Almanara Magazine

المسيحيّة والإسلام والآخر

      الأب جوزف عزّو الكبّوشي[1]

المقدِّمة

لقد طلبَ مني الآباء المسؤولون في مجلَّة المنارة الموقَّرة، كتابة مقالة هدفها أن تكونَ مدماكاً ليسَ إلاَّ في بناء الحوار الإسلامي المسيحي. فارتأيتُ هذا العنوان “المسيحية والإسلام والآخر” للمقالة التي قسَّمتها إلى ثلاثة أَقسام وخاتمة.

      قسَّمت كلٌّ من الفصل الأوَّل والثاني إلى فصلَين تحدثت:

     في الفصل الأوَّل من القسم الأول عن المسيحيَّة من حيث عقيدتها.

     وفي الفصل الثاني من القسم الأول عن الإِسلام من حيث عقيدته.

     أمَّا في الفصل الأوَّل من القسم الثاني فوضعتُ إطلالة على بعض العلوم الإنسانيَّة من حيث نظرتها إلى الآخر.

     وفي الفصل الثاني من القسم الثاني، تحدَّثت فيه عن مفهوم الآخر في المسيحية.    

     وفي الفصل الثالث من القسم الثاني، تحدَّثتُ عن مفهوم الآخر في الإسلام.

     وفي القسم الثالث تحدَّثتُ عن أَهميَّة الحوار الإسلامي المسيحي اليوم.

     وخاتمة.

     أمام هذا الهجوم على الأديان من خلال وسائل الإعلام المرئيَّة بنوع خاص، يظلُّ موقف الناس المعتدل، الذي ملؤه الاحترام، مغايراً لما يحصل ونشاهده ونسمعه على شاشة التلفاز. عند تأمُّلنا في عنوان هذه المقالة “المسيحيَّة والإسلام والآخر”، تتبادر إلى أذهاننا فوراً  كلمة الحوار، لأنَّه من الصعب أن نأتي على ذكر المسيحيَّة والإسلام من دون استحضار فكرة الحوار. فإذا ظلَّ كلٌّ منّا لوحده قابعاً في انغلاقهِ على نفسه، بالتأكيد هنا يستحيل علينا أن نتكلَّم عن الحوار. أمَّا إذا أَردنا اللقاء فذلك يكرّس لا محالة حواراً. أنَّه من السهل جداً أن ندمّر اليوم بلداً بكامله، يكفي أن نلمسَ زرّاً صغيراً لكي نحصل على ذلك، ولكن من الصعب جداً أن نبني، لأنَّ البناء يتطلَّب سنوات كثيرة لإنجاز ذلك، أَمَّا التدمير فيكفيه لحظات قليلة. هكذا الحوار، إِنَّه من الصعب جداً القبول بالحوار ومن ثمَّ إيجاد الشجاعة الكافية لخوض غماره، لأنَّ الحوار ليس بالأمر السهل أبداً، فهو صعبٌ ومضني ويتطلب بحثاً طويلاً وصبراً كبيراً وإرادة صلبة. فليس الكلُّ تنطبق عليهم شروط الحوار الحقيقي والبنَّاء. والعكس صحيح لأنَّه من السهل جدّاً تشويه الإبداعات والجماليَّات بفعل الشرّ .

     في هذه المقالة أوردت تعاليم الكنيسة الكاثوليكيَّة فقط، وذلك عند معالجتي المواضيع حسب النظرة المسيحيَّة. أما فيما يتعلَّق بالإسلاميَّات، فكلُّ ما وضعته هو حسب تعاليم الإسلام.

     أردتُ من خلال هذه المقالة أن أَضعَ مُلخَّصاً عن العقيدة في المسيحيَّة والإسلام، وذلك ليس بهدف إشباع الموضوع إنارةً ووضوحاً فقط، ولكن من أجل المواضيع التي سوف نعالجها في المستقبل إن شاءَ الله أيضاً، والتي سوف تتناول بدورها الحوار الإسلامي المسيحي في مواضيع أخرى. لذلك سوف تكون هذه المقالة كركيزة أساسيَّة، نرجع إليها عند احتياجنا لها.

     أشكر الآباء القيّمين على مجلَّة المنارة على دعوتي للمساهمة في الكتابة فيها، آملاً أن تبقى منارةً لقراّئها، كما عهَدناها سابقاً مانعةً الغثَّ ومقدِّمَةً الثمين، آمين!

القسم الأول:

الفصل الأول: المسيحيَّة من حيث العقيدة

 أتى سيّدنا المسيح الأرض كارزاً البشرى الحسنة. فمن خلال قانون إيمان الكنيسة وتعليمها نستطيع أَن نوجز الآتي، إنَّ تجسَّدَ الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، أي الآب والابن والروح القدس، كان هدفُه خلاص الجنس البشري. فمن خلال تجسّد الابن ودخوله في الزمن تعرَّفت الجماعة المسيحية على سرّ الله الثالوث وعلى الحياة الجديدة في المسيح أي مصير الإنسان بعد موته، زِد على ذلك الحياة المسيحية القائمة على الأسرار المقدَّسة التي تحتفل بها الكنيسة، والتي تؤلّف القسم الأهم في واجب العبادة لدى المسيحييّن، كلُّ هذا أصبح ممكناً بفضل سيّدنا يسوع المسيح، وهو الذي صالح البشريَّة بموته مع الله، مُعطياً إيَّاها نعمة التبنّي.

     وفي تأسيسه للكنيسة، كان سيّدنا يسوع المسيح يهدف مواصلة عمله الخلاصي بين البشر أجمعين؛ نرى ذلك جليًّا في وصيته للرسل حين قال: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم[2]“، أَمَّا الكنيسة الأولى وبنوع خاص الرسل، وطاعةً لهذه الوصيَّة فقد بدأت تدعو البشر للدخول في المسيحيَّة، وذلك بعد أن تسلَّحت بقوَّة وبنعمة الروح القدس.

     وبفترة زمنية قصيرة انتشرت المسيحية شرقاً وغرباً، بفضل التبشير الذي قام به الرسل والتلامذة الأولين، وفي أنطاكيا أُطلقَ اسم “المسيحيّين” أوَّل مرّة على أتباع يسوع الناصري[3].

العقيدة في المسيحيَّة[4]:

     يؤمنُ المسيحيّون في الله الثالوث، الآب والابن والروح القدس، ويعبدوه، ويكرّمون السيّدة العذراء مريم أمَّ الله والقديّسين.     

   كما ويجلّون سرّ الكنيسة التي تكمّل عمل الله الخلاصي على الأرض.

     ولهم كتبهم المقدَّسة والأسرار المقدسّة التي غالباً ما يحتفلون بها في الكنائس أو في المزارات، ناهيكَ عن أفعال العبادة والتكريم والصلوات الشخصيَّة التي يقوم بها المؤمن المسيحي خارج الاحتفالات الكنسيَّة أو الجماعية.           

ألله في العقيدة المسيحيَّة:

 الله بفضل محبَّته للبشر كشف عن سرّه في تاريخ الخلاص من خلال الترائيَّات والنبؤات والمعجزات، وهذا الكشف يسميّه المسيحيّون الوحي. زِد على ذلك أنه في تجسّد الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، قال الله كلَّ شيء في ابنه أو كلمته، وتضيف الكنيسة قائلة بأَنَّه لن يكون هناك وحيٌ آخر.

     قبل التكلّم عن الوحي يجب علينا أن نتكلّم ولو قليلاً على سرّ الله من خلال العقيدة المسيحيّة.

     في الله الوَحدة والثالوث هما متَّحدتان ومتعادلتان من حيث الأهمية.

     يمكننا التكلَّم عن سرّ الله من زوايا كثيرة ولكن لا أحد يمكنه أن يدّعي بكمال عمله في هذا المجال. القديّس توما الإكويني، في وقت لم يكن هناك انفصال بين الفلسفة واللاهوت كما نعرفه الآن، أراد أن يهتمَّ أوّلاً بموضوع وحدانيَّة الله، وذلك من خلال مروره بالفلسفة أو المنطق البشري لكي يستطيع أن يكمل بعدها بالكتابة على الثالوث الأقدس. تبعته في ذلك كل فلسفة القرون الوسطى تقريباً[5]. هذا وحريّ بنا القول بأنَّ كثيرين هم الذين كتبوا في هذا الموضوع وبنوع خاص في القسم الثاني من القرن العشرين. ولكن اعترافاً بكلّ أنواع الاتجاهات التي تبنَّاها اللاهوتيّون، يظلُّ من المستحسن الانطلاق من الإِكونوميَّا الخلاصيَّة أو بتعبير آخر من تاريخ الخلاص وبنوع خاص من العهد الجديد.

     في حياة سيّدنا يسوع المسيح وخاصةً في سرّه الفصحي، ينكشفُ لنا الله في وحدانيته وثالوثه. يذهب سيدنا يسوع المسيح نحو الآب الذي منه قد أتى. وبعد تمجيده من قبل الآب، يرسل لنا الروح القدس، الروح الذي كان قد أُرسِلَ قبلاُ على سيّدنا يسوع المسيح.

     قبل أن يصل نظر القارئ إلى تفاصيلَ أخرى في العهد الجديد، يظهر جليّاً مكانة الثالوث الأقدس وهم متَّحدون في تتميم عمل الخلاص.

      هنا يجب علينا أن نوضّح أو أن نشرَح هذه الوحدة، التي بدون أَيْ شَك هي سابقة لمجيء الابن في العالم، ولإرسال الروح القدس من قبل الآب الأمر الذي هو واضح في رسالتيهما. وجود الثالوث الأقدس من خلال التباين وفي نفس الوقت في العلاقة المتبادلة لهو أمر واضح. عندما يقول السيّد المسيح في الإنجيل الرابع: “أنا والآب واحِد[6]” نستشفُّ من ذلك وجود الله الآب السابق لهذا الإعلان.

     إن وجود الآب والإبن والروح القدس هو نقطة الانطلاق الذي منه يمكننا الانطلاق في الحديث عن وحدانيَّة الله أو عن وحدته. في المسيحيَّة لا يمكن التكلّم عن الوحدة أو الأحادية في الله من دون المرور في ثالوثيته. هذه المقولة هي خلاصة العهد الجديد الذي يدلُّ عليها كأساس أوليّ. لذلك من هنا تكمن نقطة الانطلاق التي تتمحور على ثالوثيَّة الله المعطاة أو الكامنة في وحدته (ثالوث في واحد)، والأحاديَّة الكامنة في الثالوث تكون نقطة الوصول. من خلال الرسالة أو المهمَّة التي تنبع من الآب والإبن والروح القدس٬ يمكننا الوصول إلى الآب الذي ينبثق منه الإبن والروح القدس منذ الأزل، أي انبثاق لا بداية له في الزمن[7].

بعد هذه المقدِّمة الوجيزة عن الله نستطيع أن نلقي نظرة على نفس الموضوع ولكن من خلال التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة:

عقيدة الثالوث الأقدس

     الثالوث واحد. إننا لا نعترف بثلاثة آلهة، بل بإلهٍ واحد بثلاثة أَقانيم: “الثالوث الأحدي الجوهر”. فالأقانيم الإِلهيَّة لا يتقاسمون الألوهة الواحدة، ولكن كل واحد منهم هو الله كاملاً: الآب هو ذات ما هو الإبن، والإبن هو ذاتُ ما هو الآب، والآب والإبن هما ذات ما هو الروح القدس، أي الهٌ واحدٌ بالطبيعة”. “كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة هو هذه الحقيقة، أي الجوهر والإنيَّة أو الطبيعة الإلهيَّة[8]“.

     الأقانيم الإلهيَّة متميّزون تميّزاً حقيقياً في ما بينهم. “ألله واحدٌ ولكنَّهُ غيرُ متوحِّد”. “آبٌ” “إبنٌ” “روحُ قُدْسٍ” ليسوا مجرَّد أسماءٍ دالَّة على كيفيَّاتٍ للكائن الإلهيّ إذ أنَّهم متميِّزون حقيقيّاً في ما بينهم: “الذي هو الإبن ليس الآب، والذي هو الآب ليس الإبن، ولا الروح القدس هو الآب أو الإبن” إنَّهم متميّزون فيما بينهم بعلاقات مصدرهم: “الآب هو الذي يلد، والإبن هو المولود، والروح القدس هو الذي ينبثق” الوحدة الإلهيَّة ثلاثيَّة[9].

