Almanara Magazine

جبل لبنان والموارنة في القرن السابع عشر من خلال مذكرات الرحّالة لوران دارفيو LAURENT D’ARVIEUX

المقدمة

مرّت السلطنة العثمانيّة في القرن السابع عشر بمرحلة ركودٍ اقتصاديّ وهدوءٍ عسكريّ بعد مرحلة من الازدهار والتوسّع دامت قرنين من الزمن، كذلك بدأت تفقد زخمها ونشاطها اللذين يعدّان أساس نجاحها ومقاومتها أمام الضغوط الخارجيّة[1]. إنَّ ضعف السلطنة على المستوى الاقتصاديّ والإداريّ والسياسيّ والعسكريّ، والهدوء النسبيّ الذي مرّت به مع الأمبراطوريّات المجاورة سهّل على الفرنسيّين والأوروبيّين المغامرين والمتعطشين لمعرفة تقاليد الشرق وعاداته زيارة أراضيها واستكشافها ضمن حماية معنويّة وعسكريّة.

تركّز عمل بعض الرحّالة على ترجمة الكتب الشرقية إلى اللغة الفرنسيّة بالدرجة الأولى، ومن أولى الكتب التي تمّت ترجمتها في العام 1647 هو “القرآن الكريم” على يدَي أندريه دو رييه André Du Ryer[2]، يليه بارتيليمي ديربلو [3]Barthélémy d’Herbelot الذي أصدر كتابًا بعنوان “المكتبة الشرقيّة” وهو عبارة عن مجلّد تناول فيه تاريخ الشعوب الشرقية باللغات الثلاث: العربيّة والفارسيّة والتركيّة. كذلك نُشِرَت المذكرات اليوميّة للرحّالة أمثال بيار مارتينو Pierre Martino[4]. توالت فيما بعد الكتب المترجمة التي ساهمت في إغناء الثقافة في أوروبا، فتأثّر بها العديد من الأدباء والشعراء والمثقفين الفرنسيين.

من جهة أخرى، نظّم بعضهم رحلات علميّة لاستكشاف الآثار والمخطوطات القديمة بهدف دراسة تاريخ بلاد الشام والمشرق العربي. وفي كلتا الحالتين كان الرحّالة يبنون جسور التواصل بين أوروبا ومسيحيّي الشرق على اختلاف مذاهبهم، وخصّوا الموارنة المنتشرين في جبل لبنان باهتمام كبير، فحرصوا على معرفة أمورهم وتأمين الحماية لهم. فقد أصدر ملك فرنسا آنذاك لويس الرابع عشر[5] قرارًا رسميًا إلى سفرائه في الشرق وكل من يخلفهم، آمرًا إيّاهم بوجوب إسعاف الموارنة لدى السلطان العثمانيّ المعظّم لينجزوا أعمالهم، وليمارسوا طقوسهم الروحيّة بحريّة تامة، وأن يساعدوا السيّد البطريرك ورئيس أساقفة طرابلس وجميع الإكليروس المارونيّ وكلّ أبناء الطائفة المارونيّة[6].

أعطى القرار الشرعيّ الفرنسيّ للموارنة دفعًا معنويًّا قويًّا، ساعدهم على الصمود في وجه الاحتلال العثمانيّ الذي دام على أراضيهم أربعة قرون. وقد ساهمت زيارات الرحّالة الأوروبيّين إلى الأراضي اللبنانيّة في نقل أخبار الأمّة المارونيّة إلى ملوكهم وإلى الحبر الأعظم، بخاصة بعد تأسيس المدرسة المارونيّة في روما في العام 1584[7].

أمّا أبرز رحّالة القرن السابع عشر الذين مرّوا في جبل لبنان وقصدوا الموارنة في وادي قنّوبين، فهو الفارس الفرنسي “لوران دارفيو”  Laurent d’Arvieuxالذي وصف في مذكّراته أدّق تفاصيل رحلته الى بلاد الشام وجبل لبنان التي استمرّت إثني عشر عامًا من العام 1653 حتى العام 1665، غير أنّ كتاباته لم ترَ النور قبل العام 1735. لقد قدّم دارفيو موادًا جديدة على بساط البحث التاريخيّ، فتحدّث عن المناطق والسكان والأديان، وعن الجغرافيا والتاريخ والمجتمع، وتطرّق الى مواضيع جديدة وفريدة عن حياة الموارنة الدينيّة والمدنيّة وأبرز رجالاتهم في القرن السابع عشر، كما فصّل الخصائص الحياتيّة لهذه الجماعة المتضامنة، وبيّن مكامن القوة عندها، مع توجيه انتقادات لاذعة الى شخصيّات مارونيّة بارزة معاصرة. لكن هل تمتّع دارفيو بالمصداقيّة الكاملة بكل ما كتبه ونشره، أو وقع في هفوات تاريخيّة بحاجة الى التحقيق والتدقيق؟ 

أوّلاً: سيرته

وُلِد لوران دارفيو في مرسيليا في 21 حزيران 1635، من عائلة إيطاليّة نبيلة كانت قد هاجرت إلى فرنسا في القرن السادس عشر بسبب وضعها الماديّ المتردّي، نظرًا للمردود المتواضع والقليل الذي كانت توفره أراضيهم الزراعيّة. تلقى علومه الأساسيّة في ثانوية مرسيليا، غير أنَّ مقتل والده في العام 1650 أجبره على ترك مقاعد الدراسة، فوجد ابن الخامسة عشر من العمر نفسه مسؤولاً عن إعالة إخوته الخمسة، فشرع يبحث عن عمل تجاريّ خارج الأراضي الفرنسيّة وتحديداً في مدينة “سميرناه” التركية[8]، حيث كان عمّه بيترتانديه أرفيو[9] Arvieux  Bertandié يعمل في التجارة، وشجّعه على العمل في التجارة علّه ينقذ وضع عائلته المزريّ. جال دارفيو طوال اثني عشر عامًا في أرجاء المناطق الخاضعة للسلطنة العثمانيّة، ساعيًا وراء لقمة عيشه ومكتسبًا في الوقت نفسه اللغات التركيّة والعربيّة والفارسيّة والسريانيّة. كذلك حرص في خلال أسفاره على التعرّف إلى الأمراء وأصحاب النفوذ. عاد إلى مرسيليا في العام 1665 وابتسم له الحظ، إذ أوكِل بمهمّة رسميّة كمرافقٍ للمبعوث الملكيّ في تونس لمعرفته التامة باللغتين العربيّة والتركيّة[10]. كذلك أُرسِلَ في مهمّات عدّة رسميّة صعبة تكلّلت جميعها بالنجاح، ومن أهمّها مهمّة في شمال أفريقيا حين قام بتحرير أربعمئة رهينة فرنسيّة[11]. نال لقب “دو” أرفيو بعد دخوله البلاط الملكيّ في عهد الملك لويس الرابع عشر. لاقت أعماله تقدير كل من “جان – باتيست كولبير” Jean-Baptiste Colbert[12] الذي كان يشغل منصب أمين سرّ الدولة الفرنسية و”هوغ دو ليوّن” Hugues de Lionne[13] رئيسَ الحكومة. سُمي في العام 1669 لمنصب قنصل في القسطنطينيّة ولكن استبعدته غرفة التجارة في مارسيليا عن هذا التعيين نظرًا لوضعه الماليّ المترديّ على الرغم من كفاءته العالية. وفي العام 1679، تمَّ تعيينه قنصلاً في طرابلس وحلب واستمرّ في منصبه حتى العام 1686، حيث تمكّن من تحقيق الثروة التي لطالما حلم بامتلاكها. عاد نهائيًّا إلى فرنسا في العام 1689 فتزوّج وانفرد في العمل على ترجمة الكتابات المقدّسة بحسب النصوص الشرقيّة. توفّيَ عن عمر يناهز الثمانين من دون أن يترك وريثًا له[14].

ثانياً: أعماله

لم تقتصر أعمال الفارس الفرنسيّ لوران دارفيو على كتابة مذكراته الشخصية فقط، بل أظهر ذكاءً واضحًا وجليًا فيما يتعلق بتعلّم اللغات المتعددة، مما فتح أمام طموحاته أبواب السلاطين العثمانيّين والملوك الأوروبيّين والأمراء اللبنانيّين. فهو أوّل أوروبيّ أجاد قواعد اللغة التركيّة، وأوّل من أصدر قاموس ترجمة تركيّ – فرنسيّ. كذلك ترجم العديد من النصوص الرسميّة  والمذكرات والتقارير التجاريّة بالإضافة إلى الاقتراحات الإصلاحية المدوّنة لمعالجة الفساد. إنَّ اتقانه اللغتين العربيّة والتركيّة وخبرته في مسائل الدولة العثمانيّة وكيفية عمل دوائرها ساهم في إطلاق شهرته لدى البلاط الملكي الفرنسيّ. وبالإضافة إلى عمله التجاريّ ترجم العديد من الكتب الى اللغة الفرنسية ومن أبرزها كتاب “الجغرافيا” لإسماعيل أبي الفداء[15] مع المستشرق ملكيسادش تيفينو Melchisedech Thévenot[16]. كذلك ساعد الكاتب المسرحيّ موليير Molière[17] في كتابة مسرحيته “Le Bourgeois Gentilhomme” المستوحاة من قصص المجتمع العثمانيّ[18].

 تميّز دارفيو عن غيره من الرّحالة، أنّه لم ينشر مذكّراته كما فعل أسلافه أمثال تافرنييه [19]Tavernier وجان شاردان Jean Chardin [20]  الّلذين نشرا يوميات رحلاتهم بهدف الحصول على الشهرة والألقاب والامتيازات الشخصيّة لدى ملك فرنسا. ولم يكن في نيّته أن ينقل واقع الحياة الشرقيّة والعربيّة لأهداف سياسيّة أو استراتيجيّة أو جاسوسيّة، بل أراد، وبكل بساطة، أن يتعرّف إلى تاريخ نشأة تلك البلاد وأصل شعوبها وعاداتها. وقد كتب حرفيًا في مذكراته: “سأتكلم على مختلف الرحلات التي قمت بها، وعلى مصالح الأمة (أي فرنسا)، وعلى عادات البلاد وحكوماتها، وعلى التغييرات التي حصلت فيها؛ بكلمة واحدة، وسأتحدّث عن كل ما يمكن أن يعرّف عن البلد بدقة أكثر من تلك الأخبار المتعلّقة بالرحّالة والحجّاج، فمعظمهم نقلوا عن بعضهم البعض، ولم يكتبوا إلا من خلال الإشاعات والتقارير التي غالبًا ما تكون باطلة ودومًا معيبةً جدًا[21]“. ولهذا السبب، وبعد خمسة عشر عامًا على وفاته، أظهر الفارس والصحفيّ والأديب جان دو لاروك[22] Jean de La Roque ابن بلدته مرسيليا، اهتمامًا كبيرًا لكتابه “مذكرات” أو Mémoires، فقام بإصدار أوّل نسخة لجزء واحد منها في العام 1717. لاقى الكتاب رواجًا سريعًا وتمّت ترجمته إلى لغات عدّة، وهو يتناول رحلة دارفيو إلى فلسطين ولقاءه أمير الصحراء العربيّة بطلب من الملك الفرنسيّ لويس الرابع عشر[23].

ثالثًا: كتاب السيرة الذاتيّة أو Mémoires

تألّفت مذكرات دارفيو من ستّة مجلدات، قام بجمعها كاملةً الأب الدومينيكي جان باتيست لباط[24] Jean Batiste Labat في العام 1735 وحرص على نشرها كما هي من دون المساس بمحتواها. خُصِّصَت ثلاثة مجلدات منها لرحلته إلى لبنان وتحديداً إلى مدينة صور وصيدا وإلى إمارة الدروز في الشوف بالإضافة إلى زيارته بيروت وجبل لبنان وطرابلس. لم يكن الهدف الأساس لسفر “دارفيو” إلى بلاد الشام الإستكشاف والتدوين والتجسس، إنما المال في الدرجة الأولى، لكن فتَنَهُ سحر الشرق وجماله، وتعدُّد أديانه وأعراقه، فولّدت لديه حسّ الفضول والمعرفة، وشرع يطوف أراضيه يتعلّم لغاته المختلفة وتاريخ أديانه وأصول شعوبه وأمرائه. ودوّن دارفيو كل ما عرفه وسمعه عن الملوك والأمراء السابقين والحاليّين، وكيفيّة وصول القبائل والعشائر الى بلاد الشام واتخاذ أراضيها موطناً لها. كذلك تكلّم على الحروب والغزوات المتتالية، ونفوذ الباب العالي للسلطنة العثمانية، وشدّد على وضع المسيحيين في الشرق وأحوال الموارنة في جبل لبنان.

رابعًا:  دارفيو في لبنان

وصل الكاتب إلى مدينة صيدا في شهر تموز من العام  1658[25]، تاركاً مدينة إزمير التي قضى فيها خمسة أعوام، وذلك حين تمّ تعيين نسيبه برتاندييه Bertandié قنصلاً لفرنسا في مينائها. استغرقت رحلته خمسة أشهر إذ كان الطريق الوحيد المتوافر آنذاك هو عبر البرّ مرورًا بمصر وفلسطين، معتمدًا على الأحصنة للسفر، وعلى الجمال لحمل الأغراض الشخصية والمؤن. لم تكن هذه الزيارة هي الأولى له الى مدينة صيدا، إلا أنَّ هذة المرّة مكث فيها سبعة أعوام تعلّم في خلالها اللغة العربية وتعرّف الى عادات الصيداويّين. كذلك سنحت له الفرصة بالحجّ إلى القدس وزيارة جبل لبنان ودمشق، فتضمّن كتاب يوميّاته كل ما مرّ به واختبره بين العام 1658 والعام 1665 [26].

كانت المحطة الأولى له في مدينة صور التي وصلها برفقة سبعة فرنسيّين، كانوا جميعهم مسلّحين نظرًا الى خطورة الطريق، فكتب عن تاريخ المدينة المذكور في الكتب المقدّسة وغزو الاسكندر الكبير لها[27]، ووصف قلعتها بدقّة، وعدّد آثار كنائسها المهدّمة، واستوقفته “نافورة سليمان” المسماة “رأس العين” ووصفها وصفًا تفصيليًا وكأنّه مهندس معماريّ. وفي خلال تفقّد الفريق الفرنسيّ القرى الجنوبية، لاحظ  دارفيو إهمال الأتراك لكل ما هو قديم، إذ إنهم يهدّمون البيوت بدلاً من ترميمها وصيانتها. كذلك تحدّث عن آثار قلاع القديسة هيلانة[28] المتواجدة على قمم التلال الممتدّة على طول الساحل الآسيويّ والكرمليّ والسوريّ وفي الجليل والسامريّة وصولاً إلى حيفا. ويُقال، بحسب دارفيو، إنَّ القديسة هيلانة والدة الأمبراطور قسطنطين أمرت ببناء هذه القلاع في خلال زيارتها للقدس للبحث عن صليب السيّد المسيح. وما إن وجدت هذا الكنز الثمين حتى اقتنع ابنها الأمبرطور باعتناق الدين المسيحيّ[29]. ودوّن الكاتب أيضًا كيف عبروا منطقة رأس الناقورة الوعرة ودفعوا لحرّاس المنطقة الرسم الذي كان يُفرض على كل عابر أوروبيّ وعلى غير المسلمين[30].

أمّا المحطّة الثانية فكانت مدينة عكّا الشهيرة حيث قام دارفيو بزيارة القنصل الفرنسي هنري دو بريكارد Henri De Bricard الذي استقبله استقبالاً حارًا وأخبره عن ندمه لترك المقرّ الرئيسيّ في مدينة صيدا، ولكنَّ الطاغية “حسن آغا”، والي صيدا، لم يترك له الخيار. وكشف دارفيو في كتابه قصة انسحاب الفرنسيّين الى عكا بالتفصيل، كما جاء على لسان القنصل نفسه. ثمّ جال بعدها في كل أنحاء المنطقة عارضًا تاريخها وتاريخ قلعتها القويّة وصمودها أيام الصليبيّين. ووقف دارفيو على أنقاض كنيسة القديس اندراوس الشهيرة، وتحدّث عن تاريخها العريق، ووصف ما كان يحيط بها من ترسانة ومقار للفرسان وقصر للمعلّم الكبير أي للأمير الدرزيّ فخر الدين الثاني[31]. وفي هذا الفصل ذكر الكاتب للمرّة الأولى اسم الأمير فخرالدين الثاني، وتحدّث عن إنجازاته العظيمة[32]. وبحسب الكاتب فهو من أمر ببناء مسكن دائم للفرنسيّين بالقرب من الشاطئ، ويذكر أحمد حيدر الشهابيّ أنّ الأمير فخر الدين الثاني أقام حصنًا وخانًا لإقامة الأجانب في عكا، ولاسيما أّن عددًا من التجار الفرنسيّين والإنكليز والهولنديّين اتخذ المدينة مركزًا لتجارة القطن الذي كان يُنقل الى فرنسا والبندقية[33].

