Almanara Magazine

المزارات باب مفتوح على الأنجلة الجديدة 

مؤسسة تنمية الحج والسياحة الدينية في لبنان

بقلم سوزي الحاج 

المنسقة الإعلامية في APL 

السياحة الدينية تأخذ حيزاً لا يستهان به من إهتمامات السلطات الكنسية والمدنية على حد سواء. فهذه الظاهرة التي بدأت منذ فجر تاريخ البشرية هي ظاهرة إجتماعية وثقافية وإقتصادية في آنٍ معاً. وهي تقوم في الأساس على رحلة حج، بغض النظر عن المسافة التي يقطعها المؤمن وغير المؤمن أو الملتزم أو الزائر. هكذا يمكن التحدث عن سياحة دينية داخل الوطن أو خارجه. كما أن مفهوم السياحة الدينية مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالمزارات الدينية وأغالبيّتها مريمية في حين أن الأخرى شيّدت على أسماء العديد من  القديسين في مختلف أنحاء العالم. 

Via Pulchritudinis 

يشتمل مفهوم المزار على أبعادٍ ثلاثة: الجمال والصمت والمقدّس. فلا نستخفنّ ببعد الجمال الذي يساعد على بلوغ البعد المقدّس من جمال الطبيعة الى جمال الفنون. ومع كل زيارة فرصة تذكّرنا بالخالق! وعليه نعطي مثال بول كلوديل الشاعر الفرنسي الشهير والمؤلف المسرحي والدبلوماسي الذي شعر بحضور الله في بازيليك سيدة باريس عام 1886 لدى سماعه نشيد “تعظم نفسي الرب” خلال قداس الميلاد. علماً أنه يومها لم يدخل الكنيسة بدافع الإيمان بل لكي يجد موضوعاً ضد المسيحيين. وإذا بنعمة الله تعمل في قلبه وتقلب الموازين. بعبارة أخرى إن الجمال يدعونا لأن نرتقي نحو الله. إنه مكان إستثنائي للصلاة أي للإتصال بالله واللقاء به. هكذا يمكن لزائر المزار أن يتحدّث ويصغي إلى ربّه. إن أي زيارة إلى أحد المزارات تدعونا إلى لحظة توقّف وتأمّل.

وفي أكثر من لقاء أشاد البابا بنديكتس السادس عشر بأهمية الجمال والفنون وكانت الموسيقى الأحبّ على قلبه، شارحا مفهوم ال Via Pulchritudinis  أي السبيل الى الخالق مصدر الجمال المطلق غير الملموس عن طريق الجمال الملموس. وهذا ما يذكّرنا طبعا بنشيد التسبيح الشهير للقديس فرنسيس: الهي ما أجملك في خلائقك!

الأنجلة الجديدة 

في بداية حبريته أدخل البابا القديس يوحنا بولس الثاني مفهوم الأنجلة الجديدة ثم طوّر البابا بنديكتس السادس عشر فكرة سلفه وقام بمبادرة تأسيس مجلس حبري لتعزيز الأنجلة الجديدة. وقد شدّد البابا بنديكتس على ضرورة أن يجد كل مسيحي وقتاً لله وللصلاة في وسط الهموم والإنشغالات والضغوط والمشاكل اليومية. وهنا يلعب المزار دوراً كبيراً إذ يسهّل على المؤمن إمكانية تحقيق هذا الهدف بفضل مرونة البرامج الروحية فيه وأوقات الزيارة. علماً أن المزار يجتذب أعدادا هائلة من الناس المنتمين الى مختلف الجنسيات والديانات والطبقات والأعراق والاعمار… 

مؤسسة تنمية الحج والسياحة الدينية في لبنان

 إن مؤسسة تنمية الحج والسياحة الدينية في لبنان APL هي مؤسسة غير سياسية لا تتوخى الربح وهي ترتبط إدارياً وروحياً بمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان APECL. عقدت  مؤتمرها الثاني  بمناسبة الإحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيسها في الجامعة الأنطونية- الحدث- بعبدا في العام 2017 وكان بعنوان: “مؤتمر المسيرات والتطوافات الدينية في لبنان”، وكان بمشاركة صاحب الغبطة البطريرك الراعي ممثلاً بسيادة المطران سمعان عطاالله وبحضور وزير السياحة في لبنان أفيديس كيدانيان والمونسنيور ايفان سانتوس القائم بأعمال السفارة البابوية ورئيس الجامعة الأنطونية الأب ميشال جلخ ورؤساء النقابات المهنية والقيّمين على المزارات الدينية في لبنان والاعلاميين المتخصّصين في السياحة الدينية. وقد جاء في كلمة قدس الأب خليل علوان المرسل اللبناني رئيس مؤسسة تنمية الحج والسياحة الدينية والمدير العام لمزار سيدة لبنان حريصا ما يلي:

“إن لبنان يتميز عن سواه من البلدان المجاورة، الى جانب ما يتمتع به من ثروة طبيعية ومناخ طيّب ومواسم اصطياف، بانه بلد القديسين وبلد الرسالة. لقد مرّ يسوع في صور وصيدا، وعُقِدَت المجامع الكنسية في بيروت وطرابلس، وعاش النساك في المغاور والمناسك وتقدس الرهبان في الاديار. ولا تزال وادي قاديشا والعاصي، وعجائب القديس شربل ورفقا ونعمة الله ويعقوب الكبّوشي،والأب المكرم بشارة مراد والبطريرك الياس الحوّيك شاهدة على قدسية هذا البلد. فقد غدا لبنان، بفضل قديسيه، بلد الحج والسياحة الدينية بدون منازع. فكان من الطبيعي ان تتضافر جهود القيمين على هذا الإرث الديني الكبير والسياحي بامتياز لنشوء هذه المؤسسة.

