Almanara Magazine

مسيرة الحمل الذبيح يسوع المسيح في أناشيد مار أفرام السرياني 1

الأب يشوع الخوري م.ل

لمار أفرام السرياني مجموعة من الأناشيد اسمها بالسريانيّة: ܡܕܪ̈ܫܐ ܕܦܛܝܪ̈ܐ أي أناشيد الفطير، ومجموعة ثانية اسمها: ܡܕܪ̈ܫܐ ܕܙܩܝܦܘܬܐ أي أناشيد الصَلْب. في هاتين المجموعتين يتكلّم مار أفرام على آلام المسيح. والصورة الغنيّة الفريدة التي يطبع عليها آلام المخلّص هي صورة الحمل الذبيح.

والحمل الذبيح في العهد القديم كان في كلّ جيل. كان أوّلاً مع هابيل القتيل، ثمّ مع ابراهيم الخليل، وبعد ذلك انتقل الى مصر، حيث صار مع موسى النبي حمل الفصح الذي بدمه تحرّر العبرانيّون من مصر، من دار العبوديّة، وانتقلوا الى أرض الميعاد الى دار الحريّة.

وخروج الشعب العبراني من مصر كان لهم اليوم العظيم، ففي كلّ سنة كانوا يتذكرونه وصار لهم عيد الفصح العيد الكبير، لأنهم كانوا يذبحون فيه حمل الفصح. وكما كان حمل الفصح تذكارًا لتحريرهم القديم، صار انبياؤهم مع الأيام يرون في حمل الفصح القديم رمزًا وصورة الى تحرير جديد وحمل جديد. قال عنه أشعيا النبي 53/7: “كشاة سيق الى الذبح وكحمل صامت أمام الجزاز لم يفتح فاه”. ولما جاء المسيح الى هذا الشعب رأى فيه يوحنا المعمدان ذاك الحمل الموعود فسمّاه حمل الله (يو 1/29).

هذه الصورة للحمل الذبيح في تاريخ شعب العهد القديم يرسم مار أفرام خطوطها في أناشيده، ويطبّق ملامحها على المسيح في العهد الجديد، ويرى للمسيح القتيل صورة في كل جيل كما قال في أناشيد الصَلْب 2/10:

في كل جيل كان البكر قتيلاً
كان الحَمَل في النبوءات،
ما سيكون،
سلفًا حَمَلَ عبيدهُ
لكي تتغنّى الأجيال بأسمائه.

 برموز أبراره القتلى.
كمبشّر في قراءاته.
وإن كان بعيدًا، فهو قريب.
أسماءً تجسّم أعماله،
تبارك من بشّرت به النبوءات.

ونحن لكي نبرز بوضوح هذه الصورة الغنيّة، وما تحمل من رموز ومعان عميقة، نرافق مار أفرام مرحلة مرحلة في أناشيده، ونحلّل ما قاله على حمل الفصح القديم، وعلى الفصح الجديد، وذلك في سبع مراحل كما يلي:

  1. مع هابيل القتيل.
  2. مع ابراهيم الخليل.
  3. مع موسى النبي.
  4. في عليّة صهيون.
  5. مع يوحنا الحبيب ويهوذا الاسخريوطي.
  6. في بستان الزيتون.
  7. على جبل الجلجلة .

المرحلة الأولى: مع هابيل القتيل

كان هابيل كما يخبر سفر التكوين (4/2-16) راعي غنم. وكان قايين يحرث الأرض. فقدّم قايين تقدمة للربّ من ثمر الأرض، وقدّم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الربّ الى هابيل وتقدمته والى قايين وتقدمته لم ينظر. فحسد قايين أخاه هابيل وقرّر قتله. فقال له: لنخرج الى الحقل. ولما كانا في الحقل وثب قايين على هابيل وقتله.

إنّ مار أفرام السرياني في أناشيده يرى المسيح هو الحمل الأوّل والراعي الأوّل والذبيح الأوّل.وفي العهد القديم يرى أول حمل وأول راعٍ وأوّل قتيل هو هابيل. وبهابيل الراعي والقتيل صوّر المسيح رعايته وقتله وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/8:

هذا الحَمَل الأوّل
بكرًا للبكر،
وطبع فيه من صوره،
بواسطة هابيل الراعي والذبيح،
رعايته وذبيحته.

 اختار له راعيًا أوّل،
وسكب فيه من أشكاله،
ونشر عليه مثالَ قتله.
صوّر راعينا وذبيحُنا،
لك المجد يا مصوّر رموزه.

وينوّه مار أفرام بتقدمة الحمل المقرِّب والمقرَّب والمقتبل فيقول في أناشيد الصلب 2/9:

حَمَلُنا علّم هابيلَ
فيقرّب حَمَلاً للحمل،
ثم يقرّب حَمَلاً آخر،
الحملُ كان المقرِّب،
والحملُ كان المقتبل.

 أن يكون أولاً بارًا،
ويقرّب أولاً نفسه،
عجبٌ عجاب ما حدث هناك:
والحملُ كان المقَرَّب.
فالشكر لحَمَل الله.

