Almanara Magazine

مؤسسة وطنية في مجتمع متعدّد: الجيش اللبناني وتجربة فؤاد شهاب

 د. ألكسندر أبي يونس[1]

المقدمة

تطرح الكتابة عن تاريخ الجيش اللبناني مشهدًا منهجيًا فريدصا، إذ يتعشّق تاريخ المؤسسة العام مع تواريخ أوائل ضباطها، وتحديداً تاريخ “الزعيم العام” فيها، نعني اللواء الرئيس فؤاد شهاب، بحيث أن الفصل بين التاريخين، العام للمؤسسة والشخصي للقائد، يبدو عسفًا يأخذ من سيرة وموقع كل من الطرفين: المؤسسة والقائد!

فالنظرة العامة لتاريخ الجيش اللبناني بعد العام 1920، تجعل نشأة هذا الجيش وكأنها موصولة بانتساب مجموعة من أبناء العائلات الموصوفة في لبنان، ومن بينهم فؤاد شهاب، إلى المدرسة الحربية في دمشق، والتابعة للجيوش الفرنسية الخاصة في الشرق. ومع تخرّج هؤلاء الضباط العام 1923، داولوا مراحل تطور الجيش وإنمائه من نشأته الجنينية، عبر ترقّيهم وعبر تعدّد المراكز التي تولّوها، وتعدّد المناطق التي عملوا فيها.

وفي بداية مرحلة الاستقلال يطلّ اسم الزعيم فؤاد شهاب على رأس قيادة القوات العسكرية للدولة الوليدة. نقول قوات عسكرية وليس الجيش اللبناني، كي لا نقع في مطب التطفيف في التوصيف والتعبير، لأن عديد تلك القوات لم يكن ليتعدّى المئات. ولأن عتادها لم يكن ليوصف إلاّ بالقليل والقديم. من هنا كانت للقائد الأول لهذه القوات صفة المؤسس للجيش اللبناني، إذ تابع مع نواة من زملائه الأركان الأول للجيش اللبناني الإشراف على بناء هذا الجيش بقطعاته الكبرى والصغرى، وبمختلف أنواع أسلحته ومديرياته.

إنّ تاريخ الجيش اللبناني، هو جزء من تاريخ لبنان الحديث، وأهميته لا تكمن في عمره الرسمي الذي تجاوز العقود السبعة بقليل، بل في طبيعة دوره المستمد من خصوصية الكيان اللبناني الفريد برسالته الحضارية والإنسانية، والذي يمثّل نموذجًا حيًا لانصهار الثقافات وتلاقي الأديان في إطار العيش المشترك بين مختلف مكوّناته. كذلك فإن أهمية هذا التاريخ، ترتبط إلى حدٍّ كبير، بالظروف الصعبة التي مرّ بها الوطن، وواكبت أداء الجيش، منذ نشأته وحتى اليوم.

فالحاجة إلى الجيشفي مهمة داخلية تتمثّل في تحقيق الأمن الاجتماعي الحياتي.فدور الجيش اللبناني في دولة فتية هو أقرب في مهامه إلى قوى الأمن الداخلي منه إلى قوة قادرة على التحارب مع قوى خارجية. لا سيما في مرحلة كان المجتمع اللبناني يعيش فيها مواجهات دورية مع نزاعات عصبية وأهلية. ومع جماعات لم تتمثل بعد، ما تعنيه سلطة الدولة على صعيد ترسيم حدود الأمن الاجتماعي، كتقييد حرية اقتناء السلاح، ومنع بعض أنواع المزروعات والاتجار بها مثل الحشيشة.

والحاجة إليه أيضًا لترسيخ جانب الأمان الأهلي والسياسي. لأن لقضية عدم تجاوز الجيش اللبناني للحدود اللبنانية، ووقوفه مدافعًا عنها وحسب، أبعادصا واسعة في التوازن اللبناني الداخلي. سيما وأن الواقع اللبناني كان له من الركائز الديمقراطية ما يجعل متّحداته الطائفية وزعاماته السياسية، قادرة على مداولة ومناقشة أي فعل سياسي أو عسكري.

                يتعدّى دور الجيش اللبناني في الدفاع عن حدود وطنه، الى الدفاع عن التماسك الوطني ضد أخطار تداهمه دومًا، لا بل أنها مقيمة في طيّات المجتمع اللبناني، نعني الطائفية البغيضة. والترجمة العملية لهذا الدور الوطني الجامع للجيش، برزت في دوره التنموي والاجتماعي الذي تحدّد باكرًا مع المرسوم رقم 3860/k الصادر بتاريخ 4 أيلول 1945[2] وذلك في مهام وزراة الدفاع الوطني، التي تألّفت من قيادتي الجيش والدرك، ومهماتها إعداد وسائل الدفاع المسلّح لحماية أراضي الجمهورية اللبنانية، والمحافظة على سلامة البلاد من كل تعدٍّ داخلي أو خارجي، وإعداد الأمة والبلاد وتثقيف الشباب لأداء واجب الذود عن كيان الوطن المقدس بتأليف جيشٍ برّي ووحدات جوية وبحرية وفقًا لحاجة البلاد، واتخاذ الوسائل الفعّالة لإعداد مرافق البلاد وتوجيه صناعتها ومنشآتها وفقًا لحاجة الدفاع الوطني.

إنّ تحديد المدماك الأول في البنيان العسكري لمؤسسة الجيش الوطني، يفترضه التاريخ الوطني الأوسع من التقاء حول محور تأسيسي جامع، لا سيما وأن نقطة البدء في التأريخ للجيش، تتعدى ضرورة دقة الكتابة التاريخية في نشوء هذا الجيش. هل نقطة البدء في هذا التاريخ، هي فرقة الشرق، التي ضمّت جماعة من متطوعيين لبنانيين مهاجرين في الأميركيتين وأوروبا ومصر، شاركت في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب قوات الحلفاء في مواجهاتها مع القوات العثمانية، في مناطق من فلسطين ولبنان؟ أو تكون نقطة الانطلاق في تأسيس هذا الجيش، واحدة من التشكيلات العسكرية التي أنشأتها فرنسا منذ العام 1920: الفرقة السورية، أو قوات المشرق المساعدة، أو قوات المشرق المتممة، أو قوات المشرق الخاصة؟ أم تشكّل تلك الفرق جميعها متكاملة، نقطة انطلاق لمؤسسة الجيش اللبناني؟

تاريخ الجيش اللبناني

بدأت الحياة العسكرية في المناطق اللبنانية منذ العهد العثماني مع الفرق الانكشارية، والعسكرة الأهلية، ونظام الجندية. وبرز الدور المحلي في العهد المعني (1516-1697)، وفي العهد الشهابي (1697-1841)، الى أن تأسّست الجندرمة في عهد المتصرفية (1861-1918)، واستخدم اللبنانيون السلاح والذخيرة[3].

عشية إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، كانت المناطق اللبنانية موزّعة في إداراتها ما بين نظام المتصرفية وبين ولايتي دمشق وبيروت. فجبل لبنان متصرفية ممتازة بموجب قانون الولايات العثماني الصادر عام 1864، والمتصرف المسيحي فيه معيّن من قبل الدول الكبرى ويتبع مباشرةً الباب العالي في اسطنبول كالوالي نفسه، وقد انحصرت المهمات الأمنية في الضبطية المحلية. أما بقية المناطق اللبنانية، بيروت، وطرابلس ومحيطها، وصيدا وحاصبيا وجبل عامل والبقاع باستثناء زحلة وشمسطار والهرمل، فقد بقيت تحت الإدارة العثمانية المباشرة، موزّعة في ولاية سوريا التي كانت حدودها تنتهي عند خليج العقبة، أو في ولاية بيروت التي كانت تمتد من اللاذقية شمالاً حتى عكا جنوباً.

ومع نشوب الحرب العالمية الأولى، كان الإجراء الأول الذي أقدم عليه الباب العالي، نقض بروتوكول المتصرفية، وإدخال العسكر العثماني الى جبل لبنان في 22 تشرين الثاني 1914، متخذاً له من عاليه، مقرًّا عسكريًا. بعد انتهاء هذه الحرب وانسحاب تركيا سنة 1918، تحوّلت مناطق سوريا ولبنان وفلسطين إلى “أراضي العدو المحتلة” وخضعت للجيش البريطاني، وقسّمت الى مناطق ثلاث هي:

– منطقة “أراضي العدو المحتلة الجنوبية” (فلسطين بإدارة بريطانية).

– منطقة “أراضي العدو المحتلة الشرقية” (سوريا الداخلية بإدارة عربية).

– منطقة “أراضي العدو المحتلة الشمالية أو الغربية” وتشمل الساحل الممتد من شمالي عكا إلى الاسكندرون وكيليكيا، ويتولّى إدراتها قائد فرنسي. وقد سرّعت فرنسا الخطى لتسلّم إدارة المنطقة الغربية بإرسالها قوات كبيرة إليها حتى وصل الجنرال غورو إلى بيروت في 18 تشرين الأول 1919 على رأس 30,000 جندي ما أدى الى زيادة حدّة التباين في المواقف السياسية الداخلية. أثار وصول جنرال فرنسا فرح المطالبين بدولة لبنانية مستقلّة برعاية فرنسية، مقابل قلق التيار الوحدوي المطالب باستقلال سوريا الكبرى.

