Almanara Magazine

جذور تعليم الكنيسة الإجتماعي في سفر التكوين (تك 1-3)

الخوري رفيق الورشا[1]

   إنّ علم اللاهوت بمجمله يجد بذوره في الكتاب المقدس، تاريخ الله مع شعبه. فكلمة الله بالنسبة للاهوت، على ما ورد في المجمع الفاتيكاني الثاني، هي بمثابة النفس للجسد. إنّ اللاهوت بكلّ أبعاده العقائدية والأدبية له جذوره في صفحات قصّة الله الخلاصيّة مع شعبه. فاللاهوت الأدبي الإجتماعي يجد قسطاً شاسعاً من مضمونه ومبادئه في الكتب المقدسة إذ أنّها غنيّة بالإختبارات الجماعيّة والمجتمعيّة. إنّ البعد الجماعي بارز بشكل أساسي في العهد القديم، وغالباً ما كان الأنبياء والملوك والقضاة في إرشاداتهم وتوجيهاتهم للشعب يشدّدون على كيفية عيش الخُلقية الإجتماعية وفقاً لإرادة الله.

   فالأنبياء، على سبيل المثال، كانوا يحثّون الناس على عيش البرّ والعدل فيما بينهم، ويحذّرون من الفصل بين العبادة ومعترك الحياة. فالصلاة التي لا تنبع من قلب عادل وبار تبقى عقيمة وفارغة من مضمونها. فعبثاً يكرّم اليهودي الله بشفتيه وقلبه بعيدٌ عنه وأعمالُه مليئة بالظلم والقمع والشرّ.

   سنحاول عبر دراستنا هذه، والقراءة بين السطور، أن نسلّط الأضواء على البعد الإجتماعي الذي يتجلّى بوضوح في نصوص كتابية، ويشكّل النسيج الذي خاطت به الكنيسة تعليمها الإجتماعي عبر التاريخ.

   إذا ما أمعنّا التبصّر في رواية الخلق، نعثر على موارد شتى لتعليم البابوات في المسائل الإجتماعية، ونحدّد النظرة الأنتروبولوجية الكتابية للإنسان كقيمة سامية غالية على قلب الله، لا يمكن الإستخفاف بها أو التغاضي عن أهميتها. فالتفكير الإجتماعي السليم، هو الذي ينطلق من هذه النظرة السامية ويعطي مبادئ مستقاة من هذه الأنتروبولوجيا ومستوحاة منها، فلا مكان عندئذ للظلم واللاعدالة … 

 “خلق الله الإنسان على صورته ومثاله” (تك 1/27).

   إنّ صورة الله المحفورة في قلب الإنسان تجعل منه قيمة سامية لا يجوز تهميشها وتهشيمها ولا يمكن التهاون بقيمتها: “وجبل الربّ الإله الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيّة” (تك 2/7). فقبس الله الحاضر في الإنسان يعطيه عظمة وكرامة كونه يتغنّى بالقدرة على مشاركة الله بعمل خلقه وحبّه وخلاصه.

   إنّه كائن حرّ، بإمكانه أن يختار حياة الخير وأن يتجنّب الشر. بحرّيته تتحتّم عليه مسؤوليّات إذ يجب أن يتحمّل مسؤولية الخيار الذي يتبنّاه في هذه الحياة. هذه الحرية لا تعني إلغاء الضوابط وبعثرة المقاييس التي رسمها الله بل تبقى مساحاتها ضمن حدود الخير الموضوعي وتسعى دائماً إلى الخير المطلق الذي هو الخالق.

   “أما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل” (تك 2/17). أهذا يعني أنّه يجب أن لا يعرف الخير ولا الشرّ؟ إن الإشكاليّة لا تكمن بالمعرفة بل بالعكس، فدعوة الإنسان هي بجوهرها أن يميّز الخير من الشرّ وأن يأخذ الموقف الأساسي الذي يتناغم مع الشريعة الطبيعية الموجودة فيه. إن الخطيئة تكمن بتحديد الخير وتحديد الشرّ وقلب المقاييس رأساً على عقب فيروح يشرّع ويحدّد ويستقلّ بمعزل عن المشرّع الحقيقي – الله، فيصبح هو سيّد كلّ شيء بإستقلالية مطلقة.