ويكرّر مثل ذلك ويحصر المقصود بالحمل شخص هابيل وحده فيقول في أناشيد الفطير 6/8:

كان هابيل حَمَلاً،
فمن رأى حَمَلاً

 وقرَّبَ حَمَلاً
يقرِّب حَمَلاً؟

المرحلة الثانية: مع أبراهيم الخليل

في هذه المرحلة يتجلّى إيمان ابراهيم الخليل الذي اصطفاه الربّ ليذبح ابنه اسحق، ويكون هذا الابن المعدّ للذبح رمزًا الى ابن الله الوحيد الذي سيُذبح على الصليب، فدى البشر أجمعين. وهنا جرى الأمر العجيب. لمّا وصل ابراهيم الى الجبل، كما يخبر سفر التكوين (22/1-13)، وبنى المذبح هناك، ورتّب الحطب للمحرقة، وربط اسحق ابنه، وجعله على المذبح فوق الحطب، ومدّ يده فأخذ السكّين ليذبح ابنه، ناداه ملاك الرب من السماء وقال له: “لا تمدَّ يدك الى الصبيّ ولا تفعل به شيئًا، فإني الآن عرفتُ أنك متّقٍ لله فلم تمسك عني ابنك وحيدك” فرفع ابراهيم عينيه ونظر، فإذا بكبش عالق بقرنيه في دَغَل فأخذه وأصعده محرقة بدل ابنه.

إنّ مار أفرام لمّا نظر الى ابراهيم الخليل وتأمّل في محرقته العجيبة رآه قد اختاره الربّ ليكون له من الذابحين. وهذا هو قول مار أفرام بالتمام. في أناشيد الصلب 2/7:

تعالوا وانظروا الحَمَلَ الحيّ،
واختار له ذابحين.
ليقتلَ الخروفَ رمزَه.
خلّص الحَمَلَ وقتل الكبش.
ليكون هو كمالَ الرموز.

 الذي اختار له رعاة،
لأنه سلّم ابرامَ سكينًا،
قَتَلَ رمزه وخلّص رمزه
برمزه خلّص رمزَه،
تبارك من أتى وكمّل الرموز

إنّ مار أفرام يسمّي الربَّ هنا الحمل الحيّ لأنه وإن مات فهو لن يموت، هو حيّ الى الأبد. وابن ابراهيم هذا اسحق المعدّ للذبح لن يُذبح لأنه رمز الى ابن الله الوحيد. والذي ذُبِحَ هو الكبش الذي يرمز إليه اسحق. وهكذا بالكبش خلّص الربُّ اسحق وكان الربّ يسوع الحيّ والذبيح على الصليب كمالَ الرموز.

المرحلة الثالثة: مع موسى النبيّ

إنّ موسى النبيّ يرتبط اسمه بحمل الفصح وعيد الفصح. فالربّ بذاته هو الذي أشار عليه كيف يُعدّ هذا الحمل لشعبه. وفي سفر الخروج (12/1-50) نجد أهم الرسوم المتعلّقة بحمل الفصح وعيد الفصح وهذه هي بإيجاز:

  • كل بيت من شعب اسرائيل يتخذ حملاً في العاشر من نيسان ويحفظه عنده الى اليوم الرابع عشر.
  • إن كان أهل البيت أقلّ من أن يأكلوا حملاً، فليأخذوه هم وجارهم القريب من منـزلهم.
  • يكون الحمل صحيحًا ذكرًا حوليًا من الضأن أو المَعَز.
  • في الرابع عشر من نيسان يذبحه بنو اسرائيل بين الغُروبين.
  • يأخذون من دمه ويجعلونه على قائمتي الباب وعارِضته على البيوت التي يأكلونه فيها.
  • يأكلون لحمه في تلك الليلة شواءَ نارٍ بأرغفة فطير، مع أعشاب مرّة.
  • لا يبقوا شيئًا منه الى الغداة. فإن بقي شيء الى الغداة فليُحرَق بالنار.
  • يأكلونه بعَجَلة وأحقاؤهم مشدودة ونعالهم في أرجلهم وعصيُّهم في أيديهم، انه فصح للربّ.
  • الأجنبي والضيف والأجير وكل أقلف لا يأكل منه، إلاّ إذا اختتن.
  • في بيت واحد يُؤكل، ولا يُكسَر منه عظم.

هذا الحمل الذي رسم سفر الخروج ذَبْحه، ذَبَحَه العبرانيّون في ليلة عيّنها لهم موسى، وجعلوا من دمه على بيوتهم. فكان هذا الدم واسطة لخروجهم من مصر. فبعد أن أنزل الربّ تسع ضربات بالمصريّين، نزل في تلك الليلة ليضربهم الضربة العاشرة، ويقتل أبكارهم داخل بيوتهم. وإذ جاز في أرض مصر ورأى هذا الدم على بيوت بني اسرائيل، فعبر عنها. ولم يقتل أبكارهم (خر 12/22-23). أما أبكار المصريّين فما نجا منهم أحد (خر 12/29). عندئذ في تلك الليلة قام فرعون ودعا موسى وهارون وقال لهما: “قوما فاخرجا من بين شعبي أنتما وبنو اسرائيل” (خر 12/31). وبعد هذا الأمر كان الخروج من مصر. وتذكارًا لهذا الخروج العظيم كان عيد الفصح الكبير.

