Almanara Magazine

جمعيّة المرسلين والإنترنت

الشماس شربل جعجع م.ل

مقدّمة

أحدثت شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) ثورة في عالم الكمبيوتر والاتصالات لم يسبق لها مثيل.  لقد مهَّد اختراع التلغراف والهاتف والراديو والكمبيوتر الطريق إلى هذا الدمج غير المسبوق للقدرات. والإنترنت هو قدرة بث فوري في جميع أنحاء العالم، وآلية لنشر المعلومات، ووسط للتعاون والتفاعل بين الأفراد وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بغض النظر عن الموقع الجغرافي. يُعتبر الإنترنت أحد أنجح الأمثلة على فوائد الاستثمار المستدام والالتزام بالأبحاث وتطوير البنية الأساسية للمعلومات، وكانت الحكومات والصناعات والأوساط الأكاديمية شركاء في تطوير هذه التقنية الجديدة المثيرة ونشرها[1].

أمّا في الوقت الحالي فيُعتبر الإنترنت بنية أساسية للمجتمع والعالم، لأننّا من خلاله نبقى على اضطلاع لآخر المستجدّات المحليّة والعالميّة على كافة الأصعدة؛ بواسطته نتبادل الخدمات الماليّة، المصرفيّة والتجاريّة؛ بإمكاننا أيضاً من خلاله التواصل بشكل دائم مع من أردنا أينما كان وفي أيّ وقت كان؛ بفضله نستطيع الولوج إلى كل المعلومات والمواضيع التي نبحث عنها… باختصار، إنّ عالمنا اليوم هو عالم الإنترنت بامتياز، فقد دخل بسرعة مجال الصحافة، التعليم، الأخبار، التواصل، الثقافة، الكنيسة وكل مؤسسات المجتمع.

ولكن يبقى السؤال: كيف نستخدم اليوم الإنترنت؟ وهل كل ما يوجد على الشبكة العنكبوتيّة صالح ومفيد؟

من المتوقّع أن شبكة المعلومات العالمية ستغير أمور كثيرة في المجتمعات وبشكل كبير جداً، وكذلك في كثير من مناحي الحياة: في سلوك الفرد والجماعات، في المبادئ والقيم والأخلاق الإنسانية… لأنها مفتوحة لجميع الدول والأفراد ولا يمكن ضبطها في قانون أو مراقبتها أبداً، لأن ما يراه إنسان صحيحاً في مجتمع ما، قد يكون خطأ لدى إنسان آخر في مجتمع آخر. كما من المتوقّع أيضاً ظهور المزيد من المشكلات الصحية للإنسان، بسبب استخدامه للكمبيوتر بشكل عام وللشبكة بشكل خاص كثيراً من الوقت، وعدم خروجه من المنزل، وتقليله من ممارسة الرياضة، بحيث يصبح أكثر اعتماداً على الشبكة لإتمام أمور حياته اليومية، حتى أن الموظف سيجلس في بيته يوماً ما ويتمم جميع المعاملات دون الحاجة إلى الذهاب إلى المؤسسة أو الشركة.

لذلك ولأنّ هذه الشبكة ستؤثر في العادات والتقاليد، علينا أن نبادر جميعاً لوضع خطة منهجية، علمية ومنطقية لمواجهة هذه التقنية التي لابد منها ولا غنى عنها[2].

من هنا، وسعياً لبناء مجتمع راقٍ يتحلى أبناؤه بالأخلاق والإيمان ومحبّة الوطن والكنيسة، دخلت جمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة هذا العالم، لتبقى منارةً تعكس نور المسيح وتحمل رسالة المحبّة وتنشر فرح الإنجيل في أقاصي المعمورة، من خلال كلّ الوسائل المتاحة لها، وبشكل خاص الإنترنت.