   هنا تأخذ الخطيئة مداها فتتخطّى المقاييس الموضوعية وتجعل صاحبها يفسخ العلاقة مع الخالق ومع الآخر، مع الذات ومع الخلق. بهذا المنحى، نتكلم عمّا سمّاه الطوباوي يوحنا بولس الثاني بنية الخطيئة. بتعبير آخر، كم وكم من المجتمعات تغرق بذهنيات خاطئة وإيديولوجيات تناقض الشريعة الطبيعية وروحية كلمة الله. هناك الكثير من الأقاويل والأمثال أصبحت قواعد تُتّبع ويتبنّاها كثيرون وهي بعيدة كلّ البعد عن الأخلاقية المسيحية (على سبيل المثال إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب…). أصبحت تجارب الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وغيرها من القطاعات تستلهم مقاييس مزاجية ونسبية لا تمتّ بصلة بالأخلاقية المسيحية الموضوعية.

   وردت هذه الفكرة في تعليم البابا يوحنا بولس الثاني في رسالة السلام الإجتماعي وفي الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” داعياً إلى التوبة والتغيير وارتداد الذهنيات المغلوطة التي تبرّر الخطيئة وتخلق مناخاً فاسداً يقود الإنسان إلى الإنزلاق في الشرّ والخطيئة.

   إنّ الخطيئة تصبح بعثرة للنظام الطبيعي الذي رسمه الله وبالتالي يضيع الإنسان عن الحقيقة وعن الصواب. يمكننا أن نؤوّن هذه الخطيئة الأساسية بالمزاجية التي يعيش فيها الإنسان في عالمنا المعاصر وبتعبير آخر بالهمجيّة والفوضى والحرية المتفلّتة، فيمارس كلّ المسائل الإجتماعية كالإقتصاد والسياسة والإدارة والإعلام وغيرها تحت شعار حرية مزيّفة فارغة من مضمونها ومعناها الحقيقي دون قيم أخلاقية موضوعية ترعاها.

   كلّ هذه الصفات الإنسانية السامية التي هي على صورة الله بشكل نسبي تجعل الكائن البشري منفتحاً إلى المطلق، يتمتّع بكرامة نابعة من كرامة الله؛ فكلّ اغتصاب لهذه الكرامة هو تعدّي على الله صانعها. فالإنسان يعي حقيقة ذاته والآخر والله وهذا ما يميّزه عن سائر مخلوقات الأرض.

   هذه الكرامة البشرية استشهد بها كثير من البابوات في رسائلهم الإجتماعية ليدعموا فكرة حقيقة الإنسان وعظمة كرامته التي يجب أن تُصان في شتى حقول الحياة الإجتماعية. فهذا الإنسان، كونه كريماً في عينَي الربّ، له حقوق أساسية وطبيعية مُرادة من الله، لا يجوز انتهاكها أو التفريط بها.

   من هنا برزت مسألة حقوق الإنسان في كثير من الخطابات والعظات والرسائل الكنسية التي سلّطت الأضواء على مرّ العصور على احترام حقوق الشخص البشري وصون كرامته. كما أنّ الأنتروبولوجية المسيحية المعاصرة المستقاة من روحية الكتاب المقدّس ترفض أيّ إجحاف بحقّ هذه الكرامة وأي إهمال لحقوق الشخص البشري منذ الولادة حتى آخر رمق من حياته. فالكنيسة، بصرختها النبوية لم تكلّ يوماً عن الصراخ في وجه كلّ من يمسّ بحقيقة الإنسان وكرامته، وتدقّ ناقوس الخطر في كلّ مرّة تصادف ظلماً جائراً، أو سلطة مستبدة تضرب بعرض الحائط قيمة الإنسان وكرامته وحقوقه.

   بعرق جبينك تأكل خبزك (تك 3/19)

   هناك منحىً آخر من تعليم الكنيسة الإجتماعي هو العمل الذي يحتلّ قسماً شاسعاً من تعليم الكنيسة الإجتماعي. إنّه عصب حياة الجتمع ومفتاحه. فالعمل بكلّ أبعاده الإنسانيّة والإجمتاعيّة واللاهوتيّة والروحيّة يجد جذوره في سفر التكوين.

