“وسِّعي أرجاءَ خيمتِكِ” (أشعيا 54/2)
وثيقة العمل للمرحلة القاريّة
حاضرة الفاتيكان، 24 تشرين الأول-أكتوبر 2022
مقدّمة
- خبرة المسار السينودوسيّ
1-1 “ثمار السينودوسيّة وبذورها وأعشابها الضارّة”
1-2 الكرامة المشتركة بالمعموديّة
- في الإصغاء إلى الكتب المقدسة
- نحو كنيسة سينودوسيّة رسوليّة
3-1 الإصغاء الذي يتحوّل إلى استقبال
3-2 إخوة وأخوات من أجل الرسالة
3-3 شركة ومشاركة ومسؤوليّة مشتركة
3-4 السينودوسيّة تتّخذ لها شكلاً
3-5 الحياة السينودوسيّة والليتورجيا
4. الخطوات القادمة
4-1 مسيرة توبةٍ وإصلاح
4-2 المنهجيّة المعتَمدة من أجل المرحلة القاريّة
مقدّمة
- السينودوس “يتقدّم إلى الأمام”: هذا ما نستطيع تأكيده بحماسٍ بعد سنةٍ على افتتاح المسار السينودوسيّ. شارك ملايين الأشخاص من كل أنحاء العالم في الجزء الأوّل من المرحلة الاستشاريّة، وكانوا معنيّين به. شارك البعض باللقاءات على المستوى المحلّي، والبعض الآخر بإحياء وتنسيق النشاطات على مستوياتٍ مختلفة، وهنالك أيضًا أولئك الذين دعموا المسار السينودوسيّ بصلاتهم. “نعبّر أيضًا عن شكرنا للراهبات المكرّسات للحياة التأمّليّة اللواتي رافقن شعبهنّ بالصلاة ويتابعن صلاتهنّ من أجل ثمار السينودوس” (مجلس أساقفة البيرو). كل هؤلاء الأشخاص هم أنصار السينودوسيّة وشهودٌ حقيقيّين لها!
- تحرّك هؤلاء الأشخاص بدافع الرغبة في المساعدة على إيجاد الجواب على السؤال الأساسيّ الذي يقود المسار بأكمله: “كيف يتحقّق اليوم، على كافّة المستويات المحليّة والعالميّة، هذا “السير معًا” الذي يتيح للكنيسة أن تُعلن البشرى السارّة، وفق الرسالة التي أُوكلت إليها؟ وما هي الخطوات التي يدعونا الروح القدس إلى تحقيقها لكي ننمو معًا كنيسةً سينودوسيّة؟” (الوثيقة التحضيريّة، رقم 2).
- اختَبر هؤلاء الأشخاص على امتداد الطريق فرحَ اللقاء كإخوةٍ وأخواتٍ في المسيح، وتشاركوا ما كان يهتزّ في داخلهم عند سماع كلمة الله، متسائلين عن مستقبل الكنيسة بناءً على المقترحات التي طرحتها الوثيقة التحضيريّة. وهذا الأمر غذّى فيهم التوْق إلى كنيسةٍ أكثر سينودوسيّة. إذ بالنّسبة إليهم، لم تعد السينودوسيّة فكرةً مبهمة، بل تحوّلت إلى خبرةٍ واقعيّة. لقد استساغوا طعمها ويريدون الاستمرار بتذوّقها: “اكتشفنا من خلال هذا المسار أنّ السينودوسيّة هي النمط لا بل الطريقة التي بها نكون كنيسة”. “الروح القدس يطلب منّا أن نكون سينودوسيّين أكثر من أيّ وقت مضى” (مجلس أساقفة إنكلترا وبلاد الغال).
- تحوّلت هذه الخبرة إلى كلمةٍ مكتوبةٍ وأُرسلت إلى الأبرشيَّات، من قبل الجماعات والفرق المختلفة، ومن ثمَّ، وبعد تلخيصها، أُرسلت إلى المجالس الأسقفيّة التي رفعتها في تقريرٍ إلى أمانة سرِّ سينودوس الأساقفة العامّة.
- على وجه العموم، فاقت المشاركة في المسار كلَّ التوقعات. فقد وصل تباعًا إلى أمانة سرِّ السينودوس 112 تقريرًا من أصل 114 أرسلتها المجالس الأسقفيّة الوطنيّة، و13 تقريرًا من الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، بالإضافة إلى آراء 17 دائرة من دوائر الكوريا الرومانيّة من أصل 23، وتقارير اتّحاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات (USG/UISG)، ومؤسّسات الحياة المكرّسة وجماعات الحياة الرسوليّة، وجمعيّات وحركات المؤمنين العلمانيّين. إضافةً إلى ذلك وصلت آلاف المساهمات من أفرادٍ وجماعاتٍ، وآراء مختلفة وصلت عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بفضل مبادرة “السينودوس الرقميّ”. هذه المواد تمَّ توزيعها على فريق من الخبراء: رجالٍ ونساء، أساقفةٍ، كهنة، مكرّسين ومكرّسات، علمانيّين وعلمانيّات، من كل القارات ومن اختصاصاتٍ متنوّعة. وبعد قراءة ما ورد في هذه التقارير والوثائق، اجتمع الخبراء على مدى أسبوعين مع فريق الصياغة الذي يضمّ المقرّر العام، الأمين العام للسينودوس ونوّابه، مع بعض العاملين في أمانة سرِّ السينودوس، بالإضافة إلى أعضاء لجنة التنسيق. وفي ختام أعمالهم انضمّ إليهم أعضاء مجلس سينودوس الأساقفة من كرادلة ورؤساء أساقفة. عملوا كلّهم معًا في جوٍّ من الصلاة والتمييز وتشاركوا ثمار قراءتهم للتقارير والوثائق الواردة من أجل وضع هذه الوثيقة الخاصّة بالمرحلة القاريّة.
- تعطي الاستشهادات الواردة في هذه الوثيقة فكرة عن غنى المواد التي وصلت إلى أمانة السرّ، ناقلةً صدى صوت شعب الله من كل أنحاء العالم. ينبغي أن لا يتمّ تفسير هذه المعطيات على أنّها دعمٌ لتوجهاتٍ ومواقف منطقة محدّدة من الكرة الأرضيّة، ولا تمثيلٌ بسيط للتنوّع الجغرافيّ، حتى ولو تّم السهر على التوازن بين المصادر والمناطق بقدر الإمكان. بل تمّ اختيار هذه الاستشهاداتِ لأنها تعبّر بطريقة قويّة، فرحة ودقيقة، عن الشعور المستَشفِّ في كثيرٍ من الخلاصاتِ الواردة في التقارير[1]. غير أنّه من الواضح أنّ ما من وثيقة تستطيع أن تختصر عمق الإيمان، وحيويّة الرجاء، وطاقة المحبّة التي تنبثق عن التقارير التي وصلت إلى اللجنة الخاصّة لفرزها. نستشفّ من هذه التقارير قوّة وغنى الخبرة التي حقّقتها الكنائس المختلفة، إذ وضعت نفسها في مسيرةٍ انفتحت أثناءها على الأصوات المختلفة. فالإقبال على هذا اللقاء وهذا الحوار يُعطي المعنى الحقيقيّ للمسيرة السينودوسيّة، التي لا تهدف إلى إنتاج وثائق جديدة، بل إلى فتح آفاقٍ للرجاء في سبيل تحقيق رسالة الكنيسة.
- تندرج هذه الوثيقة القاريّة وتجد معناها ضمن المسيرة السينودوسيّة التي لم تنتهِ بعد، والتي من أجلها تمّ جمع آراء وهموم شعب الله المنتشر في كلّ الأرض. وتقدّم هذه الوثيقة للكنائس المحليّة فرصةً جديدةً للإصغاء بعضها إلى بعض، واضعةً نصب أعينها الجمعيّات القاريّة التي ستُقام في عام 2023، والتي تقوم مهمّتها على وضع لائحة أولويّات، تتدارسها في جلستها الأولى الجمعيّة العامّة السادسة عشرة العاديّة لسينودوس الأساقفة، التي ستُعقد من 4 إلى 29 تشرين الأوّل أكتوبر 2023.
- إنَّ توضيح هذه المهمّة يُتيح لنا أيضًا تحديد ما لا تمثّله: فهي ليست وثيقةً نهائيّة لأنّ المسيرة والمناقشة لم تنتهيا بعد، ولا هي وثيقة صادرة عن السلطة الكنسيّة، ولا تقرير ناجمٌ عن تحقيقٍ اجتماعيّ. فهي لا تقدّم صياغةً للمؤشّرات العمليّة والأهداف والغايات، ولا نظريّة لاهوتيّة جديدة، على الرغم من أنّها محمّلة بالكنوز اللاهوتيّة الرائعة المتضمَّنة في إصغاء شعب الله إلى صوت الروح القدس، ممّا يسمح بإظهار حسّ الإيمان (Sensus Fidei) عند هذا الشعب. لكنّها في الوقت عينه، وثيقة لاهوتيّة بما أنّها موجّهة لخدمة رسالة الكنيسة، أي إعلان إنجيل يسوع المسيح الذي مات وقام من أجل خلاص العالم.
- لتجنّب الالتباسات في قراءة هذه الوثيقة، لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار طبيعتها غير المألوفة وبنيتها. تُفتَتح الوثيقة بفصلٍ لا يقدّم سردًا بسيطًا للأحداث، بل لرواية الإيمان على ضوء الخبرة السينودوسيّة المعاشة منذ إطلاق المسار إلى اليوم، أي استشارة شعب الله في الكنائس المحليّة وتمييز الرعاةالسينوداليّة المعاشة إلى الآن. الروحيّ في المجالس الأسقفيّة. وهي ترسم لمحةً عامّةً عن الصعوبات التي رافقته وأهم الثمار التي تمَّ جنيها، كما تكشف عن الأسس التي تجعل من هذه التجربة تجربةً أصيلة للإيمان المسيحيّ. لذلك لا تقدّم هذه الوثيقة تعريفًا للسينودوسيّة بالمعنى الدقيق للكلمة، إذ يُمكن الرجوع إلى الوثيقة التحضيريّة (Preparatory Document) أو إلى المواد المذكورة على موقع السينودوس (www.synod.va). فهي بالحريّ تعبّر عن الشعور الذي يتشارك به جميع الذين عاشوا هذه الخبرة السينودوسيّة، والذي يعيد تعزيز الكرامة المشتركة عند جميع المعمّدين، التي هي الدعامة الأساسيّة للكنيسة السينودوسيّة، وأساسٌ لاهوتيٌ للوحدة القادرة على الحدّ من الاندفاع نحو التجانس والانصهار، وعلى الاستمرار في اعتبار تنوّع الدعوات والمواهب التي يفيضها الروح القدس على المؤمنين بطريقة غير متوقّعة.
- يقدّم لنا الفصل الثاني من الوثيقة صورة الخيمة التي يبدأ بها الفصل 54 من سفر إشعيا. فهي إيقونةً كتابيّة توفّر لنا مفتاحًا لتفسير معانيها على ضوء كلمة الله، ولوضعها في إطار عهد الله الذي يتحوّل إلى دعوة لشعبه ولكنيسته: “وسِّعي أرجاءَ خيمتِكِ!”.
- هذه الخيمة مساحةُ شركةٍ ومحلُّ مشاركةٍ وقاعدةٌ للرسالة. الفصل الثالث يفنّد الكلمات المفاتيح للمسيرة السينودوسيّة من أجل جني الثمار من الإصغاء إلى شعب الله. فهذا الفصل يجمع الثمار في خمسة توجّهات خلاّقة تتلاقى بعضها مع بعض:
- الإصغاء، باعتباره انفتاحًا على استقبال الآخر انطلاقًا من رغبةٍ عميقة في إشراك الجميع – إذْ لا أحد مستبعد! – على أساس منظور الشركة مع الإخوة والأخوات ومع الآب الوحيد لجميعهم. لا يظهر الإصغاء هنا كعملٍ آليّ ومكانيكيّ، بل كتبنٍّ لموقف الله الأساسيّ، هو الذي يصغي إلى شعبه كلِّه، وكاتباعٍ للربّ الذي تصوّره الأناجيل في حالة إصغاءٍ دائمٍ للأشخاص الذين يلتقي بهم، على امتداد طرقات الأرض المقدّسة. وهكذا يتبيَّن لنا أنّ الإصغاء رسالة وبشارة.
- الدعوة للخروج إلى الرسالة، تعبِّر عنها الأخوّة الشاملة من أجل الالتزام المشترك في البيت الواحد. إنّها رسالة يدرك الكاثوليك أنّ من واجبهم أن يسيروا بها إلى الأمام، أولاً مع إخوتهم وأخواتهم من الكنائس الأخرى، وثانيًا بالحوار مع المؤمنين من الديانات الأخرى، وثالثًا بتحويل أعمال الرعاية الإنسانيّة إلى خبراتٍ روحيّة أصيلة، لكي يظهر وجه الله الذي يرعى الجميع، ّهو الذي بذل حياته لكي ننالها نحن بوفرة.
- الالتزام بتنفيذ الرسالة وفق أسلوبٍ قائمٍ على المشاركة، يتوافق مع تحمّل المسؤوليّة كاملةً من قبل جميع المعمّدين، وذلك في سبيل تحقيق رسالة الكنيسة المشتركة، التي تنبثق من كرامة المعموديّة المشتركة.
- بناءُ قدراتٍ واقعيّةٍ وملموسةٍ للتواصل والمشاركة وتحقيق الرسالة من خلال البُنى والمؤسّسات التي أتُمن عليها أشخاصٌ تلقّوا تنشئة ملائمة ويعيشون وفق روحانيّةٍ حيّة.
- الليتورجيا، ولا سيما الإفخارستيا، “مصدر وقمّة الحياة المسيحيّة”. إنها تجمع شعب الله وتجعل الشركة ملموسة، وتتيح عيش المشاركة، وتغذّي بالكلمة والأسرار الدعوة إلى تحقيق الرسالة.
- أخيرًا، يتطلّع الفصل الرابع من الوثيقة نحو المستقبل على صعيدين، لا غنى عن كليهما للمضي على الطريق قدمًا: الصعيد الروحيّ الذي يعكس أفق الاهتداء الرسوليّ السينودوسيّ، وصعيد المنهجيّة التي ترسم الخطوات التّالية للوصول إلى الوثيقة القاريّة.
- لن تكون الوثيقة القاريّة واضحةً ومفيدةً إلاّ إذا تمّت قراءتها بنظر التلميذ الذي يعتبرها شاهدةً لمسيرة الاهتداء إلى الكنيسة السينودوسيّة. فهذه القراءة تتمّ بالإصغاء إلى سبل تجديد رسالة الكنيسة التبشيريّة، في ضوء علامات الأزمنة، لكي تقدّم باستمرارٍ للإنسانيّة نمطًا للوجود والعيش، يشعر فيه الجميع أنهم مشمولون وفاعلون. على امتداد هذا الطريق، تُضيء كلمة الله خطواتنا، فتمكّننا من إعادة قراءة الاختبار الذي عشناه وتفسيره والتعبير عنه.
- فلنصلِّ معًا:
يا ربّ، لقد جمعت كلّ شعبك في سينودوس أي في “السير معًا”.
نشكرك على الفرح الذي عاشه أولئك الذين قرّروا الانطلاق، والإصغاء إلى إخوتهم وأخواتهم خلال هذه السنة، بالترحيب والتواضع وكرم الضيافة والأخوّة. ساعدنا على قراءة صفحات هذه الوثيقة وكأننّا ندخل “أرضك المقدّسة”. تعال أيّها الروح القدس، وكنْ أنت مرشد مسيرتنا معًا.
- خبرة المسار السينودوسيّ
- تنقل التقارير التي أرسلتها الكنائس من حول العالم أصواتَ أفراح وآمال وآلام وجراح تلاميذ المسيح. يتردّد في كلماتهم صدى ما هو عزيز على البشريّة جمعاء. وهذه الأصوات تعبّر عن رغبة المؤمنين وتوقهم إلى كنيسةٍ تسير مع المسيح، بإرشاد الروح القدس، لتتمِّم رسالتها التبشيريّة. لقد أعادت الخبرة السينودوسيّة الحاليّة إحياء رغبة المؤمنين العلمانيّين في الانخراط في حياة الكنيسة ورسالتها في العالم المعاصر، وعملها الراعويّ على أرض الواقع (مجلس أساقفة كندا).
