Almanara Magazine

من أجل كنيسة سينودُسيّة: شركة ومشاركة ورسالة الوثيقة الختامية

البابا فرنسيس

الجمعية العمومية العادية

لسينودوس الأساقفة

من أجل كنيسة سينودُسيّة:

شركة ومشاركة ورسالة

 الوثيقة الختامية

  

فهرس

إصطلاحات.. 3

مقدّمة. 7

القسم الأول – قلب السينودالية. 11

الروح القدس يدعونا إلى الاهتداء. 11

الكنيسة شعب الله، سر الوحدة 11

الجذور الأسراريّة لشعب الله… 13

معنى السينودالية وأبعادها 15

الوحدة كتناغم. 16

الروحانية السينودوسية. 18

السينودالية كنبوءة اجتماعيّة. 19

القسم الثاني – على السفينة معاً 21

الإهتداء في مجال العلاقات.. 21

علاقات جديدة 21

في تعدّدية السياقات.. 22

مواهب، دعوات وخِدم من أجل الرسالة. 23

الرسامة في خدمة التناغم. 26

خدمة الأسقف: توحيد عطايا الروح. 27

مع الأسقف: كهنة وشمامسة. 27

التعاون بين الخدام المرسومين في الكنيسة السينودوسية. 28

معاً من أجل الرسالة. 29

القسم الثالث – “أرموا الشبكة”. 31

الإهتداء في المسارات.. 31

التمييز الكنسي من أجل الرسالة. 31

الترابط بين المسارات التقريرية. 33

شفافية، محاسبة، تقييم. 35

السينودالية   ومجالس المشاركة. 36

القسم الرابع – صيدٌ وفير.. 39

الإ هتداء في مجال الروابط.. 39

متجذِّرون وحجَّاج. 39

تبادل عطايا 41

روابط للوحدة: مجالس أسقفية وجمعيات كنسية. 43

خدمة أسقف روما 44

القسم الخامس– “أرسلكم أنا أيضاً”. 49

تكوين شعب من التلاميذ المرسلين.. 49

الخلاصة. 53

مائدة لجميع الشعوب.. 53

 

 

 

 

إصطلاحات

 

المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في رسالة العلمانيين (Apostolicam actuositatem)، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1965.

AA

المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في نشاط الكنيسة الارسالي (Ad gentes)، 7 كانون الأول/ديسمبر 1965.

AG

مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، 18 تشرين الأول/اكتوبر 1990.

CCEO

المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في مهمة الاساقفة الراعوي في الكنيسة (Christus Dominus)، 28 تشرين الأول/اكتوبر 1965.

CD

مجموعة الحقّ القانوني اللاتيني، 25كانون الثاني/يناير 1983.

CIC

اللجنة اللاهوتية العالمية، السينودوسية في حياة الكنيسة ورسالتها، 2 أذار/مارس 2018.

CTI

البابا بندكتوس السادس عشر، الرسالة العامة المحبة في الحق (Caritas in Veritate)، 29 حزيران/ يونيو 2009.

CV

البابا فرنسيس، رسالة راعوية “شهوة اشتهيت”( Desiderio desideravi)، 29 حزيران/ يونيو 2022.

DD

البابا فرنسيس، رسالة بابويّة عامّة “لقد أحَبَّنا” (Dilexit nos)، 24 تشرين الأول/اكتوبر 2024.

DN

الجمعية العمومية العادية السادسة عشرة لسينودوس الأساقفة، وثيقة العمل للمرحلة القارية، 27 تشرين الأول/اكتوبر 2022.

DTC

المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور مجمعي في الوحي الإلهي (Dei Verbum)، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1965.

DV

البابا فرنسيس، الدستور الرسولي “الشركة الأسقفية في سينودوس الأساقفة” (Episcopalis Communio) حول سينودس الأساقفة، 15 ايلول/سبتمبر 2018.

EC

البابا فرنسيس، ارشاد رسولي “فرح الأنجيل” (Evangelii gaudium)، 24تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

EG

البابا بولس السادس، ارشاد رسولي ” الكرازة بالأنجيل”( Evangelii nuntiandi)، 8 كانون الأول/ديسمبر 1975.

EN

البابا فرنسيس، رسالة بابوية عامة “في الأخوّة والصداقة الاجتماعية” (Fratelli tutti)، 3 تشرين الأول/اكتوبر 2020.

FT

المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور راعوي “في الكنيسة وعالم اليوم، فرح ورجاء”( Gaudium et spes)، 7 كانون الأول/ديسمبر 1965.

GS

المجمع الفاتيكاني الثاني،دستور عقائدي “في الكنيسة”( Lumen gentium)، 7 كانون الأول/ديسمبر 1965.

LG

البابا فرنسيس، رسالة عامة بابوية “كُنْ مُسَبَّحًا” (Laudato si’)، 24 أيار/مايو 2015.

 

LS

البابا بولس السادس، ارشاد رسولي “عبادة مريم”( Marialis cultus)، شباط/فبراير 1974.

MC

البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة بابويّة ” في بداية الألفية الجديدة” (Novo millenio ineunte)، 6 كانون الثاني/يناير 2001.

NMI

البابا فرنسيس، دستور رسولي “اعلنوا البشارة” (Praedicate Evangelium)، 19 أذار/مارس 2022.

PE

المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي “في الليتورجيا المقدسة، المجمع المقدس” (Sacrosanctum Concilium)، 4 كانون الأول/ديسمبر 1965.

SC

البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة راعوية عامّة “في الشأن الأجتماعي” (Sollicitudo rei socialis) 30 كانون الأول/ديسمبر 1967.

SRS

المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي “في الحركة المسكونية”( Unitatis redintegratio)، 21تشرين الثاني/نوفمبر 1964.

UR

البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة راعوية عامّة “ليكونوا واحدًا” (Ut unum sint)، 25 أيار/مايو 1995.

UUS

 



 

 

 

مقدّمة

جاء يسوع ووقف بينهم وقال لهم: “ السلام عليكم!” قال ذلك، وأراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ لمشاهدتهم الرب. (يوحنا 20/19-20)

  1. كل خطوة جديدة في حياة الكنيسة هي عودة إلى الينبوع، هي خبرة متجدّدة للقاء القائم من الموت كما عاشه التلاميذ في العليّة ليلة الفصح. على مثالهم نحن أيضاً، بمشاركتنا في هذه الجمعيّة السينودوسيّة، شعرنا بغمرة رحمته ولمسة تألّق جماله. عشنا الحوار بالروح في الاصغاء إلى بعضنا البعض ولمسنا حضوره فيما بيننا: حضور مَن يُفيض روحه القدّوس ويستمرُّ في بثّ الوحدة في شعبه، التي هي انسجام في الاختلاف.
  2. بينما نتأمّل القائم من الموت، نتذكّر أنّنا “تعمّدنا بموته” (روما 6/3). عاينّا علامات جراحاته التي تجلّت في حياة جديدة ولكنّها ظلّت مطبوعةً في إنسانيّته إلى الأبد. هذه الجراحات ما زالت تنزف في جسد الكثيرين من الإخوة والأخوات، ذلك أيضاً بسب خطايانا. إنّ تثبيت أنظارنا إلى الرب لا يبعدنا عن مآسي التاريخ إنّما يفتح عيوننا فنتعرّف على الألم الذي يحيط بنا ويؤثّر فينا: وجوه الأطفال المذعورين من الحرب، نحيب الأمّهات، الأحلام المتكسّرة لكثيرٍ من الشباب، اللاجئون الذين يواجهون أسفاراً رهيبة، ضحايا التغيّرات المناخيّة واللاعدالة الاجتماعيّة. وجدت آلامهم صدى فيما بيننا، ليس فقط من خلال وسائل الإعلام بل من خلال صوت كثيرين تأثّروا شخصياً مع عائلاتهم وشعوبهم بهذه الأحداث المأساويّة. في الأيام التي كنا نعقد فيها جلساتنا، كانت حروبٌ كثيرةٌ لا تزال تتسبّب بالموت والدمار والرغبة بالانتقام وفقدان الضمير. نضمّ صوتنا إلى نداءات البابا فرنسيس المتكرّرة من أجل السلام. ندين منطق العنف والحقد والانتقام. نعمل معاً من أجل تغليب منطق الحوار والأخوّة والمصالحة. السلام الحقيقي والدائم ممكن وبإمكاننا أن نبنيه معاً. “آمال البشر وأفراحهم، في زمننا هذا، … أحزانهم وضيقاتهم، لاسيما الفقراء منهم والمعذبين جميعًا”(GS 1) شكّلت مرّة أخرى أفراحنا وأحزاننا جميعاً نحن تلاميذ المسيح.
  3. منذ أن أطلق الأب الأقدس هذا السينودوس سنة 2021، أخذنا مساراً ونستمرُ باكتشاف غناه وخصوبته. لقد أصغينا بانتباه لكي نلتقط، من خلال الأصوات المتعدّدة، “ما يقول الروح للكنائس” (رؤيا 2/7). بدأنا المسيرة باستشارة واسعة لشعب الله في أبرشياتنا. استُكمل بالمرحلة الوطنية والقارية في حوار دائم دفعت به الأمانة العامة للسينودوس من خلال وثائق العمل والخلاصات. انعقاد الجمعية العامة العادية السادسة عشرة لمجمع الأساقفة على دورتين يسمح لنا الآن بأن نقدّم، للأب الأقدس ولكل الكنائس، الشهادة حول ما عشناه وثمرة تمييزنا من أجل اندفاعةٍ رسوليّةٍ متجدّدة. انطبعت مسيرتنا في كل مراحلها بحكمة الشعور بالإيمان التي يتمتّع بها شعب الله. خطوة بعد خطوة، فهمنا أن في قلب السينودوس 2021 -2024، دعوة إلى الفرح وتجديداً للكنيسة على خطى الرب، في الإخلاص لخدمة رسالته والبحث عن طرائق من أجل الإخلاص له.
  4. هذه الدعوة تتأسّس على الهويّة العمادية المشتركة، تتجذّر في تعدّدية الأطر حيث الكنيسة حاضرة وتجد الوحدة في الآب الواحد في الرب الواحد والروح الواحد. وهي تدعو جميع المعمّدين من دون استثناء: “كل شعب الله معني بالبشارة. كل معمّد في شعب الله مدعوٌ ليكون فاعلاً في الرسالة لأنّنا جميعاً تلاميذ مرسلون” (CTI 53). المسيرة السينودوسية توجّهنا نحو وحدةٍ منظورة بين جميع المسيحيين، حضورُ ممثّلين عن التقاليد المسيحية الأخرى كان شهادةً على ذلك. الوحدة تتخمّر بصمت في داخل كنيسة الله المقدّسة: إنّها نبوءة وحدة للعالم كلّه.
  5. المسيرة السينودوسية المتجذرة في تقليد الكنيسة تمّت كاملة في ضوء السلطة المجمعيّة. المجمع الفاتيكاني الثاني كان الحبّة التي زُرعت في حقل العالم والكنيسة. حياة المؤمنين اليومية، خبرة الكنائس من كل شعب وحضارة، شهادات القداسة الكثيرة، وتفكير اللاهوتيين كانت الحقل الذي نبت فيه المجمع ونما. سينودوس 2021 -2024 يستمر في استمداد الطاقة من هذا الزرع ويطوِّر إمكاناته. المسيرة السينودوسية تضع قيد التنفيذ ما علّمه المجمع حول الكنيسة كسِرٍّ وكشعب الله، المدعو إلى القداسة من خلال توبة مستمرة تنتج عن الإصغاء إلى البشرى السارّة. المسيرة السينودوسية تعيد استحضار المجمع، تستوحي منه وتطلقه نحو عالم اليوم كقوة نبويّة.
  6. لا نُخفي أنّنا اختبرنا في ذاتنا التعب، مقاومة التغيير وتجربة إعلاء أفكارنا على الإصغاء لكلمة الله وعلى ممارسة التمييز. ولكنّ رحمة الله، الآب الحنّان كان يمنّ علينا، في كل مرّة، أن ننقّي قلوبنا ونتابع المسيرة. بدأنا الدورة الثانية بسهرة توبة، طلبنا فيها السماح عن خطايانا، وشعرنا بالخجل ورفعنا تضرعاتنا من أجل ضحايا الشر في العالم. ذكرنا خطايانا بالاسم: ضد السلام، ضد الخليقة، ضد الشعوب الأصلية، ضد المهاجرين، القاصرين النساء، الفقراء، الإصغاء، الشركة. وهذا ما جعلنا نفهم أن السينوداليّة تتطلّب التوبة والاهتداء. في سر التوبة والرحمة نختبر حب الله اللامحدود لنا. تمّت الغلبة على قساوة القلوب وفتحنا قلوبنا على الشركة. نريد أن نكون كنيسة رحومة قادرة على مشاركة الغفران والمصالحة مع الجميع وهما عطية من الله: نحن لسنا أسياد هذه النعمة الخالصة بل شهود لها.
  7. لقد قطفنا الثمار الأولى للمسار السينودوسي الذي بدأ سنة 2021. الثمار الأكثر بساطة ولكنّها قيّمة وهي تتخمّر في حياة العائلات، الرعايا، المؤسسات والحركات، الجماعات المسيحيّة الصغيرة، في المدارس والجماعات الرهبانية التي ينمو فيها الحوار بالروح القدس، التمييز الجماعي، المشاركة في عطايا الدعوات والمسؤولية المشتركة في الرسالة. لقاء كهنة الرعايا من أجل السينودوس، (في ساكروفاغو [روما]، 28 نيسان/ابريل-2أيار/مايو 2024)، فتح الباب لتقدير هذه الخبرات الغنيّة وإطلاق المسيرة من جديد. نحن ممتنّون وفرحون بأصوات الكثيرين من الجماعات المسيحيّة والمؤمنين الذين يعتبرون الكنيسة مكاناً للإستقبال والرجاء والفرح.
  8. أعطت الجلسة الأولى للجمعيّة ثماراً أخرى. في الخلاصة تم لفت النظر إلى بعض المواضيع المهمة لحياة الكنيسة عهد بها الأب الأقدس، في نهاية المشاورات الدوليّة، إلى فرق لتدرسها وهي مؤلّفة من رعاة وخبراء من كل القارّات، ودعاهم إلى العمل بطريقة سينودوسيّة. إنّ مجالات حياة الكنيسة ورسالتها التي بدأ تعميقها هي التالية:
  • بعض وجوه العلاقات بين الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية والكنيسة اللاتينية.
  1. الإصغاء إلى صرخة الفقراء.
  2. الرسالة في المجال الرقمي.
  3. مراجعة (Ratio Fundamentalis Institutionis Sacerdotalis) من وجهة نظر سينودوسية رسولية.
  4. بعض المسائل اللاهوتية والقانونيّة حول بعض أشكال الخدمة.
  5. مراجعة بعض الوثائق التي تنظّم العلاقات بين الأساقفة، بين الرهبان، وبين التجمعات الكنسية.
  6. بعض النواحي المتعلّقة بشخص الأسقف وخدمته (لا سيما معايير اختيار المرشّحين إلى الأسقفية، ومَهمّة الأسقف القانونيّة، وطبيعة الزيارات إلى الأعتاب الرسولية (ad limina Apostolorum) وكيفية حصولها من خلال رؤية سينودوسية رسولية.
  7. دور ممثلي البابا.
  8. معايير لاهوتية وطرائق سينودوسية من أجل تمييز يقبل به الجميع حول مسائل عقائدية، راعوية وأخلاقية جدلية.
  • استقبال شعب الله لثمار هذه المسيرة المسكونية.

تُضاف إلى هذه الفرق اللجنة القانونيّة التي تقوم مهمّتها على ضرورة تجديد القوانين الكنسية والتمييز في مسألة المرافقة الراعوية للأشخاص متعدّدي الزوجات في أفريقيا وذلك بالتعاون والتنسيق مع أساقفة أفريقيا ومدغشقر. إنّ عمل هذه الفرق واللجان أطلق مرحلة التنفيذ، وأغنى عمل الجلسة الثانية وسيساعد الأب الأقدس في الخيارات الراعوية والإدارية.

  1. العمل السينودوسي لا يتوقف في نهاية هذه الجلسة ولكنّه يتضمّن مرحلة التطبيق. وكأعضاء في هذه الجمعيّة نشعر بواجب الالتزام في إحيائه كرسلٍ للسينودالية بين الجماعات التي ننتمي إليها. نطلب إلى كل الكنائس المحليّة أن تتابع مسيرتها اليومية وتعتمد طريقة سينودوسية في الاستشارة والتمييز من أجل استنباط طرائق واقعيّة ومسارات تنشئة لتحقيق تغيير ملموس في مختلف الأطر الكنسية (الرعايا، مؤسّسات الحياة المكرّسة، الجماعات الرسولية، تجمّعات المؤمنين، الأبرشيات وتجمعات الكنائس…). سيتم أيضاً تقييم الخطوات المتقدمة لمشاركة جميع المعمّدين في حياة الكنيسة. إنّنا نقترح على الكنائس ذات الحق الخاص والمجالس الأسقفية أن تعيّن أشخاصاً وترصد موارد لمرافقة مسيرة نمو الكنيسة السينودوسية الرسولية وأن تحافظ على تواصلها مع الأمانة العامة للسينودوس (راجع EC 19 1-2). ونطلب إلى الكنائس أن تتابع السهر على الفِرَق لتعمل بطريقة سينودوسية.
  2. هذه الوثيقة النهائية قدّمت إلى الأب الأقدس وإلى الكنائس لكي تكون الكنز الذي يحتوي كل الخطوات المحقّقة إلى الآن. وهي تحتوي على بعض المقاربات المُهمّة التي ظهرت خلال الجلسة الأولى، والمساهمات التي أُرسِلت من الكنائس في الأشهر ما بين الجلسة الأولى والثانية، وما تمّ إنضاجه بفضل الحوار بقوّة الروح خلال الجلسة الثانية.
  3. تعبّر الوثيقة النهائيّة عن الوعي بأنّ الدعوة إلى الرسالة هي في الوقت نفسه دعوةٌ إلى اهتداء الكنائس المحليّة والكنيسة جمعاء على ما هو مقترح في الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل (انظر EG 30). أقسام النص هي خمسة. القسم الأول بعنوان “قلب السينودالية”، وهو يرسم خطوط الأسس اللاهوتية والروحيّة التي تغذّي ما سيأتي لاحقاً وتلقي الضوء عليه. وهو يعيد طرح مفهوم السينودالية المتفق عليه في الجلسة الأولى ويوسّع أبعاده الروحية والنبويّة. إنّ اهتداء المشاعر والصور والأفكار التي تسكن قلوبنا تسير بالتزامن مع اهتداء العمل الراعوي والرسولي. القسم الثاني هو تحت عنوان “في السفينة معاً”، وهو مكرّس لاهتداء العلاقات التي تبني الجماعة المسيحيّة وتُعطي شكلاً للرسالة في تشابك مع الدعوات والمواهب والخِدَم. الثالث هو بعنوان “إرموا الشباك”، وهو يبيّن ثلاث ممارسات مترابطة فيما بينها بشكل وثيق: التمييز الكنسي، وعمليات التقرير، وثقافة الشفافية، المحاسبة والتقييم. المطلوب أيضاً البدء برسم مسارات لتجديد الرسالة والهيئات والمنظمات التي تشارك فيها. القسم الرابع هو بعنوان “صيدٌ وفير”، وهو يرسم الخطوط لكيفية وإمكانية استثمار جديد لتبادل العطايا وتشابك الروابط التي توحّدنا في الكنيسة، في وقتٍ تتغير فيه خبرة التجذّر في مكان واحد بشكل عميق. يتبع قسم خامس عنوانه “أنا أيضاً أرسلكم” يسمح لنا بالنظر إلى مسارٍ إلزامي: الاهتمام بتنشئة الجميع في شعب الله على السينودالية الرسولية.
  4. القصص الإنجيلية حول القيامة هي التي قادت التوسّع في الوثيقة النهائية. الهرولة إلى القبر فجر القيامة، ظهور القائم من الموت في العليّة وعلى شاطئ البحيرة ألهمت تمييزَنا وغذّت حوارَنا. لقد رفعنا الدعاء لننال عطية الروح القدس الفصحيّة وطلبنا إليه أن يعلّمنا ما يجب أن نفعل ويرشدنا إلى الطريق الذي نأخذه معاً. بهذه الوثيقة تؤكّد الجمعيّة وتشهد على أنّ السينودالية، البعد المؤسّس للكنيسة، هي جزءٌ من خبرة الكثير ين من جماعاتنا. وهي تقترح طرقات جديدة للسير عليها، وممارسات يجب تحديثها، وآفاق يجب اكتشافها. الأب الأقدس الذي دعا الكنيسة إلى السينودوس، سيقول للكنائس وللأساقفة رعاتها، كيف يتابعون مسيرتنا، بدعم من الرجاء الذي “لا يخيب” (روما 5/5).

 

 

 

القسم الأول – قلب السينودالية

الروح القدس يدعونا إلى الاهتداء

وفي يوم الأحد جاءت مريم المجدلية إلى القبر عند الفجر، والظلام لم يزل مخيما، فرأت الحجر قد أزيل عن القبر. فأسرعت وجاءت إلى سمعان بطرس والتلميذ الآخر الذي أحبه يسوع (يوحنا 20/1-2).

  1. ثلاثة رسل كانوا هناك فجر القيامة: مريم المجدليّة، سمعان بطرس والتلميذ الذي كان يسوع يحبّه. كل واحد منهم كان يبحث عن الرب كيفما شاء، ولكلِّ واحدٍ منهم دورُه في إيقاظ الرجاء. مريم المجدلية قادها الحب لتكون الأولى في الوصول إلى القبر فنادت سمعان بطرس والتلميذ الذي كان يسوع يحبّه فهرعا إلى القبر. ركض التلميذ بقوّة الشباب، حاول أن يفهم ما حدث ولكنه أدرك أن عليه إفساح المجال لمن هو أكبر منه سناً، لمن ألقيت عليه مهمّة القيادة.. بطرس الذي كان يحمل على ضميره عبء نكرانه للرب كان ينتظر موعدٍه مع الرحمة التي سيصبح لها خادماً في الكنيسة. مريم ظلت في بستان الزيتون، سمعت أحداً يناديها باسمها، عرفت أنّه الرب وهو يدعوها لكي تعلن بشارة قيامته إلى جماعة التلاميذ. لذلك تعترف بها الكنيسة كرَسولة الرسل. إنّ ارتباط التلاميذ الثلاثة فيما بينهم يجسّد قلب السينودالية.
  2. وجدت الكنيسة لكي تشهد أمام العالم على الحدث الحاسم في التاريخ: قيامة الرب يسوع. القائم من الموت يحمل السلام للعالم ويهبُنا نعمة روحه القدوس. المسيح الحي هو ينبوع الحريّة الحقيقيّة، وأساس الرجاء الذي لا يخيب، والتجلّي الحقيقي لوجه الله والمصير النهائي للإنسان. تخبرنا الأناجيل أنّه من أجل الدخول في الإيمان الفصحي، ولكي نصبح شهوداً له، من الضروري أن نعترف بفراغنا الداخلي، وبظلمة الخوف، بالشك وبالخطيئة. ولكن الذين يتمتّعون بالشجاعة للخروج من الظلمة ويبدأون بالبحث، يكتشفون أن هنالك من يبحث عنهم، يدعوهم باسمهم، ويسامحهم ويرسلهم إلى الإخوة والأخوات.