هذه الرسوم لحمل الفصح ليس موسى الذي اخترعها أو ابتكرها، بل هناك يد خفيّة رسمت كلّ شيء. فموسى كان راعيًا وتحت رعايته حملان كثيرة ظاهرة، انما كان هناك حمل خفيّ قبل موسى بزمن طويل هو الذي رعى موسى وشعبه ورعاته وهو الذي أوصى موسى في العهد القديم أن يرسم له هذه الرسوم. هذا مار يراه مار أفرام السرياني عندما يتكلّم على موسى الراعي فيقول في أناشيد الصلب 2/1:

يا له من حَمَلٍِ خفيّ،
هو سلَّم موسى العصا،
رعى الشيخُ القطيعَ الشيخ،
رعى الحمل وكان يرعى،
الذين رعوه ورعاهم،

 ذبح الحَمَلَ الظاهرَ في مصر.
ليرعى بها القطيعَ الشيخَ.
ورعى الحَمَلُ كليهما.
إنه يرعى رعاته،
تبارك الحَمَلُ الذي رعى قطعانه.

كان موسى أوّلاً راعيًا في بيت حميهِ يتْرو، كاهن مِدْيَن (خر 3/1)، حيث رعى خرافًا غريبة، ثم دعاه الله، ليكون راعيًا لشعبه المختار، وعلّمه كيف يذبح حمل الفصح، وكيف يشويه (خر 12/8)، ويأكله مع بني قومه وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/2:

ذبح موسى في بيت يترون،
ومع أنّه تعلّم جيّدًا، لم يعرف
حَمَلُنا كان يعلّمه،
علّم الذبيحُ الذابحَ،
وكيف يذبح ويرشّ.

 خرافًا وحملانًا كثيرة.
كيف يذبحُ الذبيحَ الوحيد.
كيف يصوّر رمزه.
كيف يشوي ويأكل،
تبارك من علّم آكليه.

والحمل الجديد علّم الراعي الشيخ كيف يرسم رمزه بحمل حوليّ من الضأن كما جاء في سفر الخروج (12/5)، وكيف يأكله مع العشب المرّ (خر 12/8)، دون أن يكسر له عظمًا من عظامه (خر 12/46؛ عد 9/12)، وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/3:

الحَمَلُ الجديدُ علّم الراعي،
كيف يرسم رمزَه،
أوصاه بأن يلتقط العشب المرَّ،
حذّر الحَمَلُ ذابحَه
فهو جابر المنكسرين.

 الذي شاخ في القطيع،
بحَمَل الضأن الذي يمثّله،
لكي تنفذ مرارتُه الى آكليه.
بأن لا يَكسر له عَظمًا،
الشكر للرب الذي يجبر الجميع.

وعلّمه أيضًا كيف يشويه على النار دون أن يسلقه بماء (خر 12/9) ولا يترك منه شيئًا الى الغداة (خر 12/10) فهو إكسير الحياة. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/4:

الحملُ علّم موسى
فالسّفود علامة صليبه،
أوصى آكليه
لئلا يُزدَرى كالطعام
لقد كان نقيًا مثل إكْسير الحياة.

 ألاّ يُسْلَقَ بماء.
والشيُّ مثال خبزه.
بألا يفضل منه شيء،
العاديّ الزائل.
تبارك الحَمَل الذي نَقَّى رمزه.

وأمره أيضًا أن يأكله مع فطير جديد (خر 12/8) وخبز جديد، لكي يتجدّد به، ومنعه من أن يأكله بخمير عتيق لئلا يهرم ويبلى مثل سلالة حواء العتيقة. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/5:

أمَرَ الحَمَلُ بشأن رمزه
خبزًا جديدًا ولحمًا جديدًا،
وبما أنَّ خمير حواء العتيق
أصبح الكلُّ هَرِمًا وأصبَحَ الكلُّ باليًا.
بَطُل الخمير الذي يعتّق الجميع.

 أن يأكلوه مع الفطير،
ليصوّر رمزَ جِدَّته.
تفشّى وعتّق الكلَّ،
بواسطة الفطير الذي جدّد الكلّ،
تبارك الخبز الذي جدّد الجميع.

وأوصاه أيضًا بأن لا يأكله وهو جالس لأنه يرمز الى جسده المقدّس الذي يرتعد منه الساروفيم وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 2/6:

وهناك وصيّة أخرى
بشأن رمز الخروف الزمنيّ
فمن يأكل وهو جالس
الساروفيم يرتعدون قدامه،
 فخافوا وتقدّسوا أيها المتناولون.

 أعطاها حَمَلُ الحقّ،
ألاّ يأكله أحد وهو جالس.
رمزَ الجسد المقدّس،
ويُخفون وجوههم منه؟
تبارك من علّم الرمزَ النقيّ!

وفي مجموعة رائعة من أناشيده، وهي النشيد الثالث والرابع والخامس من أناشيد الفطير، يقيم مار أفرام مقارنة جميلة بين حمل الفصح القديم وحمل الفصح الجديد وهذا هو مطلعها في النشيد 3/1:

ها هو مقتولٌ في مصر
ومذبوح في صهيون

 حَمَلُ الفصح،
حَمَلُ الحقّ.

وهذه هي الخطوط البارزة في تلك المقارنة الرائعة في هذه الأناشيد التالية:

النشيد الثالث

بعد أن صوّر مار أفرام في مطلع النشيد الثالث مقارنة بين حمل الفصح المقتول في مصر، وحمل الحقّ المذبوح في صهيون، يدعو سامعيه ليتأمّلوا في هذين الحَمَلين: حمل الرمز وحمل الحقّ، ويقارنوا بينهما للاطّلاع على الاختلاف والتشابه فيهما. (2-3)

فحمل الرمز ظلّ، وحمل الحقّ كمال.