تعريف[3] ولمحة تاريخيّة[4]

كلمة “إنترنت” Internet هي اختصار الكلمة الإنجليزية INTERnational NETwork ومعناها شبكة المعلومات العالمية، التي يتم فيها ربط مجموعة شبكات مع بعضها البعض في العديد من الدول عن طريق الهاتف والأقمار الصناعية، ويكون لها القدرة على تبادل المعلومات بينها من خلال أجهزة كمبيوتر مركزية تسمى باسم أجهزة الخادم Server، التي تستطيع تخزين المعلومات الأساسية فيها والتحكم بالشبكة بصورة عامه، كما تسمى أجهزة الكمبيوتر التي يستخدمها الفرد باسم أجهزة المستفدين Users.

أمّا شبكة الإنترنت هي وصل جهازي كمبيوتر أو أكثر معاً عن طريق كوابل أو تقنيات خاصة من أجل تبادل المعلومات. مما يؤدي إلى تحقيق فوائد يصعب الحصول عليها من خلال جهاز كمبيوتر واحد فقط، كما يؤدي إلى زيادة فعالية استخدام أجهزة الكمبيوتر وسهولة الاتصال بينها، ويوجد نوعين من شبكات الكمبيوتر، النوع الأول يعرف باسم شبكة الكمبيوتر المحلية Local Area Network (LAN)، وهي الشبكات التي يتم ربط فيها مجموعة أجهزة كمبيوتر مع بعضها البعض في مساحة صغيرة.

أما النوع الثاني يعرف باسم شبكة الكمبيوتر الواسعة أو الممتدة Wide Area Network (WAN)، وهي الشبكات التي تربط فيها أجهزة الكمبيوتر مع بعضها البعض عبر العالم.

تستخدم شبكات الكمبيوتر أساليب مختلفة للاتصال، ابتداء بشبكة الهاتف العادية، وانتهاء بوصلة ألياف ضوئية خاصة ذات سرعة عالية.

بدأت فكرة إنشاء شبكة معلومات من قبل إدارة الدفاع الأمريكية في عام 1969 عن طرق تمويل مشروع من أجل وصل الإدارة مع متعهدي القوات المسلحة، وعدد كبير من الجامعات التي تعمل على أبحاث ممولة من القوات المسلحة، وسميت هذه الشبكة باسم (أربا) ARPA اختصار الكلمة الإنجليزية The Advanced Research Project Administration  وكان الهدف من هذا المشروع تطوير تقنية تشبيك كمبيوترات ببعضها البعض لتصمد أمام أي هجوم عسكري، وصممت شبكة ” أربا ” عن طريق إعادة التوجيه الديناميكي Dynamic rerouting وتعتمد هذه الطريقة على تشغيل الشبكة بشكل مستمر حتى في حالة انقطاع إحدى الوصلات أو تعطلها عن العمل تقوم الشبكة بتحويل الحركة إلى وصلات أخرى .

فيما بعد لم يقتصر أستخدم شبكة ” أربا نيت ” على القوات المسلحة فحسب، فقد استخدمت من قبل الجامعات الأمريكية بكثافة كبيرة، إلى حد أنها بدأت تعاني من ازدحام يفوق طاقتها، وصار من الضروري إنشاء شبكة جديدة، لهذا ظهرت شبكة جديدة في عام 1983 سميت باسم “ميل نت MILNET” لتخدم المواقع العسكرية فقط، وأصبحت شبكة “اربا نيت” تتولى أمر الاتصالات غير العسكرية، مع بقائها موصولة مع “ميل نت” من خلال برنامج أسمه بروتوكول “إنترنيت ” Internet Protocol (IP) الذي أصبح فيما بعد المعيار الأساسي في الشبكات.

بعد ظهور نظام التشغيل ” يونيكس ” Unix الذي اشتمل على البرمجيات الازمة للاتصال مع الشبكة وانتشار أستخدمه في أجهزة المستفدين أصبحت الشبكة مره أخرى تعاني من الحمل الزائد، مما أدى إلى تحويل شبكة “أربا نيت” في عام 1984 إلى مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية National Science Foundation (NSF) التي قامت بدورها وبالتحديد في عام 1986 بعمل شبكة أخرى أسرع أسمتهاNSFNET ، وقد عملت هذه الشبكة بشكل جيد لغاية عام 1990 الذي تم فصل شبكة “أربا نيت” عن الخدمة بعد 20 عام بسبب كثرة العيوب فيها، مع بقاء شبكة NSFNET جزءاً مركزياً من “إنترنيت”.

