Almanara Magazine

بيانٌ مُحيِّر (متَّى 1: 18-25)

الأخت دولّي شعيا، ر.ل.م.

مقدّمة

                لخَّص الإنجيليّ متَّى موقف القدّيس يوسف من حَبَل مريم بكلماتٍ قليلة. ولسنين طويلة قرأ معظم النَّاس قصَّة بيان يوسف المألوفة[1]، على أنَّها شكٌّ في مريم. كذلك، اختلف شرَّاح الكتاب المقدَّس في سبب حيرة يوسف:

منهم من يقول إنَّ يوسف كان يُدرِك برارة مريم ولم يشكّ في طهارتها مُطلقًا، فَعَلِم أنَّ هناك أمرًا يفوق الطبيعة قد حصل معها، فخاف الدخول في هذا المشروع، ولذلك “قرَّر أن يطلّقها سرًّا”[2]، أي أن يعطيها كتاب الطلاق ويُعيدها إلى ذويها من دون أن يُعلن السَّبب، تفاديًا للتحقيقات في سبب الانفصال وتداعياته. شرَّاحٌ آخرون يتبنُّون موقفًا مغايرًا: لقد أراد يوسف أن يطلّق مريم لأنَّها كانت تحمل ابنًا من خارج زواجها به، ولم يُرد أن يشهرها لأنَّه كان بارًّا، ولم يُرد أن يعرّضها لخطر الموت[3].

مهما يكُنْ دافع يوسف، يبقَ التَّشديد على الصفة الوحيدة الَّتي يذكرها عنه الإنجيليّ متَّى كونه “بارًّا”، أي إنَّه كان رجلًا مطيعًا لإرادة الله في حياته، يسير على هَدي الشَّريعة ويَعلَم أنَّ الله أعطى الشَّريعة لخير الانسان لا لموته. من هذا المنطلق، حافظ يوسف على الشَّريعة لكنَّه «لم يُحدّ الله في أحرف الشَّريعة، بل أحبَّ الله وعرفه “روحًا” و”حياة”»[4]. أليس هذا هو التَّعليم الَّذي سوف يعطيه يسوع في المستقبل؟

مأزق: “وُجِدَت حاملًا” (متَّى 1: 18)

                يبدأ النصّ بالعبارة نفسها الَّتي يبدأ بها مطلع إنجيل متَّى: “ميلاد يسوع”[5]. ماذا يعني ذلك؟ وحده الله الآب يستطيع أن يعطيَ الابن المولود يسوع. وعمل الله الخلَّاق هذا تمَّ من خلال “تدخُّل السَّماء باتِّكالها على الشَّجاعة الخلَّاقة التَّي تحلَّى بها يوسف”[6] ومريم. ليست الصدفة، ولا الضرورة، ولا القَدَر سبب حَملِ مريم، إنَّما مشيئة الله نفسها: هو الَّذي أراد أن يأتي ويسكن بين البشر. فميلاد (تكوين) يسوع تمَّ على هذا النحو: بإمرأةٍ هي مريم[7]؛ من الرُّوح القدس الَّذي عَمِلَ فيها كروحٍ خالق في بدء التَّكوين “يرفرف على المياه”[8]؛ وبرجلٍ هو يوسف الشَّاهد على عمل الرُّوح هذا.

لدى قراءة النصّ يمكننا أن نتصوَّر كم كان الإعلان عن ميلاد يسوع مفاجأةً بالنسبة إلى يوسف، خاصَّةً “قبل أن يسكنا معًا (هو ومريم)، وُجِدَت حاملًا من الرَّوح القدس”[9]. كانت الخطوبة عند اليهود أكثر إلزامًا ممَّا يسمَّى بالخطوبة في عالم اليوم[10]. كان الخطّيبان يُعتبران متزوّجَين أساسًا، ولكنَّهما لا يسكنان معًا بعد. وفي حالة يوسف ومريم، كان يوسف يُسمَّى بــ “رجُلِها” وهي تسمَّى بــ”امرأته”[11]. إذا أراد الخطّيب أن يُنهي هذا العقد قبل الزواج، كان عليه أن يضع شهادة طلاقٍ في يدي خطّيبته، كما هي الحال فيما لو كانا متزوّجَين[12]. وكان يجب أن يوقّع شهادة الطلاق هذه شاهدان على الأقلّ، ويجب أن يكون تسليم الرجل هذه الشهادة للمرأة بحضور شاهِدَين على الأقلّ. لم يتطلَّب هذا الإجراء قاضيًا أو محكمة. حسب ما ورد في المشناه (mishnah)[13] تُكتب على هذه الشهادة عبارة “مسموحٌ لكِ الآن بالزَّواج من أيّ رجلٍ آخر”[14]. إذا مات أيّ من الخطّيبَين قبل إتمام الزواج، يُعتبَر الطرف الباقي على قيد الحياة على أنَّه أرمل أو أرملة. قد تمتدّ فترة الخطوبة من بضعة شهور إلى سنة، وبعدها يأتي العريس (مع حفلة الزواج) ليستلم عروسته ويأخذها إلى بيته[15].

فأمام مأزق حَمل مريم “قبل أن يسكنا معًا”[16]، يبدو الأمر وكأنَّها لم تكن مُخلصَة له. وبحسب الشَّريعة، عدم الإخلاص أو الأمانة من جانب أيٍّ منهما يُعتبر خيانة زوجيَّة أو زنى، وقد يتمّ رجم المرأة حتَّى الموت[17]، عقابًا على ذلك.

تصميمٌ إلهيّ: “هو الَّذي يخلّص شعبه” (متَّى 1: 19-21)

                عندما عرف يوسف أنَّ مريم حُبلى، وهو ليس والد ذلك الطفل، كان أمام قرارٍ صعب. لكنَّه إذ كان “بارًّا”[18]، أراد أن يعمل إرادة الله. هذا ما يدعو القارئ إلى التأمُّل بيوسف “رجل مخافة الله”[19]، الَّذي اتَّخذ خطوة الإيمان حتَّى ولو لم يفهم كيف حصل ذلك، ولم يرَ الصُّورة بكاملها. إنَّه موقف المثول أمام سرّ الله الَّذي كشف ليوسف عن عظمة الخالق وجلاله. لم يكن موقف “احترامٍ” وحسب، بل تعبيرًا سديدًا عن الإجلال الَّذي يشعر به الانسان إزاء عظمة الله وقداسته الَّتي تفوق كلَّ ما يمكنه أن يتخيَّل. لذا، عيش يوسف في مخافة الله كان تعبيرًا عن حقيقة علاقته البنويَّة بالله المبنيَّة على “شريعة الحبّ”[20]، الَّتي تجعله يخشى ارتكاب أيّ أمر يزعج الله أو يعصي أوامره، لأنَّ هذا الأمر يسبّب الابتعاد عن الله أبيه، الَّذي يريد أن يمكث قريبًا منه دومًا[21].