انتهت مدّة إقامة دارفيو ورفقائه في عكّا، واتجهوا إلى صيدا عبر البحر، فتعرّضوا لهجوم من القراصنة بهدف السرقة إلاّ أنَّ العمليّة باءت بالفشل لعدم وجود أي مقتنيات ثمينة على متن المركب، ما عدا بعض مقتنيات الحجّاج القادمين من القدس ومن بينهم الرحّالة جان دو تيفينو [34] Jean de Thévénot الذي تعرّف دارفيو إليه مسبقًا[35].

خصّ لوران دارفيو ثلاثة فصول من مذكراته لعرض تاريخ مفصّل عن الأمير فخر الدين الأوّل أمير الدروز، وعن الأمير ملحم المعنيّ وخلفائه، وما حصل بين الأميرين أحمد وقرقماز ومحمد آغا حاكم صيدا من خلافات ومناكفات. وتحدّث بتقدير وبمحبة عن علي باشا الذي حكم صيدا مدة سنة واحدة، وبنى علاقة صداقة مع القنصل برتاندييه Bertandié، وساعد الفرنسيين في ازدهار تجارتهم، وحرص على عدم المسّ بهم. وتحدّث دارفيو عن العلاقة السيئة بين علي باشا والدروز، فقد كان يكرههم كرهًا شديدًا، وكان لديه فرقة خاصة تحارب الدروز بشكل مُفرط وغير عادل. وشهد الكاتب على عمليات القتل شبه اليوميّة التي كانت تحصل أمام مرأى الجميع حيث الإعدامات العشوائيّة للدروز[36]. فيخبّر أنّه في أحد الأيام حصل ما لم يكن في الحسبان، إذ قبض جنود علي باشا على عدد من الفلاحين الموارنة البؤساء ظنًّا منهم أنهم دروز، فسيقوا إلى الحاكم الذي بسبب مرضه لم يتأكد من صحة هوياتهم، فأصدر أمراً بقطع رؤوسهم. وبينما كانوا في طريقهم إلى الإعدام، مرّوا بالسوق حيث تعرّف دارفيو الى بعضهم، فهرع إلى الباشا يطلعه على حقيقة ديانتهم، طالبًا منه الرحمة، فاقتنع الوالي بكلام دارفيو وعفا عنهم، ثمّ سارع الكاتب إلى موقع الإعدام مع أحد الآباء الكبوشيّين وأخبرا العسكر ما أمر به الباشا، فقطعوا الحبال المعلّقة على الأشجار وأنعشوهم بوساطة النبيذ، فمنهم من كان مُغمًى عليه، ومنهم من لا يتذكر شيئًا مما حصل، وبعدها تمّ إرسالهم إلى بيوتهم سالمين[37].

خامساً: بيروت زمن لوران دارفيو

ذكر لوران دارفيو الموارنة للمرة الأولى في كتابه، في الفصل الثالث عشر تحت عنوان “من مدينة صيدا أو صيدون”[38]. حين دوّن عدد الكنائس والجوامع المنتشرة في مدينة صيدا، فلاحظ أن لا وجود للكنائس المارونيّة في المدينة على خلاف غيرها من الطوائف، فقد كان على الموارنة المؤمنين الذين يريدون الصلاة أن يتوجّهوا إلى كنيسة “الأمّة الفرنسية” حيث يسمح لهم بممارسة طقوسهم بحرية تامة وبكل رحابة صدر[39]

بُهر دارفيو بمدينة بيروت وبمساحاتها الشاسعة، وبعدد سكانها الذي يُضاعف عدد سكان مدينة صيدا، فتكلّم على التجارة فيها، وعلى مدى أهميتها في حياة أبنائها، وتحدّث عن زراعة التوت وتربية دود القّز وصناعة النسيج وتصدير الحرير ذي الجودة العالية والممتازة المصنوع في الشوف وكسروان[40].

وبمقارنة مع ما ذكره يوحنا مبارك الماروني[41] في رحلته الى الأراضي المقدسة في العام 1668 “أن بيروت مدينة صغيرة لكنها جميلة جدًا وغنيّة بكل أصناف الفاكهة وبخاصة الموز… وبيروت تابعة لباشا صيدا، وفيها ميناء على البحر يحيط بها الحراس ويسكنها مسلمون وروم وموارنة…”، نستنتج أن دارفيو بالغ في وصفه مدينة بيروت من حيث المساحة وعدد السكان ووضعها الاقتصاديّ، كما أن مقارنتها مع مدينة صيدا جاءت مغلوطة، فمبارك وصف صيدا وصفًا دقيقًا وشدد على أهميتها وحجمها وازدهارها الاقتصاديّ[42]. أما الشيخ عبد الغني النابلسيّ الذي زار الشرق في العام 1700 فيذكر أنّ في بيروت أربعة جوامع فقط بينما في صيدا “مساجد وزوايا كثيرة وفيها من المساجد ستة[43] 

تضمّ مدينة بيروت مواطنين من مختلف الأديان يعيشون مع بعضهم باحترام ومحبة وتقدير، باستثناء اليهود المتقوقعين حول أنفسهم. فرأى دارفيو أن المجتمع البيروتيّ أكثر ثقافةً ورقيًّا، ويتمتع بحياة اجتماعيّة وحيويّة لم يجدها في المجتمع الصيداويّ.

يقدّم دومينيكو ماغري المالطي وصفًا مختصرًا للمدينتين فيُظهر بيروت كأنها قرية صغيرة تعتمد على الزراعة وبخاصة زراعة الموز، بينما تعجّ صيدا بالتجّار الأوروبيين الذين ينقلون الحرير من جبال لبنان الى أوروبا. لذلك تحافظ بيروت على مجتمعها وعاداتها وتقاليدها كقرية من قرى جبل لبنان[44].

أمّا كنائسها، فقد كانت موزّعة على الشكل التالي، واحدة للروم الأرثوذكس حيث المقرّ الرئيسيّ للبطريركيّة، وكنيسة واحدة تتقاسمها الطائفتان اللاتينيّة والمارونيّة حيث تمّ فصلها بحائط طويل مُمتدّ على طول الكنيسة، ولكل طائفة مذبحها الخاص بالإضافة إلى ستائر خشبيّة فاصلة بحيث تستطيع النساء المشاركة في القداس من دون أن يراهنّ الرجال. ولهذه الكنيسة أيضًا باحة واسعة تضمّ مقبرة للكاثوليك[45]. أمّا الآباء اليسوعيّون فقد وهب لهم الشيخ أبو نوفل الخازن بيتًا متواضعًا لتنظيم شؤونهم.[46]

يذكر الأب تومازو فيتالي في تقريره الذي يعود الى العام 1643 الى “أن بيروت مكتظة بالسكان من مسلمين وموارنة وملكيين ويهود، وفيها كنيستان قديمتا العهد واحدة للموارنة داخل سور المدينة على اسم السيدة العذراء، والثانية مشتركة بين الموارنة والملكيين (الروم) خارج السور على اسم القديس جاورجيوس وهي مشيّدة في المكان الذي قتل القديس جاورجيوس فيه التنين المفترس[47].

خامسًا: شخصيّات مارونيّة من القرن السابع عشر

شبّ خلاف حادّ بين قنصل فرنسا في صيدا السيّد دو بريكارد Monsieur de Bricard ونظيره في حلب السيّد فرنسوا بيكيه Francois Piquet،على خلفية المطالبة بفرض ضريبة قنصليّة على البضائع التي تمّر بميناءي بيروت وصيدا وبخاصةٍ على تصدير الحرير. فقدّم الطرفان استشارة الى غرفة التجارة في مرسيليا لحلّ الخلاف بينهما، فردّت الطلب لمصلحة قنصل صيدا، إلا أنَّ قنصل حلب لم يخضع لهذا الرّد بل قام بتعيين مندوب له في بيروت “أبو نوفل الخازن” الذي إتفق بدوره مع حاكم بيروت العثماني وحاكم جبل لبنان الأمير ملحم المعني[48] على تطبيق القرار[49].

أ- أبو نوفل الخازن: هو نادر الخازن ابن الوجيه أبو نادر الخازن الذي كان مدبِّرًا لدى الأمير فخر الدين الثاني. لقِّبَ بأبي نوفل تيمّنًا بولده البكر نوفل. جمع ثروة وأملاكًا خاصة في الشوف وكسروان عن طريق إدارة أعمال الأمراء المعنيّين وحكم بعض القرى اللبنانيّة. كان الحامي الأكبر للمسيحيّين، وكان باب منزله مشرّعًا للقاصدين، يُهدي الأمراء أثمن الهدايا ويكارم الجميع خصوصًا في المناسبات العائليّة، ويقدّم الصدقات للفلاحين الفقراء. وبذلك نال تقدير الأهالي والتجّار وكلّ من تعامل معه.

إبّان مرحلة حكم الأمير ملحم[50] للبلاد، كان أبو نوفل يسهّل عملية مجيء المبشرين الى لبنان، فيؤمّن لهم الإقامة في بيوت متواضعة في القرى وفي بيروت، كما فعل مع الآباء اليسوعيّين الذين استفادوا من نفوذه، فمارسوا مهامهم بحريّة تامة، فكانت خدماته قيّمة بالنسبة الى الكنيسة[51].

كان لدى أبي نوفل أربعة أولاد يعملون في بلاط الأميرين أحمد وقرقماز[52]، ويشكّلون مع بعض الخدم فريقًا تابعًا له. وكان بإمكانه أن يسلّح جيشًا من مئتين أو ثلاثمئة فلاحٍ. ويتساءل دارفيو:” لكن ما عساه يفعل مع أشخاص متعلقين بالمحراث والأرض والمواشي، وقد يموتون من الخوف أمام خمسين انكشاريًّا يحملون فقط العصا[53]؟”

تمتّع أبو نوفل الخازن بحصانة من الأمير ملحم على الرغم من بخل هذا الأخير وحزمه وحذره. فقد كان باستطاعته تجريد الخازن في أي لحظة من أملاكه التي اكتسبها أبّان خدمته في البلاط الملكيّ[54].

لم يشر أي مصدر الى سطوة الأمير ملحم على أبي نوفل الخازن بل اعتبره من أكابر البلاد، وكان يكنّ له احترامًا كبيرًا ويستشيره في المسائل الرئيسة في البلاد، ويعتمد عليه في جباية الضرائب في العديد من المناطق، ويساعده في حروبه بتقديم الجنود المدربين . وفي العام 1650، ولّى عمر باشا والي طرابلس الأمير حيدر على بلاد البترون، فقام الأمير حيدر بدوره بتوكيل الشيخ أبي نوفل الخازن لجباية الضرائب[55]. وما يؤكد العلاقة بين الشخصيتين وبين العائلتين، هو تعيين أبو نوفل الخازن مدبرًا للأميرين أحمد وقرقماز مباشرة بعد وفاة والدهما الأمير ملحم[56].

عرّف عنه المبشّرون أمام البابا اسكندر الرابع[57] والكرادلة الكاثوليك وفي المجالس الكنسيّة على أنّه أميرُ الموارنة وحامي الإيمان المسيحيّ في الشرق، في زمن كانت الديانة المسيحيّة مُضطهدة في هذه الأراضي الشاسعة. وأمّنوا له إيصال الرسائل الودّية إلى الحبر الأعظم والكرادلة وكبار الأمراء. حتى أنّ علماء النسب درسوا تاريخ عائلته وكشفوا له أنَّ أصوله أوروبيّة، وأنّه من سلالة عائلة راقية، فتفاجأ أنَّ الغرباء يعرفون أصوله أكثر منه[58].

حرص أبو نوفل على توجيه الموارنة المغادرين من جبل لبنان إلى روما، فكان يوصيهم بأن يتقنوا لغتهم الأم، كما كان يرسل معهم هدايا رمزيّة باسمه كغصن من شجرة أرز لبنان. وبالمقابل أنعم عليه بابا روما برتبة فارس رومية، وسمح أن يتقلّد طوقًا وسيفًا ويستعمل مهاميز[59] ذهبية[60].

كان دارفيوعلى يقين أنَّ أبا نوفل يخدع الفرنسيّين بنبله، فرفعوه إلى منصب قنصل فرنسا في بيروت[61]، وكانوا مستعدّين لمنحه وسام الشرف العالي التقدير[62]. وقد عرف دارفيو كل تفاصيل حياة أبو نوفل الخازن عندما أرسل الأتراك عشرات العساكر للقبض عليه، فلاحقوه من جبل إلى جبل من دون جدوى، ودخلوا منزله عنوة وسلبوا المستندات كلّها التي وجدوها لديه، فطلب الباشا العثمانيّ من الكاتب بالذات بأن يقوم بترجمة هذه المستندات[63]. واستغرب هذا الأخير من كثرة رسائل الشكر الموّجهة إلى الخازن لحمايته مصالح الفرنسيين ومساعدة الإرساليّات في أعمالها، وكانت تلك الرسائل جميعها تبدأ بجملة “إلى السيد الأمير ابي نوفل”[64].

إنّ العلاقة الوطيدة بين أبو نوفل الخازن من جهة وبين السلطة البابويّة والسلطات الفرنسيّة من جهة أخرى، ملأت قلب دارفيو بالحسد والحقد وجعلت منه عدوًا ومنافسًا، فاتهمه بالكذب والخداع، ولعلّ تعيين أبو نوفل قنصلاً لفرنسا في بيروت، أشعل نار الغيرة لديه كون المنصب يدرّ أمولاً طائلة لصاحبه، ودارفيو كان بأمس الحاجة الى الأموال لإنقاذ وضعه الماديّ.

وكان القناصل يتقاضون إثنين بالمئة رسمًا على كل البضائع التي تخرج من المرافئ متجهة الى فرنسا، بالإضافة الى واحد بالمئة علاوة “للقانشيلير”[65] في القنصليّة. وكانت قنصليّة حلب من أهم القنصليّات الفرنسيّة، وصلاحياتها تشمل بيروت وصيدا في لبنان. وفي العام 1616 استقلّت قنصلية صيدا عن قنصلية حلب، فوقع الخلاف بينهما، وكانت بيروت وأبو نوفل الخازن في صلب هذا الخلاف وقد تدخلّت البطريركيّة المارونيّة الى جانب الخازن ليستمر في منصبه، وهذا ما تحقّق في نهاية الأمر، وأشعل نار الغيرة في قلب دارفيو مرة جديدة[66].

لقد أكّد معاصرو أبو نوفل الخازن على مزاياه وأشاد به رجال الدين والعلمانيون على حد سواء، ومن أبرزهم الرحالة جان دو لاروك الذي اعتبر أبي نوفل “أمير الشعب المارونيّ” وأكد على احترام الكرسيّ الرسوليّ والملك الفرنسيّ ومشيخة البندقية له. وكذلك الأب بيسون اليسوعيّ الذي اعتبر أنّ استتباب الأمن وانتشار السلام في المنطقة يعود إليه…[67]. كما أرّخ البطريرك اسطفان الدويهي[68] وفاته على الشكل الآتي: “وفيها (1679) في الثالث عشر من آب كانت وفاة الشيخ أبو نوفل بن الخازن الذي فاز على اهل عصره في السعد والمعرفة والكرم والسيط والنخوة … وكانت جميع إمارة الشام وأكابره تعزّه. وكذلك القناصل وتجار الفرنج. وكلمته كانت في كل موضع نافذة. وفي أيامه تعمرت الكنائس والاديرة في ناحية كسروان….”[69] 

إن رثاء البطريرك اسطفان الدويهي لأبي نادر الخازن يقطع الشكّ باليقين حول دور الخازن في مجتمعه وتقدير الغرب له، كون شهادة البطريرك الكبير به هي وسام شرف له تكذّب كل افتراءات دارفيو.

بقي اسم أبو نوفل الخازن في أروقة مراكز القرار في أوروبا لعقود بعد وفاته، وظهر تقدير الأوروبيّين له ولعائلته من خلال مساعدة الاوروبيّين ماديًا لشخص يدعى فرنسيس الشدياق انتحل اسم نوفل الخازن وجال على بعض الدول الأوروبيّة يجمع الأموال باسم المسيحيّين في لبنان والشرق ويدعو الى حملة صليبيّة للتخلص من الحكم العثمانيّ[70].

وتناول الكاتب في مذكراته المطرانين المارونيين “اسحق الشدراوي” Isaac Chedraoui و”سركيس الجماري” Sergius Gamerius لصلتهما بأبي نوفل الخازن، وذكر معلومات خاصة عنهما لم يتطرق اليها المؤرخون في دراساتهم، فهما يتميزان عن غيرهما من الآباء بالحنكة والفطنة والأسفار الاستكشافيّة[71].

