل لِما فيكم من حميَّة. ولا تتسلَّطوا على الذينَ هم في رعِيَّتِكم، بل كونوا قُدوةً للقطيع. ؤ ومتى ظهرَ راعي الرُّعاة تنالونَ إكليلاً منَ المجدِ لا يَذبُل ″ (1بط5/ 1-4).


[1] . مرسل لبناني، حائز على شهادة:  في اللاهوت من جامعة الروح القدس الكسليك، وكذلك على شهادة في الفلسفة من الجامعة عينها. ونال ماجيستر في “إدارة المدارس والمؤسسات التي لا تبغي الربح” من جامعة ماساشوستس ( بوسطن، الولايات المتحدة الاميريكية). وشهادة الدراسات العليا في ” الفلسفة السياسية” من جامعة دالاس الكاثوليكية ( تكساس، الولايات المتحدة الأميريكية) وعلى درجة الدكتوره في التربية ( تحديدًا في إدارة المدارس) من جامعة جنوب أفريقيا (unisa) بريتوريا.

يشغل حاليًا المناصب التالية:  –      الأمين الاقليمي للمكتب الكاثوليكي الدولي للتعليم في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ( MENA-OEIC)

  • منسق دائرتي الانتشار والتطوير والتنمية في الديوان البطريركي الماروني – بكركي.
  • استاذ في المعهد العالي للعلوم الدينية جامعة القديس يوسف، لبنان،
  • استاذ في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية جامعة القديس الروح القدس الكسليك، لبنان.
  • استاذ اللاهوت الرعائي في الاكليريكية البطريركية المارونية، غزير- لبنان.

لديه عدة منشورات أكاديمية تعالج مواضيع مختلفة أبرزها في المجالات التعليمية، الإدارية والكنسيّة.

Scroll to Top