      الأقانيم الإلهية ذوو علاقة بعضهم ببعض. فالتميُّز الحقيقي القائم بين الأقانيم ولا يقسّم الوحدة الإلهيَّة، يقوم فقط في العلاقات التي ترجعُ بعضهم إلى بعض: “في أسماء الأَقانيم النسبيَّة، يُرجَعُ الآب إلى الإبن، والإبن إلى الآب، والروح القدس إليهما كليهما، عندما يجري الكلام عن هؤلاء الأقانيم الثلاثة باعتبار العلاقات، فالإيمان مع ذلك يبقى اعترافاً بطبيعة واحد أو جوهر واحد”. وهكذا “فكلُّ شيءٍ واحد [فيهم] حيثما لا يوجد اعتراضٌ للعلاقة”. بسبب هذه الوحدة، الآب كلُّه في الإبن، وكلُّه في الروح القدس؛ الإبن كلُّه في الآب، وكلُّه في الروح القدس؛ الروحُ القدس كلُّه في الآب، وكلُّه في الإبن[10]“.    

     بعد هذه المقدّمة الوجيزة التي هدفنا من خلالها عرض الإيمان المسيحي وبنوع خاص حسب تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة، والتي ركَّزنا من خلالها على إبراز المفهوم الذي يتحلَّى به المسيحيّون فيما يتعلّق بالله تعالى وبالدور الأساسي الذي قام به في تاريخ الخلاص؛ سوف ننتقل لنرى دور علم اللاهوت في حضن الكنيسة، وما هي التأثيرات التي يقوم بها من خلال دفعه لعجلة الإيمان الذي يقوم على العقل والقلب.

     إنَّ المدارس اللاهوتيَّة إذا استطعنا تسميتها، أو بالأخرى المناهج أو الاتّجاهات في عالم اللاهوت لعديدة. قبل أن ندخل في صَميم حديثنا عن اللاهوت، يسترعي انتباهنا كلمة علم، فاللاهوت يصبح علماً، وليس بالمعنى التقريبي أيضاً عندما يكون ارتكازه على المنطق والكتاب المقدس بعهديه، الذي يبقى دائماً أبداً قلب اللاهوت وروحه. أمَّا إذا كان ارتكازه فقط على الله جلَّ جلاله، فقد موضوعيته بالتمام لأننا لا يمكننا أن نُخضّعَ الله لإختباراتنا، كما هو معروف ومتعارف عليه في إطار العلوم الاختباريّة أو كما اعتادت العامَّة أَن تسميها بالدقيقة. لهذا فاللاهوت إذن هو هذا العلم الذي يحاول الإنسان من خلاله أن يتعرَّف بنوع أفضل على سرِّ الله وذلك من خلال نور العقل أو المعرفة ومن خلال أيضاً الوحي الإلهي  أي بمعنىً آخر من خلال الكشوفات التي قام بها الله عزَّ وجلَّ خلال تاريخ الخلاص ليعرِّفَ بسرِّه البشر وهذا الوحي الإلهي نستطيع أن نراه حاضراً، وذلك حسب ما تعلّمنا إياه الكنيسة المقدّسة الكاثوليكيّة، في الكتاب المقدّس بعهديه وفي التقليد المقدَّس وفي شعب الله وفي السلطة التعليميَّة في الكنيسة. زِد على ذلك بأنَّ علم اللاهوت يتقدَّم رويداً رويداً في الزمن كسائر العلوم الأُخرى، من خلال اجتهاد اللاهوتييّن بنوع خاص مع كل ما تحمل كلمة اجتهاد من أَفراح وآلام.

      قبل الإنتقال إلى التعريف بعلم اللاهوت، يجدر بنا أن نطَّلعَ ولو بإيجاز على الثوابت الأربعة التي ذكرناها سابقاً للوحي، أَلا وهي التقليد، الكتاب المقدَّس، شعب الله وسلطة التعليم في الكنيسة:

يقول كتاب الوثائق المجمعيَّة الذي صدر بعد الاحتفال بالمجمع السكوني الڤاتيكاني الثاني، في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي، في الفصل الثاني ما يلي:

     “إنَّ التقليد المقدَّس والكتاب المقدَّس يكونان وديعة واحدة مقدَّسة لكلام الله أُوكلت إلى الكنيسة. والشعب المقدَّس كلُّه، إِذ يتعلّق بهذه الوديعة متّحداً برعاته، يثبت دون انقطاع على تعليم الرسل والشركة الأخويَّة، وعلى كسر الخبز والصلوات بحيث أَنَّه بحفظ الإيمان المنقول والعمل والمجاهرة به، تتكوَّن بين الأساقفة والمؤمنين وحدة في الرأي فريدة.

     أما مهمَّة تفسير كلام الله، المكتوب أو المنقول، تفسيراً صحيحاً، فقد أُوكلَت إلى سلطة الكنيسة التعليميَّة الحيَّة وحدها، تلك التي تُمارَس باسم يَسوع المسيح. على أنَّ هذه السُلطة ليست فوق كلام الله ولكنها تخدمه، إِذ إِنَّها لا تُعَلّمِ إِلاَّ ما استلمته، بحيث أنّها بتكليف من الله وبمعونة الروح القدس تصغي إليه بتقوى وتحفظهُ بقداسةٍ وتعرضه بأمانة. ومن وديعة الإيمان الواحدة هذه تنهل كلّ ما تقدّمه من حقائق يجب الإيمان بها كموحاة من الله. بناءً عليه يتضّح أَنَّ التقليد المقدّس والكتاب المقدَّس وسلطة الكنيسة التعليميَّة، بتدبير إِلهيّ كلّي الحكمة، ترتبط ببعضها وتشترك فيما بينها، إلى حدٍّ أنْ لا قيام للواحد منهما دون الآخرين، وإنَّها كلّها مجتمعةً، وبحسب طريقة كل منهما وبتأثير الروح الواحد، تساهم بصورة فعَّالة في خلاص النفوس[11]“.

      لننتقل الآن إلى النقطة الأخيرة في تعريفنا على المسيحيّة، ولنتكلَّم عن دور اللاهوت ومدى تأثيره.

     إنَّ اللاهوت، من اليونانيَّة ” تيولوجيَّا” أي الكلام عن الله خاصةً في لغة المدائح والفلسفة. بالمعنى الحصري حيث يتميّز عن الفلسفة، عن الماورائيَّات، عن الخرافات وعن معرفة الله الطبيعيَّة، إن اللاهوت هو أصلاً الجهد كي يسمع الإنسان المؤمن بصورة واضحة وحي الله في التاريخ بواسطة الكلمة الذي هو الوحي الحقيقي.

     اللاهوت هو الشغل المؤَسَّس على العلم كي يدخل الإنسان في الوحي كمعرفة والعمل على تنمية المعلومات التي اكتسبها بواسطة التفكير.

     فاللاهوت إذاً يفترض الوحي. إنّه ليس سببه. إِنَّما ليس هناك تمييز تام بينه وبين الوحي، لأَنَّ هذا الوحي الذي يتمّ دائماً في الكلمة البشريَّة نجد فيه دائماً عنصراً تفكيريًّا بشريّاً يستخدمه الله. وإنَّنا لا نضع حدوداً واضحة بين معرفة الإيمان اللاعلميَّة وعلم الإيمان المنهجي، كما ولا نرى هذه الحدود بين المعرفة اللاعلميَّة والمعرفة العلميَّة[12].

     لإيضاحٍ أكبر علينا أَن نذِكّر بأنَّ اللاهوت الكاثوليكي يضع فرقاً أساسيّاً بين الطبيعة والنعمة وبالتالي بين معرفة الله الطبيعيَّة (بواسطة العقل) والوحي. وبهذا فإنَّ اللاهوت الكاثوليكي لا يرضى بوجود الفلسفة فحسب بل إنَّه يقتضي ذلك الوجود وإِنَّه لا يرسّخ أبداً الوحي والإيمان على أساس إخفاق الفكر الإنساني (كخاطئ). علاوة على ذلك فإنَّ التاريخ يُظهر أَنَّ الفكر اللاهوتي استخدم دائماً الوسائل الفلسفيَّة، وكان اللاهوت الكاثوليكي يقف ضدّ التَّيار المستَحدَث وكل لاهوت أساسه العاطفة الدينيَّة ليؤكّد بقوّة أن هذا التقليد التاريخي مُبَرَّر تماماً: فالوحي والنعمة يتوجَّهان توّاً إلى الإنسان بكامله، وبالتالي إلى الإنسان الذي يفكّر. وهذه الضرورة ليست ثانويّة بالنسبة إلى جوهر الدين[13].

     إنَّ ما يهمُّنا من اللاهوت بالمطلق، لأَنَّه كما قلنا سابقاً، عندما أشرنا إلى علم اللاهوت، بأنَّه يتفرَّع إلى اتّجاهات أو مناهج عديدة، هو بالتحديد اللاهوت الأساسي؛ وقبل الانتهاء من تعريفنا بالمسيحيَّة يجدرُ بنا أن نتوقَّف قليلاً على اللاهوت الأساسي لكي نعرّف به.

     اللاهوت الأساسي هو نتيجة المعارك مع عالم الفكر غير المسيحي وذلك منذ أزمنة المسيحيّة الأولى. كان ذلك اللاهوت بادئ ذي بدء دفاعاً موجَّهاً ضد الوثنيّة واليهوديَّة والغنوز والمانيَّة، وأصبح بعد ذلك بصورة متزايدة دفاعاً منظَّماً عقيديّاً (مثلاً المجموعة ضدّ الأمم للقدّيس توما الإكويني) وبذلك لم يعد يتوجّه فقط إلى أخصام الوحي المسيحي، إنما كان يطمح إلى توضيح المسائل الأساسيَّة، والتي بها يتفهَّم اللاهوت المسيحي ذاتيته تفهُّماً أعمق. بهذا توضَّحت قضايا الدفاع هذا وكانت مشروطة بمهاجمة العقلانّية والمثاليَّة والماديّة والتعليم عن الألوهة بوجه عام نظري: مسائل كيانيَّة وجوديَّة عن إمكانيّة معرفة الوحي (أسباب الإيمان، الإستعداد للإيمان، مقدّمات الإيمان، الأعجوبة، النبوّة، الطبيعة، إمكانيَّة الوحي وإمكانيَّة معرفته، أشكال هذا الوحي الممكنة، الوحي المتجسِّد في يسوع المسيح، هيكليته التاريخيَّة، براهينه التاريخيّة).

      في القسم الثاني من هذا اللاهوت الدفاعي نعالج استمراريَّة هذا الوحي التاريخيَّة وذلك بتأسيس الكنيسة: طبيعتها اللاهوتيَّة، هيكليتها التاريخية – الاجتماعيَّة، علاماتها الأساسيَّة: واحدة، مقدَّسة، كاثوليكيّة، رسوليَّة.

     إنَّ إدخال هيكليّة الإنسان التاريخيَّة والإجتماعية والدينيّة في اللاهوت، وذلك بواسطة عمل اللاهوت الأساسي العلمي والمنهجي من الممكن أن يجعل انسجام اللاهوت مع الحوار الأصيل الذي ابتدأهُ الله بكل حريّة وثبات، بواسطة تجسّد الكلمة في أوضاع هذا العالم الواقعيّة. لهذا السبب فاللاهوت الأساسي هو صلة الوصل بين الإيمان والعلوم الإنسانيَّة الأخرى التي تجسّد طاقات الإنسان الفكرية[14].     

 القسم الأوّل:

 الفصل الثاني:  الإِسلام من حيث العقيدة.

قبل الدخول في صلب موضوعنا، يحسُنُ بنا أن نتكلَّمَ قليلاً على الإيمان الذي هو الركيزة الأساسيَّة في الدين الإسلامي، كما هو الحال في الديانات الأُخرى؛ ولأَنَّه لا يقوم الإيمان أبداً لوحده بمعزلٍ عن المؤمن المسلم، الأمر الذي يدَفُعنا إلى إلقاء الضوء على الركائز التي يقوم عليها الإيمان، والتي بدونها لا يمكن للإيمان أن يتجذَّر في قلب الإنسان.