تسارعت الأحداث في دمشق مع مقرّرات المؤتمر السوري في 8 آذار 1920، ومناداته بسورية مستقلّة عن أي احتلال أو وصاية، على أن تراعى أماني اللبنانيين الوطنية في إدارة المتصرفية بشرط أن يكون بمعزل عن أي تأثير أجنبي، والمناداة بالأمير فيصل ملكاً دستوريًا عليها. فاعترض اللبنانيون على هذه القرارات، وشكّلوا وفدًا لبنانيًا ثالثًا إلى مؤتمر الصلح بطلب من البطريركية المارونية في بكركي للمطالبة بإنشاء دولة لبنان الكبير، ونظّمت فرنسا حملة عسكرية على دمشق، فوقعت معركة ميسلون في 24 تموز 1920 وانتصر الفرنسيون، وذهب الجنرال غورو إلى قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: “ها قد عدنا”، لأن الأيوبي طرد الصليبيين في القرن الثاني عشر.

بعد معركة ميسلون بادر الجنرال غورو إلى الإعلان عن دول خمس هي: دولة لبنان الكبير، ودولة بلاد العلويين، ودولة حلب، ودولة دمشق، ودولة الدروز في حوران، لكن الدول السياسية السورية الأربع الأخيرة، ما لبثت أن غابت كيانًا إثر كيان، وحده لبنان الكبير، الجمهورية اللبنانية بدءًا من العام 1926، ظلّ قائمًا من بين كل الدول المنشأة، ولا “يتفسّر بقاء لبنان واستمراه بعد زوال الانتداب إلاّ بماضيه الذي أمدّه بكيان خاص، وآل في النهاية بصورة طبيعية إلى تشكّله في دولة. وخلافًا للحالات السورية الأخرى، لم يكن لبنان صنيعًا أوجدته السياسة الفرنسية من عدم، بل كان يستند إلى واقع تاريخي وقانوني يوضح تشكيله الوطني ويميّزه على الخارطة عن سوريا ويجعل له موقعًا مخصوصًا في العالم العربي. لذا لم يكن تأسيس الدولة اللبنانية العام 1920 إلاّ استجابة لمقتضيات تاريخ مديد”[4].

ولتحديد نقطة الأساس في البنيان الوطني للجيش اللبناني، نؤكد بأن تأريخيين أساسيين يشكّلان مَفصَلين محدِّدَين في ترسيمة الكيان اللبناني وترسيمة المؤسسة العسكرية. الأول هو العام 1920، عام الولادة السياسية المعاصرة لهذا الكيان، والثاني هو عام الدستور الأول سنة 1926. إن اعتماد هذين التاريخين، والاقرار بهما تاريخين مفصليّين، يجعل من تحديد نقطة انطلاق تاريخ المؤسسة العسكرية، المسألة الأولى في تحديد المدماك الأول في البنيان العسكري لمؤسسة الجيش اللبناني. وعليه نقول، بأنه إذا كان العام 1920، عام الولادة السياسية، فإن العام 1926 يشكّل مفصلاً أساسًا في ترسيمة الكيان اللبناني. فهو عام الدستور الأول الذي شكّل قاعدة الحياة الدستورية والسياسية للدولة الوليدة، وقاعدة تماسك مكوّناتها السياسية والاجتماعية والطائفية، وقاعدة محاسباتها وتوازناتها الداخلية. وبالطبع يواكب تاريخ الجيش اللبناني، تاريخ الجمهورية اللبنانية، في تقسيمه ما بين مرحلتين سياسيتين، مرحلة الانتداب ما قبل 1943، ومرحلة “الاستقلال التام” ما بعده.

فرقة الشرق

أنشئت فرقة الشرق في 17 تشرين الثاني 1916 بموجب قرار وزارة الحرب الفرنسية. سبقت هذا القرار، دعوات للتطوع في الجيش الفرنسي من قبل شخصيات مقيمة في فرنسا شأن خيرالله خيرالله مؤسس اللجنة اللبنانية في باريس. وقد تمّ الحث على الدخول في فرقة الشرق في الأميركيتين وأوروبا بخاصة من قبل اللجنة المركزية السورية برئاسة شكري غانم. لم يقتصر تطوع اللبنانيين في الجيش الفرنسي، بل أن هناك نخبة من الضباط اللبنانيين في المرحلة العثمانية كانوا قد تطوعوا في الجيش الانكليزي.

كانت فرقة الشرق تعمل لحساب فرنسا، وتألّفت من الانتشار اللبناني، وقد شكّلت مرافئ مرسيليا والهافر وبوردو المراكز الأولى لتجميع أولئك المتطوعين. ثم كانت قبرص وبور سعيد مركزي الالتقاء الأخير، ما بين هؤلاء والمتطوعين السوريين واللبنانيين والمهاجرين الأرمن المقيمين في مصر[5]. وتأتي مسارعة فرنسا إلى تشكيل هذه الفرقة، مع ما تواتر من عروض تقدّمت بها النمسا من البطريرك الماروني الياس الحويك لحماية مسيحيي لبنان، ما دفع بفرنسا إلى أن تضع من بين خططها العسكرية، خطة لاحتلال مدينة طرابلس، لأنها من ناحية أولى تشكّل ثغرة في الوجود العسكري التركي الموزع على منطقتين، كيليكيا وقناة السويس، ومن ناحية ثانية، تأمل بمساعدة آلاف المسيحيين من أهالي إهدن وبشري وزغرتا[6]. وفي العام 1918، تمّ إنشاء السرية 23 في فرقة الشرق التي ضمّت عناصر لبنانية فقط.

الفرقة السورية

بعد تصفية فرقة كيليكيا، لم يبق من فرقة الشرق سوى كتيبة سورية واحدة غير مكتملة تحت إمرة نقيب فرنسي، وكانت تتألف من قيادة الكتيبة، وفصيلة خدمات، ومن السريتين 21 و23. ومع وصول الجنرال غورو إلى بيروت، عمل على إعادة تنظيم القوى المسلحة كلّها لمواجهة الأخطار من قبل الأتراك شمالاً، ومن قبل الحكومة العربية في دمشق، وغيّر اسم فرقة الشرق إلى الفرقة السورية، وعُرفت السريّتان 21 و23 بالأولى والثانية، وفتح باب التطوع[7].

قوات المشرق المساعدة

تختلف قوات المشرق المساعدة عن مثيلاتها من التشكيلات العسكرية التي عرفها لبنان الكبير. تألّفت ملاكاتها من ضباط فرنسيين ومن متطوعين لبنانيين وسوريين دون سواهم من مواطني باقي مناطق الانتداب الفرنسي. وكان بإمكان العناصر المحليّين، أن يترقّوا في سلّم التراتبية، حتى رتبة ملازم أول في سلاح المشاة، وإلى رتبة نقيب في سلاح الخيالة، مع تمتّعهم بحقوق القيادة وامتيازاتها. إن الدوافع الفرنسية لإنشاء هذه الفرقة كانت الرغبة بتنظيم القوات المحلية الموجودة على الأراضي السورية واللبنانية، بما فيها الفرقة السورية، وتسميتها “قوات المشرق المساعدة”[8].

قوات المشرق المتممة

أُنشئت هذه القوات سنة 1925، وهي عبارة عن تشكيلات من المتطوعين الاختياريين، يحدّد المفوض السامي تأليفها وعديدها. وقد أخذ تنظيمها في الاعتبار تخفيف الأعباء اللوجستية والإدارية عنها، كي تتمتع بالحركية والمرونة وسرعة الانتقال. وكانت أعباؤها المادية تؤخذ بمعظمها من الموازنات الوطنية مع أن قياداتها فرنسية[9].

جيوش الشرق الخاصة

أصدر المفوض السامي “بونسو” في 20 آذار 1930 القرار رقم 3045 الذي نصّ في مادته الأولى على ما يأتي: “تدعى الميليسيات Milices المحلية، التي نظّمتها الدولة المنتدبة وفقاً لأحكام المادة الثانية من صك الانتداب، للمدافعة عن الأراضي المشمولة بالانتداب وللمحافظة على الأمن في هذه الأراضي نفسها باسم جيوش الشرق الخاصة”[10]. ورثت هذه الجيوش عتاد مختلف القوى التي سبقتها وعديدها، وارتبطت بها وحدات جديدة، مثل وحدات المدفعية، سرية برقيات خاصة، إدارة مصلحة الإشارة، ووحدات هندسة ونقل، ومصلحة السيارات وسكك الحديد. وهذا ما انعكس زيادة لافتة في عديدها، إذ انتقلت من 9500 عنصر مع بداية تشكيلها إلى 14000 عنصر في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين.

القناصة اللبنانية

يدخل إنشاء القناصة اللبنانية في كانون الثاني 1926، ظاهرًا في إطار المادة الثانية من صك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، التي تحدّد، بأنه “يمكن للدولة المنتدبة، إلى أن ينفذ النظام الأساسي ويعاد الأمن إلى نصابه، أن تنظم القوات المحلية اللازمة المعروفة “بالميليس” (الميليشيا)، للدفاع عن تلك الأراضي وأن تستخدمها في هذا السبيل وفي حفظ النظام. ولا يجند أفراد القوات المذكورة إلاّ من أهل الأراضي المشار إليها. وبعد ذلك تصبح تلك القوات تابعة للسلطة المحلية، مع الاحتفاظ بما يجب أن يبقى للدولة المنتدبة من حق السلطة والمراقبة عليها”[11].

ولكن إحالة سلطة الانتداب الفرنسي الى المجلس النيابي، مشروعًا بإنشاء سرايا “قناصة لبنانية”، وحثّه في العام 1925 على مناقشته وإقراره، تأتي في إطار استجابة هذه السلطات لعوامل وظروف متعددة، منها إقرار الدستور اللبناني، والثورة السورية سنة 1925 وحركات المقاومة للانتداب، واضطراب الأمن في لبنان، وترسيم الحدود اللبنانية، وسحب قطعات من الجيش الفرنسي إلى المغرب.