المطران اسحق الشدراوي[72]: يعود الفضل للمطران اسحق الشدراوي في توحيد قسم كبير من الموارنة مع الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة بحسب دارفيو، فقد كان المطران مساعدًا للبطريرك المارونيّ في جبل لبنان، ويتم إرساله في بعثات إلى الأماكن الصعبة والبعيدة بمهام مستعصية. وطد علاقاته بأحبار الكنيسة في روما ومع السلطات الفرنسية، وطمح الى أن يصبح نائبًا في أوروبا وبخاصة في فرنسا، حيث كان يتولى مهام صعبة، وعلاقته ممتازة مع معظم فئات المجتمع الفرنسيّ[73].

نقل المطران الشدراويّ واقع الموارنة “الكاثوليك” المثير للشفقة وما يتعرضون له من تشدّد الأتراك معهم ومن تعصّب الروم “المنشقّين” ومن عداء اللاتين ومن اتحدّ معهم[74]. وكان قد أقنع الفرنسيّين أنّ بالمال فقط يمكن محاربة هذا الإعصار الذي قد يسحقهم ، فكان يلقى تعاطف المتحمّسين للمحافظة على إيمان شعوب تلك البلاد البعيدة، فيتلقى منهم المال والمِنَح للكنائس والأوانيّ المقدسة وكل ما يلزم كهدايا للأمراء والحكومة التركية وحكام البلاد، فلولا تلك التقديمات لما سمح الأتراك للموارنة بفسحة من الحرية.

قصد دارفيو من خلال هذه الفكرة أهمية دور فرنسا في حياة الموارنة وتأثيرها على استقرارهم في أراضيهم، وكأن لولا المساعدات الفرنسيّة للمطران الشدراويّ لكانت حياة الموارنة بخطر وممارسة طقوسهم محظورة، متجاهلاً التاريخ العريق للموارنة في جبل لبنان وصمودهم طوال قرون غابرة، وهذا يدلّ على مدى تعصّبه لبلاده والنظرة الفوقيّة للشعوب الضعيفة.

 إنما ما فاجأ الكاتب هو ما صدر عن المطران الشدراويّ بقوله أنه لم يجد امرأةً واحدةً شريفة في فرنسا، حتى إذا سُئل عن السبب يكون ردّه: “أنّ كل رجل صالح كان ليفكر مثله خصوصًا إذا رأى كيف تندفع النساء والفتيات ليتمّ تقبيل أياديهّن ويسمحن بإجراء محادثات جانبية معهنّ وجعلنا سعداء جدًا برفقتهّن[75]“. قول المطران أثار حفيظة “دارفيو” فكتب ردًا على هذا الاتهام “أنَّ للمرأة الأوروبيّة حرية الاختيار في المحافظة على نفسها، وتتمتّع بالعفّة والفضيلة أكثر من النساء الآسيويّات اللواتي يحسنّ التصرف لأنهّنّ مجبرات على ذلك[76].

إنّ هذا الجدل الوهميّ بين المطران والكاتب يدفع بالتساؤل والاستفسار حول مدى صحة ما قاله المطران. فهل يُعقل أن يرمي مطران محترم ولبق التهم جذافًا ويعمّم ما رآه عند بعض الفتيات أو النساء الفرنسيّات؟ وهل يُعقل أن ينتقد المطران نصف المجتمع الفرنسيّ وهو يجمع التبرعات المالية منه لدعم صمود الموارنة في أرضهم في وجه العثمانيين؟؟؟.

لقد نجح المطران الشدراويّ في مسعاه الى تعيين أبو نوفل الخازن قنصلاً لفرنسا في بيروت وذلك بطلب من البطريرك جرجس السبعليّ[77]، بعد أن فشل المطران سركيس الجمري بالمهمة نفسها، الأمر الذي أغاظ دارفيو الذي كان يعتبر أن منصب القنصليّة من حقّه.

من جهة أخرى إن الرحالة دومينيكو ماغري المالطي نزل بضيافة المطران الشدراويّ في طرابلس، ورافقه في إحدى سفراته الى روما، ولم ينقل عنه نظرته السيئة تجاه المرأة الفرنسيّة، مما يؤكد أنّ دارفيو لم يكن صادقًا أو دقيقًا بما نقله عن لسان المطران الشدراويّ[78].

المطران سركيس الجماري[79]: لفتت شخصيّة المطران الجماري نظر دارفيو،  فكتب أنّه يتميّز بشخصية قوية وفريدة من نوعها، وبسلوك غريب، حتى أنّ البطريرك كان يوّد منعه من ترأس القداس الإلهيّ أو الذبيحة الإلهيّة. كان طموح الكاهن سركيس الجماري أن يصبح مطرانًا على الرغم من افتقاره للصفات المطلوبة لنيل هذه المكانة الموقّرة[80].

 كان الأب سركيس في حماية أبي نوفل الخازن في بلاط الأمراء، يستفيد من مكانته ويقدّم له خدمات روحيّة واجتماعيّة جمّة. ويروي دارفيو أنّ أبا نوفل أجبر البطريرك المارونيّ جرجس السبعليّ على تعيين سركيس الجماري مطرانًا على الرغم من كل الأسباب التي كانت تمنع ذلك. سافر الجماري بعدها إلى اوروبا لجمع الصدقات والقيام بمهامه الكنسيّة. كانت فرنسا بالنسبة إليه كنزًا من الذهب، فقد عرف كيف يعرض بؤس حال البطريرك ومسيحيّي جبل لبنان وبعض الأماكن في البلاد، فاستطاع أن يجمع مبالغ طائلة، وتكلّلت أسفاره كلّها بالنجاح. كان متضلعًا باللغات الشرقيّة وعبقريًا في تفكيره وخططه، ما حثّ الفرنسيين على تعيينه مترجم الملك الرئيس للغات الشرقيّة براتب مرتفع[81].

التقى دارفيو بالمطران سركيس الجماري في مدينة عكّا في العام 1658، قادمًا من مرسيليا وحاملاً معه مبلغًا كبيرًا من المال وبعض البضائع التي جمعها في خلال سفره. تفاجأ الكاتب عندما سمعه يتكلّم الفرنسيّة والإيطاليّة بركاكة وأنّه تلعثم كثيراً عندما أراد أن يردّ على رجل دين ألمانيّ كان يجامله باللغة اللاتينيّة، مما يعني أن الجماري لم يكن يتّقن اللغات الغربيّة بشكل جيّد، لذا لا يستحق أن يشغل منصب المترجم الرئيس للملك الفرنسيّ. كذلك يروي الكاتب كيف تدخل بنفسه وساعده في مكتب الجمارك حين انفعل موظف الجمارك وصرخ في وجه المطران وبدأ ينعته بالخائن والكافر بسبب كثرة البضائع التي كانت بحوزته، فعمد دارفيو إلى فضّ المشكلة[82].

يجدر الذكر أن دارفيو لطالما أراد الحصول على منصب مترجم للملك الفرنسيّ لذلك أظهر في كتاباته امتعاضه من المطران الجماري لأنه وبحسب ما كتب هو الأجدر لتولي هذا المنصب. لذلك فإن كل الإهانات التي وجهّها دارفيو الى المطران الجماري ناتجة عن حسد وغيرة لما وصل اليه المطران من احترام وتقدير في فرنسا ولدى الملك بشكل خاص. وما زاد الطين بلّة هو العلاقة الوطيدة بين أبو نوفل الخازن والمطران الجماري، فصب دارفيو غضبه على الإثنين، فاختلق قصصًا من وحي الخيال أو ضخّم أخبارًا بهدف الإهانة. 

عاد المطران الجماري مجددًا إلى فرنسا بعد تعيينه رئيسًا لأساقفة دمشق. ونظرًا لمركزه ومكانته استطاع الحصول على استعطاف الفرنسيين فأغدقوا عليه الصدقات والهدايا. وكان ممتنًا للغاية خلافًا للمطران الشدراويّ، فذاع في كل مكان أن لا مثيل لنساء فرنسا وأنهنّ المثال الذي يحتذى به من أخلاق وفضائل وخصوصًا الكرم[83]. ولكنه عوضًا عن توزيع المال كما يجب على الفقراء، كان يعطيه لابن أخيه الذي كان بدوره يتاجر بالحرير، فيشتريه في أوّل الموسم ليبيعه في آخر الموسم من السنة بسعر مضاعف. هذه التجارة كانت تتمّ بنجاح كبير في حين كان المطران الجماري في فرنسا يجمع التبرعات. ولما عاد أخيرًا إلى لبنان ظنًّا منه أنّه قد جمع ثروةً طائلةً فوجئ أنّ ابن أخيه هرب سارقًا المال كلّه الذي بحوزته. صُعق المطران بتصرف ابن أخيه، فقرّر الانطلاق مجددًا في رحلة جمع المال، وسافر إلى فرنسا علّه يجمع بعض التبرعات إلا أنّه توفي في مرسيليا في العام 1668[84].

لم يتحدث دارفيو عن حسنات المطران الجماري وإنجازاته بل ركّز على وضعه الماديّ ومصدر أمواله وكأنه يقيس الانسان بثروته فقط لأن عقدة الثروة والمال ظلّت هاجسه وأرخت بظلّها على الفصل المخصّص للشخصيّات المارونيّة. وبالمقابل لم يكتب دارفيو أو يشير الى أي انتقاد من قبل البطريرك للشخصيّات الثلاث بخاصة فيما يتعلّق بالناحية المادية، كما أنّه لم يتطرق الى أي خلاف داخل الكنيسة المارونيّة حول المواضيع المذكورة، كما أنّ أحدًا من الرحالة المعاصرين لم يتكلّم على هذه المواضيع لا من  قريب ولا من بعيد.

سابعاً: زيارة جبل لبنان ودير قنوبين

 انطلق لوران دارفيو من طرابلس إلى جبل لبنان يرافقه بعض التجّار الفرنسيّين وكانوا جميعهم مسلحّين[85]، ومعهم الأب المارونيّ “يوسف”، وهو كاهن إحدى القرى التي تبعد عن المدينة ست ساعات سيرًا على الأقدام. وقبل ساعات قليلة من الانطلاق، تسلّم الكاتب برقية من البطريرك جرجس السبعليّ يؤكد له فيها سلامة الطريق التي سوف يسلكونها[86].

استهلّ دارفيو الفصل الرابع والعشرين من مذكراته بوصف جبل لبنان وصفًا دقيقًا، ذاك الجبل الشهير المذكور في الكتب المقدسة والمؤلّف من سلسلة جبال ممتدة على ملء النظر. يوازي طولها أربعة أيامٍ من السفر[87]. إنها جبال خصبة معظم أراضيها مزروعة ومأهولة بالسكان، غنية بسهول القمح والخضار، إذ يتمّ ريّها بمياه الينابيع والأنهار العذبة، الأمر الذي يجعل من تربتها تربة ممتازة تفيض في إنتاج الطحين والزيت والنبيذ الفاخر الذي يُوزع في أنحاء بلاد الشام. ولا يمكن لمتذوّقي النبيذ التمييز بين النبيذ اللبنانيّ وبين النبيذ القبرصيّ. أمّا ثروة الأهالي الرئيسيّة فهي صناعة الحرير الذي يتمّ تصديره ليس إلى أراضي السلطنة العثمانية فقط، إنما أيضًا إلى  بعض البلدان الأوروبيّة والإفريقيّة[88].

من الناحية الديمغرافية، أشار دارفيو الى أنّ سكان الجبل هم من المسيحيين، موارنة وأرثوذكس، ومن الدروز ومن المحمّديّين الذين ينعتهم البعض بالكفّار ولهذا السبب عُرِفوا بالمتاولة[89]، وهم من الطائفة الشيعيّة والعلويّة[90].  ينتشر المسيحيّون في كلّ مكان[91]، إمّا في قرى يعيشون وحدهم، وإمّا في قرًى مختلطة حيث يتمتّع الجميع بحريّة تامة في ممارسة نشاطاتهم الدينيّة من بناء الكنائس والجوامع لا بل يحقّ لهم وضع العمامة البيضاء[92].

وصل الكاتب والوفد المرافق له إلى قرية الكاهن المنشودة والتي كانت شبه مهدّمة[93]، متعبين ومرهَقين من جراء السير مسافات طويلة، ففضلوا النوم تحت الأشجار على دخول الأكواخ التي تملأها البراغيث الى درجة أنهم لم يروا مثل هذا المشهد من قبل. وفي الصباح الباكر احتفل الكاهن بالقداس، وتناولوا الفطور وركبوا جيادهم سالكين طريق إهدن يرافقهم دومًا دليلهم. مرّ الوفد  بقرى عدّة، ليدخلوا بعدها سهلاً شاسعًا ، فأرشدهم الكاهن إلى مكان في وسط الكرم حيث، بحسب معتقدات السكان، بدأ نوح بزراعة العنب فيه[94].

1- نبيذ جبل لبنان

 شدد دارفيو على أنّ نبيذ جبل لبنان لذيذ للغاية ومصنوع بشكلٍ جيّد ومتقن، الى درجةٍ أنّ مفتي طرابلس[95] الذي أحبّ طعمه كثيرًا، أصدر بيانًا جاء فيه:”أنّه على الرغم من أنّ الشرع يمنع المؤمنين المسلمين من شرب النبيذ لما يسبّبه من تأثيرات سلبية فيما بعد، إنما ونظرًا لمعرفته بالتأثيرات الايجابية لهذا النبيذ….، دفع المفتي بالقول  من دون أي نيّة للدفاع عنه، ليس فقط لاحترامه العميق للمزارع الأول لهذه الكروم الذي بفضله، تمّ استعادة الجنس البشري؛ إنما أيضاً بسبب النوعية الممتازة التي جعلت منه أفضل نبيذ في العالم، وبخاصةٍ لأنّه لا يسبب الثمالة التي تؤثر على العقل ولا حتى على صحة الإنسان“. ومن هنا أعلن المفتي أنّ كل مؤمن مسلم بإمكانه وباستطاعته أن يشرب النبيذ من دون أن يخالف أمر الله، ومن دون أن ينتهك شريعة النبي. واعتبر الجميع أنّ هذا الإعلان منطقيٌّ، ومن هؤلاء الأئمة والدراويش الأكثر تقشفًا الذين أعطوا بدورهم موافقتهم وقبولهم، وكانوا أوّل من شرب النبيذ من دون أي تردّد، شرط أن يكون النبيذ المقدّم لهم هو فعلاً من كروم ذاك البطريرك العظيم (نوح)[96].

إنّ هذا الكلام خارج المنطق ويعاكس مبادئ الدين الإسلاميّ ولا يمكن لأي مفتي أو شيخ أن يسمح بشرب النبيذ أو أي نوع من الكحول مهما كانت فوائده. ومن الممكن أن يكون سمعه من أحد المسلمين المدمنين على شرب الخمر ليبرّر فعلته، وإمّا من باب تعصّبه المسيحيّ لإظهار عدم إلتزام المسلمين بمبادئ ديانتهم.

2- إهدن: بعد مسيرة ست ساعات في الأودية والسهول الخلابة والجبال المغطاة بالأشجار المتنوعة، وصل الرحالة إلى هضبة خصبة مليئة بأشجار الزيتون والجوز وفي وسطها قرية إهدن، ومن هناك توجهّوا الى بيت المطران بولس[97]. استقبلهم المطران باحترام وتقدير، وقدّم لهم الضيافة اللائقة، وأصدر الأوامر اللازمة باعتماد الجياد الأصيلة لنقلهم. بعدها انتقل الزوار إلى الكنيسة للصلاة. وقد نصب المطران خيمةً تحت أشجار الجوز ليرتاحوا في جوّ نقيّ بعيدًا عن الحشرات التي تملأ الأجواء. كذلك وجدوا كميّة من الفاكهة الشهيّة والأجبان الطازجة والنبيذ اللذيذ بانتظارهم. كان الكاتب تعبًا جدًا جرّاء السفر إلاّ أنّ فضوله تغلّب على نعاسه، فطلب المطران من أحد رجاله أن يرافقه لاستكشاف المكان، فانتقلا إلى كنيسة  السيدة التي يتفجر من تحتها ينبوع من المياه العذبة. قسم من تلك المياه موجّه في قناة الى منزل المطران بولس للاستعمال المنزليّ ولريّ حديقته، والقسم الآخر ينحدر الى أسفل الجبل لريّ مزروعات سكان إهدن. وعلى الرغم من التعب والإرهاق اللذين شعر بهما الكاتب إلا أنّه لم يسأم تأمل هذا البلد الجميل، وكتب عنه أنّه بالفعل كما يعنيه اسمه: “جنّة على الأرض[98].