في الفصح القديم رموز بسيطة وفي الفصح الجديد مآثرُ مضاعفة. (4-5)

بحمل الفصح خرج الشعب من مصر، وبحمل الحقّ خرجت الشعوب من الضلالة.

وبحمل الحياة خرج الأموات من الجحيم كما خرج الشعب من مصر. (6-8)

مصر كانت تمثّل الجحيم والضلالة: فكما أطلقت مصر بحمل الفصح الشعبَ خلاف عادتها، هكذا الجحيم بحمل الحياة لفظت الأموات خلاف الطبيعة، والضلالة بحمل الحقّ أطلقت الشعوب التي آمنت (9-12)

وفرعون كان يمثّل الموت والشيطان: فكما أطلق فرعون شعبًا قبض عليه، هكذا الموت أطلق الصديقين من قبورهم، وأطلق الشيطانُ الشعوبَ التي كانت في قبضة يديه. (13-16)

وكما انفتحت مصر وشقّت طريقًا أمام العبرانيّين، هكذا أعاد الشيطانُ طريقَ الحقّ بحمل الحقّ، وحملُ الحياة بموته فتح الطريق للذين كانوا في القبور. (17-19)

النشيد الرابع

في النشيد الرابع يتابع مار أفرام الكلام على حمل الفصح وحمل الحق.

فيرى في حمل الفصح مثالاً ظاهرًا، وفي حمل الحقّ مثالاً ظاهرًا وخفيًّا. (1)

وإذ يَظهر أنّ حمل الحقّ هو الربّ بالذات،

يُعلن أنّ ربّنا أخزى الجحيم والضلالة، وغلب الموتَ والشيطانَ معًا. (2)

انكسار الجحيم والموت كان ظاهرًا، وانكسار الضلالة والشيطان كان خفيًا.

ودلّ الانكسارُ الظاهرُ للجحيم والموت على الانكسارُ الخفيّ للضلالة والشيطان.

فتشقيقُ الجحيم والقبور شاهده الكثيرون، أما هزيمة الضلالة والشيطان فلم يشاهدها أحد. (3-7)

وكان يوم الجمعة موعدًا لقتل الموت والشيطان. (8-9)

أما مصر فالحملُ القتيلُ قتل أبكارها وحملُ الحقّ فضح أكاذيب الضلالة. (10-11)

والجحيم لما سمعت الصوتَ الحيّ أحيا أمواتها انشقّ قلبُها. (12)

فحملُ الفصح غلب مصرَ فقط، أمّا حمل الحقّ فغلب الضلالةَ والجحيم. (13-14)

بحمل الفصح ولول فرعون إذ رأى بكرَه يموت،

وبحمل الحق ولول الشرير إذ رأى آدم يتبرّر. (15-17)

في حمل الرمز قوى بسيطة، وفي حمل الحق مآثرُ مضاعفة. (18-19).

النشيد الخامس

في بداية النشيد الخامس يقارن مار أفرام بين دم الحملين، أما في أواخر النشيد فيعلن دوام حمل الحق وزوال حمل الرمز. وفي ذلك يقول في أناشيد الفطير (5/19-23):

لقد استُبدِلَ
لأن الكمال أتى

 حَمَلُ الرموز،
وسَكَتَت الرموز.
.
أما حمل الحقّ
فمن هو أعظم منه

 فحقيقته لا تزول،
حتى يُستبدَل به.

أيُّ حَمَل
حملَ الله

 يمكنه أن يُزيل
الذي أزال الرموز؟

دخل الكمالُ
التي نَسَجَها له

 ولَبِس الرموز
الروحُ القدس.

الرمزُ في مصر،
وتمامُ المجازاة

 والحقّ في البيعة،
في الملكوت.

المرحلة الرابعة: في عليّة صهيون   

إلى عليّة صهيون سيدخل المسيح وتلاميذه ويتعشَّى معهم العشاء الأخير، ويأكل معهم الفصح الأخير قبل موته. في هذا العشاء سيتحوّل الفصح القديم الى فصح جديد ليبقى في الكنيسة مدى الأدهار. وإن مار أفرام السرياني يصوّر لنا هذا الفصح الأخير مع يسوع وتلاميذه، في بداية النشيد السادس من أناشيد الفطير، فيقول (6/1-6):

بين حَمَل وحَمَل
فأكلوا حَمَلَ الفصح،

 قام التلاميذ،
وحَمَلَ الحقّ.

قام الرسلُ في الوسَط،
فرأوا الرمز قد انقطع،

 بين الرمز والحقيقة،
والحقيقة ابتدأت.

طوباهم إذ بهم
وبهم أيضًا

 كانت نهاية الرمز،
كانت بداية الحقيقة.

وهذا الخبز الذي كسره يسوع في تلك الليلة الأخيرة كان رمزًا الى ذبيحة جسده، وهذا الخمر الذي مزجه كان رمزًا الى ذبيحة دمه في اليوم التالي على الصليب. وفي هذا يقول مار أفرام في أناشيد الفطير 2/7:

كسر الخبز بيديه،
ومزج الكأس بيديه،
كاهنُ غفراننا

 رمزًا الى ذبيحة جسده.
رمزًا الى ذبيحة دمه.
هو بذاته ذبح ذاته وقرَّب ذاتَه.

