قراءة في سينودس “الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط”
وعلى ضوء الإرشاد الرسولي “كلمة الرب”
الخوري جان عزّام[1]
إكليريكيّة أم الفادي، بيروت
مقدّمة:
كانت نعمة كبيرة لي أن أشارك في أعمال السينودس من أجل الشرق الأوسط، بعد مشاركتي في المجمع الماروني، ودائما بصفة خبير لاهوتي وبيبلي. ولقد تسنّى لي أن أتلمّس عمل الروح القدس في خلال كلّ مراحل انعقاد السينودس، وقدرة الرب يسوع على العمل من خلال الأساقفة المجتمعين حول قداسة البابا، كما في زمن الرسل والعنصرة، ومجمع أورشليم وباقي المجامع. هذا العمل تجلّى بالأخّص في أن النصوص التي أنتجها السينودس، عبّرت عن واقع الكنيسة من جهة، ولكن أيضا، عن قدرة الروح القدس على نفح روح جديد وأفكار جديدة، تناسب حاجة الكنيسة اليوم، ولا تعبّر عن فكر هذا الأسقف أو ذاك، بل عن فكر الأساقفة معا؛ وهذه هي قوّة الكنيسة، بكونها جسد المسيح، الذي يقوم على مواهب مختلفة، ولكنه في النهاية جسد واحد، يعمل معا، وينمو معا، ويشهد للحقيقة الإنجيليّة معا. هذا ما يعبّر عنه عنوان السينودس: “الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة”.
أتوقّف في مرحلة أولى عند ما ورد في هذا السينودس حول “كلمة الله، والكتاب المقدّس”، في قراءة تصاعديّة وتحليليّة في الوقت عينه: أستعرض هذا الموضوع بدءا بما ورد في ورقة العمل، ثم من خلال النصوص التي وردت خلال انعقاد السينودس، حتى “التوصيات النهائيّة” التي رفعها الآباء الأساقفة إلى قداسة البابا لتشكّل أساس الإرشاد الرسولي الذي يصدره عادة بعد سنة أو سنتين.
أمّا في المرحلة الثانية، وبما أنّ الكلام اللاهوتي عن كلمة الله معروف أصلا منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، في الدستور العقائدي، “كلمة الله – Dei Verbum”، وفي وثائق كنسيّة أخرى لاحقة، فأريد أن أتوقف عند أهمّ الخلاصات التي وردت في الإرشاد الرسولي “كلمة الرب- Verbum Domini” الذي أصدره البابا بندكتس السادس عشر نتيجة لأعمال سينودس الأساقفة، الجمعيّة العامة، المنعقد في روما سنة 2008، وبالأخّص عند القسم الثالث، “كلمة الله في رسالة الكنيسة”، لأنّي أعتقد بأنّها تشكّل نقطة انطلاق مهمّة في البحث عن الوسائل العمليّة لنشر كلمة الله بكونها قبل كلّ شيء “إنجيل البشارة”، و “الخبر السار” الذي تنتظره الأمم في عصرنا.
في الختام، وارتكازا على القسمين السابقين، سأحاول أن أطرح بعض المقترحات التي قد تساهم في إطلاق ورشة العمل لتجديد اختبار قوة كلمة الله في حياة مسيحيّي الشرق، وذلك من خلال تأمل بسيط في خبراتنا المثمرة وغير المثمرة إنطلاقا من منتصف القرن الماضي حتى أيّامنا هذه، ورغبة في الحث على إعادة هيكلة أولويّات رسالة الكنيسة في هذا الشرق.
أولا، “كلمة الله” في سينودس الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط
كلمة الله في ورقة العمل:
تضمّنت مقدّمة ورقة العمل، في المقدّمة، وتحت البند (ب)، العنوان التالي: “الكتاب المقدّس يقود فكرنا”. وقد تمّ تفصيل الموضوع في ستّة أجزاء، من الرقم 7 إلى 12، حيث تمّ عرض أهميّة الكتب المقدّسة كأساس للتفكير في مواضيع السينودس، بالأخص لكونها نتاج أشخاص من أرضنا، كتبوها بإلهام من الروح القدس، وبتعبيرات ثقافيّة خاصة بنا. كما تمّ التأكيد على العطش الشديد إلى كلمة الله، الموجود لدى شعبنا، والحاجة بالتالي إلى نشر هذه الكلمة وتفسيرها وحفظها وتكرارها، بحسب التقليد الرهباني الشرقي القديم… وتمّ التأكيد أيضا على البعد الكريستولوجي المركزي الذي يظهر لحمة مخطط الله الخلاصي الواحد، والرباط الوثيق بين العهدين القديم والجديد. ومن الملفت للنظر تأكيد الرباط الوثيق بين الكتاب المقدّس والجماعة المسيحيّة، “فلا يمكن فهم النص الكتابي إلاّ داخل هذه الجماعة”. هذا التأكيد مهم جدّا، وإن شدّد هنا فقط على البعد التفسيري للنص، منعا للتفاسير الفرديّة والاعتباطيّة، ولكن، كما سنرى لاحقا، سيتطوّر مفهوم الرباط بين الكتاب والجماعة إلى بعده الوجودي والاحتفالي، الذي لم يُذكر هنا إلاّ تحت الرقم 11، ولكن بدون إظهار هذا الربط بين كلمة الله “التي توجّه الحياة وتعطيها معنى وفهما، وتحولها جذريّا…”، وبين الجماعة المسيحيّة التي يصير فيها، وبفضلها، هذا التحوّل. وأخيرا، تمّ التأكيد على وضع كلمة الله في الإطار الحياتي الحالي لمواجهة تحدّيات عالم اليوم، إن على مستوى الخيارات الجماعية، أو السياسيّة، أو التربويّة…
شكّلت هذه العناوين الكبرى، إطارا مهمّا، للبحث والتفكير، وبخاصة كأساس للمداخلات التي تهيأ آباء المجمع للقيام بها خلال انعقاده، وبالأخص في الأسبوع الأول. وكما سنرى، فقد تمّ هذا الأمر على خمس مراحل: العرض الذي قُدّم قبل المناقشة، ثم المداخلات، ثم العرض الذي قُدّم بعد المناقشة، ثم حلقات الحوار، فالتوصيات النهائيّة. أتوقّف هنا فقط على النصوص التي قُدّمت، وهي لا تتضمّن مباشرة، المداخلات الفردية أو حلقات الحوار، وإن كنت سآتي على ذكر بعضها في سياق الكلام.
- العرض قبل المناقشة:
في “العرض قبل المناقشة”، عبّر “المقرّر العام” للسينودس، الكاردينال الأنبا أنطونيوس نجيب، بطريرك كنيسة الأقباط الكاثوليك، عن أنّ كلمة الله هي في صلب الهدف الأول لسينودس الأساقفة: “أدركت كنائسنا جيّدا وبكلّ تقدير الهدف المزدوج للمجمع الخاص بالشرق الأوسط وهو:
- تثبيت وتقوية المؤمنين في هوّيتهم المسيحيّة، بواسطة كلمة الله والأسرار المقدّسة.
- إحياء الشركة الكنسيّة إلخ”.