فعندما عَلِمَ بحَمْلِ مريم “قرَّر أن يطلِّقها سرًّا”[22]، لا لأنَّه شكَّ بها، بل لأنَّه وجد نفسه غير مستحقٍّ لأن يكون «”أبَّا” لابن الآب»[23]: أمام أبوَّة الله، يتخلَّى يوسف عن أبوَّته! نظر يوسف إلى مريم انطلاقًا من “المخافة المقدَّسة”، الَّتي تحمل علامةً أكيدة للحضور الإلهيّ. لذا لم يكن قادرًا على اختراق سرّها، فأراد أن يطلّقها.

إن كانت إليصابات قد شعرت بأنَّها لا تستحقُّ زيارة مريم وهتفت: “من أين لي هذا، أن تأتيَ إليَّ أمُّ ربّي”[24]، فما سيكون بالأحرى موقف يوسف أمام عظمة السرّ وقوَّته؟

                قرارٌ لم يكن لينحلّ إلَّا عن طريق الوحي الإلهيّ، الوحيد المخوَّل رفع الغطاء عمَّا هو محجوب: “وما إن فكَّر في هذا حتَّى تراءى له ملاك الرَّبِّ في الحلم”[25]. توجَّه الملاك إلى يوسف مذكِّرًا إيَّاه بهويَّته الَّتي تتضمَّن رسالةً: “يا يوسف بن داود”[26]، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتكَ، فالمولود فيها إنَّما هو من الرُّوح القدس. وسوف تلد ابنًا، فسمِّه يسوع، لأنَّه هو الَّذي يخلِّص شعبه من خطاياهم”[27]. كلام الرَّبِّ هذا تطلَّب من يوسف طاعةً لتتميم مواعيد الله أن يأتي المسيح من نسل داود[28]، كما وأن يُخلي ذاته لعيش أبوَّة تحمُّل مسؤوليَّة حياة شخصٍ آخر ليس له، وأن يعطيه الاسم “يسوع”، أي المخلِّص[29]. هذا يعني أنَّ يوسف دُعيَ ليكون أبًا لابنٍ لم يأتِ من رغبةٍ بشريَّة، ولا من قرارٍ شخصيّ، بل من الله: سيكون أبًا ليسوع وفق الشَّريعة، ومعارف يسوع في النَّاصرة سيدعونه “ابن يوسف”[30]، وهم لا يعرفون “خفايا السرِّ العميق”[31].

                لم يعطَ يوسف فقط “وحيًا، بل أيضًا “دعوةً”: دعاه الإنجيليّ متَّى “بارًّا”[32]، ونحن كقرَّاءٍ لا نعرفه إلَّا “مُطيعًا لكلمة الرَّبِّ في الصمت”. هناك من دعاهم الرَّبّ لإعلانِ كلمته بـ “صوتٍ صارخٍ” كيوحنَّا المعمدان[33]، أمَّا يوسف فقد دُعي ليتمِّم مشيئة الله في عمق الصَّمت. لم يتفوَّه يوسف بكلمة، لكنَّ طاعته وصمته يشهدان له: لم يكن خَرَسًا كزكريَّا، بل صمتَ عبادةٍ وولوجٍ في السِّرّ!

يظهر لنا متى هنا الفرق بين فكر الانسان وفكر الله، لقد فتّش يوسف عن الحلّ بطريقته، لكنَّه حلٌّ لا يتطابق ومخطّط الله. لذلك جاء تدخُّل الله في حياته، ليشركه في مخطَّطه ويجعله مؤتمنًا على يسوع ابن الله الوحيد ومخلّص الكون. أطاع يوسف، ووضع نفسه في خدمه مخطّط الله، ووثق بالله، وعَلِمَ أنَّه صادقٌ وأنَّ “أفكاره تعلو عن أفكار البشر”[34].

 لم يتردَّد يوسف إزاء تدخُّل الله في حياته، لأنَّه رجل الإيمان؛ والإيمان لا يقدّم توضيحاتٍ كثيرة، بل يتطلَّب المغامرة والثقة بأنَّ الله حاضر، يعمل في حياتنا، وهو الَّذي يحضّر لنا النصيب الأفضل[35].أدرك يوسف لغة الصمت، والتواضع، والطَّاعة الكاملة لله، فانتظر “بسكوتٍ خلاص الرَّبّ”[36] الذي حتَّى وإن أبطأ، “فإنَّه يأتي إتيانًا ولا يتأخَّر”[37]، لأنَّه “يُعجّل ذلك في ميقاته”[38].

رُبَّ قائلٍ إنَّ ما أدركه يوسف كان “في الحلم”[39]، والحلم ليس حقيقة، بل هو من نسيج الخيال حين ينام العقل! لكن في الكتاب المقدَّس يحمل الحلمُ دومًا بعدًا آخر رمزيًّا ولاهوتيًّا يتخطَّى معناه الحرفيّ. فالعديد من الأحداث الخلاصيَّة قد أُعلِنَ عنها في “الحلم”[40] أو في “السبات العميق”: حين أخرجَ الله حوّاء من ضلع آدم، أوقع الله آدم في حلم عميق[41]. أبصر يعقوب الله في الحلم، ورأى السلَّم التي تربط الأرض بالسماء[42]، رمزًا للتجسُّد والعهد الَّذي يربط الانسان بالله. كان يوسف الصدّيق أيضًا “رجل الأحلام”[43]، يُظهر له الله مخطَّطَه وخلاص شعبه في هذا السبات العميق.

إنَّ الحلم هنا يتخطّى البُعْدَ العاديّ للكلمة ليأخذ بُعْدَ الانسان المنفتح بالروح على الحضور الإلهيّ. ليس الحلم هنا اختبارًا نفسيًّا، بل روحيًّا. لأنَّ الحلم في الكتاب المقدَّس هو حالة الانسان الواعي، المنفتح بكليَّته على الحضور الإلهيّ، والَّذي يقبل إرادته في حياته[44].