الكنيسة شعب الله، سر الوحدة

  1. تنبثق هوية شعب الله من المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس. وهي تتحقّق كدعوةٍ إلى القداسة وكرسالة لدعوة كل الشعوب لتقبّل عطيّة الخلاص (راجع متى 28/18-19). وهكذا تولد الكنيسة السينودوسية الرسولية من المعمودية التي نلبس فيها المسيح (راجع غلاطية 3/27) ونولد من الروح القدس (راجع يوحنا 3/5-6) كأبناء لله. الحياة المسيحية بكلّيتها تجدُ ينبوعَها وأفقها في سر الثالوث الذي يحيي فينا دينامية الإيمان والرجاء والمحبّة.
  2. “انما ارتضى الله الاّ يقدّس البشر ويخلصهم أفرادًا خارجًا عن كل علاقة متبادلة بينهم، بل شاء أن يصنع منهم شعباً يعرفه بالحقّ ويخدمه بالقداسة” (LG 9). يتغذى شعب الله، في مسيرته نحو الملكوت، وباستمرار، من الافخارستيا التي هي ينبوع شركة ووحدة: ” فلما كان هناك خبز واحد، فنحن على كثرتنا جسد واحد، لأننا نشترك كلنا في هذا الخبز الواحد” (1 كور 10/17). الكنيسة التي تتغذى من جسد ودم الرب هي جسده (راجع LG 7): “أنتم جسد المسيح وكل واحد بحسب عمله هو أعضاء جسده” (1 كور 12/27). الكنيسة التي تحييها النعمة هي هيكل الروح القدس (راجع LG 17): في الحقيقة هو الذي يحييها ويبنيها جاعلاً منا حجارة حيّة لبناءٍ روحي[1].
  3. المسار المجمعي جعلنا نختبر “اللذة الروحية” (EG 268) لكوننا شعب الله المجتمع من كل قبيلة ولغة وشعب وأمّة، ويعيش في أطرٍ وثقافاتٍ مختلفة. هذا الشعب ليس مجرّد مجموع المعمّدين بل القضيّة الجماعية والتاريخية للسينودالية وللرسالة. إنّه، في هذا الزمن، ما زال حاجاً إنّما في شركة مع كنيسة السماء. في الأطر المختلفة التي تتجذّر فيها الكنائس، يعلن شعب الله البشرى السارة للخلاص ويشهد لها فهو في العالم ومن أجل العالم، يسير مع كل شعوب الأرض، ويحاور دياناتهم وحضاراتهم ويعترف بأنّ بذار الكلمة موجودة فيها، ويتقدّم نحو الملكوت. بانتمائنا إلى هذا الشعب بالإيمان والمعموديّة، تدعمنا وترافقنا العذراء مريم، “علامة العزاء والرجاء الأكيد” (LG 68)، وكذلك الرسل وأولئك الذين شهدوا لإيمانهم حتى الاىستشهاد والقديسين في كلّ زمان ومكان.
  4. لدى شعب الله الذي هو الكنيسة، تكون الشركة بين المؤمنين (communio fidelium) وهي في الوقت نفسه الشركة بين الكنائس (communio ecclesiarum) التي تظهر في الشركة بين الأساقفة (communio episcoporum) وذلك وفق المبدأ القديم الذي يعتبر أنّ “الكنيسة هي في الأسقف والأسقف هو في الكنيسة”[2]. في خدمة هذه الشركة المتعدّدة الأوجه وضع الرب الرسول بطرس وخلفاءه. وبحكم الخدمة البطرسية، أسقف روما هو “المبدأ والأساس الدائم والمنظور” (LG 23) لوحدة الكنيسة.
  5. ” للفقراء المكانٌة الفضلى في قلب الله ” (فرح الإنجيل، EG 197)، للمهمشين وللمنبوذين، ولهم أيضاً مكانٌ مفضلٌ في قلب الكنيسة. فيهم تلتقي الكنيسة بوجه المسيح الذي، على غناه، أخلى ذاته وصار فقيراً من أجلنا لكي نصير أغنياء بفقره (راجع 2 كور 8/9). إعطاء الأفضلية للفقراء هو ضمني في الإيمان الكريستولوجي. الفقراء يعرفون المسيح المتألّم (راجع فرح الإنجيل، EG 198) معرفة مباشرة تجعلهم مبشّرين بخلاصٍ، نالوه كموهبة، وشهوداً لفرح الإنجيل. الكنيسة مدعوة لتكون فقيرة بين الفقراء الذين يشكلون عادة النسبة الأكبر من المؤمنين، وهي مدعوة للإصغاء إليهم، ومعهم تتعرّف إلى النعم التي يتلقّونها من الروح القدس، وإلى اعتبارهم فاعلين في عمل البشارة.
  6. “المسيح هو نور الأمم” (LG 1) هذا النور يسطع على وجه الكنيسة حتى ولو كانت مطبوعةً بهشاشة الحالة البشريّة وظلمة الخطيئة. فهي تنال من المسيح عطيّة المسؤولية لكي تكون الخمير المؤثّر في الروابط و في العلاقات وفي أخوّة العائلة الإنسانيّة (راجع AG 2-4) لهذا إنّها تشهد في هذا العالم لمعنى المسيرة الإنسانية وهدفها (راجع GS 3; 42). إنّها تتحمل اليوم هذه المسؤولية في زمن تسيطر عليه أزمة المشاركة أي الإحساس بأنّنا جزء فاعل في المصير المشترك، ويسيطر عليه أيضاً المفهوم الفردي للسعادة وللخلاص . دعوة الكنيسة وخدمتها النبوية (LG 12) تقومان على الشهادة لمشروع الله الذي يريد أن يوحّد في ذاته الإنسانية جمعاء في الحرية والشركة. الكنيسة التي هي “ملكوت المسيح الحاضر بطريقة سريّة” (LG 3) والتي “جُعِلَت زرع هذا الملكوت وبدأه على الأرض” (LG 5)، تسير مع كل البشريّة واضعة كل طاقاتها في خدمة الكرامة البشريّة والخير العام والعدالة والسلام، وهي “تتوق إلى كمال الملكوت “(LG 5)، عندما يصير الله “الكل في الجميع” (1 كور 15/28).

الجذور الأسراريّة لشعب الله

  1. 21. قادتنا مسيرة الكنيسة السينودوسية لنكتشف من جديد أنّ تعدّدية الدعوات والمواهب والخِدَم لها جذر واحد: “إننا اعتمدنا جميعًا من روح واحد لنكون جسدا واحدا”. (1كور 12/13). المعموديّة هي أساس الحياة المسيحيّة لأنّها تُدخِل الجميع في عطية أكبر: نصير أبناء الله أي شركاء في علاقة المسيح مع الآب في الروح القدس. لا شيء أسمى من هذه الكرامة الموهوبة بالتساوي لكل شخص والتي تجعلنا نلبس المسيح وتجعلنا نتّصل به كما الأغصان بالكرمة. في تسمية “مسيحي” الذي لنا شرف حمله تكمن النعمة التي هي في أساس حياتنا والتي تدفعنا إلى السير معاً كإخوة وأخوات.
  2. بموجب المعموديّة “يشارك شعب الله المقدّس في مهمّة المسيح النبويّة، فينشر قبل كل شيء شهادته الحيّة بعيش إيمانه ومحبّته” (LG 12). وبفضل مسحة الروح القدس التي ننالها في المعمودية (راجع 1 يو 2/20 و27)كل المؤمنين يمتلكون حسّاً خاصّاً بحقيقة الإنجيل يسمّى حس الإيمان (sensus fidei). هذا الحس يقوم على الإلفة مع الحقائق الإلهية، وهي إلفة أساسها أنّ المعمدين في الروح القدس “يصبحون شركاء في الطبيعة الإلهية” (DV 2). تنبثق من هذه المشاركة القدرة على الفهم الحدسي لما هو مطابقٌ لحقيقة الوحي في الشركة مع الكنيسة. لذلك فالكنيسة هي متأكدة من أنّ شعب الله المقدس لا يمكنه أن يُخطىء في مسألة الإيمان حينما يعبّر المعمّدون جميعاً عن اتفاقهم الجامع حول الإيمان والأخلاق (راجع LG 12). إنّ ممارسة حس الإيمان (sensus fidei) تختلف كلياً عن الرأي العام فهي ترتبط بصورة دائمة بتمييز الرعاة لمختلف مستويات الحياة الكنسية، على ما أظهرت مراحل المسيرة المجمعيّة. يسعى حس الإيمان إلى بلوغ الإجماع لدى المؤمنين (consensus fidelium) فالإجماع يشكّل “معياراً آمناً لتحديد ما إذا كانت عقيدة ما أو ممارسة معيّنة تنتمي أو لا تنتمي إلى الإيمان الرسولي”[3].
  3. يشترك جميع المسيحيين بحس الإيمان (sensus fidei) من خلال المعمودية. لذلك فالمعمودية إلى جانب كونها أساس السينوداليّة فهي تشكل أيضا أساس العمل المسكوني. “المسيرة السينودوسية التي تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية هي مسكونية ويجب أن تكون كذلك، كما أن المسيرة المسكونية هي سيتودوسية”[4]. العمل المسكوني هو قبل كل شيء مسألة تجديد روحي وهو يتطلّب مسارات توبة وشفاء الذاكرة من جراحات الماضي، وصولاً إلى شجاعة في الإصلاح الأخوي بروح المحبّة الإنجيلية. لقد تردّد في الجمعيّة صدى شهادات مضيئة لمسيحيين هم من تقاليد كنسية مختلفة يتشاركون الصداقة والصلاة والحياة معاً والتزام خدمة الفقراء والاهتمام بالبيت المشترك. في أماكن مختلفة من العالم هنالك مسكونية الدم: مسيحيون هم من انتماءات مختلفة يبذلون حياتهم معاً في سبيل الإيمان بيسوع المسيح. شهادة استشهادهم هي أفصح تعبيراً من أيّة كلمة: الوحدة تأتي من صليب المسيح.
  4. لا يمكن فهم سر المعمودية فهماً تامّاً بعيداً من التنشئة المسيحيّة، أي الطريق الذي يقودنا إليه الرب بواسطة خدمة الكنيسة وموهبة الروح القدس، والذي يُدخلنا في الإيمان الفصحيّ وفي الشركة الثالوثية والكنسية. يتضمّن هذا الطريق أشكالاً مختلفة نظراً إلى العمر الذي ننال فيه المعمودية ووفق التقاليد المعتمدة في الكنيسة الشرقية أو الغربية أو كل كنيسة محليّة. ترتبط التنشئة بمروحة واسعة من الدعوات والخِدَم في الكنيسة، من خلالها يظهر الوجه الرحوم للكنيسة التي تعلّم أبناءها السير فيما هي تسير معهم وتُصغي إليهم، وبينما هي تجيب على شكوكهم وأسئلتهم تغتني من الجديد الذي يحمله كل شخص في ذاته ومن تاريخه وثقافته. تختبر الجماعة المسيحية في ممارستها لهذا العمل الراعوي، وغالبا من حيث لا تدري، الشكل الأول للسينودالية.
  5. في مسار التنشئة المسيحية يُغني سر التثبيت حياة المؤمنين بفيضٍ مميّزٍ من الروح القدس بغية الشهادة. إنّ الروح الذي كان يملأ يسوع (راجع لو 4/1)، والذي كرّسه بمسحته وأرسله ليعلن البشرى السارة (راجع لو 4/18) هو نفسه الذي يُفاض على المؤمنين علامة انتماء إلى الله ومسحة تقديس. لهذا إنّ التثبيت الذي يجعل نعمة العنصرة حاضرة في حياة المعمّد والجماعة هو هبة ذات قيمة عالية لتجديد عمل الكنيسة التي تحركها نار الرسالة فتكون لها الشجاعة كي تخرج إلى طرقات العالم ولها القدرة على أن تتحدث بلغةٍ تفهمها كلّ الشعوب وكل الحضارات. إنّ جميع المؤمنين مدعوّون للإسهام في هذه الانطلاقة وذلك بتقبّلهم المواهب التي يفيضها الروح على كل واحد منهم، وبالتزامهم وضعها في خدمة الملكوت بتواضعٍ وبروح المبادرة الخلاّقة.
  6. الاحتفال بالافخارستيا، خصوصاً يوم الأحد، هو الإطار الأول والأساس الذي يتلاقى فيه ويجتمع شعب الله. هذا الإحتفال يتضمّن معنى وحدة الكنيسة و يحقّقها ( UR 2). من خلال مشاركة جميع المؤمنين الكاملة والفاعلة ( SC 14)، وبحضور خِدَم مختلفة، ورئاسة الأسقف أو الكاهن، تصبح الجماعة المسيحية (الكنيسة) مرئيّة حيث تتحقّق مسؤولية الجميع المشتركة في حمل الرسالة. لهذا إنّ الكنيسة التي هي جسد المسيح تتعلم من الافخارستيا أن تُناغِم بين الوحدة والتعدّدية: وحدة الكنيسة وتعددية الجماعات الافخارستية، وحدة السر وتعددية التقاليد الليتورجية، ووحدة الاحتفال وتعددية الدعوات والمواهب والخِدم. لا شيء أفضل من الافخارستيا لإظهار أنّ التناغم الذي يخلقه الروح ليس توحيداً وأن غاية كل عطية كنسية هي للبناء المشترك. كلّ احتفالٍ بالافخارستيا هو تعبيرٌ عن الرغبة بالوحدة ودعوة جميع المعمدين إليها وهي وحدة ليست كاملة ولا مرئية حتى الآن. في الأماكن التي يستحيل فيها الاحتفال بالافخارستيا يوم الأحد، وحيث الجماعة تكون توّاقة إليه، لها أن تلتقي حول كلمة الله أنّى يكون المسيح حاضراً في كل الأحوال.
  7. يوجد رابط وثيق بين “الجماعة الافخارستية” (synaxis) و”المجمعيّة“. يتحقّق في كلتيهما، ولو بأشكال مختلفة، وعد يسوع بأن يكون حاضراً حيث يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه(راجع متى 18/20). الجمعيات السينودوسية يتمّ انعقادها للإحتفال باتحاد المسيح بكنيسته من خلال عمل الروح القدس. هذا الروح هو الذي يضمن وحدة جسد المسيح الكنسي في الجماعة الافخارستية كما في الجماعة السينودوسية. الليتورجيا هي إصغاء إلى كلمة الله وجواب على مبادرته الميثاقية. الجمعية السينودوسية هي أيضاً إصغاء إلى كلمة الله التي تتردّد في علامات الأزمنة كما في قلوب المؤمنين وهي جواب الجماعة التي تميّز إرادة الله لكي تطبّقها. إنّ التعمّق في الرابط ما بين الليتورجيا والسينودالية سيساعد كل الجماعات المسيحيّة على اختلاف ثقافاتها وتقاليدها كي تعتمد أساليب احتفالية تُظهر وجه كنيسة سينودوسية. إنّنا نطالب بتشكيل فريق دراسات متخصّص لهذه الغاية، تُسند إليه أيضاً مَهمَّة التفكير في كيفية جعل الاحتفالات الليتورجية أكثر تعبيراً عن السينودالية. و يمكنه كذلك أن يهتم لاحقاً بالوعظ في الاحتفالات الليتورجية وتطوير تعليم مسيحي حول السينودالية من منظور تعليم الأسرار.

معنى السينودالية وأبعادها

  1. إنّ تعبيري “سينودالية ” و “سينودوسي” يأتيان من ممارسة كنسية قديمة وثابتة على اللقاء في مجمع. إنّ كلمة مجمع ترجع، في تقاليد كنائس الشرق والغرب، إلى مؤسّسات وأحداث أخذت، عبر الزمن، أشكالاً مختلفة تتضمّنت مواضيع متعدّدة.. كل هذه الأشكال، على اختلافها، وحَّدَ بينها اللقاء معاً من أجل الحوار والتمييز والتقرير. تمّ التوصل إلى فهم هذه التعابير بشكل أفضل وعيشها على مدى أوسع بفضل الخبرة المُعاشة في السنوات الأخيرة. لقد ارتبطت هذه التعابير أكثر فأكثر برغبة الكنيسة في أن تكون أقرب إلى الناس وأكثر عقلانية، وفي أن تكون بيت الله وعائلته. خلال المسار السينودوسي تمَّ إنضاج التقارب حول معنى السينودالية التي تؤسّس لهذه الوثيقة: السينودالية هي سير المسيحيين معاً ومع المسيح نحو ملكوت الله، وموحّدين مع الإنسانية جمعاء. الرسالة هي وجهة السينودوسية لذلك فهي تتضمّن اللقاء معاً على مستويات الحياة الكنسية كافة: الإصغاء المتبادل والحوار والتمييز الجماعي والتوصّل إلى اتفاق يكون تعبيراً عن حضور المسيح الحي في الروح، واعتماد قرارٍ من ضمن مسؤولية مشتركة متمايزة. في هذا الخط، نفهم، بشكل أفضل، ما معنى أن تكون السينودالية بُعداً بُنيوياً للكنيسة (راجع CTI, n. 1). يمكننا القول، بتعابير بسيطة ومختصرة، السينودالية هي مسيرة تجدّد روحي وإصلاح بُنيوي لجعل الكنيسة أكثر تشاركيّة ورسوليّة؛ أي لجعلها أكثر قدرة على السير مع كل رجل وامرأة ناشرة أشعّة نور المسيح.
  2. إنّنا نرى في شخص مريم العذراء أم المسيح والكنيسة والبشرية ملامح كنيسة سينودوسية رسولية ورحومة تشعُّ بملء أنوارها. مريم هي في الحقيقة وجه الكنيسة التي تُصغي وتصلّي وتتأمّل وتحاور وترافق وتميّز وتقرّر وتتصرّف. نتعلّم منها فنّ الاصغاء والتنبّه إلى إرادة الله والطاعة لكلمته والمقدرة على أن نفهم حاجة الفقراء، والجرأة على الانطلاق في المسير والحب الذي يساعد، والتسبيح والتمجيد والابتهاج بالروح. لهذا أكّد البابا القديس بولس السادس أنّ “عمل الكنيسة في العالم هو امتدادٌ لتعاطف مريم” (MC 28)
  3. بكثير من الوضوح، تحدّد السينودالية ثلاثة وجوه متمايزة في حياة الكنيسة:

أ)       أولاً، الإشارة إلى “الأسلوب الخاص الذي يعرّف بحياة الكنيسة ورسالتها ويعبّر عن طبيعتها القائمة على السير معاً ولقاء شعب الله في جماعات. يدعو الرب يسوع، بقوّة الروح القدس، شعب الله كي يعلن البشرى السارّة. تعبّر السينودالية عن ذاتها بأسلوب حياة الكنيسة وعملها العاديَّين. يتحقّق أسلوب العيش وأسلوب العمل (modus vivendi et operandi) من خلال الإصغاء الجماعي للكلمة والاحتفال بالافخارستيا، ومن خلال الأخوّة في الشركة والمسؤولية المشتركة ومساهمة كل شعب الله، على كل مستوياته وعلى اختلاف خِدَمه وأدواره، في حياة الكنيسة ورسالتها” (CTI, n.70a).

ب)    ثانياً، تدل “السينودالية، من وجهة نظر لاهوتية وقانونية متخصّصة ومحدّدة، على تلك البُنى والمسارات الكنسية حيث تظهر طبيعة الكنيسة السينودوسية على المستوى المؤسّساتي وعلى مختلف مستويات تحقيقها: المحلي والإقليمي والعالمي. هذه البُنى والمسارات هي في خدمة التمييز الصادق للكنيسة المدعوة إلى تحديد الاتجاه الذي يجب اتّباعه في الاصغاء إلى الروح القدس” (CTI,n.70b).

ج)     ثالثاً، تشير السينودالية إلى أنّ “السلطة ذات الصلاحية هي التي تدعو الكنيسة إلى هذه الأحداث السينودوسية، بحسب ترتيبات خاصة تحددها الأنظمة الكنسية. تُشرِك فيها شعب الله، على كل المستويات وبرئاسة الأساقفة، في شركة مجمعيّة وهرميّة مع أسقف روما، وذلك من أجل التمييز في مسيرتها وفي بعض المسائل، ومن أجل اعتماد قرارات وتوجّهات للقيام برسالتها التبشيرية” (CTI,n.70c).

  1. في سياق السينودالية الكنسية لشعب الله، يعبّر مفهوم الشراكة عن الجوهر العميق لسر الكنيسة ورسالتها، وهو ينبع من الاحتفال بسر الأفخارستيا ويبلغ فيه ذروَته. إنّه الإتحاد مع الله الثالوث والوحدة بين البشر التي تتحقّق في المسيح بواسطة الروح القدس. على هذه الخلفية، تدل السينودالية شعب الله على طريقة محدّدة لحياة وعمل الكنيسة التي تظهر وتتحقّق على أرض الواقع كونها شركة في “السير معاً وفي اللقاء ضمن جماعة، وفي المشاركة النشِطة لكل أعضائها في رسالتها التبشيريّة”(CTI, n.6).
  2. ليست السينودالية غاية لذاتها، بل تهدف إلى الرسالة التي أوكلها يسوع المسيح إلى كنيسته في الروح القدس. البشارة هي “مَهمّة الكنيسة الأساسية […] هي النعمة والدعوة الخاصة للكنيسة وهويتها العميقة” (EN 14). كل الكنائس المحليّة والكنيسة جمعاء تجيب، واقعياً، على وصية الرب بإعلان الإنجيل إلى كل الأمم[5]، عندما تكون قريبة من الجميع، من دون التمييز بين الأشخاص، حينما تعظ وتعلّم وتعمّد وتحتفل بسرَّي الافخارستيا والمصالحة. السينودالية تُعطي قيمة لكل المواهب والخِدَم وتسمح لشعب الله أن يشهد للإنجيل ويعلن البشرى السارة للنساء والرجال، في كل مكان وكل زمان، فيصير “سراً منظوراً” (LG 9) للأخوّة والوحدة في المسيح التي يريدها الله. السينودالية والرسالة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً فالرسالة تضيء على السينودالية والسينودالية تدفع نحو الرسالة.
  3. سلطة الرعاة “هي عطيّة خاصّة من روح المسيح الرأس، من أجل بناء كامل جسده” (CTI, n.67). هذه العطيّة مرتبطة بسر الرسامة على صورة المسيح الرأس، الراعي والخادم. إنّها تضع الذين يقبلونها في خدمة شعب الله المقدّس لكي يحرِصوا على رسولية البشارة ويحفّزوا الشركة الكنسية على كل المستويات. تقدِّم السينودالية “الإطار التفسيري الأكثر ملاءمة لفهم سرّ التراتبية بحدّ ذاته”[6]، وتضع في المسار الصحيح المَهمَّة التي يوكلها المسيح في الروح القدس إلى الرعاة. هذه المَهمَّة تدعو كل الكنيسة، بما فيهم من يمارسون سلطة، إلى الاهتداء وإلى الإصلاح.