    الله بذاته هو عمل دائم في جوهره؛ هو في عمل خلق دائم؛ والإنسان المخلوق على صورته ومثاله هو مدعوٌّ لأن يكون بحركة دائمة لكي يحقّق ذاته الإنسانية بغية أن يعيش ويضمن استمراريته في الحياة. عبارة تأكل خبزك تدلّ إلى ضرورة العمل والإبتعاد عن البطالة لكي يبقى الإنسان على قيد الحياة، مؤمّنة له كل الحاجات الجسدية والمادية…

   فإذا كان الخبز هو نتيجة العمل، فيجب أن نشدّد أيضاً على الأجر العادل. العامل يستحق أن يتقاضى أجرته وينال مكافأته من تعب يديه، وله حقوقه لقاء هذا العرق الذي يؤديه في عمله وفي وظيفته.

   بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز أدبياً جمع الأموال التي لا تتأتى نتيجة جهود وأعمال وكفاءات، بل هي نتيجة وسائل غير شرعية لا تنسجم مع القيم الأخلاقية المسيحية. نذكر هنا طرقاً عديدة للربح السريع تبغي تكديس الثروات الطائلة دون أن تراعي كرامة الإنسان والمبادئ الأخلاقية الصحيحة.

   على سبيل المثال، المقامرة بجميع وجوهها، اصبحت آفة في مجتمعاتنا، يلجأ إليها الناس ويدمنون عليها ويصبحون غير قادرين على التملّص منها. فكم هي عاقبة هذه الظاهرة وخيمة، فإن ربحوا يعثرون على مال ليس من حلالهم وإن خسروا يعجّلون خرابهم وخراب عائلاتهم.

   التجارة بالمخدّرات، كوسيلة سريعة لربح باهظ؛ تشرّع أبوابها الواسعة لمن يدمنون عليها كوسيلة هروب من واقع صعب أو من حالة بائسة، ناهيك عن الاضرار التي تمسّ سلامة الإنسان الجسديّة وصحّته.

   التجارة بالأسلحة التي تغذّي العنف وتوقد ألأحقاد وتعبث بأمن الإنسان واستقراره. والبابا يوحنا الثالث والعشرون حذّر في رسالته السلام على لأرض من التجارة بالأسلحة وتهريبها.

   كما وأنّ خيرات الأرض التي جعلها الله بمتناول الإنسان، يجب أن تؤول إلى بنيانه ومساعدته وتحقيق ذاته وليس إلى خرابه. يمكننا ان نستعمل الكون وخيراته للمقاسمة وسدّ عوز حاجة المجتمعات، ويمكن بسوء استعمال الحرية وتخطي الحدود، واختراع تقنيات تؤدي إلى دمار الإنسان وموته وانقراضه: القنبلة الذرية مثلاً التي نوّه البابا يوحنا الثالث والعشرون إلى خطورتها وبشاعتها. فظاهرتها هي التي دفعت البابا المذكور إلى إطلاق الرسالة “السلام على الأرض” (1963) ليصرخ صرخة نبويّة ترفض هذا التخطي الخطير للحدود الموضوعة من الخالق.  

 واستراح في اليوم السابع (تك 2/2)

   خلق الله الكون في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح. وإذا كان الإنسان مدعوّاً لأن يحقّق صورة الله فيه، هذا يقتضي أن يترك للراحة مكانة في حياته العملية. فالكنيسة، ابتداء من رسالة الشؤون الحديثة (1891) للبابا لاون الثالث عشر منعت أرباب العمل من تحميل العمّال أعباء قاسية تحول دون نموّهم وراحتهم وحياتهم الدينية. فالعامل له الحقّ بالسلامة الجسدية وبالراحة أيام الآحاد والأعياد للذهاب إلى الصلاة والعبادة والشكر والإفخارستيا. 

   كما وأنّ بالعمل يطوّر الإنسان عمل الخلق ويشارك الخالق بعمله الدائم الذي لا يتوقف، والإنسان مدعوٌّ لأن يبقى بتناغم مع الخلق ولهذه الفكرة اللاهوتية، السلام مع الطبيعة، صدى كبير في تعليم البابا يوحنا بولس الثاني الذي غالباً ما شدّد في تعاليمه عبر الرسائل والعظات على احترام نظام الطبيعة والتأمل من خلالها بعظمة الخالق. وقد أعلن شفيع هذا التناغم بين الإنسان والطبيعة القديس فرنسيس الأسيزي في رسالة السلام الإجتماعي سنة 1987. وفي أحد الأيام العالمية للسلام أعطى عنواناً: السلام مع الخليقة، السلام مع الله. فالسلام مع الله يشترط سلاماً مع الكون وكلّ إساءة إلى مكنونات الطبيعة وعداوة معها هي إساءة مباشرة لمنظّمها ومرتّبها. فلا يجوز، على ما عبّر البابا يوحنا بواس الثاني في رسالته “السنة المئة” (1991)، خربطة معالم الكون وبعثرة نظام الطبيعة وكأنها حقل تجارب دون التوقّف على بصمات الله فيها.