وعت الكنيسة أهمية هذا القطاع على الصعيدين الروحي والزمني، فأسست عام 2007، هذه المؤسسة، لتكون بمثابة المرجعيّة الكنسية الصالحة لجميع الأشخاص المعنويين والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والنقابات، والجمعيّات، والشركات التي تعنى بالحج والسياحة الدينية، وهي منفتحة للتنسيق والتعاون مع كلِّ المَعنِيِّين في تَنمية هذا القِطاع.

وخلال السنوات العشر التي انقضت من عمرها، نالت اعجاب الدوائر الفاتيكانية وتقديرها، فشارك رئيسها بدعوة من الكرسي الرسولي في مؤتمرين عالميين من إعدادها ليمثل السياحة الدينية في لبنان: الأول في اسبانيا والثاني في المكسيك، وهي عضو دائم في جمعية رؤساء المزارات الفرنكوفونية.

وخلال هذه السنوات العشر استطاعت المؤسسة ان تصدر كتابين حول السياحة الدينية، وتعاونت مع أصحاب المعالي الوزراء  الذين تعاقبوا على وزارة السياحة، فكانوا يزوروننا خلال انعقاد اجتماعاتنا، مما سمح لنا ان نتعاون مع الوزارة تعاونًا وثيقًا، فعملنا على تصحيح إصدارات الوزارة حول المواقع السياحية الدينية، وكونّا بنك معلومات لـ 165 مزارًا مسيحيًا، كما عقدنا مؤتمرنا الأول وورش عمل، بالتعاون معها، في العام 2010 فخرجنا بمقررات قيمّة شكلت برنامج عمل لوزارة السياحة نفسها. وشاركنا أخيرًا في ورشة العمل التي عقدت في السرايا الحكومي عام 2011 وغيرها.

وفي هذه السنة، التي نتوسم فيها مواسم سياحة دينية زاهرة، أردنا ان نسلط الضوء، من خلال هذا المؤتمر على التطوافات الروحية والمسيرات التي تقام في لبنان. وقد أحصينا العديد منها، وهي تعدّ بالعشرات وتتماهى مع السنة الليتورجية للكنائس، ومنها ما هو شهري ومنها ما هو سنوي أو موسمي.

هذه الظاهرة، التي قلّما كانت تسترعي اهتمام المعنيين في الشؤون السياحية والاقتصادية والبيئية، تستحق ان تعطى حق قدرها من الاهتمام والدرس والتخطيط في سنة شاءها المسؤولون أن تكون سنة السياحة الدينية في لبنان.

يتضمن برنامج هذا المؤتمر، الى جانب الجلسة الافتتاحية، ثلاث جلسات وورشة عمل.

في الجلسة الأولى نعرف بالمسيرات ونصنفها ونضعها في إطارها الوطني والعالمي 

وفي الجلستين الثانية والثالثة نستعرض معا المسيرات السيّدية ومسيرات القديسين والمسيرات المريميّة

وفي الختام، يقسم المشاركون الى أربع مجموعات في ورش عمل لمناقشة الموضوع والخروج بمقررات وتوصيات حول أربعة مواضيع:

1.    ترويج المسيرات والتطوافات

2.    روحانية المسيرات والتطوافات

3.    الخدمات السياحية للمسيرات والتطوافات

4.    الناحية: الصحّية، الأمنية والبيئية”.

المزارات باب مفتوح على الأنجلة الجديدة 

شاركت مؤسسة تنمية الحج والسياحة الدينية في لبنان APL في المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في جامعة لاتران الحبرية من 27 إلى 29 تشرين الثاني في العام 2018 وكان بعنوان “المزار باب مفتوح على الانجلة الجديدة” نظّمه المجلس الحبري لتعزيز الانجلة الجديدة وهو دائرة بابوية تابعة للكوريا الرومانية. تحدّث خلاله رئيس المجلس الأسقف رينو فيزيكيلا عن التحدّيات الكبيرة التي تواجهها الكنيسة الكاثولكية اليوم وعن أهمية الدور الذي ستلعبه المزارات من الآن فصاعداً.

وقد تميّز هذا المؤتمر بحضور حوالي 600 شخص من القيّمين على مختلف المزارات

العالمية. 

وينتظر لبنان دور كبير في السياحة الدينية كما أكدته زيارة الوكالة الفاتيكانية للسياحة الدينية في شباط 2019 بعد أن أعيد إدراج إسم لبنان على اللائحة الفاتيكانية للسياحة الدينية.

Scroll to Top