Almanara Magazine

كسروان وجونيه في الحرب العالميّة الأولى

بقلم واكيم بولحدو[1]

        في 29 تشرين الأول سنة 1914، أوقفت تركيا العمل بالقرار الذي مَنَحَ جبل لبنان امتيازاته وضمته إلى الإمبراطورية العثمانية، والحقته بولاية دمشق. كما وأنها أعلنت الحرب على الحلفاء إلى جانب ألمانيا والنمسا وبلغاريا في 22 تشرين الثاني 1914، وعَيّنَت أحمد جمال باشا (1872 _ 1922) وزير خارجيتها قائدًا عامًا للجيش العثماني الرابع في سوريا ولبنان؛ فاتّخذ من مدينة دمشق مقرًا له، ومن ثمّ مدينة عاليه في لبنان. أخَذَ بالتضييق على اللّبنانيّين وسوقهم إلى الجندية. وأوعز بقطع الأشجار بخاصة الصنوبريّة منها لتكون وقودًا لتدفئة الجند ولتسيير القاطرات الحديديّة، واستولى على محاصيل الزّراعة. شكّلَ مجلسًا عرفيًا في بلدة عاليه لمحاكمة كلّ من تسوّل له نفسه انتقاد السلطنة العثمانية.

        وفي 28 كانون الأوّل من سنة 1914، استيقظ أهالي جونيه، كما في سائر المدن، وعلى أبواب كنائسهم ومجتمعاتهم والساحات العامّة والمباني الرّسميّة البلاغ الآتي نصّه. وهو بتوقيع الأميرالاي محمد رضا موجهًا بخاصة إلى الذين يقطنون على شاطئ البحر، جاء فيه:

“أولاً _ يُنتظر من أهالي جبل لبنان خاصةً أهالي كسروان، الذين أصبحوا عثمانيين صرفًا؛ أن يكونوا بكمال السكون زيادةً على كل وقت وزمان. كل من يتجاسر على أقل اخلال بالراحة، يُعَرّض نفسه للعقوبة الهائلة.

ثانيًا _ الذين يُولِّدون الشقاق، ويبدون أقل مساعدة للعدو، مالاً أو بدنًا، أو الذين ينوون التجسس؛ يُرمَون بالرصاص حالاً.

ثالثًا _ القرى التي تخفي ما يُأتون بحركات مغايرة لِما ذُكِر، ولا يُخبرون عنهم؛ تُحرق قراهم.

رابعًا _ لا يجوز لأي شخص الابتعاد في مياه البحر أكثر من خمسمائة مترًا، وإلاّ يُرمى بالرصاص.  

خامسًا _ ممنوع منعًا باتًا عَقد كل اجتماع علني أو خفي، والقيام بالمظاهرات. وممنوع أيضًا إذاعة الاشاعات.

الإمضاء:

الأميرالاي محمد رضا”

امر بشأن الإفادة عن أملاك العدو

        بتاريخ 15 كانون الأول 1914، وَرَدَ أمر من مديرية ناحية جونية إلى البلدية لتقديم الإفادة عن بيوت ومعابد ومدارس وأراضٍ تبعة الدول المُخاصمة (الحلفاء) وعن قيمها تخمينًا. كان ردّ البلدية بأن هذه الأملاك مُقيّدة في دفاتر المساحة الموجودة لدى مشايخ القرى وفي سجلات المحكمة وليس للبلدية صفة رسمية تخوّلها حق طلبها من المرجعين المذكورين. لذلك أفادت البلدية عن وجود مدرسة للإخوة المريميين الفرنساويين بخراج بلدة غادير وبناية أخرى لمدرسة عينطورة اللعازارية وبناية لراهبات المحبة الفرنساويات[2].  

الوضع المعيشيّ عام 1914

        بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية تظهر في بلدة جونيه بتاريخ الخامس من آب 1914، عند ابلاغ القائمقامية من قبل البلدية عن قطع ورود الحنطة إلى جونيه من كل جهات البحر عدا حيفا. وأخذ التجار يرفعون أسعار الحبوب بنسبة 50% زيادة عن بيروت بالرغم من تنبيهات البلدية[3]. وطلبت البلدية من المتصرفية السماح لها باستخلاص ألف كيلو من الحبوب مدفوع ثمنها في حيفا، وهي مستعدة لدفع ثمن الحبوب اللازمة للبلاد سلفًا لحكومة لبنان وعلى مسؤوليتها إيصالها إلى جونيه سالمة إن برًا أو بحرًا.

        وبتاريخ 28 آب 1914، طلبت بلدية جونيه من القائمقامية تسهيل استلام أحد التجار في جونيه الحبوب المطلوب استيرادها من ولاية بيروت رحمةً بسكان القضاء وأهالي البلدة الذين يشكون من حصول مجاعة لأن الحبوب الموجودة لا تكفي البلدة عشرة أيام.

        وبين الثاني والرابع من شهر شباط 1915 انقطعت المواصلات البحرية كليًا بين لبنان والعالم بسبب تجوّل اسطول الحلفاء في عرض البحر المتوسط بعد معركة قناة السويس واندحار الأتراك. هذا ممّا سبب قطع الموادّ الغذائية التي كانت تصل من الخارج. احتكرت السلطة التركية بعض المواد المعيشية لإطعام جيشها. فعمّت المجاعة الجبل وأكل الناس طحين الشعير والذرة والكرسنّة والباقية والحمص والعدس والترمس. ثم انتشر داء التيفوس. وكانت تُسمع أصوات الاستغاثة في الشوارع والازقة ترتفع طالبةً العون والنجدة: ” جوعان يا أهل المروءة جيعان ” وتساقط العدد الكبير من أبناء كسروان جوعًا.

اعتراض ارسال الحنطة إلى جبيل

        بتاريخ 16 شباط 1915 رفعت بلدية جونيه عريضة إلى المتصرفية تعترض فيها على ارسال الحنطة إلى جبيل، هذا نصها:

        “المعروض أنه بتاريخ 16 شباط 1915 تَقَدَمَ لمعاليكم عريضة من جانب قائمقامية قضاء كسروان البهية عدد 684 تتضمن بأن الحنطة المخصصة لقضاء كسروان والصادر أمركم الأشرف بقسمتها مناصفةً بين كسروان والفتوح وبلاد جبيل؛ الامر الموقع الاجحاف بحق كسروان، نظرًا لكثرة سكان كسروان وقلّة عدد سكان جبيل. حتى الآن لا يزال التوزيع على حاله. بادرنا بتكرار العرض ليصدر أمركم برفع المغدورية عن كسروان للأسباب الآتية:

        تَبَيَّنَ من الإحصاء الأخير الذي جرى بمعرفة الهيئة التفتيشية والمُسجَّلْ بقيودها الرسمية والمُصَدَق عليه من مدراء النواحي ومشايخ الصلح وكهنته وأوجه القرى؛ إنَّ عدد بلاد جبيل الذكور الموجودين حاليًا فيها /10777/ وعدد ذكور كسروان /15485/، فيكون عدد كسروان الثلاثة اخماس، وعدد بلاد جبيل الخمسين؛ فضلاً عن وجود المحاكم العدلية وكافة مراجع الحكومة في جونيه وعن وجود المستوطنين العديدين فيها، إن كان من اللبنانيين وان كان من الولايات المجاورة. ليس شيء من ذلك في بلاد جبيل، بقطع النظر عن وجود أكثر فقراء البلاد فيها وخصوصًا من جرود جبيل. ولا يُخفى أنَّ طريق قرطبا، احدى قرى بلاد جبيل، متصلّة بأراضي بلاد بعلبك والبقاع والاغلال واردة إليها. ممّا تقدم، يتضح لدولتكم المغدورية الواقعة على كسروان بهذه القسمة؛ فلو قدرّنا أن العدد الأصلي القديم هو خلاف العدد الحالي؛ فهذا لا اعتبار له، لأن أكثر سكان بلاد جبيل نزحوا إلى الديار الأميركية أكثر من كسروان. والعدد الأخير الذي لم يمضِ عليه أكثر من ثلاثة أشهر هو المُقيَّد. والحالة هذه نُكرر استرحامنا بما تقدّم، راجين صدور امركم الكريم بإعطاء كل ذي حق حقه والامر لدولتكم فرمان”[4].