وذاك المساء الأخير الذي أكل فيه الربّ يسوع فصحه الأخير صار لنا الفصح الكبير وفي ذلك يقول مار أفرام في أناشيد الصلب 3/2:

طوباكَ أيها المساء الأخير،
فيكَ أكل ربُّنا الفصحَ الصغير،
اختلط فصحٌ بفصح،
الفصحُ الذي زال، والآخر الذي لا يزول:

 لأنّ مساءَ مصر تمّ فيك.
فصار هو الفصح الكبير.
وامتزج عيد بعيد.
الرموز واكتمالها.

ويطوّب أيضًا ذلك المكان لأن الربّ كسر فيه جسده وقطع هناك عهدًا جديدًا مقابل عهد موسى وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 3/5:

طوباكَ أنتَ أيضًا يا مكان البار،
صار المكان الصغير مرآةً،
لقد أُعطِيَ عهد صغير،
وعهد كبير

 لأنّ ربّنا كسر فيك جسده.
لكلّ البريّة التي امتلأت منه.
بواسطة موسى، من الجبل المجيد،
خرج من المسكن الصغير وملأ الأرض.

ويطوّب أيضًا ذلك المكان لأن الربّ فيه هو المذبح والحمل والذبيحة والذابح والخبز والطعام. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 3/10:

طوباكَ أيها المكان، لم يَرَ أحد
إذ صار ربُّنا مذبحًا حقيقيًا،
هو بشخصه يكفي الكلّ،
هو المذبح والحَمَل،

 ما رأيتَ ولن يرى.
وكاهنًا وخبزًا وكأسَ خلاص.
ولا يقدر أحد أن يكون له كُفُؤًا.
والذبيحة والذابح والحبر والطعام.

ويطوّبه أخيرًا لأن فيه المائدة الفريدة والمسكن المقدس وبكر المذابح وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 3/12:

طوباكَ أيها المكان الذي لم يُهيّأ قطّ،
ولا في مسكن قدس الأقداس،
فيك كُسِرَ أولاً
بِكر المذابح الذي بَكَّر بقربانه،

 متل مائدتكَ بين الملوك،
لأن عليه كان يهيّأ خبز التقدمة.
الخبزُ الذي صرتَ أنت كنيسته.
ظهر فيكَ أوّلاً.

المرحلة الخامسة: مع يوحنا الحبيب ويهوذا الاسخريوطي 

اجتمع التلاميذ حول المسيح معلّمهم في العشاء الأخير حول سرّ كبير، وكان بين التلاميذ حيرة كبرى. يصوّر مار أفرام هذه الحيرة بين التلاميذ، ويبيّن بنوع خاصّ أمانة يوحنا الحبيب وخيانة يهوذا الإسخريوطي.

هذه الحيرة حدثت بين التلاميذ بسبب ما سمعوا من معلّمهم أن واحدا منهم سيسلمه (لو 22/21-31 متى 26/21-25، مر 14/ 18-21)، وقد سيطر عليهم الصمت والخوف. فما كان من بطرس إلا أن أشار الى يوحنا الحبيب ليسأل المعلم عن الخائن. وإنّ مار أفرام في كلامه هنا على هذا الموضوع يكنّي يوحنا بالخروف والمسيح بالحمل ويهوذا بالذئب. فيقول في أناشيد الصلب 3/16: 

وفيكَ أيضًا أيها المكان وَقَعتْ حيرة،
ما داهم والدة قطّ من مخاض الولادة،
كانوا يريدون الصمت فما استطاعوا،
فأشار الخروف الى الحمل:

 بين  التلاميذ بسبب ما سمعوا.
ما داهم الاثني عشر.
وكانوا يرغبون في الكلام فخافوا.
“أعلِمنا مَن هو  الذئب؟”

وعلى أمانة يوحنا الحبيب ونقاوته، وخيانة يهوذا ونتانته يقول مار أفرام في أناشيد الصلب 3/13:

طوباكَ أيها المكان لأنّ إكليلاً من الإخوة،
واحدٌ فاضل كزهرةٍ بتول،
وبينما كانوا كلّهم أزهارًا فوّاحة،
خرجت من هناك زؤانة ننتنة،

 أحاط بالابن في رحابك.
من أجل عبيره، كان ملقىً على صدره.
كان هو زهرةً مقدّسة شهيّة.
وخرجت معها رائحتها.

وعلى الأنفصال الذي سيصير بين الخراف والجداء يوم الدينونة والذي تمثّل بيهوذا الاسخريوطي يقول في أناشيد الصلب 3/14:

وفيكَ أيضًا أيها المكان،
انفصل في الليل ابن الظلام،
غضب الأسود،
في الدينونة تنفصل الجداء أبناء جنسه،

 تَمَثّلَ الانفصال الحقيقيّ المزمع ان يكون.
ولبس الظلام الذي يلائمه.
رئيس الجداء قام وخرج، ولم يرجع.
عن خراف النور.

إن مار أفرام يسمّي هنا الاسخريوطي ابن الظلام والجدي الاسود ورئيس الجداء.