وفي معرض شرحه لدور كلمة الله، انتقل أوّلا للكلام عن الكتب المقدّسة التي “كتبها أشخاص ينتمون إلى أرضنا، وذلك بوحي من الروح القدس، وفي بعض لغاتنا”.
ثمّ انتقل للكلام عن الرابط القوي بين الكتاب المقدّس، الذي “كتب بوحي الروح القدس” والذي ينبغي أن يصبح روح حياتنا الدينيّة، وبين الليترجيا المقدّسة التي هي “مركز وقمّة حياتنا الكنسيّة”، والتي فيها نحتفل “بكلمة الله” و “نصغي إليها”.
أخيرا، وبعد أن أكّد على ضرورة الإجابة، بكلّ الوسائل المتاحة، على عطش مؤمنينا الشديد إلى كلمة الله، من خلال الشرح والتعليم … شدّد على أهميّة معنى كلمة “تاريخ الخلاص”، الذي، من جهة أولى، يكشف المخطّط الإلهي الواحد، الذي يتحقّق في الزمن، في رباط وثيق بين العهد القديم والعهد الجديد، الذي يجد قمّته في المسيح” ، ومن جهة ثانية هو “كتاب الجماعة المسيحيّة” ولا يمكن فهمه إلاّ داخل هذه الجماعة”، مستنتجا أهمّية التقليد والتعليم الكنسيين كمرجعين لا غنى عنهما لفهم وتفسير الكتاب المقدّس.
هذا العرض الأوّل يبيّن إذا ما يلي:
- كلمة الله لها الدور الأساس في تبيان هويّة المسيحيين المشرقيين؛
- هذه الكلمة نجدها مكتوبة في الكتاب المقدّس، ولكنّها أساس تاريخ الخلاص قبل أن تتحول إلى كتب، مما يطرح أهميّة توضيح العلاقة بين كلمة الله التي صنعت هذا التاريخ، وبين الكتب المقدّسة التي تعبّر عن هذا التاريخ بكلمات مكتوبة بوحي الروح.
- أهمية البعد الجماعي الكنسي لاستقبال هذه الكلمة والاحتفال بها في الليترجيا، وعلى أساس التقليد والتعليم الكنسيين.
- العرض بعد المناقشة:
بعد الاستماع إلى مداخلات كلّ أساقفة الشرق الأوسط ومندوبي كنائس أخرى والكوريا الرومانية، عاد المقرّر العام، ليعرض نوعا من خلاصة لهذه المداخلات. ومع أنّ المداخلات عن “كلمة الله” كانت قليلة نسبيا، إلاّ أنّها ساهمت في تطوير النص الأول “العرض قبل المناقشة”، بحيث صار يعبّر عن فهم أفضل لبعض النقاط المهّمة:
- لقد تمّ توضيح مفهوم “الوحي” الذي هو “تدخّل خلاصي من الرب في التاريخ البشري عبر أحداث تاريخيّة معاشة ومُختبرة من المؤمنين”، وليس مجرّد “تعاليم” منزلة كما في الإسلام. الوحي هو حوار بين الله والبشر في التاريخ؛
- من هنا اتّضح أيضا معنى “التاريخ الخلاصي”، والرباط بين التقليد الشفهي الحيّ الذي ينقل الإيمان عبر الأجيال،والكتاب المقدّس بكونه خلاصة للوحي الإلهي؛
- ومن هنا برزت أهميّة الجماعة المسيحيّة الصغيرة “على مثال الجماعات المسيحيّة الأولى”، في تحويل النص المكتوب إلى كلمة حيّة في حياة المسيحيّين، وذلك من خلال دورها الأساسي في إعلان هذه الكلمة، والإصغاء إليها، والاحتفال بها، وفي كونها المكان “التاريخي” الذي يستمرّ فيه تدخّل الله في تاريخ الناس، والذي فيه تمكن رؤية فاعليّة هذه الكلمة في تغيير حياة من يتلقونها ويحتفلون بها، لا أن تبقى “حبرا على ورق”. طبعا، يمكن اختصار كلّ هذا، بما جاء في النص من أنّ المسيح ليس فقط محور العهدين، القديم والجديد، وهذا تعبير لاهوتي، ولكنّه الشخص الذي نلتقي به شخصيا من خلال إعلان الكلمة والاستماع إليها وقراءتها والتأمّل بها…
- وبرزت أيضا بعض العبارات عن دور الكهنة، حيث تمّ التذكير بالقرار المجمعي حول “خدمة الكهنة وحياتهم (رقم 4)، والذي يؤكّد بأنّ “دور الكهنة الأوّل يقوم على إعلان كلمة الله”، ونقل الكتاب المقدّس وتفسيره، ليس وفق آرائهم الشخصيّة، بل وفق كلمة الله…
- اللائحة النهائيّة للتوصيات:
تضمّنت اللائحة النهائيّة للتوصيات، توصيتين حول كلمة الله والراعويّة البيبليّة، من أصل 44 توصيّة.
- عنوان التوصية الأولى: “كلمة الله”، وقد تضمّنت هذه التوصية ثلاثة محاور رئيسة:
– التشجيع على القراءة الربيّة، بمعنى قراءة شخصيّة وجماعيّة لكلمة الله والتأمّل فيها؛
– الاستعانة بالانترنت وبطباعة كتيّب، لتقديم شروحات ومنهجيّات بسيطة لقراءة وفهم الكتاب المقدّس؛
– تنظيم دورات بيبليّة في الرعايا.
الملاحظ هنا أنّ الاتّجاه الأساسي في الحثّ على التعرّف إلى كلمة الله هو اتّجاه فكري، وإن كان قد أكّد على القراءة الربّية، ولكنّه بقي في إطار القراءة والتأمل والشرح والدورات التفسيريّة، مهملا من جديد ما كان نص “العرض بعد المناقشة” قد اكتسبه في التشديد على البعد التدبيري والتاريخي لكلمة الله بكونها تدخّل الله في التاريخ وفي حياة الأفراد والجماعات، والذي لا يمكن الولوج إليه ومعرفته إلاّ باختبار كلمة الله بكونها اللقاء الشخصي مع المسيح القائم من الموت، وللكنيسة كإطار حقيقي لعيش هذه الكلمة المحقّقة في الحاضر، كما في الماضي. هذه الأبعاد الثلاثة: التدبيري والكريستولوجي والكنسي، لا يمكن فهمها بطريقة محض عقليّة، أي من خلال القراءة والتأمل، بل من خلال إعلان الكريغما المسيحي الذي يفطّر قلب السامعين ويدعوهم إلى الرغبة في تغيير الذهنيّة واستقبال الخبر المفرح بموت وقيامة المسيح، بكونه الرب الوحيد القادر على قيادة حياتهم. لا يستطيع أن يقرأ كلمة الله ويتأمل فيها ويصلّيها إلاّ ذاك الذي آمن بها بكونها تجسّد قدرة الله في نقله من الإنسان القديم إلى الإنسان الجديد على صورة المسيح؛ أمّا غير المؤمن، أو ذاك الذي فقد الإيمان، أو حتى ذاك الذي يمارس الإيمان بطريقة تديّنيّة، فلا يمكنه أن يهتم بكلمة الله كأساس لحياته، لأنّ حياته مؤسذسة على “هموم هذه الدنيا” التي تشغله عن “إضاعة الوقت بقراءة كلمة الله والتأمّب بها… طبعا، أسلوب التوصيات يفترض كلمات قليلة، ولكن، كان بالإمكان إعطاء نص أكثر تعبيرا عن هذه الأبعاد التي ذكرتها.