فقدان الكاز

        بتاريخ 27 آذار سنة 1915، أمَرَت بلدية جونيه بجمع تنك الكاز الموجودة في الاسكلة ووضعها في مستودع خاص المأجور من البلدية في مُلك دير المرسلين، وذلك خوفًا من وقوع البلدة في ظلام تنتج عنه حوادث مكدّرة، لأن صنف الكاز كان قد قلّ من البلدة. وقررت أيضًا عدم تصريف الكاز إلى الخارج، ومجازاة التجار الذين يمتنعون عن تقديم الكاز إلى المستودع أو يسعون إلى تهريبه.

الافتقار إلى الحبوب

        بتاريخ 11 نيسان 1915، أصبحت بلدة جونيه وجوارها خاليتين من كافة الحبوب الضرورية للمعيشة. واضطُرَ التجار إلى طحن الشعير والذرة والكرسنة والحمص وباقي الحبوب. وتلافيًا لحدوث مجاعة، طلبت البلدية من متصرفية جبل لبنان الإسراع بإمداد البلدة بالحنطة اللازمة. وبعد اجراء التدقيق تَبَيَّنَ أن حاجة بلدية جونيه وما جاورها من القرى البالغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة، باعتبار اوقيتين لكل نسمة فتبلغ نحو /350/ قنطارًا أسبوعيًا[5]. وعمدت البلدية بعدئذٍ إلى مصادرة وتغريم كل من يخفي شيئًا من الحاجيات المعيشية الغذائية.

أسر بعض المواطنين

        بتاريخ 15 شباط سنة 1916، وفي عريضة رفعتها البلدية إلى قائمقامية القضاء؛ أفادت عن وقوع بعض المواطنين أسرى لدى العدو (الحلفاء)، وكان عددهم ثلاثة وثمانين شخصًا. وعدد الذين تكَّسَرَتْ قواربهم مائة وثمانية اشخاص، وذلك بناءً على افادة شيوخ ومختاري قرى غادير وحارة صخر والتوابع[6]

ازدياد المجاعة

        وبتاريخ 10 تموز 1916، رفعت البلدية إلى القائمقامية عريضة تعرض فيها شدّة احتياج الأهالي إلى الحنطة، بحيث أصبح عدد كبيرٌ منهم معرّضًا للموت جوعًا بسبب عدم وجود ولو قسم من الحنطة اللازمة لمعيشة الأهالي الضرورية. وتَطَلَبَ صدور الأمر إلى مأمور التوزيع في حدث بيروت لتسليم بشارة يوسف راشد معتمد كسروان كمية من الحنطة والبرغل والعدس وباقي الحبوب الموجود في المستودع ليصير توزيعها على الأهالي.

        وفي 27 تشرين الأول دعت البلدية رؤساء بلديات القضاء للتداول بمسألة ارتفاع أسعار الحنطة، والتي لا يُمكن للأهالي تحملها بسبب ضيق الظروف في ذلك الوقت[7].

عريضة من أهالي كسروان إلى البطريرك

        بتاريخ 13 تشرين الثاني سنة 1916 رُفِعَتْ عريضة من أهالي كسروان لغبطة البطريرك الماروني الياس الحويك، جاء فيها:

        “أيها الاب الأقدس

“غب التيمن بقبلة راحاتكم المقدسة والتماس بركتكم الرسولية؛ نعرض أنه لا يُخفى على غبطتكم ما في البلاد عمومًا من الضيق. فقد هَلِكَ ثلث السكان، لا سيما في نواحي كسروان وجبيل؛ فقد هَلِكَ أكثر من النصف. فإذا لم تتداركنا يد العناية وينهض ذوو الشأن لإغاثتنا، هَلِكنا جميعًا دون استثناء. وها قد دنا الشتاء، وليس لواحد بالماية مؤونة أسبوع واحد من الحنطة. وفُقِدَ المال من أيدي الجميع، ولا سبيل إلى الدَين. فبتنا نتوقع القضاء الرهيب، ولا تلبثُ قُرانا أن تُمسي قاعًا بُلقعًا ينعقُ البومُ فيها ويعود لبنانا العزيز مأوىً للضواري. هذا ونحن بين ظلمات هذا اليأس الشديد، ولم تَلُح لنا بارقةَ أملٍ بالفرج، ولم نرَ ما كنا نرجيه من العنايةِ والاهتمام ممن يُمكنهم أن يُخففوا عنا وطأة هذه الويلات التي لم يرَ العالم مثلها. أجل إنه يستحيل على القوى البشرية دفع هذه البلايا عن الجميع. لكن، لا يستحيل عليها بالاتكال على الله واستمداد غيثه أن تُنَجي الكثيرين من الهلاك والفناء ببذل الغيرة والنهضة والتضحية الرسولية. إنَّ الطبقة الفقيرة قد هَلِكَت في الشتاء الغابر ضحيةَ الإهمال، ولا يزال صدى أنينها يخترقُ السَحاب مستنزلاً السخطَ لقلةِ الرحمةِ وموبخًا الكثيرينَ بآيةِ الكتاب: ” لا تنسوا رحمةَ المساكين وشركتهم “. وهذا الموت الآن يفتِكُ بالطبقةِ الوسطى، التي باعت كل ما تملِكهُ من منتَقِل وثابت، وهي تموت ضمن جدران البيوت، ولا حيوة ولا نجاة لها بغيرة الرؤساء وعنايتهم، خاصةً غيرتكم وعنايتكم أيها الحبر الكبير المشهور بالحنانِ والتضحيةِ والاشفاق كما يشهد تاريخ حياتكم الماضية؛ فالجميع يذكرون لكم اياديكم البيضاء على الطائفةِ، وينتظرون أن تُضيفوا إلى تلكَ الاعمال المجيدة الصالحة، هذا العمل الكبير المهم الذي يتوقف عليه وحده حياة كثيرين من ابنائكم؛ فتظَل الرعية واحدة لراعٍ واحد. لأن الضرورة القصوى تجبُرُ على الدين والآداب ذيول الخلاعة والتهتك، فحياتنا الروحية والمادية بحاجة إلى العناية والمساعدة، وما أكثر القرى التي يموت سكانها دون الحصول على الاسرار الإلهية لعدم وجود كهنة في الرعايا. إنَّ بعض ذوي الهِمة والحَمِية في جهات غوسطا وجوارها قد انشأوا بعض المشاريع لإغاثة الفقير؛ فنَتَجَ عنها فائدة وخير. فحبذا لو عَمَّ المشروع بمساعدة الأوقاف، حتى تكون الفائدة أَعَمْ، وحبذا أيضًا لو صَدَرَتْ أوامركم العالية المُطاعة إلى رؤساء الاديار والمدارس والمعاهد بوجوب مساعدة البيوتات.  من وجه آخَرْ الذين لا يستفيدون من المشروع الأول، وذلك بأن يستدين رؤساء الأديار ويُديِنوهم مع اخذ الضمانات الازمة، لأن الدَين الذي يتَعَذَرْ على كثيرين، مُتَوَفِرْ لرؤساء الأوقاف، فيكونون قد أنقذوا حياةَ كثيرين دون أنْ يَضيع عليهم شيء. أليست هذه الأوقاف محبوسة على فقراء الطائفة؛ وهل أفقر منّا في هذه الظروف، وهل يَمُرْ بِنا زمان نكون فيه أشد حاجة من الآن، ولِمَنْ تكون هذه الأوقاف، ومن يقوم بخدمة املاكها، وما المنفعة من كراسي الأبرشيات إذا هَلِكَ الجميع؟ فأين التضحية، وأين الغيرة الرسولية وأين المحبة الأخوية. أين الرعاة الحقيقيون الذين يسهرون على خِرافهم، ويُقدمون لهم الطعام في حينه، ويخففون من ضيقاتهم بما يُمكن من المساعدات الأدبية والمادية؟ إن التغاضي، ونجلكم عنه أيها الآب الأقدس، في هذه الظروف الحَرِجة، جِناية تأباها عواطف أب حنون مُحب مِثلَكُم. أوليست الأملاك والمقتنيات في الضرورة القصوى مشاعة؟ أوليست الحياة أفضل من خيرات الدنيا؟ فإلى من نلتجئ في ضيقاتنا؟ ألنا غير الأب الأقدس الحنون؟ أنموت غير مأسوف علينا ولنا من يستطيع أن يُنجي الكثيرين من الموت؟ ثقتنا كبيرة بقداستكم وآمالنا عظيمة وحياتنا منكم ولكم، فلا تهملونا في هذا الضيق. والله من وراء اجركم، وهو يُلهمكم الخير ويأخذ بيدكم على ملافاة هذا الويل. ونحن نعلم أن قلبكم الأبوي يذوب حسرة ويتمزق حزنًا على ابنائكم الذين يلتهمهم الموت التهام النار للهشيم اليابس. فلا تَغُضوا الطرف عنهم، ولا تدعوا واسطة لإنقاذهم نفسًا وجسدًا، وهو تعالى يُعَوّض من الواحد مائة؛ فنسأله أن يُطيلَ حياتكم الثمينة ملاذًا وفخرًا.