من خلال الحلم، دخل يوسف في البعد الإلهيّ لوجوده، عَلِمَ أنَّ الله يدعوه إلى بُعْدٍ أسمى من مجرَّد أن يكون نجَّارًا متزوّجًا يمضي حياته في قريةٍ نائية شمال إسرائيل. عَلِمَ أنَّ الله يوكل إليه “كلمته”، ابنه الوحيد وابن مريم البتول.

إنَّ تدُّخل الله في حياة مريم، وحَبلها من الرُّوح القدس، لم ينفِ حقيقة أنّ مريم هي “امرأة يوسف”[45]. في حياة عائلة الناصرة أخذ الزواج بعدًا مميَّزًا. لا شكّ أنّ يوسف لم يعرف مريم جسديًّا، لا قبل ولادة يسوع ولا بعدها، إنَّما هذا لم يمنع الله من أن يقول له: “مريم امرأتك”[46]. فالزواج لا ينحصر فقط بالبعد الجسديّ، بل إنَّ الرَّبَّ يدعو الزوجين إلى عيش عظمة الحبّ بأبعاده كافّة. إنَّ يوسف ومريم لم يعيشا البعد الجسديّ لأنَّهما قَبِلَا دعوةً مميَّزة تجعلهما يشاركان في مخطَّط الله الخلاصيّ، إنَّما عاشا من دون شكّ معنى الزواج بشكله الأعمق: احترام الواحد للآخر، الخوف على الآخر والقلق عليه، والتفتيش عن خير الآخر.

نبوءة: “ها إنَّ العذراء تحمل وتلد ابنًا” (متَّى 1: 22-23)

                تحوي الآية 22 من النصّ المرجع الأوَّل من مراجع كثيرة، في إنجيل متَّى[47]، تشير إلى يسوع الَّذي تمَّم نبوءات العهد القديم. ذكَر متَّى بوضوح “ما قاله الرَّبُّ للنبيّ” (متَّى 1: 22)، أي إنَّ الربَّ تكلَّم بالنبيّ. بينما يُرِد في مناسباتٍ أخرى ذكْرُ النبيّ فقط، ويُفترض أن يكون وحيًا إلهيًّا.

                النبوءة الَّتي اقتبسها متَّى هي من أش 7: 14 ليبيّن أنَّ يسوع جاء بصفته المسيح ابن داود[48]. جاء لكي يحقّق مرَّةً واحدة وإلى الأبد الوعود الَّتي أُعطِيت لداود بخصوص سلالته[49]. علاوةً على ذلك، تمَّ الحَمْلُ بيسوع وولادته بطريقةٍ عجيبة، بينما ظلَّت مريم عذراء[50].

أمام هذه النبوءة وصعوبة فهمها، يعلّمنا القديس يوسف أنّ الحبّ لا يمكن أن يستمرّ من دون التنازل والتضحية والرضى بالموت. يُعرف الإنسان الكبير والعظيم عند المحنة وأمام صدمةٍ كبيرة، وبخاصةٍ إذا كان قد تسبَّب بها أحبُّ الناس إليه. إنَّ النُبل الإنسانيّ والموقف الإيمانيّ يتجلَّيان في ردَّة فعله والقرار الَّذي يتَّخذه. المنطق البشري وحده لا يكفي، أحيانًا كثيرة لا ندرك كيف نبني أحكامنا وتصرُّفاتنا. لذلك نحن بحاجةٍ إلى إلهامات الروح القدس، لأنَّ الآية الَّتي يريد الرَّبُّ أن يهبها لكلّ مؤمن هي أنَّه يعطي ذاته “عمَّانوئيل، أي الله معنا”[51]، وسيبقى معنا “كلَّ الأيَّام إلى منتهى الدَّهر”[52]. هذا ما تحقَّق في تجسُّد يسوع المسيح. كان التعبير “الله معنا” يُستخدم في العهد القديم[53] لوصف عمل الله وحضوره في حياة شعبه؛ أمَّا في العهد الجديد، فيُشير إلى وجود الله نفسه بين شعبه. “الكلمة” لم تكن “عند الله” فحسب، بل “وكان الكلمة الله”[54]، و”الكلمة صار جسدًا وسكن بيننا”[55].

انتظار: وقت الإيمان (متَّى 1: 24-25)

                عندما استيقظ يوسف من نومه، كان مقتنعًا بحقيقة ما قيل له وامتثل فورًا إلى وصيَّة الملاك “وأخذ امرأته”[56]. “كان يوسف مستعدًّا للتخلّي عمَّا كان يُعتبر عادةً أعظم شرفٍ لأبٍ يهودي، أي أن يُنجب ابنه البكر، وذلك لكي يطيع مشيئة الله”[57]. انتقل يوسف من حالة الإيمان إلى موضع التطبيق. سهلٌ أن نقول “أؤمن”، لكن يظهر التَّعبير الحقيقيّ عن هذا الإيمان حين يصبح حيّز التنفيذ. بأخذه مريم الى بيته، دخل يوسف في صميم مخطّط الله الخلاصيّ، وصار المؤتمن على الكلمة والراعي لابن الله الوحيد.

“ولم يعرفها، فولدت ابنًا[58]، وسمّاهُ يسوع”:[59] إنَّ هذه الآية قد سبّبت الكثير من الجدل بين اللاهوتيّين على مرّ الأجيال، فماذا تعني هذه الــ “حتى ولدت ابنها البكر” الَّتي وردت في بعض الترجمات؟ هل تعني أنَّ يوسف عرف مريم بعد ولادة ابنها البكر؟

يجب أن نعي أوَّلًا أنّ هدف متَّى الرئيسيّ كان التشديد على أنَّ لا دخل ليوسف بولادة يسوع، فهو “لم يعرفها” قبل ولادة ابنها، وهذا تشديدٌ على بنوَّة يسوع الإلهيَّة: لقد حُبل به بقوَّة الروح القدس فقط. إنَّما هذا لا يعني أنَّ يوسف قد عرف مريم بعد ولادة ابنها. فالتقليد الكنسيّ، الَّذي يرقى إلى أيَّام الرسل، قد علَّم دومًا أنَّ مريم لم تعرف رجلًا، بل بقيت بكليّتها مُلكًا لله وهيكلًا مقدَّسًا له[60].