1-1 ثمار السينودوسيّة وبذورها وأعشابها الضارّة
- أنتجت المرحلة الأولى من المسار السينودوسيّ ثمارًا وفيرة وبذورًا جديدةً تبشّر بنموٍّ جديد، وفوق كلِّ ذلك يمكن القول بأنّها خَلقت اختبار فرحٍ في زمنٍ معقّد: “إنّ أصوات حبٍّ كبيرٍ للكنيسة تنتج عن فحص الثمار السينددوسيّة، وبذورها وأعشابها الضارّة”، وهي أصواتٌ تحلمُ بكنيسةٍ قادرةٍ على الشهادة الأمينة، كنيسةٍ تعرف كيف تكون عائلة الله التي تحتضن الجميع وتنفتح على الجميع وترحّب بالجميع” (مجلس أساقفة زيمبابوي). يعبّر أساقفة هاييتي أيضًا عن أصوات عديدة: “على الرغم من استمرار حالات الاختطاف والعنف، يعبّر تقرير الأبرشيّة عن فرحة أولئك الذين تمكّنوا من المشاركة بنشاطٍ في هذه المرحلة الأولى من السينودوس” (مجلس أساقفة هايتي). الفرحة التي تمّ اختبارها في هذه المرحلة، طالب كثيرون بالاستمرار في عيشها ومشاركتها مع الآخرين. وتردّد أبرشية إيبين (غينيا الاستوائيّة) ما يلي: “هذا الاختبار السينودوسيّ كان من أكثر الاختبارات إرضاءً، إذ تمكّن الكثيرون من عيشه في حياتهم المسيحيّة. منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها مسار السينودوس وإلى يومنا هذا، هنالك حماسٌ كبير بين أبناء شعب الله”. ومن ثمار الخبرة السينودوسيّة، تبرز مؤلّفات مختلفة تعزّز الشعور بالانتماء إلى الكنيسة، والادراك العمليّ العميق بأنّها لا تنحصر بالكهنة والأساقفة: “على السؤال الأساسيّ: كيف تجري هذه المسيرة اليوم في كنيستك الخاصّة؟ جاءت النتيجة على النحو التالي: لقد استطاع الناس إدراك الطبيعة الحقيقيّة للكنيسة، وفي ضوء ذلك، رؤية حال كنيستهم الخاصّة” (مجلس أساقفة بنغلادش).
- لقيَ أسلوب التحاور الروحيّ تقديرًا واسعًا، إذ مكَّن الكثيرين من النظر بصدقٍ إلى واقع الكنيسة وتسمية الأضواء والظلال باسمهما. هذا التقييم الموضوعيّ أعطى ثمارًا رسوليّة مباشرة: “هنالك تعبئةٌ قويّة لشعب الله، من خلال فرح التواجد معًا والسير معًا والتحدّث بحريّة. بعض المسيحيّين الذين شعروا سابقًا بالأذى وابتعدوا عن الكنيسة، عادوا إلى حضنها بمناسبة هذه المرحلة من التشاور” (جمهوريّة أفريقيا الوسطى). وشدّد كثيرون على أنّها المرّة الأولى التي تطلب فيها الكنيسة رأيهم، وأنّهم يرغبون في مواصلة هذه المسيرة معًا: “هي لقاءات بروحيّة السينودوس، حيث يستطيع جميع أعضاء الجماعة التعبير عن آرائهم بصراحةٍ وصدق. لذلك يجب أن تستمر اللقاءات مع المجموعات المختلفة من خارج الكنيسة، كما يجب أن يصبح هذا النوع من التعاون والتشاور أحد “القوانين غير المكتوبة” للممارسة الكنسيّة، من أجل تشجيع التقارب بين أعضاء الكنيسة وأعضاء المجتمع في سبيل إعداد الناس لحوارٍ أعمق” (مجلس أساقفة لاتفيا).
- مع ذلك، لم يخلُ الأمر من الصعوبات التي لم تُخفِها التقارير، والتي يرتبط بعضها بمصادفة المرحلة التشاوريّة مع انتشار الوباء، في حين أنّ البعض الآخر ناجمٌ عن صعوبة فهم السينودوسيّة، وعن الحاجة إلى بذل جهدٍ أكبر في ترجمة المعلومات ونقلها إلى الثقافات المختلفة، وعن الفشل في تنظيم مواعيد الجمعيّات السينودوسيّة في بعض السياقات المحليّة، أو رفض المشاركة فيها بالمطلق. ولا تنقص في هذا المجال العبارات الواضحة جدًا لأسباب هذا الرفض: “أنا لا أثق بالسينودوس، وأعتقد أنّ الدعوة لعقده تهدف إلى إدخال المزيد من التغييرات في تعاليم المسيح، وإلحاق المزيد من الجروح بكنيسته” (ملاحظة فرديّة من المملكة المتحدة). لقد تمّ التعبير عن الخوف مرارًا وتكرارًا من أنّ التشديد على السينودوسيّة يمكن أن يدفع باتجاه تبنّي الكنيسة لآلياتٍ وإجراءاتٍ تستند إلى مبدأ الأغلبيّة الديمقراطيّة. وفي تعداد الصعوبات، تجدر الإشارة أيضاً إلى التشكيك في النيّة الحقيقيّة أو في فعاليّة المسار السينودوسيّ. “أعرب البعض عن شكوكهم بنتيجة المسار السينودوسيّ بسبب نظرتهم إلى الكنيسة كمؤسّسةٍ جامدةٍ لا تريد التغيير وتحديث نفسها، أو بسبب الشكّ في أنّ نتيجة السينودوس قد تمّ تحديدها مسبقًا” (مجلس أساقفة كندا).
- يشير العديد من التقارير إلى مخاوف رجال الإكليروس ومقاومتهم للمسار، وإلى موقفٍ بعض العلمانيّين السلبيّ منه، وإلى خوفهم من التعبير عن أنفسهم بحريّة، وإلى صعوبة توضيح دور الرعاة في الديناميّة السينودوسيّة: “في هذا المسار صادفنا أيضًا مقاومةً بعض الجماعات وقلّة مشاركتها. ويعود هذا الأمر جزئيًّا إلى حداثة التحدّي، نظرًا إلى أنّ العديد من الجماعات لم يعتدْ على فهم طبيعة الكنيسة بهذا المعنى. كما يعود سبب ذلك أيضًا إلى أنّ بعض الرعاة والكهنة لم يقوموا بالتنشيط والإرشاد كما أُوكل إليهم. ويشكو العديد من التقارير الأبرشيّة من “نقص أو ضعف مشاركة الكهنة في المسار السينودوسيّ” (مجلس أساقفة تشيلي). وفي غالب الأحيان، يكشف المسار السينودوسيّ والتقارير أنّ هناك تصوّرًا واسعًا للهوّة بين الكهنة وشعب الله: “أظهرت المشاورات في الأبرشيَّات، وعلى المستوى الوطنيّ، صعوبة العلاقة بين الكهنة والمؤمنين في كثيرٍ من الأماكن. فمن ناحيةٍ، يتمُّ انتقاد الهوّة القائمة بين الإكليروس والعلمانيّين، ومن ناحيةٍ أخرى، يُنظَر إلى الكهنة في بعض الأماكن على أنّهم عقبةٌ في وجه مجتمعٍ مثمر. في الوقت عينه تمّت تسمية التحدّيات التي يواجهها الكهنة بتناقص عددهم وانخفاض عدد المتطوّعين من حولهم، ممّا يؤدّي إلى شعورهم بالإرهاق. كما يتذمّر بعض الكهنة من أنّ لا أحد يُصغي إليهم، في حين يضع البعض خدمتهم موضع تساؤل. فماذا يفعل الكاهن الصالح؟ وكيف يمكن أن تكون حياة الرعيّة خبرةً غنيّة لجميع المعنيّين فيها؟ لماذا يتناقص عدد الرجال الذين يلبّون الدعوة؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى مزيد من النقاش والتداول” (مجلس أساقفة النمسا).
- ثمّةَ عقبةٌ بالغة الأهميّة تواجه السير معًا وتتمثّل في فضيحة الاستغلال والتجاوزات الأخلاقيّة التي يرتكبها بعض رجال الإكليروس أو الأشخاص الذين أدّوا مهامًا كنسيّة: أولاً وقبل كل شيء، الاعتداء الجنسيّ على القُصّر وغيره من أنواع الاعتداءات كالاستغلال الروحيّ والجسديّ والماليّ والسلطويّ والضميريّ. تُشكّل هذه الأمور جرحًا مفتوحًا لا يزال يؤلم الضحايا والناجين، وأُسرَهم ومجتمعاتهم: “لا بدّ من الإشارة باستمرار إلى أثر الاعتداء الجنسيّ على حالة رجال الإكليروس (…). فبالنسبة إلى الكثيرين منهم، لا تزال عواقبها شائكةً وغير محلولة. كما كان لا بدّ من الاعتراف بالأسى والشرّ الذي تسببت به هذه الاعتداءات، والسعي إلى بذل المزيد من الجهود لحماية الضعفاء وإصلاح الضرر الذي لحق بسلطة الكنيسة الأخلاقيّة وإعادة بناء الثقة. لقد ذكَّرت بعض الأبرشيّات أنّ المشاركين في المسار السينودوسيّ طلبوا إليهم الإقرار بانتهاكات الماضي والتعويض عنها” (مجلس أساقفة أستراليا). وإنّ التأمّل الحثيث والمؤلم بتاريخ الانتهاكات قد دفع بالعديد من الجماعات المسيحيّة إلى المطالبة بتغييرٍ في ذهنيّة الكنيسة ونمط عيشها، من أجل المزيد من الشفافيّة والمسؤوليّة المشتركة.
- أخيرًا، تَرافقَ المسار السينودوسيّ، في العديد من البلدان، مع الحروب التي دمّرت عالمنا، “وأطلقت العنان للتعصّب على أنواعه، والاضطهاد والمجازر. وقد لُوحظ أنّ أشكالاً من التحريض الطائفيّ تحوّلت، في بعض الأحيان، إلى صراعاتٍ مسلّحة وسياسيّة ودمويّة” (الكنيسة المارونيّة). فإنّها مؤلمة على الخصوص تلك الأحداث التي يتعرّض لها المسيحيّون، بمن فيهم الكاثوليك، في بلدانَ تحارب بعضها بعضًا. وفي بعض هذه الحالات الصعبة والهشّة، تمكّنت الجماعات المسيحيّة من اللقاء بالربّ المصلوب والقائم من الموت، ومن قَبول الدعوة إلى عيش خبرةٍ سينودوسيّة، ومن التفكير بما يعنيه السير معًا، معبّرةً عن رغبتها بالاستمرار به: “فيما يتعلّق بمأساة الإبادة الجماعيّة ضد قبائل التوتسي والتي قسّمت الشعب الرواندي، لا بدّ من استكشاف موضوع الشركة بشكلٍ أفضل، في ضوء الشفاء الحقيقيّ للذاكرة الجماعيّة. لقد أتاح لنا هذا المسار السينودوسيّ أن نفهم بشكلٍ أفضل أنّ العناية الراعويّة بالوحدة والمصالحة يجب أن تبقى أولويّة” (مجلس أساقفة رواندا).
1-2 الكرامة المشتركة بالمعموديّة
- إنّ ممارسة الخبرة السينودوسيّة قد شكّلت “لحظة حاسمة وثمينة لكي نعيَ أننا بالمعموديّة نشترك معًا في الكرامة الواحدة والدعوة إلى الاشتراك في حياة الكنيسة” (مجلس أساقفة أثيوبيا). هذه الإشارة المؤسِّسة إلى المعموديّة، لا كفكرة مجرّدة بل كحقيقة مُعاشة في الواقع، تسلّط الضوء مباشرةً على الصلة بين طابع الكنيسة السينودوسيّ وإمكانيّة تحقيق رسالتها: “ثمّةَ وعيٌ متزايدٌ لأهميّة السير معًا مِن قبل مَن نالوا نعمة المعموديّة، ولتشاركهم وفهمهم المشترك لما يدعوهم إليه نداء الروح القدس. وثمّة وعيٌ عميقٌ لحقيقة أنّ السير معًا في الكنيسة السينودوسيّة هو سبيلها لتكون أيضًا كنيسة رسوليّة” (مجلس أساقفة اليابان). ويؤكّد العديد من الجماعات المسيحيّة المتواجدة في سياقاتٍ تمتاز بتعدّد الكنائس على الكرامة الواحدة لجميع المعمّدين وعلى رسالتهم المشتركة في خدمة الإنجيل. فلا يكتمل السير معًا من دون لقاء الإخوة والأخوات من الكنائس الأخرى، ومن دون المشاركة والحوار والانخراط معًا في أنشطة مشتركة. وتعبّر التقارير عن الرغبة في حوارٍ مسكونيّ أعمق وعن ضرورة التنشئة الملائمة في هذا المجال.
- تُشدّد التقارير على أنّ المسار السينودوسيّ هو خبرة جديدة ونضرة: “لقد شدّد شعب الله على الطابع الاستثنائي لخبرة التعبير عن الذات بحريّة في لحظات لقاء معدّة خصّيصًا لهذا الأمر، من دون قيودٍ على جدول الأعمال، وباهتمامٍ خاصّ باتّباع وحي الروح القدس وإلهاماته. أشار بعض المؤمنين إلى أنّها المرّة الأولى التي يُطلب منهم فيها أن يُدلوا برأيهم مع أنّهم يتردّدون إلى الكنيسة منذ عقود” (مجلس أساقفة باكستان). أمّا الصورة الأخرى التي تعبّر عن التحرّر والحياة الجديدة، فتتمثّل في قشرة البيضة التي تنكسر لكي تسمح لحياةٍ جديدة أن تتفتح وتفرد جناحيها.
- في بعض التقارير الأخرى، تستحضر بعض التعابير فكرة التفرقة بين أفراد العائلة الواحدة والعودة المنشودة إلى حضنها، للتعبير عن نهاية سوء الفهم الجماعيّ لطبيعة الكنيسة السينودوسيّة. وإذا استندنا إلى صورةٍ كتابيّةٍ، يمكننا القول إنّ المسار السينودوسيّ هو بمثابة الخطوة الأولى للعودة من المنفى، التي تترك أثرًا على كلِّ شعب الله. فإن لم تكن الكنيسة سينودوسيّة حقًا، فلا يستطيع أحدٌ أن يشعر بأنّه حقًا في بيتِه.
2. في الإصغاء إلى الكتب المقدّسة
- إلى شعب الله في المنفى يتوجّه النبيّ أشعيا بهذه الكلمات التي تساعدنا اليوم في الانطلاق نحو ما يدعونا إليه الربّ، من خلال خبرة السينودوسيّة المعاشة: “وسّعي أرجاء خيمتكِ، وانشري ستائر مساكنِك. أرخي وطوّلي حبال خيامك وثبّتي أوتادها في الأرض” (إشعيا 54/2).
- يذكّر كلام النبيّ المنفيّين من شعب الله بخبرة الخروج وعبور الصحراء والعيش تحت الخيام، ويُعلن الوعد بالعودة إلى أرض الميعاد، كعلامةٍ للفرح والرجاء. في سبيل ذلك، لا بدّ من توسيع الخيام انطلاقًا من العناصر الثلاث التي تكوّن بنية الخيمة. الأول هو القماش، الذي يحمي من الشمس والرياح والأمطار ويحدّد مساحة الحياة والعيش المشترك. علينا أن نمدَّ هذا القماش على مساحةٍ أوسع لكي يحميَ أيضًا الذين ما زالوا خارجها، ويشعروا بأنهم مدعوّون إلى الانضمام إلى من هم فيها، وبأنّهم مرحّبٌ بهم. العنصر الثاني في بنية الخيمة هو الحبال، التي تثبِّت القماش، والتي يجب أن توازن القوة للمحافظة على القماش مشدودًا وليّنًا في الوقت عينه، ليتمكّن من مقاومة الرياح. لذلك إذا اتّسعت الخيمة يجب شدّها من جديدٍ للحفاظ على توازنها. أمّا العنصر الثالث فهو الأوتاد التي تثبّت الخيمة بالأرض وتضمن صمودها. لكنّها تظلُّ قادرةً على الانتقال عند الضرورة لنصب الخيمة في مكانٍ آخر.
- أصغوا اليوم! فهذه الكلمات من أشعيا تدعونا إلى تصوّر الكنيسة كخيمةٍ، لا بل كخيمة الاجتماع (خباء المحضر)، التي رافقت شعب الله في مسيرته عبر الصحراء. إنّها إذًا مدعوّة إلى التوسّع والانتقال أيضًا. في وسطِها يقوم بيت القربان، أي حضور الربّ. وصلابة الخيمة تؤمّنها قوّة أوتادها، أي أسس الإيمان التي لا تتغيّر، والتي يمكن أن تنتقل لكي تُقيم في أماكن جديدة، بحيث تسمح للخيمة أن ترافق شعب الله في مسيرته عبر التاريخ. في النهاية، ولكيلا تنهار الخيمة، يجب أن توازن بنيتها بين الآراء والتوتّرات والهزّات التي تخضع لها. إنّ صورة الخيمة صورةٌ رمزيّة تعبّر عن واجب التمييز الروحيّ. والحقيقة أن العديد من التقارير تنظر إلى الكنيسة على هذا النحو، على أنّها مسكنٌ واسعٌ ولكنّه ليس أحاديّ الشكل، وعلى أنّها قادرةٌ على احتضان الجميع بالانفتاح، وتسمحُ بالدخول والخروج (يوحنا 10/9)، في حركةٍ تقود إلى معانقةِ الله الآب ومعانقةِ جميع الناس.