        صح، لما كان حضرة كاتب سركم الخوري بولس عقل، قد أثبت في هذه الأيام الشديدة، بأسطع الأدلة كونه مفطورًا على حُب الخير للبشرية المتألمة؛ نرجو أن تُفوضوا إليه أن يستدين باسم الأوقاف، في هذه الجهات المبالغ اللازمة من الدراهم لإغاثة من يلزَم إغاثتهم، وأن يؤلف لجانًا مخصوصة من ذوي النزاهة والغيرة، يوزعون المساعدات بطريقة مضطردة ومأمونة، لأنه إذا كانت الحرية لمُتَوَلي الأوقاف، فلا يُرجى خير من كثيرين منهم، ويظل حاصدًا أبناء طائفتكم إلى أن يأتي على آخر واحد منهم، لا سمح الله.

17 تشرين الثاني سنة 1916

عن أهالي غوسطا

بان الخازن_ القس عمانويل محاسب_ قومسيون بلدية غوسطا_ قزحيا ناصيف معوض مختار قرية غوسطا_ يوسف فرنسيس أبي جبر الخازن_ القس أنطوان عارج_ منصور سمعان البيطار_ القس اسطفان صفير رئيس دير نسبيه_ الخوري يوسف مراد سعادة كاهن غوسطا_ الأب بولس عبود_ واكيم إسحاق شهوان مختار قرية غوسطا_ ناصيف موسى مراد_ منصور حنا مرقس مناسا.

عن أهالي درعون

شكري الشمالي شيخ قرية درعون_ الخوري أنطون مطر كاهن درعون_ الياس اسطفان الشمالي_ يوسف دبللين الخازن_ الخوري يوسف صفير خادم سيدة لبنان_ الخوري فرنسيس الشمالي كاهن درعون_ افرام روحانا الشمالي_ أنطون روحانا الشمالي_ يوسف حنا خليل مختار قرية حريصا_ فرج الله سرور_ رشيد أنطوان اسبهان_ أنطون حنا الشمالي_ سليمان منصور الحاج_ قومسيون بلدية درعون_ شاهين يعقوب عبدو سرور.

عن أهالي بطحا

طانيوس الخوري زخيا_ الخوري بطرس حنا الخوري كاهن بطحا.

عن أهالي عشقوت

غانم وهيبة_ الخوري بطرس مسعد_ مسعد مسعد شيخ قرية عشقوت_ قوميسيون بلدية عشقوت_ الخوري يوحنا فرح كاهن عشقوت.

عن أهالي بقعاتة عشقوت

بولس زيادة مختار قرية بقعاتة عشقوت_ إبراهيم بركات_ بطرس ناصيف_ عباس الشدياق_ موسى يوسف دريان.

عن أهالي ريفون

جرجس حنا صفير_ تميم سجعان الخازن_ حنا مارون صفير_ بشارة مبارك_ روكس صابر صفير_ أنطون حنا صفير_ منصور سجعان الخازن_ حنا نحول صفير_ الخوري نعمة الله فرسان خادم ريفون_ يوحنا الخوري صفير_ سجعان الخازن_ نصار بطرس_ الخوري سمعان صفير خادم ريفون_ عبد الله مرتينوس.

عن أهالي القليعات

غسطين عبود البويز_ شكري رايج الخازن_ عقل سمعان الشدياق مختار القليعات_ نعمة الله طنوس حجيلي شيخ قرية القليعات_ شبل اسد الخازن_ عبدو الياس أبي راشد_ الخوري نعمة الله صفير خادم القليعات_ ساير سمعان الشدياق_ الخوري يوحنا أبي راشد_ سمعان مطر الريف.

عن أهالي عجلتون

سعيد يوسف غصن_ فؤاد الخازن_ يوسف حبيب الزغبي_ عبدو سركيس الخوري_ سعد غصن مختار عجلتون_ بشارة الياس الخازن_ نسيب الياس الخازن_ ادم صفير_ الخوري شكر الله صفير كاهن خورنية عجلتون_ الخوري نقولا صفير_ الخوري يواكيم الزغبي_ يوسف مارون حنا.

عن أهالي قرية داريا

الخوري علمان خادم داريا.

عن أهالي جونيه_ صربا_ غادير_ حارة صخر_ ساحل علما

ملحم مراد_ أنطون مراد_ الخوري يوسف حاويلا_ يونان الخوري_ رشيد مغامس مطر_ سليم غسطين_ فارس أسعد عكر_ خليل الخوري سعادة_ يعقوب حاويلا_ الياس طنوس ريشا_ بشارة جرجس أبي كرم_ إبراهيم اسطفان غانم_ ملحم أبي فهد عضيمي_ مخائيل حبيب العضيمي_ يوسف سمعان أبي كرم_ سمعان غنطوس أبي شبكة شيخ صربا_ الدكتور جرجس مارون أبي صعب_ أنطون سركيس مهنا_ القس كليمنضوس دلبتاني الأنطوني خادم حارة صخر_ سليم علوان حبيش_ سعيد داوود نجيم_ بولس مراد_ نجيب بوزيد_ نعمة الله صليبا شيخ قرية حارة صخر_ الخوري يوسف واكيم الهوا_ منصور عبود سمعان_ توفيق سليم غسطين_ طنوس عبود سمعان_ جرجس نجم سمعان_ سليم يزبك البويز_ قيصر الخازن_ أنطون عبد المسيح_ نجيب يوسف يمين_ عبدالله الهوا مختار غادير_ فيليب كميد_ نخلة شمعون زخيا_ بولس نجيم_ إسكندر نقولا عارج_ يعقوب طنوس بركات_ منصور ابي فهد عضيمي_ يوسف كنعان البويز_ فيليب يعقوب ابي سعد_ نجيب طنوس ابي شبكة_ الخوري بطرس جرمانوس خادم صربا_ يوسف موسى ابي يزبك_ قزحيا حنا البريدي.

هيئة بلدية جونيه

بولس مراد_ يوسف ريشا_ الياس بطرس سركيس_ يوسف الهوا_ قيصر رشيد الخازن_ نعمة الله عبد الله صليبا_ بشارة جرجس خبصا_ رئيس نجيب بوزيد.

عن أهالي ذوق مكايل

فارس البرجي_ جرجس أنطون سلموني_ سليم ملحم مغربل_ فارس ابي شيبان البويز_ بولس بو حيدر_ الياس نقولا كرم_ أنطون عبد الله باخوس_ أنطوان نفاع شيخ قرية الذوق_ إسكندر سليمان نفاع_ أنطون دهان_ يوسف سليمان نفاع_ جرجس نجم مطر مختار قرية الزوق.

        وعلى أثر هذه العريضة، أَمَرَ البطريرك الياس الحوّيك (1843-1931) الإكليروس الماروني ان يُبادر إلى بذل المساعدات كل على قدر طاقته. وبوجوب انشاء افران في الأديرة مجانية ليوزع ما يُمكن توزيعه على فقراء الناحية. وأَمَرَ أيضًا بإنشاء افران مجانية وعلى حساب البطريركية في جونيه وجبيل والبترون والجبة والديمان. وأذِنَ للأديار بأن يستدينوا المال الكافي لهذه الغاية. وإذا لَزِمَ الأمر بَيع أملاك الأوقاف لإطعام الجياع. يجري تصديقها منا أو من مطران الأبرشية بحسب الأصول والعوائد المرعية. وبناءً عليه قد أثبَتنا وأمرنا ما شرحناه على أن يصير العمل بموجبه[8].