الوحدة كتناغم

  1. “يحقّق الإنسان ذاته، من حيث طبيعته الروحية، في العلاقات التفاعلية بين الأشخاص. بقدر ما يعيشها بطريقة أصيلة بقدر ما يُنضج هويته الشخصية. لا يحقق الإنسان ذاته في الانعزال بل في الانفتاح على العلاقة مع الآخرين ومع الله. أهمية علاقات كهذه تُصبح إذا أساسيّة”( CV 53). تتميّز الكنيسة السينودوسية بكونها مجالاً تستطيع فيه العلاقات أن تزهر بفضل الحب المتبادل الذي يشكّل الوصية الجديدة التي تركها يسوع لتلاميذه (راجع يوحنا 13/34-35). في وسط ثقافة ومجتمع أكثر فأكثر فرديّة، الكنيسة “شعبًا موحدًا في وحدة الآب والابن والروح القدس” (LG 4)، تستطيع أن تؤدّي شهادة لقوة العلاقات المؤسّسة على الثالوث. إنّ الاختلاف في الدعوة لجهة العمر والجنس والمهنة والانتماء والوضع الاجتماعي، الموجود في كل جماعة مسيحية يوفّر، لكل واحد، فرصة اللقاء مع الآخر الذي لا يُستغنى عنه في مسيرة النضج الشخصية.
  2. في المقام الأوّل، وفي قلب العائلة التي نستطيع مع المجمع تسميتها “الكنيسة المنزلية” (LG 11)، يُعاش غنى العلاقات بين أشخاص متّحدين على اختلاف طبعهم وجنسهم وعمرهم ودورهم. لذلك تشكّل العائلات مكاناً مفضّلاً لتعلّم واختبار الممارسات الجوهريّة لكنيسة سينودوسية. بالرغم من الانكسارات والجراحات والآلام التي تختبرها العائلات، تبقى أمكنة نتعلم فيها تبادل عطية الحب والثقة، والمسامحة والمصالحة والتفهّم. نتعلّم في العائلة أن لنا الكرامة نفسها وأننا خُلقنا من أجل التعامل مع الآخرين، وأننا نحتاج إلى من يصغي إلينا، وأننا قادرون على الإصغاء، والتمييز والتقرير معاً، وعلى قبول السلطة وممارستها بروح المحبة، وعلى المشاركة في المسؤولية وتأدية الحساب عن أعمالنا. “العائلة تؤنسن الأشخاص من خلال علاقة الـ”نحن” وفي نفس الوقت تدعم الاختلافات المشروعة لكل فرد”[7].
  3. أوضح المسار السينودوسي أنّ الروح القدس يضع، باستمرار، في شعب الله باقةً كبيرةً من المواهب والخِدم. “ان في العمل الخاص ببناء جسد المسيح تنوّعاً في الأعضاء والوظائف. ان الروح الذي يوزع مواهبه المختلفة لخير الكنيسة وفقًا لغناه ومقتضيات الخِدم، هو واحد (راجع 1 كو 12/1-11)” (LG 7). برز أيضاً التوق إلى توسيع إمكانات المشاركة وعيش المسؤولية المشتركة لدى جميع المعمّدين، رجالاً ونساءً. في هذا الصدد تم التعبير عن الحزن الذي سببه عدم مشاركة الكثيرين من شعب الله في مسيرة التجديد الكنسية هذه، وعن التعب الناتج عن صعوبة العيش تماماً في علاقات صحيحة بين رجال ونساء، بين الأجيال المختلفة وبين أشخاص ومجموعات هم من ثقافات وأوضاع اجتماعية مختلفة، بنوع خاص الفقراء والمنبوذين.
  4. من ناحية أخرى، وضع السينودوس في الواجهة الإرث الروحي للكنائس المحليّة التي فيها ومنها تتكوّن الكنيسة الكاثوليكية، كما وضرورة إبراز خبراتها. وبفضل هذه الكثلكة، “يحمل كل جزء للآخرين عطاياه الخاصة، بطريقة أنّ الكلّ والأجزاء منفردة تنمو بمقايضة شاملة متبادلة وبجهد مشترك نحو الكمال في الوحدة” (LG 13). الخدمة العائدة لخليفة بطرس “تضمن التنوع المشروع وتسهر على الاّ تلحق الخصوصيات الضرر بالوحدة، بل بالعكس، أن تكون مفيدة لها” (المرجع نفسه، انظر (AG 22.
  5. الكنيسة جمعاء كانت دائماً تعدّدية شعوب ولغات، كنائس ذات طقوس خاصّة، وأنظمة وإرث لاهوتي وروحي ودعوات ومواهب وخِدَم في سبيل المصلحة المشتركة. من يحقّق وحدة هذا التنوع هو المسيح حجر الزاوية والروح القدس سيّد الإنسجام. هذه الوحدة في التنوّع تدل عليها بوضوح كاثوليكية الكنيسة. إنّ تعدّدية الكنائس ذات الحق الخاص، التي أظهر السينودوس غناها، هي علامة لكون الكنيسة كاثوليكية. الجمعيّة تطلب متابعة طريق اللقاء والتفهّم المتبادل وتبادل العطايا التي تغذّي الشركة في كنيسة الكنائس.
  6. يعزّز التجديد السينودوسي قيمة الأطر التي تتحقق فيها دعوة الله الشاملة للانتماء إلى شعبه، وإلى ملكوت الله الذي هو “عدالة وسلام وفرح في الروح القدس” (روما 14/17). وهكذا تكون ثقافات مختلفة قادرة على فهم الوحدة التي هي في أساس تعدّديتها فتنفتح على إمكانية تبادل العطايا. “وحدة الكنيسة ليست هي التوحيد، بل هي التكامل العضوي بين التنوّعات المشروعة “(NMI 46). تعدّدية تعابير البشرى الخلاصيّة تمنعنا من اختصارها في مفهوم واحد لحياة الكنيسة وفي الأشكال اللاهوتية والليتورجية والراعوية والتنظيميّة التي تعبّر عنها.
  7. تعزيز الأطر الثقافية والتعدّدية والعلاقات فيما بينها هو مفتاح للنمو ككنيسة سينودوسية رسولية وللسير، بدفع من الروح القدس، نحو وحدة المسيحيين المرئيّة. إنّنا نؤكّد مجدّداً إلتزام الكنيسة الكاثوليكية بمتابعة المسيرة المسكونية وتوسيع نطاقها مع مسيحيّين آخرين، بقوّة معموديتنا المشتركة واسجابة لدعوة العيش معاً، في الشركة والوحدة بين تلاميذ المسيح الذين صلّى لأجلهم في العشاء الأخير (راجع GV 17,20-26). تحيّي الجمعية بفرح وامتنان التقدم في العلاقات المسكونية الذي حصل في الستين سنة الأخيرة، وملفات الحوار والتصريحات التي تعبّر عن الإيمان المشترك. لقد أغنت مشاركة الممثلين الإخوة جلسات جمعيتنا، وإنّنا ننظر برجاء إلى الخطوات القادمة للمسيرة نحو الشركة الكاملة بتجسيد ثمار المسيرة المسكونية في الممارسات الكنسية.
  8. في كل بقعة من بقاع الأرض، يعيش المسيحيون جنباً إلى جنب مع أشخاص غير معمّدين وهم يخدمون الله بممارستهم لدين مختلف. من أجلهم نصلي بطريقة رسمية في ليتورجية الجمعة العظيمة، ومعهم نتعاون ونجهد لبناء عالم أفضل ومعهم نتضرّع إلى الله أن يحرّر العالم من الشرور التي تصيبه. الحوار واللقاء وتبادل العطايا تميّز كنيسة سينودوسية مدعوة للانفتاح على العلاقات مع تقاليد دينية أخرى بهدف “إرساء علاقات صداقة وسلام وتناغم وانسجام ومشاركة قيم وخبرات أخلاقية وروحية، بروح من الصدق والحب”[8]. في بعض المناطق، المسيحيون الذين يلتزمون بناء علاقات أخويّة مع أشخاص هم من ديانات أخرى يتعرّضون للاضطهاد. تشجّعهم الجمعية على المثابرة في التزامهم برجاء.
  9. تعدّدية الأديان والثقافات، وكثرة التقاليد الروحية واللاهوتية، وتنوّع عطايا الروح والمهام ضمن الجماعة، كما اختلاف الأعمار والجنس والانتماءات الاجتماعية داخل الكنيسة، هي دعوة إلى كل شخص لكي يعترف بانحيازه ويستوعبه، ويتخلّى عن أي ادعاء بأن يكون في الواجهة فينفتح على تقبّل وجهات نظر أخرى. كل انسان هو مساهم مميز، ولا يُستغنى عن مساهمته، لإكمال العمل المشترك. يمكن وصف الكنيسة السينودوسية باعتماد مشهد الفرقة الموسيقية: اختلاف الآلات ضروري لإضفاء حياة وجمال على تناغم الموسيقى مع إحتفاظ كل آلة بنغمتها الخاصة، وذلك في خدمة المعزوفة المشتركة. إنّه التناغم نفسه الذي يحقّقه الروح في الكنيسة[9].

الروحانية السينودوسية

  1. السينودالية هي، قبل كلّ شيء، إستعداد روحي يتغلغل في حياة المعمّدين اليومية وفي كل أوجه رسالة الكنيسة. تنبثق الروحانية السينودوسية من عمل الروح القدس وتتطلّب الإصغاء إلى كلمة الله والتأمّل والصمت واهتداء القلب. هذا ما أكّده البابا فرنسيس في افتتاحية الجلسة الثانية: “إنّ الروح القدس دليلٌ آمن، مهمتنا الأولى هي أن نتعلّم تمييز صوته لأنّه يتكلّم في الجميع وفي كل شيء”[10]. تتطلّب الروحانية السينودوسية أيضاً التقشّف والتواضع والصبر والاىستعداد للمسامحة وطلبها. وهي تتقبّل، بعرفان للجميل وتو اضع، مختلف العطايا والمهمات التي يوزّعها الروح القدس لخدمة الرب الواحد (راجع 1 كور 12/4-5). إنّها تقوم بذلك من دون طموحات ولا حسد، ومن دون الرغبة في السيطرة والتحكّم، وهي تزرع نفس أحاسيس المسيح يسوع الذي ” تجرد من ذاته متخذًا صورة العبد” (فيلبي 2/7). نتعرّف إلى ثمرتها عندما تصبح حياة الكنيسة اليومية مطبوعة بالوحدة والإنسجام في التعدّدية. لا أحد يستطيع أن ينطلق وحيداً على طريق روحانية حقيقية. إنّنا في حاجة، أفراداً وجماعات، إلى مرافقة ودعم، وإلى التنشئة والإرشاد الروحي.
  2. يتعذّر تجديد الجماعة المسيحية إلّا من خلال الاعتراف بأولوية النعمة. إذا فُقد العمق الروحي الشخصي والجماعي تتحول السينودالية إلى ترابط تنظيمي. نحن مدعوون ليس فقط إلى تحويل ثمار الخبرة الروحية الشخصية إلى مسارات جماعية، بل، أعمق من ذلك، إلى أن نختبر كيف أنّ تطبيق الوصية الجديدة للحب المتبادل هو مكان وشكل للّقاء مع الله. بهذا المعنى، الرؤية السينودوسية، وهي تستقي من غنى الإرث الروحي للمعتقدات التقليدية، تسهم في تجديد أشكاله: صلاة منفتحة على المشاركة وتمييز يجري اختباره معاً، وطاقة رسولية تولد من اقتسامها وتشع كخدمة.
  3. النقاش، بقوّة الروح القدس، حتى ولو كان موضوعه محدّداً، هو وسيلة مجدية لتسهيل إصغاء حقيقي ولتمييز ” ما يقوله الروح للكنائس” (رؤيا 2/7). أثارت ممارسته الفرحاوالاندهاش وعرفان الجميل، وقد تمّ عيشه كمسارٍ للتجديد يغيّر في الأشخاص والمجموعات والكنيسة. إنّ كلمة “نقاش” تعبّر عمّا هو أبعد من الحوار البسيط: إنّها تربط، بطريقة متناغمة، الفكر والإحساس وتولّد عالماً تشاركياً مليئاً بالحياة. لهذا يمكن القول بأن الإهتداء هو هدف النقاش.. النقاش هي مُعطى أنتروبولوجي متواجد لدى شعوب وثقافات مختلفة تعوّدت على التجمّع التعاضدي لمناقشة وتقرير مسائل حيوية خاصّة بالجماعة. النعمة تقود حتى النهاية هذه الخبرة الإنسانية: يعني النقاش “بقوّة الروح” العيش في خبرة اقتسام لنور الإيمان والبحث عن إرادة الله في جوّ إنجيلي حقيقي حيث يستطيع الروح القدس إسماع صوته الواضح.
  4. في كل مرحلة من مراحل المسار السينودوسي يتردّد صدى الحاجة إلى الشفاء والمصالحة واستعادة الثقة في داخل الكنيسة والمجتمع خصوصاً على أثر الفضائح الكثيرة المرتبطة بمختلف الإساءات والتعديات. الكنيسة مدعوة إلى أن تضع في جوهر حياتها وعملها أنّنا، في المسيح وبواسطة المعمودية، جميعاً في عهدة بعضنا البعض. إنّ الاعتراف بهذه الحقيقة العميقة يتحوّل إلى واجب مقدّس يجعلنا قادرين على الاعتراف بالأخطاء وإعادة بناء الثقة. السير في هذا الطريق هو فعل عدالة والتزام رسولي لشعب الله في عالمنا وعطية يجب أن نطلبها من عليائه. إنّ الرغبة في متابعة السير على هذا الطريق هو ثمرة التجديد السينودوسي.

السينودالية كنبوءة اجتماعيّة

  1. يستطيع النمط السينودوسي أن يجعل الكنيسة صوتاً نبوياً في عالم اليوم إذا تمّت ممارسته بتواضع. “الكنيسة السينودوسية هي علم مرفوعٌ بين الأمم (راجع أشعيا 11/12)”[11]. إنّنا نعيش في عصرٍ مطبوعٍ بلامساواة متعاظمة بصورة دائمة وخيبة أمل متنامية إزاء أشكال الحكم التقليدية، خيبة أمل من سوء سير الديمقراطية ومن نزعات سلطوية ودكتاتورية متصاعدة ومن سيطرة نموذج السوق من دون احترام هشاشة الأشخاص والخليقة، ومن محاولة حل النزاعات بالقوة وليس بالحوار. إنّ ممارسات صادقة للسينودوسية تسمح للمسيحيين بتطوير ثقافة قادرة على أن تكون نبوءة نقدية في وجه الفكر المسيطر، وعلى أن تقدم كذلك مساهمة مهمة في البحث عن أجوبة للتحديات التي تواجهها المجتمعات الحديثة، كما في بناء الخير العام.
  2. الطريقة السينودوسية في عيش العلاقات هي شهادة مجتمعية تستجيب لحاجة إنسانية عميقة إلى الاصغاء والشعور بالانتماء إلى جماعة معيّنة. هي تحدٍّ لتكاثر عزلة الأشخاص والفردية الثقافية التي، حتى الكنيسة، كثيراً ما وقعت فيها.. هذا التحدّي يدعونا إلى الاهتمام المتبادل، إلى التفاعلية وإلى المسؤولية المشتركة من أجل الخير العام. كذلك، هذه الطريقة السينودوسية تتضع موضع التساؤل الطائفية الاجتماعية المتطرّفة التي تخنق الأشخاص ولا تسمح لهم بأن يكونوا أسياد تنميتهم. التأهب للإصغاء إلى الجميع، بنوع خاص الفقراء، يناقض بشكل واضح عالماً تتركّز فيه السلطة وتتمركز وتضع خارجاً الفقراء والمهمشين والأقليات والأرض، بيتنا المشترك. السينودالية والاهتمام الشامل بالبيئة يعتمدان كلاهما منظور العلاقات ويشددان على ضرورة الاهتمام بالروابط: لذلك إنّهما يتوافقان ويتكاملان في نمط الحياة لرسالة الكنيسة في العالم المعاصر.

 

 

 

القسم الثاني – على السفينة معاً

الإهتداء في مجال العلاقات

كان قد اجتمع سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم ونتنائيل وهو من قانا الجليل وابنا زبدى وآخران من تلاميذه. فقال لهم سمعان بطرس: ” أنا ذاهب للصيد”. فقالوا له: ” ونحن نذهب معك”. فخرجوا وركبوا السفينة، ولكنهم لم يصيبوا في تلك الليلة شيئا.(يوحنا 21/2-3).

  1. بدأ كل شيء على بحيرة طبريا. بطرس وإندراوس ويعقوب ويوحنا كانوا قد تركوا السفينة والشباك لكي يتبعوا يسوع. بعد الفصح، فكانت إنطلاقة جديدة من هذه البحيرة. في الليل، على الشاطئ يتردّد صدى حوار: “أنا ذاهب إلى الصيد”. “نحن أيضاً نذهب معك”. كذلك، المسيرة السينودوسية هكذا بدأت: سمعنا دعوة خليفة بطرس وقبلناها. بدأنا المسيرة معه وخلفه. معاً صلّينا وفكّرنا، كافحنا وتحاورنا. ولكنّنا، بخاصّة،إختبرنا أن العلاقات هي التي تفعّل حيوية الكنيسة، باعثة الروح في بُناها. إنّ كنيسة سينودوسية رسولية تحتاج إلى تجديد البنى والعلاقات.

علاقات جديدة

  1. طوال مسيرة المجمع، وبجميع خطوطها، برزت المطالبة بكنيسة قادرة على تغذية العلاقات بصورة أفضل: مع الرب، وبين الرجال والنساء، في العائلات وفي الجماعات، بين المسيحيين، وبين المكوّنات المجتمعية والأديان والبشرية. كثيرون أبدوا اندهاشهم من تلقّيهم الدعوة وفرحهم بإمكانية إسماع صوتهم ضمن الجماعة. والبعض عبّروا عن ألمهم لشعورهم بالإبعاد أو بالحكم عليهم بسبب أوضاعهم الزوجية، أو هويتهم أو ميولهم الجنسية. الرغبة في علاقات أكثر صدقاً وذات معنى لا تعبّر فقط عن التوق للانتماء إلى مجموعة متماسكة بل تعود إلى وعي إيماني عميق: الصفة الإنجيلية للعلاقات الجماعيّة هي حاسمة للشهادة التي يجب على شعب الله أن يؤدّيها في التاريخ. ” إذا أحب بعضكم بعضا عرف الناس جميعا أنكم تلاميذي” (يوحنا 13/35). العلاقات المتجدّدة بفعل النعمة وإيواء الضعفاء، بحسب تعليم يسوع، هي العلامة الأبلغ تعبيراً لعمل الروح القدس في جماعة الرسل. الاهتداء العلائقي الحقيقي هو أمر ضروري لبناء كنيسة سينودوسية. علينا أن نتعلّم، مجدّداً، من الإنجيل أنّ الاهتمام بالعلاقات ليس استراتيجية أو أداة من أجل فاعلية تنظيمية أكبر، بل هي الطريقة التي من خلالها أظهر الله الآب ذاته بيسوع المسيح وفي الروح. حينما تُظهر علاقاتنا، رغم هشاشتها، نعمة المسيح وحبّ الآب وشركة الروح القدس، نكون قد أعلنّا إيماننا بالله الثالوث من خلال حياتنا.
  2. بينما نتعلّم كيف نجعل مواقف المسيح مواقفنا، علينا أن نوجّه أنظارنا صوب الأناجيل لكي نرسم خارطة الاهتداء المطلوبة منّا. تقدّمه الأناجيل لنا “في إصغاء دائم إلى الأشخاص الذين يلتقون به على طرقات الأرض المقدّسة”( DTC 11). يسوع لم يصرف أحداً من دون أن يتوقّف ويصغي إليه ويدخل معه في حوار سواء كان من الرجال أو النساء، من اليهود الممارسين لدينهم أو من الوثنيين، من علماء الشريعة أو من العشّارين، من الصالحين أو الخطأة، من الشحّاذين والعميان والمصابين بالبرص أو من المرضى.. لقد كشف وجه الآب بملاقاته كل شخص، مع تاريخه وحريته. ومن إصغائه التام إلى حاجات ومعتقدات الأشخاص الذين إلتقاهم كانت تنبع الكلمات والإشارات التي تجدّد حياتهم وتفتح الطريق لعلاقات أعيد بناؤها. لقد عرّف يسوع عن نفسه بأنّه المسيح الذي ” إذ جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون ” (مرقس 7/37). يطلب إلينا نحن تلاميذه أن نتصرف بنفس الطريقة ويعطينا بنعمة الروح القدس، المقدرة على القيام بذلك جاعلين قلبنا مثل قلبه: وحده “القلب يجعل أي رباط صادق أمراً ممكناً، لأن العلاقة التي لا تُبنى بواسطة القلب لا تستطيع أن تتخطى التشرذم الناتج عن الفرديّة”(DN 17). حينما نُصغي إلى الإخوة والأخوات نكون قد شاركنا في الموقف الذي به يأتي الله، في يسوع المسيح، إلى ملاقاة كل شخص.
  3. الحاجة إلى الاهتداء عبر العلاقات تتعلق، بدون لبس، بتلك القائمة بين الرجال والنساء. تندرج الدينامية العلائقية في وجودنا كبشر. يشكّل الاختلاف الجنسي أساس العلاقات الإنسانية. ” خلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم”. (تكوين 1/27). هذا الإختلاف الأصلي، في مشروع الله، لا يتضمن اللامساواة بين الرجل والمرأة. تعاد في الخلق الجديد قراءة هذا الفرق في ضوء كرامة المعمودية: ” فإنكم جميعا، وقد اعتمدتم في المسيح، قد لبستم المسيح: فليس هناك يهودي ولا يوناني، وليس هناك عبد أو حر، وليس هناك ذكر وأنثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع ” (غلاطية 3/27-28). نحن مدعوون كمسيحيين إلى تقبّل هذا الفرق واحترامه فهو عطية من الله وينبوع حياة، ضمن الأطر المختلفة والطرق المتعدّدة التي تتجسّد فيها. نشهد للإنجيل حينما نحاول أن نعيش علاقات تحترم المساواة في الكرامة والتعامل بالمثل بين الرجال والنساء. تعابير العذاب والألم المتكرّرة التي أطلقتها خلال المسيرة السينودوسية نساء من كل المناطق والقارات، علمانيات ومكرّسات، تكشف إلى أيّ حدّ كثيراً ما نفشل في تحقيقه.

في تعدّدية السياقات

  1. الدعوة إلى تجديد العلاقات في الرب يسوع تتردّد في مختلف السياقات حيث يعيش تلاميذه ويحقّقون رسالة الكنيسة. كلٌ من هذه السياقات يحتوي على غنى يجب الحفاظ عليه، وهو مرتبط بتعدّدية الثقافات. ولكن، بالرغم من اختلاف طرائقها، جميعها يحمل علامات منطق علائقي زائف ومناقض للإنجيل. الإنغلاق في العلاقات عبر التاريخ تقوّى حتى تحوّل إلى خطيئة (راجع SRS 36) أثرت على طريقة الأشخاص في التفكير والتصرّف. لقد ولّدت، بصورة خاصّة، تجميداً في العلاقات  ومخاوف نحتاج إلى مواجهتها وتجاوزها لكي نتابع السير على طريق الاهتداء العلائقي.
  2. بهذه الدينامية تتجذّر الشرور التي يبتلي بها عالمنا بدءاً بالحروب والنزاعات المسلّحة والتوهّم بأنّ سلاماً عادلاً يمكن تحقيقه بقوّة السلاح.. كلّ شيء زائل هو الإعتقاد الذي، بناء عليه، كلّ الخليقة، من ضمنها الأشخاص، يمكن أن تكون موضوع إستغلال لغايات نفعية. تنشأ داخل الجماعة المسيحية عدّة حواجز مختلفة تميّز بين الأشخاص وتحدّ من إمكانيات البعض مقارنّة بالإمكانات التي ينعم بها البعض الآخر: عدم المساواة بين الرجل والمرأة، العنصريةوالانقسام إلى طبقات، التمييز ضد الأشخاص ذوي الحاجات الخاصّة وانتهاك حقوق الأقليات أنواعها كافة، وعدم الاستعداد لاستقبال المهاجرين. حتى العلاقة مع الأرض، أختنا وأمنا (راجع LS 1)، تحمل علامات الإنقسام الذي يعرّض للخطر حياة العديد من الجماعات، خصوصاً في المناطق الأكثر فقراً، حتى حياة شعوب بكاملها إن لم يكن حياة الإنسانية جمعاء. الانغلاق الجذري والأكثر درامية هو الذي يمارَس ضدّ الحياة الإنسانية نفسها، إجهاض الأجنّة وعدم الاهتمام بكبار السن.
  3. الكثير من الشرور التي يبتلي بها عالمنا تُصيب الكنيسة أيضاً. المصائب الناتجة عن الإستغلال، على أنواعها ومآسيها، تركت ندوبات لا توصف وكثيراً ما تكون دائمة على الضحايا وعلى الأحياء وعلى جماعاتهم أيضاً. يجب على الكنيسة أن تصغي بانتباه وإحساس لصرخات ضحايا وأحياء الإستغلال الجنسي والروحي والإقتصادي وداخل المؤسسات، بفعل من إكليريكيين أو قائمين بمهمات كنسية. الإصغاء الحقيقي هو عنصر أساس للتقدم نحو الشفاء والتوبة والعدالة والمصالحة. في حقبة تعاني من أزمة ثقة عالمية وتشجع الأشخاص على العيش في الّلاثقة والشك، على الكنيسة أن تعترف بتقصيرها وأن تطلب السماح بتواضع، وتهتم بالضحايا، وتتسلح بوسائل حماية، وتبذل جهداً في إعادة بناء الثقة المتبادلة في الرب.
  4. يعزّز الإصغاء إلى من يعاني الاقصاء والتهميش وعي الكنيسة التي من رسالتها أن تحمل تبعة هذه العلاقات المجروحة لكي يشفيها المسيح الحي. وهكذا فقط تستطيع أن تكون “السر أي العلامة والأداة معاً للوحدة الوثيقة في الله ولوحدة الجنس البشري ” (LG 1). في الوقت نفسه، الانفتاح على العالم يتيح لنا أن نكتشف بأن الروح القدس رمى بذار الانجيل في كل بقع الكوكب وزواياه وفي كلّ ثقافة وفي كلّ مجموعة بشرية. هذه البذار تثمر في المقدرة على عيش علاقات سليمة، وعلى بلورة الثقة المتبادلة والتسامح، والتغلب على الخوف من المختلف وإحياء جماعات مضيافة، وعلى تحفيز اقتصاد يهتمّ بالأشخاص وبالكوكب، وعلى المصالحة بعد النزاع. يترك لنا التاريخ إرثاً من الصراعات التي منها صراعات تسبّب بها الإنتماء الديني فقوّضت صدقية الأديان نفسها. إنّ فضيحة الانقسام داخل الكنائس المسيحية، وبين إخوة وأخوات متآلفين نالوا المعموديّة نفسها، هي مصدر آلام . إنّ تجربة متجدّدة للاندفاعة المسكونية التي ترافق المسيرة السينودوسية وتشكّل علامات الإهتداء من خلال العلاقات، تفتح طريق الرجاء.