- إنَّ توسيع أرجاء الخيمة يتطلّب استقبال الآخرين في داخلها، والإفساح في المجال لهم على الرغم من اختلافهم. فهذا التوسيع يتضمّن إذًا التأهّب للموت عن الذات بالمحبة، للقاء المسيح والقريب: “الحقّ، الحقّ أقول لكم: إن لم تمت حبّة الحنطة التي تقع في الأرض، تبقى وحدها؛ أمّا إذا ماتت فإنّها تعطي ثمارًاً كثيرة” (يوحنا 12/24). إنّ خصوبة الكنيسة مرهونةٌ بقبول هذا الموت، الذي ليس انسحاقًا، بل بالحريّ اختبار إفراغ الذات للامتلاء من المسيح بفعل الروح القدس. إنّ توسيع الخيمة عمليّة نحصل من خلالها على علاقاتٍ أكثر غنى وعلى روابط أكثر عمقًا مع الله ومع الآخر. هذا هو اختبار النعمة والتجلّي. لهذا السبب يوصي القدّيس بولس: “فكونوا على فكر المسيح: هو في صورة الله، ما اعتبر مساواته لله غنيمة له، بل أخلى ذاته” (فيلبي 2/5-7). بهذه الشروط يصير أعضاء الكنيسة، أفرادًا وجماعاتٍ، قادرين على التعاون مع الروح القدس في إتمام الرسالة التي أوكلها يسوع إلى كنيسته: إنّه عملٌ ليتورجيّ، إفخارستيّ.
3. نحو كنيسة سينودوسيّة رسوليّة
- إنّ صورة الخيمة تتلاقى مع صورٍ كتابيّة أخرى وردت في العديد من التقارير كصورة العائلة، وصورة البيت، بصفته المكان الذي يرغب الأشخاص بالانتماء إليه، والعودة إلى ربوعه. “الكنيسة-البيت لا تُغلق أبوابها، ومساحتها تتوسّع باستمرار” (مجلس أساقفة إيرلندا). فديناميّة البيت والمنفى، الانتماء والإقصاء مذكورةٌ في التقارير على أنّها توقٌ إلى: “من يشعرون في داخل الكنيسة وكأنّهم في البيت، ويتنبّهون لغياب الذين لم يعدْ لديهم هذا الشعور” (مجلس أساقفة إيرلندا). من خلال هذه الأصوات، نستشّف “الحلم الإلهيّ بكنيسة سينودوسيّة شاملة تعيش الوحدة في الاختلاف. الله يحضّر شيئًا جديدًا ويجب علينا أن نتعاون لقبوله” (اتحّاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات USG/UISG).
- هذه الإسهامات التي وصلت إلى أمانة سرِّ السينودوس تشجّع على تفادي نزعتين أساسيّتين تواجههما الكنيسة أمام الاختلاف وما يمكن أن يصدر عنه. النزعة الأولى هي أن نقع في فخّ الصراع، فتضيق الآفاق، ويضيع معنى وجودنا معًا، وننفرز إلى هويّاتٍ أدنى. هذه خبرة برج بابل وليس العنصرة، نجد آثارها في الكثير من ميادين عالم اليوم. أمّا النزعة الثانيّة فهي أن ننفصل روحيًّا ونفقد اهتمامنا بالاختلافات الموجودة، ونتابع مسيرتنا من دون أن نتفاعل مع مَن هم معنا في الطريق. في حين أنّ “الدعوة هي لكي نعيش بشكلٍ أفضل الصراع والتوتّر بين الحقيقة والرحمة، كما فعل يسوع (…). حلمنا يتحقّق بكنيسةٍ تعيش في الملء التناقض المسيحانيّ بين إعلان تعليمنا الخاصّ والأصيل بشجاعةٍ، وفي الوقت عينه، تقديم شهادة الاحتضان والقبول الجدّي للآخر من خلال المرافقة الراعويّة المرتكِزة على التمييز الروحيّ” (مجلس أساقفة إنكلترا والغال).
- أن تكون الكنيسة قادرةً على الاحتضان العميق، وعلى الانتماء والمشاركة، وعلى الضيافة العميقة وفق تعاليم يسوع، لهوَ أمرٌ من صلب المسار السينودوسيّ، إذْ “بدل أن نتصرّف كحرّاس يبحثون عن إقصاء الآخرين عن الطاولة، يتوجّب بالحريّ علينا أن نبذل جهدنا لكي نتأكّد من أن الجميع يجدون َهَهُنا مكانًا وبيتًا” (ملاحظة فريق رعائيّ من الولايات المتحدة). إنّنا مدعوون جميعًا إلى التوجّه إلى كلّ مكان، وبنوعٍ خاص إلى الأماكن غير المألوفة لكي “نخرج من الرفاهيّة المريحة التي بها نقوم باستقبال الآخرين إلى اختبار أن نكون من نُستقبل في حياة الذين هم رفاقنا في المسيرة البشريّة” (مجلس أساقفة ألمانيا).
3-1 الإصغاء الذي يتحوَّل إلى استقبال
- في هذا المسار، تنبّهت الكنائس إلى أنّ المسيرة نحو احتضانٍ أرحب، وتوسيع أرجاء الخيمة، إنمّا يتحقّقان بطريقة تدرجيّة تبدأ بالإصغاء، وتتطلّب تغييرًا أكبرَ وأعمقَ للمواقف وللبُنى، وتستوجب مقارباتٍ جديدةً للمرافقة الراعويّة، واستعدادًا للإقرار بأن ضواحي الكنيسة قد تكون المكان الذي تصدح فيه الدعوة إلى الاهتداء وعيش الإنجيل بطريقة جديّة. يتطلّب الإصغاء الاعتراف بالآخر على أنّه سيّدُ مسيرته الخاصّة. عندما ننجح في تحقيق ذلك، يشعر الآخرون بأنّه مُرحّبٌ بهم من غير أحكامٍ، وأنّهم أحرارٌ في مشاركة مسيرتهم الروحيّة. لقد تمَّ اختبار ذلك في الكثير من السياقات، ممّا شكّل بالنسبة إلى البعض النقطة التي تحوّل كلّ المسار. إنّ خبرة السينودوس يمكن أن تُقرأ على أنّها مسارٌ للاعتراف بأولئك الذين لا يشعرون كفاية بأنه معترفٌ بهم في الكنيسة. هذا أمرٌ صحيحٌ، ولا سيّما بالنسبة إلى هؤلاء العلمانيّين والعلمانيّات، والشمامسة، والمكرّسين والمكرّسات، الذين كان يتملّكهم الشعور بأنّ الكنيسة-المؤسّسة لم تكن تبالي بخبرة إيمانهم ولا بآرائهم.
- تُذكّر التقارير بصعوبة الإصغاء العميق وقبول التغيير، وتطالب بتنشئة أفضل في هذا المجال. وهي تشير كذلك إلى وجود عوائق بُنيويّة من بينها: البُنى الهرميّة التي تسهّل النزعة التسلطيّة؛ الثقافة الإكليروسيّة والفرديّة التي تعزل الأشخاص وتحطّم العلاقات بين الكهنة والعلمانيّين؛ عدم المساواة الثقافيّة-الاجتماعيّة، والاقتصاديّة التي تُعطي الأفضليّة للأغنياء والمثقّفين؛ غياب المساحات “الوسيطة” التي تسهّل اللقاء بين أعضاءٍ من مجموعاتٍ منفصلةٍ فيما بينها. يؤكّد تقرير بولونيا: “يؤدّي عدم الإصغاء إلى عدم الفهم والإقصاء والتهميش. ثمّ ينشأ الانغلاق، والتبسيط، ونقص الثقة والخوف، وكلّها أمورٌ تهدم الجماعة. عندما لا يريد الكهنة أن يصغوا، يجدون أعذارًا، على سبيل المثال، في كثرة النشاطات؛ وعندما تبقى الأسئلة من دون أجوبة، يتولّد في قلوب المؤمنين العلمانيّين شعورٌ من الحزن ومن الغربة. ومن دون الإصغاء، قد تخرج الإجابة على أسئلة المؤمنين من إطارها، ولا تعالج المشكلة الحقيقيّة التي يعيشونها، وتتحوّل إلى خطابٍ أخلاقيٍّ فارغ. يعتبر العلمانيّون أنّ الهرب من الإصغاء الصادق نابعٌ من الخوف من الالتزام الراعويّ. ومثل هذا الشعور يكبر أكثر عندما لا يجد الأساقفة وقتًا للتحدّث إلى المؤمنين والإصغاء إليهم”.
- نجدُ في الوقت عينه أنّ التقارير تتعاطف مع الوحدة والعزلة التي يعاني منها بعض أعضاء الإكليروس عندما يشعرون بأنّ لا أحد يصغي إليهم، ويدعمهم أو يقدّرهم. وقد تفتقد التقارير ربمّا إلى أصوات هؤلاء الكهنة والأساقفة الذين يتحدّثون عن خبرتهم الشخصيّة في السير معًا. على وجه العموم، هنالك حاجةٌ خاصّة للإصغاء إلى خدّام الأسرار بشأن الشؤون العاطفيّة والجنسيّة في حياتهم. كما تجدر الإشارة أيضًا إلى ضرورة إيجاد صيغٍ جديدةٍ لاستقبال النساء والأولاد المحتملين للكهنة الذين خالفوا نذر العفّة، وحمايتهم، لئلّا يصيروا عرضةً للظلم وعدم المساواة في المعاملة.
- إنّ غيابَ صوت الشبيبة في المسار السينودوسيّ وفي حياة الكنيسة لهمٌّ عالميّ. فالاهتمام بالشبيبة وتنشئتهم ومرافقتهم أمرٌ متجدّدٌ وملِحٌّ وفقًا لنتائج سينودوس الأساقفة السابق حول “الشبيبة والإيمان وتمييز الدعوة” (2018). فلقد بيّن الشباب حينها الحاجة إلى كنيسة أكثر سينودوسيّة من أجل نقل الإيمان في أيامنا الحاضرة. وتشكّل مبادرة “السينودوس الرقميّ” خطوةً كبيرةً للاستماع إلى الشباب، وتقديم أفكارٍ جديدة في إعلان الإنجيل. ويؤكّد تقرير جُزر الأنتيلّي: “بما أنّ شبابنا يعانون من مستوى عالٍ من الضغوطات النفسيّة، فعلينا أن نوليهم الأولويّة”.
- يشير العديد من التقارير إلى عدم وجود البُنى والوسائل المناسبة لمرافقة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وهي تطرح أفكارًا جديدة للترحيب بمساهمتهم وتعزيز مشاركتهم. فعلى الرغم من تعاليمها الخاصّة، غالبًا ما تشبه الكنيسة المجتمع عندما تعزل هؤلاء الأشخاص: “أشكال التمييز بالمعاملة التي وردت هي: عدم الإصغاء، عدم احترام الحقّ في اختيار المكان الذي يعيشون فيه أو الشخص الذي يريدون الإقامة معه، الحرمان من الأسرار، الاتهام بالسحر، وغيرها. هذه الأمور تعكس سياسة الرفض تجاه الأشخاص المجروحين في ذكائهم، وهي ليست وليدة الصدفة بل تعود إلى النقطة الأساسيّة: الاعتقاد بأنّ حياة هؤلاء الأشخاص حاملي الإعاقات ليست لها القيمة ذاتها التي هي للآخرين” (خلاصة الاستشارة السينودوسيّة الخاصّة بالأشخاص ذوي الإعاقات).
- يبرز في التقارير التزام شعب الله في الدفاع عن الحياة الهشّة والمهدّدة في كلّ مراحلها. فعلى سبيل المثال، يظهر للكنيسة الأوكرانيّة الكاثوليكيّة، أنّ ما يلي جزء من السينودوسيّة: “وجوب دراسة ظاهرة هجرة النساء وتقديم الدعم لهنّ، من كلّ الفئات العمريّة؛ إيلاء النساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض، خوفًا من الفقر الماديّ ورفض العائلات الأوكرانيّة لهنّ، اهتمامًا خاصًّا؛ توفير التنشئة الثقافيّة اللازمة للنساء اللواتي قد يضطررن إلى اتخاذ خياراتٍ مسؤولة في لحظاتٍ صعبة من حياتهن، بهدف الحفاظ على حياة الأجنّة وحمايتها والحدّ من اللجوء إلى الإجهاض؛ الاهتمام بالنساء اللواتي يعانين من أزمة ما بعد الإجهاض”.
- تُظهر التقارير بوضوحٍ أنّ الكثير من الجماعات قد فهمت السينودوسيّة على أنّها دعوة إلى الإصغاء لأولئك الذين يشعرون أنهم مبعدون من الكنيسة. وثمّة مجموعاتٍ مختلفة تشعر بالإقصاء، وقد تكون من النساء والشباب الذين يعتبرون مواهبهم وإمكاناتهم غير معترفٍ بها في الكنيسة. ويندرج ضمن هذه المجموعة المتنوّعة، الكثير من أولئك الذين يشعرون بالنكران والإهمال وقلّة فهمهم. فالحنين إلى الكنيسة-البيت ينتاب أيضًا أولئك الذين لم يقبلوا التطوّر الليتورجيّ في المجمع الفاتيكانيّ الثاني. وبالنسبة إلى كثيرٍ من المؤمنين، فإنّ اختبار الإصغاء إليهم بجديّة قد شكّلَ تحوّلاً إذ اعتبروه خطوةً أولى لعودة الشعور بالانتماء الكنسيّ. لكنّه شكّل في المقابل مصدر حزنٍ للبعض، الذين لم يشعروا بأنّ مشاركتهم في المسار السينودوسيّ قد أتت ثمارها: إنّه شعور يستحق التعويض والحوار.
- بعض الذين يطالبون بحوارٍ حاسمٍ وبمساحةٍ أكثر ترحيبًا، لأسباب مختلفة، لا يزالون يشعرون بالتوتّر بين انتمائهم إلى الكنيسة وعلاقاتهم العاطفيّة الخاصّة. نذكر من هؤلاء على سبيل المثال: المطلّقين المتزوّجين من جديد، الأهل العزّب، الأشخاص الذين يعيشون مع أكثر من شريكٍ والأشخاص المثليّون والمتحوّلون جنسيًّا وغيرهم (LGBTQ). وتُظهر التقارير بأن الكثير من الكنائس المحليّة تواجه مثل هذه المشاكل: “يطالب الناس بأن تكون الكنيسة ملجأً للمجروحين والمصابين بقروحٍ وليس للكاملين. يريدون من الكنيسة أن تلتقي الأشخاص حيثما وجدوا، أن تسير معهم بدل أن تحكم عليهم، وأن تبني علاقاتٍ حقيقيّة من خلال الاهتمام والأصالة، وليس من خلال حسّ الفوقيّة” (مجلس أساقفة الولايات المتحدة). كما تَظهر بعض الشكوك حول طرق الإجابة على الاستشارات والتي تعبّر عن الحاجة إلى التمييز الروحيّ من قبل الكنيسة الجامعة: “هنالك ظاهرة جديدة في الكنيسة وهي حديثةٌ جدًّا في مملكة ليسوتو: العلاقات بين الأشخاص من الجنس نفسه. (…) هذا الأمر الجديد يشكّل عامل انزعاجٍ بالنسبة إلى الكاثوليك الذين لا يزالون يعتبرون الأمر خطيئة. أمّا المفاجأة فتكمن في أنّ بعض الكاثوليك في ليزوتو قد بدأوا يعيشون في هذه الحالة وهم ينتظرون من الكنيسة أن تقبلهم وتقبل نمط عيشهم (…). هذا الأمر يشكّل تحدّيًا للكنيسة، لأن هؤلاء الأشخاص يشعرون بالإقصاء” (مجلس أساقفة مملكة ليسوتو). ويأتي التقرير أيضًا على ذكر أولئك الذين تخلّوا عن الخدمة الكهنوتيّة وتزوّجوا وهم يطالبون اليوم الكنيسة بترحيبٍ أوسع واستعدادٍ للحوار معهم.
- على الرغم من الاختلافات الثقافيّة، هنالك تشابهٌ بين القارات المختلفة بما يخصّ أولئك الذين يُعتَبرون مستَبعدين من المجتمع ومن الكنيسة. وفي معظم الحالات، كان صوتهم غائبًا عن المسار السينودوسيّ، وورد ذكرهم في التقارير فقط لأنّ آخرين تحدّثوا عنهم، وتأسّفوا على استبعادهم: “بصفتنا كنيسة بوليفيا، نحن نتألّم لأنّنا لم ننجح في الوصول، بطريقة فعّالة، إلى الضواحي الفقيرة والأماكن البعيدة” (مجلس أساقفة بوليفيا). وكذلك من بين المجموعات المستبعدة والمذكورة بتواتر في التقارير نجد: الأكثر فقرًا، والعجزة العائشين وحدَهم، والسكّان الأصليّين، والمهاجرين الذين لا انتماء لهم ويعيشون حياةً غير مستقرّة، وأولاد الشوارع، والسكّيرين والحشّاشين، والذين وقعوا في قبضة الإجرام، والذين يعتبرون البغاء الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وضحايا الاتّجار بالبشر، والصامدين في وجه الاستغلال، والمسجونين، والمجموعات التي تعاني من الاضطهاد بسبب العرق واللون والجنس والثقافة والميول الجنسيّة. في تقارير المجالس الأسقفيّة يظهر جميع هؤلاء كأشخاص بوجوه وأسماء، ويطلبون التعاضد، والحوار، والمرافقة والترحيب.