   لقد ركّز في هذه الرسالة  على أهمية الإستفادة من الكون واستعماله لكن دون مبالغة وتفريط. لقد استشهد في هذه الرسالة بسفر التكوين (2-3) ليدعو المؤمنين وذوي الإرادة الصالحة أن يضمّوا صلاتهم إلى صلاة صاحب المزامير الذي طالما مجّد الله وسبّحه عبر جمال الكون (البحر واليبس والتلال والجبال…). وفي رسالة “العمل البشري” 1981 علّق على الصفحات الأولى لسفر التكوين محدّداً أنّ العمل ليس عقاباً على خطيئة معينة اقترفها الإنسان إنما هو من صلب دعوة المؤمن ويساعده على تحقيق ذاته الإنسانية وعلى الإشتراك بعمل الفداء أي موت وقيامة المسيح. فالصليب والألم المعاشان في خضمّ العمل يضمّهما العامل إلى آلام الفادي الخلاصيّة.

   ولا يغيبنّ عن أذهاننا فكرة خيرات الأرض معدّة للجميع. إنّ الخالق سلّط الإنسان على كلّ مخلوقات الكون وخيراته بمياهه وينابيعه، بجباله وأراضيه. كلّ هذه جعلها في خدمته لتكون بمتناوله ولمساعدته على تحقيق ذاته. أصبح بإمكان الإنسان أن يستفيد من خيرات الأرض وأن ينعم بها دون إفراط أو مبالغة. يمكن أن يكون لديه ملكية خاصة ولكن غير مطلقة. إنّه مؤتمن على خيرات الأرض ويشترك في سلطة الله على الكون وموجوداته. كما ولا يحقّ للإنسان أن يحتكر هذه الممتلكات بأنانية دون مشاركة ولا إلتفاتة إلى الآخر. من هنا تطوّر هذا المبدأ الأساسي في تعليم الكنيسة الإجتماعي ليصبح مبدأ التضامن مع ذوي الحاجات.

   لقد برز هذا المبدأ، العدالة الإجتماعية، وتوزيع خيرات الأرض بشكل شامل، يطال الجميع وهذا لا ينفي إمكانية الملكية الخاصّة على أن لا تكون أنانية واستئثار وتبعية.

   من هنا فكرة الإنتاج والرأسمال نتيجة العمل، المقبولة والمُشجّعة من قبل الكنيسة لأنّها ثمرة أتعاب وقدرات ومواهب وجهود يقوم بها الإنسان. إنّ ما هو مرفوض بالكنيسة هو جمع المال والإستعباد  له بشكل غير شرعي وغير ناتج عن عرق الجبين ولا ثمرة مجهود يقوم به الإنسان.

    ذكراً وأنثى خلقهما (تك 1/27-28)

   تحتل العائلة في كتاب سفر التكوين مكانة كبيرة سيّما وأنّها تبرز كدعوة سامية من الله لأن تكون على مثاله في عيش الشركة الثالوثية  فيسودها المحبة والوحدة مع الحفاظ على شخصية كلّ فردٍ منها.

   إنها دعوة لمشاركة الله في الخلق، أي تأسيس عائلة وتربيتتها والسهر عليها واعتبارها أمانة غالية من الله يجب تنميتها ومساعدتها على تحقيق هويتها. فالأبوّة والأمومة هما دعوتان مقدستان، يسعي عبرهما الإنسان أن يتقدّس وأن يجاوب على نداء الله له.

   إنميا واكثرا واملآ الأرض: إنها دعوة هامة وعميقة أن يشارك الزوجان الله في عمل الخلق من خلال الإنجاب والانفتاح على الحياة. وعمل الخلق هذا هو ثمرة الحب الذي زرعه الله في قلب الإنسان ليعبر عنه ويعيشه بأبعاده المختلفة التي تسهم في سعادته ووضعه على طريق تحقيق القداسة.