إذًا، خلال مداولات وضع الدستور اللبناني (1925-1926) أنشئت القناصة اللبنانية التي هي التشكيل العسكري الأول الذي اتخذ من صفة “اللبنانية” تمييزًا وطنيًا له، ويتخذ من اللبنانيين حصرًا، عناصر عديده. ومع إن قيادته العليا، كانت زمن الانتداب بيد الفرنسيين، فإن أغلب ضباطه كانوا لبنانيين من خريجي المدرسة الحربية في دمشق وحمص (أنشئت في لبنان سنة 1946). أما من حيث مراكزه فكانت على امتداد الحدود اللبنانية، وهي كانت تنسق في أعمالها مع قوى الأمن الداخلي. وكانت كتائب القناصة اللبنانية، الفرق العسكرية الأولى، التي كانت بعض الترقيات فيها، تتم بموجب مراسيم تصدر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية. لذلك، تبدو “القناصة اللبنانية”، نقطة انطلاق لنواة الجيش اللبناني، لأنها تشكيل عسكري ينطلق من هوية وأسس لبنانية، وهذا بالضبط ما تتميّز به هذه الفرقة عن كل ما عداها من التشكيلات العسكرية السابقة عليها.

مداولات تكوين الجيش

بدأ الحديث عن تكوين الجيش في العام 1927 خلال مداولات أركان حرب الشرق. فقد قاربت فرنسا “الانتهاء من درس مشروع الميليسيا الوطنية. وهذا المشروع سيفضي بإنشاء جيش وطني مشترك بين السوريين واللبنانيين يقدّر عدده بعشرة آلاف جندي. وسيطلق على هذا الجيش اسم “الجيش المشترك” وتوزع نفقاته المأخوذة من عائدات الرسوم الجمركية[12] بين سوريا ولبنان، فيصيب لبنان من هذه النفقات 47٪، والباقي على سوريا.

بقي هذا التصوّر قائمًا سنة 1928، إذ كانت هناك “عدة مشاريع تتعلّق بنظام هذه القوى العسكرية وضعت بالاشتراك مع هيئة أركان حرب جيش الشرق. ومن هذه المشاريع جعل نظام الميليسيا الوطنية، في سوريا ولبنان، شبيهًا بنظام الجيش الفرنسي، وربط هذه القوى رأساً بقيادة جيش الشرق العامة وتعيين ضباط فرنسيين لقيادتها. أما نواة هذه القوى فستكون في لبنان فرقة القناصة اللبنانية. وفي سوريا فرقة متطوعة الجركس، وربما بلغ عدد هذه القوى في سوريا ولبنان وجبل الدروز عشرة آلاف متطوع”[13].

وقع خلاف بين اللبنانيين حول إنشاء هذا الجيش. فقسم يريدونه جيشًا حرًّا، يتبع الانتدابيين فقط في التعليم والتدريب ويكون مرتبطًا بالسلطة المحلية وراجعًا بكل أموره إليها. وآخرون يقولون إنّ صك الانتداب، أوجب في مادته الثانية، أن يكون للسلطة المنتدبة سلطة على هذا الجيش. وهناك خلاف في التسمية، فالمادة الثانية من صك الانتداب تسمي هذا الجيش ميليسيا والوطنيون يسمّونه جيشًا، وبين الجيش والميليسيا بون شاسع كما يقول العسكريون[14].

وقد عرف النقاش الفعلي، حول الجيش الوطني ذروته في معاهدة 1936، التي ألحقت بها “اتفاقية عسكرية” من سبع مواد، ومنح قواعد عسكرية لبنانية لتمركز القوات الفرنسية البرية والجوية والبحرية في المشرق[15]. وفي بداية سنة 1937، كان الحدث اللافت، إذ جرى تبادل بين الضباط والأنفار اللبنانيين والسوريين الموجودين في الجيش اللبناني والسوري، فانسحب بعض الضباط اللبنانيين من الجيش السوري، كما انسحب السوريون من الجيش اللبناني بناءً على طلب من حكومة خير الدين الأحدب في عهد الرئيس إميل إدّه (1936-1941) الذي أعلن عن رغبته بوجود عسكريين لبنانيين فقط على الأراضي اللبنانية[16]. عمدت الحكومة اللبنانية الى تأليف الجيش اللبناني على أساس 4 طوابير، وفاوضت قيادة جيش المشرق لسحب بقية العناصر اللبنانية من الفرقة السورية. وقد عهد لأحد الضباط بمهمة وضع مشروع لتشكيل الجيش اللبناني الجديد وعرضه على الحكومة بعدما خيّر الضباط والجنود من القناصتين اللبنانية والسورية عمّا إذا كانوا يريدون البقاء في هذه الفرق بشرط أن يحصلوا على جنسية البلاد التي يبقون فيها. فانتقل الجنود كلّ إلى منطقته في 12 شباط 1937، إلاّ الذين فضّلوا البقاء حيث هم على أن يتجنّسوا بجنسية البلاد التي يبقون فيها.

عِبرَة: الجيش اللبناني يدافع عن أرضه ولا يحارب خارجها

تُعلن وثيقة 26 تموز 1941، أشهر وثيقة في التاريخ العسكري اللبناني، موقفًا صريحًا لمجموعة من ضباط الجيش اللبناني في قوات الشرق الخاصة، وقد جاءت غداة إعلان الجنرال كاترو في 8 حزيران 1941، عزم فرنسا على إنهاء عهد الانتداب ومنح لبنان استقلاله التام. وقد كان للدور الهام الذي اضطلعت به سرايا القناصة اللبنانية في معارك ما بين قوات فرنسا فيشي وقوات الحلفاء سنة 1941، أثر بارز في تقدير كفاءة سرايا القناصة القتالية، ما شجّع الفرنسيين في ما بعد، على التفكير بتشكيل وحدة لبنانية تحارب إلى جانبهم في أوروبا. ولكن أخذ العناصر اللبنانيين الى حرب، هم في غربة عن مراميها ومصالحها، لم يكن من السهولة بمكان. وهكذا تنادى جمع من الضباط اللبنانيين، واجتمعوا في ذوق مكايل بتاريخ 26 تموز 1941، وأقسموا اليمين بعدم القبول بالخدمة إلاّ في سبيل لبنان وتحت رايته وبقيادة حكومته الوطنية، وصدر عنهم النص الآتي: “نحن الموقعين بذيله ضباط القطع اللبنانية، نتعهد مقسمين بشرفنا، إننا لن نقبل الخدمة إلاّ في سبيل لبنان وتحت رايته. على ألاّ يكون لنا علاقة إلاّ مع حكومته الوطنية. وأن نعمل لأجل تحقيق هذه الأمنية إلى ما شاء الله. وكل من لا يسلك هذه الطريق يعتبر خائنًا ويشهر به كذلك”[17].

وبعد اعتقال أركان الدولة في تشرين الثاني 1943 وإيداعهم قلعة راشيا، تألفت حكومة بشامون، عندها أمرت قيادة قوات المشرق بالقضاء عليها، فرفضت كتيبة القناصة اللبنانية الأولى المتمركزة في عين الصحة وفالوغا ورفعت العلم اللبناني الجديد على مركزها[18].

مباحثات تسلّم القوات الخاصة

أدى استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني 1943 الى إذعان فرنسا للتحولات الدستورية كما حدّدها البيان الوزاري لحكومة رياض الصلح وأقرّها البرلمان اللبناني في جلسته الشهيرة يوم 8 تشرين الثاني. ولكن طموح فرنسا إلى عقد معاهدة مع الحكومة اللبنانية شأن معاهدة 1936، للحصول على موقعٍ ممتازٍ في الجمهورية اللبنانية، يسمح لقواتها بالبقاء في قواعد عسكرية على الأراضي اللبنانية، قد شكّل خلفية اللقاءات والمداولات الرسمية بين فرنسا من جهة، ولبنان وسوريا من جهة ثانية، والتي كانت تبحث في آلية استرجاع المصالح المشتركة. استمرت المفاوضات حتى سنة 1944، واستمر ربط تسليم القوات الخاصة بتوقيع معاهدة، واستمر في الوقت عينه “رفض السياسيين المحليين قبول أية صلة بين مصير القوات الخاصة وإبرام المعاهدة التي تجنبوا أي التزام بشأنها”[19]. في حين أن إميل إده، أحد مؤسسي دولة لبنان الكبير، كان رأيه معاكسًا للسلطة اللبنانية، فهو ناضل من أجل إبرام معاهدة دفاعية مع فرنسا تحمي لبنان من سوريا و”إسرائيل”، وتحافظ على مصالح اللبنانيين والفرنسيين[20].

بعد أن انتقلت معظم المصالح المشتركة إلى السلطتين اللبنانية والسورية، لم يبق في أيدي الفرنسيين غير القوات الخاصة وجيوش الشرق الخاصة، اللتين عقد الجنرال ديغول العزم عليهما، للحصول على معاهدة تمكّن فرنسا من تحصيل مركز ممتاز. وقد أعلن مجلس الوزراء الفرنسي، رفضه الاستجابة لطلب حكومتي بيروت ودمشق، تسليمهما القوات الخاصة قبل موافقتهما على المعاهدتين المطلوبتين. وقّعت فرنسا مع لبنان بروتوكولاً في 15 حزيران 1944، نصّ على أن تضع السلطات الفرنسية، وحدات من القناصة اللبنانية، معزّزة بمفرزة من المصفحات، تحت تصرف الحكومة اللبنانية المباشرة. وقد جرى التسليم فعلاً في 17 حزيران 1944 بحفلة عرض عسكري أقيمت في الملعب البلدي في بيروت، سلّم في أثنائها رئيس الجمهورية، العلم اللبناني، إلى الزعيم فؤاد شهاب، قائد اللواء الخامس الجبلي. وقد شكّلت هذه الوحدات اللُبنة الأولى في بناء صرح الجيش اللبناني.