وعلى السّر الذي أخفاه يسوع بوداعة وحكمة عن التلاميذ، وكشفه يهوذا يقول في أناشسد الصلب 3/15:

وفيكَ أيضًا تجلّى السرّ الخفيّ،
أخفى السرّ ليعلمه كم كان يحبّه،
أخفى السرّ فظنّ أنه لم يشعر به،
يا لَلوديع الذي لم يقل له: أنتَ هو،

 بالخبز الظاهر الذي أعطاه اياه.
وكشف السرّ ليعلمه بأنه كان يعرفه.
وبّخه وأنّبه كم أنكر الجميل.
بل أنت قلت.

وعلى مكر الإسخريوطي وطمعه وحبّه للمال إذ باع معلّمه بيع العبيد يقول في أناشيد الفطير 12/6-10:

هذا هو العيد
الذي كشَفَ

 الكور الخفيّ
نحاسَ الإسخريوطيّ.

هذا هو العيد
من بين الصادقين

 الذي نحَّى الاسخريوطي ونَبَذَه
نبْذَ المكْر.

في هذا العيد،
سيدُ كلّ شيء

 بيعَ
بلا شيء.

في هذا العيد،
باعه السارقُ

 محرّرُ الكلّ
بَيْعَ العبيد.

في هذا العيد،
الفمَ الصادق

 قبَّل الماكرُ
الذي علّم الحقّ.

وعلى بتوليّة يوحنا وطهارته، إذ ارتمى على صدر معلّمه يقول في أناشيد الفطير 14/5-8:

إرتمى على صدره
ليعظّم السفليّين

 يوحنّا،
أمام العلويّين.

أوضح بذلك
عندما كان طاهرًا وقديسًا

 ان آدم كان محبوبًا هكذا،
مثل يوحنّا.

وأوضح بذلك
هم محبوبون أيضًا

 ان البتولين القديسين
مثل يوحنّا.

باحتضانه واحدًا
بأنه سوف يحتضن

 أعطى عربونًا
كلّ القدّيسين.

وعلى صداقة يوحنا وقداسته يقول في أناشيد الفطير 14/11-12:

السرّ الذي كان محجوبًا
أظهره ليوحنا،

 عن التلاميذ،
كما لصديق.

البتوليّة دَنَتْ
فدلّ على أنَّ التقرّب منه

 من القدّوس،
هو القداسة.

وعلى طمع يهوذا إذ رأى مريم أخت لعازر تدهن قدمي يسوع بالطيب (يو 12/3-8) يقول مار أفرام في أناشيد الفطير 14/9-10:

غضب الاسخريوطي
وبحجّة المساكين،

 على الطوباويّة.
دانها السارق.

سمع ربُّنا وأغضى
وهو الكور

 عن تشهيره،
الذي يمحِّص الجميع.

وعلى اللقمة التي غمسها يسوع وناولها ليهوذا (يو 13/26-30) وعلى انفصاله وخروجه بحريته يقول في أناشيد الفطير 14/13-21:

غمس خبزا،
والخدّاع فضح ذاته

 وأعطاه للخدّاع،
دون أن يُجبره أحد.

الوديع
ليدفع الخبيث

 أطال روحه
الى توبيخ نفسه.

غمس خبزا وأعطاه
فكان خبزًا خاليًا

 للمائت الخفيّ،
من بلسم الحياة.

تناول الخبز،
هو فصل نفسه،

 وانفصل عن التلاميذ،
وما طرَدوه.
.
لم يفصله ربُّنا،
الضرورة أرغمته،

 لئلا يجدِّف أحد ويقول:
وليست إرادته.

ربُّنا اجتذبه،
وعندما انفصل وخرج،

 إن لم يكن مدعوًّا،
ربُّنا لم يطرده.

فِعلُ اختياره
ورذله لنفسه

 كان خيرًا،
كان شرًّا.

وعلى شرّ يهوذا وقُبْلته ومشنقته يقول في أناشيد الفطير 16/23-32:

قبّله الأسخريوطي
وبمشيئته لم تقتله

 الشرّير،
نفحة فمه.

عجبٌ! كيف قبَّل
فهدّأت النارُ حدّتَها،

 الهشيمُ النارَ،
ولم تؤذه.

هي أظهرت له
وهو أعدَّ لنفسه

 عذوبة،
مِشنَقَة.

يداه اللتان أخذتا
هما علّقتا له

 ثمن سيّده،
المِشنَقَة.

شمِتت به السماء
وشمِتَت به الأرض

 لأنّه أسلَمَ ربّها،
لأنّه قتل مليكها.

وعلى حمل الحقّ الذي كسر جسده لخرافه الأمناء بعد أن انفصل عنهم ذلك الذئب الإسخريوطي، قال مار أفرام في أناشيد الفطير 14/22-24:

عندما انفصل وخرج
من رعيّة

 الذئبُ الخفيّ
الاثني عشر،

قام حمل الحقّ
للخراف التي أكَلَت

 وكسر جسده
حملَ الفصح.

وهناك انتهى
من داخل مصر

 الرمز الذي انطلق
حتّى هناك.

المرحلة السادسة: في بستان الزيتون

يخبرنا الانجيل المقدّس أنّ الربّ يسوع لما دخل الى بستان الزيتون ليصلّي قبل آلامه “استولى عليه الخوف فأخذ يصلّي مكتئبًا. وصار عرقه مثل قطرات دم تسيل على الأرض” (لو 22/42).