عاد دارفيو الى رفقائه بعد استكشاف المنطقة، وكان المطران المضيف قد ذبح العجل والدجاج والحمام، وكانت نساء الضيعة قد شاركن في إعداد أطباق هذه المائدة بكل رحابة صدر. فأعددن الحساء اللذيذ وعدداً من أطباق اللحم المطبوخ والمشوي على طريقة البلد، التي “لا يمكن القول عنها إلا أنّها ممتازة“. وبينما كانوا يستعدون للجلوس إلى المائدة، وصل إثنان من المطارنة يتبعهما ثلاثة كهنة وثلاثة شمامسة، كان قد أرسلهم البطريرك ليتأهلوا بالرحّالة، وليثنوا عليهم ويخبروهم مدى فرحته بقدومهم. وما إن اقتربوا أكثر حتى شرع مطران إهدن  في استقبالهم وقام بمباركتهم بإشارة الصليب والبخور. وبعد القيام بالواجب والترحيب بالوافدين، ذهبوا جميعًا إلى الكنيسة مرنميّن السلام وصلاة المساء، وقد شارك دارفيو وأصدقاؤه في القداس وأحسّوا بقوة التقوى والإيمان. بعد الاحتفال الإلهيّ، جلس الجميع على الحصيرة تبعًا لعادات البلد، وتمّ تقديم الوجبات في أطباق كبيرة نظيفة مصنوعة من الخشب، وكانت كلّها لذيذة وشهية. وبعد العشاء وتلاوة صلاة الشكر وبسبب الطقس البارد الذي تتميّز به تلك الجبال العالية، بات الضيوف ليلتهم في الكنيسة بسكينة وهدوء ليستيقظوا في اليوم التالي على صوت المطران بولس الإهدنيّ وليبدأوا نهارهم بقداس الصباح[99].

انتهت إقامة الكاتب ومرافقيه، فشكروا المطران على حسن الضيافة، مصرّحين له أنه لشرف لهم أن يكونوا في ضيافته. وكما ذكر “دارفيو” أنّ هذا المطران كان يستحقّ الاحترام والتقدير كلّه، إذ كان يتمتّع بروح طيبة وبساطة في الأسلوب، إضافة الى اتقانه اللغات التركيّة والعربيّة والسريانيّة. وكرّر دارفيو الشيء مرارًا على الحياة الفاضلة التي كان يعيشها الموارنة في تلك الجبال المقدّسة كالكرم والضيافة والشهامة والمحبة والنخوة[100].

لم يفرّق المطران والأهالي في إهدن بين رحالة وآخر، وبين سائح وآخر، بل كان حسن الضيافة من ضمن ثقافتهم وتقاليدهم وقد أجمع على ذلك الرحالة الذين مروا بمنطقتي إهدن وبشري في تلك المرحلة[101].

3- أشجار الأرز: ترك دارفيو ورفقاؤه إهدن في الثامنة صباحًا وصعدوا إلى الجبال العالية، فوجدوا أنفسهم في مكانٍ تعلوهم سماءٌ صافية وتحت أقدامهم سحب تهطل أمطارًا لريّ السهول. وبعد ثلاث ساعات من السير المضنيّ وصلوا إلى غابة الأرز حيث التقى الرحالة الفرنسيّون إثنين من الآباء الكبّوشيين يقيمان قدّاسًا تحت إحدى الأشجار الضخمة حيث يوجد مذبح حجريّ بُنِيَ منذ زمن بعيد. وهنا تساءل الكاتب هل أنّ تلك المذابح المنتشرة في المنطقة والتي تعود الى آلاف السنين هي تلك المذابح التي قدّم عليها كل من آدم وهابيل وقايين ذبائحهم!!![102].

تحدّى الكاتب الرحّالة السابقين الذين كتبوا في مذكراتهم عن استحالة معرفة العدد الصحيح لأشجار الأرز، وأنّه لا بدّ من الخطأ عند عدّها. فبالنسبة إليه إنّ اعتقاداتهم خاطئة جدًا، لأنه توصّل بعد عدّ الأشجار مع رفقائه الى العدد نفسه وعدده ثلاث وعشرون أرزة. وهنا عبّر دارفيو عن مشاعره بقوله “أنّه لا بدّ من وجود روعة وغموض حتى في فعل أبسط الأمور والتي  من دونها  لن تكون بعض النفوس سعيدة[103].

واسترسل دارفيو في وصف أشجار الأرز المذكورة في كتاب العهد القديم مرّات عدة، مشيرًا الى أنّ الملك سليمان طلب بناء سقف هيكله من خشب أرز لبنان. وشدّد دارفيو على أنّ تلك الأشجار قديمةُ قِدم التاريخ، وأنّها تحمّلت فيضان نوح من دون أن تُقتلع بسبب جذورها المغروسة جيدًا في الأرض. وطال كلامه على أشجار الأرز وراح يقارن حجمها بالأشجار الموجودة في الجزر الأميركيّة وفي اسبانيا[104].

لقد فات دارفيو الحديث عن القداس السنويّ الذي يقام في غابة الأرز في 6 آب في عيد التجليّ ويترأسه البطريرك المارونيّ ومشاركة عدد كبير جدًا من المؤمنين وحضور المسؤولين الدينيّين والزمنيّين[105]. وقد أشار يوحنا مبارك الى القداس على الشكل التالي: “وفي يوم الرب يزحف الشعب بأعداد غفيرة ويتحلقون حول مذبح مُقام على إحدى الأرزات للاحتفال بعدّة قداسات، ويسمى عيد الأرز أو عيد الرب[106].

يُخبر الديبلوماسي فرانسوا دو لاكروا أنّه في أثناء انتقال سفير فرنسا السيّد نوانتيل  Marquis de Nointel الى أورشليم شارك في القداس الإلهيّ السنويّ في الأرز وطلب أن يُقام على نيّة الملك الفرنسيّ. وقد ترأّس القداس الإلهيّ البطريرك المارونيّ وحضره أعيان الموارنة والقنصل الفرنسيّ في لبنان[107].

4- بشرّي: مرّ دارفيو ورفقاؤه بمدينة بشرّي من دون ولوجها، فأعجبوا بشكلها الخارجيّ، لكنهم قرّروا متابعة سيرهم باتجاه كنيسة مار ليشاع التي يقطنها الرهبان الكرمليّون، ويؤدّون فيها الخدمات الروحيّة لمنطقة بشرّي. وبالقرب من هذه الكنيسة عاش الناسك الفرنسيّ فرنسوا دي شاتوي [108]Sieur de Chateuil معظم حياته في تقشف متميّز، حيث توفي برائحة القداسة، وهو الذي يكنّ له الأتراك الاحترام والتقديركله. وبعد أن استمتعوا بتلك الأماكن  الخلابة، بقي لديهم ساعة من الوقت للوصول إلى المقرّ البطريركيّ الذي يسمّى “قنوبين”[109].

5- قنوبيّن: وتعني الدير، وقد اعتبره دارفيو مقرًا للمسيحيين كلّهم، فسمّي بالدير المقدّس، مثلما سمّى الرومان مدينتهم روما[110]، ومثلما أطلق الأتراك على عاصمتهم الجديدة اسطنبول[111]. أمّا قنوبين أو قنوبيوم Conoebium باللاتينيّة، فهو المقرّ البطريركيّ حيث كان يعيش البطريرك المارونيّ. ويقول الكاتب أنّه حين وقع نظره على الدير من بعيد، شعر وكأنّه موجود في قاع الوادي، وفيما كانوا يتقدمون انتبهوا الى أنّ طريقهم مازالت طويلة للوصول إلى الدير العميق. وعند وصولهم، استقبلهم المطارنة ورجال الدين بكِياسة قلّ مثيلها عند سكان الصحراء القاحلة البعيدة عن كل مجتمع إنسانيّ[112]، حيث حياة العفة والتقشف لا توحي إلاّ بالجفاء. انتقل الوفد إلى الصالة الكبيرة في الدير حيث قُدّم لهم ما ينعشهم من المشروب، بينما أخذ بعض الرهبان الخيول إلى الإسطبل وساعد آخرون المرافقين على تفريغ أمتعتهم وقدّموا لهم الطعام والشراب وكلّ ما يلزم لراحتهم[113].

ويتابع دارفيو أن عددًا من الرهبان قصد البطريرك ليعلمه بوصول الوفد. فالبطريرك كان ينفرد في كهف بعيد عن الأنظار يصعب الوصول إليه، يلجأ إليه في مطلع النهار ولا يتركه إلا عند المساء. في ذلك الوقت كان سكان الوادي المقدّس في حرب مع باشا طرابلس الذي كان يطالبهم بدفع مبالغ ضخمة. ولتحقيق هدفه كان الباشا بين وقت وآخر يرسل جيشه التركيّ لخطف البطريرك، لأنه على يقين أنّه إذا استطاع فعل ذلك، فسيبيع الموارنة جميعهم ما يرتدونه لإخراج بطريركهم من السجن[114].

 وصل البطريرك بعد نصف ساعة، فقبّلوا يده باحترام كما قبلهم بكلّ مودة وتأهّل بهم كثيرًا. وكان على الكاتب أن يرد نيابةً عن الجميع، فقال ما قاله باللغة العربية الأمر الذي نال إعجاب البطريرك كثيرًا. بعد الاستقبال توجهّوا الى الكنيسة حيث احتفلوا بالزياح و”بطلبة” السيدة باللغة السريانيّة و مرتلين بالنغم نفسه المعتمد في الكنائس اللاتينيّة. بعد خروجهم من الكنيسة، دخلوا صالة كبيرة ليتناولوا الحساء، ووجدوا كمية هائلة من اللحم مهيّأة على طريقة البلاد، والفاكهة والعسل وعددًا من أباريق الفخّار ممتلئة بالنبيذ المعتّق اللذيذ الذي فاق خمر البطريرك الكبير نوح حلاوة[115].

لم يكفّ البطريرك والمطارنة والكهنة عن إثارة شهيّة الضيوف وسكب الخمر في كؤوسهم كلما فرغت، بل قدموا لهم فناجين وكؤوس من مختلف انواع البلّور الجميلة والمثيرة للفضول. إنّ البطريرك والمطارنة والكهنة الذين يلحّون على ضيوفهم بالشرب لم يكونوا ليفعلوا بالمِثل، بل على العكس كانوا كثيري التقشف. فالعديد منهم اكتفى بشرب الماء، وإنما كل ما فعلوه كان إكرامًا لضيوفهم وإظهارًا لروح الضيافة[116].

يصف دارفيو حياة الجماعة في الدير بالعادية جداّ وبالبسيطة للغاية، فالرهبان لا يأكلون إلا الخضراوات واللحوم، ويصومون ويتقشّفون معظم الأحيان، ويعملون أوقاتًا طويلة، ويستيقظون في الليل لإتمام واجباتهم الدينيّة، وجميعهم مثال يحتذى في الانضباط الكامل[117].

عندما رأى البطريرك أن ضيوفه توقفوا عن  أكل الطعام، تلا صلاة الشكر، وطلب الاجتماع  بدارفيو، فدار بينهما حديث مطول مدّة ساعتين من الوقت الأمر الذي أتاح للكاتب اكتشاف حيويّة البطريرك وقوة إرادته، بالإضافة الى قدراته الفكرية ومعرفته لمطارنته ولكهنته شخصيًا. وفي نهاية اللقاء، توجه كلّ ضيف إلى مغارة صغيرة نظيفة فيها حصائر وبطانيات جلبها الزوار معهم[118].

كان اسم البطريرك آنذاك جورج[119] لكنه لم يحفر اسمه أبدًا على الختم البطريركي فقد كان الختم يحتوي دومًا على العبارات التاليّة باللغتين اللاتينيّة والسريانيّة: بطرس بطريرك إنطاكية لأن القديس بطرس قد أسّس كرسيّه الأوّل في أنطاكية وقد كُتبت هذه الكلمات حول صورة العذراء.[120]

كان البطريرك في الخمسين من عمره، طويل القامة، جميل المظهر، شعره أشقر، وتعابير وجهه توحي بالسعادة والاحترام. كان يملك حسّ الفكاهة، ويتصرّف بتهذيب ساحر. كان حكيمًا ومنضبطًا إلى أقصى الحدود. ولم يكن يعرف سوى اللغتين العربيّة والسريانيّة، ولكنّه كان دائمًا محاطًا بالكهنة الذين تعلموا في روما والذين يتقنون اللغتين الإيطاليّة واللاتينيّة. كان يرتدي ثوبًا بسيطًا للغاية ويضع على رأسه عمامة ضخمة زرقاء مستديرة من القطن. ويضيف دارفيو أنّه في زمن سابق كانت العمامة لونها أبيض إلاّ أنّه أُجبر على تغيير لونها بعد أن استولى الأتراك على البلاد وأصبحت العمامة البيضاء لباس المسلمين. كانت عمامة الموارنة مصنوعة من الحرير، أمّا عمامة الأتراك فهي من قماش. وليس من الغريب ألا يعتمر الموارنة عمامتهم في أماكن وجود العثمانيّين الذين هم أسياد البلاد[121].

وذكر “دارفيو” في كتابه مقطعًا صغيرًا يصف فيه كيف يتمّ انتخاب البطريرك الجديد وقال:”عندما يتوفى البطريرك، يجتمع الأساقفة والمطارنة لانتخاب بطريرك جديدٍ. فيختارون من بينهم من كان لديه الفضيلة والجدارة والموهبة ليحكم الشعب الذي يخضع له. وبعد الانتخاب، يرسلون نتيجة التصويت إلى الحبر الأعظم لنيل بركته والحصول على الباليوم [122]Pallium“.  

 لم يرَ الكاتب عند الأساقفة الموارنة الجّاه الذي يتمتع به نظراؤهم في أوروبا، فأوانيهم الكنسيّة جميعها نظيفة على الرغم من بساطة هيئتها. إنّها الفضيلة التي تكسوهم وليس الأقمشة الثمينة والزخرفة والذهب والمال. لا يملكون سوى الصلبان الخشبيّة ولكنّهم أساقفة من ذهب. كما أنّ المؤمنين جميعهم يكنّون لهم فائق الاحترام والطاعة العمياء، فتراهم يقبّلون أيادي الأساقفة والكهنة وكذلك قدم البطريرك. يجلّونهم كآباء ورؤساء. وقد اعتبر دارفيو أنّ طريقة عيشهم وطريقة تعاملهم مع بعضهم بعضًا مثال جيّد له ولرفقائه الذين هم أيضًا تحرّروا واعتمدوا نمط عيش مختلف تمامًا عما تلزمهم به أعراف بلادهم[123].

في صباح اليوم التالي، احتفل البطريرك بالقداس الإلهيّ، وعاونه أربعة مطارنة ومدير الاحتفال الإلهي، وشمّاسًا[124] وخورسًا[125] واثنان من القندلفت[126]، والعديد من الكهنة حيث لكل واحد منهم مهمّته الخاصة. أمّا الرهبان فقد وقفوا بشكل مستدير حول كتاب الترانيم المكتوب بالسريانيّة، وبدأوا بالترنيم من بداية القداس الى آخره بشكل متواصل. ويتحدّث دارفيو عن اللغة السريانية فيعتبرها: “مفيدة يمكن قراءتها بسهولة، حتى ولو كان الراهب يقف على الجانب الأيمن أو الأيسر، وذلك لأنّها تُكتب من الأعلى إلى الأسفل مما يسمح بقراءتها من كل الجوانب[127].

بعد انتهاء القداس ونيل المؤمنين بركة البطريرك، انتظر دارفيو ورفاقه غبطته في الصالة الكبرى لشكره على كل ما قُدِم لهم، فأجابهم بطيبة وبرقّة داعيًا إيّاهم الى زيارة قنوبين مرّة أخرى كي يتابعوا أخبار البلاد. بعدها قبّل أفراد الوفد يدي البطريرك، ونالوا بركته وتركهم ليعود إلى مغارته السريّة للصلاة والتأمّل[128].

بعد وجبة الغداء، جال أحد الكهنة الكرام مع الزوّار على أرجاء الدير لاستكشافه. يقع دير سيّدة قنوبين في وسط منحدر شاهق عند أحد الجبال التي تكوّن وادي القديسين، في وسط غابة أشجار شامخة وشجيرات من الأصناف جميعها. وتكثر في الوادي البساتين، والكروم، والينابيع، والجداول، والمجاري. بُنِي قسم من الدير بعيداً عن الكنيسة والقسم الآخر نُحِت في الصخر كمغاور صغيرة حيث يَبيت فيها رجال الدين والزوّار. أمّا الكنيسة فهي كبيرة وجميلة ومحفورة في الصخر أيضًا، ومدخلها مقفل بسورٍ وفي وسطها باب كبير ونافذتان على الجانبين وعلى كلّ نافذة جرس عملاق يُستعمل لدعوة الشعب للحضور[129].

