Almanara Magazine

“لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت”

(متى15:5)

الأب مارون مبارك م.ل

العدد الخمسون لمجلة المنارة

إنه العدد الخمسون الذي فيه تصدر مرة جديدة “مجلة المنارة” مطلة على قرائها بحلة تجدد شبابها، وبصيغة لغة اهل عصرنا، تحكي من يصبو إلى السماع وترشد من يسعى إلى المسير نحو هدف الخلاص. فمع إطلالتها الجديدة، في العدد الخمسين لصدورها، تتمنى إدارة المجلة لكل قرائها أن يتبحّروا بنورها الذي يضيئ كل أهل البيت، فيثبتوا بالإيمان، ويغتنموا الفرصة، لأن نور المنارة “يضئ لجميع الذين في البيت”. في ضوء المنارة نقرأ مسيرة تاريخ المجلة حيث أشعّت، ونتعرّف على كيفية صدورها حيث كبرت ونمت، ونشهد حلّتها التي بها تألقت؛ فنتعرّف على صرح الكلمة التي تنبع من النور وتصب في قلوب كل الذين في البيت.  لذا نتوقف في سرد تاريخ “المنارة” عند وقفات أربع:

  1. المنارة تضيء.
  2. تشع على دروب التاريخ.
  3. تكبر فتنمو بإدارتها وإصداراتها.
  4. تتألق بحلتها المجدّدة.
  1. المنارة تضيئ

طبيعة النور أن يضيئ والضوء أن يشع فيدل على واقع الأمور وحقيقتها. لقد دعا الرب يسوع تلاميذه ليكونوا النور الذي ينير العالم بأشعة التطويبات على مثاله هو المعلم؛ لذا شبههم بملح الأرض، ونور العالم والسراج الذي يوضع على المنارة. إنها الدعوة إلى الشهادة الحقة التي تبنى على المعرفة الحقة وكلمة الحق والسلوك بالحق؛ وعليها بنت “المنارة”، الرائدة في نقل الكلمة وحمل الرسالة، رسالة القلم، كل مسيرتها منذ انطلاقتها، مجلة تهدي إلى الدرب، حيث النور يغلب الظلام، كما سطّرت في شعارها الأول: “أنا الطريق والحق والحياة، من يتبعني لا يمشي في الظلام” (يو6:14؛ يو 12:8).  

السراج وعاء يسهم في النور الذي ينبثق من الزيت والنار معًا، وكل شاهد هو سراج يشع بما امتلأت حياته من حياة الروح ونار الحب، وعلى هذا الجوهر أرست “المنارة” مجلة الرسالة اللبنانية، جسر عبور إلى النفوس، إلى كل أبناء الكنيسة في ظل ظروف كان يعاني منها الوطن لبنان، ظروف جعلت أبناء هذه الأرض المرهقة يتمخضون بالبؤس، ويواجهون الفساد، هنا، في هذا الزمن العصيب، أخذت جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة مبادرة النهضة بالفكر والروح، هي الجمعية التي التزمت “منذ نشأتها الرسالة في مداها الأوسع، لاسيما حقلي خدمة الكلمة والتربية المسيحية، بهدف إمداد الناس بكل عمل روحي يفيد خلاصهم” (قوانين جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، ق12). لقد حدّدت خيارها الرسولي الجديد الذي عليه “ترسم نهجها وفق مقتضيات الزمن ومستجداته” (ق12)، فأصدرت مجلة شاملة، أطلقت عليها اسم مجلة “المنارة” تضيئ لجميع طلاب الحقيقة الضائعة  في ذلك العصر وفي كل زمن، الحقيقة التي تشوّهها عادات غريبة وبعيدة كل البعد عن الروح المسيحي البنّاء؛ الحقيقة التي غطّتها وطمستها السفسطات وصخب الأسواق وضجيج الشراهة إلى المادة المحض بعيدًا عن كل معنى وبأي ثمن. لقد أراد المرسلون “المنارة” صرحًا فكريًا لمحبي الثقافة وتتبّع الأحوال الكونية، زيادة في تهذيب النفس وصقل العقل وتغذيته بالمعارف. لقد هدف أباء الرسالة اللبنانية من “المنارة” إلى هدي الشباب الذي ضيّع وقته وكنوز قلبه بين طغيان المجلات والجرائد التي تنقل الأخبار وتقلق “وتشوّه” الضمائر. هكذا أطلقوها مجلة شاملة. “منارة”، عليها يضعون السراج الملتهب بنار الغيرة على النفوس والممتلئ بزيت عمل الروح الذي يرشد إلى “الحق كله” ويعلّم ما علّم يسوع.