- إخوةٌ وأخواتٌ من أجل الرسالة
- تحمل الكنيسة إعلان الحياة في ملئها: “أنا جئت لتكون لهم الحياة بوفرة” (يوحنا 10/10). وتقدّم لنا الأناجيل ملءَ الحياة وملكوتَ الله، ليس كواقعٍ أو مجالاتٍ منفردة، بل بالحريّ كديناميّاتٍ متداخلة. تقوم رسالة الكنيسة على جعل المسيح حاضرًا في وسط شعبه من خلال قراءة الكلمة، والاحتفال بالأسرار وكل الأنشطة التي ترعى المجروح أو المتألّم. “إنّه من الواجب أن نلِج نحن أبناء الكنيسة في عمليّة الاهتداء لكي نلبيَ هذه الحاجة الملحّة التي تقتضي إعلان َالبشرى السارّة كإبلاغٍ وإصغاءٍ أساسيٍّ إلى يسوع المسيح المصلوب والقائم من الموت من أجلنا. (…) من هنا أهميّة العودة إلى جوهر الحياة المسيحيّة والحب الأوّل، والعودة كذلك إلى جذورنا على مثال الجماعة الأولى، حين كان كلّ شيءٍ مشتركًا بينهم” (مجلس أساقفة كوستا ريكا).
- فيما نتمِّم رسالتنا، نتابع مسيرتنا نحو ملء دعوتنا المسيحيّة. وإنَّ “توسيع أرجاء الخيمة” هو من صلب العمل الرسوليّ. الكنيسة السينودوسيّة تمثّل شهادةً قويّة للإنجيل في العالم: “الروح القدس يدفعنا إلى تجديد الاستراتيجيّات، والمهمّات، والحماس لكي نسير معًا، فنصل إلى البعيدين، وننقل كلمة الله بحماسٍ وفرح، مستعملين المواهب والعطايا والقدرات، ومتبنّين التحدّيات الجديدة، ودافعين نحو التغييرات الثقافيّة على ضوء الإيمان وحياة الكنيسة (مجلس أساقفة فنزويلاّ). تمنح التقارير صوتَا يتيح لنا أن نحلم بكنيسةٍ قادرة على مواجهة تحدّيات عالم اليوم، وتجيب عليها بتغييرات واقعيّة: “يحتاج العالم إلى ’كنيسةٍ قادرةٍ على الخروج من حدودها‘، وترفض الانقسام بين المؤمنين وغير المؤمنين، وتوجّه نظرها شطر البشريّة لتقدّم لها أكثر من عقيدةٍ أو استراتيجيّة، أي خبرة الخلاص، ’فيضًا من العطاء‘ يُجيب على صرخة الإنسانيّة والطبيعة” (مجلس أساقفة البرتغال).
رسالة الكنيسة في عالم اليوم
- السينودوسيّة دعوةٌ من الله إلى السير معًا، وهي موجّهةٌ إلى البشريّة جمعاء. في أماكنَ كثيرةٍ، يعيش المسيحيّون مع أشخاصٍ ينتمون إلى دياناتٍ أخرى أو غير مؤمنين، وهم معهم في حوارٍ يوميّ ومشاركةٍ للحياة: “تتمّ أيضًا الإفادة من جوٍّ اجتماعيٍ يسهّل الحوار مع الذين يمارسون الديانات الأفريقيّة التقليديّة ومع كلّ شخصٍ آخر أو جماعة، بغضِّ النظر عن الدين الذي ينتمي أو ينتمون إليه” (مجلس أساقفة السينغال، موريتانيا، كابو فردي وغينيا بيساو). لكن في المقابل، تشير التقارير إلى أنّ الطريق ما زال طويلاً قبل التوصّل إلى الحوار والتعاون الاجتماعيّ والثقافيّ والروحيّ والفكريّ.
- ترتبط جراحات الكنيسة بشكلٍ وثيق بجراحات العالم. فالتقارير تتحدّث عن تحدّيات العشائريّة، والطائفيّة، والتعصّب، والفقر، وعدم المساواة بين الأجناس في حياة الكنيسة والعالم. اوغندا هي صوتٌ وصدى لبلدانٍ أخرى في هذا المجال وهي تقدّم الملاحظات التالية: “يتمّ الإصغاء أكثر إلى الأغنياء والمثقّفين”. ويشير تقرير الفليبين إلى أنّ “كثيرين من المنتمين إلى الطبقات الدنيا في المجتمع و المهمّشين يشعرون بأنّهم مستبعدون ليس فقط من المجتمع، بل ومن الكنيسة أيضًا”. وتشير تقارير أخرى إلى أثر التمييز العنصريّ والنظام العشائريّ على جماعة المؤمنين المسيحيّين. هذه الوقائع لا تشكّل فقط أساس رسالتنا بل تحدّد أيضًا غايتها وهدفها، إذ تقتضي رسالة الإنجيل التي تعلنها الكنيسة أن تنجح في اهتداء بنى الخطيئة التي تسجن الإنسانيّة والخليقة.
- يعبّر شعب الله عن الرغبة العميقة بالإصغاء إلى صرخة الفقراء وصرخة الأرض. على وجهٍ خاص، تحثّنا التقارير على الإقرار بالارتباط بين التحدّيات الاجتماعيّة والبيئيّة من جهةٍ، والإجابة عليها بالتعاون معًا وبإطلاق معاهداتٍ مع الكنائس الأخرى، والمؤمنين الذين ينتمون إلى دياناتٍ أخرى، وذوي الإرادة الصالحة، من جهةٍ أخرى. هذه الدعوة إلى العمل المسكونيّ المتجدّد والالتزام بين الديانات، لدعوةٌ قويّةٌ ولا سيَّما في المناطق المطبوعة بهشاشةٍ أكبر، والتي تتعرّض لأضرار اجتماعيّة وبيئيّة وأخرى ناشئة من عدم المساواة والتمييز بين الناس. على سبيل المثال: كثيرةٌ هي التقارير من أفريقيا ومنطقة الباسيفيك التي تدعو الكنائس في العالم إلى الإقرار بأنَّ مجابهة التحدّيات الاجتماعيّة والبيئيّة لم يعد أمرًا اختياريًّا: “إنّ رغبتنا هي في أن نحمي هذا الجزء من خليقة الله، لأنّه بأشكالٍ كثيرة يرتبط رغد الحياة لشعوبنا بالمحيط الهادئ. ففي البعض من بلداننا يأتي التهديد الأوّل من المحيط، لأن التغييرات المناخيّة لها تأثير كارثيّ على صمود تلك البلدان” (مجلس أساقفة الباسيفيك).
- تؤكّد بعض التقارير على أهميّة دور الكنيسة في الشأن العام، وبنوعٍ خاصٍّ ما يرتبط بعملياتِ بناءٍ السلام والمصالحة. في مجتمعاتٍ تعاني من الإنقسام إلى حدٍّ كبير، يُعتبر هذا العمل من صلب رسالة الكنيسة. وهنالك تقارير أخرى تدعو الكنيسة إلى المساهمة مساهمةً أقوى بالنقاش العامّ والالتزام في سبيل العدالة. كما تَظهر الرغبة بتنشئةٍ أفضل في حقل تعليم الكنيسة الاجتماعيّ.”كنيستنا ليست مدعوّة إلى المواجهة، بل إلى الحوار والتعاون على كل المستويات (…). حوارنا لا يمكن أن يكون حوارًا نظريًّا ونقاشًا عقيمًا، بل حوارًا حياتيًّا وتضامنيًّا” (الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة).
- تبرز مسألة أخرى مشتركةٌ بين العديد من التقارير ألا وهي الضعف في الالتزام المسكونيّ الرصين والرغبة في التعلّم لنعرف كيف نضخُّ دمًا جديدًا في المسيرة المسكونيّة، انطلاقًا من التعاون الواقعيّ واليوميّ، ومن المساعي المشتركة في سبيل إحقاق العدالة الاجتماعيّة والبيئيّة. لقد طالب الكثيرون بتحقيق المزيد من الشهادة للوحدة بين الجماعات المسيحيّة.
- إنّ الدعوة إلى العمل المسكونيّ لا تهدف فقط إلى التزامٍ اجتماعيٍّ مشترك. فلقد أكّدت التقارير على أن السينودوسيّة لا تتمّ من دون الوحدة بين المسيحيّين، لأنّها تبدأ بالدعوة إلى شركةٍ أكثر متانةً بين الكنائس المختلفة. منذ المجمع الفاتيكاني الثاني حتى يومنا هذا، أحرز العمل المسكونيّ تقدّمًا: “في خبرة بلدنا الواقعيّة، بات ’العيش معًا‘ بين المسيحيّين من مختلف الكنائس أمرًا واقعًا. أحياؤنا، وعائلاتنا، ومدافننا، وأماكن عملنا هي مساحات مسكونيّة أصيلة” (مجلس أساقفة أفريقيا الوسطى). ولكنّ الكثير من التساؤلاتِ المسكونيّةِ المرتبطةِ بالبُنى السينودوسيّة وبالخِدم أو الرِتب في الكنيسة لا تزال بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التوضيح. تتحدّث تقارير كثيرة عن “مسكونيّة الاستشهاد” حيث الاضطهاد ما زال يُوحّد المسيحيّين فيما بينهم. وقد طالبت بمزيدٍ من الاهتمام بالوقائع التي توَلّد الانقسامات، كالمشاركة في سرّ الإفخارستيّا، على سبيل المثال.
- لقد تمّت الإشارة أيضًا إلى ظاهرةٍ دقيقةٍ وهي تكاثر العائلات المختلِطة الناشئة سواءَ بين الكنائس أو الأديان، وإلى وجوب تأمين مرافقةٍ خاصّة لها. إنّ الدعوة إلى الالتزام بالسعي من أجل وحدة المسيحيّين، شهادةُ وحدةٍ في عالمٍ منقسمٍ، تتطلّب تنشئةً متخصّصةً ترفع مستوى الثقة، والمقدرة على تحفيز الأساقفة، والكهنة، والمكرّسات والمكرّسين، والعلمانيّات والعلمانيّين على العمل في الحوار المسكونيّ والحوار بين الأديان. “مع أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة في الهند أطلقت الحوار المسكونيّ والحوار بين الأديان، هنالك إحساسٌ بأن الالتزام في هذا الحقل من الرسالة لا يزال ضعيفًا. جهود الحوار هذه شارك فيها عددٌ قليل من النخبة ولا تزال مقارباتٍ فكريّة في سياق التنظير والمفاهيم، بدل أن تصبح حركةً شعبيّة وحوارَ حياة وحبٍّ وعمل على مستوى القاعدة، وبدلَ أن تضمّ أشخاصًا من معتقدات وأيديولوجياتٍ مختلفة للتمييز الروحيّ والتخطيط والعمل معًا من أجل القضايا المشتركة” (مجلس أساقفة الهند).
- العديد من التقارير يوضح أهميّة الإقرار بأنّ الكنيسة تتمّ رسالتها الخاصّة بإعلان الإنجيل في سياقات ثقافيّة محدّدة، خاضعةٍ لتأثير التغييراتِ الاجتماعيّة العميقة والسريعة. تختلف الأسباب ولكن، في كل مكانٍ، تحدّد التحدّيات ُالمهمّة قواعد المشاركة، وتغيّر واقع رسالة الكنيسة. إنَّ إرث الطائفيّة والعشائريّة والقوميّات العرقيّة، المعبّر عنها والمعَاشة في أماكن مختلفة من العالم، تهدّد باستمرار جامعيّة الكنيسة.
- كنائس كثيرة ذكرت أنّها تجد نفسها في مواجهةٍ مع السياق الثقافيّ السائد ومع أزمة التجاوزات الأخلاقيّة، ممّا يؤدّي إلى تراجع الثقة والمصداقيّة التي كانت تتمتّع بها. فيما يشير البعض الآخر إلى الفرديّة والاستهلاكيّة على أنّها عواملُ ثقافيّة مقلقة: “في كلّ يومٍ يتبيّن لنا أنّ في بلدنا أيضًا يجري نقاشٌ حول إعلان البشارة بسبب العَلْمنة المتزايدة، والفرديّة واللاّمبالاة تجاه البُنى المؤسّساتيّة للأديان” (مجلس أساقفة هنغاريا). يلفت تقرير مالطا وتقارير أخرى الأنظار إلى التشابك التاريخيّ بين الكنيسة والسلطة السياسيّة والذي يترك أثرًا بليغًا على واقع الرسالة. كنائس كثيرة تشعر بأنها تواجه كل هذه التحدّيات معًا، ولكنّها ترغب أن تنمو في الثقة بقدرتها على إعلان الإنجيل ولو كان ذلك: “في مجتمعٍ استهلاكيّ لم ينجح في ضمان الاستدامة، والمساواة أو الشعور بتحقيق الذات” (مجلس أساقفة إيرلندا). بعض الكنائس اختبر تعدّديّة المواقف في داخلها: “أفريقيا الجنوبيّة تخضع لتأثير الميول الدوليّة المختصّة بالعلمنة، والفرديّة، والنسبيّة. لقد سبق لبعض الأبرشيّات، سواءٌ في المدن أو في الريف، أن ناقشت مسائلَ تتعلّق بتعليم الكنيسة بشأن الإجهاض، ووسائل منع الحمل، وسيامة النساء، وزواج الكهنة، والبتوليّة، والطلاق وعقد زواج جديد، وشروط التقدّم من المناولة، والمثليّة الجنسية، وسائر الأشخاص المنتمين إلى مجموعة LGBTQIA+. وفي الختام، اختلفت الآراء ولم يكن بالإمكان جمعها في موقفٍ نهائيٍّ واحدٍ يمثّل رأي الجماعة” (مجلس أساقفة جنوب أفريقيا). وثمّةَ تقاريرٌ عديدةٌ عبّرت عن الندمِ والقلقِ بشأنِ الضغوطاتِ التي تثقل كاهلَ العائلات، وأثرها على العلاقات بين الأجيال المختلفة، كالأهل والأولاد، وعلى نقل الإيمان. تقارير آسيويّة عديدة طالبت بمرافقةٍ أفضل وتنشئةٍ للعائلات التي تواجه بصعوبةٍ التحوّلات الثقافيّة.
- في بعض السياقات، الشهادةُ للإنجيل تُعاش حتى الاستشهاد: هنالك بلدان يواجه فيها المسيحيّون، وبنوعٍ خاصٍ الشباب، تحدّي الضغوطاتِ الكبيرةِ للاهتداء إلى أديان أخرى. كثيرة هي التقارير التي تشدّد على ما تعانيه الأقليّات المسيحيّة من عنفٍ وانعدامِ أمانٍ بسبب الاضطهاد. في مثل هذه الحالات، السير معًا إلى جانب أشخاص من إيمانٍ مختلفٍ يتطلّب شجاعةً نبويّةً، بدلَ التراجعِ والهرب.
ثقافات، ديانات وحوار
- لا يزال هنالك عنصر أساسيّ من السينودوسيّة يحتاج إلى تعميقٍ وفهمٍ أفضل ألا وهو الدعوة إلى مقاربةِ الثقافات المتعدّدةّ بوعيٍ أكبر. ومثل هذه المقاربة يبدأ بالسيرِ مع الآخرين، وبتقديرِ الاختلافاتِ الثقافيِّة وفهمها كعوامل تُساعد على النضوج: “اللقاء بين الكنيسة الكاثوليكيّة في كمبوديا والرهبان والعلمانيّين الكمبوديّين يخلق حضارةً جديدة. كل نشاطاتنا تتأثر بعضها ببعض ويمتدّ أثرها إلى العالم أجمع. قد ننتمي إلى أديان مختلفة ولكننا نبحث عن الخير العام” (مجلس أساقفة لاوس وكمبوديا). الكنائس التي تشكّل أقليّة في محيطها هي التي تختبر تفاعلاً ثقافيٍّا مكثّفًا: “على سبيل المثال، هنالك ما يمكن تسميته ’الحذَر‘ في كنائسنا، حيث خطوط التماس بينها وبين المجتمع المدنيّ أقلُّ حِدّةٍ منه في أماكن أخرى (…). لا توجد مشكلة حول التعبير عن الإيمان داخل الكنيسة أو خارجها. نحن كنيسةٌ مدعوّةٌ دومًا إلى الخروج لملاقاة الآخرين، وهذا الأمر علّمنا الإصغاءَ، والليونة، وخلْق أُطرٍ جديدة، في اللغة وفي الممارسة” (مجلس أساقفة شمال أفريقيا-سيرنا).