وباختصار نستطيع القول أنّ أهم نقاط تاريخ نشأة شبكة “الانترنيت” هي:

– 1969 وضعت أول أربعة نقاط اتصال لشبكة “أربا نيت” في مواقع جامعات أمريكية منتقاة بعناية.

– 1972 أول عرض عام لشبكة “أربا نيت” في مؤتمر العاصمة واشنطن بعنوان العالم يريد أن يتصل، والسيد راي توملنس يخترع البريد الإلكتروني ويرسل أول رسالة على “أربا نيت”.

– 1973 إضافة النرويج وإنجلترا إلى الشبكة.

– 1974 الإعلان عن تفاصيل بروتوكول التحكم بالنقل، إحدى التقنيات التي ستحدد “إنترنيت”.

– 1977 أصبحت شركات الكمبيوتر تبتدع مواقع خاصة بها على الشبكة.

– 1983 أصبح البروتوكول TCP/IP معيارياً لشبكة “أربا نيت”.

– 1984 أخذت مؤسسة العلوم الأمريكية NSF على عاتقها مسئولية “أربا نيت”، وتقديم نظام إعطاء أسماء لأجهزة الكمبيوتر الموصولة بالشبكة المسمى Domain Name System (DNS).

-1985 أول شركة كمبيوتر تسجل ملكية “إنترنيت” خاصة بها.

-1986 أنشأت مؤسسة العلوم العالمية شبكتها الأسرع TNSFNE مع ظهور بروتوكول نقل الأخبار الشبكية Network News Transfer Protocol  جاعلاً أندية النقاش التفاعلي المباشر أمرا ممكنا، وإحدى شركات الكمبيوتر تبني أول جدار حماية لشبكة “إنترنيت”.

– 1990 تم إغلاق “أربا نيت” و”إنترنيت” تتولى المهمة بالمقابل.

– 1991 جامعة مينيسوتا الأمريكية تقدم برنامج “غوفرGopher” وهو برنامج لاسترجاع المعلومات من الأجهزة الخادمة في الشبكة.

– 1992 مؤسسة الأبحاث الفيزيائية العالمية CERN في سويسرا، تقدم شيفرة النص المترابط Hypertext  المبدأ البرمجي الذي أدى إلى تطوير الشبكة العالمية Word Wide Web.

– 1993 قد ابتدأ الإبحار، من خلال إصدار أول برنامج مستعرض الشبكة “موزاييك” ثم تبعه آخرون مثل برنامج “نتسكيب” وبرنامج “مايكروسوفت”.

– 1994 الرئيس الأمريكي كلينتون يطلق صفحته الخاصة على الشبكة العالمية http://whitehouse.gov/wh/welcome.html.

– 1995 اتصل بشبكة “إنترنيت” ستة ملايين جهاز خادم و50.000 شبكة، وإحدى شركات الكمبيوتر تطلق برنامج البحث في الشبكة العالمية.

– 1996 أصبحت “إنترنيت” و “وب WEB” كلمات متداولة عبر العالم. في الشرق الوسط أصبحت “إنترنيت” من المواضيع الساخنة، ابتداء من التصميم الأول لشبكة وحتى اليوم، وأصبح هناك عدد من مزودي خدمة “إنترنيت” يقدمون خدماتهم.

