Almanara Magazine

«ويضيء الرّبّ بوجهه عليك»

                                 (عدد 6/25)

نتأمَّل وجه الربّ فيشعّ فينا الفرح والسّلام والأمان. لا يمكننا تحصيل هذا الواقع، في حياتِنا الإنسانيّة، إِلاَّ في النظر إلى يسوع. قال البابا بندكتوس السادس عشر: «أن نتمتّع ببهاء وجه الله يعني أن ندخل في سرّ اسمه الذي أظهر لنا يسوع؛ أن نفهم شيئاً من حياته الحميمة ومن إرادته، حتى نتمكّن من العيش بحسب تدبيره في حبّ البشريّة».[1] لقد أكّد يسوع نفسه في صلاته «أظهرت اسمك للناس» (يو 17/6). بالفعل، أعلمنا الابن الذي صار جسداً من هو الآب، لقد أظهر لنا في وجهه الإنساني المنظور وجه الآب غير المنظور؛ وعبر عطيّة الروح القدس الذي أفاضه في قلوبنا، عرّفنا أنّنا بواسطته صرنا نحن أيضاً أبناء الله، كما يقول بولس الرسول: «والدليل على كونكم أبناء أن الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا، الروح الذي ينادي: «يا أبتِ» (غلا 4/6).

أمّا مريم، أمّ الله، فهي المعلّمة الأفضل في التأمّل بوجه الربّ يسوع، كما أسهب قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في كلامه في «وردية العذراء المقدّسة». عندما نصلّي السبحة ونحن نتأمّل بأسرارها تعرّفنا مريم عن قرب على وجه الابن الذي يوحي لنا بوجه الآب. «أمّ الله»، تعبير نلمس فيه حقيقة تعلّق الربّ ببشريّتنا. «لأنّه منذ تجسّده في أحشاء مريم، من تلك اللحظة وبشكل دائم، يحمل إنسانيّتنا معه. لم يعد الله موجوداً بدون الإنسان: فالجسد الذي أخذه يسوع من مريم هو جسده الآن وفي كلّ زمان. عندما نقول: «أمّ الله»، نتذكّر أنّ الله قريب من البشريّة مثل الطفل القريب من أمّه عندما تحمله في حشاها. فإله السّماء، وهو إله لا محدود، صار طفلاً، صار مادة، ليس ليكون فقط معنا، إنّما لكي يكون مثلنا.

هذه هي الأعجوبة، هذا هو الجديد: لم يعد الإنسان لوحده، ولم يعد يتيماً، إنّه دائماً ابن. لهذا، عندما نقول «أمّ الله» نعبّر عن فرحنا؛ فرح التغلّب على عزلتنا، فرح معرفة جمال بنوّتنا، إنّنا محبوبون ولن يتزع منّا أحد هذه البنوّة. إنّنا نرى ذاتنا في الله الضعيف والطفل بين يديّ أمّه، ونرى أنّ الإنسانيّة غالية على قلب الله وهي مقدّسة. بهذا المعنى نفهم أنّ خدمة الإنسانيّة هي خدمة الله»[2].

يسرّ إدارة مجلة «المنارة»، تحت عنوان «أنت والدة سيدك» (مار يوحنا الدمشقي)، أن تتابع في العددين الأخيرين من هذه السنة نشر المقالات التي تتناول موضوع «أمّ الله» من النواحي اللاهوتيّة، الكتابيّة، الفنيّة، والخبرات الدينيّة المتنوّعة. ليس تكريم مريم تغنّياً شعريًا، إنِما هو تأمّل بحقيقة من هي «والدة سيّدها». نرجو أن تساعد هذه الصفحات المتنموّعة المحتوى، والملوّنة بغنى الخبرات والتعابير، في فهم سرّ مريم وهي من قالت «سوف تطوّبني جميع الأجيال» (لو 1/48).

إدارة التحرير


[1]– عظة قداس عيد رأس السنة، الثلاثاء في 1 كانون الأول 2013.

[2]– البابا فرنسيس، عظة قداس رأس السنة في 1 كانون الأول 2018.

Scroll to Top