إن عدنا أيضًا إلى النصّ اليونانيّ وأخذنا عبارة حتَّى (evoj، eos) وقارنَّاها مع استعمالاتها في مواضع أخرى في الكتاب المقدَّس، نجد على سبيل المثال العبارة التالية: “ميكال، ابنة شاول لم تلد ولدًا حتَّى (evoj، eos) ماتت”[61]، ولا يمكن لميتٍ أن يلد[62]. هنا نفهم أنّ عبارة حتَّى (evoj، eos) لا تعني حدثًا في الماضي ينتهي مع بداية الحدث التالي، بل هو حدثٌ يبدأ في الماضي ويستمرّ، لذلك كما أنَّ ميكال لم تلد حتَّى وفاتها، ولم تلد بعد وفاتها، بطبيعة الحال، وكما أنّ الربَّ أجلس السيّد عن يمينه ووضع أعداءه تحت قدميه، ولم يترك السيّد يمين الرّب بعدها، كذلك نفهم أنّ يوسف الَّذي لم يعرف مريم قبل ولادة طفلها، لم يعرفها كذلك بعد ولادته.

جديرٌ بالذّكر أنَّ النسخة السريانيَّة، الَّتي تسمَّى بالنسخة السينائيَّة للعهد الجديد[63]، لا ترد فيها عبارة “ولم يعرفها حتَّى”. لتصبح الآية 25 على هذا الشكل: “وولدت ابنًا، وسمَّاه يسوع”[64]. ويمكننا أن نفهم هذا الأمر على أنَّه تأكيدٌ على بتوليَّة مريم، بمعنى أنَّ يوسف لم يعرفها قط!

أمَّا مصطلح “البكر”، الَّذي جاء في بعض الترجمات استنادًا إلى لو 2: 7، حيث يُطلق هذا اللَّقب على يسوع، لا يعني أنَّ له إخوةً أصغر منه. فالبكر، في الكتاب المقدَّس، هو الولد الَّذي لم يولد قبله آخر، سواء وُلد بعده غيره أم لم يولد. فسفر الخروج يعرّف معنى البكر بشكلٍ واضح: “قدّس لي كلَّ بكرٍ، كلَّ فاتح رحمٍ من بني إسرائيل”[65]. فكلُّ فاتح رحمٍ، يصير مقدَّسًا للرَّب، مخصَّصًا له. ولا ينتظر أبواه حتَّى يولد له أخوه، ثمَّ يخصّصونه للرَّبّ. إنَّما من مولده هو بكرٌ ويصير قدسًا للرَّبّ، لا لأنَّه كبير إخوته، إنَّما لأنَّه فاتح رحم. هكذا الرَّبُّ يسوع هو الابن البكر، وهو الابن الوحيد.

خاتمة

لا نستطيع أن نفهم هذا المقطع من الإنجيل، ما لم نقرأ قبله نسب يسوع. فالشَّائِع عن هذا المقطع من الإنجيل، هو أنَّ يوسف شَكَّ في مَريم، ففكّر أن يُطَلِّقها، وهذا خطأ كبير! لماذا؟ لأنَّ الإنجيل لم يتكلّم قطّ عَلى شَكّ يوسف، ولا وردت العبارة أصلًا، بل اكتفى متَّى بالقول إنَّ مريم “وُجدَت حاملًا من الرّوح القدس”[66].

فكّر يوسف بأن “يُطَلِّقها سرًّا”[67]، وذلك أمر مستحيل، لأنَّ للطلاق نتائِج علنيَّة. فهو تزوَّجها، وخلال بقائها في بيت أهلها، وقبل أن يأخذها إلى بيته وُجِدَت حُبلى. ولو أعلن طلاقه، لَرُجِمَت مريم لأنَّ حبلها يُعَدّ زِنَى يستوجب الرَّجم بحسب الشريعة.

لقد كان يوسف بارًّا، والبارّ يلتزم بالشَّريعة؛ لكنَّه لو التزم بالشَّريعة لرجَمَ مريم. لذا لم يُرِد تطبيق الشَّريعة، لأنَّهُ كانَ واثقًا من براءة مريم وطهارتها، وهو يعلم أنَّ الَّذي في أحشائها هو من الرُّوح القدس. حبُّ يوسف لله “جعله يفتح قلبه لمريم أيضًا ويصمت ويفكّر في أن يتركها سرًّا كي لا يصيبها أيّ أذى. وهنا تكمن برارته: هي أنَّه التجأ إلى الصلاة وسلَّم أمره لله. فالقدّيس يوسف فكَّر في خير مريم وفي إرادة الله”[68].

لقد أحسّ يوسف بعظمة الأمر، وخاف لأنّه سَيَكون المربّي للمسيح الـمُنتَظَر. أراد الانسحاب لأنَّهُ أحسَّ بأنَّهُ لا يستحق تلك الدَّعوة العظيمة. هنا أتى تدخّل الله المباشر من خلال الملاك في الحلم ليقول له: “لا تخف”[69]، وليكرّر على مسمعه أنَّ “المولود من مريم إنَّما هو من الرُّوح القدس”[70]، وأنَّهُ هُوَ مَسؤول باختيارٍ إلهي، عن تربية المسيح الَّذي سيخلّص العالم.

باختصار، يوسف لم يشكّ، بل عاش ما قد نسمّيه “ليل الخوف المبارك”، الَّذي يفلت السرّ من عقله ومن قلبه ولا يسعه أن يحتويه، أمام رهبة الحضور الإلهي.


[1] متَّى 1: 18-25.

[2] متَّى 1: 19.