الجمعية ودخولها في هذا المضمار

لطالما كانت جمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة مواكبة للعصر في استخدام التكنولوجيا كوسيلة فعّالة للتبشير. لذلك نراها عبر الأجيال تؤسس مراكز ورسالات تواكب العصر وتحافظ في الوقت عينه على جوهر البشارة: مطابع الكريم الحديثة، منشورات الرسل، مجلّة المنارة، إذاعة صوت المحبّة، تليفزيون المحبّة، مركز صوت المحبّة الثقافي – جورج الخامس أدونيس… إلخ. فهي الأولى على صعيد الرهبانات والجماعات الديريّة التي دخلت عالم الإنترنت واستخدمته بقوّة وفعاليّة في رسالتها مع العالم أجمع، حتّى أقاصي الأرض. فمنذ أواخر الثمانينات، استخدم آباؤنا في بلاد الاغتراب البريد الإلكتروني لإرسال آخر الأخبار والمستجدّات، كما بدأت الجمعيّة بالتعرّف على هذا العالم وشراء الأجهزة اللازمة وإدخالها في مؤسّساتها.

أمّا سنة 1998 فأصدر قدس الأب العام خليل علوان، مع فريق عمل كبير ومندوبين مختصّين، الموقع الأهمّ في الشرق الأوسط والذي يغطي كل أخبار الكنيسة الكاثوليكيّة في كل طوائفها المشرقيّة: المارونيّة، البيزنطيّة، الأرمنيّة، الكلدانيّة، القبطيّة، اللاتينيّة والسريانيّة، بالإضافة إلى كل المؤسسات الكنسيّة… www.opuslibani.org.lb.

Lebanese Catholic Information Center (CCI) covers the news of the Catholic churches in Lebanon.

(Maronite, Melkite, Armenian, Coptic, Chaldean, Latin and Syriac churches).

                (الصور مأخوذة من أرشيف المواقع) (http://web.archive.org)

ومنذ ذلك الوقت حتّى يومنا هذا، بقيت الجمعيّة سبّاقة في هذا المجال، لتطال كل فئات المجتمع ومختلف عاداتهم.

فصار لكل مؤسسة أو دير وعائلة كريميّة صفحة خاصة عبر ال Facebook نتعرّف من خلالها على روحانيّتها، نشاطاتها، وأخبارها.

 وهذه لمحة تاريخيّة مختصرة عن أبرز الأحداث الخاصة في عالم الإنترنت ضمن نطاق الجمعيّة:

1988- استخدام الآباء للبريد الإلكتروني في بلاد الانتشار

1995- دخول الإنترنت رسميّاً إلى أديارنا ومؤسساتنا.

1998- إطلاق موقع opuslibani.org.lb

        – إطلاق الموقع الرسمي لمعهد الرسل جونية www.apotres.edu.lb

2002- إطلاق الموقع الرسمي لجمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة www.kreim.org

2003- إطلاق أوّل موقع إلكتروني لإذاعة صوت المحبّة مع البث المباشر من خلاله www.radiocharity.org

2006- إعادة إطلاق الموقع الرسمي لجمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة www.kreimists.org

2007- إطلاق الموقع الرسمي لإذاعة صوت المحبّة أستراليا www.voc.org.au

2008- إطلاق الموقع الرسمي لمدرسة قدموس صور www.cadmous.edu.lb

2009- إطلاق الموقع الإلكتروني لمزار سيدة لبنان حريصا www.ololb.org

        – إطلاق البث المباشر ل TV Charity عبر الإنترنت www.tvcharity.org

2013- إطلاق الصفحة الرسميّة للجمعيّة عبر ال Facebook

2014- العمل على ترميم وإعادة هندسة موقع إذاعة صوت المحبّة www.voiceofcharity.org

        – إطلاق خدمة الخبر السّار عبر الهواتف الذكيّة من إذاعة صوت المحبّة

2015- العمل على تجديد الموقع الرسمي لجمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة www.lebanesemissionaries.org

