Almanara Magazine

الله أبٌ وأمٌّ

المونسنيور بولس الفغاليّ

في أوَّل محطَّات مسيرة الشعب في البرّيَّة، بكى الشعبُ وقالوا: “من يطعمنا لحمًا؟ تذكّرنا السمك الذي كنَّا نأكله في مصر مجَّانًا، والقثاء والبطّيخ والكراث والبصل والثوم. والآن، يبست أنفسنا” (عد 11: 4-6). وحين سمع موسى الشعبَ يبكي، كلّ واحد في باب خيمته… قال: “يا ربّ، لماذا لا أجد نعمة في عينيك (أي: أنت غير راضٍ عنّي)، حتَّى وضَعْتَ ثقل الشعب كلّه عليَّ؟ ألعلّي حبلتُ بكلّ هذا الشعب؟ أو لعلّي ولدتُه حتَّى تقول لي: احمله في حضنك كما تحمل المربّية الرضيع، وأوصلْه إلى الأرض التي حلفتَ بأن تعطيها لآبائه؟” (آ11-12). معنى هذا الكلام أنَّ الله هو أبٌ وأمٌّ في شعبه. هو حبل بهم كما تحبل الأمُّ بأولادها. هو وَلدهم وجعلهم في هذا العالم. وكما تحمل المرأة المربّية أولادها على صدرها، كذلك يحمل الله هذا الشعب كما في حضنه. وبدا كلام موسى كأنَّه عتاب على الله الذي يتخلَّى عن واجباته كأمّ (وأب) ويلقي بثقلها على موسى. ما هذا الإله الرحيم الذي يتخلَّى عن هؤلاء الذين كوَّنهم في رحمه؟ في أحشائه؟

  1. أحشاء الله

منذ القرن 5-4 ق.م.، دُعيَت splagcna أحشاء الضحيَّة التي تذبَح. وذكرتها الفرائض العباديَّة في مجرى الحديث على الكهنة والكاهنات[1]. ووصل الأمر في هذا المجال إلى القول بأنَّ الفعل splagcnizein عنى: “أكل الأحشاء”[2]. هي الأجزاء النبيلة، لأنَّ اللفظ ينطبق على الإنسان[3]، حيث كانوا يعدُّون الأحشاء السبعة[4]. قال: “ما هو في الداخل يحمل اسم الأحشاء: المعدة، القلب، الرئة، الطحال، الكبد والكليتان” (خلق الكون 118). ولكنَّ اللفظ يمتدُّ إلى الأمعاء (إبراهيم 118) والبطن دون أي تحديد فيزيولوجيّ.

تدلُّ الأحشاءُ البيبليَّة على الأعمق وما هو أكثر حميميَّة. قال سفر الأمثال: “كلام النمّام مثلُ لقمة حلوة، ننزل إلى أعمق أعماق البطن” (26: 22). ونقرأ في مز 22: 14: “كالماء انسكب، كلّ عظامي تفكَّكت، صار قلبي مثل الشمع وذاب في وسط أحشائي”. وقال با 2: 17: “روح الموت خرج من أحشائي.”[5]

أمّا موضع العواطف فهو في الأحشاء، لأنَّها أكثر ما هو حميم وما هو خفيّ (يوسيفس، الحرب 4: 263). وهي ترادف ما ندعوه اليوم: القلب. نقرأ في وصيَّة إبراهيم: “وصل الحريق حتَّى الأحشاء فوَلد في الضيق، اليأسَ والشدائد.”[6] ونقرأ في خبر يوسف وأسنات (6: 1): “وقُطعت أحشاء أسنات حين رأت يوسف، فتلقَّت رؤية مثل ضربة الصاعقة.” وقال يشوع بن سيراخ: “على من يدلِّل ابنه أن يضمّد جراحه (إمّا جراح ينالها الوالد، وإمّا تلك التي تصيب الولد من جرَّاء الفوضى في حياته) وعند كلِّ صراخ تضطرب أحشاؤه” (30: 7). فالأولاد يُدعون أحشاء أبيهم splagcna legontai.[7]