[3] كان الزواج في العرف اليهودي يتمّ على ثلاث مراحل هامّة: المرحلة الأولى الخطوبة: كانت تتمّ بموافقة الأسرتين أهل العروس وأهل العريس. ثمّ المرحلة الثانية: وهي إذاعة الأمر علنًا، في هذه المرحلة يصبح العروسان مرتبطين برباط لا ينفصم إلَّا بالطلاق والموت، هذا الارتباط يدعوه الإنجيل خطبة ولا يُسمح فيه بالعلاقات الجنسية إلَّا بعد إتمام الزواج. المرحلة الثالثة: مرحلة إتمام الزواج. ولأنَّ مريم ويوسف كانا خطّيبَين، فإنّ ما بدا من مريم هو خيانة، واعتُبر وصمة عار شنيعة في المجتمع اليهودي. حصلت المشكلة للقديس يوسف وهو في المرحلة الثانية من الزواج وهي مرحلة الخطوبة. كان ليوسف الحق بأن يطلّق مريم بحسب القانون المدني اليهودي. وكان يمكن للسلطات اليهودية أن ترجمها حتى الموت، هذا ما نصَّ عليه سفر تثنية الاشتراع: “وإذا كانت فتاةٌ عذراء مخطوبةً لرجل فصادفها رجلٌ في المدينة فضاجعها، فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى الموت” (تث22: 23-24).

[4] الأخت لينا الأسمر الأنطونيَّة، مَن يفسّر لي الكلمة؟ (جونيه 2014) 58.

[5] متَّى 1: 1، 18. باللغة اليونانيَّة vIhrou/ Cristou/ h` ge,nesij ، أي “تكوين يسوع المسيح” بمعنى “الخليقة الجديدة” الَّتي تبدأ بيسوع المسيح. راجع:

É. Grenet, « La filiation selon Matthieu 1–2 », dans Nouvelle Revue Théologique 3/130 (2008) 533.

 كذلك باللغة العبريَّة كلمة תֹּלְדֹ֥ת تعني في الوقت نفسه: النسب، التاريخ، الأصل، الجيل. جذر الكلمة هو فعل dly الَّذي يعني “إيلاد”. نعلم أنَّ الغنوصيَّة، وإن كان قد ظهر كبار أتباعها في القرن الثاني بعد المسيح، لكنَّ جذورها بدأت في وقتٍ مُبكرٍ جدًّا. فقد أنكرت حقيقة التجسُّد، مدَّعيةً أنَّ السيّد المسيح قد ظهر كخيالٍ أو وهم، إذ يكرهون الجسد ويعادونه كعنصر ظلمة. ذكر “ميلاد يسوع” هو تأكيدٌ لحقيقة التجسُّد الإلهيّ، وأنَّ ذاك الَّذي يفوق الأنساب قد صار حسب الجسد له نسب. لمزيدٍ من التفاصيل حول أصل الكلمة ومعناها في إنجيل متَّى، راجع:

X. Léon-Dufour, Estudios de Evangelio. Análisis exegético de relatos y parábolas (Madrid 1982) 51-65.

[6] البابا فرنسيس، بقلبٍ أبويّ (الفاتيكان 2020) عدد 5.

[7] متَّى 1: 18.

[8] تك 1: 2.

[9] متَّى 1: 18.

[10] راجع تث 20: 7.

[11] متَّى 1: 19، 20.

[12] راجع تث 24: 1-4؛ مر 10: 4.

[13] المشناه كلمة عبريَّة مشتقَّة من الفعل العبريّ “شَنَّاه” أي “ثنَّى” أو “كرَّر” باللغة العربيَّة. ولكن تحت تأثير الفعل الآراميّ “تانا” أصبح معناها “يدرس”. فأصبحت الكلمة تشير بشكلٍ محدَّد إلى دراسة الشَّريعة الشفويَّة، وهو أوَّل ما أُلِّف في التوراة الشفهيَّة، وتتضمَّمن الشرائع ومجموعة واسعة من الشروحات والتفاسير الَّتي تتناول أسفار العهد القديم.

[14] المشناه، القسم الثالث: النساء، مسائل الزواج، عدد 9. راجع:

Manuscript of the Jewish National and University Library, Mishneh Torah, Shelf mark Ms. Heb 4o 1193H (Spain 1300). See also Danby (trans.), Mishnah. Translated from the Hebrew with Introduction and Brief Explanatory Notes (New York, NY 1933) 319.

[15] راجع تث 22: 1-14؛ 25: 1-13.

[16] متَّى 1: 18.

[17] راجع تث 22: 23-24.

[18] متَّى 1: 18.

[19] كما قال الكتاب المقدَّس: “أوَّل الحكمة مخافة الله” (أم 9: 10). “مخافة الله” لا تعني الخوف والرعب من الله، بل الاحترام والمهابة في السرّ والعَلن، والابتعاد عن الشرّ الَّذي يُحزِن قلبه؛ فقد قيل عن أيُّوب إنَّه “يَّتقي الله ويُجانب الشرّ” (أي 1: 1). كما وتعني إكرام الرَّبّ ومحبَّته كما أوصى الرَّبُّ شعبه: “والآن يا إسرائيل، ما الَّذي يطلبه منكَ الرَّبّ إلهكَ إلَّا أن تتَّقي الرَّبَّ إلهكَ سائرًا في جميع طرقه ومُحبًّا إيَّاه، وعابدًا الرَّبَّ إلهكَ بكلّ قلبكَ وكلّ نفسِكَ” (تث 10: 12).

[20] X. L. Dufour, « Crainte de Dieu », in Vocabulaire de Théologie Biblique (Paris 1970) col. 219.

[21] “تتجلَّى (التوبة) وتدخل في محبَّة الله. وبها نحبُّ الله في ذاتيَّته: إذ ذاك تصبح مخافة الله احترامًا مُحبًّا (الخوف البنويَّة): لا نحبّ الله خوفًا، نخاف منه محبَّةً (القدّيس فرنسيس دي سالس)”،

K. Rahner – H. Vorgrimler, « Crainte de Dieu », in Petit dictionnaire de théologie catholique (Paris 1970) 104.

[22] متَّى 1: 19. جديرٌ بالذّكر أيضًا أنَّ كلمة “سرًّا”، ستحمل في متَّى 2: 7 معنىً سلبيًّا، عندما دعا هيرودس المجوس “سرًّا”. «تعبير “سرًّا” قد يشير إلى عزم يوسف (“قرَّر سرًّا”) أو، بحسب الرأي الأرجح، إلى الطلاق (“تخليتها سرًّا”). في واقع الأمر، على المستوى السرديّ، لا نرى أهميَّة للتأكيد على أنَّ قرار يوسف قد اتُّخذ سرًّا. على العكس من ذلك، يمكننا أن نفهم دلالة التعليق “سرًّا”. فهو يجنّب مريم تشنيعًا عامًّا، كما أنَّه يلفت انتباه القارئ إلى مغزى وصف يوسف بأنَّه “بارّ”»، إليان كوڤيلييه، ميلاد ابن الله وطفولته، يسوع المسيح في بشارة متَّى (القاهرة 2010) 60-61.