- عنوان التوصية الثانية “الراعويّة البيبليّة”، وقد تضمّنت محورين رئيسين:
– التشجيع على إعلان الكتاب المقدس، بعهديه، وقراءته والتأمل فيه، والاحتفال الليترجي به على مثال الجماعة المسيحيّة الأولى؛
– اقتراح إعلان سنة بيبلية وتكريس أسبوع سنوي للكتاب المقدس.
في المحور الأول، تختصر هذه التوصية بعض المضامين المهمّة للنصوص السابقة، وتسترجع بعض ما أُهمِل في التوصية الأولى؛ فبدلا من استعمال كلمة “إعلان الكتاب المقدّس” كان من المفضّل القول “إعلان كلمة الله”. ولكن بمعزل عن دقّة التعبير، أعتقد أّن كلمة “إعلان” بحدّ ذاتها، تسترجع هنا البعد الكريغماتي (التبشيري) الذي نقص في التوصية الأولى. لقد حصلت مجادلة في أكثر حلقات الحوار، حول هذا الترتيب: إعلان، قراءة وتأمل، ثمّ احتفال ليترجي. هل يجب أن يسبق “الإعلان” فعل “القراءة والتأمل والاحتفال الليترجي”؟ في النهاية، إتّفق الآباء على تقديم الإعلان على القراءة والتأمل والاحتفال، وهذا هو الترتيب الأفضل، لأنّه يضعنا في خط التبشير الجديد الذي أصبح حاجة مهمّة في عصرنا. فإذا اعتبرنا أنه ما زال هناك بعض المؤمنين والحمد لله، ولكنّ الأكثرية الساحقة من المسيحيين لم يعد لهم أي إيمان ناضج، يدفعهم إلى قراءة الكتاب المقدّس والتأمل به، بل إن أكثر الذين يشتركون في الاحتفال الليترجي، على قلّتهم، لم يعودوا يختبرون حقّا تجسّد هذه الكلمة في حياتهم الواقعيّة. وليس مردّ ذلك إلى عدم رغبتهم بتحقيق الكلمة التي يحتفلون بها، بل إلى عدم قدرتهم على ذلك: في العمق، يعتقد أكثرهم أن هذه الكلمة صعبة التحقيق، وأنّها جميلة جدّا ولكنها مثال عال لا قدرة لهم على عيشه. هذا ما نعرفه جميعا في اختبارنا الراعوي، في حوارنا مع الناس، في سرّ التوبة… من هنا، يأتي هذا الترتيب: إعلان الكلمة أولا، ثم الباقي، ليحثّنا، راعويّا، على استرجاع البعد التبشيري وإعادة التنشئة المسيحيّة على الإيمان، ومن ثمّ مساعدة هؤلاء الناس على محبّة الكلمة والاحتفال بها …
يُختَم المحور الأول لهذه التوصية بتقديم الجماعة المسيحيّة الأولى، كنموذج للعمل الراعوي، وهذا برأيي أمر مهم جدّا. فنحن اليوم، ككنيسة، أقرب بكثير من كنيسة القرون الأولى منّا إلى كنيسة الجماهير التي عرفناها منذ الاعتراف القسطنتيني بالكنيسة وحتى المجمع الفاتيكاني الثاني. من هنا أهمّية العودة إلى نموذج الكنيسة الأولى، التي كانت أولويتها المطلقة التبشير بكلمة الله، والمتابعة الشخصيّة للمؤمنين، من خلال العرّابين، والمبشّرين، والمعلّمين… وإذا كان عندنا الحدّ الأدنى من الحس الاجتماعي، فلا يمكننا أن نستمرّ في نموذج كنيسة الجماهير التي تتناقص يوما بعد يوم، بل تجب العودة إلى نموذج الجماعات الصغرى، حيث يظهر جسد المسيح، مع الكاهن رأسه، ومع كل المواهب الأخرى التي تساهم في بنائه، ومن خلال الحياة المشتركة ومساعدة الضعيف، والاهتمام بالضال، إلخ… بهذا المعنى، كتب المقرّر العام في نص “التقرير بعد المناقشة” الذي استجمع فيه ما جاء في مداخلات الآباء المجمعيّين، ما يلي: “كما جرى التشديد على المكانة المميزة التي تحتلّها الليترجيا والاحتفالات بكلمة الله في جماعات صغيرة، على مثال الجماعات المسيحيّة الأولى، من أجل فهم كلمة الله فهما وجوديّا، حيث تصبح الكلمة، عبر الاحتفال، حيّة وفاعلة في حياة المصغين إليها، والمتأملين بها، الذين يجدون دربهم إلى النور”.
إنطلاقا من كلّ ما قلناه واستخلصناه عن “كلمة الله” في سينودس الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط، وانطللاقا من اقتناعنا بأنّ هذا الكلام يحتاج إلى أن يتحوّل إلى أفعال عمليّة ووعي جديد للدور الأول في تجديد كنائسنا من الداخل، ومن ثمّ في إطلاق رسالتها في محيطها، أنتقل للكلام عن دور كلمة الله في رسالة الكنيسة، كما ورد في القسم الثالث من الإرشاد الرسولي “كلمة الرب”، للبابا بندكتس السادس عشر، ليس دون كلمتين مختصرتين عن المقدّمة والقسمين الأول والثاني.
ثانيا، كلمة الله في تعليم الإرشاد الرسولي “كلمة الرب”
مقدّمة الإرشاد:
يتكلّم البابا هو أيضا عن خبرة الشركة الكنسيّة بين الأساقفة “والغنى الناتج عن الجلسات الفاتيكانيّة والتعليمات الصادرة عن العمل المشترك”، كما يؤكّد بأنّه لن يكتب الإرشاد الرسولي إنطلاقا من توصيات السينودس فقط، بل بالارتكاز أيضا على كلّ الجهد الذي سبقه في “ما قُدّم من وثائق: الخطوط العريضة، وأداة العمل وتقرير ما قبل المناقشة وبعدها، ونصوصالمداخلات التي تُليت في الاجتماعات إلخ”.ويحدّّد البابا الأسباب التي دعت لعقد هذا السينودس حول كلمة الله، بما أنّ هذا الموضوع “قلب الحياة المسيحيّة بالذات”، وذلك بالتواصل مع جمعيّة السينودس السابقة حول “الإفخارستيّا، ينبوع حياة الكنيسة ورساتها وذروتهما”. وبعد أن يستذكر كلّ الوعي المتجدّد الذي حدث في الكنيسة الكاثوليكيّة، منذ حبرية البابا لاون الثالث عشر (أواخر القرن التاسع عشر)، مرورا بالمجمع الفاتيكاني الثاني في “الدستور العقائدي حول كلمة الله”، وخلال الخمسين سنة اللاحقة له، يؤكّد البابا أن السينودس بحدّ ذاته كان “خبرة عنصرة يوميّة” في الإصغاء إلى كلمة الله والاحتفال بها، كما في المداخلات العديدة التي تمّت خلالها وعبّرت عن غنى مواهب الروح القدس في الكنيسة وتنوّعها، كما يعلن عن رغبته، وبالتالي عن هدف السينودس، وهو “أن تؤثّر مكتسبات السينودس تأثيرا فاعلا في حياة الكنيسة: في العلاقة الشخصيّة بالكتب المقدّسة، في شرح هذه الكتب في الليترجيا وفي التعليم المسيحي، كما في البحث العلمي… كلّ هذا في إطار أساسي وهدف رئيسي، هو أن نستعيد خبرة الكنيسة الأولى مع الرسل كافة وعلى رأسهم بطرس، وبالأخص الرسول بولس “الذي وهب حياته من أجل أن يُسمعً الجميعَ بشارة خلاص المسيح (أنظر الأعداد 1-5).