     إذا أقبلنا قبل كلّ شيء على أن نتعرَّف على ماهيَّة الإيمان أو بتعبير آخر على جوهر الإيمان، لوجدنا أن الإيمان يبقى فعلاً حرّاً كالكفر، ولكن الذي يميّزه عن غيره من الأفعال هو أنَّه عطيَّة من الله. لأنَّ الله هو الذي يفتح الصدر للإيمان[15]، وهو الذي يضع الإيمان في القلب[16]، ويجمّله[17]. إذاً الإيمان هو نور مُعطى من الله. ولكنَّ الشياطين تلعبُ دوراً لتضليل الناس[18]، كمثل إِبليس زعيمهم الذي أَسقَط آدَم[19]. تقوم الشياطين أيضاً بوحي إيحاءَات خاطئة[20] ويجرّبون البشر[21]. هذا دور آلهة الصنم أيضاً الذي يعبدها الكفَّار[22]. ولكن يبقى الإيمان حرّ وشخصي: “لا إكراهَ في الدين”[23].

جذور فعل الإيمان

     إنَّ الإيمان يتطلَّب طبيعةً طِّيعةً في الإنسان، زِد على ذلك عدداً من المؤهَّلات اللازمة، ناهيكَ عن التأثيرات الخارجية لعوامل تصبُّ جميعها في خانة الإيمان، وإلاَّ كان العكس صحيحاً أيضاً.

أ ـ الأنتروبولوجيَّة القرآنيَّة:

     إنَّها أَنتروبولوجيَّة دينية وروحيَّة بالعمق، فالإنسانُ الذي خلقته يد الله من الطين، أو الخارج من النُّطفَة الذكريَّة، أُوجِدَ لكي يعبدَ الله الأَحد[24].     

     لقد أُحييَ بنفسٍ حيّ والذي سيصبح ضميره الخلقي والمسؤول. أعضاؤُه الخارجيَّة، العينان والأذنان والفمّ موجَّهة لكي يرى العلامات أي الإرشادات والدلائل، ولكي يسمَع القرآن ويجاوب بالإيمان. لكن يبقى القلبُ العنصر الأهمّ للإيمان أو للكفر[25].

ب ـ النقاط الرئيسة للإيمان

     قبل كلّ شيء الرهبة وليس الخوف ولكن خشية الله[26]. ألله هو الديَّان في اليوم الأخير، لذا وَجبَ على المؤمن أن يتَّقيَهُ وما هذا الإتِّقاء إلاَّ الخشية التي يجب عليها أن تتأصَّل في نفس المؤمن، من هنا تسمية المتّقي تصبح مرادفة لكلمة المؤمن لأنَّ الرهبة الروحيَّة ملتصقة بالإيمان. هناك أيضاً التوبة التي هي بالتحديد أولاً رجوع الله نحو الآثم وهذا ما يُسمَّى بغفران الله٬ وثانياً رجوع الآثم نحو الله ويسمى بالتوبة؛ والآثم لا يرجع إلى الله ويتوب إلاَّ بعد رجوع الله نحوه لكي يغفر له[27]. والإيمان يفترض أيضاً وجود الصلاة، صلاة الدُّعاء[28]، وصلاة طلب الغفران[29]، أي الاستغفار وصلاة الخشوع[30] التي هي نقيض الكبرياء، الكبرياء الذي يقف سدّاً في وجه الإيمان[31].       

ج ـ عوامل خارجيَّة لها تأثير داخلي

     أهمُّها مظاهر الأرض وأخصُّها المال والبنون. الغِنى هو مصدر للبخل والدافع إلى اللاعدالة تجاه الفقراء والأيتام والضعفاء. والعكس صحيح أي الاهتمام بالفقراء هو فرض واجب للإيمان[32].

     هناك أيضاً التجرُّد عن خيرات هذا العالم الذي تُعَدّلُهُ مثاليَّة “المكان الوسط” والذي تقوم على الإستفادة من الحياتين أي هنا على هذه الأرض البسيطة وهناك في الدَّار الآخرة[33]. ناهيك عن البلايا التي يُنـزِلها الشيطان[34] والتي تُساعِد الإيمان إذا احتُمِلَت بصبر.

      هذه المصائب لا تصبح مُطَهِّرَةً إلاَّ إذا تحوّلت إلى فتنة، وُجِبَ الهروب منها سريعاً[35].    

د ـ عوامل خارجيَّة أُخرى

     تعمل وتضغط على الإنسان لكي تقودَه نحو الإيمان أو لكي تبعده عنه. إنَّ عملَ الله لأساسيّ لأنَّ كُلَّ شيء يخضع لإرادته. القرآن الكريم يؤكّد على قدرة الله الكليّة وعلى حريّة ومسؤوليَّة الإنسان[36].

     إذا كان الإنسان كافراً، كان كذلك لأنَّه أراد أن يكون كافراً[37].

     في سياق تعريفنا للإسلام، وبعد المقدِّمة التي تكلّمنا فيها على الإيمان من خلال القرآن الكريم، ننتقل لكي نلقي الضوء على أركان الإِيمان في الإسلام.       

أركان الإِيمان في الإِسلام:

“إنها تُعالج القلب من أَمراضه، وتهيّء الإنسان للاستقامة في سلوكه”

أولاً: الإيمان بالله تعالى:

      “يصلح قلب الإنسان بتوحيد الله تعالى في ربوبيتّه وألوهيّته وأسمائه وصفاته، ومتى كانت هذه القضايا الغيبيَّة معتمدة على النص الشرعي في الكتاب والسُنَّة فإِنَّها توجد التصوّر الصحيح والسليم لصاحب هذا القلب في هذه الحياة، وتطهّر القلب من أدران الكفر والشرك، ومن أدران الفسق والمعاصي، أي أنَّهل تطهر القلب من دنس الاعتقادات الباطلة والتصوّرات المنحرفة مطلقاً[38].

     في حديثنا عن الإيمان بالله تعالى، سوف لن نتطَّرق إلى علم الكلام في الإسلام الذي ركَّز جهدَهُ في حديثه عن الله على الأسماء والصِّفات في الله، بل سوف ننطلق من القرآن الكريم مكتفين بما يقوله لنا عن الله تعالى.     

     يستفيض القرآن الكريم في حديثه عن الله؛ أَليس الله الركيزة الأساس في الوحي القرآني؟ فالقرآن الكريم لا يتأخَّر أبداً في برهانه عن وجود الله، أولاً؛ وثانياً ألله هو الذي يحيي ويميت، بعكس ما كان يبشِّر به أهل البدعة الدهريَّة، التي كانت تقول بأنَّ الدهرَ أو القدَر اللاشخصي هو الذي يسيّر حياة البشر[39]. هذه كانت نظرة الأغنياء غير العادلين الذين سلَّطوا أنفسهم على الفقراء، ظالمين إيَّاهم. أمَّا القرآن الكريم فيُدين هذا الموقف الذي يتناقض والأخلاق[40]، والذي هو نتيجة القدريَّة[41].     

     يتكلَّم القرآن الكريم أيضاً على آيات الخليقة التي هي إشارات وأدلَّة من الله. كلُّ المخلوقات وكلُّ ظواهر السماء والأرض “تتكلَّم عن الله”، وبنوع خاص الإنسان، الذي في مولده وفي نشأته ومن خلال مَلَكاته ودوره كوسيط للمخلوقات الأُخرى هو دليل الله المميَّز[42]. إنَّ من الملاحَظ أَنَّ هذه الأدلّة تشير بطريقة مباشرة إلى وحدانيَّة الله، الحقيقة الكُبرى التي يكرز بها القرآن الكريم. زِد على ذلك بأنها ليست إثباتات مقنِعَة لغير المؤمنين الذين لا يريدون أن يؤمنوا، ولكن هي إشارات للقلوب المهيَّأة؛ إِذن هي أدلّة للمؤمنين[43].

     إِذن هل يمكن للمؤمن المسلم أن يَشُكَّ بوجود الله خالق السموات والأرض[44] أَلله هو الوحيد موجود حقّاً وأَبداً، وسائر المخلوقات موجودة ولكن بطريقة التبعيَّة، لأَنَّها بدأت بزمن وسوف تنتهي بالاضمحلال، واستمراريتها في الوجود أساسه خلق الله لها باستمرار، لأَنَّه ليس بباقٍ سوى وجه ربّك الكريم[45].

ثانياً: الإيمان بالملائكة:

     “والإيمان بالملائكة قضيَّة غيبيَّة أيضاً لأَنَّ الملائكة مخلوقات غيبيَّة لا نستطيع أَن نراها، ولكنَّ الله تعالى أَخبرنا عن دورهم تجاهنا في هذه الحياة والذي منه مراقبة أَعمال الإِنسان وتسجيلها عليه، فقال: ﴿ولقد خلقنا الإِنسانَ ونعلمُ ما تُوَسوِسُ به ونحن أَقرَبُ إليه من حبلِ الوريد. إذ يتلقَّ المتَلَقِّيان عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ. ما يَلفِظُ من قولٍ إلاَّ لديه رقيبٌ عتيدٌ[46]﴾.

وقال: ﴿وإِنَّ عليكُم لحافظينَ. كراماً كاتبينَ[47] ﴾.

     فمن الملائكة من هم مكلَّفون برصد أعمال ابن آدم ليُحاسَب على عمله في هذه الدنيا من خير أو شرّ، فالإيمان بهم يحمل على الاحتراس من الانحراف والتعدّي على حقّ الله تعالى وحقوق الناس[48]“.

      الملائكة ليست ببشر وليست بآلهة أَيضاً. الملائكة والشياطين يحتلّون مركزاً مهمّاً في القرآن والحديث. ويلعبون دوراً هامّاً في العقليَّة الشعبيَّة الإسلاميّة.

الملائكة في القرآن الكريم:

     يَرِدُ في القرآن الكريم تعبير “ملاك” جمع ملائكة من الجذر لَأَكَ أي أرسَلَ. إن طبيعةَ الملائكة غير محدَّدَة في القرآن الكريم، الذي يصفهم بكائنات بني الله والبشر، نازلين وصاعدين من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء[49].

     في الآية الأولى لسورة فاطر، يوجد شرح على الملائكة، فهم بحسب هذه الآية، رسلاً قبل كل شيء ولهم أجنحة يتراوح عددها بين المثنَّى وثُلاث ورُباع[50].

     يوبّخ القرآن الكريم أهل مكَّة لأنَّهم جعلوا من الملائكة كائنات أنثويَّة[51]، ولأنَّهم قالوا أيضاً أن الملائكة هم بنات وُلدنَ من الله[52].

    إنَّ الطبيعة الروحيَّة للملائكة موجود في التقارب ما بين الملائكة أنفسهم والروح[53]. فكلمة “الروح” في القرآن الكريم لها معان كثيرة. أحياناً تدلّ على نسمة الحياة الإلهيَّة التي خلقت آدم[54]، وكلّ إِنسان[55] وبنوع خاص عيسى عندما خُلِقَ في أحشاء مريم بواسطة روح الله فقط الذي نفخه اللهُ في فرجها[56]. وتدلُّ أيضاً كلمة الروح على الروح الذي أيَّد الله عيسى[57]، والمؤمنين[58]. كما تشير أحياناً إلى ملاك أو بشراً سويّاً يتراءَى لمريم[59]، أو يعطي الوحي لمحمَّد نبيّ الإسلام[60]. ولكن كما أَنَّ الآية السابعة والتسعين من سورة البقرة تُسَمّي بوضوح جبريل في تنزيله للقرآن الكريم، من هنا إقرار السُنَّة ودمجها لجبريل بروح الله، بنوع خاص في الترائي لمريم ومولد عيسى، كما في تنزيل القرآن الكريم وسائر الكتب الموحاة.

      نرى أنَّ القرآن الكريم يسمّي أيضاً البعض من الملائكة كجبريل[61]، وميقال[62] ومالك الملاك الموكل بجهنَّم. سنكتفي بهذا القدر عن الملائكة مع العلم بأنَّه هناك أيضاً الشياطين والجنّ والعفاريت.

ثالثاً: الإيمان بالكتب:

    “الإيمان بالكتب أَيضاً من الإيمان بالغيب، لأَنَّ هذه الكتب نزل بها ملكُ الوحي جبريل وهو من المخلوقات الغيبَّية ـ وتشتمل هذه الكتب على مضمون الوحي الإلهي إلى الرسل الذي يهدف إلى تقويم هذه النفس البشريَّة، وتصحيح مسارها في هذه الحياة كما قال تعالى: ﴿لقد أرسَلنا رُسلَنا بالبيِّنات وأَنزَلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقِسطِ[63]﴾ (سورة الحديد: الآية 25).