تحريرًا في 9 كانون الأول 1916

الحقير الياس بطرس

البطريرك الانطاكي”

طلب مساعدة لبلدية جونيه

        بتاريخ 25 حزيران 1917، طلبت بلدية جونيه من المتصرفية مساعدتها للقيام بالمشاريع الحيوية والعمرانية العائدة بالمنفعة على عموم الأهالي. وحدّدت أوجه المساعدة بما يلي:

_”عدم تكليف البلدية بدفع مصارفات غير متوجبة عليها.

_ تأمين مبلغ مائتين وخمسين ليرة عثمانية ذهبًا، رسومًا عن الحبوب التي وردت إلى جونيه، والمودعة في صندوق المتصرفية.

_ دفع قيمة خمسين ليرة عثمانية ذهبية بدل مصروف عن احتياطات لمنع انتشار داء الكوليره.

_ الاجازة للبلدية باستيفاء رسم على الحارات والمغالق المُستجدة.

_ الاجازة للبلدية باستيفاء رسم عشر بارات على كل رطل خضار وفاكهة تُباع في الاسكلة.

_ لما كان على المتصرف أن يبذل قصارى جهده في سبيل تأمين اعاشة أهالي لبنان، وخصوصًا الفقراء منهم باستحضار الحنطة اللازمة لمعيشتهم. ولما كان عدد كبير منهم لا عمل له، وكان البعض يموت جوعًا. عرضت البلدية رأيها بإمكانية استخدام الفقراء في سبيل إتمام المشاريع العامة؛ كإنشاء شارعين في اسكلة جونيه، على أن يَجري تخصيصهم بكمية من الحنطة. البلدية تدفع لهم فوق الكمية التي تُخصص لهم أُجرة طفيفة. وبهذه الطريقة يحصل انقاذ هؤلاء من الموت جوعًا. وتتم المشاريع بأسهل الوسائط. وتنتهي العريضة بالشكر المُسبق لدولة المتصرف والامتنان باسم العموم”[9].  

اعلان

        هذا اعلان عُلِقَ على جدران شوارع جونيه ابان الحرب العامة، كتبه الأب بولس عبود، دفعًا لِظُلم البُغاة في تلك الأوقات العصيبة:

        “قد تألفت في كسروان عصابات عديدة. أخذت تَعيثُ في البلاد فسادًا، نهبًا وسلبًا وقتلاً. فلو شئنا تعداد افعالها الذميمة؛ لطال بِنا الكلام؛ فنكتفي بأن نورِد بالإيجاز ما جرى هذه الأيام الأخيرة في غوسطا وجوارها. فقد شَنَتْ احدى هذه العصابات الشريرة الغارة ليلاً على بيت الخوري فرنسيس منصور في بطحا وقتلته شر قتلة، واخذت كل ما في بيته من نقود واوراق مالية وامتعة. ولم يمضِ زمان قصير، حتى قصدت دار الوجيه حبيب بك البيطار المُقيم هو وعائلته موقتًا في جونيه؛ وسلبت كل ما فيها من المتاع والرياش، مستترة بجناح الظلام. بعد ذلك، طَرَقَتْ بيتًا آخر في جوار بزمار، ورَبَطَتْ بالحِبال صاحب البيت وابنته وشقيقه، بعد أن أوسعتهم ضربًا وتهددتهُمْ بالقتل إذا رَفَعَ أحدهم صوته بالصياح، وأَخَذَت كل ما هنالك من مال ومتاع. ولم تترك للجماعة شيئًا من ثيابهم. وانصَرَفَت آمنةً هذه الزُمرة الباغية التي لم يكن عددها اقل من خمسة عشرَ شخصًا.

        والحكومة المحلية وقومندانية الجندرمة في جونيه ساكِتة مُتغاضِية. بل يمكننا أن نقول _ من غير مغالاة _ بكل حق وصواب؛ إنَّ الذين وُكِلَّ إليهم امر المحافظة على الرعية، هم مشتركون في أفعال العصابات الذميمة. مُنشِطّون لها سلبًا وإيجابًا، خلافًا لنِيّات دولتنا العَلِيّة أيدها الله ورجالها العِظام. لأننا نرى انفارًا كثيرين من الضابطة يشهبون ويسلبون ويضربون جهارًا من غير أن يخافوا أو يَلقوا لومًا أو عقابًا. بحيث يُخشى أن تتخذ هذه العصابات، إذا لم نبذل الوسائل السريعة والفعّالة لردعها وقهرها، شكلاً آخر يكون أشد شرًّا ورُعبًا.

        وما أوردناه من اعمال هذه العِصابة، إنما هو امثلة قليلة من الفوضى الهائلة السائدة في هذه الجهة، والتي يُخشى بِصواب أن تتخذ شكلاً اشد خطرًا؛ فيتفاقم شرها ويَعّم البلاد. فإننا نستلفت انظار أولياء الأمر الساهرين على راحة العِباد وخير الأُمة إلى هذا الفساد الجسيم. ونرجو أن يضرِبوا الجُناة ضربة قويّة تأديبًا لهم وعِبرةً لهم؛ لأن الحكومة المحلية والضابطة غافلتان _ لسوء الحظ _ عن كل ذلك، إذا لم نَقُل أكثر[10]

                        جونيه تموز 1917 عن أهالي كسروان

                                                        الإمضاء: الاب بولس عبود الغوسطاوي”

تدشين الشارع الجديد في جونيه

        بتاريخ 29 تموز سنة 1918، أرسَلَ قائمقام جونيه إلى هيئة البلدية، الكتاب التالي:

“بناءً على فتح الشارع الجديد في اسكلة جونيه؛ ولأن دولته والي بيروت المُعَظَمّ سَتَحُلّ رِكابَهُ الشريف نهار الاحد القادم لتدشين هذا الشارع، الذي باشر بإنشائه الوالي المُشار إليه، إذ كان متصرفًا[11] لجبل لبنان. يلزم أن تَجروا بالنهار المرقوم كامل الزينات اللائقة كما هو المعهود بكم من الهِمة والنشاط”[12].   

تشكيل حكومة مؤقتة في جونيه

        انتهت الحرب العالمية الأولى. وكان طبيعيًا ان تُبادر الأجهزة المحلية إلى التحرّك لتقرير شؤون كسروان قبل وقوع الكارثة، بعد غياب الدولة وهرب الاتراك.

        وبتاريخ 6 تشرين الأول 1918 عُقِدَ اجتماع في مركز بلدية جونيه بين أعضاء البلدية وبعض وجهاء قضاء كسروان للبحث في تقرير شؤون المنطقة آنذاك وتشكيل هيئة شعبية تقوم مقام الحكم في قضاء كسروان ريثما تستقر الحالة الدولية. وبعد التداول اتخذ المجتمعون المقررات التالية:

“اولاً: _ تشكيل لجنة مؤلفة من المجلس البلدي في الاسكلة. وضمّوا لمعاونتها الذوات الاتية أسماؤهم:

        كنعان بك الضاهر والشيخ راشد الخازن ونعوم بك باخوس وجرجس بك زوين والدكتور بولس نجيم وإميل بك باغوص ويوسف فارس كرم ورؤوف بك منضور وحبيب بك البيطار ووديع بك لحود وفيليب أفندي كميد وحبيب بك واكيم والشيخ يوسف راشد الدحداح والياس أفندي البستاني وبشارة أفندي أبي كرم. لكي تنظر في المسائل العائدة لتقرير الأمن والراحة في قضاء كسروان.

ثانيًا _ قرروا بالإجماع تأييد وبقاء رئيس الحكومة المؤقتة عزلتو نجيب أفندي أبي زيد ليُدير شؤون الاعمال التي تساعد على حفظ السكينة والراحة.

ثالثًا _ انتخبوا مديرًا للأمن العام عزتلو حنا بك الضاهر قومندان القضاء.   

رابعًا _ فوضوا إلى اللجنة المومى إليها مخابرة كافة اللبنانيين بشأن استقلال لبنان على ما كان عليه سابقًا. ودعوة وكلاء من كل قضوات الجبل. كما قرروا الاتصال بأعضاء مجلس الإدارة السابق”.