مواهب، دعوات وخِدم من أجل الرسالة

  1. المسيحيون، أفراداً وجماعات، مدعوون إلى تثمير العطايا التي يمنحهم إيّاها الروح في سبيل الشهادة للإنجيل وللبشارة. “المواهب متنوّعة أما الروح فواحد. الخِدم مختلفة أما الرب فواحد. الأعمال متنوّعة ولكن هو الله الواحد الذي يتدخّل في كلّ شيء ولدى الجميع. كل واحد يلقى من الروح تعبيراًخاصاً في سبيل الخير العام” (1 كور 12/4-7). ضمن الجماعة المسيحية جميع المعمّدين هم أغنياء بالمواهب التي يقتسمونها كلّ وفق دعوته ونمط عيشه. الدعوات الكنسية المختلفة هي في الواقع تعابير مختلفة تنطق بالدعوة العمادية الواحدة إلى القداسة والرسالة. إنّ تعدّدية المواهب النابعة من حرية الروح القدس تصبّ في وحدة الكنيسة جسد المسيح (راجع LG 32) وفي الرسالة في مختلف الأماكن والثقافات (راجع LG 12). هذه العطايا ليست ملكاً حصريًا للذين ينالونها ويمارسونها وليست سببًا للمطالبة بها لأنفسهم أو لجماعاتهم فهم مدعوون للمساهمة في حياة الجماعة المسيحية، بما في ذلك رعوية الدعوات، بهدف تطوير المجتمع في كل أبعاده.
  2. يلبّي كل معمّد متطلبات الرسالة ضمن السياقات التي يعيش ويعمل فيها انطلاقاً من قدراته وميوله. ويُظهِر بذلك حرية الروح القدس في توزيع مواهبه. بفضل من دينامية الروح إنّ شعب الله، مصغياً إلى الواقع الذي يعيش فيه، يتمكّن من اكتشاف مجالات جديدة للعمل و أشكالاً جديدة لإ تمام رسالته الخاصة. مواهب الروح القدس تدعم المسيحيين الذين يسيرون في طرقات هذا العالم مبشّرين بالإنجيل في أوساطهم حيث يقيمون، وذلك وفق عناوينهم المختلفة – في عائلاتهم وفي حالات معيشية أخرى، وفي أمكنة عملهم ووظائفهم، في التزاماتهم السياسية الإجتماعية والبيئية، وفي تنمية ثقافتهم المستمدّة من الإنجيل كما في أنجلة الثقافة الرقمية-
  3. يطلب المسيحيون إلى الكنيسة ألاّ تتركهم وحدهم، لأنهم يريدون أن تشعرهم بأنّهم مرسلون مدعومون. يطلبون أن يتغذوا من خبز الكلمة والافخارستيا إلى جانب الروابط الأخوية الخاصّة بالجماعة. يطلبون الاعتراف بعملهم على أنّه عملٌ كنسي بقوة الإنجيل وليس عملاً ذاتيّاً. يطلبون إلى الجماعة أن ترافق الذين، من خلال شهادتهم، استهوتهم البشرى السارة. في كنيسة سينودوسية رسولية، تصبح الجماعات تحت قيادة رعاتها، قادرة على بعث أشخاص مرسلين وعلى دعم الذين قد أرسلتهم. فيضعوا أنفسهم في خدمة الرسالة التي يؤدّيها المؤمنون في المجتمع وفي الحياة العائلية والوظيفية بدون التركيز حصرياً على الأنشطة التي تقام في محيطهم وعلى حاجاتهم التنظيمية..
  4. بنعمة سرّ المعموديّة يتمتّع الرجال والنساء، في شعب الله، بكرامة متساوية. ولكن تستمر النساء بمواجهة عقبات من أجل حصولهنّ على اعتراف كامل بمواهبهن وبدعوتهن وبمركزهن في سائر دوائر الحياة الكنسية، وهذا ما يسبب ضرراً لخدمة الرسالة المشتركة. يشهد الكتاب المقدّس على أدوار مهمة قامت بها النساء في تاريخ الخلاص. كانت مريم المجدلية أولى المبشرات بالقيامة، وكانت مريم أم يسوع حاضرة في العلّية يوم العنصرة إلى جانب نساء كثيرات كنّ قد تبعن يسوع. من المهم أن تأخذ النصوص الإنجيلية المتعلّقة بالنساء مكانها المناسب في الكتابات الليتورجيّة. ثمّة مراحل مفصلية في تاريخ الكنيسة تؤكّد مساهمات أساسيّة لنساء حرّكهن الروح القدس. غالبية المؤمنين الذين يتردّدون إلى الكنيسة نساء وهنّ أولى من يشهدن للإيمان في العائلات. هنّ فاعلات في الجماعات المسيحية الصغيرة وفي الرعايا. يتولّين إدارة مدارس ومستشفيات ودور رعاية، وهنّ في أساس المبادرات في اتّجاه المصالحة والدعوة للكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية. وهنّ يسهمن في البحث التيولوجي ويشغلن مراكز المسؤولية في المؤسسات المرتبطة بالكنيسة في كوريا الرعايا وفي كوريا روما. يتبوّأن مراكز في السلطة أو في قيادة المجموعات. هذه الجمعية تدعو إلى الأخذ العملي التام بكلّ ما هو ممكن بالنسبة إلى دور النساء في القوانين النافذة خصوصاً في الأمكنة حيث الممكن ما زال مهملاً. ليس ثمّة سبب منطقي لمنع النساء من القيام بأدوار قيادية في الكنائس إذ لا يمكن الوقوف في وجه ما يأتي من الروح القدس. مسألة وصول النساء إلى الخدمة الشماسية تبقى مفتوحة كذلك. ويجب متابعة التمييز، بعمق، في هذا الشأن. تدعو الجمعية أيضاً إلى التنبّه أكثر إلى اللغة والصور المعتمدة في الوعظ وفي التعليم وفي التنشئة المسيحيّة وفي كتابة الوثائق الرسمية الخاصّة بالكنيسة، وإعطاء مجال أوسع لمساهمة نساء قديسات، لاهوتيات ومتصوفات.
  5. في الجماعة المسيحية يجب إيلاء اهتمام خاص بالأطفال: إنّهم لا يحتاجون فقط إلى المرافقة في مسيرة نموِّهم إنّما أيضاً لديهم الكثير ليقدموه لجماعة المؤمنين. لدى نقاش التلاميذ فيما بينهم لمعرفة من هو الأكبر، وضع يسوع طفلا في الوسط وأشار إليه كمثال لدخول ملكوت الله (راجع مرقس 9/33-37). لا تستطيع الكنيسة أن تكون سينودوسية من دون مساهمة الأطفال الذين يحملون إمكانية رسولية يجب تثمينها. صوتهم ضروري للجماعة: علينا أن نصغي إليه ونجهد لكي يسمعه الجميع خصوصاً من يتولّون مسؤوليات سياسية وتربوية. المجتمع الذي لا يعرف أن يستقبل الأطفال ويعتني بهم هو مجتمع مريض. العذاب الذي يعاني منه الكثيرون منهم بسبب الحرب والفقر والإهمال والاستغلال والتعامل السيّيء هو فضيحة تتطلّب الشجاعة لإدانتها والالتزام بالتضامن معهم.
  6. لدى الشباب كذلك مساهمة يقدّمونها لتجدّد الكنيسة السينودوسي. وهم تحديداً حساسون إزاء قِيَم الأخوّة والمشاركة، في حين أنّهم ينبذون المواقف الأبويّة أو الإعتباطية. مواقفهم تجاه الكنيسة تبدو أحياناً إنتقادية، ولكنها غالباً ما تأخذ شكلاً إيجابياً لالتزام شخصي لدى جماعة كريمة ملتزمة النضال ضد الظلم الإجتماعي والعناية بالبيت المشترك. إنّ الطلب ب”السير معاً في الحياة اليومية” الذي قدّمه الشباب في أثناء المجمع الذي عقد من أجلهم في العام 2018 يتوافق تماماً وتطلّعات كنيسة سينودوسية. لهذا من المهمّ جدّاً أن تؤمّن لهم مرافقة سريعة ومتأنّية.. الاقتراح الناتج، بفضل مشاركتهم، عن “تجربة المرافقة بغية التمييز” يستحق إعادة الأخذ به وطرحه من جديد. إنّه يتضمّن حياة أخوية يشارك فيها مربّون ناضجون، والتزاماً رسولياً للحياة معاً في خدمة الأكثر حاجة، وعطاء روحانياً متجذراً في الصلاة وفي عيش الأسرار.[12]
  7. تعزيزاً للمسؤولية المشتركة التي يتحمّلها جميع المعمّدين لأداء الرسالة نعترف بالقدرات الرسولية التي يتمتّع بها الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة الذين يشعرون بأنّهم مدعوون ومرسلون كعاملين ناشطين في حقل البشارة بالإنجيل . إنّنا نريد تثمين المساهمة التي تأتي من الغنى الإنساني الكبير الذي يحملونه معهم. إنّنا نعي خبراتهم في الألم والتهميش والتمييز، التي يعانون منها وأحياناً داخل الجماعة المسيحية، بسبب مواقف أبويّة أساسها الشفقة. بغية تعزيز مشاركتهم في حياة الكنيسة ورسالتها نقترح إنشاء مرصد كنسي خاص بالإعاقة.
  8. من بين الدعوات التي تُغني الكنيسة تبرز دعوة المتزوّجين فالمجمع الفاتيكاني الثاني يعلّم أنّ لهم “في أوضاع حياتهم ومؤسّستهم، ضمن شعب الله، مواهبهم الخاصة” (LG 11). إنّ سر الزواج يحمل رسالة مميزة تتعلق في آن معاً بحياة العائلة وبناء الكنيسة والإرتباط بالمجتمع. نما في السنوات الأخيرة، بصورة خاصّة، الوعي بأنّ العائلات لا تتلقّى فقط الراعوية العائلية بل هي عنصر فعّال فيها. لذلك إنّها تحتاج إلى اللقاء والتواصل بمساعدة من المؤسّسات الكنسية المكرّسة لتربية الأولاد والشباب. مرّة أخرى، تعبّر الجمعية عن قربها ودعمها للذين يعيشون الوحدة كخيار أمانة للتقليد ولتعليم الكنيسة بما يختص بالزواج والأخلاق الجنسية التي يجدون فيها مصدر حياة.
  9. عبر العصور، أدّت العطايا الروحية إلى إيجاد تعابير مختلفة للحياة المكرّسة. باكراً جداً اعترفت الكنيسة بعمل الروح القدس في حياة الرجال والنساء الذين اختاروا أن يتبعوا المسيح على طريق المشورات الإنجيلية، مكرّسين أنفسهم لخدمة الله في التأمل كما في أشكال مختلفة من الخدمة. الحياة المكرّسة مدعوة إلى أن تُسائل الكنيسة والمجتمع بصوتها النبوي الخاص. في خبرتها الممتدة إلى عصور، أنضجت العائلات الرهبانية ممارسات مختبَرة لحياة سينودوسية وتمييز جماعي، وتعلّمت أن تُناغم بين العطايا الشخصية والرسالة المشتركة. إنّ الرهبانيات، وجمعيات الحياة الرسولية، والمؤسّسات العلمانية، والحركات والجماعات الجديدة لها مساهمات خاصّة في إنماء السينودالية في الكنيسة. اليوم، الكثير من جماعات الحياة المكرّسة هي مختبرات للتفاعل الثقافي الذي يشكّل نبوءة للكنيسة وللعالم. وفي الوقت نفسه، تدعو السينودالية -وهذا ما يشكّل أحياناً تحدّياً- رعاة الكنائس المحلية والمسؤولين عن الحياة المكرّسة والتجمعات الكنسية أن تدعّم علاقاتها لإحياء تبادل العطايا خدمة للرسالة المشتركة.
  10. تهمّ الرسالة جميع المعمّدين. فالمَهمّة الأولى للعلمانيات والعلمانيين هي التأثير في الحقائق الزمنية وتغييرها وفاقاً لروح الإنجيل [13]. حثّ مسار المجمع، بدعم من البابا فرنسيس في رسالة رسولية[14]، الكنائس المحليّة للإستجابة، بطريقة خلاّقة وشجاعة، لحاجات الرسالة وذلك بتمييز بعض المواهب التي يرون مناسباً أن تأخذ شكلاً خِدمياً، معتمدين المعايير والوسائل والإجراءات المناسبة. لا يجب أن تكون كل المواهب خِدمية، ولا كل المعمّدين خدّاماً، ولا كل الخدم مؤسساتيّة. ومن الضرورة أن تحدّد الجماعة الحاجة الرعائية الحقيقية لتكون الموهبة بمثابة خدمة، وأن يترافق ذلك مع تمييز يجريه الراعي مع الجماعة بشأن الفرصة المناسبة لإيجاد خدمة جديدة.. السلطة المختصّة هي التي تأخذ القرار في ختام هذه العملية. إنّ تعزيز أشكال الخدم العلمانية، وهي خدم لا تتطلّب سرّ الكهنوت، في كنيسة سينودوسية رسوليّة، هو أمر ضروري، وليس فقط في الحقل الليتورجي. في وقت ينتقل فيه الأشخاص بسرعة من مكان إلى آخر، من المناسب التفكير في الطريقة التي تعهد فيها خدم للعلمانيين مع تحديد الفترات والحقول التي تمارس فيها.
  11. من بين الخدمات الكنسية العديدة، أقرّت الجمعيّة بالمساهمة التي يقدّمها اللاهوت، على اختلاف تعبيراته، من أجل فهم الإيمان والتمييز. يساعد لاهوتيون ولاهوتيات شعب الله على تطوير فهمه للحقيقة التي أنارها الوحي، وعلى وضع إجابات وأساليب تعبيريّة ملائمة للرسالة. في الكنيسة السينودوسية والرسولية، “موهبة اللاهوت مدعوة إلى القيام بخدمة محدّدة […]. مع خبرة الإيمان والتأمّل تساهم في سبر أعماق الإنجيل إلى جانب خبرة الإيمان والتأمل في حقيقة الشعب المؤمن، ومع الوعظ الذي يؤدّيه الرعاة تسهم التيولوجيا، بصورة دائمة، في التعمّق في الإنجيل. وأكثر من ذلك، “كما هي حال الدعوات المسيحية الأخرى، خدمة العالم اللاهوتي هي شخصية كما هي جماعية ومجمعيّة” ( CTI, n. 75)، خصوصاً عندما تكون تحت شكل تعليمي في المؤسسات الأكاديمية الكنسية إستناداً إلى رسالة مطابقة للقانون الكنسي. ” السينودالية الكنسية تكلّف اللاهوتيين بأن يضعوا لاهوتاً سينودوسياً، ويأن يعزّزوا فيما بينهم القدرة على الإصغاء والحوار والتمييز وبأن يستجمعوا نتائج بحوثهم ومساهماتهم الوفيرة والمتنوّعة (المرجع نفسه). وفي هذا الإتّجاه، من العاجل تعزيز الحوار بين الرعاة وبين الذين التزموا البحث اللاهوتي، وذلك من خلال صيغ مؤسساتيّة متخصّصة. تدعو الجمعية المؤسسات اللاهوتية لمتابعة بحثها في سبيل توضيح وتعميق معنى السينودالية ومرافقة التنشئة في الكنائس المحليّة.

الرسامة في خدمة التناغم

  1. ككل الخِدم في الكنيسة، الأسقفية والكهنوت والشماسية هي في خدمة البشارة وبناء الجماعة الكنسية. المجمع الفاتيكاني الثاني ذكّر بأن الرسامة هي أساس إلهي “يمارسها، على تنوّع رتبهم أولئك الذين سموا منذ البدء أساقفة، وكهنة وشمامسة” (LG 28). في هذا السياق، أكّد المجمع الفاتيكاني الثاني على أسرارية الأسقفية (LG 21)، واستعاد واقع شراكة الجسم الكهنوتي وفتح الطريق لاستعادة الخدمة الدائمة للشماسية في الكنيسة اللاتينية (LG 28-29).

خدمة الأسقف: توحيد عطايا الروح

  1. مهمّة الأسقف هي ترؤّسه لكنيسة محلية، كجوهر وحدوي ظاهر داخلها،و كرباط شركة مع كل الكنائس. يؤكّد المجمع الفاتيكاني الثاني: ” ان الرسامة الأسقفية تعطي سر الكهنوت كاملاً” (LG 21) وهذا ما يساعد على فهم هوية الأسقف ضمن نسيج خاص بأسراريّة العلاقات مع المسيح ومع “جزء معيّن من شعب الله”(CD 11) المخوّل له أمره، وهو مدعو إلى خدمته باسم المسيح الراعي الصالح. المعمّد الذي يصبح أسقفاً لا يكلَّف بمسؤوليات ومهمّات يؤديها لوحده، إنّما ينال نعمة ومهمّة إدراك وتمييز وتوحيد عطايا الروح المُفاضة على الأفراد وعلى الجماعات. من أجل ذلك عليه أن يعمل وفق إرتباطه الأسراري مع الكهنة والشمامسة الذين يشاركونه مسؤولية الخدمة في الكنيسة المحلية. عند القيام بذلك، يحقق ما يختص تحديداً برسالته في سياق الإهتمام بشركة الكنائس.
  2. الخدمة الأسقفية هي في الجماعة، ومعها ومن أجلها (LG 20)، وهي تتمّ من خلال إعلان الكلمة وترؤس الذبيحة الإلهية والأسرار الأخرى. لذلك تتمنّى الجمعية السينودوسيّة أن يكون صوت شعب الله مسموعاً بصورة أشدّ في اختيار الأساقفة. وهي توصي كذلك بأن تتم سيامة الأسقف في الأبرشية التي سيتولى رعايتها وليس في الأبرشية التي هو منها، كما يحصل عادة، وبأن يتمّ اختيار المحتفلين الأساسيين من بين أساقفة الإقليم الكنسي، فضلاً عن رئيس الأساقفة إذا أمكن. وهكذا يظهر، بشكل أفضل، أنّ الأسقف الذي يعقد رباطاً بالكنيسة التي عهدت إليه خدمتها يتحمّل أمامها، وبطريقة علنية، إلتزامات خدمته. من المهم أيضاً أنه في أثناء زيارة الأسقف لأبرشيته، بإمكانه أن يُمضي وقتاً مع المؤمنين لكي يستمع إليهم بهدف التمييز. وهذا ما يساعده على اختبار الكنيسة كعائلة الله. علاقة الأسقف البنيوية مع الكنيسة المحليّة لا تظهر اليوم بوضوح كافٍ في حالة الأساقفة الفخريين وممثلي البابا و الأساقفة العاملين في الدوائر الرومانية أو الأساقفة المساعدين، فمن المناسب متابعة التفكير في هذا الموضوع.
  3. يحتاج الأساقفة أيضاً إلى المرافقة والمساندة في خدمتهم. يستطيع رئيس الأساقفة أن يلعب دوراً محفّزاً للأخوّة بين أساقفة من أبرشيات متجاورة. برزت، طوال الطريق السينودوسي، الحاجة إلى تأمين دورات تنشئة مستمرّة للأساقفة في أطر محليّة. وتم التذكير بضرورة تحديد دور الأساقفة المساعدين وتوسيع المهمّات التي يمكن للأسقف أن ينتدبهم لها. سيتم أيضاً تقييم خبرة الأساقفة الفخريين الذين لديهم طرائق جديدة ليكونوا في خدمة شعب الله. من المهم مساعدة المؤمنين لكيلا يبالغوا في عقد آمال غير واقعيّة على الأسقف، مذكّرين إياهم بأنّه هو أيضاً أخٌ ضعيفٌ، معرّضٌ للتجربة، وكالجميع يحتاج إلى المساعدة. إنّ رؤية مثالية للأسقف لا تسهّل خدمته الدقيقة التي لا تنجح إلا بدعم كل شعب الله ومشاركته في الرسالة ضمن كنيسة حقاً سينودوسية.

مع الأسقف: كهنة وشمامسة

  1. الكهنة، في كنيسة سينودوسية، هم مدعوون إلى عيش خدمتهم الخاصّة بالقرب من الجميع وباحتضانهم والإصغاء إليهم وبالانفتاح على أسلوب سينودوسي حقيقي . الكهنة “يؤلفون مع أسقفهم جسماً كهنوتياً واحداً” (LG 28) ويتعاونون معه في تمييز المواهب وفي مرافقة الكنيسة المحليّة وإرشادها، بانتباه شديد لخدمة الوحدة. إنّهم مدعوون لعيش الأخوّة الكهنوتية وللسير معاً في الخدمة الراعوية. الكهنة، أعضاء في مؤسّسات الحياة المكرّسة وجمعيات الحياة الرسولية، يشكّلون جزءاً من الجسم الكهنوتي ويغنونه بخصوصية موهبتهم. هؤلاء، كما الكهنة الآتين من الكنائس الشرقية ذات الحق الخاص (sui iuris)، بتولين أم متزوّجين، كهنة عطية الإيمان(fidei donum) والذين يأتون من بلاد أخرى، جميعهم يساعدون الاكليرس المحلي لينفتح على آفاق الكنيسة جمعاء، بينما الكهنة المحليّون يساعدون إخوتهم على الإنضمام إلى تاريخ أبرشية قائمة، لها تقاليدها وغناها الروحي. بهذا الشكل يتحقّق في الجسم الكهنوتي تبادل العطايا في سبيل الرسالة. يحتاج الكهنة أيضاً إلى المرافقة والدعم، خصوصاً في المراحل الأولى من الخدمة وفي أوقات الضعف والوهن.
  2. خدّام أسرار الله والكنيسة (راجع LG 41)، ينال الشمامسة الرسامة “ليس من أجل الكهنوت، بل من أجل الخدمة” (LG 29). إنّهم يعملون في خدمة المحبة، في البشارة وفي الليتورجيا، مظهرين في كلّ مجال إجتماعي أو كنسي حيث يتواجدون العلاقة بين الإنجيل والحياة المُعاشة في الحب، ومعزّزين في الكنيسة جمعاء وعياً وأسلوب خدمة إزاء الجميع، بخاصة الأكثر فقراً. أدوار الشمامسة متعدّدة، كما يُظهر ذلك التقليد، والصلاة الليتورجية والممارسة الراعوية. هذه الأدوار يجب أن تتحدّد بحسب حاجات كل كنيسة محليّة، وبخاصة من أجل إيقاظ ودعم الانتباه لدى الجميع إلى الأكثر فقراً، في إطار كنيسة سينودوسية رسولية ورحومة. الخدمة الشماسية ما تزال مجهولة لدى الكثيرين من المسيحيين، لأنها، بالرغم من أن المجمع الفاتيكاني الثاني اعتمدها في الكنيسة اللاتينية كدرجة قائمة بذاتها ودائمة (راجع LG 29) لم تُقبل بعد في كل المناطق الجغرافية. يدعو المجمع إلى تعميق تعليمه حول الشماسية تحديداً على قاعدة العودة إلى وفرة الخبرات القائمة، وهو يوفّر حوافز قويّة للكنائس المحلية كي لا تتأخّر عن تحفيز الشماسية الدائمة بطريقة أجدى والاعتراف بأن هذه الخدمة هي عامل ثمين في إنضاج كنيسة خادمة على مثال الرب يسوع الذي صار خادماً للجميع. إنّ ترسيخ التعليم حول الشماسية يساعد المُقبلين على الكهنوت أن يفهموا بصورة أفضل أهمية الرسامة الشماسية.

التعاون بين الخدام المرسومين في الكنيسة السينودوسية

  1. تمّ التعبير عن عرفان الجميل، أكثر من مرة في السينودوس، تجاه الأساقفة، والكهنة والشمامسة لأنّهم يؤدّون خدمتهم بفرح والتزام وإخلاص. وأثيرت مسألة الصعوبات التي يواجهها الرعاة في خدمتهم، وهي صعوبات تعود إلى شعورهم بالعزلة والوحدة، إلى جانب أنّهم غارقون في تلبية جميع الحاجات. تستطيع خبرة السينودوس مساعدة الأساقفة والكهنة والشمامسة كي يعيدوا اكتشاف المسؤولية التشاركية في ممارسة الخدمة التي تتطلّب التعاون مع أعضاء آخرين من شعب الله. إنّ توزيعاً واضحاً للمهام والمسؤوليات، وتمييزاً أكثر شجاعة لما هو مرتبط بخدمة الرسامة ولما هو ممكن إيكاله أو يجب إيكاله إلى آخرين يسهّلان الخدمة بطريقة روحية أكثر نقاء وراعوية أكثر دينامية لدى جميع هذه الرتب. هذه الرؤية تترك أثرها على إتخاذ القرارات التي تتّسم بأسلوب سينودوسي أشدّ وضوحاً وتساعد على تخطي الشك الذي يسبّبه اتهام رجال الدين باستغلال السلطة لمصلحتهم الخاصة وتشويه سلطة الكنيسة التي هي في خدمة شعب الله. مثل هذا الإتّهام هو الإستغلال الجنسي واستغلال المشاعر وتأثير الخدم التي تؤدّيها الكنيسة. تُدين الكنيسة كل تسلّط، يمارسه رجال دين أو علمانيون، لأنّه يؤدّي إلى انقسام في الجسم الكنسي يثير ويساعد على ديمومة الكثير من الشرور التي ندينها اليوم “[15]. أن نقول لا للإستغلال يعني لا بصورة جازمة لكلّ مكوّن إكليروسي.