     الله يتكلَّم أو يتوجَّه نحو البشر الذين هم الأنبياء. يتوجَّه نحو البشر من خلال البشر الذين هم الأنبياء. يتوجَّه نحوهم وحدهم مباشرة، وليس للآخرين[64]. ويتوجَّهُ نحو الأنبياء بكلامٍ واضحٍ أو بوحي[65]، بنوع خاص بتنزيل كتاب يصبح النبيّ مكلَّفاً بقراءَته أو بتلاوته للشعب الذي أُرسِلَ إليهم[66].   

     مع موسى وإبراهيم عُرِفَ الكتابُ بالصُحُف[67] أمَّا في المرحلة المكيَّة الثانية فقد إِستحَوذ على تعريفه الصحيح مع خصائصه فعُرِف مُذَّاك الوقت بالكتاب، لأنَّه كلمة الله وأمُّ الكتاب[68]، الموضوع منذ الأَزَل على اللوح المحفوظ[69] وقد أُنزِلَت تباعاً في الزمن على بعض الأنبياء الكبار كموسى وداوود وعيسى ومحمَّد. في المدينة، عرفنا أنَّ الكتاب الذي أُنزِلَ على موسى سُمِّيَ بالتوراة[70] والذي أُنزِل على داوود اسمُه الزَبور[71] والذي أُنزِلَ على عيسى سُمِّيَ بالإنجيل[72].    

     ولكن في المدينة تبرز مشكلة كبيرة. في مكَّة ما قبل الهجرة كان النصّ القرآني يرجعُ إِلى الكتب الموحاة سابقاً[73]، لأنَّ هذه الكتب الموحاة تدخل في سياق الوحي الواحد والمتتابَع للكلمة الأزليَّة الذي أُنزلَ كما قلنا سابقاً على موسى لليهود وعلى عيسى للمسيحييّن وعلى محمَّد للعرب بلسانٍ عربيٍّ مبين[74]. ولكن في هذه المدينة بعد الجدل والصراع مع اليهود والمسيحييّن، بدأت الاختلافات تظهر بين كتبهم والقرآن، إِن كانَ على نقاطِ تفصيليَّة إِمَّا على الدَور التمثيلي الأهم للكتاب الأصحّ الذي كان كل طرف يتنازع عليه. لهذا السبب اتَّهمَ القرآن اليهود والمسيحييّن بتحريف كتبهم[75]، التي كانت في الأساس قبلاً لا تختلف ومضمون القرآن، الذي سوف يصبح معيار الدقَّة والثِّقة الحقيقيَّة للكتاب[76]. يتابع القرآن طالباً من المسلمين أن يؤمنوا بكلّ الكتب، ولكن الأهمّ والكافي الوحيد هو الإيمان بالقرآن، الذي يُعيد ويلخِّص كل الكتب الموحاة سابقاً[77].   

رابعاً: الإيمان بالرسل:

“والرسُل هم الذين اختارهم الله تعالى لتبليغ رسالاته إلى البشر، بحسب المراحل الزمنيَّة التي تمرّ بها البشريّة، وهم مؤتمنون على هذا البلاغ، فالإيمانُ بهم ركن من أركان الإيمان ولا يصحّ إيمان المرء إلاَّ بالإيمان بهم جميعاً.

      ﴿ لا تُفَرِّقُ بين أحدٍ من رسُلِهِ[78]﴾.

      والإيمان بهم إيمان بالغيب أَيضاً، وذلك لأَنَّ الرسلَ من البشر كما قال تعالى: ﴿قُل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ[79]﴾. ولكنَّهم امتازوا عن غيرهم من البشر بنزول الوحي عليهم من الله تعالى وهذا الوحي غيب، فإِذن الإيمان بالرسل إيمان بالغيب، وقد كلَّفهم الله تعالى بتبليغ هذه الكتب السماويَّة إلى أممهم ليضبطوا حركتهم في حياتهم بتعاليمها، فيحفظوا أَنفسهم من كيد شياطين الجنّ والإِنس[80]“.

     أَللهُ خالق البشر، كشف عن ذاته بطرقٍ شتّى، من خلال مخلوقاته التي تتكلَّم عنه، ومن خلال تدخلاته في التاريخ، ولكن بنوعٍ خاص تكلَّم مع البشر من خلال أُناسٍ اختارهم ليتكلَّموا بإسمه، هؤلاء هم رسله وانبياؤُه. البعض منهم أُوكِلوا برسالةٍ ليبلّغوها، وهذه الرسالة هي كلمة الله.

      الرسالات النبويَّة الهادفة مهمَّة الأنبياء تتلاقى ونصوص الكتاب المقدَّس بعهديه، القانونيَّة وغير القانونيَّة، ناهيك عن تقاليد عربيَّة تقوم على دور الرسُل هود وصالح وشُعَيب. النصوص النبويَّة مؤلَّفة بشكل عام من ثلاثة أقسام: الأوَّل يتكلَّم على الدعوة للإيمان بالقرآن والثاني يتكوَّن من مضمون الرسالة وهدفها والثالث كناية عن خاتمة فيها تنبيه للكافرين أو لغير المؤمنين للعقاب الذي ينتظرهم إذا رفضوا الإيمان؛ نستطيع القول بأنَّ جميعَها لها هدف الإِنذار، وذلك يكمن في دلالتها على الشعوب التي رفضت رسالة النبيّ الذي بعثه الله إليها، وكيف نالت العقاب. كما أَنَّ سلوكَ الأنبياء يصلح كمثال للفضائل التي يجب أن يتمتَّع بها المؤمن الحقيقي.

     تظهر لنا دعوة ورسالة النبيّ من خلال المنحنى النبويّ في القرآن الكريم. فكلُّ نبيٌّ ومُرسَل أو رسول هو بشرم مائت يختاره الله من وسط شعبه يبعثه إليهم، متكلِّماً لغتهم. ليس النبيّ معصوماً دائماً عن الأخطاء مثل آدم وشجرة الخلود أو موسى وعدم تحلّيه بالصبر تجاه مرشده الإلهي. ولكن للنبي الخصائل اللازمة لرسالته، وبنوع خاص الصدق، الذي يسمح له أن يُبَلِّغ الرسالة الإلهيَّة بدِقَّة وأمانة. جوهر هذه الرسالة عند جميع الأنبياء هو ثابت لا يتغيَّر ألا وهو عبادة الله الأوحد وحدَه. كما ينبغي على النبي أن يحذِّر الكافرين من العقاب الذي ينتظرهم وأن يتلوا على المؤمنين بشارة الجنَّة الحسنة. النبي يدعو إلى الإيمان ويذكّر بالتوحيد المحفور في قلب الإنسان حتّى قبل مولده والذي بشَّرَ به الأنبياء السابقين، النبيّ يُبَلِّغ، يعلِّم ويُشَجِّع. يتجاهله دائماً شعبه، ما عدا قلَّة صغيرة من المؤمنين، فيصبح منبوذاً ومُضْطَهَداً، ولكن مَحميٌّ ومُخَلَّص من الله، وسوف يكون في يوم الدنيوية شاهِدٌ على الكافرين من شعبه[81].     

     يؤلِّف الأنبياءُ عائلةً واحدة تبدأ بآدم، وتهدف إلى إحلال الوحدة في الجنس البشري؛ هذه الوحدة التي حطَّمتها الانقسامات بين البشر وعبادة الأوثان. رسالتهم هي دائماً نفسها، وكل نبيّ يصدِّق على ما قاله جميع الأنبياء قبله. لذلك يجب الإيمان بجميع الأنبياء من دون استثناء أي منهم[82]، وهكذا يمكن إعادة الوحدة بين البشر في الأُخوَّة للإيمان الواحد[83]

خامساً: الإيمان باليوم الآخر.        

     “الإيمانُ به إِيمانٌ بالغيب أَيضاً، لأَنَّ وقت اليوم الآخر لا يعلمه إلاَّ الله تعالى ﴿ يسألونَكَ عن الساعة أَيَّانَ مُرساها فيمَ أَنتَ من ذكراها. إلى ربّكَ منتهاها[84]﴾. ﴿يسأَلُكَ الناسُ عن الساعة قُلْ إِنَّما عِلمُها عِندَ الله[85]﴾.

      والإيمانُ باليوم الآخر الذي هو محل حساب الإِنسان على ما كان قد عمله من خير أو شرّ في هذه الحياة الدنيا، يحملُ المرء على الاستقامة في علاقته مع الله تعالى وفي علاقته مع الناس فيسعد الفرد والمجتمع ويسود العدل والإِحسان[86].

سادساً: الإيمان بالقدر خيرهُ وشرُّهُ:       

     سوف نكتفي أيضاً بما كتبه الشيخ الدكتور زكريّا عبد الرزّاق المصري في كتابه الأصول والثوابت وأثرها في وحدة الأُمَّة الإسلاميَّة: “فالإيمان بالقدر خيرُه وشرُّه من الله تعالى إيمانٌ بالغيب أَيضاً، لأنَّ القدر علمُ الله تعالى السابق الأزليّ في اللوح المحفوظ لا نعلم عنه شيئاً، ﴿وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أَرضٍ تموتُ[87]﴾. ﴿وعنده مفاتحُ الغيبِ لا يعلمُهَا إلاَّ هُوَ[88]﴾.

    وبما أنَّ ما قدَّره الله تعالى كائنٌ لا محالة ونحنُ لا نعلمه حتى يقع، فإنَّ الإيمانَ به يبعثُ على التسليم والرضا بالقدر مع السعي إلى معالجة آثاره بدلاً من التحسُّر والتندُّم على ما حصل فقد قال ( صلعم) (وإِذا أَصابَك شيءٌ فلا تقل لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا، فإنَّ “لو” تفتح عمل الشيطان)[89].[90] 

     هذه هي أركان الإيمان في الإسلام جميعها، أمَّا أَركان الإِسلام فهي خمسة: الشهادتان، الصلاة، الزكاة، الصيام والحجّ؛ وهناك أيضاً من يزيدون عليها ركن سادس ألا وهو الجهاد.

     في تعريفنا للإسلام، وُجبَ علينا أن نزيدَ على ما كتبناه سابقاً، قائلين أَنَّه إِذا أَردنا الوقوف على الإسلام لكي نتعَّرفَ عليه، وُجبَ علينا وذلك أَقلَّهُ أَن نقرأ القرآن الكريم مع مرجع ثقة لتفسير الآيات وشرح سبب نزولها، ناهيكَ عن علم الحديث وعَلم الفقه والإطّلاع على السُنَّة الشريفة المطهَّرة، دون أن ننسى التاريخ الإسلامي. ولكن بما أنَّ موضوع بحثنا لا يهدف التعُّمق في الإسلام مباشرة، سوف نكتفي بهذا القدر في تعريفنا للإسلام وننتقل للتعريف على الآخر.

العلوم الإنسانية والآخر

القسم الثاني:

الفصل الأوّل: بعد أن تكلَّمنا على المسيحيَّة من حيث عقيدتها وعلى الإسلام من حيث عقيدته، بقي لنا أن نتكلَّم على الآخر، وهكذا نكون قبل البدء في قطف مفاهيم المسيحية والإسلام نحو الآخر، قد أَعطَينا كلّ مفردة من هذه الثلاث أي “المسيحيَّة والإسلام والآخر” والتي ثلاثتها تؤلِّف وحدة عنوان موضوعنا، حقَّها بالتعريف.

     يبقى الإنسان الموضوع الأهمّ، إِن لم نقل المادَّة الأساسيَّة لمطلَق أيّ طرحٍ أردنا أن نقوم به، إن كان على الصعيد الديني أم التاريخي، أم الاقتصادي أم السلمي، لكي نصل إلى عناوين لا حدَّ لها رقميّاً، نغوصُ من خلالها في أعماق إنسانيَّة الإنسان مع كلّ الحدود التي تشكّل محدوديَّته، الأمر الذي يجعل منه إِنساناً بكلّ معنى الكلمة، وإلاَّ لكانَ قد أصبح إِلهاً منذ زمن بعيد.

     أَمَّا الذي يزيد من عظمة وروعة الإنسان، هو العقل الذي منحه إيَّاه الله تعالى وميَّزه به عن سائر المخلوقات، فجميع الأشياء كانت بوجود الإنسان أم لا، تأخذ معنىً لوجودها وإِستمراريتها انطلاقاً منه، لأنَّه الوحيد الذي بإِمكانه أن يعقلَ المتحرِّك والجامد.

