لؤلؤة الفكر وجوهرة القلب، هي الكلمة التي فيها يُخرج الإنسان من كنوزه غنى الحياة. لا تكون الكلمة مجرّد أحرف يربط بينها الصوت، إنّما تمزج انصهار الصوت والأحرف بقوّة المعنى، فتبني جسور التواصل، وتملأُ كنوز التاريخ، وتقوّي فعاليّة العلوم. يزخر تاريخ البشريّة بكلمات تحاكي الخلود لأنّها تحكي «بالروح والحقّ». سبع منها قالتها مريم العذراء، عبّرت فيها بعمق عن إيمانها لتنقل خبرات روحيّة نهلتها من كنز حبّها الغني لتسكبها أنواراً تضيء في طريق خلاصنا فتغدو «ملخصاً لحياة روحيّة سخيّة». كلمتان وجّهتهما إلى الملاك جبرائيل، واثنتان لإليصابات يوم زيارتها، واثنتان أخريان قالتهما للربّ، وواحدة أمرت بها الخدم في عرس قانا. فمريم والدة الإله، «إذا كانت بالنسبة إلى المؤمنين موضوع مديح وتكريم فإنّها توجّههم إلى ابنها وذبيحته وإلى محبّة الآب» (نور الأمم، 65).
- الكلمة الأولى: «كيف يكون هذا ولا أعرف رجلاً» (لو 1/34)؛ هو الحبّ العامر في القلب، يعلّمنا التخلّي للتحلّي بمحبّة الله.
- الكلمة الثانية: «أنا أمة الربّ فليكن لي بحسب قولك» (لو 1/38)؛ هو الحبّ المشتعل الذي يعبّر ولا يَخمُد، لأنّه يقبل بكلّ شيء وليس فقط توافقاً على شيء واحد؛ هنا انفتحت حياتها للروح فملأها.
- الكلمة الثالثة: «تحيّة السلام في بيت زكريا» (لو 1/20، 44)، هو الحبّ الفائض الذي يسيل من قلب إلى قلب، يحيا فيه المؤمن صدق رسالته.
- الكلمة الرابعة: «نشيد مريم» (لو 1/46-55)، هو الحبّ المشعّ، يندهش أمام عظائم الربّ فيفرح ويهلّل.
- الكلمة الخامسة: «يا بنيّ لمَ صنعت بنا ذلك فأنا وأبوك نبحث عنك متلهّفين» (لو 2/48)، هو الحبّ الذي يسعى ويبحث فيكتشف ويغلب الاضطراب. عندما تجد النفس حبيبها تفرح وترتاح.
- الكلمة السادسة: «ليس عندهم خمر» (يو 2/3)، هو الحبّ الذي يشعر مع الغير فيلمس ضعفهم ويتعرّف إلى حاجاتهم لكي يقيهم المعاثر ويسدّ نقصهم. إنّه الحبّ القريب، يحضر ويفصل بخفاء.
- الكلمة السابعة: «مهما قال لكم فأفعلوه» (يو 2/5)، هو الحبّ الذي يصل إلى الملء، حيث يتّحد قلب الإنسان مع قلب الله.
مسيرة «الحبّ الحيّ» مشتها مريم من التخلّي إلى ملء الحبّ، تدعونا اليوم لأنّ نتبعها بدورنا بكلّ حبّ. إنّها «أميرة الحبّ» ترسلنا لعند «أمير السلام»، رسمت لنا أفعال الحبّ التي ترسي في حياتنا أُسُس السلام الحقيقي. «تنظر الكنيسة في عملها الرسولي بعين الصواب إلى تلك التي ولدت المسيح، الذي حبل به من الروح القدس، وولد في البتول، كي يولد وينمو أيضاً بواسطة الكنيسة في قلوب المؤمنين» (نور الأمم، 65).
شعلة الحبّ التي أشعلتها مريم في قلوب الكثيرين، ولا تزال، حملت العديد منهم إلى التغني بفضائلها وجمال حضورها، فمدحوها ليَحذوا جذوها.
يسرّ إدارة «مجلة المنارة» هذه السنة أن تدعو قراءها الكرام إلى الغوص في «الروحانيّة المريميّة واللاهوت المريمي»، كما دعا قداسته البابا فرنسيس في عظة عيد رأس السنة 2018: «مريم أمّ الله». لقد أتخذنا عنوان هذه السنة من كلام القديس يوحنا الدمشقي «أنت والدة سيدك»؛ علّ أن تحمل المقالات هذا العام، ما تفيض به الكلمات السبع، حتى يبقى الحبّ مشتعلاً ويصل إلى ملئه بالتسليم الكلّي للربّ.
إدارة التحرير