6- أجراس قنّوبين: تنبّه الكاتب إلى أنّها الأجراس الوحيدة الموجودة في أرجاء السلطنة العثمانية كلّها. ويُقال أنّه عندما احتلّ السلطان صلاح الدين الأيوبيّ[130] هذه البلاد ووطئ أرض هذا الجبل استقبله الرهبان الذين يقطنون هذه “الصحراء”، بكلّ حفاوة وإجلال، فتعاطف معهم وقام بإصلاحات عدّة في الكنيسة والدير، وأعطاهم حقّ ملكية مساحات كبيرة من الأراضي وسمح لهم باقتناء الأجراس واستعمالها تمامًا كما هو مسموح في أي بلد مسيحيّ. ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ أي خليفة من بعده المسّ بتلك الامتيازات والهبات. وقد دقّ الرهبان الأجراس لإسماع زوّارهم صداها المتكرّر في المغاور والصخور والغابات بشكل رائع ومتجانس[131].

لم يشر الرحالة الأوروبيون والمؤرخون الموارنة الى قضية السماح للمسيحيّين باستعمال الأجراس زمن صلاح الدين الأيوبيّ. فمن المرجّح أنّ دارفيو سمع عن تسامح صلاح الدين الأيوبيّ تجاه الأقليّات وبخاصة المسيحيّين منهم، كما لمس الحريّة الدينيّة التي ينعم به الموارنة في جبل لبنان، فاستنتج أن قرع الأجراس مسموح في الجبل منذ زمن صلاح الدين. أمّا دومينيكو ماغري المالطيّ فقد ذكر سبب منع الأجراس عند مسيحييّ الولايات التركيّة على الشكل الآتي: “… تشاهد في هذا الدير بعض الأجراس، وهذا أمر نادر في بلدان التركي، لأنه، كما سبق وقلت، لا يسمح بالأجراس للمسيحيين لأنهم تنادوا الى الثورة على إشارة الأجراس…[132]”  

 لقد لفت انتباه دارفيو في غرفة الاجتماعات لوحة كبيرة لملك فرنسا لويس الرابع عشر، ففسّر البطريرك لزواره، أنّه يحتفظ بهذه اللوحة إجلالاً منه للملك العظيم، كما يحتفظ بلوحات لسائر الأمراء ورجال الدين المسيحيين في لبنان. ثمّ عرض القندلفت على الزوار الذخائر الموجودة لديهم والموضوعة في صناديق من الرخام، لأنّ فِقرهم لا يسمح لهم باقتناء صناديق ذهبيّة ولا فضيّة[133].

إن تركيز دارفيو على هذه اللوحة وجواب البطريرك كان هدفه تأكيد دارفيو على ارتباط الموارنة بفرنسا وبملكها، وهذا يُشعره بالفخر من جهة وبالسلطة من جهة أخرى. لكن معظم الرحالة الذين تتطابق رواياتهم ووصفهم لمقرّ البطريرك والأديرة في الوادي المقدس لم يذكروا هذه اللوحة المثيرة للاهتمام. وما يفسّر ذلك هو مدى ارتباط دارفيو بوطنه وبالأمّة الفرنسيّة، وقد سعى مرارًا ليتبوّأ منصبًا رسميًا لخدمة أبناء الأمّة من ناحيّة، وتحسين وضعه الماديّ من ناحية أخرى.

7- القدّيسة مورين[134]: على مسافة قصيرة من الكنيسة توجد مغارة القدّيسة مورين التي دفعت حياتها لتكفّر عن ذنب لم تقترفه. دخلت هذه القديسة الدير بثياب رجل وكانت تدعى الراهب “مارينو” Marino، فأحبته إحدى بنات المنطقة بجنون حتى أنّها كانت تحثّه على اقتراف الخطيئة. بطبيعة الحال لم تتجاوب القديسة لمطالب الفتاة، فأصيبت الأخيرة بخيبة كبيرة جعلتها تستسلم لأحد الرجال. حمِلت الفتاة بولدٍ وعند ولادته أتى أهلها بالرضيع إلى رئيس الدير وقدّموه له على أنّه ابن الراهب مارينو. كان من السهل جداً على الراهبة المتنكرة الدفاع عن نفسها ولكنّها كانت خائفة من أن تُطرد من الدير وتُحرم من عيش حياة القداسة. جثت على قدمي رئيسها طالبةً المغفرة والرحمة فيما يوّبخها على فعلتها وطالب بطردها. ولكن ومن كثرة ما ذرفت الدموع وبقدر ما توّسلت رئيس الدير، سُمح لها البقاء في أحد الكهوف المظلمة والبعيدة مع الطفل الذي نسب إليها. كانت تعيش مورين من فتات الخبز الذي يرمونه لها كالكلاب، وكانت تطعم الطفل من حليب عنزة كانت تأتي إليها ثلاث أو أربع مرات يوميًا. وبعد سنوات عدّة من العزلة والعقاب المريع، تُوفيت برائحة القداسة. لكن عند إعداد كفنها اكتشف الرهبان أنّ الراهب هو فتاة  عاشت حياتها بمنتهى الطهارة وكلّ ما نسب إلى الراهب كذب وافتراء. أمّا الطفل الذي ربّته على التقوى فقد ترعرع في الدير ليصبح فيما بعد راهباً مثالياً[135].

تمّ توسيع مغارة القديسة مورين وتحوّلت إلى كنيسة صغيرة جميلة حيث كانت تُستعمل مدفنًا للبطاركة والأساقفة في الطائفة المارونيّة. فالبطاركة الموارنة يختارون بأنفسهم مدافنهم وعادة تكون مقابرهم  مرتفعة قليلاً عن الأرض. يقدّر أهالي البلاد هذه القديسة ويجلّونها ويحجون الى موضع توبتها سنويًا .[136]

8- المغاور: توجّه الزوّار بعد زيارة مغارة القديسة مورين، إلى قاع وادي القديسين، حيث وجدوا مغاور لا تحصى ولا تعدّ، وهي في الأصل منازل للقديسين الأبرار الذين كانوا مثالاً يُحتذى في نمط عيشهم وإيمانهم وتقواهم. وما يزيد في الأمر غرابة هو صعوبة معرفة كيفية العيش في تلك المغاور، إذ يبدو أنّ الوصول إليها صعب جدًا. ويعتقد دارفيو أنّ المغاور غير نظيفة، ووحدها العصافير تستطيع الدخول إليها. وبعد تفكير مطوّل استنتج الكاتب أنّه لربّما كان  سكان المغاور يستعملون السلالم أو الحبال للنزول منها والعودة إليها[137].

أظهر دارفيو إعجابه بطبيعة الوادي المقدّس ودُهش لمشهد مياه النهر الساحرة وضفافه الجميلة، فهذا النهر الذي ينبع من منطقة الأرز ومن جداول عدة وينابيع غزيرة، تمرّ مياهه بين الأشجار والصخور لتتحوّل إلى شلالات طبيعية ورائحة تنعش الجوّ، فينسى الإنسان أنّه في بلاد حارة. وتكسو الأشجار الجبال، وتملأ العصافير الفضاء وصوتها ينتشر في أرجاء الطبيعة. إنّه مكان حيث المتعة اللامتناهية. ترك الكاتب ورفقاؤه هذه الطبيعة الخلابة بحسرة للعودة إلى دير قنوبين[138].

وعلى الرغم من حسن الضيافة والكرم والتهذيب المفرط الذي لاقاه الزوار، وعلى الرغم من إلحاح الأساقفة والكهنة في الوادي المقدّس على تمديد الزيارة،  إلاّ أنّهم قرروا المغادرة في اليوم التالي لمتابعة استكشافاتهم وزيارة مناطق جديدة. عرّف الكاتب المعنى الحقيقيّ لاسم لبنان المشتقّ من اللغة العبريّة والتي تعني اللون الأبيض أي لون الثلج الذي يغطي الجبال، حتى أنّ العرب كانوا يسمّونها الجبال البيض أي جبال لبنان[139].

وبينما كان الوفد يستعدّ لمغادرة الدير، وصلت فرقة من الرجال المسلّحين، وكانت أشكالهم تبعث الخوف في نفوس الحاضرين، لكنّهم كانوا منهكين وضعفاء وكانت عيونهم مبّطنة بالسواد، شبه عراة. دخلوا الفناء بوحشية من دون سلام أو كلام، وراحوا يتأمّلون الرحالة الفرنسيّين مطولاً. من المؤكد، بحسب الكاتب، أنّهم لو التقوا بهؤلاء المسلحّين في أي مكان آخر لانقضّوا عليهم وجرّدوهم من كل ما يحملون لأنّهم كالقطيع المفترس الذي يعرف الجبال خير معرفة.

 تمّ التعرّف الى هؤلاء على أنّهم دروز تابعون للأمير “حمادة” الذي كان على خلاف مع باشا طرابلس، وكان هؤلاء الرجال قد تركوا بيوتهم وعائلاتهم وقراهم ليبيتوا بين الصخور ويناموا في العراء من دون أي غطاء يحميهم من وحشية الطبيعة. إنهم رجال يتمتعون بالقوة والإرادة، يتحمّلون كل شيء على الرغم من التعب الشديد، محتفظين برصانة وشجاعة لا مثيل لهما، لدرجة أنَّ الجنود الأتراك الأكثر خبرة وقوة لا يستطيعون التغلّب عليهم. إنهم يستعملون البنادق والسيوف بقوة ودهاء، وعندما تنفذ منهم الذخيرة يعمدون إلى صنعها بأنفسهم، ولهذا السبب يحمل كل واحد منهم كيسًا صغيرًا من الكبريت والملح الصخريّ، إذ سريعًا يضع الفحم مع خشب الصفصاف ويلفّه بالعصا في جوف الصخور ومن ثمّ يضع الكمّيّة اللازمة من الكبريت والملح الصخري. لقد أرسلهم الأمير إلى وادي قنّوبين ليتفقدوا البطريرك ويسألوه عن حاله ويقدّمون له المساعدة[140].

لم يخفِ الكاتب قلقه لرؤية الرجال من الوهلة الأولى، إلى حين تعرّفه والرحالة عليهم، فأكلوا وشربوا معهم، واكتشفوا مدى طيبتهم[141].

أخطأ دارفيو في تحديد هوية هؤلاء الرجال. بالطبع ليسوا دروزًا. فالدروز لم يصلوا يومًا الى شمال لبنان لمحاربة الوالي العثمانيّ في طرابلس على الرغم من العداء التاريخيّ بينهم وبين العثمانيّين، لكن معظم مواجهاتهم وحروبهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر وقعت في البقاع والشوف وعاليه وبيروت. ومن المرجّح أن يكون من شرح له عن هؤلاء الرجال هو الذي نقل المعلومة الخاطئة، أو فسرها له بطريقة مغايرة للحقيقة التاريخيّة ودمج بين الشيعة والدروز عبر التاريخ. هؤلاء هم من الشيعة، يتبعون آل حمادة الذين يحكمون أعالي جبل لبنان الشماليّ. وما يؤكد ذلك، الصراع الذي وقع بين الشيعة في ريف طرابلس والبقاع الشمالي، اتباع آل حمادة، وبين والي طرابلس كوبورلو محمد باشا بين الأعوام 1659 و1665 للحدّ من سطوة الشيعة على تلك المنطقة وتنفيذ القرار العثمانيّ بالقضاء على قطّاع الطرق في تلك المنطقة[142]. كما أن دارفيو لم يذكر اسم الأمير الذي أراد الإطمئنان على البطريرك المارونيّ أو أي تفصيل عنه، فترك الأمر مبهمًا وزاد الشك شكًا حول طائفة هؤلاء المارّين.

وعند موعد الانطلاق، وصل رجل دين يعرفه دارفيو من الأراضي المقدّسة إلى الدير، وكان متوجّهًا إلى دمشق برفقة شخصين آخرَين. عندها قرّر الكاتب أن يستأذن مرافقيه ويُكمل رحلته الاستكشافية إلى دمشق مع الكاهن ومرافقيه، لأنها تتناسب ومشروعه ورحلته[143].

ودّع دارفيو أصدقاءه الذين غادروا الدير، وبقي هو يومًا آخرًا ليتمكن من إكمال جولته في الدير وفي غابة الأرز. وفي صباح اليوم التالي، وبعد حضور القداس الإلهيّ، وتناول الفطور، وتحضير مؤن الرحلة التالية، ترك دارفيو دير قنّوبين على أمل العودة إليه يومًا ما[144]

ثامناً: ما تميّز به “دارفيو” عن غيره من رحّالة القرن السابع عشر

قضى الفارس الفرنسيّ لوران دارفيو إثني عشر عامًا من حياته في بلاد الشرق من العام 1653 حتى العام 1665. هذه المدّة الطويلة جعلت من مذكراته فيما بعد مرجعًا تاريخيًا اعتمد عليه عدد كبير من المؤرخين. فقد أغناها بالوقائع والأحداث المثيرة وأعطى لمحة عامة عن الوضع التجاريّ والصناعيّ والأمور الإداريّة في مختلف الموانئ التابعة للسلطنة العثمانيّة وكيفية سير المعاملات الحكوميّة التركيّة. كما تكلّم على العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات الشرقية، فقد سمعها وعايشها مدّة طويلة من الزمن. وكتب عن الباشوات والفلاحين، وعن رجال الدين والمؤمنين المسيحيّين، وعن المشايخ والمواطنين الدروز، وعن الكنائس والجوامع، وعن الطرقات والجبال الشاهقة، وعن الطعام الشرقيّ وطريقة تقديمه، وعن الضيافة والسخاء، وعن حال المرأة العربيّة والعادات الشرقيّة، وعن سهول القمح وكروم العنب وصناعة النبيذ، وعن القديسين والأنبياء، وعن الثقافة والعلم والجهل، وعن البؤس والحرمان، وعن الرشاوى والتجاوزات وغيرها. إذاً لا يمكن اعتبار كتابات دارفيو سطحيّة أو بلا فائدة ككتابات بعض الرحالة في تلك المرحلة، لكن يمكن تقسيمها الى نوعين: الأوّل علميّ وواقعيّ ينقل ما رآه وما عاشه بدقة وموضوعيّة؛ والثانيّ غير علميّ يتأثر بأفكاره الشخصيّة وطموحاته ولا يدقّق بما يسمعه، فيحوّر الأحداث أحيانًا لما يخدم مصلحته الخاصة.

يختلف أسلوب دارفيو عن غيره من الرحّالة الأوروبيّين الذين زاروا لبنان والمناطق العثمانيّة في تلك الفترة، أمثال الرحّالة الفرنسيّ البارون هنري دو بوفو والأب دومينيكو ماغري المالطيّ. فقد تبع دارفيو أهدافًا رئيسية لرحلاته واعتمد الصدق والشفافية في طرح اختباراته الشخصية والجرأة في التعبير عن أفكاره العلمية. لذا يمكن اختصار مميّزات الرحالة لوران دارفيو كما يلي:

أسباب الرحلة: إنَّ معظم رحّالة القرن السابع عشر كانوا إمّا مرسلين أرسلهم الملوك الأوروبيّون لغايات استكشافيّة، سعيًا  لنيل الألقاب كالبارون هنري دو بوفو، وإمّا رجال دين أوفدهم الكرسيّ البابويّ إلى جبل لبنان والموارنة في بعثة خاصة ولأهداف دينيّة ورعويّة كالأب دومينيكو ماغري المالطيّ. أمّا لوران دارفيو فهو رحّالة مدنيّ، ليس موفدًا من قبل أحد، إنما قاده فضوله وعطشه للمعرفة لزيارة جبل لبنان والموارنة لذا جاءت معظم مذكراته مفصّلة ودقيقة.

الدقة في التفاصيل:  لم ينقل دارفيو القصص عن غيره من الرحّالة السابقين كما فعل البارون الفرنسيّ دو بوفو، بل على العكس استند إلى تجاربه الشخصيّة التي عاشها مع الناس والى لقاءاته رجال الدين وأرباب السياسة المحليّة والعثمانيّة. وقد شهد شخصيًا على ظلم الأترك للطائفة الدرزيّة، وتكلّم على الإعدامات العشوائيّة التي رآها بأمّ العين. وكذلك بعد زيارة مغارة القديسة مارينا، كتب قصّتها الرائعة بشكل بسيط وصادق وواقعيّ وليس كما فعل البارون “دو بوفو” الذي وقع بمغالطات كبيرة بسبب الإهمال مثل اسم الدير والتاريخ الحقيقيّ وغيرها.  