معاً من أجل الرسالة

  1. أحيت الكنيسة، عبر تاريخها، بعض الخِدم المختلفة عن الخدم المعيّنة إستجابة لحاجات الجماعة والرسالة. هذه الخِدم هي الشكل الذي تأخذه المواهب عندما يتم تبنّيها علناً من الجماعة ومن المسؤولين عن رعايتها وحينما تصبح نافذة لخدمة الرسالة. البعض منها مخصّص تحديداً لخدمة الجماعة المسيحية. والخدم المقرّرة لها أهمّية خاصة. هي تلك التي يمنحها الأسقف مرّة واحدة، في احتفال خاص، بعد تمييز مناسب وتنشئة مناسبة للمرشّحين لتولّيها. ليس مجرّد توكيل أو إعطاء مهمّات فإسناد الخدمة هو مقدّس يطبع الشخص ويحدّد طريقة مشاركته في حياة الكنيسة ورسالتها. يتعلّق الأمر، بحسب الكنيسة اللاتينية، بخدمة القارىء والمساعد[16]وايضًا معلّم التعليم المسيحي[17]. السلطة الشرعيّة هي التي توصي بحدود وأشكال ممارسة هذه الخِدم. يعود إلى المجالس الأسقفية أن تحدّد الشروط الشخصية التي يجب على المرشح أن يستوفيها ومسارات التنشئة للحصول على هذه الخِدم.
  2. إلى جانب ذلك توجد خِدَم أخرى ليست مقرّرة طقسيّاً ولكنها تُمارس بشكل ثابت وبتوكيل من السلطة المختصّة، على سبيل المثال: خدمة تنظيمية لجماعة كنسية صغيرة وترؤّس لصلاة جماعية وتنظيم أعمال محبة، الخ..، وهي تحتمل تنوّعاً واسعاً تبعاً لمميّزات الجماعة المحلية. معلّمو التنشئة المسيحية في بعض مناطق أفريقيا هم مثال على ذلك، هم مسؤولون عن جماعات لا يوجد فيها كهنة. وبالرغم من أنّه لا يوجد شيء طقسي محدّد من المناسب إعلان هذه الخِدمة بواسطة توكيل يتم أمام الجماعة لتسهيل الاعتراف الفعلي بها. توجد أيضاً خِدم نادرة، كخدمة المناولة وترؤّس احتفالات الأحد بانتظار الكاهن، وممارسة الأسرار المقدّسة وغيرها. يمكن لرجال ونساء أن يكونوا خداماً إستثنائيين لسر المعمودية، في بعض الحالات، وذلك بحسب الأنظمة القانونية اللاتينية والشرقية. في التنظيم القانوني اللاتيني، يمكن للأسقف (بعد طلب الإذن من الكرسي الرسولي) توكيل المساعدة في الزواجات إلى مؤمنين علمانيين، رجالاً أو نساء. وفق حاجات الأطر المحليّة، من المناسب أن نتوقّع إمكانية التوسع في الفرص التي يمارس فيها العلمانيون هذه الخدم وتثبيتها. أخيراً، هنالك الخدمات العفوية التي لا تحتاج إلى شروط إضافية أو اعترافات صريحة والتي تُظهر أنّ كل المؤمنين وبأشكال مختلفة يشاركون في الرسالة من خلال عطاياهم ومواهبهم.
  3. يجب تقديم فرص أكثر لمشاركة المؤمنين العلمانيين، نساء ورجالاً، من خلال استكشاف أشكال أخرى من الخدمة والخِدم إستجابة للحاجات الراعوية لزمننا، بروح من التعاون والمسؤولية المشتركة والمتباينة. برزت في السينودوس بعض الحاجات الواقعية، ومن الملائم الردّ عليها بطريقة مناسبة في الأطر المختلفة:

أ)       مشاركة أوسع للعلمانيين والعلمانيات في مسارات التمييز الكنسية وكل مراحل مسارات التقرير (إعداد واتخاذ القرارات).

ب)    إتاحة وصول علمانيين وعلمانيات إلى مراكز المسؤولية في الأبرشيات والمؤسّسات الكنسية، بما فيها الإكليريكيات ومعاهد وكليات اللاهوت، بحسب الترتيبات الموجودة.

ج)     اعتراف أكبر ودعم ثابت لحياة ومواهب المكرّسات والمكرّسين وعملهم في مراكز مسؤولية كنسية.

د)      زيادة عدد العلمانيات والعلمانيين المؤهلين الذين يؤدّون دور القاضي في المحاكمات القانونية.

ه)     اعتراف فعلي بكرامة الأشخاص الذين يعملون كموظفين في الكنيسة ومؤسّساتها واحترام حقوقهم.

  1. جدّدت المسيرة السينودوسية الوعي بأنّ الإصغاء هو مكوّن أساسي لكل جوانب حياة الكنيسة: الاحتفال بالأسرار، بنوع خاص سر المصالحة، والتعليم المسيحي و التنشئة والمرافقة الراعوية. في هذا الإطار، مالت الجمعية إلى اقتراح إقامة خِدمة للإصغاء والمرافقة مبدية توجّهات مختلفة. أبدى البعض تأييدهم معتبرين أن خدمةً كهذه هي طريقةٌ نبويةٌ لإبراز أهمية الإصغاء والمرافقة في الجماعة. أكّد آخرون أنّ الإصغاء والمرافقة هما مَهمّة كل المعمّدين، من دون الحاجة إلى خدمة متخصّصة. أّكّد آخرون ضرورة التعمّق أكثر بالعلاقة بين خدمة ممكنة كهذه والمرافقة الروحية، الاستشارة الراعوية والاحتفال بسر المصالحة. برز أيضاً اقتراح أن تكون خدمة الإصغاء والمرافقة موجّهة بشكل خاص إلى الترحيب بمن هو على هامش الجماعة الكنسية، لمن يعود إليها بعد الابتعاد، لمن يبحث عن الحقيقة ويرغب بالمساعدة على لقاء الرب. تبقى إذاً ضرورة متابعة التمييز في هذا الشأن. تستطيع الأطر المحلية، حيث هناك شعور بالحاجة الماسّة إلى هذه الخدمة، أن تحفّز هذا الاختبار وتبلور نماذج لتمييزها.

 

 

القسم الثالث – “أرموا الشبكة”

الإهتداء في المسارات

فقال لهم: “ أيها الفتيان، أمعكم شيء من السمك ؟ “أجابوه: “ لا “.فقال لهم: “ ألقوا الشبكة إلى يمين السفينة تجدوا “. فألقوها، فإذا هم لا يقدرون على جذبها، لما فيها من سمك كثير. (يوحنا 21/5-6).

  1. لم يكن الصيد موفّقاً وحان وقت العودة إلى الشاطئ. ولكن يصدح صوت بحزم، يدعو التلاميذ إلى القيام بأمر ما كانوا وحدهم ليفعلوه فهو يدل على أن عيونهم وعقولهم لم تكن قادرة على تصوّره: “أرموا الشبكة إلى يمين السفينة وستجدوا”. في أثناء المسيرة السينودوسية حاولنا أن نُصغي إلى هذا الصوت وتقبّل ما كان يقوله لنا. في الصلاة وفي الحوار الأخوي أدركنا أنّ التمييز الكنسي والاهتمام بالمسارات التقريرية والالتزام بتأدية الحساب عن عملنا وتقييم نتيجة القرارات التي إتّخذت هي ممارسات نستجيب من خلالها للكلمة التي تدلنا على طريق الرسالة.
  2. هذه الممارسات الثلاث هي مترابطة بشكل وثيق. مسارات التقرير تحتاج إلى التمييز الكنسي الذي يتطلّب الإصغاء في جو من الثقة، بدعم من الشفافية والمسؤولية. يجب أن تكون الثقة متبادلة: من يتخذون القرارات يجب عليهم أن يثقوا بشعب الله والإصغاء إليه، وهو بدوره عليه أن يثق بمن يمارسون السلطة. هذه النظرة المتكاملة تؤكّد أنّ كلّ واحدة من هذه الممارسات هي مرتبطة بغيرها وتدعمها ما يسمح للكنيسة بإتمام رسالتها. إنّ الإلتزام بمسارات إتّخاذ القرار المبني على التمييز الكنسي والأخذ بثقافة الشفافية والمحاسبة والتقييم تقتضي إعداداً مناسباً، ليس فقط تقنياً إنّما قادراً على سبر الأسس اللاهوتية والكتابية والروحية الخاصّة بها. كل المعمّدين يحتاجون إلى هذا الإعداد للشهادة، للرسالة، للقداسة وللخدمة، هذه كلّها تؤكّد المسؤولية المشتركة. يتّخذ هذا الإعداد أشكالاً خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين هم في المسؤولية أو خدمة التمييز الكنسي.

التمييز الكنسي من أجل الرسالة

  1. لتحفيز علاقات قادرة على دعم رسالة الكنيسة وتوجيهها، من الضروري ممارسة الحكمة الإنجيلية التي سمحت لجماعة التلاميذ في أورشليم أن تختم نتيجة المجمع الأوّل بالكلمات التالية: “فقد حسن لدى الروح القدس ولدينا”(أعمال 15/28). يمكننا وصف هذا التمييز “بالكنسي” من حيث أنه عمل قام به شعب الله من أجل الرسالة. الروح القدس الذي أرسله الآب باسم يسوع والذي يعلّم كل شيء (راجع يوحنا 14/26)، يقود المؤمنين، في كل وقت، إلى “الحقيقة كاملة” (راجع يوحنا 16/13)، بحضوره وبعمله المستمرّين، “التقليد الذي جاء من الرسل يحرز تقدّماً في الكنيسة ” (DV 8). شعب الله، شريك المسيح في عمله النبوي (راجع LG 12)، يستدعي نور الروح القدس، “ويجتهد في أن يميّز في الحوادث وفي متطلبات عصرنا ومقتضياته التي يتقاسمها وسائر الناس، ما هي العلاقات الحقيقية لحضور الله او لتصميمه ” (GS 11,1). هذا التمييز يستدعي كل عطايا الحكمة التي يوزّعها الرب على الكنيسة ويتجذّر في حس الإيمان (sensus fidei) الذي يوصله الروح القدس إلى جميع المعمّدين. بهذه الروح يجب إعادة فهم وتوجيه حياة الكنيسة السينودوسيّة الرسولية.
  2. ليس التمييز الكنسي تقنية تنظيمية، بل ممارسة روحية تُعاش في الإيمان. وهو يتطلّب الحرية الداخلية والتواضع والصلاة والثقة المتبادلة والإنفتاح على كل جديد والإستسلام لإرادة الله. وليس هو، أبداً، تأكيد وجهة نظر فرديّة أو جماعية، ولا يختصر بمجرّد جمع لآراء فردية. كل شخص، متكلّماً بوحي من ضميره، ينفتح على الإصغاء إلى ما يقوله الآخرون بوحي من ضميرهم، ومعاً يكتشفون “ما يقوله الروح للكنائس” (رؤيا 2/7). إن افترضنا أن جميع الأشخاص يسهمون في المشاركة، يكون التمييز الكنسي هو في الوقت نفسه شرط السينودوسية وهو أفضل تعبير عنها وفيها تُعاش معاً الشركة والرسالة والمشاركة. يصبح التمييز أغنى كلما تمَّ الإصغاء إلى الجميع. لذلك، إنّ تحفيز مشاركة أوسع في مسارات التمييز هو أمر أساسي، مع اهتمام خاص بإشراك من هم على هامش الجماعة المسيحية والمجتمع.
  3. الاصغاء إلى كلمة الله هو نقطة انطلاق ومعيار كل تمييز كنسي. تشهد الكتب المقدّسة، بالفعل، بأن الله كلّم شعبه، إلى أن أعطانا ملء الوحي بيسوع المسيح (راجع DV 2)، وهي تدلنا على الأماكن حيث يمكننا أن نصغي إلى صوته. يتواصل الله معنا، قبل كلّ شيء، في الليتورجيا لأن المسيح نفسه هو الذي يتكلّم “حينما نقرأ الكتاب المقدّس في الكنيسة” (SC 7). يتكلّم الله من خلال التقليد الحي للكنيسة وسلطتها التعليمية والتأمل الشخصي والجماعي في الكتب المقدّسة وممارسة التقوى الشائعة بين الشعب. يتابع الله ظهوره من خلال صرخة الفقراء وأحداث التاريخ البشري. فضلاً عن ذلك، يتواصل الله مع شعبه عبر مكوّنات الخليقة التي، بوجودها، تدل على عمل الخالق، والتي هي ملأى بحضور الروح الذي يمنح الحياة. أخيراً، يتكلّم الله من خلال الضمير الخاص بكل إنسان، الذي “هو أعمق ما في الانسان من مركز، هو المكان المقدس الذي يلقى فيه الله وحده ليسمع صوته” (GS 16). يتطلّب التمييز الكنسي العناية بالضمائر وإعدادها المستمرّ وإنضاج حس الإيمان (sensus fidei)، بغية عدم تجاهل أي مكان يتكلم فيه الله ويأتي للقاء شعبه.
  4. يمكن التعبير عما ورد حول التمييز الكنسي بطرق مختلفة، بحسب الأماكن والتقاليد. استناداً إلى خبرة السينودس، إليكم بعض العناصر الرئيسية الضرورية:

أ)       التقديم الواضح لموضوع التمييز وتأمين معلومات وعناصر مناسبة من أجل فهمه.

ب)    الوقت المناسب لتحضير الذات بالصلاة وبالاصغاء إلى كلمة الله والتفكير حول الموضوع.

ج)     الإستعداد الداخلي للتحرر من المصالح الشخصية والجماعية والالتزام بالبحث عن الخير العام.

د)      الاصغاء بانتباه واحترام لكلام كل شخص.

ه)     البحث عن أوسع توافق ممكن يصدر عن أكثر “ما يشعل القلوب” (راجع لوقا 24/32)، من دون إخفاء الصراعات ومن دون البحث عن تسويات من تحت الطاولة.

و)      صياغة توافق يضعها المسؤولون عن المسيرة لاتفاق وافقوا عليه وتقديمه إلى جميع المشاركين لإعلان موافقتهم عليه أو عدم موافقتهم.

إستناداً إلى التمييز، ينضج القرار المناسب الذي يلتزم تأييد الجميع، حتى ولو لم تقبل وجهة نظر كلّ منهم، ويمنح وقت للجماعة كي تستوعبه ويمكنها لاحقاً أن تدقّق فيه وتقيّمه.

  1. يحصل التمييز دائما داخل سياق محدّد يتعيّن التعرف جيّداً على تعقيداته وخصوصياته. بغية تحقيق تمييز فعلي يجب أن تتوافر الوسائل الضرورية من بينها تفسير ملائم للنصوص الكتابية يساعد على ترجمتها وفهمها بعيداً من المقاربات الجزئيّة أو المتزمّتة. الإطلاع على آباء الكنيسة والتقليد وتعاليم السلطة بمختلف درجاتها والمساهمات اللاهوتية على أنواعها، ومساهمات العلوم الإنسانية، التاريخية والاجتماعية والإدارية، التي من دونها جميعاً لا يمكن التعرّف بجدية إلى الإطار الذي يجري فيه التمييز وهدفه.
  2. تتنوّع في الكنيسة مقاربات التمييز والمنهجيات المقرّرة. هذا التنوّع هو غنى، وبالتكيّف الملائم مع مختلف السياقات، تظهر وفرة المقاربات المزيد من الفوائد. وفي سبيل الرسالة المشتركة    من المهم أن تستخدم هذه المقاربات في حوار المحبّة مع الحفاظ على خصوصيّة كل محاور، ومن دون انطواء على الذات. يبدو، في الكنائس المحلية، وانطلاقا من جماعات مسيحية صغيرة، ومن خلال الرعايا، أنّه من الضروري توفير فرص إعداد لنشر ثقافة التمييز الكنسي وتغذيتها من أجل الرسالة، وبنوع خاص لدى من هم في مواقع المسؤولية.

الترابط بين المسارات التقريرية

  1. في الكنيسة السينودوسية “كل الجماعة، مع حرّية وغنى تعدّدية أعضائها، مدعوّة لتصلي، لتصغي، لتحلّل، لتحاور، لتميّز وتنصح بهدف اتخاذ القرارات” ( CTI, n. 60) من أجل الرسالة. إنّ تعزيز أوسع مشاركة ممكنة لكل شعب الله في مسارات التقرير هو الوسيلة الأفعل للإرتقاء بكنيسة سينودوسية. إذا صدق أن السينودالية تحدّد طريقة العيش والعمل (modus vivendi et operandi) التي تتصف بها الكنيسة، فهي تشير في الوقت عينه إلى ممارسة جوهرية في إتمام رسالتها: التمييز، الوصول إلى توافق، والتقرير من خلال عمل مُختَلَف بُنى السينودالية ومؤسّساتها.
  2. ليست جماعة التلاميذ التي دعاها الرب وأرسلها رعيّة متماثلة فهي جسده المكوّن من أعضاء كثيرة ومتنوّعة، وهي رعيّة تاريخيٌة جماعيٌة بدأ معها ونما ملكوت الله لخدمة حلوله في كل العائلة البشرية (راجع LG 5). لقد سبق أن فكّر آباء الكنيسة حول رسالة شعب الله الجماعية من خلال إعلانهم لثلاثة “لا شيء من دون الأسقف”(nihil sine)[18]، “لا شيء من دون مجلس الكهنة”، “لا شيء من دون موافقة الشعب”[19]. حيث ينكسر منطق ” لا شيء من دون”(nihil sine) تنطفئ هوية الكنيسة وتضيع رسالتها.
  3. إنّ الإلتزام بتعزيز المشاركة على أساس المسؤولية المشتركة والمتمايزة دخل في إطار مرجعي كنائسي. كل عضو في الجماعة يستحق الاحترام وتثمين قدراته وأعطياته من أجل القرار المشترك. هنالك حاجة إلى أشكال مترابطة من الوساطة المؤسّساتية تتناسب مع حجم كل جماعة. يلحظ القانون النافذ هيئات مشاركة من مستويات مختلفة، ستهتم بها الوثيقة لاحقاً.
  4. من أجل تسهيل عمل المسارات التقريرية يبدو من الملائم التفكير بشأن ترابطها. هذه المسارات تفترض عادة مرحلة إعداد أو تحليل لوسيلة عمل مشترك خاص بالتمييز، والتشاور والتعاون، ” ( CTI, n. 69) ومرحلة نشر ودعم إتّخاذ القرار الذي يتوقّف إتّخاذه على السلطة المختصّة. لا يوجد تنافس أو تناقض بين المرحلتين بل تساهمان معاً من خلال إرتباطهما في أن تكون القرارات المتّخذة ثمرة طاعة الجميع لما يريده الله لكنيسته. من الضروري، إذاً، تعزيز الإجراءات التي تجعل المبادلة فعّالة بين الجمعيّة ورؤسائها في جوّ من الإنفتاح على الروح القدس والثقة المتبادلة، بحثاً عن توافق جامع قدر الإمكان. إنّ عمليّة إتّخاذ القرار يجب أن تلحظ مسبقاً مرحلة تنفيذه ومرحلة تقييمه. خلال هذه المراحل تترابط أدوار المشاركين بطرائق جديدة.
  5. يلحظ الحق القانوني النافذ، في بعض الحالات، إلزام السلطة بالتشاور قبل اتخاذ القرار. على السلطة الراعوية واجب الإصغاء إلى المشاركين في التشاور، وبالتالي، فهي لا تستطيع أن تتصرّف كما لو أنّها لم تصغ إليهم. وهي لا تلغِي نتيجة أي تشاور، حينما يكون توافقياً، من دون سبب يثبت أهميته فيتمّ ذكره. كما في كلّ الجماعات التي تعيش في ظلّ العدالة كذلك في الكنيسة إنّ ممارسة السلطة لا تعني أبداً فرض إرادة إعتباطية. وفي جميع الأشكال التي تُمارس فيها السلطة، فهي دائماً في خدمة الشركة وملاقاة حقيقة المسيح التي يقودنا بها وإليها الروح القدس، في مختلف الأزمنة والأمكنة (راجع يوحنا 14/16).
  6. في كنيسة سينودوسية، السلطة التقريرية لدى الأسقف، لدى مجلس الأساقفة ولدى أسقف روما ليست مقيّدة، لكونها متجذرة في البنية الهرمية للكنيسة التي أقامها المسيح لخدمة الوحدة واحترام التعددية المشروعة (راجع LG 13). ولكنها ليست غير مشروطة: عندما يصدر توجّهٌ عن المسار التشاوري، كالنتيجة الصادرة عن تمييز صحيح، خصوصاً متى كان من إنجاز هيئات مشاركة، لا يمكن تجاهله. يبدو إذا أنه لا تعارض بين التشاور والقرار : يتّخذ القرار في الكنيسة بمساعدة الجميع، ولا يتّخذ أبداً من دون السلطة الراعوية التي تقرر بموجب مهمّتها . يجب إزالة الالتباس الوارد في الحق القانوني عندما يستعمل عبارة “تصويت استشاري فقط”(tantum consultivum). يبدو من المناسب إعادة النظر بالقواعد القانونية وفق نظرة سينودوسية توضح التمايز كما الترابط بين ما هو تشاوري وما هو تقريري، وتلقي الضوء على مسؤوليات من يشاركون، على اختلاف مهماتهم، في مسارات إتّخاذ القرار.
  7. الاهتمام بسير منظّم وتحمّل المشاركين للمسؤولية بشكل واضح يعتبران عاملين حاسمين لإنجاح عملّية اتّخاذ القرارا ت كما هو مبيّن في ما يلي:

أ)       يتوقف على السلطة بشكل خاص أن تحدّد بوضوح موضوع التشاور والمداولة ومن يتخذ القرار ومن تجب استشارتهم، إمّا أن يكونوا من أصحاب الخبرة المختصّين أو من المعنيين بالملفّ. وأن تسهر على أنّ جميع المشاركين لهم القدرة على الوصول الفعلي إلى المعلومات المتعلّقة بالموضوع، لكي يتمكّنوا من صياغة آرائهم بشكل مدروس.

ب)    يتحمّل، من يعبّرون عن آرائهم في أثناء التشاور، كأفراد أو كأعضاء في هيئات جماعية، مسؤولية ما يلي: إعطاء رأي صادق وأمين نابع من العقل والضمير، إحترام سرّية المعلومات التي يتلقّونها،   صياغة آرائهم بوضوح محدّدين النقاط الأساسية، بما يساعد السلطة، في حال ارتأت اتخاذ قرار مختلف عمّا وصلها من آراء، على أن تشرح كيف أخذتها بعين الاعتبار في مداولاتها.

ج)     حينما تُصوغ السلطة المخوّلة القرار، بعد أن تكون قد إحترمت عملية التشاور وشرحت بوضوح الأسباب، من أجل الشراكة الجامعة بين المعمّدين، على الجميع أن يحترموا هذا القرار وينفّذوه حتى ولو لم يكن يتوافق ووجهات نظرهم، وأن يشاركوا بأمانة في مرحلة التقييم. تبقى إمكانية الطعن في القرار ممكنة أمام السلطة العليا وفق الإجراءات المقرّرة في الحق القانوني.

  1. إنّ التنفيذ السليم والحازم لعمليّات إتّخاذ القرار التي هي حقّاً سينودوسية، يساهم في تقدّم شعب الله في مسار تشاركي، بنوع خاص، من خلال الوساطات المؤسّسيّة التي يلحظُها الحق القانوني، وتحديداً هيئات المشاركة. بدون تغييرات محدّدة، على المدى القصير، تفقد رؤية الكنيسة السينودوسية مصداقيتها وهذا ما سيُبعِد شعب الله الذين استمدّوا قوة ورجاء من المسيرة السينودوسية. يتوقّف على الكنائس المحليّة أن تجد طرقاً مناسبة لتحقيق هذه التغييرات.