مناضلون في الحرب العالمية الأولى

        بشارة جرجس البواري، صاحب كتاب مذكراتي في أربع سني الحرب (1914 -1918) الصادر عن مطابع جريدة ” الهدى ” النيويوركية سنة 1926. ضابط ترجمان في سفن البحرية الفرنسية بين أرواد وقبرص والإسكندرية. حَكَمَ عليه جمال باشا بالإعدام غيابيًا. نَكَلَ الأتراك بشقيقه الذي نُفِيَ واستُشهِدَ في الأناضول. وقد وضع الاتراك الألغام على مدخل مرفأ جونيه لِمنعه من التجول ليلاً على الشاطئ، وتبادل الرسائل السرية مع المطران بولس عقل ويوسف كرم في البوار. حاز على وِسام الشجاعة الحربي. ومن جملة الذين ناضلوا ضد الاتراك خلال الحرب العالمية الأولى: نعمة الله منصور الخويري، المُلقب ب “الكابيتان”[13] الذي سَكَنَ والده حارة صخر عام 1895. فقد اعتُمِدَ في أول الأمر من قِبَل الاتراك لِنَقل الذخائر بحرًا إلى العقبة وبئر السبع. وذات يوم بينما كان كعادته، ناقلاً الذخيرة على مَركِب شراعي مع معاوِنيه أنطون فارس والياس لحود وطنوس عويس؛ إذا بِدارعة فرنسية تُمطِرُهُم وابلاً جُهنميًا من فوهات مدافعها في عرض البحر. فلم يَعوا أنفُسَهُم إلاّ وهم في بطن الدارعة الفرنسية قرب جزيرة قبرص. ولأنهم لبنانيون خَيَّرَهُم الفرنسيون الإقامة في قبرص أو غيرها. فلم يرضَ نعمة الله إلاّ التطوع في الأسطول الحليف المُرابض في بور سعيد. فعُيِّنَ في نفس الدارعة التي كانت قد أَسَرَتهُ. وكان ينزِل منها مرارًا إلى برّ تركيا؛ جامعًا المعلومات للحلفاء. وأنزلته القيادة الفرنسية أكثر من مرة متنكرًا إلى طرابلس، راصدًا تحركات الألمان وأسرارهم الحربية. وكان ينزل مرارًا إلى البوار ليُسَلِم مُعتمدي فرنسا الأموال والكتابات بإرشادات بشارة جرجس البواري من خلال إشارات ضوئية بالقناديل مع يوسف كرم.

        وقد حصل معه حادث بينما كان نازلاً من الدارعة ” جاكوبي ” وبرفقته سمعان الراعي وميلاد قزحيا وحنا جرمانوس. إذ داهمه مركب عثماني كان يترصدهم وعليه تسعة أنفار من الجيش التركي. تبادل ورفاقه معه النار، بعدما طلب حماية القومندون ” ماس “، وعاد مع رفاقه إلى الدارعة سالمًا، بعدما تمكن من قتل أربعة جنود أتراك وجرح خمس جنود آخرين.

        فأُعجِبَ القومندان ” ماس ” ببطولته ورفاقه. وأبرق إلى أميرال البحر المتوسط في بور سعيد يُخبِرهُ بالواقعة. فحضر الأميرال وعَلَقَ على صدرِ كُلٍ منهم ” ميدالية الشجاعة ” مع وثيقة ممهورة بختم الحكومة الفرنسية. وعند نهاية الحرب، عينه الأب سارلوت رئيس مدرسة عينطورة، محافظًا ومديرًا لمستودع الإعانات طوال مدة حاكمية القومندان ترابو على دولة لبنان الكبير. أنهى حياته في منزله في حارة صخر، مُزودًا بشهادات الدولة الفرنسية تقديرًا لبطولاته.

        ومن جملة أخبار الحرب العالمية الأولى: تَطَوَعَ سليم منصور الحجار سعادة والد مختار غادير السابق فريد الحجار سعادة، بالسفر إلى حمص مع المرسل اللبناني الأب بولس السخن لجلب الحنطة لِجِياع جونيه. وقد روى الأب بولس السخن ويلات هذه الرحلة بمخطوط عنوانه: ” عناية الله بمال الفقراء”[14].

المنفيون والشهداء في الحرب العالمية الأولى

        من ويلات الحرب العالمية الأولى في كسروان وجونيه، قضاء ثلث سكان المنطقة جوعًا ومرضًا. وقد دُفِنَ من أبناء جونيه، ومن المُشردين الفقراء ما يزيد على أربعة آلاف نسمة في وادي بكركي، حيث اليوم مدافن الأرمن. وقد أقامت جمعية العملة (العمال) قداسًا على أرواحهم سنة 1919 في دير مار يوحنا الحبيب التابع للكريميين. وقد بكى السكان موتاهم بحُزن وأسى. ورثاهم سجعان بك عارج ونخلة نصر[15].

        ومن جملة أعمال الأتراك الفظيعة: نفي العديد من وجهاء وموظفي المنطقة إلى القدس وبر الأناضول بِتُهَم مختلفة. وقد توصلنا إلى معرفة غالبية أسماء المنفيين الذين كان منهم شهداء.

        وقد تم النفي في أول الأمر إلى القدس الشريف، وعلى دفعتين:

_ الدفعة الأولى، كانت في 9 كانون الثاني 1915 وتألفت من: نعوم بك باخوس عضو مجلس الإدارة عن كسروان، يوسف بك فريفر مدير ناحية جونيه، بولس نجيم مدير القلم الأجنبي في المتصرفية، وحبيب بك البيطار قائمقام كسروان، والدكتور أنطوان أفندي العضم.

_ الدفعة الثانية: الياس أفندي بركات عضو دائرة الجزاء الاستئنافية، والباش كاتب عبد الله أفندي روفايل. أما كرم أفندي طنوس كاتب محكمة كسروان، وملحم بك ناصيف مدير الزوق؛ فقد صُرِفَ النظر عن إبعادهما بسبب المرض والعجز عن السفر. ولم يتمكن الأتراك من نفي الشيخ رشيد الخازن لكثرة تسميات رشيد في العائلة الخازنية، فصُرِفَ النظر عنه.

        وأصدرت المجالس الحربية أحكامًا غيابية بحق مُتهمين بميلهم لفرنسا، وهم: الشيخ وديع حبيش لتطوعه بالجيش الفرنسي. بشارة أفندي البواري اتُهِمَ بجناية الترجمة والتجسس في دارعة فرنسية. وألفرد لبنان من دلبتا وأيوب البواري من جونيه، وداود بركات من يحشوش بتهمة الفرار من وجه الحكومة. والشيخ إبراهيم نعمان حبيش بتهمة التطوع في الجيش الفرنسي. ويوسف جرجي البواري من البوار، والمُقيم في جونيه بتهمة ارسال مكتوب مُضِر بالدولة. ويوسف روحانا البريدي من فيطرون، بتهمة إعطاء إعانة لحكومة فرنسا وتشويق الأهالي على ذلك. ونشرت جريدة لبنان الرسمية[16] أسماء المحكوم عليهم بالإعدام ومصادرة الممتلكات، وفي عدادها أسماء من جونيه وكسروان، وتحديدًا من العقيبة: طانيوس شبل لحود، وزخيا برطع، وحبيب صالح القزي، ومنصور حنا القزي؛ اتُهِموا بالفرار للالتحاق بالفرنسيين.

        ومن الذين نُفِيوا إلى “نعللو خان” في الأناضول: نعيم فرنسيس البواري وإخوانه الثلاثة، وفيليب بشارة البواري وإخوانه الأربعة وهم من تجار جونيه المعروفين.

        وحُكِمَ بالإعدام غيابيًا على المطران يوسف دريان من عشقوت بتهمة كتابات فاسدة وأعمال ضد الدولة في محل إقامته في مصر[17]. وحُكِمَ بالإعدام غيابيًا على نعمة الله ضرغام من رامية رسلان التابعة لجونيه[18]. وحُكِمَ بالنفي على سجعان بك عارج سعادة، وأُلقِيَ القبض عليه رغم محاولته الفرار بتنكره بزي راهب بلدي بمساعدة رئيس دير نسبيه في غوسطا. أما الياس البستاني، فأُلقِيَ القبض عليه سنة 1915، وزُجَّ بالسجن بتهمة العمل ضد الدولة؛ فمات أبوه غمًا عليه ثم حُبِسَ في بيروت سنة 1916، وعُذِبَ بالكهرباء بتهمة مخابرة الحلفاء بالتلغراف اللاسلكي، فنُفِيَ إلى أنقرة في الأناضول[19].