وأطلَّت فكرة الشفقة في المجال العالميّ كما في هذه العبارة uper splagcnou: شفقة ورحمة. وهنا نقرأ وصيَّة إبراهيم (ب 12) حيث يقول الله: “لا شفقة ou splag عند إبراهيم تجاه الخطأة. أمّا أنا فشفوق، مملوء شفقةegw spla . وفي وصيَّة أيُّوب 16: 5: “نصبر حتَّى يشفق splag الربّ ويرحمنا wlehsh hmaV. ونقرأ هنا سفر الأمثال (12: 10): “الصديق يراعي نفس بهيمته، أمّا مراحم splagcna الأشرار فقاسية أي بلا رحمة anelehmona. “الحكمة عرفت البارّ وحفظته أقوى من حنان splagcoiV (أبٍ) لولده” (حك 10: 5).

نحن نعرف أنَّ الأحشاء (ر ح م ي م) هي مركز الشفقة كما في سفر التكوين حيث تظهر عواطف يوسف بن يعقوب تجاه بنيامين، أخيه من أمّه: “واستعجل يوسف لأن أحشاءه (ر ح م ي و) حنَّت إلى أخيه وطلب مكانًا ليبكي، فدخل المخدع وبكى هناك” (43: 30). وفي الخلاف بين المرأتين البغيَّين أمام سليمان الحكيم “تكلَّمت المرأة التي ابنها الحيّ للملك لأنَّ أحشاءها (ر ح م ي م) اضطرمت على ابنها…” (1 مل 3: 26). وقال الله بلسان إرميا عن أفرائيم، السبط الأكبر في مملكة الشمال: “من أجل ذلك همهمت أمعائي (م ع ي) له رحمة. (ر ح م) ارحمه (ا ر ح م ي و)، يقول الربّ” (إر 31: 20).

تلك كانت صيغة الجمع “ر ح م ي م”. أمّا صيغة المفرد “ر ح م” فتعني كما في العربيَّة: رحم المرأة. وهكذا تكون الأحشاء، قبل كلِّ شيء، مركز الشفقة عند الأمّ لأولادها. هنا نقرأ ما قاله إشعيا النبيّ على الله الذي بدا مثل أمّ مع أولاده: “وقالت صهيون، المدينة المصونة (ص ي و ن): تركني الربّ، وأدوناي نسيني.” فقال النبيّ باسم الربّ: “هل تنسى المرأة رضيعها؟ ألا ترحَم (حرفيًّا: الذين من الرحم) ابن بطنها؟ وحتَّى إن نسيت هؤلاء (النساء) أولادهنَّ، فأنا لا أنساك. ها أنا على كفّي رسمتك…” (إش 49: 14-16). فيجب أن يُقطع كفّ الربّ ليزول اسم محبّيه. وقيل إنَّ أحشاء الأمّ تُسمع صوتًا مثل “كنَّارة” (إش 16: 11). هي تغلي مثل مياه ساخنة (مرا 1: 20).[8]

*  *  *

في هذا المجال، نودُّ أن نقرأ ما تركه لنا هوشع (ف 11) النبيّ في هذا المجال، حين يرينا الله مثل أمٍّ تهتمُّ بأولادها وتتحرَّك أحشاؤها من أجلهم حين تراهم في قلب الضيق. لا شكَّ في صيغة المذكَّر ولكنَّ جميع الأعمال التي يقوم بهذا هذا الأب – الله – هي أعمال أمّ. إسرائيل “طفل” في مصر. هي البداية في نموّه. ونحن نعرف أنَّ الولد يلبث مع أمّه منذ الولادة حتَّى الثانية عشرة من عمره. عندئذٍ ينتقل من خيمة الأمّ إلى خيمة الأب. ونلاحظ تصرُّف الولد: “كلَّما دعوتُه هرب من وجهي.” وما هي الحركات التي تقوم الأمُّ بها؟ تعلّم طفلها أن يمشي. في العبريَّة: “ت ر ج ل ت و” أي جعلته على رجليه، درَّجته. فهذا عمل لم يكن يليق إلاَّ بالأمّ حتَّى أمدٍ قصير. أب يهزُّ السرير لابنه! يا للخجل. يا للعار. هذا عمل المرأة. ويقول لها: انتبهي إلى ابنك. عند هوشع: “تحمله على ذراعها” وتهتمُّ به.