بعدها ازدادت المطالبات الشعبية والبرلمانية بالجيش، فأقدمت فرنسا على إنزال فرقة من الجنود السنغاليين في مرفأ بيروت بتاريخ 7 أيار 1945 من أجل تدعيم موقعها، وعمدت الحكومة اللبنانية إلى إنشاء حرس وطني[21] على غرار الحرس الوطني لحكومة بشامون يكون رديفًا للجيش. لكن بعد قصف باريس لدمشق بالطائرات في حزيران 1945، تغيّر الموقف بسبب عزلة فرنسا على المستوى الدولي وتسلّم القوات البريطانية زمام الأمن في دمشق. بعدها، توصّلت فرنسا مع لبنان وسوريا الى اتفاقٍ في 8 تموز 1945، أبدت الحكومة الفرنسية فيه رغبتها بتلبية مطلب الحكومتين السورية واللبنانية بتسليمهما الوحدات العسكرية المؤلّفة من أبناء البلدين[22].

عيد أول آب 1945

انطلاقًا من اتفاق 8 تموز، تمّ تشكيل اللجنة المكلّفة تسلّم الجيش[23]، وبدأ الأطراف اجتماعاتهم في فندق مسابكي في شتورة بتاريخ 12 تموز 1945. وتمّ الاتفاق على أن يجري تسليم القوات الخاصة على ثلاث دفعات: الثكنات وسائر المنشآت في 20 تموز، والقوات العسكرية اللبنانية البالغ عددها 5000 رجل في 25 تموز، وإدارة هذه القوات في الأول من آب. ومنذ ذلك التاريخ، تكرّس هذا اليوم عيدًا وطنيًا لتأسيس الجيش اللبناني، وعيّن الزعيم فؤاد شهاب قائداً له الذي بناه على أسس متينة. وفي أول آب 1945، استعرض رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، أمام وزارة الدفاع التي كانت بالقرب من المتحف الوطني في بيروت (مكان مبنى الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية اليوم)، الوحدات المتفق على تسلّمها، وهي كتيبة القناصة اللبنانية الأولى والثانية والثالثة، وكتيبة المدفعية، ونصف سرية دبابات خاصة، وكوكبة المصفحات رقم 3، وسرية الموقع وسرية مستودع الخيل، وسرية الإنشاءات الهندسية الخامسة، وسرية خدمة الطيران الأولى، وسرية الخيل وسرية عملة الإدارة وفصيل عملة المدفعية. وقد وضعت الثكنات المبنية بأموال المصالح المشتركة في لبنان، تحت تصرف القيادة اللبنانية، وهي مقر وزارة الدفاع الوطني، وثكنات الطرابلسي والأمير بشير و”كرانجه” و”لمبروان” و”غي” ومخازن مار مخايل الإدارية وجميعها في بيروت. ومعسكرا الشياح وبعبدا، وثكنة الياس لاوون في طرابلس، وثكنة بنيامين تاجر في مرجعيون، وثكنة الخيام، وثكنة الخيالة في المية ومية. (تبدّلت أسماء معظم هذه الثكنات)

المخاوف المؤثّرة

حازت مؤسسة الجيش الفتية، “عصمة” وطنية جامعة، فيها من القلق الوطني الداخلي، ومن القلق الخارجي ببعديه الإقليمي والدولي:

1 – انقسام اللبنانيين طائفيًّا وسياسيًّا ما بين وجهتي نظر الرئيسين بشارة الخوري وإميل إده.

2 – كما في كل دولة حديثة العهد بالاستقلال، حيث تكون سنواتها الأولى رهينة مآزق وصعوبات في السياسة والتنمية والإدارة، كان لبنان رهينة كل ذلك، إضافة إلى ما يعتمل في داخله من عثرات الطائفية ومطاعنها.

3 – من صُدَف السياسة في لبنان، تطلّع الرئيس الأول في دولة الاستقلال، الشيخ بشارة الخوري، إلى تجديد ولايته الرئاسية، ما يفسح المجال للرؤساء لاحقًا بتجديد ولايتهم. وكان هذا الأمر يفترض تعديلاً دستوريًا، يستوجب موافقة أكثرية أعضاء المجلس النيابي. ونتائج الانتخابات النيابية هي المحدّد الوحيد لذلك. من هنا، كان العهد يجهد في العمل على تحصيل ترسيمة نيابية، تؤمن له السير في مسعاه للتجديد.

4 –  كانت حرب فلسطين سنة 1948، عامل فرز للمواقف السياسية داخل الاجتماع اللبناني، طوائف وأحزابًا، ما بين فريق أول، مؤيّد جارف في دعوته لكي تخوض الجمهورية اللبنانية هذه الحرب، دون الالتفات إلى حسابات في العسكرة ومتطلباتها. وفريق ثان، يدعو إلى التريث والاحتساب. وفريق ثالث يدعو إلى اجتناب هذه الحرب.

5- قضية فلسطين، والحرب اللبنانية (1975-1990) وانقسام اللبنانيين بين وجهتي نظر حول كيان لبنان، وهويته، وسياسته الخارجية، وصلاحيات طوائفه، ومخاطر توطين الفلسطينيين والسوريين، وبورصة ديموغرافيته المؤثّرة على نظام حكمه، والارتهانات الخارجية.

6 – عرفت العلاقات بين الدول العربية بعد الحروب العربية-الإسرائيلية، علاقات ارتباط جَماعية أو ثنائية عديدة. فقد أنتجت اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، بدءاً من 30/10/1949، “معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية”. وكان على لبنان أن يحدّد موقفه ما بين هذه التيارات العربية، المتناقضة في مواقعها وفي مواقفها من مراكز الفعل السياسي الدولية، وأن يلتزم بمقرّرات الجامعة العربية التي ساهم بتأسيسها، وزاد الأمر تعقيداً بعد معاهدات السلام بين العرب و”إسرائيل”.  

7 – على الصعيد الدولي، كان هناك أحلافٌ عسكرية وكباش ما بين المعسكرين: “العالم الحر” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي.

                هذه الأحداث والتحركات الداخلية اللبنانية والعربية والدولية، كانت تتعدى وجوهها في لبنان، من أزمات سياسية، إلى أزمات هويّة وانتماء، فتعود دائمًا وتتكرر مقولة ميشال شيحا بأن “النفيين لا يصنعان وطنًا”، لتقود المداولات والملاسنات السياسية والطائفية. كل هذه القضايا السياسية الداخلية والعربية والدولية، كان لها حساباتها العسكرية بالتأكيد، والسؤال هو الآتي: في خضم هذه الصراعات الواسعة في امتدادها الأفقي على مساحة الطوائف في لبنان خلال المرحلة الزمنية 1945 – 2020، ثم في امتدادها العمودي لأنها تطال أسس الولاء والانتماء والهويّة الوطنية، ماذا كان عليه موقف الجيش من الأزمات الوطنية التي عصفت في مفاصل البنية السياسية الداخلية؟ ثم، كيف استطاع الجيش اللبناني المجانِب للعمل السياسي والبعيد كاملاً عنه، من أن يكون “المفصل” السياسي الأول، الذي يدور حوله مصراعا الوحدة الوطنية؟

معركة المالكية

عاش لبنان كل المفاعيل السياسية والاجتماعية والاقتصادية للصراعالفلسطيني-الصهيوني، ومن ثمّ لاحقًا العربي-الإسرائيلي. وكان من أمر ديمومة هذه المعايشة، أن غدت المنطقة الحدودية الجنوبية اللبنانية، القاعدة الخلفية للحراك السياسي والإمداد العسكري للفلسطينيين. وكان كذلك، أن صار بعض الحراك الداخلي السياسي اللبناني، يجد مقدحًا مباشرًا له، في أحداث موازية كانت تدور في الداخل الفلسطيني.

ولم تخرج المواقف الرسمية والشعبية اللبنانية سنة 1948، عن هذا السياق الممتد في تفاعله مع القضية الفلسطينية. لا بل أن إقامة الكيان الإسرائيلي، جعلت الفكر السياسي اللبناني، في قاعدته الوطنية العريضة، في موقع المواجهة الدائمة مع الفكر الصهيوني: “عندما يصبح للصهيونية قوة في فلسطين، لن يبقى أمامنا إلا الهجرة أو الموت“. كلمة قالها المفكر اللبناني ميشال شيحا، في مهرجان لدعم فلسطين عقد في طرابلس في 15 أيار 1949. ووجود لبنان بلداً متعدد المتحدات الطائفية والوطنية المتعايشة، يتناقض، بالقطع، مع الكيان الإسرائيلي بأسسه الصهيونية.

ولكن الأساسي هذه المرة، أن هذا التكافل اللبناني مع حرب 1948، راح يتم بتزكية وتغطية وتدبير مباشر من مؤسسات الدولة اللبنانية، والمتمثلة، في ناحية أولى على الصعيد السياسي، بالتحركات الواسعة التي كان يقوم بها الرئيسان بشارة الخوريورياض الصلح بخاصة إدخال اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان مما أثّر سلبًا عليه. والمتمثّلة في ناحية ثانية على الصعيد العسكري، بالنزول المباشر للمؤسسة العسكرية اللبنانية إلى ميدان القتال والنار.لقد وجدت السلطات اللبنانية نفسها، مع قضية فلسطين وحرب 1948، أمام محكّين قاسيين:

  • الأول: الدفاع عن حدود لبنان أمام الأطماع الصهيونية في أرضه ومياهه.
  • الثاني: تأدية لبنان التزاماته تجاه القضية الفلسطينية، كما تحدّدت في مقررات مجلس جامعة الدول العربية بدءًا من قمة أنشاص سنة 1946.