   فمن ضمن إطار تخطي الحدود التي رسمها الخالق وخطط لها نعاين في أيامنا المعاصرة، – تحت شعار مفهموم حرية مغلوطة وفي هيكلية مجتمع يرفض الحياة وينادي بحضارة الموت – أناساً يلجأون إلى الإجهاض بتقنياته المختلفة وأنظمة تشرّعها. كما ونرى ظاهرة وسائل منع الحمْل الإصطناعية التي تناقض ذهنية الإنفتاح إلى الحياة والتي أصبحت متفشّية ويستعملها كثيرون.

   المساواة في الحقوق والكرامة بين الرجل والمرأة 

   إنّ معنى كرامة المرأة مرتبط ٌ من قريب ومن بعيد بكلمة الله التي تكشف عن كمالها. ففي روايتَي الخلق ( تك ١/۲٧ ؛ ۲/۲١ – ۲٤) نجد الفكرتين التاليتين: ” خلق الله الإنسان …. رجلا ً وامرأة خلقهما … “” إنّ الرجال والنساء خلقهم الله لذاتهم … متساوون في الكرامة …”

   فالتفريق الجنسي هو أمر ٌ إيجابي، وهو شيءٌ حسن جداً. في المقطع الثاني من سفر التكوين، يوضح الملاحظة الأخيرة : عندما رأى الرجل المرأة تخرج أمامه أطلق صرخة إعجاب … بالمرأة عرف ذاته … فاتحادهما كوّن أوّل مظهر جماعي: يتحد الرجل بامرأته ويصيران معا ً جسدا ً واحدا.

   يشرح المجمع المسكوني هذين النصين الأساسيين بقوله: إنّ الله لم يخلق الرجل ليتركه لوحده، لأنّ الرجل في عمق ذاته وطبيعته هو إنسان إجتماعي، ولا يمكنه أن يحقّق وجوده إلا من خلال عطاء ذاتي صادق ( 24GS) .

   إنّ التمييز بالجنس هو حسن ومطابق لتصميم الله الخالق والكرامة المتساوية. فالإختلاف وُجد من أجل الشركة، من أجل عطاء الذات المتبادل، ويقوم معناها على التكامل. المساواة والإختلاف ضمن مبدأ التكاملية هما من الأسس الأولى المكوّنة لطبيعة الإنسان الجنسية.

   خاتمة

   إستناداً إلى ما سبق، يمكننا الإستنتاج أن هناك مبادئ أساسية من تعليم الكنيسة الإجتماعي، تعود إلى الصفحات الأولى للكتاب المقدّس: كرامة الإنسان، حقوقه الأساسية، العمل، الأجر، العائلة خليّة المجتمع، خيرات الأرض معدّة للجميع، السلام مع الله ومع الطبيعة ومع الذات ومع الآخر.

   تبقى كلمة الله محور تعليم الكنيسة وتجد صداها في أيامنا وكأنّها تطال إنسان اليوم وضميره وإرادته. إنّ الكنيسة، بالإستناد إلى كلمة الله والتقليد، هي صوت الضمير والبوصلة في بحر هذا العالم الهائج؛ تدقّ ناقوس الخطر في كلّ مرّة تجد الإنسان مهمّشاً في حقوقه، تدافع عن حقوقه وتسعى لأن تصون كرامته وأن تعزّزها ولا تسمح بالتعرّض لها إيماناً منها بقيمته المستوحاة من الأنتروبولوجية الكتابية. تعتبر الكنيسة أن الإنسان يتمتّع بعظمة سامية وهو غالٍ في عيني الربّ، ويجب أن يكون محور وهدف واساس كلّ الحقول الإجتماعية.

   هناك ترتيب وضعه الله المهندس الأعظم، على الإنسان أن يحترمه وأن يحافظ عليه فالكون والطيور والحيوانات…هي حسنة. الكون هو بيت للإنسان وليس حقل تجارب يشوّهه فيمحو فيه جمال الخالق.


[1]

من الأبرشية البطريركية المارونية – منطقة جونيه

رئيس دير مار ضومط العقيبة

امين سرّ البطريركية المارونية

حائز على دكتورا في اللاهوت الأدبي من جامعة القديس ألفونس – روما

أستاذ في جامعة الروح القدس – الكسليك : مادة اللاهوت الأدبي ومادة تعليم الكنيسة الاجتماعي

أستاذ في جامعة الحكمة – العلوم العائلية والدينية

Scroll to Top