        وبالإضافة إلى الشهيدين فيليب وفريد الخازن اللذين شُنِقا في بيروت. قضى في النفي في الاناضول عذابًا وقهرًا، نخبة من المنفيين من أبناء عائلات جونيه، وهم الشهداء:

_ الإبن الوحيد في حينها لسجعان بك عارج سعادة وعقيلته في ” قير شهر ” في ولاية أنقره. أما والدته فماتت في غوسطا، حسرة على نَفيِه.

_ إسكندر أفندي صفا قضى في الاستانة؛ بعدما توفيت والدته حزنًا على اعتقاله في محل إقامته في جونيه.

_ وفي معتقل “حيمانه” في الاناضول، قضى تعذيبًا وحرمانًا الخواجة طنوس البواري والخواجة حنا البواري وجرجي قازان[20].

        ويورد بشارة البواري في مذكراته نقلاً عن يوسف كرم، الوسيط السري بين لبنان والفرنسيين، أسماء بعض الذين أوقفهم الاتراك من جونيه والمنطقة على الشكل التالي[21]:

        الياس ريشا، إسكندر صفا، سجعان عارج، نعمة الله البون، المطران بولس مسعد، وابن حنا نخول (أي الياس البستاني). ومن الذين تم نفيهم إلى الأناضول من آل بواري؛ نقلاً عن بشارة البواري في مذكراته: “إنَّ أفراد عائلتي الذين أُبعِدوا إلى نواحي انقرة هم أولادي الأربعة فيليب، وجمال، وتوفيق، ورشيدة، وأخي طنوس وأولاده نبيه ونسيب وإميل وأخي حنا وامرأته وابنته وأولاد ابن عمي فرنسيس ونعيم ويوسف ويعقوب وأولاد شقيقتي حنا ويوسف والياس”. وللتخلص من بشارة البواري وضع الاتراك الألغام على مدخل مرفأ جونيه خلال فترة الحرب، وقد قذف هياج البحر اثنين منها إلى شاطئ البوار وشاطئ حالات.

صربا وحادثة الأب بطرس جرمانوس العاقوري

        من دفتر الزواج في رعية مار جرجس، نصٌّ كتبه الأب بطرس جرمانوس العاقوري (خوري الرعية من تشرين الأول 1911 إلى 2 شباط 1919)؛ نُدرجه حرفيًا كما ورد (بأخطائه اللغوية وشوائبه) حفاظًا على روحه وطرافته والحقيقة التاريخية. هو مكتوب نحو سنة 1919 (بعد نهاية الحرب العالمية الأولى)، ما يُعطي فكرة عن تلك الحرب، لا على صعيد صربا وحسب، بل على صعيد لبنان. ويزعم العاقوري في نصّهِ أن اسم صربا من أصل عربي أي “سُرَّ بها”. ويُعطي لمحة مقتضبة عن بعض أُسَر صربا؛ حاصيًا أهلها وسكانها وبيوتها ووفياتٍ حصلت في المنطقة؛ راويًا ما أصابه من جملة ويلات وأهوال تلك الحرب:

        “في العشرين من أيلول سنة ألف وتسعمائة وأحد عشرة، 29 أيلول 1911، قد تعين الخوري بشارة الشمالي خادمًا لرعية صربا، بطلب ورضى جمهور الأهالي، وتفويض سيادة راعينا المفضال المطران بولس مسعد. وهذا ملخص الإعلام الصادر من سيادته: بحسب الالتماس تَفَوَّضَ حضرة الخوري بشارة الشمالي بخدمةِ أولادنا أهالي قرية صربا، في امورهم الروحية، وتوزيع الاسرار الإلهية عليهم، ونحثّ تقواهم بالرب أن يتقبلوه، ويُصغوا لما يُلقيه عليهم من الإرشادات الخلاصية والنصائح الأبوية بكل حبّ واحترام. وعربونًا لذلك نُهديهم إجمالاً وأفرادًا البركة الإلهية. تحريرًا في 29 أيلول سنة 1911.

(الختم) الحقير بولس مسعد

                                                                                                      مطران دمشق”   

        “واستلم الخوري المذكور مهام الرعية في الخامس من تشرين الأول وبدأ بزيارة الرعية. فكان مجموع بيوت القرية 350 بيتًا ومجموع النفوس 1500 والمهاجرين 250 نسمة”.

        “وفي سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشر، بتاريخ 29 تشرين الثاني، قد تَعَيَّنَ الخوري بطرس جرمانوس من العاقورة، خادمًا لرعية صربا بأمر من سيادة راعينا المفضال المطران بولس مسعد”، وهذا ملخص المرسوم:

        “نظرًا لِما نعرفه فيكم من الدراية ومن السيرة، قد فوضناكم بخدمة أولادنا أهالي قرية صربا الذين نناجيهم باسم الربّ، ونحث تقواهم، بأن يتقبلوا حضرة ولدنا الخوري بطرس، ويُصغوا لِما يُلقيه عليهم من الإرشادات الخلاصية والنصائح الأبوية بكل حُبّ واحترام. وعربونًا لذلك نُهديهم إجمالاً وأفرادًا البركة الإلهية .

                تحريرًا في 29 كانون الثاني سنة 1911                          

   الحقير بولس مسعد”

                                                                                           (الختم)

        “فاستلمت مَهام هذه الرعية المباركة. وكان وكلاء الوقف كل من الخواجات: فارس ناصيف البويز ويوسف عبد الله أبي شبكة. ومكثت مهتمًا بأمرها الروحي إلى أن نشبت الحرب العمومية، فاشتدّت الأذمة وعمّ الضيق البلاد، بعد أن ضُرِبنا بالجراد الذي لم يبقَ له من مثيل في هذه الأصقاع. ولم ينقل إلينا التاريخ حلوله بكذا كثرة. فعمَّ البلاد من الشطوط البحرية حتى أعالي الجبال. وأتلف جميع المزروعات والأشجار المثمرة وغير المثمرة. وترك لنا من فضلاته، الأمراض الوبائية كالتيفوس والدزنطاريا والحمة القملية والهواء الأصفر، فحوَت عن ضيق ذات اليد الأحرج. فهجرت جميع سكان الجرود أوطانهم، وأتوا الشطوط البحرية، فَكَثُرَتْ الوفايات. وكان عدد الذين دُفِنوا بواسطة كاتبه الخوري بطرس ورفيقه الخوري لويس عطالله من المرادية، مدت الأحداث في مدرسة القرية[22] هذه ألف وخمسمائة نسمة، معظمهم من المتسولين الغرباء رحمهم الله” [23].     

        “إن قرية صربا، عرفها القدماء باسم صربا المُرَكَّب من إسمين أي (سُرَّ بها)[24]، نظرًا لِظرافة موقعها الجغرافي. إذ هي مرتفعة عن البحر، مسطحة الشكل، وقد بنى فيها الرومانيين برجًا، وما زالت آثاره باقية ليومنا هذا؛ وكان يُدعى بالقلعة _ أي الحصن _ وهو الآن مَركَز لدير الآباء الحلبية لرهبنة الكاثوليك يُدعى بدير المخلص. معظم شبانها متنورين بذكاء طبيعي. وقد وهبهم الله كل الأخلاق. ولذا نرى أن أصل القرية مؤلَّف من عائلتين: عائلة بويز وأبي شبكة. وقد توطن فيها عيال مختلفة كعائلة رشدان وخبصا وحساب وبيت البعينو وواكيم مطين… وفي سنة ألف وتسعمائة وثلاثة عشرة، قد استدعيتُ لهم مرسلين لعمل الرياضة الروحية، بعد أن عرضتُ لسيادة مطران الأبرشية ولحضرة رئيس الرسالة؛ فأوفدوا لي المُرسَلَين بولس العاقوري والخوري لويس ذيدان، وكلاهما من أبناء الرسالة اللبنانية أي الكُريميين”.

        “فتقدم الجميع من منبر القرية، ونُحِتَت كلمة الله في القلوب. وفي سنة 1914، عملتُ لهم رياضة، أقمت بمواعظها وحدي بعد الاتكال على الله، واستعنت بمواعظ بواردالو والتنيري وغيرهم، حيث لم أتوفق بمُرسلين بتلك السنة”.

        “وفي سنة الخامسة عشرة بعد الألف؛ استدعيت أحد المُرسلين الخوري بولس الخوري؛ فباشر لهم برياضة روحية مدة أسبوع واحد؛ وقد توفاه الله في 27 شباط سنة 1916”.