- ملخّص القسم الأول والثاني:
في القسمين الأول والثاني من الإرشاد، يؤكّد قداسة البابا، مرتكزا على توصيات مجمع الأساقفة وكلّ المداخلات التي حصلت فيه، على المحاور الأساسيّة للاهوت كلمة الله، من حيث أنّها كلمة-تدبير إلهي في تاريخ الإنسانيّة، وحوار بين الله والإنسان في هذا التاريخ. لذلك جاء تحت العنوان الرئيسي “كلمة الله”، عنوانان أساسيّان: “الله الذي يتكلّم”، و “جواب الإنسان على الله الذي يتكلّم”، مع عنوان ثالث مكمّل، أي “تفسير الكتاب المقدّس في الكنيسة”، وهو الذي يضع هذا التفسير في إطاره الحقيقي، أي الكنيسة بكونها المكان الطبيعي للتفسير. ومع الاستفاضة اللاحقة في الكلام عن وسائل التفسير وأطره والحوار حوله إلخ.، إلاّ أن التشديد على البعد الكنسي يبقى الأساس، لأنّه يضع التفسير في كونه تكملة لهذا الحوار التاريخي بين الله والإنسان، والذي حصل في تاريخ شعب معيّن، ثم في شعب الله الجديد، أي الكنيسة. كلّ تفسير للكلمة المكتوبة، بدون شهادة الشعب الذي حملها إلينا، والشعب الذي يعيشها اليوم، يمكن أن تصبح مجرّد نظريّات عقيمة، لأنّها تفتقر إلى الشهادة التاريخيّة والواقعيّة لمعنى هذه الكلمة وفعاليتها في حياة من يعيشونها، أي الكنيسة الحيّة.
أمّا القسم الثاني، فقد وسّع هذا البعد الكنسي لفهم وعيش كلمة الله في الكنيسة، من خلال عنوانان مهمّان جدّا، وهما: “الليترجيا مكان مميّز لكلام الله” و “كلام الله في الحياة الكنسيّة”، ويمكن القول بأنّ هذان العنوانان يختصران حقيقة أنّ كلمة الله ليست مجرّد “كلمة مكتوبة” يجب تفسيرها أو قراءتها الشخصيّة أو التأمّل بها، بل أيضا وعلى الأخصّ “كلمة حيّة” حاضرة وفاعلة من خلال الاحتفال بها وبفعاليتها في الأسرار المقدّسة، وفي الجماعة التي تحققها في الحياة العمليّة.
- نظرة متأنّية لبعض المقاطع البالغة الأهميّة في القسم الثالث:
نتوقّف فيما يلي عند هذا القسم الثالث، وهو تحت عنوان عام: “كلمة إلى العالم”، ونحن سنلقي بنظرة خاصة على الجزء الأوّل منه، تحت عنوان: “رسالة الكنيسة: إعلان كلمة الله للعالم”، والذي يبدو لي الأكثر تجديدا، لأنّه يضع الكنيسة من جديد في ديناميّة الرسالة، ويشدّد على أن المعموديّة نفسها تعطي لكل مسيحي الدعوة لإعلان الإنجيل، والمواهب اللازمة للقيام بهذا الإعلان، وبالتالي فإنّ إعلان الإنجيل ليس دعوة خاصة في الكنيسة، بل هو دعوة عامة ملازمة للعماد، وواجب خطير لا يمكن عيش الإيمان المسيحي بدون تحقيقه. سأورد بعض هذه المقاطع المهمّة حرفيّا، مع ذكر العدد الذي وردت تحته، مكتفيا بتعليقات بسيطة حيث تدعو الحاجة.
أ- رسالة الكنيسة تنبع من كلمة الله
92. لقد أكّد سينودس الأساقفة بقوّة على ضرورة تقوية الحس الرسولي في الكنيسة، هذا الحس الموجود في شعب الله منذ نشأته. لقد اعتبر المسيحيون الأوائل بأن إعلانهم الرسولي ضرورة نابعة من طبيعة إيمانهم نفسه: الله الذي كانوا يؤمنون به هو إله الجميع، الله الواحد والحقيقي الذي أظهر ذاته في تاريخ إسرائيل، وأخيرا في ابنه الوحيد، معطيا بذلك الجواب الذي ينتظره كلّ الناس في عمقهم. شعرت الجماعات المسيحيّة الأولى بأنّ إيمانهم لا ينتمي إلى تقليد ثقافي معيّن، يختلف باختلاف الشعوب، بل ينتمي إلى نطاق الحقيقة التي تخص بشكل متساو كل البشر.
ليست الإيمان إذا شيئا خاصا، ولكلّ واحد ديانته وإيمانه! الإيمان المسيحي يختصّ بالحقيقة الكاملة التي ظهرت في المسيح، وعلى المسيحيّين أن يعلنوا هذه الحقيقة ويدافعوا عنها، حبّا بالعالم الذي يجهلها.
ب- الكلمة وملكوت الله
93. لذلك، فإن رسالة الكنيسة لا يمكن اعتبارها كأمر اختياري أو مضاف إلى الحياة الكنسيّة.
أي أننا إذا أردنا أن نقوم بالرسالة نقوم بها، وإن لم نُرد فنبقى مهتمّين بعائلتنا وشؤوننا، بينما العالم يموت من العطش للحقيقة! قال البابا: كلاّ، ليست الرسالة أمرا اختياريّا، أو مضافا إلى الحياة المسيحيّة.
المطلوب أن نسمح للروح القدس بأن يجعلنا شبيهين بالمسيح نفسه، مشاركين هكذا في رسالته نفسها: “كما أرسلني الآب، أنا أيضا أرسلكم” (يو 20: 21)، بشكل نوصل فيه الكلمة بكل حياتنا. إنها الكلمة نفسها التي تدفعنا نحو الإخوة: إنها الكلمة التي تنير، وتطهّر، وتقود إلى التوبة؛ نحن لسنا سوى خدّام.
إنّها الكلمة التي تخلّص، والتي تقود إلى التوبة؛ فعندما تعلن الكنيسة الكريغما، فالكريغما نفسه لديه القدرة بأن ينير، وبأن يطهّر؛ نحن فقط نحمله. نحن خدّام، فالأمر لا يتعلّق بنوع من التفكير، والمنطق، وليس الأمر بأن نقبل فكرة ما بطريقة عقليّة.