  • تشعّ على دروب التاريخ  

كانت الانطلاقة مع العدد الأول في كانون الثاني من سنة 1930، وقد لقيت رواجًا زاهرًا مدوّيًا فاستنفدت كل الأعداد حتى الاحتياطية منها، بحيث كانت الإدارة تطبع ستماية نسخة عند كل إصدار.  أما الدليل الأبرز على ازدهارها وزخم انطلاقتها فهو الكلام الذي صدّرت به هيئة التحرير العدد الأول من السنة الثانية فكتبت ما نصه: “في هذا الشهر من السنة الماضية، ظهرت “المنارة” للوجود، وأخذ نورها يمتد رويدًا رويدًا، بحيث لم تَدُر السنة دورتها عليها، حتى كانت المنارة وصلت بنورها إلى أكثر انحاء المعمور، فانتشرت في لبنان وسوريا ومصر، والترنسفال والأميركيتين، وأوستراليا، بحيث لم يبقَ مكان لم تصل إليه بأشعّتها، يطالعها البطاركة، والأساقفة، الكهنة والعموم، العلماء والفلاسفة واللاهوتيون، والأدباء والمحامون، الشعب المسيحي الكاثوليكي والشعب الذي لا يزال بعيدًا عن تلك الوحدة التي رامها المسيح لكنيسته والتي تسعى إليها المنارة بكل قواها”.

منذ انطلاقتها الأولى هدفت المنارة إلى إحداث نهضة جديدة في الحياة الدينية والاجتماعية، فعمدت إلى نشر مقالات تدافع فيها عن الدين تستهل بها كل عدد من الأعداد التي تصدرها، لأن في الذود عن الإيمان وعيشه في حياة متديّنة حماية للمجتمع ونهضة للإنسان ونمو في بناء البشرية وعمرانها. فاتخذت لهذه الغايات السميا تسلك سبل نشر سيرة حياة المسيحيين المشرقيين في أبعادها التاريخية، وبوجهها الديني والمدني؛ كما عمدت إلى درس المخطوطات المختصّة بتاريخ الكنيسة المارونية فتحقق اكتشاف كنوزها الروحية والتاريخية واستكشاف مكنونات مسيرة “القطيع الصغير” في ثباته  بالإيمان وجهاده بالحفاظ على عيشة كريمة أصيلة. وزيادة في تطوير رسالتها في النشر لإشعاع الحقيقة أصدرت إدارة المجلة ملحقًا خاصًا حول البرامج والنشاطات التي يقوم بها الاباء المرسلون القيّمون على مزار سيّدة لبنان، ولقد أطلق عليه اسم “تقويم سيدة لبنان” وظهر لأول مرة سنة 1930، وذلك للدلالة على تعلّق ابناء لبنان بسيّدتهم وسيّدة وطنهم ، فأقاموها على كل قمة ورفعوا مقامها إلى قمة لبنان لتبقى السيّدة الخاصة والأم الحنون تتشفع لأبنائها أينما حلّوا. و من خلال هذا التقويم كان المؤمنون يتتبّعون بكل لهفة الحركة الروحية في مزار العذراء سيّدة لبنان ويفتخرون بما لديهم من تكريم لها عرفوا به فصار ميزة وعلامة فارقة خاصة بهم.