لا مجال للقوَّة في هذه التربية. لفظان: الرحمة، المحبَّة. هنا “حبل” يربط بين المرأة وابنها، هناك رباط. تتخيَّلون كيف كان الأب يعامل ابنه في العالم القديم وفي عالمنا حتَّى اليوم. هو مُلك الوالد يعمل به كما يشاء. ويذبحه إكرامًا للآلهة. ماذا كان حصل لو أنَّ إبراهيم أخبر سارة ما هو فاعل حين اقتاد إسحاق ليكون محرقة على جبل أوريَّا (تك 22). ويفتاح الذي ذبح ابنته الوحيدة لكي يربح الحرب على ما تروي الأساطير في العالم اليونانيّ (قض 11: 34ي). تتخيَّلون الشريعة تأمر بقتل الولد حين يعصي أوامر والده. ونقرأ في سفر الخروج: “من ضرب أباه أو أمَّه يُقتَل قتلاً… ومن شتم أباه أو أمَّه يُقتَل قتلاً” (21: 15، 17). هنا منتهى العنف. أمّا مع الله الذي تمثّله الأمّ، فهو من يرفع طفله على ذراعه. ثمَّ ينحني عليه ويطعمه. ويتواصل كلام الله أمام ضياع شعبه: “قلبي يضطرب في صدري، وكلّ مراحمي تشتدّ” (آ8). وأخيرًا، هم يسيرون وراءه كما الأولاد وراء أمّهم. فيقول النبيّ: “يسيرون وراء الربّ وهو يزأر كالأسد. يزأر فيسرع البنون… مثل العصافير… مثل الحمام، فأعيدهم إلى بيوتهم، يقول الربّ” (آ10-11).[9]

هذا الإله الذي يهدّد ولا يفعل. يمضي وكأنَّه يريد أن يتركهم “لعلّهم يرجعون ويلتمسون وجهه” (5: 15). يقدّمون الذبائح الكاذبة ويدلُّون على توبة لا تتجاوز بداية الصباح، فيقول لهم: “أريد رحمة لا ذبيحة” (6: 6). وهذا يربطنا بالعهد الجديد حيث نرى أحشاء الله تضطرب. مرَّة أولى: العبد القاسي القلب والذي جاء يطلب العفو: “تحرّكت أحشاء سيّد ذلك العبد” (مت 18: 27). ومرَّة ثانية، حين عاد الابن الأصغر إلى البيت الوالديّ: “تحرّكت أحشاء الأب – الذي يمثّل الله حين رأى ابنه” (لو 15: 20). وينطبق اللفظ تسع مرَّات على المسيح، وهي “أحشاء تتحرَّك” فتجري المعجزة. هو شعور جسميّ وشفقة حقيقيَّة أمام واقع من الشقاء يحسُّ به القريب. يرى يسوع فتتحرَّك أحشاؤه. ويقال أخيرًا إنَّ السامريّ تحرَّكت أحشاؤه حين رأى الجريح مُلقى على الأرض (لو 10: 33). غير أنَّ هذا السامريّ يدلُّ في النهاية، على المسيح، كما قال آباء الكنيسة.

  • أريد رحمة لا ذبيحة

راح يسوع إلى بيت الجباية ودعا متَّى، ذاك الموظَّف هناك (مت 9: 9ي). وفرح متَّى وأولم ليسوع ولأصدقائه الذين كانوا يعملون معه، ليدلَّ على أنَّه ترك التعامل بالمال وأراد السير وراء يسوع. تشكَّك بعض الفرّيسيّين. ولكنَّهم خافوا أن يقدّموا الملاحظة إلى يسوع، فوجَّهوا كلامهم إلى الرسل لائمين الربَّ الذي يأكل “مع جباة الضرائب والخاطئين” (آ11). أمّا يسوع فيهمُّه الخطأة قبل الأبرار، والمرضى قبل الأصحّاء، فهم الذين يحتاجون إليه. وأنهى كلامه: “فاذهبوا وتعلَّموا معنى هذه الآية: “أريد رحمة لا ذبيحة” (آ13) هي هنا eleoV.