- لا يكتملُ المسارُ حتى لو بلغنا إلى قبولِ الآخرِ أو تقديرِه. إنّ مقاربةَ حوارِ الحضاراتِ في الكنيسةِ يصبو إلى الأفقِ الذي يدعونا إليه المسيح، إلى ملكوتِ الله. في تبنّينا التعدّديّة التي هي غنىً، نستطيعُ أن نجدَ وحدتَنا الأكثرَ عمقًا، وفرصةً للتعاون مع نعمة الله: “يجب علينا أيضًا أن نهتمّ بأفكار العائلة الموسّعة ورفاق السفر (من غير الكاثوليك، والسياسيّين وغير المؤمنين). لا يمكننا صمّ آذاننا عن الأصوات التي حولنا إذا كنّا لا نريد أن نضيّع ما يهمسُه الله لنا من خلالهم” (مجلس أساقفة زيمبابوي). هذا يشكّل شهادةً في وسْط عالمٍ يجد صعوبة في رؤية الوحدة في التعدّديّة واعتبارها دعوةً حقيقيّة: “على الجماعةِ أن توليَ أهميّةً أكبرَ لتعدّدِ الطموحاتِ، والحاجاتِ، وأنماطِ عيشِ الإيمان. وينبغي على الكنيسة الجامعة أن تبقى ضامنةً للوحدة، من خلال الأبرشيّات التي تقدر أن تجعل الإيمان متفاعلاً مع الثقافاتِ المحليّة المتعدّدة: من هنا ضرورة اللامركزيّة في الكنيسة” (أبرشيّات لوكسمبورغ).
- في القليل من التقارير نجد مطالبةً بالإقرار بوجوب الالتزام والتفاعل على نحوٍ أفضلٍ مع غنى الثقافات المحليّة، التي تحمل الكثير منها رؤيةً للعالم ونهجَ عملٍ يناسب المسار السينودوسيّ. ويُبدي بعض الأشخاص الرغبةَ بتفعيل الثقافة المحليّة (وفي بعض الأماكن إعادة إحيائها وتعميقها)، ودمجها بالإيمان، وإدخالها في الليتورجيا. “المسيحيّون مدعوون إلى تقديم مساهمتهم انطلاقًا من رؤيتهم الإيمانيّة الخاصّة لكي يدخلوها ضمن أُطرٍ ثقافيّةٍ جديدة (…). هذا التنوّع في المقاربات يُعتبر تفعيلاً لنموذجٍ من تفاعل الثقافات، حيث تندمج الاقتراحاتُ بعضُها مع بعضٍ، وتتبادلُ الغنى في ما بينها، وهكذا يتلافى تعدّد الثقافات، المبنيّ على تواجد الثقافات الواحدة إلى جانب الأخرى، وانغلاق كلِّ ثقافةٍ على نفسها في محيطها” (مساهمة المجمع الحبريّ للثقافة).
- في العديد من التقارير يبرز الطلب بإيلاء السكّان الأصليّين عنايةً خاصّة لأنّ تراثهم الروحيّ، وحكمتهم وثقافتهم قد تعلّمنا الكثير. لذلك لا بدّ من إعادة قراءة التاريخ بمعيّةِ هذه الشعوب، لكي نستنبط إلهاماتٍ جديدة من تلك الأوضاع، التي كانت تؤدّي فيها الكنيسة رسالتها في خدمة ترَقّيهم وازدهارهم الإنسانيّ الشامل. ويقودنا هذا الأمر أيضًا إلى طلب المغفرة عن الأزمنة التي كانت الكنيسة فيها، على عكس خدمتها، متواطئةً على قمعهم. في الوقت عينه، توضح بعض التقارير ضرورة مصالحة التناقضات الظاهرة القائمة بين الممارسات الثقافيّة والمعتقدات التقليديّة وتعليم الكنيسة. على وجه العموم، يقتضي المسار السينودوسيّ – شركةً ومشاركةً ورسالة – أن تندمج الكنيسة بالثقافاتِ والأطر المحليّةِ ضمن سعيها إلى تفعيلِ التمييزِ الروحيّ واستنباط ِالحياة.
3-3 شركة، مشاركة ومسؤوليّة مشتركة
- تتحقّق رسالة الكنيسة من خلال حياة جميع المعمّدين. فالتقارير تُبدي رغبةّ عميقة بالاعتراف بالكرامة المشتركة قاعدةً ثابتةً لتجديد الحياة والخِدم في الكنيسة. لذلك لا بدّ من التأكيد على قيمة جميع الدعوات والمواهب في الكنيسة، والتشديد على اتّباع المسيح بالعودة إلى نمط حياته وأسلوبه في ممارسة القوّة والسلطة كأداة لتقديم الشفاء والمصالحة والتحرّر. “لا بدّ من بناء نموذجٍ مؤسّساتيٍّ سينودوسيٍّ يكون نموذجًا كنسيًّا لتفكيك السلطة الهرميّةِ ولا سيما في الإدارات التي تؤْثر حصرَ السلطةِ بشخصٍ واحدٍ، إذْ يجبُ أن تكون السلطة الشرعيّة الوحيدة في الكنيسة سلطةَ الحبّ والخدمة، على مثالِ الربّ” (مجلس أساقفة الأرجنتين).
أبعدُ من الإكليروسيّة
- لا ترتفع أصوات التقارير ضد الإكليروس (ضد الكهنة والكهنوت الأسراريّ). بل إنّ الكثير منها يعبّر عن تقديرٍ عميقٍ وعاطفةٍ بالغةٍ تجاه الكهنة الذين يؤدّون رسالتهم بإخلاصٍ ووفاءٍ وقلقٍ من التحدّياتِ التي يواجهونها. ولكن التقارير تُطالب بتنشئةِ الكهنةِ تنشئةً أفضلَ، ومرافقةٍ توفّرُ لهم المتابعةَ بعيدًا عن العزلة. وتشدّد التقارير على وجوبِ تحريرِ الكنيسة من الإكليروسيّة لكي يتسنّى لجميع أعضائها، كهنةً وعلمانيّين، الإسهام في الرسالة المشتركة. يُنظر إلى الإكليروسيّة على أنّها إفقارٌ روحيّ، وفقدانٌ للنِعَم الحقيقيّة للرسامة، وثقافةٌ تعزلُ أعضاءَ الإكليروسِ وتضرُّ بالعلمانيّين. هذه الثقافة تَحُول دون اختبارٍ حيٍّ لله وتُسيء إلى العلاقاتِ الأخويّة، وتولِّد القسوة والتهجّمَ على السلطة بالمعنى القانونيّ، وتُفضي إلى ممارسةٍ للسلطة تستند إلى القوّة أكثر منها إلى الخدمة. الإكليروسيّة تجربةٌ للإكليريكيّين وللعلمانيّين على السواء، كما يشدّد على ذلك تقرير جمهوريّة وسط أفريقيا الوسطى: “بعض كهنة الرعايا يتصرّفون وكأنّهم ’أصحاب أوامر‘، يفرضون إرادتهم من دون الإصغاء إلى أحد. فالمؤمنون العلمانيّون لا يشعرون بانتمائهم إلى الكنيسة والمبادرات ’الإكليروسيّة‘ المتسلّطة تمسي تصلُّبًا. لذلك يؤثر بعض العاملين في الرعيّة، كهنةً وعلمانيّين، أن يحيطوا أنفسهم بأشخاصٍ يشاركونهم الأفكار نفسها، وأن يستبعدوا الذين لا يوافقونهم الرأي”.
- على الرغم من صراحتها في الكشف عن مشكلة الإكليروسيّة، إلاّ أنَّ التقاريرَ الواردة لا تخلو من الرجاء، بل تعبّر عن رغبةٍ عميقةٍ في تفعيلِ أنماطِ ممارسةِ القيادة الأسقفيّة، والكهنوتيّة، والرهبانيّة، والعلمانيّة لكي تمتاز بالبعد العلائقيّ وبالتعاون، ولكي تكون السلطة قادرةً على تأمين التعاضد وتحمّل المسؤوليّة المشتركة: “من بين مَهمّات السلطة نذكر مهمّة التشجيع، والتحفيز، والقيادة، وتسهيل المشاركة في حياة الكنيسة (…) وتفويض جزءٍ من المسؤوليّة” (مجلس أساقفة سلوفاكيا). يودّ العلمانيّون المكرّسون والكهنة الذين يضعون مواهبهم في خدمة الكنيسة، لكي يتمكّنوا من القيام بخدمتهم، أن تكون ممارسةُ القيادةِ ممارسةً منفتحة ومتحرّرة. أخيرًا، تعبّر التقارير عن شكر القادة الذين يمارسون سلطتهم وفق المفاهيم الصحيحة.
إعادة التفكير بمشاركة النساء
- الدعوة إلى تغييرِ ثقافةِ الكنيسة، من أجل خلاص العالم، مرتبطةٌ بتعابير واقعيّة وبإمكانية إنشاء ثقافةٍ جديدة، وممارساتٍ، وتركيباتٍ وعاداتٍ جديدة. ويتوقف هذا الأمر قبل كلِّ شيء على دعوة النساء ودورهنَّ، وتجذّرهنَّ في كرامةِ المعموديّةِ المشتركة، التي تفتح لهنَّ بابَ المشاركة التامّة في حياة الكنيسة. إنّها نقطةٌ دقيقةٌ يزدادُ الوعي بشأنها في كلِّ أنحاء العالم.
- من جميع القارات، بلغت إلى أمانة السرِّ مطالبةٌ بمنح النساء الكاثوليكيّات المزيد من التقدير بصفتهنَّ معمّداتٍ وأعضاءَ في شعب الله، متساوياتٍ بالكرامة. كما يتفق الجميع ويؤكّد على أنّ النساء يُحببنَ الكنيسة بحقٍ، ولكنَّ كثيراتٍ من بينهنَّ تشعرن بالحزن لأنّ حياتهنِّ لا تلاقي التفهم في معظم الأحيان، ولأنّ مساهمتهنَّ ومواهبهنَّ لا تُقابل دائمًا بالتقدير الواجب. لقد ورد في تقرير الأرض المقدّسة: “النساء هنَّ اللواتي اجتهدنَ أكثر من غيرهنَّ في المسار السينودوسيّ، وعلى ما يبدو لا يرتبط ذلك بما يمكن جَنيُه من ثمارٍ فقط، بل أيضًا بما يمكن أن يقدّمنَه انطلاقًا من الموهبة النبويّة التي تتيح لهنّ أن يراقبن بدقّةٍ ما يحصل في حياة الكنيسة”؛ ويتابع التقرير: “في الكنيسة حيث يتخذ الرجال فيها القرارات، تتبقى مساحاتٌ قليلة للنساء لإيصال صوتهنَّ، على الرغم من أنَّهنَّ يشكّلنَ العامودَ الفقريّ للجماعاتِ الكنسيّة، إما لأنَّهنَّ يشكّلنَ الأغلبيّة بين المؤمنين، وإمّا لأنَّهنَّ الأكثر فاعليّة بين أعضاء الكنيسة”. ورد في التقرير الكوريّ: “على الرغم من مشاركةِ النساء في نشاطاتِ الكنيسة المختلفة، إلاّ أنّهنّ مستثنياتٌ من مواقع القرار الأساسيّة. لذلك لا بدّ وأن تعزّز الكنيسة درجة وعيها الذاتيّ بشأن هذه المسألة وأن تُحسّن أنماط أنشطتها في المؤسسات”. تجد الكنيسة نفسها في إزاء تحدّيَن مرتبطين واحدهما بالآخر: النساء يشكّلنَ غالبيّةَ المؤمنين الذين يشاركون في الليتورجيا والنشاطات الكنسيّة، فيما الرجال أقليّةٌ تحتلّ معظم مراكز القرار. فمن الواضح إذًا أنّ على الكنيسة أن تجدِ أسلوبًا تجذب فيه الرجال إلى انتماء أفعل للكنيسة، وتسمح للنساء أن يشتركنَ اشتراكًا تامًّا في حياة الكنيسة على مختلفِ الأصعدةِ والمستويات.
- في مجالاتِ حياتِهنَّ، تطلب النساء من الكنيسة أن تقف إلى جانبهنَّ في مواجهة الأنظمةِ الاجتماعيّةِ التي تقود إلى الإفقار، والعنف، والاحتقار التي تواجههنَّ في كل العالم. كما تطالب النساء بكنيسةٍ تقف إلى جانبهنَّ وتكون أكثر تفهّمًا وتعاضدًا في محاربة قوى الهدم والعزل. لذلك يرغب المشاركون في المسار السينودوسيّ أن تكون الكنيسة والمجتمع مكانين للنموّ والمشاركة الفعّالة والانتماء الصحيح. كما لفتت بعض التقارير النظر إلى أن بلدانها قد تقدّمت إلى الأمام في انخراط النساء ومشاركتهنَّ، وهذه الخطوات قد تشكّلُ نموذجًا للكنيسة لكي تحذيَ حذوه. “النقصُ في المساواةِ مع النساءِ داخل الكنيسة أمرٌ يُعتبر عائقًا أمامَها لجهةِ انخراطها في العالم المعاصر” (مجلس أساقفة نيوزيلندا).
- المشكلةُ حاضرةٌ بأشكالٍ أخرى وأطرٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ، وهي تطال مشاركة العلمانيّات والراهبات والاعتراف بحضورهنَّ. لقد ورد في تقرير مؤسّساتِ الحياة المكرّسة: “في عمليّة اتخاذ القرار وفي لغة الكنيسة، لا يزال التمييز الجنسيُّ بين الرجال والنساء منتشرًا بقوّةٍ (…). ممّا يُبقي النساء مستبعداتٍ عن الأدوار المهمّة في حياة الكنيسة، ويعرّضهنَّ للتمييز الجنسيّ فلا ينلْنَ الأجر العادل مقابل الخدماتِ التي يؤدينها. وغالبّا ما تُعتبر الراهبات بمثابة يدٍ عاملةٍ بكلفةٍ زهيدة. في بعض الكنائس نلاحظ نزعةً إلى إقصاء النساءِ وإسنادِ المهمّاتِ الكنسيّة إلى الشمامسة الدائمين؛ كما يسوء تقدير التكرُّس من دون ارتداء الثوب الرهبانيّ، ممّا يعني عدم الأخذ بعين الاعتبار للمساواة بين جميع المعمّدين، رجالاً كانوا أو نساء”. ( اتّحاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات USG/UISG).
- جميع التقارير المرفوعة إلى أمانة السرِّ تثيرُ مسألةَ مشاركةِ النساء مشاركةً كاملةً ومتساويةً: “الإقرار المتزايد بأهميّة النساء في الكنيسة يُفسح في المجال أمام مشاركتهنَّ مشاركةً أكبر، ولو كانت محدودة، في البُنى الكنسيّةِ وفي مراكز القرار” (مجلس أساقفة البرازيل). ولكنّ التقارير لا تُقدِّم جوابًا موحَّدًا أو شاملًا على مسألة دعوة النساء وانخراطهنَّ وتقديرهنَّ في الكنيسة والمجتمع. وبعد إصغاءٍ متنبّهٍ إلى السياق، تطالب بعض التقارير بمتابعة الكنيسة التمييز الروحيّ حول بعض المسائل المحدّدة، كمثلِ منحِ النساء دورًا فاعلاً في إدارة المؤسّسات الكنسيّة، وفي السماح للنساء اللواتي تلقينَ تنشئةً لاهوتيّةً بإلقاء العظة في الرعايا، وقبول النساء إلى درجة الشماسيّة الإنجيليّة. لقد تعارضت المواقف حول “كهنوت النساء”، فذكرها بعض التقارير فيما اعتبرها البعض الآخر مسألةً محسومةً.
- يُشكّل الإقرار بنوعيَّة حضور النساء في الكنيسة، ولا سيّما الراهبات، عنصرًا أساسيًّا وحضورًا رائدًا من عناصر المسار السينودوسيّ، وبخاصةٍ في بعض الأوضاع الاجتماعيّة الأكثر صعوبةً التي لا بدّ أن تواجهها الكنيسة: “هنالك بذورٌ سينودوسيّة تُفسح في المجالِ أمام حقلٍ جديدٍ من التعاضد: تأمينُ مستقبلٍ من العدالة العرقيّة والإتنيّة، ومن الأمنِ والسلامِ للإخوةِ والأخواتِ ذاتِ البشرةِ السوداء، أو الحنطيّة، وللآسيويين والمولودين في أميركا (الولايات المتحدة)؛ التواصلُ في العمق مع الأخواتِ والأخوةِ من السكَّان الأصليّين والمولودين في أمريكا؛ فتحُ مجالاتٍ جديدة لحضور الراهبات في الحركات الكنسيّة المختلفة؛ الاتفاق مع المجموعاتِ المماثلة في المجتمع التي نتشارك معها في مواجهة المسائل الاجتماعيّة الأساسيّة (كالتغيّر المناخيّ ومشكلة المهجّرين، وطالبي اللجوء، والمشرّدين)، ولا سيّما في بلدان معيّنة” (اتّحاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات USG/UISG). وفي هذا المجال، تبحث النساء عن شركاء حتى يُصبحن سيداتٍ خادماتٍ للسينودوسيّة ضمن المسارات الكنسيّة الأوسع.