ولكي تبقى الصلة قائمة بين أبناء الوطن المقيمين والمغتربين، عملت إدارة مجلة المنارة، حفاظًا على رسالتها وأهدافها التي رسمتها ولم تتحول عنها، إلى نشر الأخبار عن أبناء الوطن في بلاد الانتشار في أستراليا والأميركيتين وأفريقيا وغيرها، كما وأخذت على عاتقها نشر كل ما يصدر عن الكرسي البطريركي ليبقى بين سطورها أثرًا خالدًا ومرجعًا سندًا للتاريخ، وعلامة تواصل بين السلطة الكنسية وأبنائها.

أما في ما يخص تطوير رسالة القلم فلقد أرسلت إدارة المجلة أحد المحرّرين إلى أوروبا لدرس علم التاريخ والتفتيش عن الآثار المارونية لكي تنشرها على صفحاتها وتفيد القرّاء بالثقافة إلى جانب الإفادة الروحية. واستكمالاً لتطلعاتها العلمية والفكرية والروحية ، ومع انطلاقة عام 1935 ابتكرت إدارة المجلة ما نسميه اليوم تحقيق ونشر الكتب النادرة الموجودة نظرًا لأهميتها، وحرصًا على حفظها والبقاء عليها وكمراجع مهمة للدارسين والباحثين عن العلم والثقافة الدينية، كمؤلفات البطريرك الدويهي، وكتاب الهدى الماروني، والمقالات العشر لتوما كفرطابي وغيرها من الكتب النفيسة والنادرة جدًا. وتابعت إدارة المجلة تطوير عملها من خلال توسيع الآفاق عملها، فلم ترد أن تخصص المجلة بالكهنة دون سواهم، بالرغم من مطالبة الكثيرين بالأمر، لأن مرامها أن تشمل النهضة الروحية والفكرية كل الشعب وليس الكهنة حصرًا؛ فتنوّعت مواضيعها وشكّلت أبحاثها بما يفيد كلّ الحاجات والتطلّعات.

ثمّن البطريرك مار أنطوان بطرس عريضه الجهد الكبير الذي قامت به إدارة المجلة والقيّمين عليها، فأثنى على عملهم، وكافأ من خلالهم جمعية المرسلين اللبنانيين، إذ سطّر رقيمًا بطريركيًا أعلن فيه مجلة المنارة “مجلة بطريركية للطائفة المارونية منذ مطلع سنة 1937، فأكّد غبطته ما حرفيّته: “إنّ مجلة المنارة التي أكملت سنتها السابعة مجاهدة الجهاد الحسن في الدفاع عن الدين الكاثوليكي وإظهار حقيقته ونشر مبادئه مدافعة عن الطائفة المارونية ودائبة في نشر وثائق تاريخها ومآثر رؤسائها الاعلام فضلاً عمّا تنشره عن سير العلوم وتقدّمها وعمّا جرى في لبنان الوطن المحبوب من الحوادث التي يهتم كل لبناني الاطّلاع عليها…

…فنحن مكافأة لجهادكم نجيب التماسكم…بكل طيبة خاطر مقدّرين هذه المجلة قدرها ونعتبرها مجلة بطريركية عاقدين الآمال على تقدّمها ونهضتها نظرًا لما يجنيه مطالعوها من الفوائد الجمّة بما تنشره من المباحث القيّمة عضدًا للدين وللعلم وللآداب والتاريخ، ونحث جميع أبنائنا في الوطن والمهجر على الاشتراك بها والاقبال على مطالعتها تنويرًا لأذهانهم وتثقيفًا لعقولهم وصيانة لمعتقدهم الكاثوليكي وآدابهم من مفاسد هذا الجيل الملتوي”.