      يتميَّزُ الموضوع الديني هنا بأهميَّة الإنسان كما قُلنا سابقاً، ولكن هذه الأهميَّة تأتي بعد أهميَّة أكبر منها وأعظم، أَلا وهي أهميّة الله تعالى، والتي هي أساس الوحي في الديانات السماويّة، ومصدر سعادة وخلاص الإنسان في الدنيا والآخرة. بالطبع هذا كلُّه يفهمه المؤمن الذي يسلِّمُ بهذه المسلّمات، أمَّا بالنسبة لغير المؤمن الذي ينكر الوحي الإِلهي والذي لا يبني للدين أيَّ اعتبار، يرى أقلَّهُ أصحاب الأديان إخوةً له في البشريَّة، كما يَرونه هم أنفسهم أخاً لهم في الإنسانَّية، واجب احترامه ومحبَّته.

     موضوعُنا الذي أردنا دراسته هنا، “المسيحيَّة والإسلام والآخر”، مهمٌّ ومفيد. مهمٌّ لأَنَّه سوف يضيء على جوانب سنكتشف من خلالها على بُعد احترام الإنسان في كلتي الديانتين المسيحيَّة والإسلاميَّة. والآخر هنا يمكن أن يكون المسيحي بالنسبة إلى المسلم أو المسلم بالنسبة إلى المسيحيّ أو حتَّى صاحب ديانة أُخرى ليست بكتابيَّة. أو حتَّى آخراً لا يؤمن البتَّة بالله تعالى. أو حتَّى المرأة التي يعتبرها البعض من “العالم الذكريّ” الآخر، هي التي بدأت منذ زمن طويل تتسابق والرجل على مراكز رفيعة في مجالات شتّى، كانت في الماضي السحيق محظورةً عليها.

      ولكن بما أنَّ موضوعَنا هنا يُعالجُ الآخر من خلال منظارَي المسيحية والإسلام لا غير، سوف نكتفي بهذا القدر في بحثنا مخافةَ أن يطولَ بنا الكلام، وأن نخرج عن صلب الموضوع.

     موضوعنا مفيدٌ أيضاً لأنَّه سوف يُضفي على الحوار الإسلامي المسيحي بُعداً أساسُه المنطق، دون إستثناء المحبَّة والإحترام في نفس الوقت.

 الآخر، من هو؟

     قبلَ أَن نبدأَ بالإجابة على هذا السؤال، يتحتَّم علينا أَن نَضَعَ الأُطر التي من خلالها نستطيع أن نتحرك بسهولة أكبر، لذلك وُجبَ علينا أن نضَع موضوعَنا أمام إِحدى العلوم الإنسانيَّة، كعلم الفلسفة أو التاريخ.

     لنرى بدايةً من هو الآخر بالنسبة للتاريخ أو لعالِم التاريخ.

     قبلَ كلِّ شيء، عندما يتناول علم التاريخ موضوعاً ما، يبدأ بتوجيه انتباهه للخارج، أي لكلِّ ما هو موجود خارجاً عنه، زِد على ذلكَ بأَنَّه مُطالَب بأن يكون أميناً في أدائِهِ عمله، أي بمعنى آخر بأن يكون موضوعيّاً أي أن يكون غائباً شخصيّاً في عمله حاضراً فقط من خلال أسلوبه الكتابي. إذَن كلُّ ما ينتُجُ عن الآخر أو الآخرين حتّى وإن لم يكن على اتِّفاق مع رغبات أو ميول الكاتب، اللهمَّ إذا كان الكاتب أميناً على نقلِ كلّ ما يراه بأمانةٍ علميّة وموضوعيَّة، يبرهن على مدى الجديَّة التي يعمل من خلالها التاريخي.

     بشكل عام التاريخي لا يهتمّ كثيراً للآخر بل لنقل للآخرين أي لحالة الجميع، لأنَّ ما يهمّه بالأكثر ليس الوقوف على مجريّات فرد واحد ولو عَظُمَت، ولا حتى على الدوافع النفسيَّة للفرد التي تُفَسِّر لماذا هذا الإنسان قام بذلك العمل، فهذا كلُّه يتركه إمَّا لعالِم النفس إمَّا لعالِم الاجتماع أو الأنتروبولوجيا. اهتمامه بالآخرين ينبثق عن العجلة التي يدور فيها تاريخهم، وبما أنَّه بحاجة لمادَّة تنشأ عن احتكاك العديد من البشر لتولِّد الحدث الذي يُهِمِّهُ، فينشأ عن ذلك أنَّ الآخرين لم يعودوا يحتلّون الصدارة في هذه اللعبة بل أَصبح الحدث ذو العنصر الأهمّ، ولو كان الإنسان هو صاحب الشرارة الأولى. عالِم التاريخ الناجح هو الذي لا يكتب فقط عن الذين يحبّهم أو يشعر بعاطفةٍ تجاههم، بل هو الذي يكتب مؤرّخاً عن الجميع من دون استثناء أحد وبنفس الموضوعيَّة.

     يبقى علينا أن نعرف بأنَّ التاريخيّ يبحث عادةً في الأحداث التي وقعت في الماضي، وكلُّ ما كان هذا الماضي بعيداً في الزمن كلُّ ما كان النقل التاريخي موضوعيّاً أكثر.

     والأشخاص الذي يكتب عنهم التاريخي، يبعدهم عنه عامل الزمن، فإذن بين التاريخي والآخر هناك بعدٌ في الزمن إِن لم يكن هناك أيضاً بعدٌ في الجغرافيا، لأنَّه يمكن لعالم التاريخ أن يكتب عن حدث ما دون المرور بالآخرين وذلك باستناده فقط على المصادر والمراجع. بكلمة واحدة نستطيع أن نختذل عمل علم التاريخ، فهو إِذَن الذي يفكِّر ويكتب في الزمن عن الآخرين. إن معرفة الآخر ترجع التاريخ إلى نفسه ولكن بنظرة شموليَّة ومحقَّة أكثر لهويّة الآخر، الأمر الذي يمكّنه في كسب غنىً أكبر وبالتحديد عند توسيع حدود معرفته ومختبراً اختباراتٍ أخرى.

      أَن يقبلَ بأن يكون الآخر مختلفاً عنه، تاركاً فرض قواعد لعبة تريحه شخصياً، هذه هي أُولى الشروط لنجاح عالِم التاريخ في اتِّصاله مع الآخرين[91]. هذا كان موقف عالِم التاريخ من الآخر والآخرين، فلننتقل الآن لنرى ما يقوله الفلاسفة عن الآخر.

الفلسفة والآخر:

     قلَّ ما قامت الفلسفة في إثبات هويَّة شخص أو شيء ما، بالإعتماد في ذلك على ذاتيَّته دون التطرُّق إلى نقضِ وجود أو إثبات حقيقة وجود كان موجوداً قبله، لكي تستطيع أَن تدعم نظريَّة وجوده أو انتفائه.

     ولكن الأهمّ من كل ذلك هو أَنَّه عندما يقوم مفكّر أو فيلسوف بنقَضِ حقيقة وجود شيء ما أو حتّى لنقل شخص ما، يصبح بذلك ذاك الإنسان غير موجود بالنسبة له، والعكس هو صحيح أيضاً، أي أَنَّه يصبح هو بالنسبة للآخر غير موجود، وهنا تكمن دراماتيكيَّة الفلسفة عند تحليلها للآخر.

     هكذا تصل الغيريّة إلى جدليَّة غير محدودة أي لا نهائيَّة، نستطيع أن نقرأَها، على سبيل المثال في المقاطع ذات الأَرقام 93 و94 في الإنسايكلوبيديا الهيغيليانيَّة:

     “رقم 93: إنَّ مُطلَق شيء يصبح آخراً، ولكن الآخر هو حدِّ ذاته شيئاً، والذي يصبح هكذا بالتمام آخر، الأمر الذي يستمرّ على هذه الحالة إلى اللانهاية.

     رقم: 94: هذه اللانهاية السلبيّة أو الرديئة، بما أَنَّها ليست إلاَّ رفض كلّ شيء ينتهي، والذي بدوره ينبعث لكي يفضي إلى عدم إنحلاله. هذه اللانهاية تُعَبِّر فقط عن جبريَّة الوجود لإنحلال كلّ كائن ينتهي. التطوّر نحو اللانهاية يبقى كامناً في التضادّ الذي يحمله الزائل، والذي هو أيضاً شيئاً كغيره، وهو في الآن معاً المتابعة التي لا تعرف نهاية بين الزائل واللانهائي، إذ هناك تبادل متجاذب بينما إلى ما لا نهاية[92]“.

     تتنوَّع الأفكار حول موضوع الغيريَّة وخصوصاً في الفلسفة، حيث نرى بعض الفلاسفة يأخذون الأرض كمكمِّل للإنسان، أو على الأقل مكمِّل لما نقص عنده؛ بيدَ أننا نرى هيغل الفيلسوف الألماني المتشدِّد في نظريّته على الآخر يقدِّم لنا من خلال جدليّته الشهيرة مكانة وأهميَّة الآخر بالنسبة إلى الفرد. ولكن بهذا لم نكن قد اختذلنا ما قالته الفلاسفة عن الآخر، بل عرضنا مثلاً ولو كان حتَّى نوعاً ما قياسياً، أردنا من خلاله أن نطلَّ به على الفلسفة في نظرتها على الآخر، دون أن ننسى أهميّة الفلسفة في دفع مسيرة الفكر البشريّ مع كل التحديَّات السلبيَّة التي يمكن للفلسفة أن تقدِّمها أثناء ذلك.

     أن نقولَ الآخر، هذا يحتَّمُ علينا منذ البداية أن ننطلق من فردٍ يتمتَّع بفرادة معينة، مع كل ما تحمله من محدوديَّة داخل الزمان والمكان، وإلاّ لكان أَصبحَ مختلفاً عن ذاتيَّته، فاقداً لميّزاته التي تجعل منه هذا الإنسان وليس ذلك أو ذاك. لهذا السبب فمن الطبيعي أن نرى الناس على اختلاف طبائعهم وانتماءاتهم العرقية والجنسيَّة والدينيّة، يحملونَ كلاًّ بمفرده ما يميزّه عن سائر البشر. بالرغم من كل الذي قيلَ ويُقال عن الغيريَّة في العلوم الإنسانيَّة، يبقى الإنسان، هذا الكائن الحرّ، مختلفاً عن سائر الآخرين، لا بل لنقُل أيضاً بأنَّه يبقى مغايراً وأحياناً كثيرة غريباً عن ذاته، إذ أنَّ الإنسان هو سرٌ عميقٌ لا يستطيع أحد أن يسبر أغوار أعماقه إلاَّ الله تعالى، الأمر الذي يجعل منه مختلفاً ليس فقط بالنسبة للآخرين، بل أيضاً بالنسبة لنفسه.

القسم الثاني:

الفصل الثاني: مفهوم الآخر في المسيحيَّة:

     “وإذا أَحدُ علماء الشريعة قد قامَ فقال ليُحرجَهُ: “يا معلِّم، ماذا أعملُ لأَرِثَ الحياة الأَبديَّة؟” فقال له: ماذا كُتِبَ في الشريعة؟ كيف تقرأ؟” فأجاب: أحبب الربَّ إلهَكَ بكلِّ قلبك، وكُلّ نفسِكَ، وكُلّ قوَّتِك، وكُلّ ذهنِكَ، وأحبب قريبَك حُبَّكَ لنفسَكَ”. فقال له: “بالصواب أَحبتَ. إعمَل هذا تَحيَ”. فأَراد أن يُزَكِّيَ نفسَه فَقالَ ليسوع: ومَن قريبي؟” فأَجابَ يسوع: “كانَ رجلٌ نازلاً من أورَشليم إلى اريحا، فوقع بأيدي اللصوص، فعرَّوه وانهالوا عليه بالضرب. ثمَّ مضوا وقد تركوه بين حيٍّ ومَيت. فاتَّفق أَنَّ كاهناً كان نازلاً في ذلك الطريق، فرآه فمالَ عنه ومضى. وكذلك وصلَ لأويٌ إلى المكان، فرآه فمال عنه ومضى. ووصل إليه سامريٌّ مسافر ورآه فأشفَق عليه، فدنا منه وضَمدَ جراحَه، وصبَّ عليها زيتاً وخمراً، ثمَّ حمله على دابَّتهِ وذهب إلى فندقٍ واعتنى بأمره. وفي الغد أخرج دينارَين، ودفعهما إلى صاحب الفندق وقال “اِعتَنِ بأَمره، ومهما أنفَقت زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيه أنا إليكَ عند عودتي”. فمن كان في رأيكَ، من هؤلاء الثلاثة، قريبَ الذي وقَع بأيدي اللصوص؟” فقال: “الذي عامَلَهُ بالرحمة”. فقال له يسوع: “اذهَب فاعمل أَنتَ أيضاً مثلَ ذلكَ”[93].