فعالية الإنترنت في الرسالة

الوسيلة الأحدث عهدًا في العالم وفي لبنان هي الشبكة الإلكترونيّة، التي تصفها الكنيسة بأنّها “اليوم مصدر لفوائد عظيمة، ويؤمل أن تزداد إفادة، بعد، عما هي عليه حاليًّا”[5]. وحيث أنّ هذه الشبكة قد أصبحت، مبدئيًّا، متاحة لمن يريد، فقد أنتجت ثورة حقيقيّة في الاتصال وفي الإعلام معًا. فالناشطون في حقوق الإنسان، مثلاً، يرون في البريد الإلكترونيّ وفي الخدمات الإعلاميّة للشبكة الإلكترونيّة البارود الحديث الذي سيدكّ آخر قلاع الأنظمة المستبّدة المتبقيّة في العالم. والعلماء يجدون فيها أفضل الوسائل لتبادل الخبرات بسرعة فيما بينهم، ولإيصال أحدث المكتشفات العلميّة إلى قلب كلّ بيت. لذا فإنّ كنيستنا تنبّه السلطات العامّة اللبنانيّة إلى وجوب فتح هذا المرفق أمام الجميع، وعدم تسليم قطاع المرحلات الإلكترونيّة إلى قلّة محتكرة.

إحدى المشاكل التي تطرحها الشبكة الإلكترونيّة هي احتواؤها على مواقع تحضّ على الكراهيّة وعلى تحقير المجموعات الدينيّة، والبعض منها يمسّ الكنيسة. هذه المواقع، كما الإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام المرئيّ، “تعبّر عن البعد الأكثر اكفهرارًا في الطبيعة الإنسانيّة المجروحة بالخطيئة”[6]. وترتدي هذه المسألة أهميّة خاصّة في بلد كلبنان يحترم حريّة التعبير، وفي الوقت عينه يحرص على نموذجيّة الوئام بين عائلاته الروحيّة ومجموعاته الاثنيّة. لذا فإنّ جمعيّة المرسلين تصرخ مع الكنيسة جمعاء وتنبّه، “أنّ احترام حريّة التعبير ربما تطلّب، إلى حدٍّ ما، تغاضيًا عن بعض المضامين المحمّلة بالكراهيّة، فإنّ ضبطًا ذاتيًّا لصناعة مواقع الشبكة – وصولاً إلى تدخل السلطات العامّة عنـد الاقتضاء – ينبغي أن يضع حدودًا معقولة لما يمكن قوله وأن يتقيّد بها”[7].

لذلك، وبعد التماس حاجات المجتمع وعيش مشاكله وصعوباته، قررت جمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة أن تأخذ المبادرة من خلال كل مؤسساتها، لتخوض حرب الإنترنت وتعطي للآلة دور خيّر يفيد المجتمع وأبنائه، فتتيح لكل مستخدمي الإنترنت تصفّح مواقع مفيدة وقيّمة وقراءة المواضيع المهمّة والاستماع إلى التراتيل ومشاهدة أفلام ضخمة وفلاشات رعائيّة. كما تساعد الأبرشيّات والرعايا، من خلال موقعها الرسمي، في الحصول على عظات وتأملات ومواضيع وألعاب مفيدة ومسليّة لكل الفئات العمريّة على مدار السنة الطقسيّة، بالإضافة إلى الرياضات الروحيّة ورتب التوبة والسهرات الإنجيليّة المنوّعة…

واليوم، ومع خدمة التطبيقات على الهواتف الذكيّة، يعمل الآباء المرسلون على حجز مواعيد الإرشادات والرياضات الروحيّة والتواصل الدائم مع المؤمنين حسب حاجاتهم الروحيّة، إذ تعتبر هذا الوسائل حصيلة مسار تاريخي «لا تنفك البشريّة تتقدّم فيه نحو اكتشاف الطاقات والقيم التي يختزنها العالم المخلوق”[8]، كما جاء في كلمات المجمع الفاتيكاني الثاني، «اكتشاف تقنية رائعة»[9] قدّمت الكثير حتى الآن من الاستجابة للحاجات البشرية وبوسعها أن تقدّم المزيد.