[23] لحن سوغيتو في صلاة مساء أحد البيان ليوسف، في جامعة الرُّوح القدس الكسليك، كتاب زمن الميلاد المجيد: صلوات المساء والصَّباح ونصف النهار (الكسليك 1977) 358.

[24] لو 1: 43.

[25] متَّى 1: 20.

[26] أي له مكان في نسب يسوع الآتي من نسل داود.

[27] متَّى 1: 20-21.

[28] يشدّد لقب “بن داود” (متَّى 1: 20) على أنَّ يوسف الَّذي أصبح أبو يسوع بالتبنّي كان من نسل داود، وهو الحقيقة المعبَّر عنها في سلسلة نسَب يسوع (متَّى 1: 1، 6، 16).

[29] بينما جاء “يشوع بن نون” كمنقذٍ عسكريّ، إلَّا أنَّ “يسوع المسيح” جاء كمنقذٍ روحيّ. لم يأتِ ليُنقذ اليهود من ظلم الرُّومان، أو ليؤسّس مملكةً أرضيَّة، بل جاء ليُنقذ البشر من الخطيئة وعواقبها وعبوديَّتها (راجع روم 3: 23، 24؛ 6: 23).

[30] لو 4: 22.

[31] لحن البخور في صلاة مساء أحد البيان ليوسف في كتاب زمن الميلاد المجيد، 359.

[32] متَّى 1: 19. في ما يخصّ دور يوسف وبرارته، راجع:

J. Radermakers, Lettura pastorale del Vangelo di Matteo (Lettura pastorale della Bibbia;  Bologna 1997) 112-113.

[33] راجع متَّى 3: 3.

[34] أش 55: 9.

[35] “الإيمان هو اليقين بالأمور المرجوَّة، والبرهان للأمور غير المرئيَّة” (عب 11: 1). يشرح القدّيس يوحنَّا فم الذَّهب هذا التعريف للإيمان قائلًا: «الإيمان هو رؤيةٌ واضحة للأمور وتأكُّدٌ كاملٌ من جهة غير المنظور كأنَّه من المنظور… سأوضح الأمر بأمثلة… فقد قال الرَّبُّ إنَّ من يترك أبًا أو أمًّا أو إخوةً أو أخوات يصير له آباء وأمَّهات، فنرى ذلك القول إنَّه يتحقَّق فعلًا. وأيضًا إذ يقول: “في العالم يكون لكم ضيق، لكن ثقوا (افرحوا) أنا قد غلبتُ العالم” (يو 16: 33) بمعنى أنَّه لا يغلبك أحد يدرك (المؤمن) أنَّها حقيقة واقعة. وأيضًا عندما يقول أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (متَّى 16: 18) حتَّى وإن كانت مُضطَهَدَة، وأنَّه لا يستطيع أحد أن يوقف البشارة، يدرك أنَّ هذه النبوءة حقيقة واقعة مع أنَّ هذا قيل في وقتٍ كان يصعب فيه تصديق ذلك. بالإيمان قبلنا وصايا الله الصعبة ومواعيده الَّتي يُبرهن على صدقها لا بكلماتٍ وإنَّما بخبرةٍ عمليَّة عند ممارستها. بالإيمان نسلكها ونتقبَّل مواعيدها الَّتي تبدو غير معقولة، لكنَّنا نكتشف صدقها خلال الخبرة. يتطلَّب الإيمان نفسًا نشطة ومملوءة غيرةً، تسمو فوق الأمور الحسيَّة وتعبر فوق كلّ تعقُّلاتٍ بشريَّة، فإنَّه لا يمكن أن تصير مؤمنة إن لم ترتفع فوق العادات العامَّة الَّتي للعالم”، Commentaire de saint Jean Chrysostome sur l’Épître de saint Paul aux Hébreux. Publié après sa mort, d’après ses notes, par Constantin, prêtre d’Antioche, Homélie XXI, IV, dans Saint Jean Chrysostome, Œuvres complètes, Tome XI (Paris 1807) 542.

[36] مراثي 3: 26.

[37] حب 2: 3.

[38] أش 60: 22.

[39] متَّى 1: 20.

[40] يعرض لنا الكتاب المقدَّس أحلامًا كثيرة من الله. في مشكلة إبراهيم، لـمَّا قال عن سارة إنَّها أخته، وأخذها أبيملك، يقول كاتب سفر التكوين: «قال له الله في الحلم: “وأنا أيضًا قد علمتُ أنَّكَ بسلامة قلبكَ صنعتَ ذلك، فكفَفتُكَ عن أن تخطأ إليَّ» (تك 20: 6). صرَّح الرَّبُّ نفسه بأنَّه كان يكلّم البعض في الأحلام. فلمَّا انتقد هارون ومريم أخاهما موسى، قال لهما الله: “اسمعا كلامي: إن يكن فيكم نبيٌّ، فبالرؤيا أتعرَّف إليه، أنا الرَّبّ، وفي حُلمٍ أخاطبه” (عد 12: 6). كلَّم الله أيضًا الملك سليمان في حلم، إذ جاء في سفر الملوك الأوَّل: “في جبعون تراءى الرَّبُّ لسليمان في الحلم ليلًا وقال له: أطلُب ما تريد أن أعطيك” (1 مل 3: 5)، فطلب سليمان الفهم والحكمة. وسفر دانيال النبيّ يعطينا فكرة عن أحلام نبوخذنصَّر الملك الَّتي فسَّرها له دانيال النبيّ (دا 2؛ 4)، وكذلك الأحلام الَّتي رآها دانيال نفسه (دا 7؛ 8). وسفر يوئيل النبيّ يعتبر هذه الأحلام من مواهب الله ومن عطايا الرُّوح القدس، فيقول: “أفيض روحي على كلّ بشر، فيتنبَّأ بنوكم وبناتكم، ويحلُم شيوخكم أحلامًا، ويرى شبَّانكم رؤىً” (يؤ 3: 1). في العهد الجديد نقرأ عن أحلام القدّيس يوسف الَّتي هي وحيٌ من الله (متَّى 1: 20؛ 2: 13، 19، 20). نقرأ أيضًا عن المجوس أنَّهم إذ “أُوحِيَ إليهم في الحلم ألَّا يرجعوا إلى هيرودس، عادوا إلى بلادهم عن طريقٍ آخر” (متَّى 2: 12). نعرف أيضًا أنَّ زوجة بيلاطس أرسلت إليه أثناء محاكمة يسوع قائلة: “إيَّاك أن تسيء إلى ذلك البارّ، لأنّي تألَّمت اليوم كثيرًا في الحلم من أجله” (متَّى 27: 19). كلُّ هذه وغيرها الكثير…

[41] راجع تك 2: 21.