     في هذه الصفحة الرائعة من إنجيل القدّيس لوقا، يُلخِّص لنا سيّدنا يسوع المسيح، في مثل السامريّ الذي ضربه لعالِم الشريعة، هويَّة الآخر، مع موقفه منه. دون أَن ندخل في شرح النص يتحتَّم علينا أن نشيرَ إلى أهميَّته الكامنة في الانفتاح على الآخر. الآخر بالنسبة للسيّد المسيح، صار القريب، وبمعنى آخر من خلال هذا المثل أسقط سيّدنا يسوع المسيح الحواجز والحدود التي تفصل بين الشعوب والأمم وحتَّى بين الأديان، لكي يجعل من الآخر، بغضّ النظر عن انتماءاته الدينيَّة والإيديولوجيَّة والسياسيَّة ناهيكَ عن لونه ومصدر جنسه، قريباً للإنسان. إنَّ الأفعال التي قام بها السامريّ (وصل إليه، رآه وأشفق عليه، دنا منه وضمد جراحَه، وصبَّ عليه زيتاً وخمراً، ثم حمله… وذهب به…. واعتنى بأمره….) إِن دلَّت على شيء إنَّما تدلُّ على المحبَّة، لأنَّها إن دلَّت فقط على الرحمة والشفقة كانت مبعثاً لموقف إنساني، سوف يُجابَه على الأرجح إِمَّا بالرفض، وإمَّا بشعور غير محبَّب، يبعث الذلّ في نفس المحسَن إِليه. أمَّا الذي يركّز عليه سيّدنا يسوع المسيح فهو المحبَّة التي يجب أن تكون أساس أعمال الرحمة.

     الإنجيل من اليونانَّية يعني البُشرى السَّارّة، وبعبارات قليلة هو الكتاب الذي مفاده أَنَّ الله محبَّة؛ والمسيحيَّة تركز عليه كإرتكاز الإنسان على الطعام والماء والهواء كي يستطيع الاستمرار في الوجود، لأنَّ كلمة الله هي قلب وروح اللاهوت، ولا يمكن للمسيحيَّة أن توجَد ولا أن تستمرّ بدونها.

      أين يمكننا أن نرى هذه المسيحيَّة المبنيَّة على كلمة الله وبكلمةٍ على المحبَّة. هل نستطيع أن نقول بأنَّه فقط نجدها في الطوباويّين والقدّيسين الذين تطوّبهم وتقدِّسهم الكنيسة؟

     بالرغم من أنَّ المسيحيَّة بتعاليمها وبمثاليّتها بنوع خاص تبقى تحدٍّ كبير لكل مسيحي. تعالوا لكي نفحص الضمائر أمام كلمة الرب: “أحبّوا أعداءَكم، وأَحسنوا إلى مبغضيكم[94]“.

     لنرى هل كانت المسيحيَّة أمينة لكلمة مؤسِّسها أم لا. قبل كل شيء يجب أن نعي شيئاً مهمّاً جداً عند كلامنا على المسيحيَّة. فالمسيحيَّة هي ذو وجهين، الوجه الإلهي والوجه الإِنساني. والوجه الإِلهي نجده حاضراً في الملكوت وذلك على وجهٍ تام، وبما أَنَّ الملكوت الذي ابتدأ بمجيء سيّدنا يسوع المسيح أي بتأنُّس الإِبن أي الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس ودخوله في الزمن، ولم يحلّ الملكوت بصورة نهائيَّة بعد؛ من هنا الطلب الملحّ في الصلاة الربيَّة عند المسيحييّن “ليأتِ ملكوتك” يثبّت كيف أن هذا الملكوت الذي يتوق إلى إحلاله المسيحيّون، هو ملكوت الله الذي تحمل الكنيسة أي الجماعة المسيحيّة بذروه في داخلها. أَمَّا الوجه الإِنساني فهو الذي يحمل بين طيَّاته كل مجد وضعف الجماعة المسيحيَّة. أَن نقولَ ضعف، وهذا يتطابَق مع نهج كل الجماعات الإنسانيَّة وحتَّى الأفراد بمختلف انتماءَاتهم الدينيّة، لأنَّ الإنسان هو واحدٌ من خلال إختباراته أَينما حلَّ وفي أيِّ زمان كان. ولكن يبقى أن نقولَ بأَنَّ المسيحيَّة لا ترضى أبداً بالوهن وألوانه. لأنَّها مدعوَّة لكي تجعل كفَّة ميزان الوجه الإلهي منتصرة وليس العكس. فكلُّ الحروب والإبادات والتنقيَّات العرقيَّة والدينيّة التي ارتكُبِت بإسم الله وبإسم المسيحيّة، مرفوضة قطعاً من المسيحيّة، وكلُّ الذين قاموا بها أو على الأقل كانوا مسؤولين عنها هم غرباء عن المسيحيّة وهي بريئة منهم. في هذا السياق كلمة حقٍّ تقال عن المسيحيّة المشرقيّة التي تميّزت منذ أوَّل يوم من وجودها في الشرق حتَّى اليوم، بإنفتاحها نحو الآخر والذي نجده واضحاً من خلال تعايشها مع كل طبقات المجتمع التي تنتمي إليه، وكل الأديان التي تؤلِّف فسيفساء هذا الشرق البديع. هذه كلها عاشتها المسيحيَّة وتعيشها حتى يومنا هذا، وأحياناً مسدّدةً فاتورة مرتفعةً جداً من أجل بقائها وإِستمراريّتها. ومن خلال الإعتراف بوجود الآخر، وبنوع خاص المختلف عنَّا من نواحٍ عديدة، والخضوع له بإحترام، يُعَدُّ أمراً صعباً جداً، على الأقلّ من الناحية الإنسانيّة، البشريّة المحض. ناهيكَ عن أنَّه صعبٌ أيضاً التواصل مع الآخر مع عدم التخلّي عن الفرادة التي تميّز الكائن البشري.

     هذا الأَمر أصبح شبه واضح عن المسيحيّين الذين يفقهون أنَّهم أصبحوا موجودين في بشريَّة تنتمي أو لا تنتمي إلى أديان أُخرى. مع كل ما تحمله هذه الحقيقة من قبول أو رفض للآخر، والذي يمكن أن نراها معكوسة في المثل الشهير الذي استُعمِل في القرن الخامس حتّى السادس عشر الميلادي والذي كان يقول: “ليس هناك من خلاص خارج الكنيسة”. لسنا هنا بصدد عرض إكليزيولوجي شامل لنرى ما هو موقف الكنيسة من الأديان الأُخرى، ولكن يحقّ لنا طرح تساؤلات لا حصر لها عدداً في هذا المضمار، يمكن تلخيصها في سؤال واحد يستطيع أن يجعلها حاضرة بقوَّة. أَلا نرى في الصليب علامة الخلاص والغفران، مساحةً للاتِّصال والمشاركة مع الآخر؟ هكذا فبالنسبة للمسيحييّن في إتِّصالهِم مع الديانات الأخرى بدون فقدانهم قِيَم إيمانهم، لهو إعتراف جديد بأنَّ حقيقة الآخر ليس فقط غريبة أو بعيدة عنهم ولكنها مهمَّة وضروريَّة أيضاً. المسيحيَّة التي تعترف بميِّزاته تعترف أيضاً بوجودها في تاريخ خاضع لضعف وأخطاء أناس عاشوا في مراحل مختلفة من التاريخ، الأمر الذي يدفع بالمسيحيّة بأن تقترن دائماً بالمحبَّة، لذلك ليس هناك من محبَّة تامَّة خارجاً عن الإتصال بالآخرين.

     هنا يكمن أيضاً عمل الروح الذي يعود إلى الحقيقة الكاملة. ولكن الروح يعمل في التاريخ خارج إِطار الكنيسة وحدودها أيضاً، فكلمة الله تلقي أيضاً بذورها في أثلام الوثنيّين وغير المسيحييّن. المسيحيَّة إذن هي شاملة لأنّها تحمل الخلاص للعالم أَجمع وهي ليست بتوتاليتاريَّة لأنَّها لا تخاف إذا سُئِلَت عن إيمانها، بل تترسَّخ أكثر وأكثر بالإنتفاح نحو الآخر عندما ترى بنوع خاص في الديانات الأُخرى سبباً جوهريّاً لكي تشهد لإيمانها بالقول وبالفعل كذلك. المسيحيّون مدعوون، إذا أرادوا الدخول في حوار مع الديانات الأخرى أن يتجرّدوا من ترسبات كثيرة غير ضروريَّة للإيمان. المسيحي لا يخاف أن يعرض صدره للآخر، لأنَّ مسيحيَّتَهُ عليها دائماً أبداً أن تصبح أكثر مسيحيّة. الشيء الذي نراه واضحاً في الأمر الذي يوجِّهه سيّدنا يسوع المسيح عند كلامهِ في محبّة الأعداء، “أحبّوا أعداءَكم[95]” إذا كان من السهل محبَّة الله الذي لا نراه ومحبَّة القريب الذي نعرفه ونحبّه، فمن الصعب محبَّة الذين لا نراهم وبنوع خاص محبَّة الأعداء الذين يكرهوننا ويبغضوننا ويريدون لنا السوء.

     في العهد القديم طلب الله من خلال الشريعة التي أعطاها موسى، من شعبه أي اليهود، محبَّة الغرباء[96]. ناهيكَ عن طلبٍ آخر لا يقلّ عن الأوَّل أهميَّة ويتمثَّل بالتصرُّف بمحبَّة مع الأعداء[97]. ولكن هيهات! فانغلاقهم على الآخرين، واستعلاؤهم أيضاً القائم على تبجُّحهم المركّز على عقيدة الشعب المختار قد أفدى بهم بسنّ قوانين تخالف الشريعة الإلهيَّة[98]، لأَنَّ مفاد الوحي الإلهي لهم، هو اشتراك الأمم الأخرى بعبادة الإله الواحد، الأمثلة كثيرة في هذا الشأن بالعهد القديم، نكتفي بمثَل يونان النبيّ الذي أُرسِلَ إلى أهل نينوى لكي يبشّرهم بالتوبة وبالإله الواحد. سيِّدنا يسوع المسيح سوف ينزع أقنعة التقاليد الخاطئة وتفسيراتها القائمة على الأنانيَّة لكي يجعل مكانها شريعة المحبَّة: “وأمَّا أنتم أيها السامعون، فأقول لكم: أحبِّوا أَعداءَكُم، وأَحسِنوا إلى مبغضيكُم، وباركوا لاعنيكُم، وصلّوا من أجل المفتَرينَ الكذبَ عليكم. من ضربك على خدِّكَ فاعرِض له الآخر. ومن انتـزع منكَ رداءَكَ فلا تمنعه قميصَكَ. وكلُّ من سألكَ فأَعطِه، ومن اغتَصَبَ مالكَ فلا تُطالِبُه به.

القسم الثاني:

الفصل الثالث: مفهوم الآخر في الإسلام

     هناك فرقٌ كبير بين ما نراه في الإسلام وما نراه في المسلمين. فليس كلُّ من قال أنا مسلم هو مسلم. وخيرُ الأدلَّة نقطفها عند رؤيَتنا بلادَ المسلمين تقع في قبضة الاحتلال الأجنبي الذي استعمل ويستعمل خيرات ومرافق ومطارات الدول الإسلاميَّة الأُخرى لتنفيذ مآربه، الأمر الذي نراهُ أَيضاً عند الجماعات والديانات الأُخرى، يا للأسف الشديد.

     لنعود ونرى الآن موقف الإِسلام من الآخر. بالنسبة للإِسلام الناس جميعهم هم أبناء العائلة الإنسانيَّة، وكلّهم لهم الحقّ في الوجود والعيش بكرامة دون استثناء أو تمييز، فالإنسان مكرَّم في نظر القرآن الكريم، دون النظر إلى عرقه أو مذهبه أو طائفتهُ ﴿ولقد كرَّمنا بني آدم[99]﴾، وما إختلاف البشر في لغاتهم وأعراقهم وأَلوانهم، إلاَّ آية من الآيات الدالة على قدرة الله العظيمة ﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وأَلوانكم في ذلك لآيات العالمين[100]﴾.