تمثّل وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة عوامل ثقافية لها دور بارز في هذا التاريخ. يشير المجمع الفاتيكاني الثاني الى “أنه وإن كان لا بدَّ من التمييز الدقيق بين التقدّم الأرضي ونموّ ملكوت المسيح، فإن التقدّم الأرضي ذو أهميّة كبيرة بالنسبة إلى ملكوت الله، وذلك بقدر ما يسهم في تنظيم المجتمع البشري تنظيماً أفضل وأكمل”[10]. من هذا المنظار ترى جمعيّة المرسلين أن وسائل الاتصال الاجتماعي تساعد الإنسان مساعدة فعاّلة على الترويح عن العقل وتثقيفه، وعلى انتشار مملكة الله وترسيخها.

روحنة الآلة واستخدامها بروح إرساليّة

إن الانترنت يضع في متناول الشبيبة، وفي أعمار متدنيّة على غير عادة، الإمكانية الهائلة في فعل الخير وفي فعل الشر إزاء أنفسهم وإزاء الآخرين. وبوسعه أن يثري حياتهم إلى درجة قصوى لم تبلغها أحلام الأجيال السابقة، وأن يتيح لهم بإثراء حياة الآخرين، وبوسعه أيضاً أن يغرقهم في الاستهلاك والتخيّل الإباحي والعنفي والانعزال المرضيّ.

يقول قداسة البابا فرنسيس: “من بين الإمكانيات التي تقدمها الاتصالات الرقمية، تتمثل أهمها في إعلان الإنجيل”. فتغريداته اليوميّة على التويتر أكبر برهان على ذلك. لذلك من الضروري حضور الكنيسة دوماً على شبكة الإنترنت بنمط إنجيلي، فيُصبح للشباب بيئة حية تُثار فيها الأسئلة الملحة عن معنى وجودنا، ويُشار إلى الدرب التي تؤدي إلى من هو الجواب، الرب يسوع[11].

إن الله لا ينفك يخاطب البشريّة عبر الكنيسة، المؤتمنة على الوحي وحارسته، والتي وكل إلى سلطتها التعليمية الحيّة وحدها مهمة تفسير كلمته التفسير الصحيح[12].  إلى ذلك، فالكنيسة بحد ذاتها شركة، واتصال بين أشخاص وجماعات أفخارستيا تنبع من الثالوث وتعكس شركته. فالشركة إذن جوهر الكنيسة، لذلك، هذا هو السبب الأبرز الذي لأجله “تكون ممارسة الاعلام والاتصال ممارسة نموذجية تعكس أرقى نماذج الحقيقة والمسؤولية والشعور بحقوق الانسان، وسواها من مبادئ وقواعد ذات شأن”[13].

كل ذلك ينطبق على الانترنت، فهو يقدّم مناسبات فريدة لإعلان حقيقة المسيح الخلاصيّة إلى العائلة البشريّة بكاملها. يكفي التفكير بالإمكانيات الإيجابية التي يوفرها الانترنت لنشر الاعلام الديني والتعليم الديني إلى ما هو أبعد من الحواجز والحدود: “إن مثل هذا الجمهور العريض لم يكن ليخطر في بال من بشّروا بالإنجيل قبلنا من الأجيال السالفة […] على الكاثوليك ألا يخشوا فتح أبواب وسائل الاعلام واسعة أمام المسيح لكي تُسمع بشارته الجديدة عالياً من على السطوح!”[14].

الاعلام الذي يتم في الكنيسة وبواسطة الكنيسة عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، يقوم أساساً على إعلان بشارة يسوع المسيح، والمناداة بالإنجيل، هذه الكلمة النبوية المحررة لأبناء عصرنا. “إنها الشهادة التي تتمّ تأديتها لحقيقة الشخص البشري الإلهيّة ومصيره السامي، والوقوف في وجه النزاعات والانشقاقات إلى جانب العدالة، تضامناً مع جميع المؤمنين، في خدمة الاتحاد بين الشعوب والأمم والثقافات”[15].