لم يتوقّف  تقدير مجلة المنارة عند أهل الدين وفي مجال الروحانيات، بل امتدّ تقريظ المجلة إلى عند أهل الفن والشعر الذين استحسنوا مضمون مقالاتها، فنظم الشعراء فيها قصائد مميّزة، ومنهم الشاعر الخوري نعمة الله فرحات الذي قال في المنارة الأبيات التالية:

حيِّ “الكريم” وخذ شعارهترسًا إذا جابهت غارة
وقل السلام على الألىاحترفوا الرسالة والبشارة
واخفض جناحك دون علمٍنجتني منهم ثماره
نشروا “رسالتهم” علىروح الفضيلة والحضارة
تنمو لحبة خردلٍممتدّة تُكسى نضاره
فغدت منارة خابطٍيشعو أشعتها مُناره
فلئن نيلك مضلّلوخشيت أن تلقى عثاره
فارجع التاريخ تلا:ضع نُصب عينيك “المنارة”

بعد هذا التألق يأتي زمن المحنة بحيث لم تسلم المجلة من نكسات الزمن الغدّار، ففي سنة 1950، ولأسباب قسرية قاهرة، احتجبت المجلة عن الصدور لمدة طويلة، ناهزت الثلاثين عامًا، لتعود بعدها، على مثال طير الفينيق، لتنهض نافضة غبار الثُبات، ولابسة شجاعة الإقلاع، لتنطلق من جديد فتعود إلى الصدور سنة 1981. إنّها سنة العودة إلى الحياة، حين كلّف قدس الأب ساسين زيدان، رئيس عام جمعية المرسلين آنذاك حضرة الأب اغناطيوس سعادة بإعادة إصدار المجلة من جديد. 

  • تكبر فتنمو بإدارتها وإصداراتها.

الأب اغناطيوس سعادة معروف بغنى فكره ومدى علمه وحسن معرفته، خريج جامعة سلمنكا بشهادة دكتوراه في الفلسفة موضوعها: “العامل الديني في مقدمة ابن خلدون”. إنه الكاهن الشغوف بالتاريخ والأبحاث، صاحب القلم الرفيع والكتابة الرشيقة والانتاج الفكري السخي. لقد صدر له: بالإضافة إلى العدد الوفير من المقالات في مجلة المنارة، مؤلفات عديدة في “منشورات الرسل”، وهي:

– ثلاثية «على دروب التاريخ، إلهيات وإنسانيات» سنة 2000.

– تحقيق ونشر «ماجريات الأب ابراهيم حرفوش» (جزءان)، سنة 2003.

– المرتدون شهود الحقيقة، جزءان، سنة 2007 وسنة2011.

– لبنان في كتابات الرحالة، سنة 2008. وحاز فيه على جائزة المونسنيور اغناطيوس مارون، سنة 2008.

– إطلالات على عالم الأبد، سنة 2010.

– محطات في مسيرة الزمن، سنة 2010.

– تحقيق ونشر خماسية الأب ابراهيم حرفوش، سنة 2010.

بمؤازرة هذا الكاهن الموسوعة، أطلّت المنارة من جديد، على جيل جديد، بفهرس هجائي عام، أعدّه الأب خليل علوان المرسل اللبناني، اختصر في صفحاته تاريخ مجلة عريقة، أغنت المكتبة الروحية بكنوز جمّة طوال عشرين سنة. وتابعت المجلة تألقها الجديد صعودًا، بإدارة الأب اغناطيوس سعاده طيلة ربع قرن. لقد عاون الأب اغناطيوس عدد كبير من آباء الجمعية في إدارة المجلة المتجدّدة، وأعادوا طبع ثلاثماية نسخة من المجموعةالقديمة، ونالت المجلة في أعدادها الجديدة استحسان جميع الأوساط، فبلغ عدد المشتركين فيها سبعماية مشتركًا في سنة 1983، ووصل العدد إلى 1400 مشترك سنة 1989، هذا بالإضافة إلى مبادلة المجلة مع 42 مجلة أخرى لبنانية عربية وأجنبية، إلى جانب عدد كبير من الكتب الصادرة عن دور النشر المتعددة وكانت المجلة تعرّف بها وتشجّع على قراءتها.