     وهذه الإختلافات لا يمكنها أن تكون أساساً في التباعد والتنافر والعداوة والإِقتتلال، بل عليها أن تكون أساساً للإحترام والتعاون على الخير والمصلحة العامَّة ﴿يا أيها الناس إِنَّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا[101]﴾، أمَّا الإمتياز الذي يستطيع المؤمن في الإسلام الحصول عليه، فهو قائم على إيمانه بالله ﴿إِنَّ أكرمكم عندَ الله أَتقاكُم[102]﴾.

     بدون أيّ شك أَنَّ الأُسُس التي أرساها الإسلام في مفهوم التسامح والتعايش مع الآخرين هي صالحة للمضيّ بها في كلِّ بقعة، فالتاريخ الإسلامي يشرح كيف كان المسلمون يتواجدون مع الآخرين الذين هم من مللٍ مختلفة سماويّة وأَرضيَّة جنباً إلى جنب، حيث كان الجميع يعيش في حريَّة دينيَّة ممارساً كل أشكال الحياة العلميَّة والإجتماعية، وصولاً إلى تولّي المناصب العُليا في الدول والخلافات، والأمثلة كثيرة جداً في هذا السياق. زِد على ذلك أَنّه من الناحية الوجوديَّة لا يوجد شيء في الإسلام يُشَرِّع إلغاء الآخر، ولو كان هذا الآخر مخالفاً للمسلمين في الدين، فيبقى إنساناً له كافة الحقوق الإنسانيَّة.

     عند إلتقاء الحضارات والشعوب، وبالتحديد بعدَ الانتهاء من زمن الفتوحات، الأمر الذي حصل في شبه جزيرة إيبرية والتي كانت نتائجه الحسنة على البشريَّة جمعاء من حيث الإستفادة، وذلك بمضامير كثيرة؛ دون إغفال ذكرى الشعوبيَّة التي قامت أَثناء الخلافة العبَّاسيّة في مدينة السلام، هذه كلُّها مدَّت البشريَّة بزخمٍ جديد كانت بحاجة له، لم تكن لتقومَ حقيقةً لو لم تتوفَّر شروط اللقاء بين الشعوب وحضاراتها. فهل هذه الحضارات والشعوب اليوم مع أَديانها، لديها أشياءً جديدة تتحِفُ بها البشريَّة من خلال لقاءاتها ببعضها البعض؟     

القسم الثالث:

أهميّة الحوار الإسلامي المسيحي اليوم

     هل نستطيع أن نستمرّ بالعيش هكذا أم نحن مدعوّون لكي نقوم بخطوات، حتّى وإن كانت صغيرة وخجولة، بهدف لقاءٍ صريحٍ وحوارٍ مثمر؟

     في السابق كان الإِسلام يقسّم الكرة الأرضيَّة إلى بلاد الإسلام “دار الإِسلام”، وبلاد الحرب “دار الحرب”. والذي يعني أنَّ كلَّ ما هو خارج الإسلام “دولة الإسلام” على الإسلام أَن يكون معه في حالة حرب. نفس الشيء في العصور الوسطى المسيحيَّة، كان متواجداً عند المسيحييّن الكاثوليك، حيث كانت الممالك المسيحيَّة تعتبر الإِسلام كأرضِ الأعداء، وبدلَ تسميتهم بالشرقييّن كانوا يسمّونهم “سرَّازان”، ناسين أَنَّه على الأرض التي وُلد عليها سيّدنا يسوع المسيح له المجد كان هناك مسيحيّون يشهدون له من خلال إيمانهم وحياتهم.

      ولكن اليوم لا نستطيع أن نكمل هكذا، وذلك من أَجل عدة اعتبارات. أهمُّها تداخل الشعوب والثقافات والأديان ببعضها البعض من مشرق الشمس إلى مغربها. وثانياً وجود التكنولوجيا المتطوّرة جداً، وسائل الإعلام، الإتِّصالات، الإنترنت…. جعلوا من عالمنا أكثر صُغراً والمسافات أقصر بكثير من السابق. ثالثاً هذه الموجة الجديدة التي تُحَدِّثنا بحوار الثقافات وبحضارة وثقافة الحوار أو الحوارات.

     يبقى علينا أَن نعرف أنَّه من أجل الحوار مع مُطلق أيَّ ديانة، وهذا يتطابقَ أيضاً والإسلام، بأنَّنا مدعوين مسلمين ومسيحييّن أَلاَّ ننسى الآتي:

  1. من أجل قيام حوار حقيقيّ بنَّاء ونافع، على كل الأَطراف أن يدعوا بالعمل الصالح والموعظة الحسنة.
  2. أَلاَّ يذهب إليه أحد بنيَّة ردّ الآخرين عن دينهم، لكي يدخلوا في دينه.
  3. عدم الذهاب بنيَّة إقناع الآخرين بأَنَّهم في ضلال، وذلك بحجَّة امتلاك قوّة إقناع، لعلَّه يأتي يوم تتواجَد فيه أمام من هو (أم هم) أقوى منك في الإقناع…
  4. الوقوف على دراسة ديانة (ديانات) الآخر (الآخرين)، وذلك من خلال كتبهم وشرحهم لها، وعدم الإكتفاء أبداً بالَّذي يرد في الكتب المقدَّسة لديانة ما عن الديانات الأُخرى.
  5. إحترام الآخر والإصغاء له بمحبَّة وإحترام، هذا بُعدٌ آخر أستطيعُ من خلاله أن أَختبر تجربة الآخر الإنسانيَّة، والتي بغناها تختلف عن تجربتي الذاتيَّة.   

     يطيبُ لي في النهاية، بتوجيه كلمة عطرة إِلى إِثنين أدين لهما كثيراً في الحوار، أَلا وهما كنيستي كنيسة المشرق الكلدو-أشوريَّة، التي أنجبَت الكثير من العظماء الذين امتازوا في الحوار الإسلامي المسيحي، أَخصُّ منهم بالذكر، البطريرك مار طيماثاوس الأوَّل الكبير الذي حاور الخليفة المهدي، وعمَّار البصري وغيرهم الكثير، يضيق بنا المجال هنا في سردِ أسمائهم وتراجمهم. والثاني هو القدّيس فرنسيس الأسيزي الذي عبر مخيّم الصليبييّن أَثناء تواجده في الشرق وتحديداً في مصر لكي يلتقي بالسلطان الكامل، وبهذا أصبح في الغرب المسيحي مثالاً للحوار الإسلامي المسيحي، أمَّا في الشرق فقد سبقه في ذلك كما رأينا البطريرك مارطيماثاوس الأوَّل الكبير في محاوراته مع الخليفة المهدي في بغداد وذلك بنحو لا يقلّ عن أربعمائة سنة.

     هذا كان في الماضي، أمَّا في يومنا هذا فيطيب لي أيضاً هنا أن أُشير ولو قليلاً على حدثٍ رائع، قلَّ أن يحدثَ مثله في الشرق كما في الغرب، ألا وهو إختتام الشهر المريمي في كاترائيَّة قلب يسوع في كركوك- العراق. ماذا حصل في هذا الاختتام وعلى ماذا تقوم فرادته؟

     في اليوم الأخير من شهر أيّار، يوم الثلاثاء 31 أيَّار 2011، نظَّمت مطرانيَّة الكلدان الكاثوليك في كركوك صلاة مشتركة، دعت إليها شخصيّات مسلمة رسميّة ودينيَّة وشعبيَّة للمشاركة فيها. في هذه المناسبة الجميلة صلَّى المسيحيّون والمسلمون معاً من أجل السلام والإستقرار في العراق الحبيب وفي كركوك المباركة التي تألَّمت كثيراً من جرّاء سلسلة من التفجيرات والإغتيالات.

     كانت الصلاة في الساعة الخامسة والنصف مساءً في الكاتدرائيَّة التي كانت مكَتَظَّة بالمصَّلين مسيحييّن ومسلمين، إشترك بها نائب محافظة كركوك والمحافظ القديم ورئيس مجلس المحافظة وبعض أعضاء المجلس والمعاونين وقائد الجيش والشرطة وشيوخ العشائر ورؤساء الأحزاب العربيَّة والكرُديَّة والتركمانيَّة والإسلاميَّة وعلماء الدين ورجال الدين المسيحييّن…….

       تخلَّلَ الإحتفال أمام تمثال العذراء مريم المزَيَّن بالورود والشموع، تراتيل لأُمِّنا مريم العذراء ومزامير وصلوات وقراءة الإنجيل المقدَّس (نصّ البشارة، وتعظّم نفسي الرب بحسب إنجيل القدّيس لوقا)، وسورة مريم من القرآن الكريم. كما ورفعت سيّدات مسيحيّات ومسلمات بالكلدانيَّة والعربيَّة والكردَّية والتركمانيَّة طلبات خاصَّة من أجل السلام والإستقرار ووحدة البلاد والعباد وتوطيد العيش المشترك وخُتِمَت الصلاة بإطلاق زوجي حمام من قِبَل علماء دين شيعة وسُنَّة: عربيّ وكُردي وتُركماني بمعيَّة صاحب السيادة المطران لويس ساكو، رمزاً للسلام.

     وفي كلمة الترحيب لسيادة راعي الأبرشيَّة المطران لويس ساكو، القلب النابض والفكر المبدِع والمحرِّك لأبرشيّته، جاءَ فيها: ” …أيَّتها الأخوات أيّها الإخوة مرحباً بكم والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته. إجتمعنا هذا المساء مسيحيّون ومسلمون في هذه المدينة العزيزة كركوك التي عانت في الأسابيع الأخيرة من العنف الأعمى والفتَّاك، وقد أرعبنا جميعاً. ولقد حضرت عائلة المرحومَين الشهيد المسيحي أَشور عيسى يعقوب الذي اغتيلَ في 15/5/ 2011 والرائد المسلم إبراهيم حازم رؤوف الذي قُتِلَ مع 27 شرطيّاً في تفجير مديريَّة الشرطة في 18/5/2011.

     اجتمعنا لتكريم السيّدة مريم العذراء المباركة “مريمانا” كما يدعوها إخوتنا المسلمون، والتي هي إحدى نقاط التقارب بيننا، وهناك نقاط تقارب أُخرى كثيرة كما يوجد نقاط إختلاف وهذا أمر طبيعي يجب الإعتراف به وقبوله لأنَّه بمشيئة الله.

     …. لقد إجتمعنا في هذه الكنيسة وكم أتمنَّى أن نجتمع أيضاً في جامع وحسينيَّة، التي هي بيوت الرَّحمان، لنقف وقفة أخويَّة صادقة وحازمة من أجل تفعيل السلام والإستقرار والأمان في مدينتنا بحيث تغدو مثالاً تحتذي به المدن الأخرى….

     هذا النهار كان يوماً تاريخياً للِّقاء والحوار الإسلامي المسيحي الذي سمح به سيادة المطران لويس ساكو، بأن يجتمع المسلمون والمسيحيون للصلاة وفي كاتدرائيَّة! لأَنَّه عادةً عندما يتمّ هكذا نوع من اللقاءات يُدعى فقط علماء الدين ورجاله من أجل الحوار، ولكن هنا كانت هناك إِمكانيَّة للمؤمنين العادييّن باللقاء والصلاة معاً أيضاً، وهذا الأمر قلَّ ما نشاهده قائماً والجميل أيضاً أنَّه في هذا العمل الرائع صلَّى الجميع بقلبٍ واحد. تُرى ألم يكن الربّ حاضراً فيما بينهم؟ بالطبع نعم! وبقوَّة أيضاً!!!                

الخاتمة

     في عالمٍ أَصبحَ يحتكم ناسُه إلى لغة العنف والاقتتال، وأصبحَ ضروريّاً الرجوع إلى العقل والقلب لبنيان ما قد هدمه الجهل. لذا فالعودة إلى الجذور أَصبحت أَمراً لا مفرّ منه وخصوصاً إذا كانت تتحلَّى بروح الإنفتاح والتسامُح، لمعرفة جذورنا وجذور الذين يحيطون بنا من إخوةٍ لنا في البشريّة، يختلفون عنَّا ليس فقط في الدين بل في السياسة وفي الرؤى أيضاً. لهذا السبب أردت أن يكون موضوع هذه المقالة مُنصَبّاً على إنارة موقفنا نحو المسيحيّين في الحوار الإسلامي – المسيحي، هذا الموضوع الذي أصبح بفعل عوامل كثيرة لنا وليومنا الذي نعيش فيه خبزاً لا نستطيع أن نستمرّ ونوجَد غير مبالين به.