خاتمة

مازالت الإنترنت عالماً مليئاً بالغموض والأسرار، ولم تُسبر أغوارها بعد، ولا يمكننا أن ننكر ما تحمل بين ثناياها من إيجابيات وسلبيات، ومن منافع ومساوئ قياساً بما تحتوي من مواقع مفيدة نافعة وأخرى ضارة مدمرة، ومفتاح ذلك كله في يد المستخدم بعينه، فإن أحسن استخدامه الاستخدام الأمثل حصل له النفع والفائدة، وإن أساء الاستغلال وقع في شَرك الانحراف والتفسخ. واحتواء الإنترنت على الخبيث والطيب، الضار والنافع، جعل منها سلاحاً ذا حدين ويتمثل ذلك في بعديها الإيجابي والسلبي، وتكمن الخطورة القصوى في غياب الدور الرقابي خاصة إنّ الإنترنت عالمٌ مفتوح، وعالم واسع الأفق يستطيع كل مَن هبَّ ودبَّ الدخول فيه دون قيد أو شرط.

إنّا في جمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة، إذ ننكّب على الانترنت، وعلى سواه من الوسائل الاعلامية، نذكّر بأن المسيح هو الإعلامي الأوّل والكامل، أي القاعدة والمثال للمقاربة التي تقوم بها الكنيسة والجمعيّة بهذا الشأن، فضلاً عن المضمون الذي ينبغي أن تبلغه للعالم. “فليبشر الكاثوليك المنخرطون في الحقل الإعلامي بشارة دائمة، ومن على السطوح، بشارة حقيقة يسوع، مفعمة بالشجاعة والفرح، لكي يعرف البشر، رجالاً ونساءً، محبة من هو قلب الإعلام الذاتي الإلهي في يسوع المسيح، الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد”[16].


[1]  “بي باران “حول شبكات الاتصالات الموزعة”، أنظمة IEEE الاتصالات الانتقالية، مارس 1964.

[2]  إل كلينروك، شبكات الاتصالات: مؤشر ستوكاستيك لتدفق وتأخير الرسائل، ماكجرو-هيل (نيويورك)، 1964.

[3]  في جي كيرف ور. إي. كان، ” بروتوكول للاتصال البيني لحزمة الشبكة”، تكنولوجيا الاتصالات الانتقالية من IEEE.، المجلد  COM-22، النسخة 5، ص.  627-641، مايو 1974.

[4]  http://www.angelfire.com/biz/kha98/maqlat_mhadrat/internethistory.htm

[5]  المجلس الحبري للإعلام الإجتماعي، أخلاقيات الإنترنت، 22 شباط 2002، عدد 2.

[6]  المجلس الحبري للإعلام الإجتماعي، الكنيسة والإنترنت، 22 شباط 2002، عدد 8.

[7]  المرجع ذاته

[8]  يوحنا بولس الثاني، الرسالة الحبريّة «العمل البشري»، الفقرة 25؛ راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور راعوي «الكنيسة في عالم اليوم»، فرح ورجاء، الفقرة 34.

[9]  لمجمع الفاتيكاني الثاني، القرار بشأن وسائل الإعلام، «من بين الإكتشافات الرائعة»، الفقرة 1.

[10]  المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور راعوي، الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، الفقرة 39.

[11]  من كلمات قداسة البابا فرنسيس عن موضوع الإنترنت

[12]  وسائل الإعلام والاتصال، اخلاقيات وآداب.

[13]  وسائل الإعلام والإتصال، اخلاقيات وآداب، الفقرة 26.

[14]  يوحنا بولس الثاني، رسالة موجهة في مناسبة اليوم العالمي الخامس والثلاثين لوسائل الإعلام، الفقرة 3، أيار/مايو 2000.

[15]  عهد جديد، الفقرة 9.

[16]  يوحنا بولس الثاني، رسالة موجهة في مناسبة اليوم العالمي الخامس والثلاثين لوسائل الإعلام، الفقرة 4.

Scroll to Top