[42] راجع تك 28: 10-22.

[43] تك 37: 19.

[44] لمزيدٍ من التعمُّق في معنى الأحلام الكتابيَّة الَّتي يستخدمها الله لمقاصد ملكوته، راجع:

J.-M. Husser, Dreams and Dream Narratives in the Biblical World (The Biblical Seminar 63; Sheffield 1999); J. B. F. Miller, Convinced that God had Called Us (Bible Interpretation Series 85; Leiden 2007); Ponnau, Saint Joseph ou la vérité d’un songe (Paris 2018).

[45] هذا ما قاله الملاك في الحلم ليوسف: “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك” (متَّى 1: 20).

[46] عبارة “امرأتك” تعني زوجتك، وكانت تُطلق على المرأة منذ خطوبتها. في تفسير قول الملاك ليوسف: “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك” (متَّى 1: 20)، كلمة امرأة عن العذراء المخطوبة تدلّ على الأنوثة. والواقع أنَّ حوَّاء، في سفر التكوين، سُمّيت أوَّلًا امرأة لأنَّها “من امرئٍ أُخِذَت” (تك 2: 23)، كما وسُمّيت حوَّاء لأنَّها “أمٌّ لكلّ حيّ” (تك 3: 20). فكلمة “امرأة” تدلُّ على خلقها وأنوثتها. وكلمة “حوَّاء” تدلُّ على أمومتها. دُعيت مريم “امرأة” ليس لأنَّها فقدت بتوليَّتها، حاشا! فالكتاب المقدَّس يشهد أنَّه “لم يعرفها” (متَّى 1: 25). ولكنَّها دُعيَت هكذا، لأنَّ هذا هو التَّعبير المألوف عند اليهود، أن تدعى الخطّيبة “امرأة”، لا بل الأنثى كانت تدعى “امرأة”. نلاحظ أنَّ الملاك لم يستخدم مع يوسف عبارة “امرأتك” بعد ميلاد يسوع، إنَّما قال: “قُم خذ الصبيَّ وأمَّه” (متَّى 2: 13). وفي عودته من مصر قال له أيضًا العبارة نفسها: “قُم خذ الصبيَّ وأمَّه” (متَّى 2: 20). وفعل يوسف هكذا في السَّفَر إلى مصر وفي الرُّجوع: “قام وأخذ الصبيَّ وأمَّه” (متَّى 2: 14، 21). ولم يستخدم عبارة “امرأته”. عبارة “امرأته” استُخدِمَت قبل الحَمْل وأثناءه لكي تُحفَظ مريم فلا يرجمها اليهود، إذ إنَّها قد حبلَت وهي ليست امرأة لرجل. أمَّا بعد ولادة المسيح، فلم يستخدم الوحي الإلهيّ هذه العبارة، لا بالنسبة إلى كلام الملاك مع يوسف، ولا بالنسبة إلى ما فعله يوسف، ولا بالنسبة إلى المجوس الَّذين: “رأوا الصبيَّ مع مريم أمّه” (متَّى 2: 11)، ولا بالنسبة إلى الرُّعاة الَّذين: “وجدوا مريم ويوسف والطّفل مضطجعًا” (متَّى 2: 16).

[47] متَّى 1: 22؛ 2: 15، 17، 23؛ 4: 14؛ 8: 17؛ 12: 17؛ 13: 35؛ 21: 4؛ 26: 56؛ 27: 9.

[48] حوالي سنة 735 ق.م. تنبأ أشعيا بهذا إلى الملك آحاز ليؤكّد له أنَّ الله لا يسمح لرصين، ملك آرام، ولفقح، ملك إسرائيل، أن يدمّرا نسل داود الملوكيّ (أش 7: 6). سيمنع الله هاتَين المملكتَين الوثنيَّتَين من تتميم مؤامرتهما لتأسيس سلالةٍ حسب اختيارهما على شعب الله (راجع تك 49: 10؛ 2 صم 7: 12-13). تتميمًا لوعده، أعطى الرَّبُّ آحاز علامةً بواسطة النبيّ أشعيا: «فقال أشعيا: “إسمعوا يا بيت داود. أقليل عندكم أن تُسئموا النَّاس حتَّى تُسئمُوا إلهي أيضًا؟ فلذلك يؤتيكم السيّد نفسه آيةً: ها إنَّ الصبيَّة تحمل فتلدُ ابنًا وتدعو اسمه عمَّانوئيل. يأكل لبنًا حليبًا وعسلًا إلى أن يعرف أن يرذل الشرَّ ويختار الخير، لأنَّه قبل أن يعرف الصبيُّ أن يرذل الشرَّ ويختار الخير، تُهجرُ الأرض الَّتي أنت تخاف ملِكَيها» (أش 7: 13-16). لكي يكون الابن الَّذي تمَّ الحديث عنه في هذه النبوءة آيةً لآحاز، كان يجب أن يولد بعد فترةٍ وجيزة نسبيًّا. بعد سنواتٍ قليلة من ذلك الوقت قام الأشوريُّون على إسرائيل (في سنة 133 ق.م.) وأرام (في سنة 132 ق.م.) وأقلعوا الكثير من السكَّان؛ وقُتِل فقح ورصين (2 مل 15: 29-30؛ 16: 9). جعل الأشوريُّون إسرائيل قاحلة في آخر المطاف سنة 722 ق.م. تمَّت ولادة ذلك الابن قبل قيام الأشوريّين على إسرائيل وآرام، كما وعد به الرَّبُّ تمامًا. كانت العلامة الَّتي أُعطيت لآحاز هي أنَّ تلك الولادة المذكورة كانت مجرَّد مقياسٍ للوقت. كان الوقت اللَّازم لولادة الطفل وبلوغه سنَّ معرفة الحقّ من الباطل هو الوقت الَّذي سيمرّ قبل أن يختفي الملِكَان المشار إليهما من الساحة. قد لا يفهم آحاز الجزء المختصّ بولادة العذراء من هذه النبوءة؛ بل يرى فقط الجزء المختصّ بزمان العلامة. وبسبب رحيل هذَين الملكَين، حذَّر أشعيا آحاز أنَّه يجب ألاّ يتَّحد مع تغلَت فلاسِر ملك أشور.