- لا يمكن التخلّي عن المسؤوليّة في حياة الكنيسة السينودوسيّة أو تجييرها إلى آخرين، بل يتوجّب على الجميع أن يشاركوا فيها استجابةّ منهم لعطايا الروح التي يفيضها على المؤمنين: “مجموعة من أبرشية لاي (Lae) عبّرت عن الخبرة السينودوسيّة في الرعيّة بهذه العبارات: “في اجتماعات المجلس الراعويّ، نأخذ بعين الاعتبار كل الآراء بما فيها آراء النساء، قبل أن نعمد إلى اتخاذ قراراتٍ قد تؤثّر على حياة الجميع في الرعيّة”. في حين علّقت رعيّة أخرى بقولها: “عندما نريد أن نقوم بأمرٍ ما في الرعيّة، نجتمع معًا، نصغي إلى اقتراحات الجميع، نقرّر معًا، ونتابع تنفيذ القرارات معًا” (مجلس أساقفة باكوا غينيا الجديدة وجزر سليمان). ولكنّ الأمر لا يخلو من بعض التعب في تحمّل المسؤوليّة المشتركة: “نحن الأساقفة نعترف بأنّ ’لاهوت العماد‘ الذي قدّمِه المجمعُ الفاتيكانيُّ الثاني أساسًا للمسؤوليّة المشتركة في تحقيق الرسالة، لم يتوسّع كفايةً بشرح معانيه، لأنّ غالبيّة المعمَّدين لا يشعرون بالتماهي الكامل مع الكنيسة ولا بالمسؤوليَّة الرسوليَّة المشتركة. كما أنَّ قيادة المؤسَّسات الراعويّة الحاليّة، بالإضافة إلى ذهنيّة الكثير من الكهنة، لا تعطي الأفضليّة لهذه المسؤوليّة المشتركة. وعلى هذا النحو أيضًا يبقى الرهبان والراهبات، والحركات الرسوليّة العلمانيّة، بأسلوبٍ لطيفٍ مبطّنٍ أو معلنٍ، على هامش حياة الأبرشيّة. فإنّ ما يسمى “بالعلمانيّين الملتزمين” في الرعايا ينتهون بأن يتحمّلوا أعباءَ الأعمالِ الكنسيّةِ الداخليّة فوق طاقتهم، ويستنفدون كل وقتهم” (مجلس أساقفة مكسيكو).
- هذه الرغبة في تحمّل المسؤوليّة المشتركة تتأتّى قبل كل ِّشيءٍ من بابِ الخدمةِ الرسوليّة المشتركة، أي الخدمة الأَسراريّة: “بعد الاختبار (…)، لقد ساعدنا (المسار السينودوسيّ) على اكتشاف المسؤوليّة المشتركة المبنيّة على كرامة المعموديّة، والتي تنبثق منها إمكانيّة تخطّي مفهوم الكنيسة المبنيّ على الكهنوت لبلوغ مفهوم الكنيسة القائمة على الخِدم المقدّسة، بصفتها شركةُ مواهبِ وخِدمٍ متنوّعة” (مجلس أساقفة إيطاليا). من استشارة شعب الله برز موضوع الخدمة كأساسٍ لحياة الكنيسة، وحاجةٍ لوحدة الرسالة على الرُغم من تنوّع الخِدم وتعدُّدها؛ إنّ الإقرار بهذه الحاجة يُتيحُ لنا دفعها إلى الأمام: “ليست الخدمة غايةً في حدِّ ذاتها، بل هي تعزيزٌ للرسالة: نحن جميعًا عاملات وعاملوين مختلفون، متساوون في الكرامة، نكمِّل بعضنا بعضًا لكي نكونَ علامةً لأمانةِ الكنيسة ومصداقيّتها ولكي نظهر علامةً للملكوت” (مجلس أساقفة بلجيكا).
- يشير العديد من التقارير إلى اعتراف بالخِدَم وتعزيزها يتمحور حول إسناد المناصب بشكل فعّال من قبل الجماعة: “إنّ تعزيز الخِدَم العلمانيّة وتولّي المسؤوليّة يتمُّ من خلال انتخاب أو تعيين المؤمنين الذين يُعتقد أنّهم يملكون الكفاءاتِ والمواهبِ اللازمة” (مجلس أساقفة موزنبيك). وهكذا تغدو كلّ خدمةٍ عنصرًا يساهم في بناء حياة الجماعة: “تَحمّلُ المسؤوليّةِ مضمونٌ بواسطة التفويضِ الممنوح ومبدأِ التسلسل الهرميّ. لقد تمَّ تعيين معلّمي التعليم المسيحيّ، ولهم مكانة خاصّة في الكنيسة عائلة الله. (…) البعضُ منهم تمّ تنصيبهم كرؤساءٍ للجماعات، لا سيما في المناطق الريفيّة حيث وجود الكهنة نادرٌ” (جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة). لا تنقصُ التساؤلات حول المساحات المتاحة لممارسةِ العلمانيّين للخدم: “مجموعاتٌ كثيرة تطالب بمشاركةٍ أكبر للعلمانيّين في الخِدم، لكنّ مساحة هذه الممارسة غير واضحة المعالم: فما هي المهَام الواقعيّة التي يمكن أن يقوم بها العلمانيّون؟ كيف يتمّ التمييز الروحيّ بين مسؤولية العلمانيّين ومسؤولية كاهن الرعيّة؟” (مجلس أساقفة بلجيكا).
- في بعض السياقات تجب مراعاة تنوّع المواهب والخِدم التي تَظهر، بشكل منظّم، داخل الجمعيَّات والحركات العلمانيّة والجماعات الدينيّة الجديدة، مع الحفاظ على الانسجام داخل كل كنيسة محليّة. عندما تُطرح مسألةُ الخدمة الراعويّة في واقع حياة الكنيسة، تُواجه حتمًا مسألة البُنى المؤسّساتيّة والهيكليّات التي تنتظم من خلالها حياة الجماعة المسيحيّة.
- في الكنيسة الكاثوليكيّة، المواهب المجانيّة التي يمنحها الروح القدس بحريّة للكنيسة تساعدها على “تجديد شبابها”، وهي لا تنفصل عن مواهب الرِتب المقدّسة المرتبطةِ بسرِّ الرسامة بكلّ درجاتها. إنّ التحدّي الكبير الذي واجهه المسار السينودوسيّ خلال عامَه الأول يدور حول الانسجام بين هذه المواهب ووضعها تحت إشراف الرعاة، وتلافي وضع المواهب المجانيّة في مواجهة البُنى المؤسّساتيّة.
3-4 السينودوسيّةُ تتّخذُ لها شكلاً
- كما ورد في المقاطع السابقة، أفضى المسار السينودوسيّ إلى سِلسلةٍ من المشادّات والتوتّرات. لكن يجب أن لا نخاف منها، بل أن نضعَها في إطارٍ تامٍ من التمييز الروحيِّ المشتركِ لنستثمرها كمصدرِ قوّةٍ لا كطاقةٍ مدمِّرة، وعندها يمكننا متابعة السير معًا، بدل أن يذهب كلّ واحدٍ منّا في طريقه. لهذا السبب تحتاج الكنيسة إلى إيجاد أسلوبٍ ونمطٍ لمتابعة المسار السينودوسيّ ضِمن البُنى والمؤسّساتِ، ولا سيّما المرتبطِ منها بالإدارة. وتقوم مهمّة الحقّ القانونيّ على مرافقة هذا المسار بتجديدِ البُنى وبإدخال التغييرات اللازمة على الشرائع والقوانين النافذة في الوقت الحالي.
- مقابلَ ذلك، لا بدّ أن تُسند مسؤوليّة البُنى إلى أشخاصٍ كفوئين نالوا التنشئةَ المناسبة من حيث الرؤية والمؤهّلات: “كلُّ المسار السينودوسيّ كان تدرّبًا على المشاركة الفاعلة على كل المستويات. ولكي يستمرَّ هذا المسار لا بدّ من تغييرٍ في الذهنيّات وتجديدٍ في البُنى الموجودة حاليًا” (مجلس أساقفة الهند). هذه الرؤية الجديدة تحتاج إلى دعمٍ روحيٍّ يؤمِّن الأدواتِ اللازمة لمواجهة تحدّيات السينودوسيّة فلا يُصار إلى تحويلها إلى مسائل تقنيّة وتنظيميّة، بل إلى الاستمرار في السير معًا وفي خدمة الرسالة المشتركة، على أنّ يكون المسار السينودوسيّ فرصةً ومناسبةً للِّقاءِ بالربِّ والإصغاءِ إلى الروح القدس. لكي تستقيم السينودوسيّة لا بدّ من حضور الروح القدس، والروح القدس لا يكون حاضرًا من دون الصلاة.
البُنى والمؤسّسات
- في ما يتعلّق بالتوتّر بين البُعدَين الشاملِ والمحليّ، الذي يعني في اللغة الكنسيّة العلاقات بين الكنائس المحليّة وبينها وبين الكنيسة الجامعة، تضعنا ديناميّة المسار السينودوسيّ أمام أمرٍ جديد، وهو تحديدًا المرحلة القاريّة التي نعيشها اليوم. فباستثناء بعضِ المناطقِ المتميّزة بديناميكيّة تاريخيّة خاصّة، ما زالت الممارسات السينودوسيّة المتينة تنقص إلى يومنا هذا على الصعيد القارّي. وإنّ الدخول في مرحلةٍ جديدةٍ من المسارِ السينودوسيِّ ليست هدفًا تنظيميًّا عابرًا، بل هي أمرٌ يتوافق مع ديناميّةِ تجسيدِ الإنجيل وتجذّرِه في بعض المناطق التي تتميّز بالتماسك والتجانس الثقافيّ، مما يُنتج جماعاتٍ كنسيّةٍ ذاتَ طابعٍ خاصٍّ من حيث الحضارة والثقافة. وفي عالمٍ أصابه الانقسام والعولمة في الوقت نفسه، تُشكّل كلُّ قارةٍ، بسبب جذورها التاريخيّة المشتركة، وبسبب تَوْقها إلى شركة اجتماعيّة-ثقافيّة، وبمجرّد أنَّها تواجهُ التحدّياتِ نفسها في رسالة الأَنجلة، جوًا ملائمًا لنشأةِ ديناميّةٍ سينودوسيّةٍ تشدُّ الروابطِ بين الكنائس، وتسهّلُ مشاركةِ الخبرات وتبادلَ المواهب والمساعدات والتفكير بأنماطٍ راعويّةٍ جديدة.
- بالإضافة إلى ذلك كلِّه، تَطال ديناميّة المسار السينودوسيّ الدوائرَ الرومانيّة أيضًا: “فلا بدّ من التذكير بوجوب التعاون بين الدوائر في الكوريا الرومانيّة، التي نتشاور معها بانتظام (…). ولكن من المستحسن، في هذا المجال، إيجاد أدواتٍ جديدة تُعزِّز نموَّ الروح السينودوسيّة وتطبيقها وعيشها في الكوريا الرومانيّة، بحسب ما طالب به الأب الأقدس في رسالته ’بشّروا بالإنجيل‘” (مساهمة من أمانة سرِّ الدولة – قسم العلاقات مع الدول والمنظمات الدوليّة).
- بعض مجالس الأساقفة قد يتساءل حول معنى السينودوسيّة: “الأساقفة أيضاً، صلّوا وتحاوروا حول السؤال: “كيف نجعل مجمعًا أسقفيًا أكثر سينودوسيّة؟ وكيف نعيش بنمطٍ سينودوسيّ أفضل؟” (مجلس أساقفة باراغواي). على سبيل المثال، ورد القول التالي: “على المجالس الأسقفيّة، التي تعيش المجمعيّة وتتمتّع بحريّة القرار من دون أي ضغوطاتٍ، أن تُدخِل في لقاءاتها ونقاشاتها، باسم السينودوسيّة، ممثّلين عن الإكليروس والعلمانيّين من مختلف الأبرشيّات” (مساهمة أمانة سرِّ الدولة، دورة السلك الدبلوماسيّ في الكرسيّ الرسوليّ).
- في إطار الديناميّة القاريّة، تَقدر المجالس الأسقفيّة أن تختبر دورًا جديدًا مرتبطًا، ليس فقط بالسهر على وحدتها الداخليّة، بل أيضًا بالحوار بين الكنائس المتقاربة جغرافيًّا أو ثقافيًّا. تقدّم المرحلة القاريّة، من خلال اقتراحها عقد جمعيّاتٍ كنسيّة وأسقفيّة، فرصةً لاختبار ملاءمة السينودوسيّة الكنسيّة والمجمعيّة الأسقفيّة بأسلوبٍ واقعيّ، إلى جانب التفكير بتعزيز الانسجام بين الأنماط التقليديّة في ممارسة الخِدمة الأسقفيّة وتبني النمط السينودوسيّ تبنيًّا كاملاً. وقد سجّلت بعض التقارير ضعفًا ما حول هذه النقطة. إنّ إعادة قراءة الخبرة التي نضجت خلال المرحلة القاريّة قد يساعد على تمييز الطريقة التي بها ستتمُّ متابعةُ المسار السينودوسيّ بسهولة.
- تقدّم الكنائس الشرقيّة غنىّ كبيرًا من حيث البُنى السينودوسيّة، وذلك أكثر من الكنيسة اللاتينيّة. وهذه البُنى هي اليوم أيضًا بحاجة إلى التجدّد: “البُنى السينودوسيّة القديمة والمسارات الكنسيّة القائمة في كنيسة السيرو مالابار، تعبِّر عن الطبيعة السينودوسيّة للكنيسة على المستوى المحلّي، والإقليميّ والعالميّ، وهي تفيدنا في التنشئة على السينودوسيّة. إنها في خدمة الرعايا والجماعات التي تكتشف التعاون في ممارسة الخِدم الراعويّة لكي تستمرّ في الإصغاء إلى الروح القدس. إلى ذلك، هنالك مبادرات ومحاولات تبحث عن دعم البُنى السينودوسيّة في الكنيسة” (كنيسة السيرو مالابار الكاثوليكية).
- ديناميّة المسؤوليّة المشتركة لا بدّ وأن تغطّي كلِّ المستويات في حياة الكنيسة، لأنّها في خدمة الرسالة المشتركة، وليست مسألة تنظيميّة لتوزيع الأدوار والسلطات. على المستوى المحلّي، هذه الديناميّة تُسائِل جميع البُنى التشاركيّة على المستوياتِ المختلفة وفي الكنائس كافةً، كما جميع البُنى التي ستُستحدث من أجل ديناميّةٍ سينودوسيّةٍ معزَّزةً: “لقد تمّت مناقشة وجوب أن نملك بنُى ومؤسّساتٍ تعكس بطريقةٍ أصيلة الروح السينودوسيّة” (مجلس أساقفة كوريا). فالأمر يتعلّق خصوصًا بالمجالس الراعويّة المدعوّة لأن تكون دائمًا مؤسّساتٍ تتميّز بالدمج، والحوار، والشفافيّة، والتمييز الروحيّ، وتقدير الجميع، وحثّهم على تحمّل المسؤوليّة. إذْ في زمننا هذا، لا يمكن الاستغناء عن بعض الأشخاص في المجالس الراعويّة. ثم يأتي دور المجالس الاقتصاديّة، والأبرشيّة والراعويّة، دون أن ننسى المجالس الأسقفيّة ومجالس الكهنة إلى جانب الأسقف. الكثير من التقارير طالب بأن لا تكون هذه المجالس ذات صفةٍ استشاريّة فقط، بل مجالسًا لاتخاذ القرار على قاعدة مساراتِ تمييزٍ روحيّ جماعيّ بالتوافق، وليس استنادًا إلى مبدأ الأكثريّة المتَّبع في الأنظمة الديمقراطيّة.
- في أماكن كثيرة من العالم يُنظر إلى الشفافيّة على أنّها أمرٌ جوهريّ من أجل كنيسةٍ سينودوسيّة أصيلة. وها نحن مدعوّون إلى تعزيزها على امتداد المسار الذي نقوم به: “على الكنيسة الكاثوليكيّة أن تصبح أكثر انفتاحًا وأكثر شفافيّة: كل شيء يُعمل في الخفاء. لا يتمُّ نشر جدول الأعمال أو مقرّرات المجلس الراعويّ، ولا تُناقش مقرّرات مجلس الشؤون الاقتصاديّة، ولا تُعرض الموازنات على العلن” (ملاحظة فردية من المملكة المتحدة). الشفافيّة تدفع باتجاه محاسبةٍ حقيقيّةٍ لكلِّ المسارات التقريريّة، بما فيها المعايير المعتمدة للتمييز الروحيّ. إنّ أسلوب القيادة المرتبط بسلوكٍ سينودوسيّ يُنتج ثقةً ومصداقيّة: “حول بعض المسائل، تكون ممارسة السلطة في الواقع سينودوسيّة باستشارة المنظّمات الموجودة داخل البُنى والمؤسّسات المختلفة المعنيّة بالخدمة، والإدارة، والنشاطات الراعويّة (…). ولكنّه من المحزن أحيانًا أن نستنتج أن في كنيستنا الكاثوليكيّة بعض الأساقفة، والكهنة، والمعلّمين، ومسؤولي الجماعات … متسلّطون جدًا (…). وعوض أن يخدموا الجماعة، يسعى البعض منهم إلى خدمة مصالحِه الخاصّة باتخاذ قراراتٍ أحاديّة، وهذا أمر يُعيق المسار السينودوسيّ” (مجلس أساقفة تشاد). لقد أصرّت بعض التقارير على وجوب الاستعانة بأشخاص من ذوي الاختصاص في مجاليّ الاقتصاد والإدارة.