عمل الأب اغناطيوس مع إخوته المرسلين اللبنانيين وعدد كبير من الكتّاب العلمانيين والاكليروس على متابعة إشعاع “المنارة” ما ينيف على الربع قرن حتى سنة 2007 فتوقّفت المجلة من جديد عن الصدور لأسباب إدارية قاهرة. كلّف مجلس الشورى العام برئاسة قدس الأب ايلي ماضي سنة 2012 لجنة التنشئة التابعة للجمعية والتي يرأسها الأب مارون مبارك، بإعادة إصدار المجلة، عملت اللجنة المكلّفة متّكلة على العناية الالهية وجهود المناضلين في العمل وشكّلت هيئة إدارية جديدة للمجلة قوامها: مدير التحرير حضرة الأب مالك أبو طانوس المشير العام في الجمعية، سكرتير التحرير حضرة الأب مروان أبي ناضر مدير القسم الابتدائي في مدرسة قدموس جوار النخل، والمدير حضرة الأب جان ماري المير وكيل الاكليريكية الكبرى في حريصا، والمدير المسؤول حضرة الأب مارون مبارك رئيس الاكليريكية الكبرى.

نقل مقر إدارة المجلة وتحريرها الى إكليريكية مار يوحنا الرسول في حريصا وباشر المولجون العمل فوضعوا خطة عملهم بالشكل التالي:

  1. الحفاظ على هوّية المجلة المعروفة بها منذ تأسيسها، أي “مجلة دينية جامعة” ذو مستوى علمي عال.
  2. العمل ضمنًا، وليس صريحًا، على تنويع أبواب مواضيعها حتى تطال شرائح عدة من القراء بحسب اهتماماتهم وتطلعاتهم.
  3. التفكير في آلية التسويق، وزيادة المشتركين.
  4. تحفيز أبناء الجمعية على الكتابة، وهو هدف داخلي يضمن استمرارية المجلة ويؤمن حيوية رسالة القلم في الجمعية.
  5. إطلاق المجلة الجديد بصدور عدد مميّز يكون بمثابة حدث محفّز للمجلة، وقد تحدّد في موضوع “سنة الكتاب المقدس.
  6. تغيير غلاف المجلة الخارجي يتجاوب مع تطلعاتها.
  7. التركيز والتشديد على المصداقية في النشر والحفاظ على استمرار صدور المجلة ومتابعته بالرغم من كل العوائق.