        “فما دخلت سنة الخامسة عشرة في اواسطها، حتّى أذاق البلاد فيها الأمريّن بسبب القحط ودخول الدولة العثمانية في الحرب مع الدولة الألمانية. فضربت الدول المعادية لألمانيا ولتركيا نطاق بحري. ودخل العسكر التركي إلى لبنان، وخرق نظاماته وألحقه بالولايات بكل معنى الكلمة. ولم يترك سوى التجند الجبري من نظام لبنان الممتاز. وعَزَلَ متصرّف الجبل أوهانس باشا، وفضَّ إدارة الجبل وعيَّنَ متصرفًا علي منيف (تركي الأصل) وشَكَّلَ ديوان حربي من الاتراك، وجعل مركزه بعالي على طريق صوفر بالقرب من مكين. وكان قائد هذه المنطقة أحمد جمال باشا سفاك قاتول؛ فألقى الرعب بقلوب الناس بعد أن نفى معظم الرجال إلى بر الأناضول، وقد شنق بعضًا. من جملة الذين أُعدِموا من أبناء طائفتنا: الخوري يوسف الحائك خوري سنّ الفيل بالقرب من بيروت، ويوسف الهاني البيروتي، والشيخين فريد وفيليب قعدان الخازن الذين بخل الزمان عليهم. ومن جملة الذين نفاهم لبر الأناضول المطران بطرس شبلي الذي توفاه الله في منفاه… ولم يكن علي منيف بأقل شرًا من أحمد جمال نظرًا لِما كان مطبوعًا عليه من سيء الأخلاق. وهكذا مَثَل عن عموم الضباط الأتراك الذين ضربنا بهم الله في مثل هذه الأيام التاعسة؛ فلا تَسَل عما ألَّمَ بالناس من المجاعة التي اشتدَّتْ في البلاد عمومًا وفي الشطوط البحرية وأواسط البلاد، خصوصًا حتّى قيل إنَّ بعض الأمهات أكلنَ أولادهُنَّ في جهات طرابلس والشام”.

        “فاتخذ علي منيف فرصة المجاعة والعاذة في البلاد. فحجز الأغلال ووُضِعَت في مخازن دُعِيَت مخازن العسكرية، وذلك بأمر أحمد جمال باشا. فاتخذ هذه الفرصة علي منيف السيء الأخلاق وعَمِلَ شركة تأمينية للإعاشة. وجعل بدأة ذي بدء رأسمالها من تجار البلاد، وضرب على كل تاجر اتهم مالية التوقيف بالقوة المسلحة؛ وجعلَ مديرًا لها نجيب بك الأصفر الماروني، أحد سكان دمشق الشام. ورتب دفاتر عن سنة كاملة وُذِعَتْ على عموم الأهلين كوثايق بأيديهم يصير تقديمها لعنابر الشركة في كل شهر، ويعطي عن كل شهر للنَفِس ضَمَن عشر كيلو من الحنطة، وبقيت الحبوب من الدراء البيضة والشعير الأسود. وهكذا حَصَرَ أمر الإعاشة فيه رأسًا. فحرت هنا حالة الأهلين، فتراكضت الناس قارعة أبواب المتصرف، واتخذ جميع الطرق المرضية له لأخذ وثيقة لإعطائهم ما يسدّون فيه مجاعتهم. وهنا لم يعد يمكني تنضير ما عرفناه وسمعناه، من ارتكاب المنكرات والفوضى من علي منيف وأتباعه المُعتبرين إليه من ضباط الاتراك الأوغاد. ومن هذا الحادث يفهم المُطالع تأثير القوة بالهيئة الاجتماعية…”.

        “إذ أن منطقة كسروان بَلِيَت أكثر من سواها. عَيَنَ قومندان هذه المقاطعة ضابط يُدعى عارف بك، رجل غدّار فاسق تركي الأصل من سلونيك، أُهيمَ بحب ابنة من خورنيتنا تدعى أوجينيه اللوبيه، شقيقة أحد ذوات هذه البلدة المدعو نقولا جرجي سعادة، من أمه التي كانت تَرَمَّلَت واقترنت بالمرحوم سعيد السكمان من قرية غوسطا، فَرُذِقَ منها هذه الابنة التي تُوفِيَ أبوها وهي قاصر؛ فَوُضِعَت بمدرسة للبنات في عينطورة، وعادت أمها لبيت زوجها الأول، ولها منه نقولا وأخوات غيره. فدفَعَتني الواجبات الدينية، واستدعيتُ أخيها نقولا ونصحته أن ينصح شقيقته هذه من أمه. وكان نُصحي له صباح يوم، ففي المساء بَلَغَني بأن عارف بك مكدر الخاطر جدًا عليَّ، وأنه عازم على ضرري، فحَمَلَتهُ القحة أن يأتي إِلَيَّ وبِنِيَتِهِ الإيقاع بي، فشَعَرَ به أحد شبان هذه البلدة المدعو مخايل موسى أبي مرعي، فأرسَلَ سرًا يُعلِمني بالأمر والفخّ الذي مستعدّ هذا الوحش إيقاعي فيه”.

        “فاستدركتُ للحال، وهيئتُ عَرَقًا لمعرفتي قوة مفعوله بعقل الضابط المذكور. فما كادت الشمس أن توالي المغيب، وإذ به لمكان سكناي الذي كان عَمِلَتهُ الوقف بقرب مار جرجس القديمة، وبمعيته كل من الضابط الشيخ توفيق العماد الدرزي المذهب واللبناني الأصل، وأحد متوظفي الكركو المدعو حسن العال من بيروت مسلم المذهب، والشاب مخايل موسى أبو مرعي. فحال وصوله أظهرت له لطفًا، وجاءت له المشروبات فرفض بدأة ذي بدء، وقال إن زيارته لي ليست زيارة أحباب بل أخصام، لأني قبحت بحقه وتكلّمت بحق مروئته (كذا بالحرف الواحد) وقلت بأنه مسلم. فحالاً أجبته بأني لما كنت صاحب وظيفة، وقانون وظيفتي يوجب عليَّ روحيًا أن أُنَبّه أبناء رعيتي، فإذا كان صَدَرَ مني تنبيه يكون من قِبَل الوظيفة، وهذا لا أُلام عليه قانونًا. وهكذا ساعَدَني الحضور على ترويق خاطره؛ فاقتنع بالظاهر حاليًا. وبعد أن ملئ رأسه من العرق، قام يَسُرُ إليَّ بأنه يطلب التنصر بشرط أن يكون بطريقة سرية. فأجبته بديهيًا بأنَّكَ رجل قارىء ومتنوّر من المملكَ العثمانية السامية القرار، وأنَّ الدين الأساسي فيها هو الدين الإسلامي. فلا حاجة لكَ والحالة هذه لهذا الطلب غير المعقول. فأَلَحَّ عليَّ كثيرًا؛ فلأتخلص منه، أجبته أني لا أتمكن من ذلك إلاّ بطلب رسمي منه لأقدمه لرئيسي الروحي ليأذن لي بذلك. فحالاً بادر إلى مكتبتي، وأخذ ورقت وقدمها لي، بعد أن كَتَبَ عليها باللغة التركية ما معناه: إني بملء طوعيتي، ألتمس من البابان بطرس أفندي العاقوري التنصر، بشرط أن يتم هذا بطريقة سرية ويُئيد (يكتب) خانتي بين خانات أبناء خورنيته: كاتبه عارف”.

        “فعند ذلك ودّعني وذهب، وأنا قد حفظت هذه الورقة بين أوراقي عن غير قصد مني، ولم يمضي على هذا الحادث أشهر، حتّى أتاني طلب لديوان الحرب العرفي، الذي كان نُقِلَ إلى بيروت. وجعل مركزه بدير الآباء الكبوشيين بمدينة بيروت، حيث كانت الدولة العثمانية ألغَت الامتيازات الأجنبية ووضعت يدها على المؤسسات الأجنبية. فذهبتُ لبيروت فوجدتُ عارف مُقدّم عليَّ دعوى، بأني امتهنت دينه الإسلامي، وسمى شهودًا الابنة المذكورة ووالدتها”.