[49] 2 صم 7: 12-13.

[50] اقتبس متَّى الترجمة السَّبعينيَّة للنصّ المقتبَس من أشعيا (7: 14). الكلمة اليونانيَّة parqe,noj  (parthenos)، الَّتي تعني “عذراء”، هي في العبريَّة hm”l>[; olmah. عادةً ما تعني كلمة hm”l>[;  olmah”بتول” غير متزوّجة، أو “عذراء” (راجع تك 24: 43؛ نش 1: 3؛ 6: 8). وتشير ثلاث مرَّات أخرى إلى فتاة شابَّة غير متزوّجة (راجع مز 68: 25؛ أم 30: 19). تؤيّد الأدلَّة الكتابيَّة أنّ كلمة hm”l>[;  olmah لم تُستخدَم أبدًا في العهد القديم للإشارة إلى امرأةٍ متزوّجة. بتوليَّة مريم حقيقة إنجيليَّة. فإنَّ كلمة الله عند تجسُّده لم يبالِ بنوع الموضع الَّذي يولد فيه، أو الملابس الَّتي يتقمَّط بها، أو الطعام الَّذي يقتات به، لكنَّه حدَّد بدقَّةٍ “العذراء” الَّتي تصير له أمًّا، راجع:

L. Koehler – W. Baumgartner (eds.), The Hebrew and Aramaic Lexicon of the Old Testament, volume 1 (Leiden 2001) 35-836; F. W. Danker – W. Bauers (eds.), A Greek-English Lexicon of the New Testament and Other Early Christian Literature (Chicago 20003) 777.

[51] متَّى 1: 23.

[52] متَّى 28: 20.

[53] ورد اسم عمَّانوئيل مرَّتين في العهد القديم: “يؤتيكم السيّد نفسه آيةً: ها إنَّ الصبيَّة تحمل فتلد ابنًا وتدعو اسمه عمَّانوئيل” (أش 7: 14)؛ “ويمرُّ يهوذا ويطفح ويعبر ويبلغ إلى العنق، وبسطُ جناحيه يملأ سعةَ أرضكَ، يا عمَّانوئيل” (أش 8: 8). يشير المرجع الأوَّل بشكلٍ واضح إلى تجسّد يسوع المسيح كما شرحنا أعلاه. كذلك المرجع الثَّاني يُشير إلى أنَّ الولد المذكور في أش 7: 14، الَّذي ستلده العذراء، هو “المسيح عمَّانوئيل”، والبلاد هي بلاد عمَّانوئيل. فإن سمح الله بتأديب شعبه، فلن يسمح بهلاكه لأنَّ الأرض أرض عمَّانوئيل، والشَّعب ملكٌ للرَّبّ. وما دامت حياة الشَّعب مستترة تحت جناحَي الله، فلا خوف عليه.

[54] يو 1: 1.

[55] يو 1: 14.

[56] متَّى 1: 24.

[57] B. Witherington III, “Birth of Jesus”, in J. B. Green – J. K. Brown – N. Perrin (eds.), Dictionary of Jesus and the Gospels. A Compendium of Contemporary Biblical Scholarship (Downers Grove, IL 2013) 62.

[58] في بعض الترجمات: “حتَّى ولدت ابنًا” ]الكتاب المقدَّس، الترجمة اليسوعيَّة (بيروت  2007)[، أو “حتَّى ولدت ابنها البكر” ]الكتاب المقدَّس، ترجمة فاندايك (بيروت 2017)[.

[59] متَّى 1: 25.

[60] يؤكّد التقليد الكنسيّ أنَّ مريم هي بتول قبل الولادة، وفي الولادة، وبعد الولادة؛ أي إنَّها حبلت بيسوع المسيح من دون مشيئة رجل. “تلك هي بتوليَّة مريم قبل ولادتها ابنها يسوع؛ ثمَّ إنَّها ولدته وبقيت بتولًا: تلك هي البتوليَّة في الولادة؛ وبعد أن ولدته لم يكن لها علاقة مع أيّ رجل: تلك هي البتوليَّة بعد الولادة. إنَّ ما تكرز به المسيحيَّة قد يبدو مناقضًا للعقل. ولكن ليس من أمرٍ يستحيل على الله. فالذي في البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل به وولادته، جامعًا في أمّه أروع مفخَرَتَين تعتزُّ بهما كلُّ النساء: البتوليَّة والأمومة”، المطران كيرلّس سليم بسترس، اللَّاهوت المسيحيّ والانسان المعاصر، الجزء الرَّابع: مريم العذراء أمُّ ربّنا يسوع المسيح (الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم 13؛ جونيه 2005) 62.

[61] 2 صم 6: 23.

[62] لذلك، توضح بعض الترجمات الحديثة المعنى الصحيح: “ولم يعرفها، فولدت ابنًا، وسمَّاه يسوع” ]الكتاب المقدَّس العهد الجديد، الترجمة الليتورجيَّة (جونيه 2007)[، أو “وولدت ابنها، وهو لم يعرفها، فسمَّاه يسوع” ]الكتاب المقدَّس العهد الجديد، ترجمة الأب جورج فاخوري البولسيّ (جونيه 2007)[.

[63] هي مخطوطة من القرن الرابع. اكتُشفت في دير القدّيسة كاترين في جبل سيناء عام 1892 ب.م.، وتُعرف باسم مخطوطة “سيناء السريانيَّة”.

[64] A. S. Lewis, Translation of the Four Gospels from the Syriac of the Sinaitic Palimpsest (New York, NY 1894).

[65] خر 13: 2.

[66] متَّى 1: 18.

[67] متَّى 1: 19.

[68] الأخت لينا الأسمر، من يفسّر لي الكلمة؟، 58.

[69] متَّى 1: 20.

[70] المرجع نفسه.

Scroll to Top