من الضروري، إذا، ان نكتشف مجدّدا ودائما الحاجة الملحّة لإعلان الكلمة، ولحدث ملكوت الله، وجمال هذا الأمر الذي بشّر به المسيح نفسه. بهذا المعنى، نجدّد وعينا، وهو ما كان مألوفا جدا لدى آباء الكنيسة، بأن إعلان الكلمة يحتوي على ملكوت الله (مر 1: 14-15). وهذا الملكوت هو شخص يسوع نفسه (الملكوت في شخصه)، وهذا ما يذكّر به أوريجانوس. الرب يقدّّم الخلاص للناس في كل العصور. فنحن متنبهين إلى ضرورة أن ينير نور المسيح كل نطاق البشريّة: العائلة، المدرسة، الثقافة، العمل، وقت الراحة، وكل نطاقات الحياة الاجتماعيّة. ليس المقصود إعلان كلمة للتعزية، بل كلمة تقتحم، وتدعو إلى التوبة، وتجعل ممكنا اللقاء مع الرب، ومن خلاله تزدهر بشريّة جديدة.
ت- المعمّدون كلّهم مسؤولون عن الإعلان
94. لأن كلّ شعب الله هو شعب “مُرسل”،فقد أكّد السينودس بأنّ “أن رسالة إعلان كلمة الله هي واجب كل تلاميذ يسوع المسيح كنتيجة لمعموديتهم”. لا يمكن لأيّ مؤمن بالمسيح أن يشعر بنفسه خارجا عن هذه المسؤوليّة التي تأتي من الانتماء إلى جسد المسيح.
المسيحيّون هم في داخل جسد المسيح. المسيح نفسه لديه لهفة إلى الخلاص، وهو قد أعطى حياته من أجل كلّ إنسان. نحن كلّنا، وكلّ معمّد هو عضو في جسد المسيح، فمن الضروري أن يستعيد كلّ المسيحيّين هذه اللهفة لخلاص الناس.
هذا الوعي يجب أن نعيده إلى قلب كلّ عائلة، ورعيّة، وجماعة، وجمعيّة وحركة كنسيّة. الكنيسة كسرّ شركة، هي في أجمعها رسوليّة، وكلّ واحد في حالته الحياتية، مدعو ليقدّم مشاركته الفاعلة للإعلان المسيحي.
(…)
العلمانيون مدعوون لتتميم واجبهم النبوي، الذي يصدر مباشرة من عمادهم، وأن يشهدوا للإنجيل في الحياة اليوميّة أينما وُجدوا. لهذا الهدف، عبّر آباء السينودس “التقدير الأكبر والامتنان والتشجيع لخدمة الإنجيل التي يقوم بها كثير من العلمانيين، وبالأخص النساء، بكرم والتزام في الجماعات المنتشرة في العالم، على مثال مريم المجدليّة، الشاهدة الأولى للفرح الفصحي”. يعترف السينودس أيضا، وبامتنان، بأن الحركات الكنسيّة والجماعات الجديدة هي، في الكنيسة، قوّة كبيرة لإعلان الإنجيل في هذا الزمن، وهم يدفعون باتجاه القيام بأشكال جديدة لإعلان الإنجيل.
ث- الحاجة الملحّة ل”الرسالة إلى الأمم”
95. أكّد آباء السينودس، وهم يحثّون كلّ المؤمنين على إعلان الكلمة الإلهية، على حاجة زمننا الملحّة أيضا لالتزام ثابت في “الرسالة إلى الأمم”. لا تستطيع الكنيسة بأي شكل أن تكتفي براعويّة “المحافظة” على الذين سبق ويعرفون إنجيل المسيح. الاندفاع الرسولي هو علامة واضحة لنضوج الجماعة المسيحيّة. بالإضافة إلى ذلك، عبّر الآباء بقوّة عن وعيهم لكون كلمة الله هي الحقيقة الخلاصيّة التي يحتاجها كلّ إنسان، وفي كلّ زمن. لذلك فالإعلان يجب أن يكون جهوريا.
هذا مهم جدا، هناك من يعتقد، حتى بين اللاهوتيّين أو الكهنة، أن إعلان الإنجيل لا يجب أن يصير بطريقة جهوريّة أو علنيّة، احتراما للآخر!!! يريدون أن يمرّ الإعلان من خلال أعمال ثقافيّة، وفنيّة، وأشياء أخرى كثيرة. يقولون أن الإعلان بطريقة علنيّة ومباشرة بأن المسيح قد قام، هو عنف! أمّا البابا والكنيسة معه، فيؤكّد بأن العالم يحتاج إلى إعلان جهوري وعلني للإنجيل، وهذا هو الحبّ الحقيقي لكلّ إنسان. فليس عنفا أن نعلن الحقيقة التي هي المسيح نفسه، ولا هو عنف أن نشهد باختبارنا للحياة التي تلقيناها منه. أمّا الآخر فمن حقّه أن يسمع هذا الإعلان، ثمّ يبقى حرّا في قبوله أو رفضه واضطهاد من يعلنه. بهذا المعنى، أكّد سينودس الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط على ضرورة العمل لكي تعترف حكومات الدول العربيّة، وأكثرها إسلاميّة، بحقّ الجميع، ومن بينهم المسيحيّين، بالتعبير عن رأيهم وإيمانهم بحريّة تامة.
لهذا، يجب أن يكون الإعلان جهوريا. يجب أن تذهب الكنيسة نحو الجميع بقوّة الروح القدس (راجع 1 قو 2:5)، وأن تستمر بأن تدافع بطريقة نبويّة عن حرية الأشخاص وحقّهم بأن يسمعوا كلمة الله، باحثة عن الوسائل الفعّالة لإعلانها، حتى ولو كان هناك خطر الاضطهاد. الكنيسة تشعر بأنها مدينة للجميع بأن تعلن لهم الكلمة التي تخلّصهم (راجع رو 1: 14).
فكيف يكون المسيح قد أعطى حياته لكي يخلص ذاك الإنسان، ولا أحد يحمل له هذا الإعلان؟ لا أحد يحمل له الخلاص؟ ولكن المسيح أهرق دمه لأجله ولا أحد يقول له شيئا. وهو في الرعيّة، محطّم، في العبوديّة، عنده مرارة في داخله لأن الموت في داخله، الموت الكياني في وجوده. المسيح قام من الموت وقد خلّصه: ولا أحد يحمل له الخلاص إلى داخله، وقيامة المسيح إلى روحه؟ لا أحد! كيف يكون ممكنا؟ ونحن الذين نعرف أنه بفضل إعلان الكريغما يمكن أن يدخل الروح القدس إلى داخل هذا الإنسان، إلى عمق ذاك الشخص المحطّم، عمق الموت هذا لكي ينوّره، ويعطيه السعادة والرجاء والخلاص، لأن الروح القدس يشهد له بأنّ الله يحبّه، وبأنّه يستطيع أن يشعر في داخله بأنّ الله موجود. هذا ما يحصل لمن يقبل إعلان الإنجيل، إن كان معمّدا وقد فقد الإيمان، أو غير معمّد يختبر حياة المسيح وحبّه المجّاني.