وقد توجّهت الأنظار نحو مساهمة الجيش اللبناني في حرب فلسطين ودوره مع النكسة العسكرية والسياسية والقومية التي أصابت الجيوش العربية نهاية هذه الحرب. يقول حميد فرنجية: “ليس من العدل ولا من الحق بأن نحمّل حكومة بيروت مسؤوليات حكومات بغداد وعمان ودمشق والقاهرة وغيرها من الدول. وأطلب من الذين يتكلّمون عن فلسطين أن لا يستغلّوا هذه القضية المقدسة كسلاح في أيديهم، وأن ينصفونا ولا يحملونا مسؤوليات غيرنا. فقضية فلسطين خسرت لسبب من اثنين: إما لتقصير عسكري أو لخلاف سياسي. والتقصير العسكري لم يحصل منّا نسبة لقدرتنا، والخلاف السياسي كنا نتداوله بين الدول العربية وعملنا على تلافيه ولم نزل”[24]

ونسارع هنا إلى القول، أن الانقسام السياسي الذي كان يدور في الساحة اللبنانية عشية حرب فلسطين سنة 1948 وبعدها، وتقلّب مواقف الحكومة اللبنانية في بورصة مرامي السياسة الداخلية وتوازناتها وأبعادها، لم يبدّل أبداً في الموقف الرسمي للبنان، من حيث المساهمة بقدر طاقاته العسكرية والسياسية والوطنية، في مداولة الصراع العسكري في فلسطين[25]. ففي 5-6 حزيران 1948 وقعت معركتا المالكية وقَدَس وانتصر الجيش اللبناني فيهما، لكنه سلّمهما إلى جيش الإنقاذ العربي الذي خسرهما أمام العدو الاسرائيلي. وإنّ انسحاب الجيش اللبناني من المالكية جاء نتيجة عقيدته التي تمنعه من احتلال أي أرض خارجية.

كانت حرب 1948، التجربة العسكرية الأولى للجيش اللبناني في الدفاع عن حدوده الجنوبية، والمساهمة اللبنانية الأولى في عمل عسكري عربي جامع. وهي تجربة لم تزل إلى اليوم، الأكثر غنى في مسيرة الجيش اللبناني، مع كلفة عالية من الشهداء والجرحى. فليس لافتاً، من بعد، أن يتكرّس هذا الموقف اللبناني المشرف في براءة عسكرية باسم “ميدالية فلسطين التذكارية”. يمنحها وزير الدفاع الوطني، كما تحدّد المادة الرابعة من المرسوم رقم 13294/k تاريخ 4/10/1948، “بناء على اقتراح قائد الجيش لجميع العسكريين (من ضباط وصفوف ضباط وأفراد) الذين اشتركوا أو ساهموا في الأعمال الحربية في فلسطين”.

اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية

أصدر العرب بيانًا في القاهرة غداة المأزق العسكري على الجبهتين الجنوبية والشمالية، مهّد إلى الموافقة على وقف إطلاق النار. ومع توقف العمليات العسكرية على الجبهة المصرية، وانتهاء عملية حيرام مطلع تشرين الثاني 1948، اتخذ مجلس الأمن القرار رقم “62”، في 16 تشرين الثاني 1948، “دعا فيه الأطراف المتورطة في النزاع في فلسطين إلى التفاوض مباشرة، أو من خلال الوسيط الدولي، للتوصل إلى هدنة تشتمل على خطوط هدنة دائمة يمنع اجتيازها، وتخفيض وانسحاب للقوات المسلحة، بغية الانتقال إلى السلام الدائم في فلسطين. خلال شهر كانون الأول 1948، استجاب لبنان، أسوة بمصر والأردن ولاحقًا سوريا، لدعوة مجلس الأمن بعد أن قبلت إسرائيل هذه الدعوة”[26].

كانت جهود الوسيط الدولي رالف بانش[27] باكرة في حثّ الطرفين اللبناني والإسرائيلي، على المباشرة في مباحثات لبحث كيفية الانسحاب الإسرائيلي من القرى اللبنانية التي احتلّتها. وكان أوّلو الأمر في لبنان يشترطون للدخول في مباحثات الهدنة مع إسرائيل، جلاء جنودها عن القرى الجنوبية، ويتمسكون في ذلك بالمبدأ المعروف: لا مفاوضة إلاّ بعد الجلاء. فيجيء الردّ الإسرائيلي، بأن جنودهم لن يجلوا عن قرى لبنان، إلاّ إذا جلت سوريا عن أرض فلسطين، وعن بعض المستعمرات الصهيونية التي تحتلّها”[28]. وبالفعل، توصّل الطرفان اللبناني والإسرائيلي في 14 كانون الثاني، إلى اتفاقية عسكرية، تنسحب “إسرائيل” بموجبها من بعض القرى اللبنانية التي احتلّتها[29]. وبالفعل انسحبت من خمس قرى حدودية، كانت قد احتلتها من بعد عملية حيرام نهاية تشرين الأول. وتحدّث الرئيس بشارة الخوري عن ضغوطات فرنسية، لإجبار “إسرائيل” على إخلاء هذه القرى[30].

مثّل الجانب اللبناني في المفاوضات مع “إسرائيل”[31]، المقدّم توفيق سالم والرائد جوزف حرب، والسفير محمد علي حمادة مستشارًا سياسيًا من السلك الخارجي، وأنيس صالحمستشارًا قانونيًا، ومنح راسيمترجمًا. أما الجانب الإسرائيلي، فكان مؤلفًا من المقدّم مردخاي ماكليف ويهوشع يلمان وشبطاي روزين. “مشت المحادثات ببطء ولم تتقدّم إلاّ بعد سبعة أيام، إذ قُبِلت النقاط التي تشبث بها الجانب اللبناني، وهي:

1 – الحدّ الفاصل بين الجيشين هو خط الحدود الدولية المعروفة.

2- لا يُؤتى على ذكر جنود سوريين في الأراضي اللبنانية، بل يُكتفى بالقول أن الفريقين يتركان قوة رمزية على الحدود، ويتعهدان بعدم مهاجمة أحدهما الآخر أثناء الهدنة الدائمة.

3 – ذكر العبارة التالية في متن الاتفاق: “لا يمس المطالب المتعلقة بفلسطين إلى حين تقرير الحل النهائي لقضية القطر الشقيق”[32].

وقّعت الإتفاقية، وتحدّد خط حدود الانتداب خطًا للهدنة. و”بينما الاتفاقيات العربية-الإسرائيلية الثلاث، المصرية، الأردنية والسورية، رسمت خط الهدنة بكثير من الدقة، بتحديد النقاط التي يمر فيها، مضافًا إليه المناطق العازلة المنزوعة السلاح حيث كان ضروريًّا؛ نرى أن الاتفاقية اللبنانية–الإسرائيلية، لم تكن بحاجة إلى عناء لرسم هذا الخط. بل على العكس، فقد جاء النص صريحًا غير ملتبس، ومعترف به دوليًا، وهو الحدود القائمة بين لبنان وفلسطين”[33]. من الواضح أن المفاوضين الإسرائيليين، قرروا أثناء مفاوضات الهدنة الحصول إما على الليطاني أو على الاتفاقية، وليس الإثنين معًا. وحين بدأت محادثات الهدنة في كانون الثاني 1949، مع لبنان برعاية الأمم المتحدة، أظهرت إسرائيل استعداداً بل لهفة لتبادل الأراضي، وانسحبت بسرعة من أربع قرى لبنانية مقابل انسحاب لبناني من الجهة الفلسطينية لرأس الناقورة.

أما فهم لبنان لأبعاد هذه الاتفاقية، فقد أوضحه مدير الخارجية العام فؤاد عمون، في لقاء مع المراسلين اللبنانيين والأجانب، عقده لتوزيع النص الرسمي للاتفاقية: “إن للاتفاق غايتين:

أولاً: جلاء القوات اليهودية عن القرى اللبنانية بعد أن خرقت الهدنة الثانية. وقد تحقق ذلك واعتبرت الحدود بين فلسطين ولبنان، حدود الهدنة الدائمة، وأن الجلاء من الجانبين يبدأ فور التوقيع. كما أن القوات العسكرية اللبنانية تجلو بدورها عن الأراضي التي تحتلّها.

ثانيًا: تنفيذ قرار مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، نظرًا لحرص لبنان على تنفيذ مقررات الهيئة التي ينتمي إليها وساهم في تأسيسها، ولأن لبنان بلد يحرص على تنفيذ القانون الدولي.

الجيش اللبناني وأزمة الحكم سنة 1952

ساهمت أحداث النصف الثاني من سنة 1947 ونهاية سنة 1951، في مسح “عَصف” جريمة تزوير انتخابات 25 أيار سنة 1947، وترحيل ردّات فعل المعارضة على خسارتها هذه الانتخابات، حتى مطلع سنة 1952. إذ كان من غير الجائز، والقضية الفلسطينية في عز معاركها العسكرية والسياسية، بدءًا من منتصف سنة 1947، أن يقتطع تجديد ولاية الرئيس خوري محلاً في مداولات المصير الوطني اللبناني والعربي القائم. ثم كانت محاولة الانقلاب السوري القومي في 3 تموز 1949 وما تلاها من تداعيات. ثم كان اغتيال الرئيس رياض الصلح. بسبب هذه العوامل اندلعت الثورة البيضاء التي أدّت الى تظاهرات وإضرابات عمّت لبنان من أجل استقالة الرئيس بشارة الخوري.