أطلقت المجلة من جديد في الأول من تموز باحتفال في مدرسة الرسل جونيه. تضمن الاحتفال عرضًا مصوّرًا لتاريخ المجلة منذ تأسيسها سنة 1930 وطوال مسيرة صدورها، كما وعرضت مجموعة المجلة القديمة والجديدة وتقديم العددين الجديدين الأول والثاني تحت عنوان “الكتاب المقدس” تيمنًا بسنة الكتاب المقدس التي كان قد عينها قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر. وتتولى هيئة التحرير الجديدة تجهيز الأعداد الجديدة حسب المواضيع الكنسية الكبرى المقترحة، كسنة الإيمان، والمجمع الفاتيكاني الثاني. وتتعاون مع لفيف من الدكاترة في جميع المجالات العلمية والدينية، وهي حريصة على إصدار المجلة بحلتها الجديدة مع الحفاظ على مستواها الديني العلمي. تتبع إدارة المجلة الأنظمة الرقمية المتطورة في إخراج المجلة، وغلافها، تسويقها وأرشفة محتوياتها وهي تتطلع إلى مواكبة عصر التكنولوجيا في تقنياته فتعمل على التعمّق في جذور التاريخ وأصول المعاني وصلابة الآداب فتصل إلى الفكر عبر الوسائل المتطورة والمسهّلة لبلوغ الحقائق. لم تغيّر المجلة وجهتها إنما استخدمت لغة العصر لتحكي أهل عصرنا بما التزمت به من تعليم، كمجلة دينية شاملة جامعة، محققة بعملها ونشاطها ما أخذته على عاتقها أن “لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال بل على المنارة، فيضي لجميع الذين في البيت”. هذا ما حدا بصاحب النيافة غبطة البطريرك مار بشاره الراعي أن يثني على الجهد الذي بذلته إدارة المجلة عبر التاريخ وماتزال تبذله في الزمن الحاضر، فكتب في توطئة صدّر بها العددين الأول والثاني من السنة الحالية وهي السنة رقم خمسين، ما نصه: ” حمل المرسلون مشعل “المنارة” وطافوا يضيئون على كنوز العلم حتى جعلوا منها مجلة دينية جامعة. ومهما قسا الزمن بظروفه الأليمة وأوقاته الصعبة، كانت مجلة “المنارة” كطير الفينيق تعود إلى إشراقتها ورونقها المتفوّق في مجال الفكر والروح. وها هي منذ سنة ونيف تعود بانطلاقة جديدة بقيادة فريق من الآباء المرسلين الذين يعملون بالتعاون مع لفيف كبير من الكتّاب إكليروسًا وعلمانيين اختصاصيين، يجدّون في كشف النقاب عن حقائق لاهوتية وروحية وعلمية تهمّ عالمنا المعاصر لتجيب على تساؤلاته ولتفتح أمامه سبل نحو الأفضل”.   

لقد تسلم إدارة مجلة المنارة الآباء المرسلون اللبنانيون الموارنة، وفي السنوات العشرين الأولى لإطلاقها لم يكن يذكر اسماء هيئة التحرير، حيث كان مدير المجلة الأب فيليب السمراني المرسل اللبناني، ومع إطلالة عام 1950 ظهرت للمرة الأولى هيئة التحرير بأسماء رئيس التحرير الأب فيليب السمراني المذكور، وسكرتير التحرير فكتور البستاني ثم مع صدور العدد الثاني من السنة ذاتها انضم إليهما المدير المالي وهو الأخ اسطفان أبي جودة المرسل اللبناني، ومن بعدها توالت على إدارة المنارة منذ عام 1981 عشر لجان إدارية توزعت فيها الاسماء من بين أبناء جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة.

منذ ظهور المجلة الأول عام 1930 حتى اليوم، لم تطبع سوى في مطابع الكريم الحديثة التابعة لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة. كانت تصدر المجلة في بدايتها شهريًا، اثني عشر عددًا في السنة، وكان يصدر بعضها أحيانًا مزدوجًا أي يدمج عددان في إصدار واحد، وكان عدد الصفحات متواصلاً. استمرّت على هذا الحال حتى سنة 1939، حين ألقت الحرب بثقلها على كاهل لبنان، فصارت المجلة تصدر فصليًا وذلك طيلة الفترة الممتدة بين سنة 1940 وسنة1941 لكنها عادت لتصدر شهريًا بين سنة 1947 وسنة 1950.