وصف الكاتب المدن وما تبقى من آثار الينابيع والجداول والبيوت وصفًا دقيقًا وكأنه مهندس معماريّ وحلّل منطقيًا منهجيّة القوات العثمانيّة واستراتيجيّتها، كأنه عالم نفس اجتماعيّ. وحين تكلّم على أجراس وادي قنّوبين ذكر تاريخ وجودها وعدّدها وروى سبب السماح باستعمالها خلافًا لما جاء في يوميات “الأب ماغري” الذي قال أنّه إذا أراد المسيحيّون أن يعلنوا عن الرتب المقدسة كانوا يضربون لوحًا كبيرًا بقضيب من الخشب تبعًا للطقس القديم في أوّل عهد الكنيسة[145].

الجرأة: تجرّأ الكاتب في خلال إقامته في صيدا أن يتدخّل بقوة لدى السلطة العليا في المدينة عندما تمّ اعتقال مواطنين موارنة عن طريق الخطأ، وكأنّه يملك صفة رسميّة ليتدخّل ويغيّر أوامر خاصة بالوالي العثمانيّ. كذلك فاجأنا بما ذكره على لسان مفتي طرابلس بشأن السماح للمسلمين المؤمنين بشرب نبيذ جبل لبنان من دون سواه. وهذا خطأ كان بالإمكان تلافيه والتدقيق  به قبل نشره بخاصة في قضية حسّاسة وعقائديّة مماثلة.

 كما عبّر دارفيو عن ظنونه بكل حرية وعفوية في المطارنة الذين ذكرهم بأسمائهم، وهاجم زعيم الموارنة أبا نوفل الخازن الذي اعتبره “وصوليًّا” وأنّه لا يستحقّ لقب أمير الموارنة، وعاكس آراء جميع الرحّالة ورجال الدين والقناصل الذين أبدوا احترامهم وتقديرهم وتأييدهم له.

الخاتمة

نلمس في مذكرات دارفيو مدى افتخاره كمواطن فرنسيّ، فقد أدى دورًا دبلوماسيًا بطريقة غير مباشرة ومن دون أي قرارٍ رسميّ من الملك. فهو من اللحظة الأولى التي وصل بها إلى لبنان بدأ بتحقيقاته وتساؤلاته عن أحوال القناصل الفرنسيّين وعملهم اليومي. فقد نقل معلومات دقيقة وخطيرة عن الممارسات المُجحفة التي كان يمارسها العثمانيون بحق الأمّة الفرنسيّة، وقد ذكرها بالأسماء وبالتواريخ وبالطرق التي كانوا يتّبعونها. واستثنى الحكّام الذين تعاونوا وصادقوا الفرنسيّين وساعدوهم في ازدهار تجارتهم وأمّنوا لهم الحماية اللازمة. كما أنّ اتقانه اللغات المختلفة جعلَه معروفًا لدى الباب العالي، فطلب منه العثمانيّون مرارًا وتكرارًا أن يترجم لهم الوثائق العربيّة إلى التركيّة. لذلك تمكّن من عرض الواقع السياسيّ بحذافيره.

تضمّنت مذكرات دارفيو معلومات جغرافية شاملة، فقد ذكر تفاصيل رحلته من تركيا إلى لبنان، طرقات وجبالاً وأودية وقلاعًا، وقدّم وصفًا دقيقًا لكل مدينة أو قرية استقرّ بها، وحرص على وضع كل معلومة تاريخيّة عرفها، من دون أنّ يتحقّق أحيانًا منها، مما أوقعه ببعض المغالطات.

عند قراءة مذكرات دارفيو ندرك مدى شعوره بحسّ المسؤولية والتعاطف أمام الأحداث المأسويّة التي عاناها مسيحيو الشرق، وإن كان قد أشار في بعض الفصول إلى نفوره من بعض الشخصيات المارونيّة، ولكنه عرض الأسباب الجوهريّة والملموسة التي دفعته إلى ذلك.

أمّا الدور الأبرز الذي أدّاه الكاتب فهو نقل واقع حال الموارنة في جبل لبنان نقلاً دقيقًا، كخوفهم الدائم من اختطاف العثمانيين لبطريركهم وتهديدهم بشكل مستمر بحملة عسكريّة مرتقبة. كما أنَّ الواقعة التي شهد عليها في صيدا حين تمّ اعتقال عدد من المسيحيين اعتقادًا بأنّهم دروز، تظهر جليًا أنّه لولا تدخل الملوك الأوروبيّين ودعم الكرسيّ البابويّ للموارنة لكانت حالهم كحال الأقليّات الأخرى في السلطنة العثمانيّة، ولم يستطيعوا ممارسة طقوسهم بحريّة تامة. وظهر جليًّا تقديره لطريقة الحياة التي يعيشها الموارنة، رجال دين وعلمانيين، وتحدّث عن تماسك الشعب خلف قيادته الكنسيّة لدرء أي خطر قد يهددهم في المستقبل. وبيّن الكاتب عن تعصّبه لمسيحيّته ولوطنه، ودمجهما ليظهر أن بقاء المسيحيّين في الشرق هو بفضل فرنسا العظمى. 

لقد أظهر دارفيو مدى تقديره للبطريرك والمطارنة وقارنهم مع رجال الدين في أوروبا، فأشاد بهم من الناحيّة الروحيّة والحياتيّة، كما أشاد بالشعب المارونيّ، وكأنه أكّد وقبل الموارنة أنفسهم نظريّة الأمّة المارونيّة المستقلّة.


[1] Robert, Mantran, “L’Etat Ottoman au XVIIeme siècle”, dans Histoire de l’Empire Ottoman, Fayad, 1989, p. 264.

[2] اندريه دو رييه (1580- 1660 أو 1672) مستشرق فرنسيّ، شغل منصب مبعوث دبلوماسيّ لفرنسا في القسطنطينيّة وقنصل في الاسكندريّة. ترجم العديد من الروايات والأشعار التركيّة، وهو أوّل من نقل القرآن الكريم الى اللغة الاوروبيّة العاميّة، والذي منع نشره المجلس الأعلى. أهمّ انجازاته وضع قاموس تركيّ – لاتينيّ. في العام 1630 أصبح المترجم الرسميّ للملك لويس الثالث عشر. كذلك نال استحسان السلطان مراد الرابع. http://www.turquie-culture.fr. 12-9-2018

[3] بارتيميلي ديربلو (1625-1695) مستشرق فرنسيّ، درس اللغات الشرقيّة في جامعة باريس. عيّنه الملك لويس الرابع عشر سكرتيرًا ومترجمًا رسميًا. حقّق العديد من المخطوطات وترجمها. من أهم إنجازاته كتاب “المكتبة الشرقية” الذي تناول فيه تاريخ وعادات وتقاليد وديانات الشعوب الشرقية. Marie Louise Dufrenoy, L’Orient Romanesque en France, L’Etude d’histoire et de critique littéraires, Montréal, Edition Beauchemin, 1946, p. 20 – 21

[4] Pierre Martino, L’Orient dans la littérature française, Paris, Hachette, 1952.

[5] الملك لويس الرابع عشر: هو ابن لويس الثالث عشر، ومن أشهر ملوك عائلة البوربون. وُلد في باريس في سان جيرمان في 5 أيلول 1638. توفي والده في العام 1643 وهو في الخامسة من عمره، فتسلّم السلطة رئيس الوزراء الكاردينال مازاران حتى العام 1661. تمرّس الملك الشاب في الحكم الى جانب مازاران ليحكم بعده فرنسا أربعًا وخمسين سنة تحت شعار “أنا الدولة والدولة أنا”. سُمي بملك الشمس لاهتمامه بالأدب والفن والعلوم. هو الذي بنى قصر فرساي في العام 1682.  شهدت فرنسا في عهده حروبًا داخلية وخارجية، وأصبحت محور الحياة السياسيّة والثقافيّة في أوروبا. وعلى الرغم من الازدهار الكبير الذي شهدته فرنسا في عهده، إلا أنّ التاريخ حفظ له صورة الملك المستبدّ. توفي في العام 1715 بمرض الغرغرين. ول ديورنت، قصة الحضارة، عصر لويس الرابع عشر، الجزءان 31 -32، ترجمة فؤاد اندراوس، جامعة الدول العربيّة، القاهرة، 1979، ص 7 – 31.

[6] كميل افرام البستاني، الرحالة الأجانب الى بلاد الموارنة إشعاع القرن السابع عشر، الفصول، العدد 9، 1983، ص 100؛ الخوراسقف يوسف داغر، بطاركة الموارنة، بيروت، 1958، ص 122؛ أنطوان الحكيّم، “الحماية الفرنسية للأقليات غير المسلمة في السلطنة العثمانية”، في الأقليّات والقوميّات في السلطنة العثمانيّة  بعد 1516، منشورات الجمعيّة التاريخيّة اللبنانيّة، الفنار، 2001، ص 33؛

                             Nasri Salhab, Les Maronites Eternels Rebelles, Librairie Du Liban, Beyrouth, 1995, p. 822.

[7]– أُسّست المدرسة المارونيّة في روما في عهد البطريرك سركيس الرزّي بدعم من البابا غريغوريوس الثالث عشر. وجاء تأسيس المدرسة نتيجة انعقاد مجمع قنوبين في العام 1580 في عهد البطريرك ميخائيل الرزّي وسعي القاصد الرسوليّ الراهب اليسوعيّ جان باتيست إليانو. وقد أكمل المهمة القاصد الرسوليّ الراهب اليسوعيّ جيروم دانديني JEROME DANDINI في العام 1584. ويجمع معظم المؤرخين على الفوائد الجمّة التي أتت بها المدرسة المارونيّة في روما على المجتمع المارونيّ والمجتمع اللبنانيّ وعلى الشرق بشكل عام. راجع: الأب سركيس الطبر، “تأسيس المدرسة المارونيّة في روما 1584″، المنارة، 25، 1984، ص 35؛ جوزف أبو نهرا، “الظروف التاريخيّة لنشأة المدرسة المارونيّة الحديثة”، المنارة، 25، 1985، ص 105؛ نعيم بارود، “أثر المدرسة المارونيّة في الشرق”، المنارة، 25، 1984، ص 261.

[8] تُعرف اليوم باسم “إزمير” التي تقع غرب منطقة الأناضول، وتُعدّ من أشهر المدن التركية وأهمّها، وهي مدينة مكتظة بالسكان، ويُعتبر ميناؤها الميناء الأوّل للتصدير في تركيا. أوّل من أطلق عليها اسم أزمير هو الرحّالة العربيّ إبن بطوطة، أمّا اسمها القديم فهو سميرنة، وهو اسم يونانيّ قديمّ. http://weziwezi.com

[9] أصل العائلة أرفيو قبل أن ينال لوران وحده لقب “دو”.

[10] Paul Sebag, “Le Chevalier d’Arvieux a Tunis”, dans IBLA, 1981, 1, n.147 , pp. 71 – 94

[11] سيطرت فرنسا على عدد من الموانئ التجاريّة في شمال أفريقيا منذ منتصف القرن السادس عشر، وعيّنت على كل ميناء مديرًا يديره وينظّم عمله، وكانت تستبدله بين الحين والآخر. إلا أنّ أحد المدراء ويدعى السيد أرنو M. Arnaud رفض التخلّي عن منصبه في عهد الملك لويس الرابع عشر وتحالف مع أحد الحكّام الجزائريين واحتجز عددًا من العمال والموظفين والتجار الفرنسيّين للضغط على الحكومة الفرنسيّة. بالمقابل احتجز الفرنسيون عددًا من الأتراك للضغط على الحاكم الجزائريّ. فما كان من الملك إلا أنّ أوكل مهمّة حلّ القضية الى الفارس لوران دارفيو لإلمامه باللغة العربيّة وباللهجات المشرقيّة فأتمّ واجبه على أكمل وجه.

Dominique Chevalier, MÉMOIRES, envoye extraordinaire du roy a la Porte, Consul d’Alep, d’Alger, de Tripoli, & autres Échelles du Levant, (1959-1962) Par le R. P. JEAN-BAPTISTE LABAT de l’ordre des Frères Prêcheurs, Tome Cinquieme.

[12] جان باتيست كولبير (1619 – 1683) ولد في باريس. يعدّ واحدًا من أهمّ وزراء الملك لويس الرابع عشر، عيّن مدققًا عامًا للماليّة ومن ثمّ وزير خارجيّة البلاط الملكيّ وبعدها وزير الخارجيّة البحريّة (1669-1683م). Thierry Sarmant et Mathieu Stoll, Régner et gouverner : Louis XIV et ses ministres, Paris, Perrin, 2010, P…

[13] هوغ دو ليون (1611 – 1670) ديبلوماسيّ فرنسيّ وماركيز. عيّن وزيرًا في الحكومة في عهد لويس الرابع عشر ومن ثمّ وزير للخارجية. Thierry Sarmant, Mathieu Stoll, op. cit., P….

[14] Laurent D’Arvieux, Mémoires,  Editions Voyageurs d’Orient, Introduction, Notes et Index Antoine Abdel nour, Tome II, Dar Lahad Khater, Beyrouth, 1982, p. V-XIII; Regine Goutalier, Le Chevalier d’Arvieux. Laurent le Magnifique. Un Humaniste de Belle Humer, l’Harmattan, Paris, 1997, p. 7 -20; Hussein El Mudarris et Olivier Salmon, Le Consulat de France a Alep au 17eme siècle: Journal de Louis Gedoyn vie de Francois Picquet Memoires de Laurent d’Arvieux, ray publishing and science, 2009, pp. 29 – 39.

[15] اسماعيل أبو الفداء (1273-1331) أمير حماه، مؤرّخ جغرافيّ. درس التاريخ، والأدب، وأصول الدين. من أهمّ أعماله كتاب “تقويم البلدان” في الجغرافيا. طبع طبعات عدّة في أوروبا وسُمّي جغرافيا أبي الفداء. محمد بن شاكر الكتبي، فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1973 – 1974.

[16] ملكيسادش تيفينو (1620 – 1692) هو عمّ الرحالة الشهير “جان تيفينو”. كاتب وعالم فيزياء فرنسيّ، وواضع الخرائط الجغرافيّة ومخترع ميزان التسوية. دخل في عالم السياسة وعُيّن دبلوماسيًا من قبل الملك لويس الرابع عشر ثمّ أمين مكتبة الملك. استطاع من خلال رحلاته العديدة وعلاقاته المتنوعة أن يجمع المعلومات كلّها عن العالم في القرن السابع عشر وينقلها الى الاوروبيين. Robert M. McKeon, “Une lettre de Melchisédech Thévenot sur les débuts de l’Académie royale des Sciences, dans Revue d’histoire des sciences et de leurs applications, 1965, Volume 18, no 1, p. 1-6.

[17]  موليير هو جان باتيست بوكلان (1622-1673). شاعر ومفكّر وناقد اجتماعي وكاتب مسرحيّ فرنسيّ، له الكثير من المؤلفات المسرحيّة التي اتسمت بطابع كوميديّ، ومن أشهر أعماله: مدرسة الأزواج، ومدرسة الزوجات، والبخيل وغيرها. وقد لاقت مسرحية السيد النبيل استحسان الملك لويس الرابع عشر. Georges Forestier, Moliere, Bordas, 1990

[18] Laurent D’ArvieuxMémoires,  op. cit., Tome II, p. XII; Regine Goutalier, Le Chevalier d’Arvieux…, op. cit, p. 9; Hussein El Mudarris et Olivier Salmon, Le Consulat de France…, op. cit, p.31. 

[19] جان باتست تافرنييه Jean-Baptiste Tavernier (1605-1689) هو رحالة فرنسيّ. قام بست رحلات في آسيا، وصل إلى جاوة وجزر الهند الشرقية. وقد ترجمت كتاباته المتعلقة بالعراق ونُشرت تحت اسم “رحلة الفرنسي تافرنييه إلى العراق في القرن السابع عشر”. http://www.cosmovisions.com/Tavernier.htm    راجع أيضًا ترجمة كوركيس عوّاد ورواد فرنسيس، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2006.

[20] جان شاردان (1643 – 1713 م) Jean Chardin هو رحّالة وكاتب فرنسيّ. عاش في بلاد فارس وبلاد الشام مدّة طويلة. لمذكراته قيمة علميّة كبيرة. https://www.jesuismort.com/tombe/jean-chardin#biographie

 [21] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 66.

[22] جان دو لاروك (1661-1745) صحافيّ وأديب ورحالة فرنسيّ ومؤسس أكاديميّة مرسيليا. له إصدارات عدّة معظمها مذكرات رحلاته المتعدّدة ومن بينها زيارته إلى سوريا وجبل لبنان.

 Jean de LA ROQUE, Voyage de Syrie et du Liban, Introduction notes et index Jean Raymond, Dar Lahed khater, Beyrouth, 1981.