ج- الإعلان والتبشير الجديد
96. اتّبع البابا يوحنا بولس الثاني ما سبق وقاله البابا بولس السادس في رسالته البابويّة “التبشير في العصر الجديد (Evangelii nuntiandi)، مذكّرا بطرق مختلفة، بضرورة ربيع جديد من التبشير يقوم به شعب الله كلّه. في فجر الألف الثالث، ليس هناك فقط شعوب كثيرة لم تعرف الخبر المفرح، بل يوجد أيضا الكثير من المسيحيين المحتاجين أن تُعلن لهم من جديد كلمة الله بطريقة مقنعة، كي يقدروا أن يختبروا قدرة الإنجيل في الواقع الذي يعيشونه. كثير من الإخوة هم “معمّدون، ولكنهم غير مبشّرين بالقدر الكافي”. غالبا ما نجد أمما كانت غنيّة بالإيمان والدعوات وقد أضاعت هويّتها الخاصّة بتأثير الثقافة العالميّة. الحاجة إلى تبشير جديد، كما شعر بها بقوّة سلفي الكريم، يجب أن نؤكّد عليها من جديد بدون خوف، متأكّدين من فعّاليّة كلمة الله. الكنيسة متأكّدة من أمانة ربّها، ولذلك فهي لا تتعب من إعلان الخبر الإنجيلي المفرح، وتدعو كل المسيحيين إلى استعادة اكتشاف سحر اتّباع المسيح.
ح- كلمة الله والشهادة المسيحيّة
97. إن آفاق الرسالة المسيحيّة الشاسعة وتعقيدات الواقع الحالي تتطلّب وسائل متجدّدة لكي نوصل كلمة الله بطريقة فعّالة. الروح القدس، الفاعل الأول في كل تبشير، لن يتوانى أبدا عن قيادة كنيسة المسيح في هذا العمل. مع ذلك، من المهم أن تأخذ أشكال الإعلان في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين إيصال كلمة الله والشهادة المسيحيّة. لأن صحة الإعلان نفسه مرتبطة بهذا الأمر. فمن جهة، الكلمة ضروريّة لإيصال ما قاله الربّ لنا بنفسه، ومن جهة ثانية، لا بدّ أن نعطي، من خلال الشهادة، علامة على مصداقيّة هذه الكلمة، لكي لا تظهر كفلسفة جميلة أو أمرا خياليا، بل بالأحرى كحقيقة يمكن عيشها ويمكنها أن تُحيي. هذا التفاعل بين الكلمة والشهادة يذّكرنا بالطريقة التي تواصل فيها الله معنا من خلال تجسّد الكلمة الإلهي. كلمة الله تصل إلى الناس “من خلال لقائهم مع شهود يجعلونها حاضرة وحيّة”. وبالأخص الأجيال الجديدة التي تحتاج أن تتعرّف على كلمة الله “من خلال اللقاء مع المؤمن الناضج وشهادته الصحيحة، وأيضا بفضل تاثير إيجابي من الأصدقاء ومرافقة الجماعة الكنسية الكبيرة”.
هنا يؤكّد البابا أن هذا الإعلان يحتاج أن يترافق مع شهادة حيّة وحقيقيّة لدى الذي يعلنه. يمكننا التعبير عن ذلك بالقول، أنّ الناس لا تهتدي بمجرّد الإصغاء للإنجيل، بل أيضا برؤية مسيحي يعيش الإنجيل سعيدا! لا يمكن لإنسان أن يصدّق بأنّ المسيح هو ابن الله إن لم يرَ المسيحيّين يعيشون كأبناء لله.
هناك رباط وثيق بين شهادة الكتاب المقدّس، كشهادة تعطيها كلمة الله عن نفسها، وبين شهادة حياة المؤمنين. الواحدة تفترض الأخرى وتقود إليها. الشهادة المسيحيّة توصل كلمة الله المثبّتة في الكتاب المقّدس. الكتاب المقدّس، من جهته، يفسّر الشهادة التي على المؤمنين إعطائها بحياتهم الشخصيّة. فالذين يلتقون بشهود للإنجيل جديرين بالثقة، يلاحظون فعّاليّة كلمة الله في الذين يستقبلونها.
98. هذا التبادل بين الشهادة والكلمة يجعلنا نفهم ما أكّده البابا بولس السادس في الإرشاد الرسولي “التبشير في العصر الجديد”. لا تقوم مسؤوليتنا على إرشاد العالم إلى قيم نتشارك فيها معه، بل علينا أن نصل إلى إعلان صريح لكلمة الله. بهذا فقط نكون أمناء على ما أوكلنا المسيح به: “الخبر المفرح، المعلن بشهادة الحياة، يجب أن يعلن عاجلا أو آجلا من خلال كلمة الحياة. لا يوجد تبشير حقيقي إن لم يعلن اسم يسوع الناصري، ابن الله، وتعليمه، ووعود وملكوته، وسّره.
(…)
في هذا الإطار، أريد أن أردّد صدى الشهادات التي لا تحصى، التي سمعناها خلال جلسات السينودس. لقد تأثّرنا كثيرا أمام أخبار أولئك الذين عرفوا أن يحيوا الإيمان ويعطوا الشهادة الساطعة للإنجيل، حتى في الأنظمة المعادية للمسيحيّة، أو حالات الاضطهاد.
خلال جلسات السينودس، تكلّم الأساقفة الذين سُجنوا في الصين، أو في معسكرات الاعتقال، وقد اضطهدوا وتعذّبوا كثيرا.
هذا كلّه لا يجب أن يخيفنا. قال يسوع نفسه لتلاميذه: “ليس خادم أعظم من سيّده. إن كانوا اضطهدوني، فسيضطهدونكم أنتم أيضا” (يو 15: 20). لذلك، أرغب أن أرفع لله، مع كلّ الكنيسة، نشيد تسبيح لأجل شهادة الكثير من الإخوة والأخوات الذين أعطوا حياتهم في هذا الزمن أيضا لكي يوصلوا حقيقة حبّ الله التي ظهرت في المسيح المصلوب والقائم. أعبّر أيضا عن امتنان الكنيسة بأجمعها للمسيحيين الذين لا يستسلمون أمام العقبات والاضطهاد بسبب الإنجيل. (…)
يختم البابا قائلا:
خ- تبشير جديد وإصغاء جديد
122. لذلك، يجب أن يكون زمننا أكثر فأكثر زمن إصغاء جديد لكلمة الله وزمن تبشير جديد. اكتشاف متجدّد لمركزية كلمة الله في الحياة المسيحيّة كفيل بأن يجعلنا نستعيد المعنى العميق لما أكّد عليه البابا يوحنّا بولس الثاني بقوّة: “ان نستمر ب”الرسالة إلى الأمم وأن نبدأ بكل قوانا تبشيرا جديدا، بالأخص في تلك الأمم حيث نُسي الإنجيل أو أنّه يعاني لامبالاة الكثيرين بسبب “انتشار الروح العالميّة. نرجو أن يضع الروح القدس جوعا في الناس ويحدث عطشا لكلمة الله، ويقيم منادين غيورين بالإنجيل وشهودا له.