شفافية، محاسبة، تقييم

  1. إتّخاذ القرار لا يُنهي مساره. هذا المسار ترافقه وتتبعه المحاسبة والتقييم، وذلك بروح الشفافية المستلهم من المعايير الإنجيلية. تأدية الحساب عن الخدمة أمام الجماعة تعود إلى التقليد القديم الذي يرجع إلى الكنيسة الرسولية. يعطينا أعمال الرسل الفصل 11 مثالا على ذلك: عندما عاد بطرس إلى أورشليم بعد أن عمّد كورنيليوس الوثني “أخذ المؤمنون المختونون ينتقدونه قائلين: لقد دخلت إلى أناس قلف وأكلت معهم”. (أعمال 11/2-3). أجاب بطرس سارداً الأسباب التي دفعته إلى ذلك.
  2. برزت، فيما يخص الشفافية، ضرورة الإضاءة على معناها من خلال ربطها بمجموعة من التعابير مثل: الحقيقة والوفاء والوضوح والأمانة والنزاهة والإنسجام ورفض الضبابية والخبث والغموض وغياب الأفكار المسبقة. لقد تمّت العودة إلى النعمة الإنجيلية للقلوب الصافية (راجع متى 5/8) وإلى الوصيّة في أن نكون أبرياء كالحمام (متى 10/16) وإلى كلمات الرسول بولس (2 كور 4/2) تتم العودة إذاً إلى موقف أساسي متجذّر في الكتاب المقدّس بدل العودة إلى مسارات ومتطلبات تنظيمية أو إدارية. لا تلغي الشفافية بمفهومها الإنجيلي احترام الحياة الخاصّة والحميمية، وحماية الأشخاص، حماية كرامتهم وحقوقهم إزاء ادعاءات السلطة المدنية غير المبرّرة. ولكن كل هذا لا يبرّر ممارسات مخالفة للإنجيل تتحول إلى ذريعة لمنع إجراءات لمحاربة الشر أو التستّر عليه. أما بالنسبة إلى سر التوبة “فالختم المقدّس لا غنى عنه وما من سلطة بشرية لها الحق في نزع هذه الصفة عنه”[20].
  3. الشفافية، بالمعنى الذي ورد سابقاً هي حماية للثقة وللمصداقية، ولا يمكن تجاوزها في كنيسة سينودوسية متنبّهة لعلاقاتها. يدفع الأشخاص الأكثر ضعفاً وهشاشة ثمن انتهاك الثقة. حيث تتمتّع الكنيسة بالثقة، تسهم ممارسة الشفافية والمحاسبة والتقييم في تدعيمها. وهذه الممارسة هي حاجة ماسّة حينما ينبغي ترميم مصداقية الكنيسة. وهذا أمر مهم لحماية القاصرين والضعفاء بصورة خاصّة (safeguarding).
  4. في كلّ الحالات تسهم تلك الممارسات في تأكيد أمانة الكنيسة لرسالتها. وغيابها هو واحد من نتائج تعريض الكنيسة لهيمنة رجال الدين. وهو مفهوم ضمني بأن أصحاب السلطة في الكنيسة لا يجب أن يؤدّوا حساباً عن أعمالهم وقراراتهم، كما لو كانوا معزولين عن باقي شعب الله أو يعتبرون أنفسهم أسمى منه. يجب ألاّ يتم الطعن في الشفافية والمحاسبة فقط في حالة الاستغلال الجنسي أو المالي أو ما سوى ذلك فالطعن في الشفافية يشمل أيضاً أسلوب حياة الرعاة والمخطّطات الراعوية وطرق البشارة وكيفية احترام الكنيسة لكرامة الشخص البشري، على سبيل المثال ما يتعلّق بأوضاع العاملين ضمن مؤسّساتها.
  5. يجب أن تتحوّل المحاسبة إلى ممارسة معتادة على كل المستويات إذا أرادت الكنيسة السينودوسية أن تكون كنيسة تفاعليّة. من يشغل مناصب سلطة يتحمل مسؤولية أكبر وهو مدعو إلى تأدية حساب أمام الله وشعبه. عبر العصور كانت تأدية الحساب تُقدّم للرؤساء، علينا أن نسترجع هذا البعد بما يتعلق بواجب السلطة في تادية الحساب أمام الجماعة. يمكن للمؤسسات وللإجراءات الراسخة بالاختبار في الحياة المكرّسة (كالمجامع الرهبانية والزيارات القانونية، وغيرها) أن تكون مصدر إلهام في هذا المجال.
  6. ثمّة أشكال وبنى للتقييم الدوري ولطريقة ممارسة المسؤولية للخِدم كافة، تبدو ضرورية. فالتقييم ليس حكماً على الأشخاص: إنّه يسمح بتسليط الضوء على النواحي الإيجابية وإمكانية تحسين عمل المسؤولين عن الخدمة، ويساعد الكنيسة على التعلّم من الخبرة، وعلى إعادة برمجة مخططات العمل وعلى البقاء متنبّهة لصوت الروح القدس، ومركّزة اهتمامها على نتائج القرارات المتعلّقة بالرسالة.
  7. فضلاً عن التقيّد بما تلحظه قواعد القانون الكنسي بشأن معايير الرّقابة وآليّاتها، يعود للكنائس المحلية وبشكل خاص لتجمّعاتها، أن تبني بطريقة سينودوسية أشكالاً وإجراءات فعالة للمحاسبة والتقييم تتناسب مع تعدّدية الأطر وذلك انطلاقاً من الإطار القانوني المدني، ومن انتظارات المجتمع المحقّة ومن المهارات الفعلية المتوافرة لهذا الموضوع. يجب إعطاء الأولوية في هذا العمل لطرائق التقييم التشاركية، ولتقوية مهارات أولئك المعتادين على عمليّات المحاسبة، وبخاصة العلمانيين منهم، وللقيام بتمييز الممارسات الجيّدة الموجودة أصلاً في المجتمع المدني المحلي، وتكييفها مع مسارات الكنيسة. إنّ طريقة إجراء المحاسبة والتقييم على المستوى المحلّي تشكّل جزءاً من التقرير المقدَّم في أثناء زيارة الأعتاب الرسولية (ad limina).
  8. بصورة أشكال تتناسب مع السياقات المختلفة، من الضروري تأمين ما يلي:

أ)       الأداء الفعّال لعمل المجالس الاقتصادية.

ب)    المشاركة الفعلية لشعب الله، خصوصاً أصحاب الكفاءة، في التخطيط الراعوي والاقتصادي.

ج)     إعداد بيان مالي سنوي ونشره (وفقاً للسياق المحلي ومع إمكانية الإطلاع عليه)، يصدّقه مدقّقون من خارج المحلّة، يجعل إدارة الأصول والموارد المالية للكنيسة ومؤسساتها شفافة.

د)      تحضير جردة حساب سنويّة لسير الرسالة وإصدارها، تتضمّن رسماً بيانياً للمبادرات المحقّقة في مجال حماية القاصرين والضعفاء (safeguarding)، وتحفيز وصول العلمانيين إلى مراكز السلطة ومشاركتهم في مسارات إتّخاذ القرار مع إيضاح نسب المشاركة بين الجنسين.

ه)     إجراءات تقييم دورية لسير كل الخِدَم ولأداء كلّ من يقوم بمهمّة داخل الكنيسة.

نحتاج إلى الوعي بأنّ هذا العمل ليس جهداً مكتبياً أو غاية في حد ذاته، بل هو جهد تواصلي يشكّل وسيلة تربوية قوية من أجل تغيير الثقافة، إلى جانب ذلك فهو يلقي الضوء على الكثير من المبادرات القيّمة التي تقوم بها الكنيسة ومؤسّساتها وتبقى في الظل.

السينودالية ومجالس المشاركة

  1. تتم مشاركة المعمّدين في مسارات التقرير، كما في إجراءات المساءلة والتقييم عبر الوساطات المؤسّساتية، خاصة مجالس المشاركة التي لحظها الحق القانوني على مستوى الكنيسة المحلية. يتعلق الأمر في الكنيسة اللاتينية بالنماذج التالية: المجمع الأبرشي[21]، المجلس الاستشاري الكهنوتي[22]، المجلس الراعوي الأبرشي[23]، المجلس الراعوي[24]، المجلس الأبرشي والرعوي للشؤون الاقتصادية [25]. في الكنائس الكاثوليكية الشرقية يتعلق الأمر بالتالي: المجمع الأبرشي[26]، لجنة الشؤون الاقتصادية في الأبرشية[27]، المجلس الكهنوتي[28]، المجلس الراعوي الأبرشي[29]، ومجالس ملائمة لتعاطي الشؤون الرعائية والاقتصادية[30]. يشارك الأشخاص في هذه المجالس كلٌ بحسب دوره الكنسي، ووفق المسؤوليات المختلفة بعناوينها المتعدّدة (مواهب، خِدم، خبرة أو مهارة، الخ.). يشارك كل مجلس في التمييز الضروري للبشارة الجاهلة بالإنجيل، ولرسالة الجماعة في محيطها الخاص ولشهادة المؤمنين المنتمين إليها. وكلّ مجلس يشارك كذلك وفق الأشكال المقرّرة في عمليّة إتّخاذ القرار والمحاسبة والتقييم. إنّ مجالس المشاركة هي إحدى الأطر الواعدة للعمل عليها بسرعة لتحقيق توجيهات السينودوس وتحقيق تغييرات ملموسة في وقت قصير.
  2. ترتكز الكنيسة السينودوسية على وجود مجالس المشاركة وفعاليتها وحيويتها وليس فقط على تسميتها، كما إنّها تعتمد على عملها بما يتناسب مع القواعد القانونية ومع الأعراف الشرعية، وعلى إحترام التشريع والأنظمة التي ترعاها. لذلك يقتضي جعلها إلزامية، كما كان مطلوباً في كل مراحل المسار السينودوسي، والسماح لها القيام بدورها كاملاً وليس بطريقة رسمية بل بطريقة تتناسب مع مختلف الأطر المحلية.
  3. فضلاً عن ذلك يبدو مناسباً التدخل في عمل هذه المجالس بدءاً باعتماد منهجية عمل سينودوسية. يشكّل النقاش بوحي من الروح، مع بعض التعديلات المناسبة نقطة ارتكاز. يجب التنبّه إلى طريقة تعيين الأعضاء. في غياب الانتخاب، ينبغي القيام باستشارة سينودوسية تعكس قدر الإمكان واقع الجماعة أو الكنيسة المحلية ولتبادر السلطة إلى التعيين باعتماد نتائجها محترِمة العلاقة بين الاستشارة واتّخاذ القرار. من المناسب أيضاً أن نلحظ أنّ أعضاء المجالس الرعوية والأبرشية تتمتّع بإمكانية طرح مواضيع لتسجيلها على جدول الأعمال، وذلك على غرار ما يحدث في المجالس الكهنوتية.
  4. كذلك يقتضي الانتباه، في تأليف مجالس المشاركة، إلى تعزيز إشراك النساء والشباب والفقراء والمهمّشين. ومن الأساسي أيضاً أن تتّسع هذه المجالس لمعمّدين ملتزمين في الشهادة للإيمان في مرافق الحياة العادية وفي ديناميّة المجتمع، باستعداد رسولي ورسالي معروف، وليس فقط لأشخاص مهتمين بتنظيم الحياة والخدمات في داخل الجماعة. وهكذا يستفيد التمييز الكنسي من انفتاح أكبر، من المقدرة على تحليل واقعية وجهات النظر وتعدّديّتها. ووفق الحاجات العائدة للأطر المختلفة، قد يكون من المناسب أن تلحظ مشاركة ممثّلين عن الكنائس والجماعات المسيحية الأخرى على مثال ما يحدث في الجمعية السينودوسية، حيث ممثلون عن أديان أخرى هم عملياً موجودون. تستطيع الكنائس المحلية وتجمّعاتها أن تحدّد، بطريقة أسهل، بعض المعايير لتشكيل مجالس المشاركة المتناسبة مع كل إطار.
  5. أعارت الجمعية إنتباهها الخاص إلى تجارب الإصلاح والممارسات الجيدة الراهنة، كإنشاء شبكة مجالس راعوية على مستوى الجماعات الأساسية، رعايا ومناطق ومجلس راعوي أبرشي. إنّنا نقترح أيضاً، كنموذج للاستشارة والاصغاء، عقد جمعيات كنسية على كل المستويات وبطريقة دورية، محاولين عدم حصر الاستشارة بالكنيسة الكاثوليكية بل الانفتاح على الاصغاء لمساهمة كنائس وجماعات مسيحية أخرى، مع إعارة الانتباه إلى الديانات الأخرى.
  6. تقترح الجمعية أن تُعطى قيمة أكبر للمجمع الأبرشي وللجمعية الأبرشية، كهيئة يستشير الأسقف من خلالها جزءاً من شعب الله الموكل إليه، كمكان للإصغاء وللصلاة وللتمييز، خصوصاً متى يتعلّق الأمر بخيارات مهمة لحياة الكنيسة المحليّة ورسالتها. يستطيع المجمع الأبرشي أن يشكّل إطاراً لممارسة المحاسبة والتقييم: يقدم الأسقف إليه جردة حساب عن العمل الراعوي في مختلف القطاعات، وعن تطبيق الخطة الراعوية، وعن تلقّي المسارات السينودوسية للكنيسة جمعاء، وعن مبادرات حماية القاصرين والضعفاء، وأيضًا عن إدارة الأموال والخيرات المادية. من المطلوب إذاً تعزيز الأحكام القانونية في هذا الموضوع، بشكلٍ يعكس الطابع السينودوسي والرسالي لكل كنيسة محليّة، أخذاً بعين الاعتبار أن تجتمع المجالس الأبرشية دورياً وليس بصورة نادرة.

 

 

القسم الرابع – صيدٌ وفير

الإ هتداء في مجال الروابط

وأقبل التلاميذ الآخرون بالسفينة، يجرون الشبكة بما فيها من السمك، […] فصعد سمعان بطرس إلى السفينة، وجذب الشبكة إلى البر، وقد امتلأت بمائة وثلاث وخمسين سمكة من السمك الكبير، ولم تتمزق الشبكة مع هذا العدد الكثير. (يوحنا 21/ 8 و11).

  1. رُميت الشباك بطلب من يسوع وامتلأت بصيد وفير. يتعاون الجميع في سحب الشبكة، بطرس يلعب دوراً مميزاً. الصيد في الإنجيل هو عمل يتمّ بالمشاركة: لكل واحد مهمّة واضحة، مختلفة ولكنها منسَّقة مع مهمّات الآخرين. هكذا هي الكنيسة السينودوسية، مصنوعة من روابط توحّد في الشركة، ومن مساحات خاصة بتنوّع كلّ شعب وكلّ ثقافة. في زمن تتغيّر فيه خبرة الأمكنة حيث الكنيسة متجذّرة وحاجَّة، من الضروري الاستثمار في أشكال جديدة من تبادل العطايا ونسج الروابط التي توحّد، بدعم من خدمة الأساقفة في الشركة فيما بينهم ومع أسقف روما.

متجذِّرون وحجَّاج

  1. نفضي البشارة بالإنجيل، باعثة الإيمان في قلوب الرجال والنساء، إلى بناء كنيسة في مكان معيّن. لا تفهم الكنيسة بدون أن تكون متجذّرة في أرض محدّدة، في مكان وزمان حيث تتكوّن خبرة موزّعة نتيجة لقاء مع الله المخلّص. يحمل البعد المحلي للكنيسة غنى التعدّد في التعبير عن الإيمان المتجذّر في أطر ثقافية وتاريخية خاصّة، وشركة الكنائس تظهر شركة المؤمنين داخل الكنيسة الواحدة. يدعو الإهتداء السنودوسي كل شخص إلى أن يجعل من قلبه مساحة رحبة، إذ إنّه “المكان” الأول حيث يتردد صدى كل علاقاتنا المتجذّرة في العلاقة الشخصية مع المسيح يسوع وكنيسته. هذا هو مصدر كل إصلاح وشرطه، بالمعنى السينودوسي، لكل روابط الانتماء ولكلّ الأماكن الكنسية. لا يمكن للعمل الراعوي أن يكتفي بالاهتمام بالعلاقات بين أشخاص منسجمين أصلاً بل عليه أن يشجّع اللقاء مع كل رجل وكل امرأة.
  2. لخبرة التجذّر أن تتفاعل مع التغيرات الاجتماعية – الثقافية العميقة التي تبدّل مفهوم المكان. لا يمكن بعد الآن استيعاب مفهوم المكان بتعابير جغرافية وفضائيّة، فهو يستحضر، في زمننا، الانضمام إلى شبكة علاقات وإلى ثقافة جذورها الأرضيّة هي أشدّ ديناميّة وأكثر ليونة ممّا كانت عليه. . إنشاء المدن الكبرى هو عامل أساسي في هذا التغيير: اليوم، ولأوّل مرّة في تاريخ الإنسانية، يعيش أكثر سكان العالم في المدن. وغالباً ما تكون المدن الكبرى تجمّعات بشرية من دون تاريخ ولا هويّة، يعيش فيها الناس كما لو كانوا في جزيرة. يتغيّر معنى الروابط التقليدية المرتبطة بالأرض، مغيّرةً حدود الرعايا والأبرشيات. الكنيسة مدعوة إلى العيش في هذه الأطر، معيدة بناء الحياة الجماعية، ومظهرةً الوقائع المجهولة، وناسجة علاقات أخويّة. لهذه الغاية، إلى جانب تقييم البنى التي ما زالت صالحة، من الضروري البحث عن رساليّة خلاّقة تكتشف أشكالاً راعوية جديدة وتحدّد مسارات واقعية لإدارتها. إهمال الأرياف التي تحوّلت إلى ضواح لحياة الكثيرين أمر لا يجب أن يكون فهي، كما أماكن التهميش والعزل، تتطلب اهتماما راعوياً خاصاً.
  3. يمتاز زمننا أيضاً بانتقال البشر من مكان إلى آخر لأسباب مختلفة. غالباً ما يشكّل اللاجئون والمهاجرون، جماعات دينامية بما في ذلك ممارساتها الدينية ما يحوّل المكان الذي يمكثون فيه متعدّد الثقافات. يحافظ البعض منهم على روابط وثيقة مع بلدهم الأم ويجدون صعوبة في نسج روابط في البلد الجديد، ويبقى آخرون من دون جذور. إنّ سكّان البلدان التي هاجروا إليها هم مدعوّون أيضاً لاستقبال مهاجرين جدد.. يختبر الجميع تأثير اللقاء مع تعدّدية الأصول الجغرافية والثقافية واللغوية وجميعهم مدعوّون إلى تكوين جماعات متداخلة الثقافات. يجب عدم إهمال تأثير ظاهرات الهجرة على حياة الكنائس. إنّ أوضاع بعض الكنائس الكاثوليكية الشرقية ترمز إلى هذه الحالة بسبب من تزايد أعداد مؤمنيها في الشتات: من المطلوب مقاربات جديدة من أجل أن يحافظوا على روابطهم مع كنيستهم الأم، وإيجاد علاقات جديدة مع احترام جذورهم الروحية والثقافية المختلفة.
  4. انتشار الثقافة الرقمية، بين الشباب بشكل خاص، يغير بالعمق مفهوم المكان والزمان، ويؤثّر على النشاطات اليومية، على التواصل وعلى العلاقات بين الأشخاص، بما فيها الإيمان. الإمكانات التي توفّرها وسائل الإعلام الرقمي تعيد تشكيل العلاقات والروابط والحدود. وبالرغم من أنّنا اليوم أكثر تواصلاً من أيّ يوم آخر فإنّنا نعيش خبرة الوحدة والتهميش. ومن الممكن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لمصالح اقتصادية وسياسية، وتحكّماً بالناس، فهي تنشر إيديولوجيات وتولّد إستقطابات عنفيّة. هذا الواقع يأخذنا إلى الخواء ويوجب علينا تكريس موارد لازمة لكي تصبح البيئة الرقمية نبويّة الرسالة والبشارة. فلتشجّع الكنائس المحلية ولْتدعم وترافق الملتزمين بالرسالة في الوسط الرقمي. الجماعات والفرق الرقمية المسيحية، خصوصاً الشباب، مدعوون للتفكير بكيفية خلق روابط انتماء تحفّز اللقاء والحوار وتؤمّن تنشئة بين أقرانهم، وتطوّر طرائق سينودوسية ليكونوا كنيسة. توفّر شبكة التواصل فرصاً جديدة لعيش البعد السينودوسي للكنيسة بشكل أفضل.
  5. هذه التطوّرات الاجتماعية والثقافية تطلب إلى الكنيسة أن تُعيد التفكير بمعنى بُعدها “المحلي”، وأن تعيد النظر في بُناها التنظيمية من أجل خدمة أفضل لرسالتها. إنّه لأمر أساسي فهم “المكان” كواقع تاريخي تتشكل فيه الخبرة البشرية مع الاعتراف بقيمة التجذر في أوساط جغرافية وثقافية معيّنة. هنا، ومن خلال شبكة العلاقات القائمة، مدعوّة هي الكنيسة إلى عيش الأسرار والقيام برسالتها الخاصة (راجع LG 1).
  6. العلاقة بين المكان والزمان تطرح التفكير بالكنيسة بمثابة “بيت”. حينما لا يتمّ فهمها كمكان مغلق لا يدخله أحد ينبغي الدفاع عنها بأي ثمن، صورة البيت تستحضر القدرة على الإستقبال والإستضافة والإنضواء. الوجود ذاته هو بيت مشترك، حيث يعيش أعضاء العائلة البشرية مع كل المخلوقات الأخرى. مهمّتنا، بدعم من الروح القدس، هي أن يرى العالم في الكنيسة بيت إستضافة وسرّ لقاء وخلاص ومدرسة شركة لكل بنات وأبناء الله. الكنيسة هي أيضاً شعب الله ماشياً مع المسيح، وكل شخص مدعو ليكون حاجّاً صوب الرجاء. الممارسة التقليدية للحجّ هي الدليل إلى ذلك. إنّ تقوى الشعب هي أحد الأمكنة الخاصة بكنيسة سينودوسية رسولية..
  7. الكنيسة المحلية، بمعنى رعوي أو أبرشي، هي النطاق الأساسي حيث تظهر بشكل كامل شركة المعمّدين في المسيح. تلتقي فيها الجماعة لتحتفل بسر الافخارستيا برئاسة الأسقف. كل كنيسة محلية هي مترابطة فيما بينها وهي في علاقة مع الكنائس المحلية الأخرى.
  8. الرعية التي تركها لنا التاريخ هي من الروابط الأساسية في الكنيسة المحلّية. الجماعة الرعوية التي تجتمع لتحتفل بالافخارستبا هي مكان مميز للعلاقات، للترحييب وللتمييز وللرسالة. التغيّرات في مفهوم العلاقة وفي طريقة عيشها مع المكان تتطلب إعادة فهم لتكوينها. ما يميز الرعية هو أنّها جماعة لا تتكوّن بالاختيار. فهي تجمع بين أشخاص من كل الأجيال والمهن والأصول الجغرافية، والطبقات الإجتماعية ومختلف الظروف المعيشية. وبهدف الإيفاء بمتطلبات جديدة خاصّة بالرسالة تجد الكنيسة نفسها مدعوّة إلى الانفتاح على أشكال جديدة من العمل الراعوي التي تأخذ بعين الاعتبار انتقال الأشخاص إلى “أماكن عيش” يطورون حياتهم فيها. تصبح الرعية قادرة على دعم الأشخاص في مختلف مراحل حياتهم وفي رسالتهم في العالم من خلال تعزيز التنشئة المسيحية والمرافقة والإعداد. وهكذا يظهر بوضوح أشدّ أنّ الرعيّة لا تتمحور حول ذاتها بل إنّها تتوجّه نحو الرسالة، وأنّها مدعوة إلى دعم التزام الكثيرين من الأشخاص الذين، بطرائق مختلفة، يعيشون إيمانهم ويشهدون له في مهنهم وفي الأنشطة الإجتماعية والثقافية والسياسية. في العديد من مناطق العالم الجماعات المسيحية الصغيرة أو الجماعات الأساس في الكنيسة تشكّل البيئة التي يمكن الإنطلاق منها لتطوير علاقات تقارب وتبادل، مفسحة المجال لإمكانيّة عيش واقعي للسينودالية..
  9. نعترف لمؤسّسات الحياة المكرّسة، ولجمعيات الحياة الرسولية كما للجمعيات والحركات والجماعات الجديدة، بقدرتها على التجذّر في الأرض، وفي الوقت نفسه، على الربط بين أماكن وأوساط مختلفة على الصعيدين الوطني والدولي. غالبا ما يحمل عملها، بالشراكة مع عمل أفراد ومجموعات غير منتظمة فيها، الإنجيل إلى أماكن مختلفة: مستشفيات وسجون ودور عجزة ومراكز استقبال المهاجرين والقاصرين والمهمّشين وضحايا العنف، مؤسّسات التربية والإعداد، ومدارس وجامعات، حيث يلتقي الشباب والعائلات، وأماكن ثقافية وسياسة وتنمية بشرية شاملة حيث تُرسم وتُبنى أشكال جديدة من العيش معاً. إنّنا ننظر أيضاً بامتنان إلى الأديار وأماكن اللقاء والتمييز، نبوءة “ما وراء” تعني الكنيسة جمعاء وتوجّه مسيرتها. من مسؤولية الأسقف الأبرشي أن ينشّط هذه التعدّدية ويسهر على روابط الوحدة. المؤسسات والجمعيات هي مدعوة إلى تنسيق عملها مع الكنيسة المحلية وهي تشارك في الدينامية السينودوسية.
  10. تقييم الأماكن “الوسيطة” بين الكنائس المحليّة والكنيسة الجامعة يمكن أن يُسهّل حضوراً فاعلاً للكنيسة في أوساط زمننا الحاضر. ازدياد التنقل والتواصل في عالم اليوم يجعل الحدود بين الكنائس مرنة وغالباً ما تدعو إلى التفكير والعمل في “أوساط اجتماعية – ثقافية واسعة”، حيث تكون الحياة المسيحية “، بدون إنحياز، متناسقة مع عبقرية وطبيعة كل ثقافة” (AG 22).