- على مثال المنظّمات التشاركيّة، جميع مؤسّسات الكنيسة مدعوّةٌ إلى التساؤل حول كيفيّة تعزيز السينودوسيّة في أنماط ممارستها لمهمّاتها ورسالتها الخاصّة، وتجديد بنياتها وإداراتها وأساليبها وإدراج أخرى جديدة. الجامعات والمعاهد الأكاديميّة هي حالاتٌ مميّزة، تستطيع أن تكرّس أبحاثًا حول المسائل المرتبطة بالسينودوسيّة، وأن تسعى إلى تجديد البرامج ِفي تنشئتها المعتمدة. تستطيع كليَّات اللاهوت أن تعمِّق بنوعٍ خاصٍ سرَّ الكنسيّة، والمسيح والروح القدس بالنظر إلى الأمور التي تحملُها معها الخبرة السينودوسيّة.
- الحياة المكرّسة مدعوٌّة أيضًا إلى تبنّي نمط حياةٍ سينودوسيّةٍ انطلاقًا من الممارسات التي تؤكّد على أهميّة مشاركة الجميع في حياة الجماعة التي ينتمون إليها: “في الحياة المكرّسة، التمييز الروحيّ ومسارات أخذ القرار هي المعنيَّة خصوصًا بالسينودوسيّة. أن تكون جزءًا من كيان يتطلّب منك المشاركة. (…) في الكنيسة كما في الحياة المكرّسة، ظهرت مطالبةٌ واسعةٌ بأسلوبٍ دائريٍّ أو تشاركيٍّ للإدارة يكون أقل تراتبيّةً وهرميّة” (اتّحاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات USG/UISG).
التنشئة الملائمة
- يشير معظم التقارير إلى ضرورة إعداد تنشئةٍ على السينودوسيّة. البُنى وحدها لا تكفي: هنالك حاجةٌ إلى القيام بتنشئةٍ مستمرّة تدعم انتشار الروح السينودوسيّة، القادرة على ملاءمة السياق المحليّ، بحيث ّتسهّل عمليّة التغيير السينودوسيّ في أنماط الممارسة والمشاركة، والسلطة والقيادة، من أجل تحقيق الرسالة المشتركة بطريقة أكثر تأثيرًا. الأمر لا يتعلّق فقط بتأمين مهاراتٍ تقنيّة أو منهجيّة متخصّصة. التنشئة على السينودوسيّة تطال كلّ أبعاد الحياة المسيحيّة ولا تقدر أن تكون إلاّ “تنشئةً شاملة تدخل ضمنها الأبعاد الشخصيّة، والروحيّة، واللاهوتيّة، والاجتماعيّة والعمليّة. لذلك لا بدّ من وجود جماعةٍ يمكن الرجوع إليها، لأن واحدًا من مبادئ ’السير معًا‘ هو تنشئة القلب، التي تفوق المعارف الواقعيّة وتشمل كل الحياة. في الحياة المسيحيّة، يجب السعي إلى تنشئةٍ مستمرّة ودائمة من أجل تحقيق السينودوسيّة، والنضج والنموّ في الإيمان، والمشاركة في الحياة العامّة، وزيادة حبّ المؤمنين للإفخارستيّا والمشاركة فيها، وتبنّي خدماتٍ ثابتة، وممارسةِ المسؤولية المشتركة حقًّا في إدارة الكنيسة، والحوار مع الكنائس الأخرى والمجتمع، من أجل تقريب البعيدين بروح الأخوّة” (مجلس أساقفة إسبانيا). هذه التنشئة لا بدّ وأن تتوجّه أيضًا إلى كل أعضاء شعب الله: “من أجل تحقيق هذه العناصر السينودوسيّة، يجب إعداد برامج تنشئة موجّهة إلى الإكليروس والعلمانيّين، في سبيل تطوير الفهم المشترك للسينودوسيّة الذي هو أمر أساسيّ لمتابعة ’السير معًا‘ في الكنائس المحليّة” (مجلس أساقفة ميانمار). وهكذا تلاقي الرؤية السينودوسيّة التعليم والرعاية، وتساهم في بقائهما مرتبطين بمجال الرسالة.
- إلى جانب ذلك، يتمُّ التأكيد على إعداد تنشئةٍ متخصّصة على الإصغاء والحوار، مثلاً بقيام أشخاص ٍومجموعاتٍ بنشر الروح السينودوسيّة. عددٌ وافرٌ من التقارير يُشير إلى ضرورة تأمين تنشئة على السينودوسيّة للذين ستُناط بهم مسؤوليّةُ القيادة، بخاصةٍ الكهنة: “على الرغم من طول مدّتها، تهدف التنشئة في الإكليريكيّات إلى تنشئة الإكليروس على نمط حياةٍ كهنوتيّة أكثر منه على التدبير الراعويّ. التنشئة النظريّة والعمليّة على التعاون، والإصغاء المتبادل والمشاركة في الرسالة، أمرٌ واجبٌ في التنشئة الكهنوتيّة” (مجلس أساقفة سريلانكا).
التنشئة الروحيّة
- الروح السينودوسيّة، التي لا غنى عنها لإحياء البُنى والمؤسّسات، تتطلّب تنشئةً مناسبة. غير أنّها تحتاج أولاً لأن تتغذّى من الإلْفة مع الربّ ومن المقدرة على الإصغاء لصوت الروح القدس: “التمييز الروحيّ يجب أن يرافق التخطيط الاستراتيجيّ والمسار التقريريّ، وأنّ يرافق الروح القدس كلَّ مشروعٍ في الكنيسة” (كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك). لهذه الغاية، علينا أن ننمو بالروح السينودوسيّة التي لا تقوم إلاّ على الحياة الداخليّة والضمير: “في الروحانيّة الشخصيّة وفي رسالة الكنيسة يجب أن يغلب فرح المسيح القائم من الموت وليس الخوف من إلهٍ ديّان” (مجلس أساقفة الجمهوريّة التشيكيّة).
- كما ذكرنا أكثرَ من مرّة سابقًا، تحتاج الكنيسة السينودوسيّة، قبل كلّ شيءٍ، إلى مجابهة التوتّرات الناجمة عن مواجهة الاختلافات. لذلك، لا يَسع الروح السينودوسيّة إلاّ أن تقبل الاختلافات وتدعو إلى الانسجام، وأن تستقيَ من التوتّرات القوّة لمتابعة المسيرة. ولكي تنجحَ، عليها أن تنتقلَ من التشديدِ على البعد الفرديّ إلى التشديد على البعد الجماعيّ: الروح السينودوسيّة هي روح ال”نحن”، التي تثمِّن مساهماتِ كلِّ واحدٍ.
- قدّمت السنة الأولى من المسار السينودوسيّ خبراتٍ مشجّعةً في هذا الاتجاه، من خلال ِعرض أسلوب الحوار الروحيّ، الذي أتاح لشعب الله أن يستسيغ طعم اللقاء مع أشخاص آخرين حول كلمة الله، وسماع الأصداء المختلفة التي تردّدها هذه الكلمة في قلب كلِّ واحد. لقد طالبت جهاتٌ عديدةٌ أن تُصبح هذه الممارسةُ أمرًا عاديًّا في حياة الكنيسة، ودعت أيضًا إلى تطوير هذه الممارسة حتّى تشملَ التمييز الجماعيّ، ولاسيّما ضمن المنظّمات التشاركيّة. وهذا الأمر يتطلّب مجهودًا في سبيل ضمّ البعد الروحيّ إلى عملِ المؤسّساتِ وأجهزة الإدارة فيها، لربط التمييز الروحيّ بالمساراتِ التقريريّة. الصلاة والصمت لا يمكنهما أن يظلاّ غريبين عن هذا البعد الروحيّ والتمييز، كما لو كان دورهما يقتصر على المقدّمة والخاتمة فقط.
- يُعبَّر عن الروحانيّة المسيحيّة بطرقٍ مختلفة، لأنّها ترتبط بتعدّدية التقاليد بين الشرق والغرب، وبتنوّع المواهب في الحياة المكرّسة والحركات الكنسيّة. الكنيسة السينودوسيّة تُبنى حول التنوّعيّة، والتلاقي بين التقاليد الروحيّة المختلفة قد يشكّل “منصّةً” للتنشئة، إذا ما قامَ بتعزيز الشركة والانسجام، وساهمَ في تخطّي الاستقطاب الذي تختبرُه اليوم كنائسٌ كثيرة.
3-5 الحياة السينودوسيّة والليتورجيا
- تؤكّد التقارير بطرقٍ شتّى على الارتباط الوثيق بين السينودوسيّة والليتورجيا: “إنَّ ’السير معًا‘، والصلاة، وإكرام مريم العذراء بصفتها تلميذةً ورسولة بالإصغاء إلى كلمة الله، التأمل بكلام الله (Lectio divina) والاحتفال الليتورجيّ، كلّها أمورٌ تثبِّت الشعورَ بالانتماء إلى الكنيسة” (مجلس أساقفة كولومبيا).
تجذّرٌ عميقٌ
- الإفخارستيّا هي “ينبوع وقمّة” حياة الكنيسة السينودوسيّة. “الاحتفال الليتورجيّ والصلاة يشكّلان معًا قوّة وحدة ودفعٍ للطاقات الإنسانيّة والروحيّة. ثمّةِ رأيٌ سائدٌ يعتبر أنّ الصلاةَ تبعثُ فرحَ الحياة ومعنى الجماعة، لأنَّها تُعتبر نقطةَ ارتكازٍ ومرجعيّةً، ومكانَ قوّةٍ وواحةَ سلامٍ. (…) تلفت التقارير النظر إلى أمرين تنصح بتطويرهما في خدمة المسار السينودوسيّ: وحدة الجماعة وفرح الحياة. هذا المسار يمّر عبر التجمّعات الكبيرة (رحلات الحج…)، التي تغذّي التقوى الشعبيّة، وتجدّد الإيمان، وتعزِّز الإحساس بالانتماء الكنسيّ، من خلال مرافقة المؤمنين مرافقةً أفضل حتّى يشهدوا لإنجيلِ المحبّة في وجهِ الشيوعيّة والانغلاقِ على الهويّةِ الطائفيّة، التي أصبحت أكثر انتشارًا وعدائيّة” (مجلس أساقفة بوركينا فاسو والنيجر).
- في بلدان ومناطق مختلفة من العالم “ما يجمع الكثير من المعمّدين بالكنيسة يمرّ أوّلاً من خلال ظاهرة التديّن الشعبيّ. (…) الذي يعتبرُه الكثيرونَ علامةَ انتماءٍ إلى الكنيسة؛ لذلك، علينا أن نُشجِّعها ونزرع فيها روحَ الإنجيل، من أجل مشاركةٍ أفعل واندماجٍ واعٍ في حياةِ الكنيسة” (مجلس أساقفة باناما).
التجديد والمصالحة وإدارة النزاعات
- يحثّ العديد من التقارير على تحديث النمط السينودوسيّ للاحتفال بالليتورجيا ممّا يسمح بمشاركةٍ فعّالة من قبل جميع المؤمنين، وتقبّلِ الاختلافات على أنواعها، وتقديرِ كلِّ الخِدم والاعتراف بالمواهب. الإصغاء بروحٍ سينودوسيّة لصوت شعب الله في الكنائس المحليّة أثار الكثير من الأسئلة التي تجب الإجابة عليها بشأن الليتورجيا: مثل إعادة النظر بليتورجيا ترتكز على شخص المحتفِل، وإضافة أنماط مشاركة فاعلة من قبل العلمانيّين، وقبول النساء في الخِدم. “على الرغم من الأمانة للتقليد، ولأصالته، ولتاريخه ووحدته، نحاول أن نجعل الاحتفال الليتورجيّ أكثر حيويّةً ومشاركةً من قبل جميع المعمّدين: كهنةً، وعلمانيّين، وشبّانًا وأطفالاً، يقرأون علاماتِ الأزمنة بتمييزٍ روحيّ ثابت. فلا يزال الشباب يبحثون عن مكانٍ لهم في الليتورجيا ولا سيّما بالترنيمِ، وهذا أمرٌ إيجابيّ” (مجلس أساقفة أثيوبيا).
- بشأن الاحتفال الليتورجيّ، أشارت الكنائس أيضًا إلى نقاط اختلاف لا بدَّ من مواجهتها بروحٍ سينودوسيّة، ولا سيّما بخصوصِ الطقوسِ السائدةِ قبل المجْمعِ الفاتيكانيِّ الثاني: “الانقسامات حول الاحتفالات الليتورجيّة انعكست في المشاورات السينودوسيّة. ’فإنَّ من المؤسف أن يُعاش الاحتفال بالإفخارستيّا في قلب الكنيسة بروح الانقسام. المسألة المطروحة بإلحاحٍ هي الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة وفق الطقوس السابقة للمجمع‘. هنالك تشكٍ من الحدّ من استعمال طقس القداس العائد إلى 1962؛ كثيرون يعتبرون أن الاختلافات في الاحتفال بالليتورجيا ’تصل في بعض الأحيان إلى حدّ العداء. وهنالك أشخاصٌ يقفون في المواجهة بعضهم مع بعض ويشعرون بأنّهم مُدانون، لأنّ رأيهم حول هذا الأمر رأيٌ مغاير‘” (مجلس أساقفة أمريكا). الإفخارستيا، سرّ الوحدة في محبّة المسيح، لا يمكن أن تؤدّي إلى مواجهة إيديولوجيّة، أو انكسارٍ أو انقسام. إلى جانب ذلك، هنالك عناصر ترتبط بالبعد المسكونّي، وتؤثّر مباشرةً على حياة الكثير من الكنائس، بالنسبة إلى الضيافة الإفخاريستيّة، على سبيل المثال. وفي الختام، لا تزال بعض المشاكل التي تُثار حول العلاقة بين الحضارة والإيمان، والحوار بين الأديان، تُرخي بآثارها على أنماط الاحتفال والصلاة.
- لا تفوّت التقارير فرصةَ توضيحِ بعض نقاطِ الضعفِ فيما يتعلّق بالاحتفالات وأساليبِ ممارستها وأثرها السيء على فعاليّة الروح السينودوسيّة. لقد تمَّتِ الإشارةُ إلى الأمور التالية على وجهِ الخصوص: تفرُّد الكاهن تفرُّدًا كبيرًا في الاحتفال الليتورجيّ، ومشاركة المؤمنين مشاركةً سلبيّة؛ وابتعاد العِظة عن جمالِ الإيمان وعن واقعِ الحياة؛ والانفصال بين الحياة الليتورجيّة والصلة بالعائلات في الجماعة. هنالك شبه إجماع على رداءة نوعيّة العظات: والمطلوب، “عظات أكثر عمقًا، مرتكزة على الإنجيل وقراءات النهار من الكتاب المقدّس، وليس حول السياسة، وأن تُستعمل لغةٌ مفهومة ٌوجذابة، لها علاقة بحياة المؤمنين” (الكنيسة المارونيّة).
- الأوضاعُ والأسبابُ العديدة التي تقفُ عائقًا أمامَ إمكانيّةِ المشاركة في الإفخارستيّا وسائرِ الأَسرار تبقى مصدرَ ألمٍ كبيرٍ لبعض المؤمنين: نذكر على سبيل المثال الجماعات التي تعيش في أماكن يسودها التوتّر، أو التكلفة الماليّة الغالية للوصول إلى مكان الاحتفالات، وهذا يظلم الأكثر فقرًا. تُردِّد التقارير كذلك صرخةَ ألمِ أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى الأسرار لأنَّهم مطلّقون ومتزوّجون من جديد أو لأنَّهم متعدّدو الزيجات. ليس هنالك بعد إجماعًا حول كيفيَّة معالجةِ هذه المسائل الدقيقة: “فقبول القربان المقدّس ممنوعٌ على المطلّقين المتزوّجين من جديد، وهم يطلقون صرخةَ ألمٍ تجاهَ هذا الإقصاء. البعضُ منهم يعتبر أنَّ على الكنيسة أن تكون أكثرَ ليونًة، فيما البعض الآخر يصرُّ على التمسّك بهذه القاعدة” (مجلس أساقفة ماليزيا).