فلنصغ نحن أيضا للكلمة الإلهية التي تدعونا دائما وبصفة شخصيّة، الآن وهنا، وذلك على مثال رسول الأمم العظيم، الذي تحوّل بعد أن سمع صوت الرب (أع 9: 1-30). كما يخبرنا سفر أعمال الرسل، فقد أفرد الروح القدس بولس مع برنابا لأجل البشارة ونشر الخبر المفرح (راجع أع 13: 2). هكذا اليوم أيضا، لا يتوقف الروح القدس عن دعوة مستمعين ومعلنين مقتنعين بكلمة الرب ومقنعين في إعلانها.
د- الكلمة والفرح
123. بقدر ما نضع أنفسنا بتصرّف الكلمة الإلهيّة، بقدر ما نستطيع أن نلاحظ بأن سر العنصرة يعمل اليوم أيضا في كنيسة الله. روح الله يستمرّ في إفاضة عطاياه على الكنيسة لكي يقودنا إلى الحقيقة كلّها كاملة…
إن إيصال هذا الإعلان، كما يذكّرنا بذلك الرسول يوحنا، هو لكي “يكون فحنا كاملا” (1 يو 1: 4).
خاتمة:
يجب أن نشكر الله على كلّ الذين سبقوا وعملوا في كنائسنا منذ تأسيسها، وبالأخص كلّ الذين عملوا بنيّة صادقة في خدمة الكنيسة ومحبّة المسيح. من بين هؤلاء قدّيسون وآباء أساقفة وكهنة وهبان، وعائلات، وأساتذة ومعلّمات وأطبّاء ومهندسين، وسياسيّين إلخ. لآ يسعنا إلاّ ان نبارك الله لأجل الخير الذي عملوه في عصرهم. في الفترة الأخيرة، وبعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني شهدت الكنيسة أيادي بيضاء كثيرة عملت لأجل خدمة الكنيسة، ورأينا ازدهارا في حركات الشبيبة التي أعطت دعوات كثيرة للكهنوت والحياة الرهبانيّة وغيرها. كما شهدنا جهدا عظيما في الإصلاح الليترجي وفي العمل الاجتماعي وخدمة المحبّة، من خلال المؤسّسات الاجتماعيّة الكنسيّة وغيرها. ولا شكّ بأن المؤسّسات الكنسيّة، التعليميّة والصحيّة، ساهمت مساهمة كبيرة في تطوير الحياة الإنسانيّة، لجهة الثقافة والعلم، وأيضا لتوفير العناية الصحيّة الجيدة. وهذه أدّت خدمات جيّدة، لا سيّما في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة رائدة بل في بعض الأحيان وحيدة في تقديم هذه الخدمات للمسيحيّين الذين كانوا ما يزالون بأكثريّتهم على إيمان أجدادهم، ولغير المسيحيّين الذين كانوا يقدّرون للكنيسة خدمتها المرموقة.
من جهة ثانية، مررنا بحرب مدمرة، وعدد كبير من مسيحيي الشرق يمرّون بأوقات عصيبة، خلال الثورات الأخيرة. كما أنّ الروح العالميّ غزا مجتماعاتنا وعائلاتنا، وهذه الأمور وضعتنا في صعوبات كبيرة ، وبالأخص على مستوى الوحدة بين المسيحيّين، بسبب الانقسامات الحزبيّة والعائليّة، وبسبب عدم التواصل بين المسيحيين ورعاتهم المنشغلين بأكثرهم بوظائف التعليم والإدارة، وهذه قد تكون مفيدة ولكنّها تمنعهم من التفرّغ لشؤون الرعيّة. النتيجة هي أننا بتنا أمام أعداد كبيرة من المعمّدين الذين ابتعدوا عن إيمانهم، فضعفوا، لا بسبب خسارة الحرب فقط، بل بالأكثر لأنّهم فقدوا جذورهم الإيمانيّة التي كان من الممكن أن تساعدهم في الصمود، وتحويل هذا الضعف إلى قوّة.
هذا هو الواقع اليوم، وهذا ما دفع ببعض الأساقفة لطلب انعقاد سينودس للكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط. وكما رأينا فإنّ الجواب الأساسي الذي أعطاه السينودس هو في العودة إلى إعطاء الأولويّة لكلمة الله والتبشير بها، دون إهمال الخدمات الأخرى حيث ما زالت الحاجة إليها. هناك حاجة إذا إلى إعادة تلرتيب سلّم الأوليّات، لكي لا نبني خدمات كثيرة على غير الأساس الموضوع، أي الإيمان بالمسيح. أريد فيما يلي، التوقّف عند بعض المواضيع التي يمكن أن نعيد التفكير بها على ضوء ما جاء في السينودس، وفي الإرشاد الرسولي حول كلمة الله.
- الاعتراف بأننا أخطأنا كثيرا في تحويل اهتمامنا كلّه إلى التنشئة الثقافيّة والعلميّة، وبأننا أعطينا الانطباع بأنّ رسالة الكنيسة الأولى هي تأسيس المدارس والمعاهد، التي جعلت المسيحيّين يعتقدون بأنّ أهم ما يجب أن يؤمّنوه لأولادهم، هو المدرسة الجيّدة التي تعطيهم العلم والثقافة للحصول لاحقا على وظيفة جيّدة، إلخ. الخطيئة ليست في الاهتمام بهذا البعد الإنساني الجيّد، بل في إعطاء الانطباع، بأن هذا هو أهم ما يجب تأمينه لشبابنا وأولادنا، بينما أهملنا تنشئة العائلة المسيحيّة على الإيمان لكي توصله بدورها إلى أولادها. الخطيئة هي في عدم الربط بين العلم والإيمان، بحيث أنّ العلم يكون في خدمة استنارة العقل المؤمن، وليس في خدمة الوظيفة بالدرجة الأولى! أولادنا تعلّموا وعندما لم يجدوا الوظيفة التي تهيأوا لها، إمّا هاجروا أو أحبطوا، ولم يرغبوا بعد ذلك في الزواج ولا في الإنجاب وتربيّة عائلة مسيحيّة. أسمح لنفسي بصورة بلاغيّة مبالغة إذ أقول بأن العلم كغاية أساسيّة لحياة اجتماعيّة وماديّة أفضل، تحوّل إلى نوع من “معمل للموت”: فالناس لم تعد تنجب، لأنّها لا تستطيع أن تدفع قسط المدرسة والجامعة (على الأقل هذا أحد الأسباب الأساسيّة، وإن لم يكن السبب الوحيد). والناس باعت أراضيها لأنها تريد أن تدفع الأقساط. إذا، أولاد أقل، وتجذّر أقل في الأرض! والنتيجة؟ هجرة ونزف مستمرّان. أمّا عن رسالتنا المسيحيّة في الشرق، ودعوتنا لكي نكون “ملح الأرض” التي وُلدنا فيها، فمن قال لهؤلاء الشباب بأنّها أعظم الوظائف؟ وهل هناك وظيفة أهم من أن يكون الإنسان مساعدا للمسيح في خلاص العالم بالإنجيل؟