تبادل عطايا

  1. السير معاً في مختلف الأمكنة كتلاميذ ليسوع في تعدّدية المواهب والخِدَم،كما في تبادل العطايا بين الكنائس هو علامة فاعلة لحضور حب الله ورحمته في المسيح الذي يرافق ويدعم ويوجه بنفحة من الروح القدس مسيرة البشرية نحو الملكوت. إنّ تبادل العطايا يعني جميع أبعاد الحياة في الكنيسة .. مكوّنة في المسيح كشعب الله من جميع شعوب الأرض المرتبطة بقوّة بشركة الكنائس المحلّية وتجمّعاتها وبالكنائس ذات الحق الخاص (sui iuris) في حضن الكنيسة الواحدة الكاثوليكية، تعيش رسالتها بتعزيز واستقبال كلّ القدرات والموارد وأنماط حياة الشعوب بأفضل ما عندها من خيور، وبهذا التبني يطهّرها ويقوّيها ويرقّيها (LG 13). يقول القديس بطرس: “وليخدم بعضكم بعضا، كل واحد بما نال من الموهبة كما يحسن بالوكلاء الصالحين على نعمة الله المتنوعة” (1 بطرس 4/10). بالتأكيد يمكن تطبيق هذا القول على كل كنيسة محلية. مثال عملي وملهم عن تبادل العطايا الذي ينبغي أن يعاش ويعاد النظر فيه بداعي الظروف التاريخية المتبدّلة والضاغطة، هو ما يجري بين الكنائس ذات التقليد اللاتيني والكنائس الكاثوليكية الشرقية. إنّ أفقاً معبّراً من التجدّد والرجاء، من خلاله يمكن أن تتحقّق أشكال لتبادل للعطايا، وللبحث عن الخير المشترك، وللعمل المنسق حول قضايا اجتماعية ذات أهمية شاملة، يتشكّل، على سبيل المثال، في مناطق جغرافية واسعة تتجاوز الحدود الوطنية ومتعدّدة الثقافات كالأمازون وحوض نهر الكونغو والبحر الأبيض المتوسّط.
  2. تقدّم الكنيسة نفسها، على المستوى المحلّي وفي وحدتها الكاثوليكية، كشبكة علاقات تمرّ من خلالها وتشيع الرؤية المستقبلية لثقافة اللّقاء، وللعدالة الاجتماعية، ولضمّ المجموعات المهمّشة، وللأخوة بين الشعوب وللعناية بالبيت المشترك. تتطلب الممارسة الواقعية لهذه النبوءة أن تتشارك كل كنيسة خيراتها بروح من التعاضد، بدون وصاية أو إشراف، باحترام الهويات المتعدّدة وتحفيز تبادلية سليمة مع الالتزام، حيث تدعو الضرورة، بعلاج جراح الذاكرة والانطلاق في دروب المصالحة. تبادل العطايا واقتسام الموارد بين الكنائس المحلية في مناطق مختلفة يعزّز وحدة الكنيسة، ويخلق روابط بين الجماعات المسيحية المعنيّة. من الضروري التركيز على الشروط التي يجب تأمينها لضمان ألاّ يتحوّل الكهنة، الآتين لمساعدة الكنيسة التي تفتقر للدعوات الكهنوتية، إلى علاج وظيفي فقط، بل إلى مصدر لنموّ الكنيسة التي ترسلهم وتلك التي تستقبلهم. كذلك يجب العمل على ألا تنحدر المساعدات الاقتصادية إلى مستوى الإعالة، بل أن تعزّز تضامناً إنجيلياً حقيقياً وأن تتمّ إدارتها بطريقة شفافة وموثوقة.
  3. يكتسب تبادل العطايا رمزية مفصليّة في المسيرة نحو الوحدة الكاملة والمرئيّة بين كل الكنائس والجماعات المسيحية. فضلاً عن ذلك، هذا التبادل هو علامة هذه الوحدة المؤثّرة في الإيمان بالمسيح وحبّه، وهو إيمان يعزّز مصداقية الرسالة المسيحية وتأثيرها (راجع يوحنا 17/21). طبّق البابا القديس يوحنا بولس الثاني هذه العبارة في الحوار المسكوني: “ليس الحوار تبادل أفكار فقط. إنّه دائماً، بطريقة ما، تبادل عطايا” (UUS 28). بالتزامها تجسيد الإنجيل الواحد في تنوّع الأطر الثقافية والظروف التاريخية والتحديات الإجتماعية، وبإصغائها إلى كلمة الله وصوت الروح القدس، أنتجت التقاليد المسيحية المختلفة عبر العصور ثماراً وفيرة من القداسة والمحبة والروحانية واللاهوت والتعاضد على المستويَين الاجتماعي والثقافي. حان الوقت لكي نكتنز هذه الثروات الثمينة: بسخاء وصدق، ومن دون أحكام مسبقة، بامتنان للرب، وانفتاح متبادل، مقدّمين إياها كهدية لبعضنا البعض من دون الادّعاء بأنها ملك حصريٌ لنا. مثال القديسين وشهود الإيمان في الكنائس والجماعات المسيحية الأخرى هو أعطية لنا يمكننا تلقّيها مسجّلين في التقويم الليتورجي الخاص بالشهداء.
  4. تعلن الوثيقة حول الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، الموقعة من البابا فرنسيس ومن الإمام الأكبر للأزهر الشيخ أحمد الطيّب في أبو ظبي في 4 شباط/فبراير 2019، الإرادة في”تبني الحوار كطريق، التعاون المشترك كسلوك، المعرفة المتبادلة كأسلوب ومعيار”. لا يتعلّق الأمر بطموح غير واقعي أو بناحية اختيارية في مسيرة شعب الله في عالم اليوم. تلتزم الكنيسة السينودوسية بالسير على طريق كهذه، في مختلف الأماكن التي توجد فيها، مع مؤمنين هم من ديانات أخرى ومع أشخاص هم من معتقدات أخرى، مشاركة إيّاهم، بحرّية، فرح الإنجيل ومستقبلة عطاياهم بامتنان: نبني معًا، إخوة وأخوات، وبروح التبادل والتعاون، العدالة والسلام والحوار بين الأديان (راجع GS 40). في بعض المناطق، هناك جماعات صغيرة متجاورة، يلتقي فيها الناس بدون تمييز في انتماءاتهم الدينية، وهي توفّر بيئة مؤاتية لحوار ثلاثي: حوار الحياة، حوار العمل وحوار الصلاة.

روابط للوحدة: مجالس أسقفية وجمعيات كنسية

  1. أفق الشركة في تبادل العطايا هو المعيار الملهم للعلاقات بين الكنائس. يوالف بين الانتباه إلى الروابط التي تكوّن وحدة كل الكنيسة وبين الاعتراف والتقدير للخصوصيات المرتبطة بالسياق الذي تعيش فيه كل كنيسة محلية، مع تاريخها وتقاليدها. تبني أسلوب سينودوسي يسمح للكنائس أن تخطو إلى الأمام كلّ واحدة منها بإيقاع مختلف. يمكن تقييم اختلاف الإيقاع كتعبير عن تعدّدية مشروعة وكفرصة لتبادل العطايا والإغتناء المشترك. يتطلّب هذا الأفق المشترك تمييزاً وتحديداً وتحفيزاً لبنى وممارسات واقعية لأجل كنيسة سينودوسية رسولية.
  2. تعبّر المجالس الأسقفية عن مجمعيّة الأساقفة وتحقّقها، من أجل تعزيز الشركة بين الكنائس والإستجابة بشكل فعّال لحاجات الحياة الراعوية. إنّها أداة أساسية لإيجاد الروابط، للمشاركة في خبرات وممارسات جيدة بين الكنائس، بتكييف الحياة المسيحية والتعبير عن الإيمان في الثقافات المختلفة. أيضاً تقوم المجالس الأسقفية بدور مهمّ في تطوير السينودالية بإشراك كل شعب الله. انطلاقاً مما برز خلال المسيرة السينودوسية، يتم اقتراح:

أ)       جمع ثمار التفكير حول الوضع اللاهوتي والقانوني للمجالس الأسقفية؛

ب)    تحديد مجال الصلاحية العقائدية والتأديبية العائدة للمجالس الأسقفية. من دون المساس بسلطة الأسقف في الكنيسة المحلية الموكلة إليه، ومن دون المخاطرة بوحدة الكنيسة وكاثوليكيّتها، الممارسة الجماعية لهذه الصلاحية تعزّز التعليم الأصيل للإيمان الواحد بطريقة مناسبة ومتجذرة في كل الأوساط، وذلك بتحديد التعابير الليتورجية والتعليمية والتأديبية والراعوية واللاهوتية والروحية المختصّة (راجع AG 22)؛

ج)     متابعة تقييم عمل المجالس الأسقفية، العلاقات فيما بينها ومع الكرسي الرسولي من أجل تحديد الإصلاحات التي يجب وضعها قيد التنفيذ. الزيارات إلى الأعتاب الرسولية (ad limina Apostolorum) قد تكون مناسبة لمثل هذا التقييم ؛

د)      السهر على أن تكون كل الأبرشيات جزءاً من مقاطعة كنسية ومن مجلس أسقفي (راجع CD 40)؛

ه)     تحديد الرابط الكنسي الذي تكوّنه القرارات التي يتّخذها المجلس الأسقفي فيما يتعلّق بأبرشيّة كل أسقف شارك في هذه القرارات.

  1. في المسار السينودوسي، قدّمت الجمعيات الكنسية القارية السبع التي أخذت شكلها التنظيمي في بداية العام 2023 أمراً جديداً ذا معنى عميق وشكّلت إرثاً يجب تثمينه كطريقة فعّالة لتحقيق التعليم المجمعي حول قيمة “كل قطاع اجتماعي – ثقافي كبير” في البحث عن “أعمق تكييف على امتداد الحياة المسيحية “(AG 22). إنّ وضع الجمعيّات الكنسية اللاّهوتي والقانوني كما وضع التجمّعات القارّية للمجالس الأسقفية يجب توضيحهما بغية التمكّن من تتثمير فاعليتهما في تطوير لاحق لكنيسة سينودوسية. على رؤساء التجمعات القارية للمجالس الأسقفية أن يشجّعوا ويدعموا استمرارية هذه الخبرة.
  2. أعضاء الجمعيات الكنسية (الإقليمية، والوطنية، والقارية) الذين يمثّلون تنوّع شعب الله (ومن بينهم الأساقفة) يشاركون في التمييز الذي يساعد الأساقفة، بطريقة مجمعية، أن يأخذوا القرارات العائد إتّخاذها إليهم بحكم الخِدمة المؤتمنون عليها. تبرهن هذه الخبرة كيف أنّ السينودالية تسمح بالرّبط العملي بين إشراك الجميع (شعب الله المقدّس) وخدمة البعض (مجمع الأساقفة) في عمليّة إتّخاذ القرار المتعلّق برسالة الكنيسة. من المقترح أنه بإمكان التمييز أن يشمل، بأشكال تكيّف وفق تنوّع سياقات وأمكنة الإصغاء والحوار مع مسيحيين آخرين، ممثّلين عن أديان أخرى وعن مؤسسات عامة ومنظّمات مجتمع مدني والمجتمع ككلّ.
  3. تجد بعض المجالس الأسقفية صعوبات بالمشاركة في جمعيات قارية ومنظمات كنسية ما فوق وطنية، وذلك بسبب أوضاع اجتماعية وسياسية خاصّة. ينصرف الكرسي الرسولي بكلّيته إلى مساعدتها بدعم الحوار وتوطيد الثقة المتبادلة مع الدول لمنحها إمكانية التواصل مع مجالس أسقفية أخرى من أجل تبادل العطايا.
  4. في سبيل تحقيق لامركزية ناجعة (EG 16) وانغراس فعّال في ثقافة الإيمان، من الضروري ليس فقط الاعتراف بدور المجالس الأسقفية بل أيضاً إعادة تقييم مؤسّسة المجامع الخاصة، الإقليمية والشاملة، التي كان انعقادها الدوري إلزامياً لفترة طويلة من تاريخ الكنيسة والملحوظة في الحق القانوني اللاتيني النافذ[31]. تجب الدعوة إلي انعقادها بشكل دوري. الإجراء الخاص باعتراف الكرسي الرسولي (recognitio) بمقرّرات المجامع الخاصة يجب إصلاحه لتشجيع نشرها في وقت مفيد، وذلك بتحديد مهل واضحة لنشرها إذا كانت هذه المقرّرات راعوية أو نظامية (ولا تتعلق مباشرة بمسائل الايمان، الأخلاق أو تنظيم الأسرار) ومتضمّنة قرينة قانونية تعادل الموافقة الضمنيّة.

خدمة أسقف روما

  1. أسهم المسار السنودوسي في إعادة النظر في الصيغ التي يعتمدها أسقف روما في أداء خدمته في ضوء السينودالية. تناغم السينودالية بين الأبعاد الجماعية (“الكل“) والأبعاد المجمعية (“البعض“) والبعد الشخصي (“الواحد“) في كل كنيسة على حدة وفي الكنيسة جمعاء. في هذه الرؤية، تبدو الخدمة البطرسية متأصلة في الدينامية السينودوسية،كذلك الوجه الجماعي الذي يشتمل على شعب الله كلّه والبعد المجمعي لخدمة الأساقفة (راجع CTI, n. 64).
  2. 131. يمكننا إذًا أن نفهم، بصورة أعمق وأغنى، أهمية تأكيد المجمع الفاتيكاني الثاني على أنّه «توجد شرعيًا داخل الشركة الكنسيّة كنائس خاصة تنعم بتقاليدها الذاتيّة، مع الحفاظ التام على رئاسة كرسي بطرس الذي يرئس جماعة المحبة الشاملة، ويضمن الفروقات الشرعيّة ويسهر أيضًا على ان تكون الخصوصيات مفيدة له دون أن تلحق اذًى بالوحدة” (LG 13). إنّ أسقف روما، مبدأ وأساس وحدة الكنيسة (راجع LG 23)، هو ضامن السينودالية: تعود له دعوة الكنيسة إلى السينودس ورئاسته والمصادقة على نتائجه. بصفته خليفة بطرس، له دور فريد في الحفاظ على وديعة الإيمان والأخلاق، بسهره على أن تكون مسارات السينودوس مثمرة للوحدة وللشهادة. إلى جانب أسقف روما، يلعب مجمع الأساقفة دوراً لا غنى عنه في رعاية كل الكنيسة (LG 22-23) وفي تنشيط السينودالية في كل الكنائس المحلية.
  3. كضامن للوحدة في التنوّع، يسهر أسقف روما على حماية هوية الكنائس الكاثوليكية الشرقية، باحترام لتقاليدها اللاهوتية والقانونية والطقسيّة، الروحية والراعوية العلمانية. تتمتع هذه الكنائس ببُناها الخاصة السينودوسية التقريرية: سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية وسينودوسات كنائس الرئاسات الأسقفية العليا[32]، المجمع الإقليمي[33]، مجلس الكنائس المتروبولتية [34]وأخيرا مؤتمرات الرؤساء الكنسيين لكنائس عدّة مستقلّة ذات الحق الخاص[35]وهي في شركة تامة مع أسقف روما، مع الإحتفاظ بهويتها الشرقية وعلى استقلاليتها. في إطار السينودالية، من الجيد أن نلقي معاً نظرة على التاريخ من أجل الشفاء من جراح الماضي وتطوير طرق العيش في الشركة، الذي يأتي بتغيير عميق في العلاقات بين الكنائس الكاثوليكية الشرقية والدوائر الرومانية. إنّ العلاقات بين الكنيسة اللاتينية والكنائس الشرقية الكاثوليكية يجب أن تتّسم بتبادل العطايا وبالتعاون والإغتناء المشترك.

133 لتمتين هذه العلاقات، تقترح الجمعية السينودوسية إقامة مجلس حول البابا مؤلّف من بطاركة ورؤساء أساقفة، وأساقفة الكنائس الشرقية الكاثوليكية، ويكون تعبيراً عن السينودالية وأداة لتحفيز الشركة وتقاسم الإرث الطقسي واللاهوتي والقانوني والروحي. إنّ خروج الكثيرين من المؤمنين الشرقيين إلى مناطق تتبع الطقس اللاتيني يعرّض هويّتهم لخطر الضياع. ومعالجة هذه المشكلة تقتضي وضع تشريعات جديدة للإنتماء الطقسي وللسلطة القانونية التي بإمكانها أن تضمن الهويّة في الأرض الأم كما في الشتات. هذا العمل يمكن أن يترافق وتوسعة السلطة القانونية العائدة للكنائس ذات الحقّ الخاص إلى المناطق التي يقيم فيها مؤمنوها المهاجرون بأعداد كبيرة. توصي الجمعية السينودوسية بالحوار الصادق والتعاون الأخوي بين الأساقفة اللاتين والشرقيين، لتأمين رعاية أفضل للمؤمنين الشرقين المحرومين من كهنة من طقسهم ولتأمين استقلالية عادلة لمشاركة الاساقفة الشرقيين في المجالس الأسقفية. أخيراً تقترح الجمعية على الأب الأقدس الدعوة إلى مجمع خاص لتقوية تدعيم الكنائس الشرقية الكاثوليكية ونهوضها.

  1. التفكير حول الخدمة البطرسية من باب سينودوسي يقتضي القيام به ضمن رؤية “اللامركزية” الناجعة (EG 16) التي شجّعها البابا فرنسيس وطلبها عدد من المجالس الأسقفية. وبحسب الدستور الرسولي بشّروا بالإنجيل (Praedicate Evangelium) فهي تتضمّن: “التخلّي عن سلطة الحل للرعاة ضمن ممارسة مهمتهم التعليمية والرعائيّة، في المسائل التي يعرفونها جيداً والتي لا تمس بوحدة العقيدة، وبالتنظيم الكنسي والشركة الكنسية، عاملين دوما انطلاقاً من المسؤولية المشتركة التي هي ثمرة سر الشركة (mysterium communionis) والتعبير عنه، التي هي تحديداً الكنيسة (PE II, 2). للسير في هذا الاتجاه، ومن خلال دراسة لاهوتية وقانونية، من الممكن تحديد المسائل التي يجب أن يحتفظ بها للبابا (reservatio papalis) والمسائل التي يمكن إعادتها للأساقفة في كنائسهم أو تجمعات الكنائس، وذلك تماشيًا مع الارادة الرسولية (Competentias quasdam decernere). في الواقع، يسند البابا “بعض الصلاحيّات المتعلّقة بالأحكام القانونيّة توخّياً للحفاظ على وحدة النظام في الكنيسة الجامعة، إلى السّلطة التنفيذيّة في الكنائس والمؤسّسات الكنسيّة المحليّة، وذلك بالإستناد إلى ديناميّة الشّركة الكنسيّة. إنّ صياغة التشريع القانوني على يد المكلّفين بذلك وسلطة الكنيسة تقتضي أن تكون شبيهة بالصياغة السينودوسية وأن تنضج على غرار ثمرة التمييز الكنسي.
  2. الدستور الرسولي “أعلنوا الإنجيل” (Praedicate Evangelium) صاغ، بالمعنى السينودوسي والرسولي، خِدمة الدوائر الرومانية مؤكداً على أنّها “لا تقوم بين البابا والأساقفة، بل هي في خدمة الطرفين بحسب طبيعة خِدمة كل طرف” (PE I.8). إنّ وضعها قيد التنفيذ يوجب التحفيز على تعاونٍ أكبر بين الدوائر وعلى تشجيع الاصغاء إلى الكنائس المحلّية. قبل أي إصدار لمستندات تنظيمية مهمة يُطلب إلى الدوائر أن تبدأ باستشارة المجالس الأسقفية والمنظّمات التابعة للكنائس الشرقية ذات الحقّ الخاص. عملاً بمنطق الشفافية والمحاسبة، الذي تمّ وصفه أعلاه، ثمّة أشكال لتقييم عمل الدوائر الرومانية بصورة دوريّة ربّما تكون موضوع تفكير . إنّ تقييماً كهذا، يتمّ برؤية سينودوسية رسولية، قد يطال أيضاً الممثلين البابويين. الزيارات إلى الأعتاب الرسولية (ad limina Apostolorum) تشكّل الوقت الأهم في علاقة رعاة الكنائس المحلية مع أسقف روما وأقرب معاونيه في الدوائر الرومانية. يتمنى كثير من الأساقفة إعادة النظر في كيفية حصول هذه الزيارات لكي تتحول أكثر فأكثر إلى مناسبات لتبادل منفتح وإصغاء متبادل. من المهم لخير الكنيسة تعزيز المعرفة المتبادلة وروابط الشركة بين أعضاء مجمع الكرادلة مع الأخذ بالاعتبار تعدّدية أصولهم وثقافاتهم. السينودالية هي مصدر إلهام لهم في تعاونهم في الخدمة البطرسية في التمييز المجمعي وفي مجالسهم الكنسية العادية منها والإستثنائيّة.

136.من الأمكنة التي تمارس فيها السينودالية والمجمعية على مستوى الكنيسة جمعاء، ينفصل بكلّ تأكيد سينودوس الأساقفة الذي حولته الوثيقة الباباوية (Episcopalis communio) من حدث محدّد إلى مسار كنسي. أقامه البابا القديس بولس السادس كجمعية للأساقفة مدعوّة للمشاركة من الآن وصاعداً، من خلال المجمع، وبعناية الحبر الروماني للكنيسة جمعاء، وبشكل مسار مقسّم إلى مراحل، في التعبير عن العلاقة التأسيسية وأداتها بين شعب الله كلّه، وبين مجمع الأساقفة والبابا. كل شعب الله المقدس والأساقفة الموكلين برعايته، على تنوّع فئاته، وأسقف روما يشاركون في المسار السينودوسي، كل واحد بحسب مهمّته. هذه المشاركة ظهرت في السينودوس المجتمِع حول البابا، والذي بتشكيلته يُظهر كاثوليكيّة الكنيسة. وبصورة خاصة، كما شرح البابا فرنسيس، إن هذه الجمعية العامة الدورية السادسة عشرة: “هي أكثر من حدث عابر. هي تعبّر عن طريقة ممارسة الخدمة الأسقفية المنسجمة مع التقليد الحي للكنيسة ومع تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني”[36]. إنّ مجمع الأساقفة، محتفظاً بطبيعته الأسقفية، رأى وسيرى، في مشاركة أعضاء آخرين من شعب الله “الشكل الذي من خلاله هو مدعو لممارسة سلطته الأسقفية في كنيسة تعي أنّها تأسّست تشاركياً، ولهذا فهي سينودوسية”(المرجع نفسه) من أجل الرسالة. من الأمور الجوهرية أنّ الرّبط بين انخراط الجميع (شعب الله المقدّس) وخدمة البعض (مجمع الأساقفة) ورئاسة فرد (خليفة بطرس) يظهر ويتحقّق عملياً في المسار السينودوسي وفي الجمعيات.

  1. قوّة الإندفاعة المسكونيّة هي واحدة من الثمار الأغنى بالمعاني لسينودوس 2021-2024. إنّ ضرورة إيجاد “طريقة لممارسة الأوّلية[…] تنفتح على وضع جديد” (UUS 95) هي تحدٍ أساسي أكان للكنيسة السينودوسية الرسولية أم لوحدة المسيحيين. إنّ المجمع يرحّب بالإصدار الجديد لتحفيز وحدة المسيحيين بعنوان: أسقف روما. الأوّلية والسينودوسية في الحوارات المسكونية، وهو يقدّم أفكاراً للتعمق بها لاحقاً. يُظهر المستند أنّ تحفيز وحدة المسيحيين هي وجه أساسي للخدمة التي يقوم بها أسقف روما ويظهر كذلك أنّ المسيرة المسكونية أمّنت فهماً أعمق لهذه الخدمة. الاقتراحات الواقعية التي يحتويها حول إعادة قراءة أو شرح رسمي للتحديدات العقائدية للمجمع الفاتيكاني الأول بشأن الأوليّة والتمييز الواضح بين مختلف مسؤوليات البابا، والدعوة إلى السينودالية والبحث عن مثال للوحدة يرتكز على نظرة كنسية للشركة، هذه الإقتراحات تقدم رؤية واعدة للمسيرة المسكونية. تأمل الجمعية أن يشكل هذا المستند قاعدة لتفكير لاحق مع مسيحيين آخرين حول ممارسة خدمة الوحدة التي يقوم بها  أسقف روما “كخدمة محبة يعترف الجميع”( UUS 95).
  2. تدعونا، مشاركة الإخوة الممثلين للكنائس والشركات المسيحية الأخرى في الجمعيّة، الى مزيد من الإهتمام بممارسات شركائنا السنودوسية، على الصعيد المسكوني، أكان في الشرق كما في الغرب. الحوار المسكوني هو أساسي لتطوير فهم السينودالية ووحدة الكنيسة. يدفعنا هذا الحوار إلى تصوّر لممارسات سينودوسية مسكونية حقيقية، بما فيها أشكال للإستشارة والتمييز حول مسائل مشتركة وطارئة مثل انعقاد سينودوس مسكوني بموضوع البشارة. يدعونا الحوار كذلك إلى أن نقدّم بعضاً إلى بعض تقريراً عمّا هو من نحن، عمّا نفعله وعمّا نعلّمه. تجد هذه الامكانية جذورها في كوننا متّحدين في المعمودية الواحدة التي تنبع منها هوية شعب الله ودينامية الشركة والمشاركة والرسالة.
  3. سنة2025 هي السنة اليوبيلية الأولى للمجمع المسكوني الأوّل حيث تمّت بطريقة سينودوسية صياغة قانون الإيمان الذي يوحّد جميع المسيحيين. التحضير والإحتفال المشترك لذكرى مرور 1700 عام على مجمع نيقيا يجب أن يكونا مناسبة لتعميق إيماننا الكريستولوجي والتسليم معاً بصحّته وتطبيق أشكال سينودوسية بين المسيحيين من كل التقاليد.