لقد وجدت الهيئة السياسية اللبنانية، موالاةً ومعارضة، في الجيش اللبناني، نقطة التوازن الدقيقة التي تنعقد عندها مواقف الأطراف كافة، في مواجهة هذه الأزمة الوطنية العميقة. ووجد الجيش اللبناني نفسه، لأول مرة، مجبرًا على أن يتولّى مسؤولية سياسية، لطالما كان يبتعد عن مداولة أي دور فيها. ففي مرحلة باكرة من مراحل الصراع بين الموالاة والمعارضة، كانت البلبلة قد بلغت في البلاد حدًّا جعل الرئيس بشارة الخوري يفكّر في الاستقالة، وقد فاتح بذلك قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، محبّذًا لو يكون هو نفسه الرئيس الخلف[34]. والشعور عينه ظلّ قائمًا في اعتبارات الرئيس بشارة الخوري، حتى في لحظات تسليمه السلطة للواء فؤاد شهاب، رئيسًا للحكومة الانتقالية[35].

وفي فترة عرض الرئيس بشارة الخوري مساعدة اللواء فؤاد شهاب في الوصول إلى سدة الرئاسة فيما لو أراد اللواء ذلك، كان الحديث سيّارًا حول ضرورة اللجوء إلى الجيش، للخلاص من التبعات الثقيلة للأزمة القائمة. لا بل أن جورج نقّاش، أحد أعمدة الإعلام والصحافة، كتب في الأوريان “مقترحًا حلّ المجلس وإقامة ديكتاتورية عسكرية يساندها الجيش”. ومن ناحيتها كانت الصحف الموالية تتحدث عن “انقلاب عسكري منتظر وقوعه”[36].

وفي مطلع أيلول كانت الترجيحات قائمة، مع تعقيدات الاشتباك السياسي الداخلي، حول التوجه إلى تشكيل حكومة عسكرية، أو على الأقل تشكيل حكومة يكون لقيادة الجيش فيها حصة وزارة الدفاع، بينما صحف أخرى قالت إن اشتراك الجيش لم يبحث مطلقًا، لأن المسؤولين عن الجيش عارضوا كل تدخّل منه في الشؤون المدنية[37].

ظلّت القيادة العسكرية على موقفها، من ضرورة عدم الاشتراك في الحكم طرفًا في الأزمة السياسية الدائرة. فالجواب حول هذا الأمر كان جاهزًا في ردود اللواء شهاب، إذ قال “عندما فاتحه ضباط كبار بترشحه لرئاسة الجمهورية خلفًا لبشارة الخوري، انتفض قائد الجيش مصرًّا على عدم دخول المؤسسة العسكرية، طرفًا في النزاع الناشب بين الرئيس ومعارضيه وطرفًا في التسوية، ساعيًا إلى إبقائها بعيدة من امتحان كهذا. خاطب حينذاك رئيس الأركان الزعيم توفيق سالم، العارف بانتقال الخلافة إلى كميل شمعون: “إذا فتحنا بابًا أصبح مزرابًا. أي أن كل الناس، وكل الضباط، يريدون عندئذٍ أن يمرّوا من هذا الباب. لا أريد هذه السابقة”[38].

ثورة 1958 ووصول شهاب للرئاسة

“تواطأ” اختلافُ متحدات المجتمع اللبناني، معطوفًا على المواقف العربية والدولية، على زجّ الجيش اللبناني في معترك العمل السياسي، في مرحلة باكرة من عمر الاستقلال. وقد شكّل هذا الجيش، في “حياده السياسي” بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، “وليّ” الوطنية في أزمات مفصلية من التاريخ السياسي المعاصر للبنان، شأن أزمة 1952 وأزمة 1958 التي اندلعت بين فريقين لبنانيين على أثر حلف بغداد، وعلى الصلاحيات ما بين رئاسة الجمهورية والحكومة، وقد استطاع الجيش إخماد الفتنة، وحماية مؤسسات الدولة وضمان حق المتظاهرين في التعبير عن رأيهم. وعلى أثرها، جرت تسوية مصرية-أميركية وصل على أثرها شهاب إلى سدّة الرئاسة بعد محاولات عديدة لإقناعه من أجل وقف أحداث 1958.

لقد كان على الرئيس فؤاد شهاب، مع وصوله إلى سدة الرئاسة، إنهاض الوضع، ومعالجة نتائج أحداث 1958، أي أن يكون رئيس الترميم والتعمير[39]. “فالمهمة التي تنتظره صعبة. عليه أن يعيد تجميع القطع المبعثرة لبلد لامس الغرق، وإعادة هيبة الدولة في كل مكان، وتصحيح العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة، والمحافظة على الحياد بين الدول العربية وبين الكتلتين العالميتين”.

وقد شكّلت هذه الأمور الخطوط الكبرى لخطاب القسم في 23 أيلول 1958: “إن إقرار الأمن وحكم الدولة في جميع المناطق اللبنانية، ونزع السلاح من أيدي اللبنانيين كافة دون تمييز وبلا هوادة، وإعادة الحياة والنشاط إلى الاقتصاد اللبناني، وبناء ما تخرب من مرافق البلاد ومعالمها، وإزالة التوتر في العلاقات بين لبنان وبعض شقيقاته العربيات، ولا سيما تلك التي تجاوره، وفوق هذا كله تحقيق انسحاب القوات الأجنبية، من أرض الوطن بأسرع وقت، إنما هي القضايا الملحة التي يتطلب حلّها تصميم المسؤولين الكامل، وحزمهم الأوفى، وعنايتهم الدائبة”[40].

كان اللواء فؤاد شهاب قد تضلّع من السياسة الداخلية اللبنانية، وخبرها “مراقبًا” من على شرفة تجربته العسكرية الطويلة، ضابطاً أولاً بين رفاقه، ومن ثمّ قائداً لجيش لبنان المستقل: “عندما كنت قائداً للجيش، مكثت سنوات عديدة على الشرفة أراقب كل ما يجري. لقد اطلعت على أمور كثيرة ولم يخفَ عليّ شيء، وأعرف الكثير عن اللعبة السياسية، ويمكنني تقييم رجال السياسة جميعاً لأنني راقبتهم وعرفتهم جيداً. وما رأيته أزعجني، وزرع فيّ خوفاً كبيراً على مصير هذا البلد ومستقبله. نحن لم نتمكن بعد من بناء وطن بمعنى أمة، يجب أن نسعى إلى إنشاء دولة سليمة، حتى إذا تمكّنا من ضم اللبنانيين إليها، يصبح ممكنًا أن نرتقي إلى وطن. أريد منكم أن تساعدوني لإقامة دولة بالمعنى الصحيح”[41].

فمن خبرته في الحياة العسكرية، استخرج اللواء فؤاد شهاب دروسًا ثمينة، لصلته الوثيقة بضباط الصف والجنود الوافدين في معظمهم من الأطراف. فقد أدرك شهاب الآثار الاجتماعية والسياسية للتفاوت بين المناطق، ما فسّر له السهولة التي تمرّد بها سكان تلك المناطق على الدولة وسلطاتها الشرعية. أماالجانب الخارجي في توجهات نظرة الرئيس فؤاد شهاب، فكان في العودة إلى النهج المستوحى من الميثاق الوطني، كما سارت عليه القيادات اللبنانية في سنوات الاستقلال الأولى، أي السياسة العامة التي تتقاطع بشكل وثيق وواثق مع المواقف العربية بعامة، مع الحياد التام بين المحاور العربية والعالمية المتقابلة، مع الإصرار على مبدأ “أساسي آخر ألا وهو ارتهان السياسة الخارجية بالتوازن الطائفي وبمقتضيات الوحدة الوطنية”.

ولم ينس شهاب، أن يكون للجيش في خطاب القسم لفتة خاصة: “ولا بد لي، أخيرًا، من كلمة أوجهها إلى جيشنا الحبيب: لقد رافقته ينشأ، ويترعرع، ويزهو، وعملت في سبيله ما استطعت. كان له الفضل الأكبر في سلامة الكيان والمحافظة على معاني الدولة، واستمرار الحياة على أساس الديمقراطية والحرية والمحبة”[42]. كان يجد الرئيس في مواقف المؤسسة العسكرية الإطار العام الجامع. لذا وجدت الشهابية في المناقبية الوطنية للمؤسسة العسكرية، المناقبية بمعنى البعد عن فتات السياسة اللبنانية وصغائرها، ذخيرتها السياسية الوطنية. وهذا بالضبط ما دفع بالصحافي اسكندر رياشيإلى الكتابة: “من المؤكد أن شمعون، كان يعرف أن الجيش اللبناني، لا يقع إلا بالاسم تحت سيطرة الدولة. فالجيش الذي يشكّل أقوى سلطة بالبلاد، كان قد استقل يومئذٍ وأنشأ لنفسه دولة ضمن الدولة، بعيدًا عن كل مساومة وحزبية وسياسة، واستطاع قائده الأمير فؤاد شهاب، ضبط أمور الجيش كلّها في يده. وكان اللواء يحاذر دومًا، ومنذ تسلم القيادة، زجّ جيشه في السياسة ومشاغباتها وتآمرها. وعلى هذا اعتبر اللواء أن الثورة التي وقعت سنة 1958 كانت داخلية، أي ثورة لبنانيين محكومين على لبنانيين حاكمين، يجب أن يتدبر الجانبان أمرها دون جرّ الجيش إليها[43].