- منذ منتصف القرن الماضي حصلت هجرة داخليّة بوتيرة سريعة جدّا حيث أن عدد المسيحيّين الذين يعيشون في المدن والتجمّعات الكبرى بات يزيد على الخمسة والثمانين في المائة منهم. هذا الواقع جعل العمل الرعوي شبه مستحيل مع وجود كاهنين أو ثلاثة لكل خمسة آلاف أو حتى ثلاثين ألف نسمة في الرعيّة الواحدة. لقد استمرّينا في العمل الرعوي التقليدي، مع بعض الانفتاح على حركات الشبيبة وبعض النشاطات الأخرى. وهنا مشكلتان: حركات الشبيبة لم يكن بإمكانها جمع كلّ الشباب. وحتى الذين ينتمون إلى هذه الحركات، سرعان ما يتركونها عندما يتزوّجون أو يبدأون العمل، فيتحوّلون في الغالب، وفي أفضل الأحوال، إلى مجرّد مشاركين في قداس الأحد، هذا إذا لم يضيعوا في هموم العالم الكثيرة مثل الآخرين. أمّا العمل الرعوي التقليدي فاكتفى بخدمة الأسرار المقدّسة وتنظيم بعض الصلوات لمن يرغبون. المشكلة أنّ هؤلاء في تناقص مستمر كما قلنا، فمن يهتم باستعادة الذي ابتعدوا، وما يزالون يبتعدون عن حياة الكنيسة؟ وهل يكفي كاهنان أو ثلاثة لزيارة الناس في بيوتها وبطريقة متواترة وفعّالة، عندما نتكلّم عن رعيّة مؤلّفة من ألفين أو ثلاثة آلاف عائلة لا يرى الكهنة منهم في قدّاس الأحد أكثر من عشرة أو عشرين بالمائة؟ يجب أن نعترف إذا بأنّ هناك حاجة إلى ذهنيّة جديدة في العمل الراعوي، واستعادة العمل الرسولي في داخل الرعيّة، والقيام بالتبشير الجديد في قلب الرعايا، وتهيئة مؤمنين عديدين يعطون الأوليّة للرسالة، فيكونون مع الكهنة خليّة رسوليّة تذهب إلى الأبعدين وتبشرهم في البيوت والساحات. كما يجب الاهتمام الكبير بالعائلة المسيحيّة لتعود عائلة مرسلة في محيطها، وفي أماكن العمل والبنايات والأحياء، لمجرّد أن أفرادها يعيشون إيمانهم في واقعهم اليومي. ولا ننسى أنّ كلّ شاب أو فتاة، إذا ربحناهم للمسيح، وعلّمناهم أن يؤسّسوا عائلات مسيحيّة فإنهم سيوفّرون على الكثير من أساتذة التعليم الديني موقف من “يبيع بضاعة غير مرغوبة” من التلاميذ. ذالك أنّ الطالب الذي يرى أن أهله يهتمّون فقط أو بالأكثر بمادة الرياضيّات أو البيولوجيا، لأنّها “ستطعمه الخبز، بينما الإيمان لا يؤمّن الطعام!”، ولا يسمعهم أبدا يتكلّمون عن أهمّية المسيح والإيمان، فمن الطبيعي أنّه لن يعير التعليم الديني اهتماما، ومن الطبيعي أنّه سيفضّل النوم يوم الأحد بدل المشاركة في القدّاس…
إذا، نحتاج إلى تغيير ذهنيّة كامل في العمل الرعوي: أولا، بإعادة تنظيم الرعايا لتصغيرها إن بتقسيم الرعايا الكبرى، أو بتحويل الرعيّة إلى “جماعة جماعات” كما ورد سابقا في كلامنا عن سينودس الكنيسة الكاثواليكيّة في الشرق الأوسط.
- نعيش في محيط عربي، أكثريتّه الساحقة من غير المسيحيّين. وهذا الأمر ينسحب على كلّ البلدان العربيّة بما فيها لبنان، حيث المناطق التي كانت ذات أكثريّة مسيحيّة تتحول شيئا فشيئا إلى مناطق مختلطة، بل ذات أكثريّة غير مسيحيّة كما في الجنوب والبقاع وأطراف جبل لبنان الجنوبيّة، وحتى في ضواحي بيروت. الانحسار الديموغرافي وبيع الأراضي هما العاملان الأساسيّان في هذا الأمر، وقد سبق ووضّحت إحد أهم أسبابه. السؤال هو؟ لماذا ينكفئ المسيحيّون عن المناطق التي تصبح مختلطة أو ذات أكثريّة غير مسيحيّة؟ الجواب قد يكون متعدّد الجوانب، ولكن الجوهر بسيط: هم يخافون! فهل الإيمان يقود إلى الخوف، أو إلى الحب؟ وإذا كان الخوف هو المسيطر، فهذا يعني أنّ الإيمان لم يعد موجودا: الأولويّة في أيّامنا، لم تعد في العلم والثقافة والبحبوحة التي ستؤمنها الكنيسة للمسيحيّين، بل في إعادة التبشير وإعلان كلمة الله، فتبنى الحياة المسيحيّة مجدّدا على قوّة كلمة الله، ويعود المسيحيّون إلى الوعي لكونهم كنيسة مبشّرة ورسولة، أي الملح والنور والخميرة!
خلاصة:
هذه بعض الوقائع التي يجب أن تقود تفكيرنا في رسالة الكنيسة في الشرق، ولا مكان آخر ننطلق منه للتجديد وتغيير الذهنيّات واستعادة المبادرة، إلاّ بالعودة إلى التبشير بكلمة الله وبالإنجيل: أولا للمسيحيّين الذين فقدوه، وثانيا لكل العطاش إلى حقيقة المسيح، والذين ينتظرون منّا أن نوصلها إليهم. إنّه عمل الروح الذي يهبّ على الكنيسة، وهو الذي ألهم سينودس الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط، وقاده من خلال الأساقفة وكلّ المشاركين تحت رئاسة خليفة بطرس، وهو نفس الروح الذي ألهم السنودس حول كلمة الله، وهو نفس الروح الذي ألهم قداسة البابا لتحضير سينودس 2012 حول “التبشير الجديد”. الروح يعمل في الكنيسة، فأرجو أن يجد فينا جميعا استعدادا للاصغاء لإلهاماته، ورغبة متجدّدة في محبّة كلمة الله، وفي التبشير بها.
بانتظار صدور الإرشاد الرسولي الجديد، الذي يزمع البابا بندكتس السادس عشر تسليمه إلى رؤساء الكنائس الكاثوايكيّة في الشرق الأوسطأ أبّان زيارته المرتقبة إلى لبنان في سبتمبر/أيلول 2012، تبقى كلمة الله هي القضيّة الكبرى التي يجب تكريس حياة الكنيسة بكل أعضائها لخدمة التبشير بها، والتنشئة المسيحيّة من خلالها؛ وهي الأساس للولوج إلى تجديد العائلة، والمشاركة الحيّة في الأسرار المقدسة، وبناء الجماعة المسيحيّة. وكما يقول المزمور:” كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي”.
[1] دكتور في الكتاب المقدس، استاذ في جامعة الروح القدس الكسليك، كلية اللاهوت الحبرية.