[23] قام دارفيو بزيارة البدو في جبل الكرمل سنة 1659 ووضع الزيارة تحت عنوان: “رحلة إلى  فلسطين لمقابلة الأمير المعظّم، رئيس الأمراء العرب في الصحراء، المعروفين باسم البدو أو العرب السنّة الذين يدّعون أنهم من سلالة اسماعيل ابن ابراهيم، وذلك بأمر من الملك لويس الرابع عشر”. وقد لاقى هذا الكتاب رواجاً سريعاً فتمّ إعادة طباعته في امستردام وتُرجِم بعدها إلى اللّغة الإنكليزية ونُشر في لندن سنة 1724. Laurent D’arvieux, Mémoires, op. cit, Tome II, p.IX.

[24] جان باتيست لبّاط (1663-1738) ولد في فرنسا. هو راهب دومينيكيّ، ومؤرخ، ومهندس، ومُحارب، ومُستكشف. أمضى إثني عشر عامًا في الخدمة العسكريّة قام بعدها بزيارة استكشافيّة للجزر الفرنسيّة في الكاراييب والجزر الواقعة في أميركا وأفريقيا وبنى فيها كنائس عدّة. له كتب عدّة من مذكرات يوميّة نقل فيها حال العبيد في تلك الجزر. Aurélia Montel, Le père Labat viendra te prendre, Maisonneuve et Larose, 1996, p. 37.

[25] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. VI.

[26] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. VI.

[27] بعد انتصار الإسكندر على الفرس بقيادة داريوس الثالث، قرّر احتلال المدن الفينيقيّة وتقديم الذبائح الى الإله ملكارت إله صور. رفض أهالي صور الموضوع وقرّروا مقاومة الاسكندر باعتبار الإله ملكارت يخصهم وحدهم. هاجم الاسكندر صور فاحتل الجهة البرية بسهولة وحاصر البحرية مدّة سبعة أشهر ودخلها ظافرًا وقدّم الذبائح للإله ملكارت وانتقم من أهلها. وِل ديورنت، قصة الحضارة، الجزء السابع، ترجمة محمد بدران، ص 526.  

[28]  القديسة هيلانة (247-327) تربت تربية مسيحية وامتازت بأخلاقها الحميدة وحسن مظهرها. تزوجت من ملك بيزنطيا وأنجبت منه ابنها الوحيد الذي اصبح فيما بعد الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير. بدورها أصبحت هيلانة امبراطورة وحامية الشعب المسيحي ومن أهم انجازاتها اكتشاف صليب يسوع المسيح في اورشليم عام 316 وبناؤها الكنائس في كل أرجاء القدس كلّها. توفيت عام 327 ومازال جثمانها موضوعًا في متاحف الفاتيكان. https://st-takla.org

[29]  Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 8.

[30]  Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 8 – 9.

[31] الأمير فخر الدين الثاني المعني الكبير: هو ابن الأمير قرقماز ابن الأمير فخر الدين الأول المعنيّ. ولد في بعقلين في العام 1572. تسلّم السلطة في العام 1590. حقّق انجازات اقتصاديّة وعمرانيّة وسياسيّة كبيرة للبنان واللبنانيّين. واجه العثمانيّين عدّة مرّات. وبين 1613 و1618 انتقل الى توسكانا لتجنّب الحرب مع العثمانيّين وتنقّل بين معالمها وتعرّف الى شخصيّاتها، فكانت بالنسبة إليه مدرسة حضاريّة ساهمت في بناء إمارته بعد عودته على النمط الأوروبيّ. قام بانجازات عمرانيّة وإداريّة في جبل لبنان حتى انهزامه في العام 1633 على يدي الجيش العثمانيّ. نُقل الى اسطنبول للمحاكمة حيث أُعدم هناك يوم 13 نيسان 1635. فوستنفيلد، فخر الدين أمير الدروز ومعاصروه، ترجمة بطرس شلفون، تحقيق فؤاد افرام البستاني، دار لحد خاطر، بيروت، 1981. عيسى اسكندر المعلوف، تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني، دار الحمراء للطباعة والنشر، بيروت، 1997.

 [32] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 21.

[33] أحمد حيدر الشهابيّ، تاريخ احمد باشا الجزار، نشره الأب انطونيوس شبلي والأب إغناطيوس عبده خليفة، مطبعة تطوان، بيروت، 1955، ص 95 – 96؛ زهير غنايم، لواء عكا في عهد التنظيمات العثمانية 1864 – 1918، مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، بيروت، 1999، ص 20؛ ليلى الصبّاغ، الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في العهد العثماني في القرنين السادس عشر والسابع عشر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1989، ص 285، 286.

[34] جان دو تيفينو (1633-1667) ولد في باريس ودرس الحقوق في جامعة باريس. عمل كمحام ولكنه اشتهر بالسفر والاستكشافات ونشر يوميات رحلاته حول اوروبا وشمال افريقيا والهند والشرق. Jean Thévénot, Relation d’un voyage fait au Levant, Paris, 1664

[35] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 24.

[36] لم تذكر المراجع الدرزيّة هذه الحادثة على الرغم من تطرق العديد من المؤرخين للعداوة بين العثمانيين والدروز والحروب التي شنّها العثمانيون على دروز بيروت والجبل. فعلى سبيل المثال لم يذكر ذلك سليم هشّي في كتابه دروز بيروت وتاريخهم، ولا نجلاء أبو عز الدين في كتابها الدروز في التاريخ، ولا حافظ أبو مصلح في كتابه تاريخ الدروز في بيروت وعلاقتهم بطوائفها، ولا عباس أبو صالح في كتابه تاريخ الموحدين الدروز السياسي في المشرق العربي.

[37] انفرد دارفيو بهذه الرواية ولم تتطرق إليها المصادر الدرزية والمارونية Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 93.

[38] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 31.

[39] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 36.

[40] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 143.

[41] هو يوحنا ابن الياس مبارك من بطحا الكسروانية. دخل المدرسة المارونية في روما لكنه لم يكمل دراسته ولم يرقّ الى الدرجة الكهنوتيّة. سكن البندقية واندمج في المجتمع الإيطاليّ حيث عرفت عائلته ببنديتي أي مبارك. قام برحلة الى الأراضي المقدسة وجبل لبنان وكسروان في السنتين الأب اغناطيوس سعادة، لبنان في كتابات الرحالة دروس ونصوص، منشورات الرسل، جونيه، 2008، ص 200؛ الأب ابراهيم حرفوش، تلامذة المدرسة الرومانية المارونيّة القديمة، المنارة، 1935،ص 738 – 739.

[42] الأب اغناطيوس سعادة، المرجع السابق، ص 205، 206.

[43] الشيخ عبد الغني النابلسي، التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق هيربرت بوسه، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 2003، ص 33 – 34، 41 – 43.

[44] دومينيكو ماغري المالطي، سرد مقتضب في رحلة الى جبل لبنان، ترجمه وحققه كميل افرام البستاني، دار لحد خاطر، بيروت، 1985، 149، 152.

[45] يُرجّح أن يكون دارفيو قد قصد بالكاثوليك هنا اللاتين الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكيّة، ولو أن الموارنة هم كاثوليك إلا أن هذه التسميّة لم تُطلق عليهم أبدًا. كما أن طائفة الروم الملكيّين الكاثوليك لم تكن قد انشقت عن الروم الأرثوذكس بعد.

[46] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 146.

[47] الأب اغناطيوس سعادة، المرجع السابق، ص 194.

[48] الأمير ملحم المعنيّ: تسلّم الحكم في الشوف بعد انتصاره على علي علم الدين في العام 1637 في معركة مجدل المعوش بدعم كبير من المعنيّين وأهالي الجبل. شهد عهده فترة من الراحة والأمان واستطاع بحنكته وقوته ضمّ صفد والبترون وجبة بشري. توفي في العام 1658 في صيدا بعد أن أصيب بحمى قوية في أثناء جولة لجباية الضرائب في بلاد صفد. طنوس الشدياق، كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان، تحقيق فؤاد افرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1970.

[49] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 148.

[50] هو ابن الأمير يونس شقيق الأمير فخر الدين الثاني. تجمّع حوله القيسيون وانتصروا على علي علم الدين واسترجعوا منه حكم الجبل. انعم عليه الولاة العثمانيون بمناطق عديدة لجباية الضرائب. انتصر على علي علم الدين المدعوم من والي دمشق في معركة وادي القرن في العام 1653. توفي في العام 1658 حين كان متجهًا الى صفد لجباية الضرائب. طنوس الشدياق، كتاب أخبار…، ج 1، ص 294 – 295.

[51] راجع: سيمون عوّاد، دور الأسر في تاريخ لبنان، الخازنيون، دار عوّاد للطباعة والنشر، انطلياس، لا تاريخ، ص 18، 69؛ طنوس الشدياق، كتاب أخبار…، ص 61؛ Rene Ristelhueber, Les Traditions francaises au Liban, F. Alcan, 1918.

[52] الأميران أحمد وقرقماز: تسلّما الحكم معًا في العام 1660 بعد وفاة والدهما الأمير ملحم بسنتين. قُتل قرقماز على يدي والي صيدا محمد باشا الأرناؤوط في العام 1662 وعُزل أحمد فترة من الزمن، لكن إلتفاف الحزب القيسيّ حوله شجعه على العودة الى الحكم واستمرّ في السلطة حتى وفاته في العام 1697 من دون أن يترك وريثًا ذكرًا، فانقرضت معه العائلة المعنيّة. طنوس الشدياق، كتاب اخبار…، ص 298 – 300.

[53] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 150.

[54] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 150.

[55] طنوس الشدياق، كتاب اخبار…، ص 394.

[56] الأب أنطوان ضو، الشيخ أبو نوفل الخازن، الفصول، عدد 1، ص 112.

[57]  البابا إسكندر السابع: هو فابيو كيجي. ولد في سيينا الإيطالية في العام 1599. هو أحد أفراد عائلة كيجي الثريّة، وحفيد أخ البابا بولس الخامس (1605 – 1621). نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت والقانون من جامعة سيينا. انتخب بابا في 7 نيسان 1655. شهد عهده صراعات متنوّعة داخل أوروبا، وبين بعض الدول الأوروبيّة والسلطنة العثمانيّة. دعم البابا إسكندر السابع الفنون على أنواعها ودفع الأموال الطائلة لبعض الفنانين والمبدعين على أعمالهم وإنجازاتهم. أسّس في روما المكتبة الضخمة التي تحمل اسم عائلته. في عهده تم بناء الأعمدة الضخمة المحيطة بساحة القديس بطرس في الفاتيكان. توفي في العام 1667. خوان داثيو، معجم البابوات، ترجمة أنطوان خاطر، دار المشرق، بيروت، 2001، ص 261.

[58] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 150.

[59] مهماز: قطعة من النحاس أو الذهب.

[60] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 151.

[61] يذكر دارفيو أنّه لم يكن لمدينة بيروت قنصل فرنسيّ حتى القرن السابع عشر بل كانت تتبع قنصلية حلب لأسباب تجاريّة. وإنَّ تطور إنتاج الحرير وتجارته خلقا أزمة بين القنصلين الفرنسيّين في حلب وصيدا، ولوضع حدّ لهذا الخلاف، اقترح قنصل حلب تعيين أبي نوفل الخازن مندوبًا له في بيروت. شرّع الملك لويس الرابع عشر هذا القرار في العام 1657. وفي العام 1662 تمّ تعيينه قنصلاً شرعيًا لفرنسا في بيروت. طوال قرن من الزمن توارث أولاد أبي نوفل الخازن هذا المنصب من بعده حتى العام 1753 مع نوفل الخازن المُلقب بأبي ناصيف الذي لم يكن له خليفةً. المطران يوسف الدبس، الجامع المفصّل في تاريخ الموارنة المؤصل، دار لحد خاطر، بيروت، 1987، ص 214 – 220؛  Laurent D’Arvieux, Mémoires,  op. cit., Tome II, p. 152.

[62] ذكر دارفيو أن الفرنسيّين أعطوا لقب أمير لأبي نوفل الخازن في رسائلهم وكتاباتهم. لكن من المرجح أن أبا نوفل، بذكائه وحنكته، لم يستعمل اللقب خوفًا من حسد وغيرة المعنيّين، واعتباره مساويًا لهم، وهذا ما قد يهدّد العلاقة بين المعنيّين وآل الخازن.

[63] يذكر البطريرك اسطفان الدويهيّ أنّه في العام 1660 وجّهت السلطنة العثمانية إنذارًا إلى الأميرين أحمد وقرقماز معن بوجوب دفع الضرائب المستحقة عن مقاطعة الشوف ووجهوا إلى الشوف حملة عسكريّة لتأديبهم فهرب الأمراء باتجاه حلب وكسروان،  وانضمّ إليهم الشهابيّون والحماديّون. غير أنَّ آل معن تنكّروا لوجود تلك العائلات على أراضيهم. فبدأ الباب العالي بإعداد حملة ضدّ “خونة الدولة”، وأُرسل فرقة من 5000 جندي ضربوا المنيطرة والفتوح وجبيل والبترون، وأحرقوا المنازل واقتلعوا الأشجار المثمرة لآل حمادة وآل الخازن وآل أبي اللمع. البطريرك اسطفان الدويهيّ، تاريخ الأزمنة، تحقيق الآباتي بطرس فهد، دار لحد خاطر، لا تاريخ، ص 550 – 551.

[64] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 151.

[65] هو رئيس القلم في القنصليّة ويسمى بالفرنسيّة Chancelier.

[66] حول هذه القضية راجع: الأب أنطوان ضو، الشيخ أبو نوفل الخازن، الفصول، ص 112 – 115.

[67] الأب أنطوان ضو، المرجع نفسه، ص 114 – 115؛ الأب بولس مسعد ونسيب وهيبة الخازن، الأصول التاريخيّة، ج3، عشقوت، 1958؛ Lettres edifiantes et curieuses, ecrites par des missions etrangeres, Memoires du Levant, Toulouse,1810, T 2, pp 24 – 231.

[68] البطريرك اسطفان الدويهي: من مواليد إهدن في 2 آب 1630. أرسله البطريرك جرجس عميرة الى المدرسة المارونيّة في روما في سنّ الثالثة عشر. تفوّق في دروسه، فأتقن اللغات والفلسفة واللاهوت والرياضيّات، وتميّز بعظاته ومؤلفاته التاريخيّة. سيم أسقفًا في العام 1668، وانتخب بطريركًا في العام 1670. قام بإنجازات مفصلية في عهده أبرزها تأسيس الرهبانيّات، وتنظيم الأبرشيّات، وتوطيد العلاقة مع الكرسيّ الرسوليّ ومع فرنسا مع المحافظة على شخصيّة الكنيسة المارونيّة. الخوري ناصر الجميّل (المطران لاحقًا)، البطريرك اسطفان الدويهي حياته مؤلفاته، بيروت، 1991؛ الأباتي بطرس فهد، بطاركة الموارنة واساقفتهم القرن السابع عشر، ص 149؛ Pierre Dib, Histoire de l’Eglise Maronite, 1962, pp. 157 – 162.

[69] البطريرك اسطفان الدويهي، تاريخ الأزمنة، ص 569.

[70] الأب اغناطيوس سعادة، من هو فرنسيس (هارون) الشدياق منتحل اسم نوفل الخازن؟ المشرق، السنة الثمانون، الجزء الثاني، تموز – كانون الأول 2006، ص 469.

[71] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 154.

[72] المطران اسحق الشدراويّ (1590-1663) ولد في العام 1590 في قرية شدرا العكاريّة. في العام 1603 أُرسِل إلى المدرسة المارونيّة في روما حيث تلقى اللغات اللاتينيّة والسريانيّة والعربيّة والعلوم الساميّة، ونال فيها شهادة الدكتوراه. وبقي هناك حتى العام 1618. بعد عودته إلى بيروت، تزوّج من امرأة فاضلة، رقّاه المطران جرجس عمَيرة  بعدها الى الدرجة الكهنوتيّة في مطرانية طرابلس المارونيّة، وبعد وفاة زوجته عيّنه رئيس الكهنة في المطرانيّة. رقّاه البطريرك يوحنا مخلوف الى الدرجة الأسقفية على أبرشية طرابلس المارونية، وأوكل اليه مهمة تعزيز العلاقات مع الآباء اليسوعيّين ومساعدتهم في أعمالهم الرسوليّة. بعد سقوط الأمير فخر الدين الثاني ارتأى العودة إلى اوروبا وبقي فيها حتى العام 1642 يعلّم السريانيّة في أكاديميّة ميلانو. من أعماله كتاب سريانيّ “الغرامطيق” وبعض المباحث اللاهوتية وترجمة أعمال المجمع الذي عقده بطريرك الكلدان سنة 1617 من اللغة السريانيّة إلى اللاتينيّة. كما ساهم بإصلاح كتاب الشحيمة بعد سفره الى روما مع عدد من الرهبان. استدعاه الكاردينال بورماوس الى ميلانو لتنظيم مكتبته وفهرستها. توفي المطران الشدراويّ في مدينة جبيل في العام 1663 ودفن في كنيسة مار يعقوب في سهل جبيل تاركًا لأولاده وأحفاده أملاكًا وبيوتًا وأثاثًا في ذوق مصبح. البطريرك اسطفان الدويهي، تاريخ الأزمنة، تحقيق الأباتي بطرس فهد، دار لحد خاطر، بيروت، لا تاريخ، ص 496؛ الأباتي بطرس فهد، بطاركة الموارنة وأساقفتهم، القرن 17، دار لحد خاطر، بيروت، 1984، ص 241 – 242؛ المطران يوسف الدبس، الجامع المفصل ، ص 242؛ Laurent D’ArvieuxMémoires,  op. cit., Tome II, p. 154.