كانت سيرة اللواء فؤاد شهاب، ضابطًا وقائدًا وتاليًا رئيسًا، سندًا للشهابية. فلم يكن صدفة بالتالي، أن ترى مجلة نيوزويك الأميركية فيه: “عسكريًا يختلف عن بقية العسكريين الذين وصلوا إلى السلطة في العديد من الدول العربية والآسيوية”[44]. فليس من غضاضة في سيرة القائد، أن يبقى على مقاعد تلقي المعرفة، ممن عركتهم التجربة، حتى ولو كانوا في الدرجات الدنيا من سلم التراتبية. ولم يكن غريبًا عنه التعامل بدقة، مع المحددات التي تجعل من أغراض معينة، وفي ظروف معينة، مملوكات شخصية فردية، أو تجعل من الأغراض نفسها، ملكية عامة للدولة منها “الحق الأول والأخير”[45]. وأخيرًا، لم يكن غريبًا عنه رئيسًا للجمهورية، أن يقول لموظف لديه في القصر الجمهوري: “يا بني، رفعت صوتي في وجهك لأن حجتي كانت ضعيفة”[46]. لكن شهاب، على الرغم من بنائه دولة المؤسسات، اعترف بأنه لم يستطع القضاء على “أكلة الجبنة”، والمشكلة في لبنان تكمن في غياب العدالة الاجتماعية.

قوام الجيش حاليًا[47]

أثبت الجيش على أنه ميزان الداخل اللبناني، لذلك غيّب دوره ومنع من القيام بواجبه خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) التي اندلعت بمؤامرة داخلية وخارجية بدأت حين تمّ إضعاف المكتب الثاني. لكن سرعان ما وحّد الجيش صفوفه بعد انتهاء الحرب في العام 1990، وأصبح مثالاً للمؤسسات الناجحة من خلال إعادة بناء مؤسسته، واتّباعه القانون والنظام، فأعاد الاستقرار إلى لبنان على الرغم من تعدّد المجتمع اللبناني وانقساماته، وأثبت أنّه الوحيد وطنيًّا، والعمود الفقري للدولة اللبنانية التي وحدها تحمي جميع مكوّناتها. لقد سقط الكثير من الشهداء في صفوف الجيش اللبناني خلال مدافعاته عن لبنان واللبنانيين، وأثبت قدراته القتالية العالية لكن ينقصه السلاح المتطوّر. وحاليًا يتألّف من:

1- قيادة الجيش وتشمل الأركان والأجهزة ومديريّتي المخابرات والتوجيه الذين ينظّمون عمل الجيش ويؤمّنون سبل تطوّره.

2- القوات البرية وتتألف من ألوية مشاة مؤلّلة، وأفواج تدخّل، وفوج مغاوير البرّ، وفوج المجوقل، وفوج مغاوير البحر، فوجي مدفعية، فوج المضاد للدروع، ولواء الحرس الجمهوري، الطبابة العسكرية، لواء الدعم، اللواء اللوجستي، الشرطة العسكرية، فوج الأشغال المستقل.

3- القوات البحرية وقواعدها في بيروت وجونية.

4- القوات الجوية وقواعدها في بيروت ورياق والقليعات.

5- قيادات مناطق عسكرية.

6- المعاهد والمدارس (كليّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان- الكلية الحربية- معهد التعليم- المركز العالي للرياضة العسكرية- مدرسة التزلج- معسكرا خدمة العلم في الوروار وعرمون).

مهمات الجيش الأمنية والدفاعية

أ- حفظ أمن داخلي

قام الجيش منذ تأسيسه بحفظ الأمن في كافة المناطق، وملاحقة العصابات وإلقاء القبض على أفرادها، وحماية المؤسسات الرسمية أثناء الاضطرابات الداخلية، وحماية مراكز الامتحانات الرسمية والانتخابات النيابية، وإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة. كما استطاع بسط الأمن على كافة الأراضي اللبنانية بعد تحرير الجنوب سنة 2000، وانسحاب القوات السورية عام 2005، وتمركز على طول الخط الأزرق على الرغم من تحفّظه على بعض نقاطه، وباشر بنزع الألغام التي زرعها العدو والتي خلّفتها الحرب في لبنان.

ب- إفشال محاولات الانقلاب

أفشل الجيش المحاولة الانقلابية الأولى للحزب القومي السوري سنة 1949، والثانية التي قاموا بها بالاشتراك مع ضباط وعساكر من الجيش اللبناني في 31 كانون الأول 1961. وفي العام 1976 لم ينجرّ معظم عناصر الجيش وراء المحاولات الانقلابية التي قام بها بعض الضباط خلال الحرب اللبنانية.

ج- معارك ضد العدو الإسرائيلي

صدّ الجيش والشعب اللبناني اعتداءات العدو الإسرائيلي، منها في سوق الخان سنة 1970، وعلى محوري بيت ياحون-تبنين، وكفرا-ياطر سنة 1972، وفي صور سنة 1975، وعملية الليطاني سنة 1978 التي أدّت إلى تكوين قوة حفظ سلام في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وبوجه عملية السلام للجليل سنة 1982، وعملية تصفية الحسابات سنة 1993، وعناقيد الغضب سنة 1996، إلى أن حرّر لبنان سنة  2000 ودافع عنه في حرب تموز 2006.

د- محاربة الإرهاب

واجه الجيش اللبناني مجموعة إرهابية في الضنية سنة 2000، وفي نهر البارد سنة 2007، ومجموعات إرهابية في الشمال والبقاع ورأس بعلبك سنة 2017، وألقى القبض على العديد من العناصر المتطرفة التي كانت تخطّط للقيام بأعمال تخريبية في لبنان.

هـ مواجهة الفصائل الفلسطينية المسلّحة

عمد الفلسطينيون إلى مهاجمة الإسرائيليين انطلاقًا من الأراضي اللبنانية الأمر الذي يُعتبر خرقاً للسيادة اللبنانية ما أدى إلى مواجهات بين الجيش والفدائيين. فوقّع الطرفان سنة 1969 اتفاق القاهرة الذي نظّم العمل الفدائي الفلسطيني في لبنان، وتنازلت الحكومة اللبنانية بذلك عن سيادتها، عندها قال الرئيس المصري عبد الناصر لقائد الجيش اللبناني العماد إميل بستاني العبارة التالية: “كِدا كتير”، بإشارةٍ الى عدم حصول ذلك في التاريخ أن تتنازل دولة عن سيادتها وأمنها القومي لصالح منظمة أو حزب. هذا الأمر أدى إلى مواجهات عسكرية بين الجيش والفدائيين ما بين عامي 1972 و1982.

الدور الإنمائي والاجتماعي والتكنولوجي[48]

العمل التنموي للجيش هو من صلب عقيدته، لذا قام بإنشاء مديرياتٍ ومؤسساتٍ لوجستية وإعلامية وثقافية واجتماعية واقتصادية ورياضية وقضائية ومالية اعتبرت موازية لوزارات الدولة. من هذا المنطلق، بدأ الجيش ينخرط في المجتمع أكثر فأكثر، متمايزًا عن باقي مؤسسات الدولة، معتمدًا سياسة المساهمة في إنماء جميع المناطق اللبنانية بشكلٍ متساوٍ ومتوازنٍ وعلى جميع الأصعدة، بخاصة تلك المناطق النائية والبعيدة التي تعاني التخلف والجهل والحرمان. كان لا بدّ من أن يكون للجيش دوره التنموي في دولة حديثة وبعد الحرب الأهلية، باعتباره المؤسسة الأولى التي كانت أكثر تماسكًا في بنيتها الداخلية، والأكثر اطلاعًا ومعرفة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية جرّاء تواجدها على مساحة الوطن اللبناني، والأكثر دراية بتفاوت حاجات المناطق نتيجة تبدّل إقامتها في هذه المناطق مع التشكيلات الدورية التي تحتّمها طبيعة المداورة في الإقامة وتبديل المواقع للفرق والتشكيلات العسكرية وبناء الثكنات.

عمد الجيش إلى شق الطرق وتحسينها، والاهتمام بأعمال الهاتف والتلغراف وإنشاء كليّة ضباط اللاسلكي، وبناء وترميم الجسور، والتحريج والتشجير، وتأسيس الدفاع المدني، والتعاون مع الجمعيات الإنسانية المحلية والدولية كالصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتوزيع مياه الشفة على المناطق، والنهوض صحيًّا في مختلف المناطق، والتلقيح ضد الأمراض السارية، والتبرع بالدم، وتأسيس إذاعة الجندي، ومجلة الجندي اللبناني و”الجيش” وصدى الثكنات ومجلة الدفاع الوطني، والمكتبات العسكرية، والمتحف العسكري، والاهتمام بالتعليم، والتنقيب عن الآثار وحمايتهم، وصناعة صواريخ الأرز 1 حتى 8 (1960-1964) المتوسطة المدى بالتعاون مع جامعة هايكازيان، لكنه توقف عن صناعتها بعدما تلقّى الرئيس فؤاد شهاب في العام 1964 رسالة من نظيره الفرنسي شارل ديغول وفيها نصيحة فرنسية مضمونها ما يلي: “لقد أثبتم قدراتكم في المجال العلمي، وإنه لا داعي لتعريض لبنان إلى الخطر”[49].

وأصدر الجيش كتاب التنشئة الوطنية، وأقدم على التدريب العسكري في المدارس وإقامة مخيمات التوعية، والإغاثة في حالات الفيضانات والسيول والزلازل والعواصف الثلجية، ومكافحة موجات الجراد، وإخماد الحرائق، وإتلاف المزروعات من الحشيشة، ومصالحة العائلات المختصمة، وإنشاء مؤسسة الاقتصاد، والفرن العسكري وتأمين مساكن للعسكريين وأفراد عائلاتهم.