النمط السينودوسيّ للاحتفال الليتورجيّ
- يقدِّم المسار السينودوسيّ فرصًا لاختبار التنوّع في الصلاة والاحتفال، ويرغب في الوقت عينه بجعله أكثر قربًا من حياة المؤمنين العاديّة. يتضمّن التقرير الفرنسيّ ثلاثة اقتراحاتٍ: “الأوّل (…) يُعنى بتنويع الليتورجيّات مؤثرًا الاحتفال بليتورجيا الكلمة، أي بأوقات صلاةٍ تركّز على التأمّل بكلمة الله في الكتاب المقدّس. أمّا الثاني، فيذكّر بأهميّة رحلات الحجّ والتقوى الشعبيّة. فيما يطالب الثالث بتنشئةٍ ليتورجيّة متجدّدة، لمواجهة إحدى المشاكل التي وردت في الكثير من التقارير، ألا وهي عدم فهم اللغة المستعملة في احتفالات الكنيسة” (مجلس أساقفة فرنسا). بعض المناطق يطرح مسألة الإصلاح الليتورجيّ، كما الأمر في الكنائس الشرقيّة حيث الليتورجيا تتصل بشكلٍ عميقٍ بهويّة الكنيسة: “في كنيستنا، بات الإصلاح الليتورجيّ ضروريًّا، بحيث نعيد قراءة دور شعب الله ومشاركته في زماننا الحاضر، وفق إلهامات الروح القدس” (كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك).
- تُشير كنائس عدّة إلى أهميّة الإفادة من ثمار الاحتفال بحدّ ذاته لتحويلها إلى مشاركةٍ حواريّة وحياةٍ أخويّة. “مقاسمة الحياة وروابط الأخوّة كانت دائمًا جزءًا من خبرة المسار (من لقاءات السينودوس). في كلّ لقاء، ومنذ البداية، ومرورًا بالمشاورات اللاحقة في الرعايا وعبر البُنى الراعويّة، كانت لنا مشاركةٌ في الطعام. و كثُرٌ من بيننا لاحظوا أن هذه اللقاءات (السينودوسيّة) كان لها أثرٌ إيجابيّ على الاحتفال بالليتورجيا” (مجلس أساقفة الفيلبين).
- إنّ تنوع التقاليد الطقسيّة في الصلاة الليتورجيّة، والأشكال الرمزيّة التي بواسطتها تُعبّر الكنائس عن ثقافاتها المختلفة، يعتبرها الجميع مصدرَ غنىً. إنَّ حبَّ الليتورجيا المتجدّد، والاهتمام بجمال الاحتفال السينودوسيّ وحسن سيره، يدعم الإشعاع الرسوليّ في الكنيسة: “كلُّ المساهمات التي بلغت أمانة السرِّ تصفُ الاحتفالات بأنّها مساحاتٌ يُمكن أن تقدّم الإلهام، وأن تساعدَ على عيش الإيمان على صعيد الحياة الشخصيّة، والعائليّة، والمهنيّة، في المجتمع وفي الجماعة نفسها” (مجلس أساقفة أوروغوي).
- الخطوات المقبلة
- بالنسبة إلى مستقبل المسار السينودوسيّ، يتطلّب الأمر أن نأخذ بعين الاعتبار مرحلتين زمنيتين مختلفتين جدًا. الأولى طويلة الأمد، تأخذ فيها السينودوسيّة شكلَ دعوةٍ دائمةٍ إلى التوبةِ الشخصيّةِ وإلى إصلاحِ الكنيسة. وأمّا الثانية، فهي ولا ريبَ في خدمةِ الأولى، توجِّه انتباهنا إلى مواعيد المرحلة القاريّة التي بدأناها.
4-1 مسيرة توبة وإصلاح
- في التقارير، يعبّر شعب الله عن رغبته بأن يرى الكنيسة أقلَّ صيانةً ومحافظةً على التقاليد، وأكثر تكرّسًا للرسالة. فالصلة وثيقةٌ بين الشركة والمشاركة والالتزام بالرسالة: السينودوسيّة تقود إلى تجدّدٍ رسوليّ. ورد في تقرير إسبانيا: “نعتبر أنّ الشركة يجب أن تقودنا إلى حالةٍ رسوليّة ثابتة: نلتقي، ونصغي بعضنا إلى بعض، ونتحاور، ونفكّر، ونميّز معًا. هذه الأفعال تترك أثرًا إيجابيًّا، ولكنّها لا تُفهَم إلاّ من منظار الهدف، أي بأن تدفعنا إلى الخروج من ذواتنا، من جماعاتنا الخاصّة لكي نحقّق الرسالة التي أوُكلت إلينا نحن الكنيسة” (مجلس أساقفة إسبانيا).
- لقد عبَّر شعبُ الله عن فرحِه بالسير معًا وعن النيّة في متابعة المسار. إنَّ نجاحنا كجماعةٍ كاثوليكيّة شاملة أمرٌ لا يزال علينا أن نكتشفه بتمامه: “السير في النهج السينودوسيّ، أي في الإصغاء بعضنا لبعض، والمشاركة في الرسالة، والالتزام بالحوار، قد يرتدي طابع ’ما تمّ، وما لم يتمّ بعد‘: قد تمّ شيءٌ، ولكن لا يزال هنالك الكثير لإتمامه. العلمانيّون قادرون، هم الممتلئون مواهب، والحاضرون دائمًا لمدِّ يدِ المساعدة، شرطَ أن تُعطى لهم الفرص لكي يعملوا. الأبحاث والدراسات اللاحقة على الصعيد الراعويّ قد تفتح طرقًا أخرى تعزّز عمل العلمانيّين، وتقود بنتيجة هذا التعزيز إلى كنيسةٍ أكثرَ نبضًا بالحياة وازدهارًا، وهذا هو الهدف المنشود من السينودوسيّة” (مجلس أساقفة ناميبيا). نحن كنيسة تتعلّم، ولكي نحقّق ذلك نحتاج إلى تمييزٍ روحيٍّ دائمٍ يساعدنا على قراءة كلمة الله وعلاماتِ الأزمنة، بحيث نتابع السير في الاتّجاه الذي يدلُّنا عليه الروح القدس.
- في الوقت عينه، يتطلّب السير معًا كشعب الله إقرارًا بضرورة التوبة الدائمة، الفرديّة والجماعيّة. أمّا على الصعيدين المؤسّساتيّ والراعويّ، فتُترجم هذه التوبة بالإصلاح المستمر للكنيسة، لبنياتها وأسلوبها، من خلال الحثّ على التجدّد الدائم (Aggiornamento). ونحن نتطلّع إلى إرث المجمع الفاتيكانيّ الثاني فيما نُشرِف على الاحتفال بالذكرى الستين لانعقاده.
- في مسيرة التوبة والإصلاح، وعلى مدى السنة الأولى من المسار السينودوسيّ، نلنا عطايا كثيرة، انطلاقًا من التأمّل بما يُظهره لنا يسوع باستمرارٍ في الأناجيل: الانتباه المجانيّ والحرّ للآخر، الذي هو في أساس الإصغاء، ليس كنبع ماءٍ محدودة تجب حراستها بتشدّد، بل كينبوعٍ فيّاض لا يجفّ أبدًا، بل يزداد غزارةً كلّما استقينا منه. الإصغاء والحوار هما السبيل إلى العطايا التي يفيضها علينا الروح القدس بأشكالٍ متنوّعة في الكنيسة الواحدة: المواهب، والدعوات، والقدرات، واللغات، والثقافات، والتقاليد الروحيّة واللاهوتيّة، والأشكال المختلفة من الاحتفال والشكر. لا تأتِ التقارير على ذكر الاتّحاد، ولكنّها تطلب أن نتعلّم النموّ في انسجام صادق، يساعد المؤمنين على تحقيق رسالتهم في العالم، مُبدعين الروابط الضروريّة للسير معًا بفرح.
- رسالة السينودوس بسيطة: نحن نتعلّم السير معًا والجلوس معًا لكي نكسر الخبز الواحد، بحيث يستطيع كلُّ واحدٍ منّا أن يجدَ مكانَه الخاصّ. نشعر بأنّنا مدعوون إلى هذا لكي نكون قادرين أن نُعلن إنجيل يسوع المسيح بأمانةٍ إلى كل الشعوب. هذا هو الطريق الذي نحاول أن نتابع السير فيه في المرحلة القاريّة.
4-2 منهجيّة العمل في المرحلة القاريّة
- هذه الوثيقة للمرحلة القاريّة تحثّنا على القيام بخطوةٍ إضافيّةٍ خلال هذه الرحلة الروحيّة “من أجل كنيسةٍ سينودوسيّة: شركة، مشاركة ورسالة”، ونقطة الارتكاز هي: “كما كانت خبرة تلميذي عماوس الخطوة الأولى في رسالتهما، كذلك يكون مسارنا السينودوسيّ خطوةً أولى” (مجلس أساقفة روسيا). المساحة القاريّة تُشكّل فرصةً لعيش السينودوسيّة، التي ما زلنا نتعلّم أن نجنيها، ونحن لا نزال مدعوون إلى ممارستها على أرض الواقع.
- الوثيقة القاريّة التي تجمع ما قاله شعب الله، في العالم كلِّه في السنة الأولى للمسار السينودوسيّ، وتعيده إلى الكنائس المحليّة، إنّما تهدف إلى قيادتنا ودعوتنا إلى التعمّق في التمييز الروحيّ، وتطرح علينا السؤال الأساسيّ الذي يوجّه كلّ المسار: “كيف يتحقّق اليوم، على الصعد المختلفة (من المحلّي إلى العالميّ)، هذا ’السير معًا‘ الذي يُتيح للكنيسة أن تُعلن الإنجيل، وفقَ الرسالة التي أُوكلت إليها؟ ما هي الخطوات التي يدعونا الروح القدس إلى تحقيقها لكي ننمو معًا كنيسةً سينودوسيّة؟ (راجع الوثيقة التحضيريّة، رقم 2).
- الوثيقة القاريّة هي إذًا الوسيلة الفضلى التي بواسطتها يمكن تحقيق حوار الكنائس المحليّة بعضها مع بعض، ومع الكنيسة الجامعة. في هذه المرحلة من المسار السينودوسيّ، سوف يتركّز التفكير حول تساؤلات ثلاث، في سبيل تعزيز مسار الإصغاء والحوار والتمييز الروحيّ:
– “بعد قراءة الوثيقة القاريّة في جوٍّ من الصلاة، ما هي الأفكار التي تتلاقى بشكلٍ حثيثٍ مع خبرات الكنيسة وواقعها في قارتك؟ ما هي الخبرات التي تبدو لك جديدة ومنيرة؟”
– “بعد قراءة الوثيقة القاريّة والصلاة، ما هي التوتُّرات والاختلافات الأساسيّة التي تبدو مهمّة بالنسبة إلى قارّتك مستقبلاً؟ ونتيجة لذلك، ما هي الأسئلة والتساؤلات التي تجب مواجهتها وأخذها بعين الاعتبار في المراحل اللاحقة للمسار؟”
– “بالنظر إلى ما يخرج من السؤالين السابقين، ما هي الأولويّات، والمواضيع الواردة، والدعوات إلى العمل التي يمكن مشاركتها مع الكنائس المحليّة الأخرى في العالم، والتي قد تصلح لمناقشتها في الجلسة الأولى للجمعيّة السينودوسيّة في أكتوبر 2023؟”
مراحل حاسمة بالنسبة إلى المسار السينودوسيّ
- كلُّ جمعيّةٍ قاريّةٍ مدعوّةٌ إلى تفعيلِ مسارِ التمييز الروحيّ حول الوثيقة القاريّة تفعيلاً تراه ملائمًا للواقع المحلّي الخاصّ بها، وإلى كتابة وثيقة نهائيّة تقدّم تقريرًا عن هذا المسار. سوف تُستعمل الوثائق النهائيّة للجمعيّات القاريّة السبع كقاعدة من أجل كتابة وثيقة العمل الثانية (Instrumentum Laboris) التي سوف تُنجز في مدةٍ أقصاها شهر حزيران- يونيو 2023.
- الأكثريّة الساحقة من المجالس الأسقفيّة، التي تمّت استشارتها من قبل أمانة سرِّ السينودوس العامّة، أبدت رغبتها في أن يكون ممثّلو شعب الله حاضرين في المرحلة القاريّة القادمة. لذلك ستكون كل الجمعيّات كنسيّةً وليس فقط أسقفيّةً، وحريصةً على أن تمثِّل بشكلٍ صحيحٍ تنوّع شعب الله: أساقفة، وكهنة، وشمامسة، ومكرّسات ومكرّسين، وعلمانيّين وعلمانيّات. أمّا بِما يتعلّق بالمشاركين في الجمعيّات القاريّة، فلا بدّ من انتباهٍ خاصٍّ إلى حضور النساء والشباب حضورًا صحيحًا؛ وأن يتمثّل الأشخاص الذين يعيشون حالات فقرٍ أو هجرة، والذين هم على صلة مباشرة بهم؛ كذلك الأمر بالنسبة إلى الأخوة مندوبي الكنائس غير الكاثوليكيّة، وإلى ممثليّ الدياناتٍ والتقاليد الإيمانيّة الأخرى، بالإضافة إلى بعض الأشخاص الذين ليس لهم انتماء دينيّ. يُطلب من الأساقفة أن يجتمعوا فيما بينهم في نهاية كل جمعيّة قاريّة، لكي يعيدوا قراءة الخبرة السينودوسيّة التي عاشوها انطلاقًا من موهبتهم الخاصّة ودورهم الخاصّ. الأساقفة أيضًا مدعوّون إلى إيجاد الأساليب الملائمة لكي يقوموا بدورهم في الموافقة والتأكيد على الوثيقة النهائيّة، بالحرص على أن تكون ثمرة المسار السينودوسيّ أمينةً للمسارِ ولصوتِ شعبِ الله في كلّ قارّة.
- ترافق الخطوات التالية المسار الذي يمتدّ من نشر الوثيقة الحاضرة وصولاً إلى كتابةِ وثيقةِ العملِ (Instrumentum Laboris):
- سوف تُرسل الوثيقة القاريّة إلى جميع الأساقفة الأبرشيّين؛ كلٌّ منهم مدعوٌ، بمعيّة الفريق الراعويّ السينودوسيّ الخاص الذي نسَّق المرحلة الأولى معه، إلى تنظيم مسارٍ كنسيّ للتمييز الروحيّ بشأن الوثيقة، انطلاقًا من الأسئلة الثلاث الواردة في النقطة 106. وهكذا تُتاح الفرصة لكلِّ كنيسةٍ محليّةٍ الإصغاء إلى صوت الكنائس الأخرى، المجموعة في الوثيقة القاريّة، والإجابة على الأسئلة انطلاقًا من خبرتها الخاصّة.
- يتوجّب على كلِّ مجلسٍ أسقفيٍّ (Episcopal Conference) أن يجمع ويلخّص بالطريقة التي يراها ملائمةً لوضعه الخاصّ، الأفكار حول الأسئلة الثلاث الواردة من كلّ أبرشيّة.
- تتم مشاركة الأفكار ونتيجة التمييز الروحيّ، الواردة من كل مجلسٍ أسقفيّ، أثناء الجمعيّة القاريّة وفق الأساليب التي حدّدها فريق الدعم (Task Force) في كلّ قارّة.
- في تنظيم سير عمل كلّ جمعيّة قاريّة، قد يكون من المفيد التفكير في استعمال طريقة الحوار الروحيّ، المعروفة والمحبّذة جدًا، والتي تسهّل اشتراك الجميع في التمييز الروحيّ. كذلك تُعطى الأهميّة اللازمة لمراحل الحوار الروحيّ الثلاث: إعطاء الكلام لكلِّ منتدب، إبراز أهميّة الإصغاء إلى الآخرين، وتمييز الثمار من قِبل المجموعة المشاركة. تمّت الإشارة سابقّا، في وثيقة الخطوط العريضة لمنهجيّة العمل، إلى ضرورةِ مشاركةِ أساقفةٍ، وكهنةٍ، وشمامسةٍ، وعلمانيّين وعلمانيَّات، ومكرَّسين ومكرَّسات، كما أشخاصٍ قادرين على التعبير عن آراءِ مَن هُم على الهامش.
- تصيغ كلُّ جمعيّةٍ قاريّةٍ وثيقتها النهائيّة، في ما يقارب العشرين صفحة، وتجيب على الأسئلة الثلاث وفق سياقها الخاص. تُرفع الوثائقُ النهائيَّة، من قِبل فريق الدعم (Task Force) في كلّ قارّة، إلى أمانة سرِّ السينودوس في روما بحلول الحادي والعشرين من آذار-مارس 2023. وبناءً على هذه الوثائق النهائيّة الصادرة عن الجمعيّات القاريّة، سيُصارُ إلى صياغةِ وثيقةِ العملِ (Instrumentum Laboris)، في مدةٍ أقصَاها شهر حزيران-يوليو 2023.
[1] لقد تمّ اعتماد لفظة “تقارير” للدلالة على الوثائق التي وصلت إلى أمانة سرِّ السينودوس والتي تتضمن خلاصات (Syntheses) المرحلة الإستشاريّة الأولى.