        “وبعد أخذ قراري أمام الدائرة، ونُكراني ما نُسِبَ إليَّ، استدعى الابنة وأُمِها وأخذوا معلوميتهن. استُدعيتُ ثانيةً، وفَهِمتُ بأن الدوائر عائدة عليَّ بالوبال، فأحضرت الاستدعا الذي كان كتبهُ لي عارف وجاءته بعد أن كنتُ سردتُ واقعة الحال. وهكذا رغمًا عن التعصب، بُرِئت ساحتي، وحُكِمَ على عارف بأيحالته على التقاعد وتغريمه ثمانية عشرة ليرة عثمانية وحبسه أسبوعًا. فلهُ الشكر على ذلك إذ لم يُرِد أن يُرخي بي الأيدي للنهاية. وما عَتِمَ أن الضابط عارف أُعيدَ بعد ثلاثة أشهر كان قد قضاها بجهات ضبيه، أن أُعيدَ إلى مركز مأموريتهِ وأخذ الابنة التاعسة زوجة شرعية حسب ناموسهم”.

        “ومن هذا الحادث يفهمُ كل مُطالع لبيب ما كان مفعول الوِشاية؛ وكم من البيوت هُدِمَت والعيال أُبعِدَت إلى أصقاع الأناضول. ولم يخلُ الأمر من الإهانة لمعظم رجال البلاد وتذليلهم من علماني وقانوني. حتّى أن غبطة بطريركنا المُبجَّل الياس الحويك قد طُلِبَ لصرفه بأمر جمال باشا الذي كان مُزمِعًا أن يُبعده لداخلية البلاد، لولا مداخلة قداسة الأب الأقدس البابا بنديكتوس الخامس عشر مع دولة النمسا، وهكذا أُعيدَ بعد قِيامه في بيت الوطني الماروني جرجي بك تابت ثلاثة أشهر. وبعد أن مليء الكيد، أُقيمَ علي منيف بك، وخلفهُ إسماعيل حقي بك رجل دمث الأخلاق، طيب السيرة، متصرفًا على هذا الجبل التاعس. فخفف بعض الضرائب التي كانت ملقات على عاتق الأهلين من إعانة عسكرية بكل معنى الكلمة. وكان احمد جمال طُلِبَ أيضًا للآستانة وعُيِنَ مكانه جمال الصغير. وأخذ الألمان القيادة العامة في منطقة فلسطين وسورية، واستولوا على الخطوط الحديدية، وبداء النفور بين الأتراك والألمان، وصار الألمان يحتقرون الأتراك، ويُضيّقون عليهم المعيشة، فأخذ التبدد بالجيش المعدّ للمدافعة عن سوريا ومصر وفلسطين، ولاذوا بالفرار بعدتهم الكاملة فرقًا فرقًا للآستانة”.

        “ولما لم يُرِد الله أن يُرخي بنا الأيدي للنهاية، ما بزغت شمس اليوم الرابع من شهر تشرين الأول سنة 1918، إذ ظَهَرَ بغتةً طلائع الجيش العربي بالقرب من مدينة الشام، الذي كان بقيادة الأمير فيصل ابن الشريف حسين، شريف مكة الذي نادى باسم الدول المُتحالفة سلطانًا عربيًا يحقُ لهُ الخلافة لأنه من سليلة عليّ ابن أبي طالب”.

        “وكانت هذه الضربة القاضية على الأتراك والألمان، فهجروا البلاد من مجرّد تلغرافًا من نائب الشريف الأمير سعيد الذي طَيَرَهُ على لبنان البرق بأن كَسَرنا قوات الألمان والأتراك، فابطشوا أنتم بهم وألفوا حكومة عربية وطنية. فما بلغ تلغرافه بيروت، حلب، حمص، حماه، طرابلس ولبنان، والمراكز الرسمية الدينية أيضًا، حتى فَرَّ الأتراك والألمان ولاذوا بالفرار لا يلوون على آخر. ولم يمضِ على ذلك أكثر من إحدى عشر يومًا حتّى وصلت جيوش الاحتلال الإنكليزي والأفرنسي، ودخلوا البلاد دون هرق نقطة من الدماء. فتبارك الله بأعماله، وعند تسطيري هذه الأحرف الآن، أُشاهد بأُمة العين الجيوش الجرارة تمرُّ على الشطوط البحرية، وهكذا عاد الناس إلى الراحة… “.

        “والآن قد قُضِيَ الأمر بأن أغادر هذه الرعية، فأنا استمح العذر والمغفرة إذا كنت لا سمح الله أسأت بأحد عن غير قصد راجيًا العفو والعفو من شِيَم الكرام”.

سنة 1919 في 2 شباط

الخوري بطرس جرمانوس العاقوري

مصادر:

_ سجلات بلدية جونيه، رقم 17 ورقم 18.

_ دفتر زواج رعية مار جريس _ صربا.

_ محفوظات مختار غادير فريد الحجار سعادة.

_ أرشيف جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة.

مراجع:

_ الأب بولس عبود، الوثائق التاريخية، مطبعة الكريم، جونيه، 1939.

_ الأب طوبيا الخويري، تاريخ العائلة الخويرية، بيروت، 1952.

_ بشارة البواري، مذكراتي في أربع سني الحرب، جريدة الهدى، نيويورك، 1926.

_ منير وهيبة الخازن وواكيم بولحدو، جونيه عبر حقب التاريخ، دار كسروان، 1982.

_ واكيم بولحدو، جونيه صفحات من القرن العشرين، جونيه، 2000.

_ واكيم بولحدو، قلعة الشير، دار الأوديسيه، 2008.   

صحف:

_ جريدة صدى لبنان، عدد كانون الأول، 1919.

_ جريدة لبنان الرسمية، عدد 1001، 13 تموز 1916.

_ جريدة الاخاء العثماني، عدد 28 شباط 1916.

_ جريدة الشرق، عدد 77، 25 تموز 1916.


[1]  ناشط ثقافي، اختصاصي في شؤون التراث لمنطقة كسروان، له مؤلفات عدّة…

[2]  محفوظات بلدية جونيه، السجل رقم 18.

[3]  محفوظات بلدية جونيه، السجل رقم 18 والآنسة منتهى فرسان ضو برسالة أعدتها لنيل شهادة الماجستير عام 1981.

[4]  محفوظات بلدية جونيه، السجل رقم 18.

[5]  محفوظات بلدية جونيه، السجل رقم 18.

[6]  محفوظات البلدية، ملحق السجل رقم 17.

[7]  محفوظات البلدية، السجل رقم 18.

[8]  عن الوثائق التاريخية للأب بولس عبود الغوسطاوي، مطبعة الكريم، جونيه، 1939.

[9]  محفوظات البلدية، السجل رقم 18.

[10]  راجع الوثائق التاريخية للأب بولس عبود، مطبعة الكريم، جونيه، 1939.

[11]  المقصود هنا إسماعيل حقي بك (من 26 آذار 1917 إلى حزيران 1918) حتى تعيينه واليًا على بيروت.

[12]  سجل بلدية جونيه، رقم 18.

[13]  تاريخ العائلة الخويرية، للأب طوبيا الخويري، بيروت، 1952. وجونيه عبر حقب التاريخ ، لمنير وهيبة الخازن وواكيم بو لحدو، دار كسروان، 1983، ص: 434. 

[14]  محفوظات مختار غادير السابق فريد الحجار سعادة، وأرشيف جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة.

[15]  جريدة “صدى لبنان “، عدد كانون الأول، 1919.

[16]  جريدة لبنان الرسمية، عدد 1001، 13 تموز 1916.

[17]  جريدة الاخاء العثماني، عدد 28 شباط 1916.

[18]  جريدة الشرق، في 25 تموز 1916، عدد 77.

[19]  ملحم إبراهيم البستاني، كوثر النفوس وسفر الخالدين.

[20]  جريدة ” صدى لبنان “، عدد كانون الأول، 1919.

[21]  بشارة البواري، مذكراتي في أربع سني الحرب، نيويورك، جريدة “الهدى”، 1926، ص: 156. تمكن بشارة البواري بمساعدة القنصلية الأميركية من ترحيل زوجته وابنه الياس إلى الإسكندرية.

[22]  أشهر أستاذ في هذه المدرسة: المعلّم إسحاق المدوّر.

[23]  تبعد هذه المقبرة الجماعية، أمتارًا عن كنيسة مار جرجس القديمة وبالقرب من مقابرها الرعائية.

[24]  بعض الكُتَّاب، في أواخر القرن التاسع عشر، كانوا يكتبون “صربا” بالسين لا بالصاد، أي “سربا” وأحيانًا “سربة”.

Scroll to Top