أما بعد إطلاقها من جديد سنة 1981 فلقد اتخذت إدارة المجلة قرارًا بإصدارها في أعداد ثلاثة سنويًا، وبقيت تصدر بهذا الشكل حتى سنة 2007، تاريخ توقفها الجديد عن الصدور. ولقد تحدّدت أعدادها بهذه الفترة بدمج العددين الأولين بعدد مزدوج، كان يعتبر “عددًا ممتازًا” يطرح موضوعًا معينًا يتم التركيز عليه بكل جوانبه ويشكّل بدوره دراسة شاملة؛ فيصير العدد خاصًا؛ وأهم المواضيع التي تمت معالجتها طوال هذه الفترة هي: البطريركية المارونية؛ الطوائف المسيحية في لبنان؛ المجمع اللبناني؛ الكنيسة والحياة المكرّسة؛ الرهبانيات النسائية الشرقية في لبنان؛ الرهبانيات النسائية الغربية في لبنان؛ الأبرشيات المارونية والسينودوس؛ الحركات الرسولية العلمانية؛ المطران يوحنا حبيب مؤسس جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة في الذكرى المئوية الأولى لوفاته؛ اليوبيل المئوي الأول لتأسيس جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات؛ رسائل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني؛ الإرشاد الرسولي “في الحياة المكرّسة” دراسات ونصوص؛ الارشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان”: قراءة مسيحية؛ الرسالة العامة “الإيمان والعقل”؛ معًا نحو الألف الثالث، التبشير الجديد؛ العولمة؛ انطاكيا: تاريخ ووجوه؛ الاسكندرية: تاريخ ووجوه؛ أورشليم: تاريخ ديني ومدني؛ تكريم لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني؛ المرتدّون؛ شهود الحقيقة؛ فهارس السجلات البطريركية في مكتبة بكركي.

وفي الإطلاق الأخير سنة 2012 اتّبعت إدارة تحرير المجلة المنهج نفسه فأصدرت العددين الأولين تحت عنوان “الكتاب المقدس”، والعددين الأولين من سنة 2013 تحت عنوان “الإيمان”. 

  • تتألق بحلّتها:

منذ انطلاقتها الأولى كانت مجلة المنارة منسّقة ومدروسة، من حيث اختيار المقالات وكاتبيها من جهة، ومن حيث النمط العلمي في كتابة المقالات وبنيتها العلمية في إخراجها من جهة ثانية. ولقد حرصت إدارة المجلة في انطلاقتها الأولى والثانية على تحديد مواصفات المقالات العلمية فشدّدت على ضرورة “ذكر المصادر والمراجع بشكل كامل، من حيث عنوان المرجع واسم مؤلفه ومكان طباعته وسنة صدوره والصفحة التي أخذت منها المعلومة. إنه النسق العلمي في النشر المتبع حديثًا في عالم الطبع والاصدارات.

أما بالنسبة إلى غلاف المجلة فإنه كان يخضع لمقاييس ثلاثة:

  1. مقياس المعنى الذي يعبّر فيه عن محتوى المجلة ومضمونها وعن الاهداف التي تتوخى الوصول إليها لتحمل قرائها على الإفادة الأكبر.
  2. مقياس الجمالية التي تُبنى على التوازي الصحيح انطلاقًا من مركز مهم فتخلق الاتزان في المظهر والتناسق في المنظر.
  3. مقياس الرسالة التي تحملها المجلة وفيه تعبّر عن النور الذي يشع من منارة ليضيء للجميع.

فالغلاف الذي معه انطلقت المجلة في رحلتها الأولى كان يبرز شعار المجلة وهو: “أنا هو الطريق والحق والحياة من يتبعني لا يمشي في الظلام” ولقد اعتمد هذا الشعار في السنوات الثلاث الأولى من سنة 1930 حتى سنة 1932، وكان يتوسطه صورة رسم الصليب الكريمي المدّور في الجهات الأربع، ثم مع صدور العدد الأول من سنة 1933 ظهر الشعار الثاني الجديد والذي لا يزال هو المعتمد في أيامنا وهو: “لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة”. إضافة إلى الشعار كانت تدرج بعض الرسوم على غلافات المجلة ولقد تنوّعت بين الاعوام 1933 و1934 و1937 و1938 و 1942، والقاسم المشترك بينها كلها كان رسم المنارة المضاءة وإشعاعاتها تمتد على وجه الغلاف كله. أما في أعوام الحرب العالمية بين 1943 و1950 فقد اختفت الرسوم عن الغلاف الخارجي. المميز في الانطلاقة الأولى أن المجلة اعتمدت في الوجه الداخلي للغلاف ذكر بعض الاعلانات الخاصة بالمجلة أو الخاصة بشؤون كنسيّة مثل صدور كتاب، أو الإعلان عن بيع لوازم كنسية ودينية. أما الوجه الداخلي للغلاف في آخر المجلة فخصّصته الإدارة للفهارس العربية والفرنسية المختصة  بالمجلة. هذا كله اختصت به المجموعة القديمة الأولى. أما فيما بعد فلقد اكتفت المجلة بصورة المنارة المشعة مع اعتماد ألوان مختلفة لكل سنة لونها.