     في هذه المقالة الصغيرة أردتُ أَن أُلقيَ الضوء على الإسلام من خلال العقيدة والإنسان، لكي لا يظلَّ لا الدينَ ولا المؤمن المسلم غريباً عنّي، راجياً أن يكون عملي هذا الوضيع ولكن الثمين في نفس الوقت باعثاً على تقارب أكبر بين الديانات، وعلى محبَّةٍ أكبر بين أبناء الإله الواحد الحيّ الحقيقي.

“فكلُّ ما أَردتم أن يفعلَ الناسُ بكم إفعلوه أنتم لهم: هذه هي الشريعة والأنبياء”[103].


[1]  حائز على شهادة التالية: ماجستير في الفلسفة من جامعة الروح القدس الكسليك لبنان.  دبلوم في اللاهوت من جامعة الأَنطونيانوم ميلانو إيطاليا. ليسانس في اللاهوت الأساسي من جامعة الغريغوريانا روما إيطاليا. دبلوم في الدراسات العربيَّة والإسلاميَّة من جامعة الـ PISAI روما إيطاليا. دبلوم في اللغة الإنكليزيَّة من الجامعة الأمريكيَّة بيروت لبنان. دبلوم في اللغة الإسبانيَّة وآدابها من جامعة سالامنكا إسبانيا. طالب ماجستير في الدراسات الإسلاميَّة في كليّة الإمام الأوزاعي بيروت لبنان.

[2] متّى 28/19.

[3] أعمال الرسل 11/26.

[4] نتكلّم هنا في عقيدة الكنيسة الكاثوليكيّة فقط.

[5] بيترو لومباردو في كتابه Liber I Sententiarum، استعمل تقسيم مختلف تماماً.كعنوان للفصل الأوَّل، الذي فيه كتب عن الله، وضع “في الثالوث والوحدة”. وعناوين الفصول اللاحقة اهتمَّت بالثالوث دون ذكر الوحدة الإلهيَّة.   

[6] يوحنّا 10/30.

[7] لاداريا، لويس فرانشيسكو، الثالوث سرّ إتّحاد، ميلانو- إيطاليا ، باولينِه، ط1 باللغة الإيطاليَّة، 2004، ص 163 ـ 165.

[8] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة، رقم 253، الترجمة العربيَّة: المكتبة البولسيَّة – جونيه، لبنان 1999.    

[9] نفس المصدر، رقم 254. 

[10] نفس المصدر، رقم 255. 

[11] الوثائق المجمعيَّة، المجمع المسكوني الڤاتيكاني الثاني، دار الإنماء إنطلياس/ البوشريّة- لبنان، ط2، 1984، ص 169.

[12] راهنر كارل، معجم اللاهوت الكاثوليكي، نقلة إلى العربيَّة المطران عبده خليفة، دار المشرق، بيروت- لبنان، ط1، 1985، 282.

[13] نفس المرجع السابق، ص 243. 

[14] نفس المرجع السابق.

[15]سورة الإنعام: الآية 125. سورة الزمر: الأية 22. سُورَة الشرح: الآية 1.

[16] سورة المجادلة: الآية 22.

[17] سورة الحجرات: الآية 7.

[18] سورة الحجر: الآية 39. سورة ص: الآية 82.

[19] سورة طه: الآيات 115- 123.

[20] سورة الحجّ: الآية 52. سورة الشعراء: الآيات 221 – 223.

[21] سورة البقرة: الآية 102. سورة الإنعام: الآية 112.

سورة الأعراف: الآية 27 والآية 30.

سورة مريم: الآية 83.

سورة الناس: الآيات 4ـ 5.

[22] سورة الشعراء: الآية 77. سورة النمل: الآية 43. سورة الفرقان: الآية 17.

[23]سورة البقرة: الآية 256.

[24] سورة الذاريات: الآية 56.

[25] سورة الحجرات: الآية 7 والآية 14.

سورة المجادلة: الآية 22.

سورة الحجر: الآية 14.

[26] سورة البقرة: الآية 150.

سورة النساء: الآية 77.

سورة المائدة: الآيتان 3 و44.

[27] سورة التوبة: الآية 118.

سورة النساء: الآيات 17 و26 ـ 27.

سورة المائدة: الآية 39.

[28] سورة الفرقان: الآية 77.

[29] سورة الشعراء: الآيات 51 و28.

سورة الذاريات: الآية 18.

سورة نوح: الآية 4. 

[30] سورة البقرة: الآية 34.

[31] سورة الأعراف: الآية 13. 

سورة يونس: الآية 75.

سورة القصص: الآيات 39 – 40.

سورة العنكبوت: الآيات 39 – 40.

[32] سورة الماعون: الآيات 1 – 7.

سورة الحاقة: الآيات 25ـ – 37.

سورة المعارج: الآيات 15- 27.

سورة المطففين.

سورة الفجر.

سورة البلد.

سورة التكاثر.

سورة الهمزة.

[33] سورة القصص: الآية 77.

[34] سورة البقرة: الآيات 155 و14.

سورة آل عمران: 186.

سورة الأنفال: الآية 17.

[35] سورة البقرة: الآيات 191 و193 و127.

سورة الأنفال: الآيات 25 و28 و73. 

[36] سورة التكوير: الآية 29.

سورة المدثر: الآيات 55 و56.

سورة الإنسان: الآيات 29 و30.

[37] سورة الإسراء: الآية 89.

سورة الأعراف: الآية 132.

سورة فُصِّلَت: الآية 26. 

[38] عبد الرزَّاق المصري، الشيخ الدكتور زكريّا٬ في الأصول والثوابت وأثرها في وحدة الأمَّة الإسلامية، مركز حمزة (رضى) للولاء والبحث العلمي والعمل الإسلامي، ط 1، طرابلس، لبنان 2006، ص 13.

[39] سورة الجاثية: الآية 24.

[40] سورة يس: الآية 47.

[41] القدريّة: مذهبٌّ يقول بالجبر المطلَق بحيث تبقى الإرادة الإنسانيَّة عاجزة عن تغيير شيء في المصير المحتوم. والجبريّة، التي تنكر حريّة الإرادة، هي قدريّة بهذا المعنى. والقول بالقدريّة والجبريّة يختلف عن القول بالحتميَّة العِلميَّة.  

[42] سورة الكهف: الآية 37.

سورة الحجّ: الآية 5.

[43] سورة الإنعام: الآية 99.

سورة يونس: الآية 101.

سورة هود: الآية 36.

سورة الحِجر: الآية 77.

[44] سورة إبراهيم: الآية 19.

[45] سورة الرحمن: الآيات 26 و27.

[46] سورة ق: الآيات 16 ـ 18.

[47] سورة الإفطار: الآيات 10 و11.

[48] عبد الرزّاق المصري، نفس المصدر الذي ذكرناه سابقاً، ص 13 ـ 14.

[49] سورة المعارج: الآية 4.

سورة القدر: الآية 4.

[50] سورة فاطر: الآية 1.

[51] سورة الصافَّات: الآية 150.

سورة الزخرف: الآية 19.

سورة النجم: الآية 27.

[52] سورة الإسراء: الآية 40.

سورة الصافَّات: الآيات: 149 ـ 153.

[53] سورة النحل: الآية 2.

سورة المعارج: الآية 4.

سورة القدر: الآية 4.

[54] سورة الحجر: الآية 29.

سورة ص: الآية 72.

[55] سورة السجدة: الآية 9. 

[56] سورة الأنبياء: الآية 91.

سورة التحريم: الآية 12.

[57] سورة البقرة: الآيات 87 و253.

[58] سورة المجادلة: الآية 22.

[59] سورة مريم: الآية 17.

[60] سورة النحل: الآيات 2 و103.

سورة الشعراء: 193 و194.

سورة غافر: الآية 15.

[61] سورة البقرة: الآيات 97 و98.

سورة التحريم: الآية 4. 

[62] سورة البقرة: الآية 98.

[63] عبد الرزّاق المصري، نفس المصدر الذي ذكرناه سابقاً، ص 14.

[64] سورة البقرة: الآية 213.

[65] سورة الإنعام: الآيات 19 و106.

سورة يوسف: الآيات 3 و109.

سورة إبراهيم: الآية 13.

[66] سورة الرعد: الآية 30.

[67] سورة النجم: الآيات 36 و37.

[68] سورة آل عمران: الآية 7.

[69] سورة البروج: الآية 22.

[70] سورة آل عمران: الآيات 3 و65 و39.

سورة المائدة: الآيات 43 ـ 44.

سورة الأعراف: الآية 187.

[71] سورة النساء: الآية 163.

سورة الإسراء: الآية 55.

[72] سورة آل عمران: الآية 3.

سورة المائدة: الآيات 46 و47.

سورة الأعراف: الآية 157.

سورة الحديد: الآية 27.

[73] سورة الصافات: الآية 37.

سورة الشورى: الآية 15.

[74] سورة النحل: الآيات 102 و103.

[75] سورة النساء: الآية 46.

سورة المائدة: الآيات 13 و41.

[76] سورة آل عمران: الآية 119.

سورة النساء: الآية 136.

سورة المائدة: الآية 66 و68.

[77] سورة المائدة: الآية 15.

[78] سورة البقرة: الآية 285.

[79] سورة الكهف: الآية 110.

[80] عبد الرزَّاق المصري، نفس المصدر، الذي ذكرناه سابقاً، ص 14 – 15. 

[81] سورة الأعراف: الآيات 59 حتَّى 102.

سورة إبراهيم: الآيات 9 حتّى 17.

سورة غافر: الآيات حتّى 85.

[82] سورة البقرة: الآيات 136 و137 و285.

سورة آل عمران: الآية 84.

سورة النساء: الآيات 150 حتّى 152.

سورة المائدة: الآية 69.

[83] سورة الأنبياء: الآية 92.

سورة المؤمنون: الآية 52.

[84] سورة النازعات: الآيات 42 ـ 44.

[85] سورة الأَحزاب: الآية 63.

[86] عبد الرزّاق المصري، نفس المصدر الذي ذكرناه سابقاً، ص 15.

[87] سورة لقمان: الآية 34.

[88] سورة الأَنعام: الآية 59.

[89] رواه مسلم انظر مختصر مسلم للمنذري ج 2 ص 246 كتاب القدر، باب الأمر بالقوَّة وترك العجز، رقم الحديث (1840).

[90] عبد الرزاق المصري، نفس المصدر الذي ذكرناه سابقاً، ص 16.

[91] “الآخر” دراسات جُمعَت لأَفرِد غروسِّه، بإدارة برتران بادي ومارك سادون، في مطبوعات العلوم السياسيّة (مطبوعات المؤسَّسة الوطنيّة للعلوم السياسيَّة) 1996، باريس، ص66.

   « L’Autre » études réunies par Alfred Grosser, éd. sous la direction de Bertamd Badie et Marc Sadoun, Presses des Sciences Politiques (Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques)1996,Paris,p.66.   

[92] “الآخر”، دراسات جُمِعَت لأَلفرِد غروسِّه “نفس المصدر الذي ذكرناه سابقاً، ص 70.

•هيغل، إنسايكلوبيديا العلوم الفلسفيّة، 1، عِلم المنطق، ترجمة بورجوا، باريس، فران، 1986، ص 357، الأرقام 93 و94 التي أَخذناها من هذا المرجع، هي ترجمة شخصيَّة قمنا بها بنفسنا.

[93] لوقا 10/25 – 37.

[94] لوقا 6/27 – 35.

[95] متى 5/44.

[96] الأحبار 19/33- 34.

[97] خروج 23/ 4 – 5.

[98] متى 5/43: “سمعتم أنَّه قيلَ: “أحبب قريِبَك وأَبغِض عَدُوَّك”.

[99]سورة الإسراء: الآية 70.

[100] سورة الروم: الآية 22.

[101] سورة الحجرات: الآية 13.

[102] سورة الحجرات: الآية 13.

[103] متى 7/12.

Scroll to Top