إنّ مار أفرام عندما يتكلّم على هذا الموضوع يطوّب البستان الذي استحقّ عرق الابن أن يتصبّب عليه ويقارن عرق المسيح بعرق آدم (تك 3/19)، ويستنتج من ذلك معنى روحيًا عميقًا. وهذا كلام مار أفرام بالتمام في أناشيد الصلب 8/1:

طوباكَ أيها المكان لأنكَ استحققتَ
مَزَجَ عَرَقه في الأرض،
طوبى لأرض طيَّبها بعَرَقه،
مَن يا ترى رأى قَطُّ مريضًا،

 عَرَق الابن الذي تَصَبّبَ عليك.
ليُزيل عَرَقَ آدم الذي تعب في الأرض.
وإذ هي مريضة شفِيَت لأنه عَرِقَ فيها.
شُفِيَ بعَرَقٍ غير عَرَقه.

وفي ذلك البستان يقارن مار أفرام أيضًا إرادة يسوع بإرادة آدم في جنة عدن. في تلك الجنّة شكّكت إرادة آدم بخالقه، فخالف وصيّة الربّ وأكل من الثمرة المحرّمة. أما يسوع فأطاع في البستان أباه حتى الموت. وبالرغم من شدّة آلامه قبل موته، قال لأبيه: “لا تكن مشيئتي بل مشيئتك” (لو 22/42).

وكذلك مار أفرام يتوجَّه الى ذلك البستان ويطوّبه ويخاطبه بشأن إرادة يسوع ويقول في أناشيد الصلب 8/2:

طوباكَ أيها المكان الذي أبهجتَ
في تلك الجنّة ارتابت إرادة آدم
في البستان دخل وصلّى،
في صلواته قال: “لا تكن مشيئتي

 جنّة عدن بصلواتك.
بخالقه فسرق وأكل.
وقوّم الإرادة التي ارتابت في الجنّة.
بل مشيئتك”

المرحلة السابعة: على جبل الجلجلة

بعد أن قبض الجنود على يسوع في بستان الزيتون، اجتمع الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة وأصعدوه الى مجلسهم وحكموا عليه بالموت. ثم أوثقوه وسلّموه الى بيلاطس الوالي، فأسلمه ليُصلَب. فأخرجوه ليصلبوه، وسخّروا أحد المارّة، سمعان القيرواني، ليحمل صليبه. وساروا به الى الجلجلة، وهناك صلبوه، وصلبوا معه لصّين. وعند الساعة التاسعة صرخ يسوع صرخة عظيمة وأسلم الروح. فجاء يوسف الرامي وأنزل جسده عن الصليب، ووضعه في قبر له جديد، كان قد حفره له في بستان.

هذه المشاهد من آلام يسوع على الصليب تأمّل فيها مار أفرام وصوّرها في أناشيده، وبيّن من خلالها معاني جديدة عميقة.

ونحن في هذه المرحلة الأخيرة، نقتطف من أناشيده بعض الأبيات في ما قاله على سمعان القيرواني وعلى الجلجلة وعلى لصّ اليمين، وعلى الحربة التي طعنت الابن وعلى يوسف الرامي وقبره الجديد، في البستان.

  • فسمعان القيرواني يطوّبه ما أفرام لأنه حمل الصليب الحي الذي أحياه وخلّد اسمه وأوصله الى ميناء الحياة. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 9/1:
طوباكَ أيضًا يا سمعان، لأنكَ حَمَلْتَ
فخورون من يحملون أعلام الملوك،
طوبى ليديك لأنهما ارتفعتا وزَّيحتا
حِمْلُكَ حَمَلكَ وأوصَلَكَ الى ميناء الحياة،

 الصليب الحيّ وراء ملكنا.
لكنّ الملوك قد زالوا مع أعلامهم.
الصليب الذي تنازل وأحياك.
لأنه سفينة الملكوت.

  • والجلجلة التي صُلِبَ عليها يسوع يطوّبها مار أفرام لأنّ المصالحة تمّت عليها وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 8/5:
طوباكِ أنتِ أيضًا يا جلجلة،
ما تمَّت المصالحة،
بل عليكِ أنتِ وُفِيَ دينُنا.
أما القتيل المعلّق عليكِ فقد فدانا.

 لأنَّ السماء غارَتْ من صِغَرِكِ.
عندما كان ربُّنا محجوبًا فوق في السماء،
السماء على رحابتها لم تستطع أن تكون ملجأنا،

  • ولصّ اليمين الذي آمن بملكوت المسيح يطوّبه أيضًا مار أفرام لأنه دخل الى الفردوس وقد بشّر بملكوت المسيح. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 8/8:
طوباكَ أنتَ أيضًا أيها اللصّ،
أسقطوكَ لتُرمى من سيّء الى أسوأ،
لا يستطيع لساننا أن يصفك.
وسمعان أنكره والتلاميذ هربوا واختبأوا،

 لأنكَ بموتكَ وَجَدْتَ الحياة.
وحَمَلَك ربُّنا ووضعك في عَدن.
لأنّ يهوذا مَكَرَ به وأسلمه،
أما أنتَ فبشّرتَ به.