الخاتـمة

الجيش اللبناني، مدرسة وطنية واجتماعية وتنموية وثقافية وحربية ورسالة تربوية. ولبنان الكيان، إنما كان، وبقي، بفضل جيشه الذي امتاز بفضائله وأعماله الإنسانية ومحافظته على الوطن وحدوده، وعدم القتل والدمار ودخول أحلاف ومحاور. وإذا كان الجيش مهنة، بحسب تعريف شارل ديغول، أو دعوة لاحتراف الخدمة المثمرة الصامتة للسخاء بكل مجهود، للاندفاع ببصيرة ومعرفة في سبيل قيم روحية مثالية، فالجيش اللبناني قد حقق هذه الدعوة باندفاع جنوده للخدمة، مع إنكار الذات، في سبيل مصلحة وطنهم. فهم يعتبرون، أنه لا يزال في دنيا اليوم قيم تستحق أن يبذل المرء في سبيلها قواه ودمه أيضًا. فالجيش اضطلع في السلم بمهمة تنشئة أفراد صالحين للتمرس على الخدمة الإنسانية، والقتال والمساهمة في حرب الدفاع عن الوطن. فعلى التربية الوطنية تستند المؤسسة العسكرية التي تعمل على تنشئة المواطن جسديًّا وخلقيًّا، وتجعله يألف الحياة الجديدة بعيداً عن ذويه وبيته، وتأخذ بيده في طريق الكمال، مكافحًا النزوات والميول الشريرة، على الرغم من الصدمة النفسية التي يعاني منها هذا المواطن عند دخوله الجيش للمرة الأولى.

ويبقى أن نشير إلى أن أمل البلاد ورمز فخارها، هو الجيش، الضامن الوحيد للبنان والذي لم يحارب يومًا خارج أرضه، ولم يتدخّل في شؤون بلدان أخرى، والمؤسسة الوطنية الكبرى، التي حافظت منذ نشأتها على النظام والقانون وعلى الحياد بين اللبنانيين، وحمايته لمؤسسات الدولة، وهو الوحيد إجمالاً الذي لم يَقُم بعد بانقلابٍ عسكري على السلطة السياسية.


[1] أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية

[2]  الجريدة الرسمية، في 12/9/1945، عدد 37، ص 670-672. كما صدرت فيما بعد مراسيم عدّة، نظّمت وزارة الدفاع الوطني وحدّدت قوانين الجيش.

[3]  قيادة الجيش اللبناني-مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الأول (1920-1945)، اليرزة، 2009، ص 3-43.

[4]  أدمون، رباط: التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري، الجزء الثاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2002، ص 572.

[5]  SHAT (service historique des armées de terre): section moderne, note no 975/9/II- 5/2/1917– (C7 N2144)

[6]  M.A.E. Guerre 1914-1918, étude d’un ravitaillement armée au Liban, Paris, le 3 décembre 1916, pp. 10-13.

[7]  SHAT: section moderne, rapport sur le recrutement et l’instruction de 20 décembre 1920, (C4H41 – D6).

[8]  بموجب تعليمات رقم 2911-9/11 تاريخ 5 تموز 1920.

[9]  SHAT: section moderne, no 187/1 du 6/1/22, (C4H257-D4), document no 211.

[10]  تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الأول، ص 64.

[11] الجريدة الرسمية في 9/3/1923، عدد 1706، ص 52.

[12]  المعرض، 26/9/1927.

[13]  لسان الحال، 13/9/1928، ص 4.

[14]  لسان الحال، 15/9/1928، ص 1.

[15]  ادمون رباط، مرجع مذكور، ج 2 ، ص 671.

[16] ألكسندر أبي يونس: إميل إده (1883-1949) قدّة الجمهورية اللبنانية، بيروت، 2019، ص 144.

[17] وقّع الوثيقة الضباط الآتية أسماؤهم: فؤاد شهاب، توفيق سالم، قيصر زهران يمين، جميل لحود، عادل شهاب، غطاس لبكي، وديع ناصيف، جان غازي، يوسف الخوري، هنري غازي، جميل شهاب، سعدالله يحيى، اسكندر غانم، ريمون حايك، منصور لحود، فؤاد لحود، سعدالله النجار، جميل الحسامي، جورج معلوف، ميشال نوفل، جوزف حرب، عبد القادر شهاب، وجيه كرم، انطوان روفايل، جورج درزي، نقولا سماحة، انترانيك غازار، فؤاد قديس، آرام سلجوكيان.

[18]  الجندي اللبناني في 28 شباط 1975، ص 30.

[19] ستيفن هامسلي لونغريغ: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين تحت الانتداب الفرنسي، ط.2، دار الحقيقة، بيروت، 1978، ص 425.

[20] ألكسندر أبي يونس: إميل إده (1883-1949) قدّة الجمهورية اللبنانية، الفصل الثالث والتاسع.

[21] البشير، 2/6/1945، ص 2.

[22] لسان الحال، 10/7/1945، ص 2.

[23] تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الأول، ص 100 و105.

[24]  محاضر مجلس النواب، جلسة 15 تشرين الأول سنة 1949.

[25] قيادة الجيش اللبناني-مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني الجزء الثاني (1945-1958)، القسم الثاني: الجيش اللبناني والحرب العربية-الإسرائيلية الأولى 1948، اليرزة، 2016.

[26] رياض شفيق، شيّا: اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية للعام 1949 في ضوء القانون الدولي، دار النهار، بيروت، 2003، ص 88.

[27] رالف بانش Ralph Bunche (1904–1971): ديبلوماسي أميركي. بروفوسور بجامعة هارفارد. عمل كوسيط للأمم المتحدة في حرب فلسطين. حائز على جائزة نوبل للسلام سنة 1950.

[28]  الديار، 2/3/1949.

[29]  رياض، شيّا: مرجع مذكور، ص 43.

[30] بشارة خليل، الخوري، ج 3، ص 193.

[31] كما توقّع بن غوريون، فقد كرّت اتفاقات وقف إطلاق النار الأربعة ومفاوضات الهدنة بصورة متلاحقة، وذلك على الشكل التالي: في 24 شباط سنة 1949، انتهت المفاوضات بين مصر و”إسرائيل” في رودوس بالتوقيع على اتفاقية الهدنة بينهما. وفي 1 آذار بدأت مفاوضات الهدنة الأردنية–الإسرائيلية في رودوس وأخرى في قصر الشونة (الخاص بالملك عبد الله). في 23 آذار تمّ توقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية. في 5 نيسان بدأت المفاوضات السورية–الإسرائيلية، لتنتهي في 20 حزيران سنة 1949، بالتوصل إلى اتفاقية الهدنة بينهما. “وفي 21 تموز، أعلم الوسيط الدولي رالف بانش مجلس الأمن، بأن الحرب قد انتهت بتوقيع أربع اتفاقيات هدنة بين العرب وإسرائيل”. رياض، شيّا: مرجع مذكور، ص 43.

[32] بشارة خليل، الخوري، ج 3، ص 202.

[33] الجيش اللبناني والحرب العربية-الإسرائيلية الأولى 1948، مرجع مذكور.

[34] بشارة خليل الخوري، حقائق لبنانية، ج 3، ص 451.

[35] نقولا، ناصيف: جمهورية فؤاد شهاب، دار النهار، بيروت، 2008، ص 136.

[36] البيرق، 6/6/1952، ص 1.

[37] المصدر نفسه.

[38] نقولا، ناصيف: جمهورية فؤاد شهاب، ص 140 و141.

[39] فاضل سعيد، عقل: فلسفة الشهابية، منشورات العقل، بيروت، 1964، ص 33.  

[40] فؤا، شهاب: مجموعة خطب، منشورات وزارة الإعلام، بيروت، د.ت.ن.، ص 11. 

[41] فؤاد، بطرس: المذكرات، دار النهار، بيروت، 2009، ص 53.  

[42] فؤاد، شهاب: مجموعة خطب، ص 15.

[43] اسكندر، رياشي: قبل وبعد ورؤساء لبنان كما عرفتهم، ط 2، أطلس للنشر والتوزيع، دمشق، 2006، ص 390.

[44] رأى فؤاد شهاب أن أحب الألقاب والتسميات إليه “جنرال” وتعليله في ذلك، أن الجنرالية، اكتسبها اكتساباً، والجندية أحبّها، ولقب أمير هو وراثي، ولقب رئيس جاءه صدفة دون أن يسعى إليه.

[45] “… أهدِيَ اللواء شهاب القائد العام للجيش اللبناني منذ أمدٍ قصير طائرة لاستعماله الخاص من قبل الحكومة الإيطالية، فما كان منه إلّا أن أهدى هذه الطائرة بدوره إلى الجيش، وقال: لو لم أكن قائد جيش لبنان لما أهدتني الحكومة الإيطالية الطائرة، ولذلك أرى أن لا حق لي بها، بل أن الجيش هو صاحب الحق الأول والأخير”. الصياد، 10/12/1953، ص 6.

[46] ينقل كريم سركيس عن عمّه الياس سركيس الواقعة الآتية: في اجتماع بين الرئيس فؤاد شهاب والياس سركيس عام 1962، اضطر الأول لرفع صوته في وجه مدير رئاسة الجمهورية الذي امتعض، فغادر مكتب الرئيس إلى منزله، وانقطع عن الحضور إلى القصر الجمهوري. في الأيام الثلاثة الأولى لم يستجب لاتصالات أجريت به من فيلا صربا كي يعاود عمله. في اليوم الرابع اتصل به الرئيس ودعاه إلى مكتبه. حضر الياس سركيس. لدى دخوله اكتفى رئيس الجمهورية بعبارة انطوت على تبرير ما فعل، بقوله له: “يابني، رفعت صوتي في وجهك لأن حجتي كانت ضعيفة”. نقولا، ناصيف: جمهورية فؤاد شهاب، ص 252.

[47] قيادة الجيش اللبناني-مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الثاني(1945-1958)، القسم الأول: التطور البنيوي للمؤسسة العسكرية، اليرزة، 2016.

[48] قيادة الجيش اللبناني-مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الثاني 1945-1958، القسم الثالث: الدور الإنمائي والأمني، اليرزة، 2016.

[49] نهار الشباب في 9 أيلول 2010.

Scroll to Top