لقد عرفت المجلة قياسين إصدارها، فمن سنة 1930 حتى 1949 كانت تظهر بقياس 22/14 سم، ومع حلول عام 1950 تبدّل غلاف المجلة جذريًا من ناحية نوعية الورق السميك والرسوم وقياس 24/17 سم والذي ما زال معتمدًا حتى اليوم. أما ترقيم الصفحات فكان متسلسلاً على مدار السنة. ومع صدورها الجديد صار الترقيم يتم لكل عدد لوحده.

ما استجد في غلاف المجلة وإخراجها بعد الانطلاقة الثالثة سنة 2012 هو اعتماد رسم يدل على الموضوع العام الذي تعالجه المجلة في عددها ويكون لكل السنة، مع ابقاء المنارة المضيئة والشعار ثابتين. وتتابع المجلة صدورها بأعداد ثلاثة سنويًا، يكون اثنان منهما عددًا موّحدًا خاصًا يتناول موضوعًا هامًا، والثالث بمفرده يحتوي مقالات متنوعة ومتفرقة المواضيع.

حلة المجلة ومحتواها عنصران أساسيان في مسارها ومصيرها. حلتها الجديدة تألّقت بغلاف يعكس فكرة المحتوى، يجذب إلى التبحر في مواضيع المقالات المكتوبة.

اعتاد الناس أن يقدموا الهدايا، فيغلفونها بغلافات جميلة معبّرة. ويستعجل الانسان إلى فتح الهدية ليرى ما ينتظره بداخلها يكون خاصته وبالوقت نفسه يعبّر عما في قلب من هداه من تعبير المودة والتقدير. يهدي الناس بعضهم البعض هدايا يتوخون منها أمرين: أن يقدّم الواحد للآخر ما عنده ليعبّر له عن محبة وتقدير، ويعطيه ما يحتاجه لكي يتذكره بالخير ويلمس هذه المحبة وهذا التقدير. فالهدية إذًا تعبّر عما في قلب حاملها وبالوقت نفسه تهب من يقبلها ما يحتاجه من قلب الواهب. ومجلة المنارة في غلافها الجديد، تلبس حلة متألّقة بالتعبير عن عمق الفكر، وبإظهار المعنى في بعد النظر، وبتحقيق القوة في الحقيقة التي اتخذتها على عاتقها. وعندما يفتح القارئ الغلاف يصل إلى محتوى المنارة، فيه يكتسب علمًا ينير، ونورًا يهدي، وحقيقة تشعل الحميّة في القلوب وتثبّت القناعات في الأذهان، فتنهض الهمم كيلا يكون بعد اليوم من الغرباء والنزلاء بل من “أبناء وطن القديسين ومن أهل بيت الله” (أفس 19:2)؛ ولهذا تنشط مجلة المنارة متمسكة بشعارها: “لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين بالبيت”.

هدية المنارة للسنة الجديدة إصدار عددها الممتاز المقبل حول: “المجمع الفاتيكاني الثاني” في ذكرى خمسين سنة على إطلاقه في إنعاش حياة الكنيسة والعالم وتجديد شبابها. 

Scroll to Top