[73] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 154 – 155.

[74] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 155.

[75] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 155.

[76] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 155.

[77] البطريرك جرجس السبعلي: انتخب بطريركًا في بداية العام 1657 بعد رفض المطران جرجس حبقوق تولّي مهامه فهرب الى جهة مجهولة.  تميّز بحبّه للناس وبقربه من الكهنة والمطارنة. ازدهرت أديار الوادي المقدس في عهده بعد أن أمر بترميمها ليسكنها نسّاك قادمون من فرنسا. قدّر البطريرك السبعلي الكاهن اسطفان الدويهي ورقّاه الى الأسقفية ليخلفه في البطريركية فيما بعد. توفي في دير مار شليطا – مقبس في غوسطا يوم 12 تموز 1670 بداء الطاعون الذي كان منتشراً في الجبل حينها. البطريرك اسطفان الدويهي، تاريخ الأزمنة، ص 543؛ الأباتي بطرس فهد، بطاركة الموارنة وأساقفتهم، القرن 17، ص 145.

[78] دومينيكو ماغري المالطي، سرد مقتضب في رحلة الى جبل لبنان، تحقيق كميل فؤاد افرام البستانيّ، دار لحد خاطر، بيروت، 1985. ص 129 – 156

[79] سركيس الجماري من اهدن سيم كاهناً في العام 1635. أقام في فرنسا مدة طويلة وعمل مترجماً في البلاط الملكي وأستاذ اللغات الشرقيّة في باريس. عاد الى لبنان عام 1658 وعيّن أسقفًا على دمشق بدعم من الشيخ أبي نوفل الخازن. توفي في مرسيليا عام 1668، حين كان يعمل لتعيين أبي نوفل الخازن قنصلاً على بيروت. كان مغامراً وشجاعاً، واستطاع أن يجمع ثروة كبيرة. البطريرك اسطفان الدويهي، تاريخ الأزمنة، ص 547، 554؛  Laurent D’Arvieux,  Mémoires,  op. cit., Tome II, p. 154.

[80] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 155.

[81] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 156.

[82] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 156.

[83]  قصد الكاتب من هذه المعلومة أن يظهر اخلاق النساء الفرنسيات الفاضلات. Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p156.

[84] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 157.

[85] يُرجّح أنّ مرافقي دارفيو كانوا فرسانًا أيضًا ومن طبقة راقية ومدربين تدريبًا عسكريًا عكس الرحالة الآخرين الذين جالوا المناطق ذاتها وكانوا عزّل.

[86] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 172.

[87] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 173-190.

[88] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 174.

[89] كلمة “متوالي” مشتقة من فعل تولّى، أي اتخذ ولياً ومتبوعاً، من ولائهم لأهل البيت. وقد تكون مشتقة من توالى أي تتابع، من تتابعهم واسترسالهم خلفاً عن سلف في موالاة آل البيت. الشيخ علي زين، مع التاريخ العاملي، مطبعة العرفان، 1954.

[90] يتحدّث هنا الكاتب عن سكان جبل لبنان من الشمال الى الجنوب، وليس عن الشمال فقط.

[91] بدأ  توغّل الموارنة في الشوف في المجتمع الدرزيّ في أوائل القرن السابع عشر، وكانت أعدادهم تتزايد باستمرار، وكانوا يعيشون مسيحيّتهم بحرّية مُطلقة، ولديهم مطارنة وكهنة ورهبان وراهبات، ويمارسون طقوسهم الدينية علانيّة، حتى المبشّرين منهم كانوا يبشّرون من دون أي اعتراض من أحد، وكان للدرزيّ حرية اعتناق الديانة المسيحيّة. Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., Tome II, p. 71.

[92] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p174.

[93] بحسب ما ورد في النص من المرجّح أنّ القرية التي وصلوا إليها اسمها “ايعال” وهي إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء زغرتا في محافظة الشمال. ويعدّ موقعها أساسًا لجميع المنتقلين من منطقة البقاع.  Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p174.

[94] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p175.

[95] لم يذكر دارفيو اسم المفتي الذي اصدر القرار. راجع: عمر عبد السلام تدمري، وثائق نادرة من سجلات المحكمة الشرعية بطرابلس، منشورات مؤسسة المحفوظات الوطنية، 2002؛ خالد زيادة، سجلات المحكمة الشرعية “الحقبة العثمانية” المنهج والمصطلح، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، القسم الأول، بيروت، 2017.

[96] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 175.

[97] هو المطران بولس الإهدنيّ. تولّى أبرشيّة إهدن بين العام 1659 والعام 1690. وكانت أبرشيّة إهدن قبل المجمع اللبنانيّ  الذي انعقد في دير سيّدة اللويزة في العام 1736 أبرشيّة قائمة بحدّ ذاتها. لكن مقرّرات المجمع اللبناني ألغت هذه الأبرشيّة وضمتها الى أبرشيّة طرابلس، فاحتجّ أهالي إهدن وزغرتا والقرى المجاورة وظلّوا يطالبون بإعادة أسقفيّتهم إليهم. مع مرور الوقت اقتنع البطاركة الموارنة  بمطالب أهالي زغرتا – إهدن، بعدما وصلت القضية الى مجمع انتشار الإيمان في روما في منتصف القرن التاسع عشر، فتمّ اعتماد منطقة إهدن نيابة بطريركية في عهد البطريرك بولس مسعد. وبحسب دارفيو إنّ المطران بولس هو خليفة المطران الشهير الياس حاج – حنا وهو كاتب أهم كتاب تاريخ الموارنة باللغة السريانيّة بالإضافة الى مجموعة من المخطوطات التاريخيّة واللاهوتيّة. المطران إميل بولس سعادة، الأبرشيّة البطريركيّة – نيابة البترون، المنارة، السنة 33، 1992، ص41؛ Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 176.

[98] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 176.

[99] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 177.

[100] اقتصر وصف دارفيو إهدن على استقبال الوفد من قبل المطران وأبرز المأكولات التي قدّمت لهم، فيما استرسل بعض الرحالة بوصف البلدة وتعداد أديارها والتركيز على تاريخها العريق كما فعل يوحنا مبارك الماروني في رحلته في العام 1668. الأب اغناطيوس سعادة، لبنان في…، ص 210؛  Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 177.

[101] هذا ما ذكره الراهب الفرنسيسكاني جاك غوجون في العام 1668 في كتابه: Histoire et voyage de la Terre Sainte, Lyon, 1671

[102] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 178.

[103] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 178.

[104] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 179 – 180.

[105] من بين الرحالة الذين تحدثوا عن القدّاس تفرّد الأب تومازو فيتالي في تقريره عن مسيحييّ الشرق بالحديث عن حضور مقدّم المنطقة القداس ولقائه الأهالي والاستماع الى مطالبهم. الأب اغناطيوس سعادة، لبنان في…، ص 197.

[106] الأب اغناطيوس سعادة، المرجع السابق، ص 210.

[107] الأب اغناطيوس سعادة، لبنان في…، ص 234 – 235. A. Vandal, l’Odissee d’un ambassadeur. Le voyage du Marquis de Nointel (1670 – 1680), Paris, 1900.

[108] رجل دين فرنسي عاش في منطقة بشري حياة زهد. إنّ العديد من أبناء بلدته جذبتهم الحياة الرهبانية في جبل لبنان. Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 182.

[109] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 181.

[110] سُميت روما نسبة الى رومولوس بحسب الأسطورة التي تتحدّث عن التوأمين رومولوس وريموس أبني الكاهنة ريا سيلفيا ومارس إله الحرب اللذين تخليا عن إبنيهما، فاحتضنتهما ذئبة وإرضعتهما وانقذتهما من موت محتّم، ولما كبرا أسّسا مدينة روما. وقد حكمها رومولوس أربعين عامًا بعد أن قتل أخاه ريموس. ول ديورنت، قصة الحضارة الحضارة الرومانية، الجزءان 9 – 10، ترجمة محمد بدران، جامعة الدول العربية، 1972، ص27.

[111] سُميت اسلامبول أي مدينة الإسلام بعد أن فتحها العثمانيون  في العام 1453 بقيادة محمد الفاتح. أما اسطنبول فأصبحت مُعتمدة منذ العام 1930 بقرار من مصطفى كمال. وتشتق الكلمة من اليونانيّة من اللهجة الإيجيّة وتعني المدينة. محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، دار النفائس، 2006، ص 164.

[112] يقصد دارفيو هنا الصحراء القاحلة بالمناطق النائية.

[113] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 183.

[114] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 182.

[115] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 183.

[116] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 184.

[117] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 184.

[118] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 184.

[119]  في العام 1662 كان جرجس السبعلي بطريركاً على الموارنة وكان يشكو طويلاً من اضطهادات باشوات طرابلس ومن فتن آل حمادة. وقد توفي بعد إصابته بمرض الطاعون. Laurent D’Arvieux,Mémoires, op. cit, p. 183.

[120] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 184.

[121] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 184-185.

[122] طيلسان الأساقفة أو Pallium أو درع التثبيت: هو عبارة عن شال أبيض عليه ستةُ صلبانٍ يلبُسه الأساقفُة فوق ردائهم تعبيراً عن اتحادهم بالبابا وبسلطته الرسوليّة. في الأصل باليوم كلمة لاتينيّة دلّت على قطعت قماش لبسها الفلاسفة والأدباء الرومان فوق ثيابهم. لبسها البابوات حصريًا فترة من الزمن وعندما ألبسها البابا سيمّاكوس الى أسقف فرنسا في بداية القرن السادس أصبحت رمزًا للاتحاد مع الكنيسة الجامعة في روما. لذلك مع انتخاب البطريرك المارونيّ يُرسل الموارنة نتيجة الانتخاب ليرسل لهم درع التثبيت.   https://noursat.tv

[123] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 185.

[124] الشمّاس Diacre ومعناها في السريانية “خادم” فهو من يخدم المذبح وينذر الشعب ويخدم الفقراء خارج المذبح. وهو عين الكاهن والأسقف /st-takla.org

[125] الخورس  Sous Diacreتُطلق الكلمة على مجموعة المرتلين الذين ينشدون الألحان الكنسيّة. يُقسم الخورس الى ثلاثة أقسام: خورس الشمامسة، وخورس الرجال، وخورس النساء. st-takla.org

[126] القندلفت Acolyte، رتبة قديمة في الكنيسة. كان منوطًا به ملاحظة أدوات الكنيسة ولاسيَّما تلك المستخدمة في العبادة الليتورجيَّة، مثل تعمير القناديل بالزيت وإيقادها، وتعمير الشورية بالفحم وإيقادها، وملء دُرج البخور الذي يوضع على المذبح، وتجهيز المياه المستخدمة في الخدمة الليتورجيَّة، وتعمير قارورة الخمر. https://st-takla.org

[127] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 185.

[128] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 186.

[129]  تتلاقى هذه المعلومات حرفيًا مع الرحالة الذين زاروا وادي قنوبين في تلك الفترة والتقوا البطريرك جرجس عميرة والأساقفة والرهبان  القاطنين في الوادي المقدّس. وأبرز هؤلاء: البارون هنري دو بوفو والراهب جاك غوجون والديبلوماسيّ فرنسوا بيتس دو لاكروا الذي قدّم تقريرًا مفصلاً للملك لويس الرابع عشر عن أحوال المسيحيين في السلطنة العثمانية. الأب فيليب السمراني، البارون هنري دو بوفو في لبنان سنة 1708، المنارة، 1938، ص 558 – 561؛ الأب اغناطيوس سعاده، لبنان في…، ص 231؛   Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 186.

[130]  صلاح الدين الأيوبيّ: هو من أسرة كرديّة اذربيجانيّة. ولد في تكريت في عائلة تعمل عند الزنكيّين. انتقل مع والده الى دمشق، وانضم الى الدولة الزنكية. تولى الوزارة في الدولة الفاطميّة، وتحيّن فرصة موت الخليفة لينقضّ على الدولتين الفاطميّة والزنكيّة وليعلن قيام دولته. وسّع صلاح الدين دولته لتشمل بلاد الشام وجبل لبنان، وحقّق انتصارًا باهرًا على الصليبيّين في معركة حطين واستردّ القدس منهم. توفي في العام 1193 بعد إصابته بالحمى الصفراويّة. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، الجزء الثالث، ص 640.

[131] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 186.

[132] دومينيكو ماغري المالطي، سرد مقتضب…، ص 132.

[133] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 187.

[134] نقل الأوروبيّون جثمانها الى البندقية عن طريق القسطنطنية زمن الحروب الصليبية وتحديدًا في العام 1231، خوفًا عليه من وصول يد الغدر اليه والعبث به، بخاصة في منطقة تشهد الحروب والتعصب والاضطهاد. وقد وضع الجثمان في كنيسة أليكسيس والليبراليس التي سميت فيما بعد باسم القديسة مارينا. في العام 1810 بيعت الكنيسة وتحولت الى حانة، فنُقل جثمانها الى كنيسة سانتا ماريا فورموزا المجاورة، حيث لا تزال جاثية على أحد مذابحها. وقد أصبحت القديسة مارينا شفيعة المدينة في وقت لاحق. نُقلت الى لبنان لستة أيام بين 17 تموز 2018 و23 تموز 2018 ليتبارك منها اللبنانيّون، ثمّ أعيدت الى البندقية. http//noursat tv, news-details, 17 july 2018

[135] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 187 – 188.

[136] إن عددًا كبيرًا من الرحالة الأوروبيّين الذين زاروا جبل لبنان في القرن السابع عشر وحطّوا في وادي قنوبين تحدّثوا تفصيليًا عن سيرة القديسة مارينا، وقد جاءت جميعها متشابهة وكأنّ الراوي هو نفسه. ويظهر جليًا أن الموارنة يتباهون بهذه القديسة كونها الأولى في تاريخهم والوحيدة حتى مجيء هؤلاء الرحالة الى جبل لبنان، وحياتها رمز للقيم المسيحيّة. وعلى سبيل المثال نذكر من الرحالة: البارون هنري دو بوفو (1604)، الراهب الإسباني أنطونيو ديل كاستيليو (1626)، الراهب الفرنسيكاني جاك غوجون (1668)، جان دو لاروك (1688). الأب اغناطيوس سعاده، لبنان في…، ص 172، 187،  128؛

 Jean de LA ROQUE, Voyage de Syrie et du Liban, p. 21; Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 18.

[137] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 188.

[138] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 188.

[139] يجمع الرحالة على المعاملة المميّزة التي يلقونها بضيافة البطريرك المارونيّ والأساقفة والرهبان القاطنين في أديار الوادي المقدّس، كما يجمعون على المعلومات التاريخيّة والجغرافيّة لهذا الوادي، وطريقة عيش رجال الدين الموارنة  المليئة بالتواضع والمحبة والإيمان.الأب إغناطيوس سعادة، لبنان في…، ص 221، 231؛  Laurent  D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 189; P. Jacques Goujon, Histoire et voyage de la Terre Sainte, Lyon, 1671, p. 36 – 49; Francois de la croix, La Turquie Chretienne sous la puissante protection de Louis le Grand protecteur unique du christanisme en Orient.., Paris, 1695.

[140] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 189.

[141] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 189.

[142] ستيفان ونتر، الشيعة في لبنان تحت الحكم العثماني (1516 – 1788)، ترجمة محمد حسين المهاجر، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2016، 144 – 156.

[143] Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit, p. 190.

[144] وبالفعل عاد لوران دارفيو إلى الشرق في العام 1679 إنما ليس كرحّالة أو مستكشف بل كقنصل فرنسيّ في مدينة حلب. إذ كانت أحوال التجارة الفرنسية في وضع مترد بخاصة في شمال سوريا، مما استدعى تعيين شخصًا ذي خبرة لإعادة الأمور إلى نصابها مجددًا. فوقع الاختيار على لوران دارفيو الذي كان ملمًا ومطلعًا على شؤون بلاد الشام وتجارتها. وقد ظلّ قنصلاً لمدة سبع سنوات متواصلة أي حتى العام 1686 جمع في خلالها ثروة لطالما حلم بها. Laurent D’Arvieux, Mémoires, op. cit., p. IX

[145]  الأب اغناطيوس سعاده، لبنان في…، ص 177.

Scroll to Top