 

 

 

 

 

القسم الخامس– “أرسلكم أنا أيضاً”

تكوين شعب من التلاميذ المرسلين

فقال لهم ثانية:” السلام عليكم! كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضا”. قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: “خذوا الروح القدس”. (يوحنا 20/21-22).

  1. ليلة الفصح أعطى المسيح تلاميذه نعمة سلامه وجعلهم شركاء في رسالته. سلامه هو كمال الكائن البشري و تناغم مع الله، ومع الإخوة والأخوات ومع الخلق جميعاً: الرسالة هي إعلان ملكوت الله بإهداء كل شخص بدون استثناء رحمة الآب ومحبّته. الحركة الناعمة التي رافقت كلمات القائم من الموت تذكّرنا بما فعله الله في البدء. الآن، في العلية، يبدأ، مع نفحة الروح القدس، الخلق الجديد: يولد شعبٌ من التلاميذ المرسلين.
  2. لكي يستطيع شعب الله المقدّس أن يشهد لفرح الإنجيل، بينما ينمو في ممارسة السينودالية، يحتاج إلى تنشئة ملائمة: قبل كلّ شيء، التنشئة على حرية أبناء وبنات الله على خطى يسوع المسيح الذي يتأمّلونه في الصلاة ويلتقونه في الفقراء. تقتضي السينودالية وعياً عميقاً للدعوة وللرسالة. وهذا ما يشكّل مصدراً لأسلوب متجدّد في العلاقات الكنسية، ولديناميات مشاركة وتمييز كنسييَّن ولثقافة التقييم التي لا يمكن بناؤها من دون مرافقة لعمليّات تنشئة هادفة. التنشئة على الأسلوب الكنسي السينودوسي يعزّز الوعي بأن العطايا التي ننالها بالمعمودية هي مواهب يجب تثميرها لخير الجميع: لا يجوز إخفاؤها أو كبتها.
  3. تبدأ تنشئة التلاميذ الرسل مع التنشئة المسيحية وتتجذّر فيها. في تاريخ كل واحد منا لقاء، مع الكثيرين من الأشخاص والمجموعات أو جماعات صغيرة ساهمت في إدخالنا في علاقة مع الرب وفي شركة مع الكنيسة: أهل، أقارب، عرابين وعرابات، معلّمو تعليم مسيحي ومربّون، شمامسة، كهنة والأسقف نفسه. أحياناً، ما أن ينتهي مسار حتّى تضعف الروابط مع الجماعة وتُهمَل التنشئة. أن نكون تلاميذ مرسلين للرب في هذه الحالة هو هدف غير محقّق لمرة واحدة ولكلّ المرّات. وهذا ما يستدعي اهتداء مستمراً ونمواً في الحب حتى “بلوغ ما بلغه كمال المسيح” (أف 4/13) وانفتاح على عطايا الروح لأجل شهادة للإيمان حيّة وسعيدة . لذلك يجب أن نكتشف من جديد كيف أن قداس الأحد ينشِّىء المسيحيين بكلّ ما للكلمة من معنى: “كمال تنشئتنا هو التمثّل بالمسيح […]: ليس عملية عقلية مجرّدة ولكن أن نصير هو” (DD 41). القداس الإلهي يوم الأحد هو بالنسبة لكثيرين من المعمّدين الاتّصال الوحيد مع الكنيسة: الاهتمام بالاحتفال على أفضل وجه مع إعطاء أهمّية خاصّة للعظة ولمشاركة الجميع الحيّة (SC 14) هو أمرٌ حاسمٌ بالنسبة إلى السينودالية. ما يحصل في القداس هو نعمة من الله قبل أن يكون نتيجة جهودنا: برئاسة “واحد” وبفضل خدمة يؤدّيها “البعض” يستطيع “الجميع” أن يشاركوا في المائدة المزدوجة للكلمة وللخبز. نعمة الشركة والرسالة والمشاركة – أحجار الزاوية الثلاثة للسينودالية – تتحقق وتتجدد في كل إفخارستيا
  4. برز أيضاً في السينودوس أحد المطالب التي برزت بقوّة، وعند الجميع، وعلى امتداد المسار السينودوسي، بأن تكون التنشئة شاملة ومستمرّة وتشاركية. ليس هدفها فقط اكتساب معارف نظرية إنّما أيضاً تحفيز القدرة على الانفتاح واللقاء، وعلى التشارك والتعاون، وعلى التفكير والتمييز معاً، وعلى قراءة لاهوتية للخبرات الواقعية. يجب أن تخاطب كل أبعاد الشخص (العقلية، العاطفية، العلائقية والروحية) وتتضمّن خبرات واقعية تتمّ مرافقتها بطريقة مناسبة. برز أيضاً التشديد على ضرورة تنشئة يشارك فيها جميع شعب الله المقدس على مختلف رتبه وخِدَمه ومواهبه، فتفتح المجال للنمو في المعرفة والإحترام المتبادل وفي القدرة على التعاون. وهذا يتطلّب وجود منشّئين مؤهّلين وكفوئين، قادرين أن يؤكّدوا بحياتهم ما ينقلونه بالكلمة: هكذا فقط تكون التنشئة خلاّقة تؤدي إلى التغيير. يجب ألّا نهمل ما تستطيع أن تقدّمه الأنظمة التربوية في الإعداد لمسارات تنشئة هادفة وواعية لعمر النضوج في عملّيات التعلّم ولمرافقة الأشخاص والجماعات. علينا إذا أن نستثمر في إعداد المنشّئين.
  5. تملك الكنيسة حالياً الكثير من الأماكن والموارد لتنشئة تلاميذ مرسلين: عائلات، جماعات صغيرة،رعايا،تجمعات كنسية، إكليريكيات، جماعات رهبانية، مؤسّسات تعليمية، أماكن خدمة المهمّشين، خبرات رسولية وتطوّعية. تعبّر الجماعة في كل هذه الأوساط عن استطاعتها التربية على حياة التلميذ في الشهادة والمرافقة، وفي لقاء كثيراً ما يجمع أشخاصاً من أجيال مختلفة. التقوى لدى الشعب هي أيضاً كنز ثمين في الكنيسة وهو يرشد شعب إلى الدرب الذي عليه أن يتبعه. لا أحد في الكنيسة معدّ لتلقّي التنشئة فقط: كلّ فرد هو فاعل حيّ ولديه ما يعطيه للآخرين.
  6. من التطبيقات الخاصة بالتنشئة والأكثر تأثّراً بتلقّيها دفعاً جديداً بفضل السينودالية، يستأهل التعليم المسيحي إهتماماً خاصاً. من المهمّ ألّا يكون فقط مدرجاً في برامج التنشئة إنّما أيضاً يكون أكثر انفتاحاً واتساعاً. جماعات التلاميذ المرسلين بإمكانها أن تمارس هذا التعليم كعلامة للرحمة وتكييفه مع خبرة كل شخص، ونقله إلى الضواحي، من دون أن تضيّع، العودة إلى التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة. تستطيع هذه الجماعات أن تتحوّل إلى “مختبر حوار” مع رجال ونساء من زمننا، والإضاءة على بحثهم عن المعنى. في كنائس كثيرة يشكّل معلمو التعليم المسيحي المورد الأساسي للمرافقة والتنشئة؛ وفي كنائس أخرى واجب الجماعة أن تقدر خدمتهم وأن تدعمهم أكثر مبتعدة عن منطق الإرسالية، الذي غالباً ما يتعارض مع السينودالية. مع تزايد مظاهر الهجرة، من المهم أن يحفّز التعليم المسيحي المعرفة المتبادلة بين كنائس البلد الأم والكنائس المضيفة.
  7. إلى جانب الأوساط والموارد الراعوية بشكل خاص، الجماعة المسيحية حاضرة في العديد من مؤسّسات التنشئة مثل المدارس، ومعاهد الإعداد المهني، والجامعات، وعوالم الرياضة والموسيقى والفن. بالرّغم من تنوّع الأوساط الثقافية التي تحدّد تطبيقات وتقاليد مختلفة جدّاً، إنّ مؤسّسات التنشئة ذات الإلهام الكاثوليكي هي على تواصل مع أشخاص لا يخالطون أوساطاً كنسية أخرى. بوحي من الممارسات السينودوسية تستطيع هذه المؤسّسات أن تتحول إلى مختبر لعلاقات صداقة ومشاركة   شهادة حياة، فالمهارات والنظم التربوية هي أساساً علمانيّة وهي تعني أوّلاً العائلات. المدارس والجامعات الكاثوليكية، بخاصّة، تلعب دوراً مهماً في الحوار بين الإيمان والثقافة وفي التربية الأخلاقية على القيم، بتأمينها تنشئة تتوجّه نحو المسيح، إيقونة الحياة الكاملة. تبدو المدارس والجامعات الكاثوليكية، في بعض الأوساط، قادرة على تحفيز بدائل عن الأشكال المهيمنة التي غالباً ما تستوحي الفرديّة والمنافسة، مؤدّية بذلك دوراً نبويّاً. وهي تشكّل في بعض الحالات الإطار الوحيد حيث الأولاد والشباب يحتكّون بالكنيسة. وبدفع من الحوار بين الثقافات والأديان، يكون عملها التربوي مقدّراً كشكل من أشكال الترقّي الإنساني الحقيقي لدى أشخاص ينتمون إلى تقاليد دينية أخرى.
  8. التنشئة السينودوسية المشتركة بين جميع المعمّدين تشكّل الأفق الذي من ضمنه نتمكّن من فهم وممارسة التنشئة المختصّة والضرورية لكل الخِدم الفرديّة ولمختلف أشكال الحياة، ليتم ذلك، من الضروري أن تتحقّق كتبادل للعطايا بين الدعوات المختلفة (شركة)، وكخدمة تجب تأديتها (رسالة)، في أسلوب تشاركي وتربية على المسؤولية المشتركة في تباينها (مشاركة). هذه المطالبة الملحّة التي طغت بقوّة في المسيرة السينودوسية غالباً ما تقتضي، ومسبقاً، تغييراً في الذهنية ومقاربة جديدة لعمليّات التنشئة وأمكنتها. وهي تستدعي فوق كلّ شي استعداداً داخلياً للاغتناء من اللقاء مع أخوات وإخوة في الإيمان، بتخطّي الأحكام المسبقة والنظرة المُجتزأة. البعد المسكوني للتنشئة لا يمكن إلا أن يشجّع هذا التغيير في الذهنية.
  9. على مدى المسار السينودوسي برزت أكثر من مرّة المطالبة بأن تضبط دورات التمييز وتنشئة المرشحين لخدمة الرسامة بأسلوب سينودوسي. وهذا ما يعني أنّها يجب أن تتضمّن حضوراً بارزاً لوجوه نسائية، واندماجاً في حياة الجماعة اليومية، وتربية على التعاون مع أعضاء الكنيسة جميعاً، وعلى ممارسة التمييز الكنسي. وهذا ما يتطلّب تثميراً شجاعاً للطاقات في إعداد من سيتولّون التنشئة. تطالب الجمعية بمراجعة (Ratio Fundamentalis Institutionis Sacerdotalis) التي تضمّ المطالبات الملحّة التي نضجت في السينودوس وترجمتها الى توجيهات دقيقة من اجل التنشئة على السينودالية.. مسارات التنشئة يجب أن تكون في مستوى إثارة شغف المرشّحين بالرسالة إلى الأمم. وليست أقلّ من ذلك ضرورة تنشئة الأساقفة لكي يستطيعوا تحمُّل مسؤولية رسالتهم في أن يجمعوا في الوحدة عطايا الروح وأن يمارسوا بأسلوب سينودوسي السلطة الموكلة إليهم. الأسلوب السينودوسي للتنشئة يقضي بأن يكون البعد المسكوني حاضراً في كل نواحي المسارات الذاهبة نحو الخِدم المقرّرة رسمياً.
  10. لفت السينودوس بإلحاح إلى بعض الميادين المحدّدة التي من الضروري أخذها بعين الاعتبار لدى تنشئة شعب الله على السينودالية. يتعلّق الأول بتأثير الفضاء الرقمي على مسارات التعلّم، والقدرة على التركيز، والنظرة إلى الذات وإلى العالم وبناء العلاقات بين الأشخاص. الثقافة الرقمية تشكّل بعداً مفصلياً لشهادة الكنيسة في الثقافة المعاصرة وحقلاً رسولياً بارزاً. لذلك من الضروري الاهتمام بأن تكون الرسالة المسيحية حاضرة على الشبكة بطريقة موثوقة، بدون أن يشوّه مضمونها بطريقة عقائدية. بالرغم من أن ما هو رقمي يحمل إمكانية كبرى لتحسين حياتنا فهو يستطيع أيضاً أن يسبب أضراراً وجراحات، من خلال التحرّش ونقل المعلومات الخاطئة والاستغلال الجنسي والإستتباع. من المهمّ أن تساعد المؤسّسات التربوية الكنسية الأولاد والبالغين على تطوير مهارات نقدية لكي يُبحروا بأمان عبر شبكة الانترنت.
  11. ثمّة مجال ذو أهمّية كبرى هو التحفيز على ثقافة الحماية في جميع الأوساط الكنسية لجعل التجمّعات أماكن آمنة للقاصرين وللضعفاء. لقد بدأ العمل على تزويد البنى الكنسية بالأنظمة والإجراءات القانونية التي تسمح بالوقاية من التعديات وبردّات فعل سريعة على تصرّفات غير لائقة. يجب متابعة هذا الالتزام، بتقديم تنشئة متخصّصة ومستمرّة ملائمة للذين يحتكّون في عملهم بالقاصرين والبالغين الضعفاء، لكي يتصرّفوا بمهنية ويعرفوا أن يلتقطوا الإشارات التي غالباً ما تكون صامتة، لدى من يعيش في مأساة ويحتاج إلى مساعدة. استقبال الضحايا ودعمهم هو مهمّة دقيقة وضرورية، تتطلّب حسّاً إنسانياً كبيراً ويجب أن يقوم بها أشخاص مؤهّلون. علينا جميعاً أن نهتز لعذابهم ونكون قريبين منهم وهذا ما يعزّيهم ويساعدهم ويعدّ للجميع مستقبلاً مختلفاً. إنّه لأمر ملزم في العالم كلّه أن تنشّط وتشجّع الكنيسة ثقافة الحماية بإيجاد تجمّعات أمكنة آمنة للأولاد وللأشخاص الضعفاء. بالرغم من كلّ الإجراءات التي إتّخذت لتحاشي الإبتزاز، من الضروري تعزيز هذا الإلتزام بتقديم تنشئة متخصّصة ومستدامة للأشخاص الذين يتولّون العمل مع الأولاد ومع ضعفاء كبار السنّ. مسارات الحماية (safeguarding) يجب أن تُتابع وتقيّم باستمرار. الضحايا والناجون يجب استقبالهم ودعمهم بحسٍ إنساني كبير.
  12. يجب أن تنتشر أكثر بين شعب الله المواضيع المتعلّقة: بتعليم الكنيسة الاجتماعي، وبالعمل من أجل السلام والعدالة، وبالاهتمام بالبيت المشترك، وبالحوار بين الثقافات وبين الديانات، وذلك لكي يسهم عمل التلاميذ المرسلين في بناء عالم أكثر عدالة وأخوّة. إنّ الالتزام في الدفاع عن الحياة وحقوق الفرد، ولانتظام عادل في المجتمع، ولأجل كرامة العمل، وفي سبيل اقتصاد عادل وتعاضدي، ولأجل حماية شاملة للبيئة، كل هذه المواضيع هي جزء من بشارة الكنيسة المدعوة لتعيشها وتجسّدها في التاريخ.

 

 

الخلاصة

مائدة لجميع الشعوب

فلما نزلوا إلى البر أبصروا جمرا متقدا عليه سمك، وخبزا […] فقال لهم يسوع: “تعالوا افطروا!” ولم يجرؤ أحد من التلاميذ أن يسأله: من أنت؟ لعلمهم أنه الرب. فدنا يسوع فأخذ الخبز وناولهم، وفعل مثل ذلك في السمك. (يوحنا 21/9، 12،13).

  1. تنتهي قصة الصيد العجيب بوليمة. طلب القائم من الموت إلى تلاميذه أن يطيعوا كلمته ويرموا شباكهم ويعودوا إلى الشاطئ؛ ولكن هو من يحضّر الوليمة ويدعو لتناول الطعام. الخبز والسمك متوافران للجميع، مثلما كثّرهما للجموع الجائعة. سحر وعذوبة حضوره المضيء والمبهر لا يتركان مجالاً لطرح الأسئلة. أكل القائم من الموت مع تلاميذه بعد أن تخلّوا عنه وأنكروه فاتحاً بذلك مجالاً جديداً للشركة، طبع تلاميذه بختم الرحمة الذي يفتح الأبواب على المستقبل. لذلك سيعرّف شهود القيامة عن أنفسهم هكذا: ” نحن الذين أكلوا وشربوا معه بعد قيامته من بين الأموات” (أعمل 10/41).
  2. تجد صورة النبي إشعيا التي ألهمت أعمال الجمعية السينودوسية إكتمالها في وليمة القائم من الموت: وليمة غنيّة ولذيذة حضّرها الرب على قمة الجبل، رمزاً للعيش المشترك والشركة، وهي مخصّصة لجميع الشعوب (راجع أش 25/6-8). الوليمة التي حضّرها الرب لتلاميذه بعد الفصح ترمز إلى أنّ الوليمة السماوية قد بدأت بالفعل. حتى ولو كانت لا تكتمل إلّا في السماء، فوليمة النعمة والرحمة معدّة للجميع، ورسالة الكنيسة هي أن تحمل هذه البشارة الرائعة إلى عالمٍ يتغيّر. فيما تتغذى من جسد ودم الرب في الافخارستيا تعرف أنّها لا تستطيع أن تنسى لا الفقراء والمهمّشين والمنبوذين، ومن لا يعرفون الحب والمحرومين من كل رجاء، ولا الذين لا يؤمنون بالله أو لا يعترفون بانتمائهم إلى أية ديانة معترف بها. تأخذهم الكنيسة إلى الرب في الصلاة لتخرج للقائهم فيما بعد، بإبداع وجرأة يوحي بهما الروح. هكذا تصير سينودالية الكنيسة نبوءة اجتماعية، تُلهِم مسالك جديدة في السياسة كما في الاقتصاد، وتتعاون مع جميع الذين يؤمنون بالأخوّة والسلام في تبادل العطايا مع العالم.
  3. ونحن نعيش المسيرة السينودوسية أدركنا أن السلام الذي نناله وننشره يعبر من خلال العلاقات. إنّه لنحياه ونشهد له معاً. يبدو لنا التاريخ مطبوعاً، بصورة مأساويّة، بالحروب والعداوات من أجل السلطة، وبالكثير من الظلم والقمع. لكننا نعلم أنّ الروح القدس وضع في قلب كل إنسان رغبة عميقة وصامتة في علاقات أصيلة وروابط حقيقية. الخليقة نفسها تتحدّث عن الوحدة والمشاركة، عن التنوّع والتشابك بين مختلف أشكال الحياة. كل شيء يصدر عن التناغم ويتوق إلى التناغم، حتى عندما نعاني من جروحات الشر المدمّر. إنّ المعنى الأخير للسينودالية هو الشهادة التي هي الكنيسة مدعوّة إلى إعطائها عن الله، الآب والابن والروح القدس، والتناغم في الحبّ الذي يفيض من ذاته ليهَبَها للعالم. بالسير وفق أسلوب سينودوسي، في تشابك دعواتنا ومواهبنا وخِدَمنا، وبالذهاب إلى لقاء الجميع لنحمل فرح الإنجيل، نستطيع أن نختبر الشركة التي تخلّص: مع الله مع الإنسانية جمعاء ومع كل الخليقة. بهذه الطريقة وبفضل المشاركة نبدأ منذ الآن تذوّق وليمة الحياة التي يقدّمها الله لكل الشعوب.
  4. نستودع نتائج هذا السينودوس مريم العذراء، التي تحمل اللقب المجيد Odigitria، والتي ترشد المسيرة وتقودها. فلتعلّمنا أم الكنيسة التي ساعدت، في العُليّة، الكنيسة الناشئة لتنفتح على تجديد الروح القدس، أن نكون شعباً لتلاميذ مرسلين يسيرون معاً: كنيسة سينودوسية.

[1] راجع 1بط 2/5 و LG 6

[2] القديس كبريانوس، الرسالة 66/8.

[3] راجع ITC, Il sensus fidei nella vita della Chiesa, 2014, n. 3

[4] البابا فرنسيس، “خطاب موجه الى قداسة البطريرك مار عيواص الثالث”، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

[5] انظر أيضًا متى 28/19-20 و مر 16/15-16.

[6] البابا فرنسيس، “كلمة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس سينودس الأساقفة”، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

[7] البابا فرنسيس، “خطاب للمشاركين في الجمعية العامة للأكاديمية البابوية للعلوم الاجتماعية”، 29 نيسان/أبريل 2022

[8] جلس الأساقفة الكاثوليك في الهند، “جواب الكنيسة في الهند على تحديات اليوم”، 9 اذار/ مارس 2016، مذكور في FT 271.

[9] راجع القديس باسيليوس، عظة “في المزمور” 29/1 و”في الروح القدس” 16/38

[10] البابا فرنسيس، “كلمة خلال الدورة الثانية للجمعية العمومية العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

[11] البابا فرنسيس، “كلمة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس سينودس الأساقفة”، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

[12] راجع الوثيقة الختامية للجمعية العمومية الخامسة عشرة لسينودوس الأساقفة، ” الشباب، الإيمان وتمييز الدعوات” رقم 161.

[13] راجع LG 30-31؛ AA 5-7

[14] راجع البابا فرنسيس، رسالةٌ بابويَّةُ في صورة براءة بابويّة”روح الرّبّ”( Spiritus Domini)، 10 كانون الثاني/يناير من العام 2021.

[15]البابا فرنسيس، رسالة الى شعب الله، 20 آب/اغوسطس 2018.

[16] راجع البابا فرنسيس، رسالةٌ بابويَّةُ في صورة براءة بابويّة”روح الرّبّ”( Spiritus Domini)، 10 كانون الثاني/يناير من العام 2021.

[17] راجع البابا فرنسيس، رسالةٌ بابويَّةُ في صورة براءة بابويّة”روح الرّبّ”( Antiquum ministerium)، 10 أيار/مايو،2021.

[18] القديس اغناطيوس الانطاكي، الرسالة الى الترلانيون، 2،2.

[19] القديس قبريانوس القرطاجي، الرسالة، عدد 14 رقم 4.

[20] البابا فرنسيس، “كلمة للمشاركين في الدورة الثلاثين” حول المنتدى الداخلي” من تنظيم التوبة الرسولية، 29 أذار/مارس، 2019.

[21] راجع CIC, can. 466.

[22] راجع CIC, can. 500, § 2.

[23] راجع CIC, can. 514, § 1.

[24] راجع CIC, can. 536.

[25] راجع CIC, can. 493 & 537.

[26] راجع CCEO, can. 235 ss..

[27] راجع CCEO, can. 262 ss..

[28] راجع CCEO, can. 264.

[29] راجع CCEO, can. 272.

[30] راجع CCEO, can. 295.

[31] راجع CIC can. 439-446.

[32] راجع CCEO c.102.ss.; 152

[33] راجع CCEO can. 137

[34] راجع CCEO cc. 155, §1, 164 ss.

[35] راجع CCEO can. 322

[36] البابا فرنسيس،”مداخلة خلال الجمعية العمومية لسينودوس الاساقفة السادس عشر،الدورة الثانية،الجلسة الأولى، 2 تشرين الأول/اكتوبر 2024.

 

Scroll to Top