  • والحربة التي طعنت الابن أخرجت من جنبه دمًا وماء، كما شهد يوحنا الانجيلي (19/34-37) ولم يُكسَر له عظم، ليكون هو الحمل الحقيقي. وهذه الحربة كما شهد مار أفرام قتلت الموت وأزالت تلك الحربة التي طردت آدم من الفردوس (تك 3/24) وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 9/2:
تلك الحَرْبَة التي طعنت الابن،
حربته أزالت الحَرْبَة ،
وها إنّ الفردوس مبتهج،

 بها جُرحَ وبها قَتَلَ الموتَ.
لأن غفرانه مَزَّق صكّ ديوننا.
لأنَّ المنفيِّين والمطرودين رجعوا الى مسكنهم.

  • ويوسف الرامي يطوّبه أيضًا مار أفرام لأنه كفّن ودفن الحيّ الميت. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 8/11:
طوباكَ، يا سميّ يوسف البارّ،
أغمضتَ اليقظ النائم،
ناهبنا منهوب وسابينا مسبيّ.

 لأنك كفَّنتَ ودفنتَ الحيَّ الميت.
الذي نام ونهب مثوى الأموات.
هلمّوا لنفرح ونهزأ به.

  • ويطوّب مار أفرام أيضًا القبر الذي قدّمه يوسف الرامي للمسيح، لأنَّ نور المسيح شعَّ فيه وغلب الموت الذي قهر كلَّ البشر. ويرى مار أفرام في القبر والبستان صورة الى جنّة عدن، حيث مات آدم. فالمسيح الذي قام من ذلك القبر في ذلك البستان أقام آدم وأرجعه الى الجنّة. وفي ذلك يقول في أناشيد الصلب 8/12-13:
طوباكَ أنتَ أيضًا أيها القبر الفريد،
في داخلك غُلِبَ الموتُ المتكبِّر،
طوبى لحضنكَ الذي سُدَّ فيه
الملائكة كلّلوا بابكَ بالأشعّة،

 لأنَّ نور الوحيد أشرقَ فيكَ.
الذي طارده فيكَ المائتُ الحيّ.
الفم البالع الكلّ دون شِبَع.
لأنّهم فرحوا بانبعاثنا.

قبره وبستانه يرمزان الى جنّة عدن،
هَرَبَ واختبأ بين الأشجار
الحيّ المقبور الذي انبعث في البستان،
ومن قبر البستان الى وليمة الجنّة،

 حيث مات آدم موتًا خفيًّا.
وكما في قبر دخل واختفى.
أقام الذي سَقَطَ في الجنّة.
أدخله بالمجد.

الخاتمة

بعد أن رافقنا هذا الحمل الذبيح في كلّ جيل،

ورأيناه يُقتَل في الحقل مع هابيل القتيل،

ويُذبَح على الجبل مع الكبش عوض اسحق ابن ابراهيم الخليل،

ويخلِّص الشعب العبراني من مصر على يد موسى بدم حمل الفصح القديم.

رأيناه بشخص المسيح يدخل الى علية صهيون، ويأكل الفصح القديم مع تلاميذه،

ويرسم لهم الفصح الجديد، إذ يناولهم جسده ودمه، تحت شكلي الخبز والخمر،

وفي بستان الزيتون يستعدّ لآلامه وموته، بتقدمة ذاته.

وبعد أن يُسلَم الى أيدي الجنود، بخيانة أحد تلاميذه وهو يهوذا الاسخريوطي،

يُساق الى الذبح كحمل وديع صامت لا يفتح فاه،

ويُدان كمجرم كبير، أمام عظيم الكهنة، وهيرودس الملك، وبيلاطس البنطي،

ثم يحمل صليبه ويسير على درب الجلجلة، يعاونه سمعان القيرواني بحمل الصليب.

وأخيرًا يُرفَع على جبل الجلجلة، ويُذبَح على الصليب يوم الجمعة (يو 19/31)، عند الساعة الثالثة بعد الظهر، ساعة يُذبَح حملُ الفصح عند اليهود. فصار المسيح بعد أن ذُبِحَ ومات وقام فصح المسيحيّين الجديد (1كور 5/7).

والصورة الأخيرة التي أحبّ أن اتركها لكم من عند مار أفرام، وبها أختم حديثي عن الحمل الذبيح هي صورة الرموز التي كانت حالّة في هيكل أورشليم، في قدس الأقداس، فلمَّا سَمِعَتْ أن الربّ يسوع وهو على الصليب، قد صرخ صرخة عظيمة وأسلم الروح (متّى 27/50) شقّت حجاب الهيكل، وطارت الى لقائه على الصليب، لتشهد له بأنه هو الحمل الذبيح، الحمل الحقيقي الذي تمّم كل الرموز.

وفي ذلك يقول في أناشيد الفطير 6/11-14:

كلّ الرموز
في قدس الأقداس

 كانت حالّةً
تنتظر مكمِّلَ الكلّ،

فلمّا رأت الرموزُ
شقَّت الحجاب،

 حَمَلَ الحقّ،
وخَرَجَتْ الى لقائه.

كلّ الرموز تجمّعت
لأنها كلَّها بشَّرَت به،

 وحلَّت بكلّيتها عليه،
في كلّ مكان.

به تمّت
كما هو ختم قائلاً:

 الرموز والأمثال،
“ها قد تمّ كلُّ شيء”.

وأنا أتممتُ حديثي، وأنهيتُ محاضرتي، فالشكرُ لكم أجمعين. آمين

دير الشرفة، درعون – حريصا

  في 30/3/2012

الأب يوحنا يشوع الخوري م.ل.

Scroll to Top