“ومرَّ يسوع في السبت وسط الحقول” (مت 12: 1). فقطف تلاميذه بعض السنابل لأنَّهم كانوا جائعين، وهذا أمر لا تحرّمه الشريعة، لأنَّهم أكلوا وما أخذوا معهم من الحقل شيئًا. عندئذٍ لام الفرّيسيّون يسوع لأنَّه لا ينتبه إلى “الخطأ” الكبير الذي يقترفه التلاميذ: “يعملون ما لا يحلّ عمله يوم السبت!” (آ2). دافع يسوع عن التلاميذ عائدًا إلى الأسفار المقدَّسة وممارسات الكهنة في الهيكل، وأنهى كلامه: “ولو فهمتم معنى هذه الآية: أريد رحمة eleoV لا ذبيحة، لما كنتم حكمتم على من لا لوم عليهم” (آ7). الربُّ يفضّل الرحمة. ولا يريد أن تسيطر الممارسات على أهمّيَّة الإنسان الذي هو أعظم من السبت وأهمّ من كلّ مؤسّسة بشريَّة.[10]

وهذه “الرحمة” لن تتوقَّف عند العاطفة، بل تصل إلى العمل. وهنا يلتقي إنجيل متَّى بإنجيل مرقس. وذلك حين رأى يسوع الجموع التي تطلب الطعام. ونقرأ أوَّلاً إنجيل مرقس الذي هو أوَّل إنجيل وصل إلينا سنة 69-70.

“ومضوا في السفينة وحدهم إلى موضع مقفر. فرآهم الناس ذاهبين… فأسرعوا من جميع المدن مشيًا على الأقدام. وسبقوهم إلى ذلك المكان. فلمّا نزل يسوع من السفينة، رأى جمعًا كبيرًا فأشفق (فتحرَّكت أحشاؤه wsplagcnisqh) عليهم، لأنَّهم كانوا مثل غنم لا راعيَ لها” (مر 6: 32-34).

مرَّة ثانية كما في لو 4: 1، 36، أتاحت لهم السفينة (أو: القارب) أن يفلتوا من ضغط الجمع ليصلوا إلى الهدف الذي جعلوه أمامهم: “موضع مقفر” (آ32). ولكنَّ الجمهور الذي رآهم ماضين، فهموا فانطلقوا وسبقوهم إلى حيث ينزلون من السفينة. وما نلاحظ هو أنَّ الرسل لا يُذكَرون بعد: نزل يسوع، رأى، أشفق. وأخذ يعلّمهم. وفي آ35، نجد التلاميذ. أمّا في آ34، فيسوع هو وحده أمام الجمهور: حرّكوا فيه العاطفة، أُمسكت أحشاؤه، وأحسَّ بقلبه ينقلب في داخله. “هم غنم بلا راعٍ”. هذه الصورة الآتية من العهد القديم، تدلُّ على أنَّ الشعب يتألَّم، لأنَّه لا يجد من يقوده ويوجّهه[11]، أو لأنَّ رعاته أشرار. قال الربّ: “صارت غنمي مأكلاً لكلّ وحش الحقل” (حز 34: 8). وتعلَّقوا بالباطل والعرَّافين “فرحلوا مثل غنمٍ بلا راعٍ” (زك 10: 2). ومن كان يجب أن يكون الراعي؟ هذا ما لا يقوله النصّ. فقد تكون السلطات اليهوديَّة كما قال بعض الشرَّاح. وقد يكون “الرسل” أو الذين جاؤوا بعدهم، حين دُوِّن إنجيل مرقس. النصّ واضح: لا مكان يرتاح فيه الرسل، ولا خبز يأكله هذا الجمهور، ولا موضع قفر يخلو فيه يسوع برسله، ولا تنظيم في هذا الجمهور المشتّت في هذا المكان.

لهذا يكون يسوع الراعي: بدأ يعلّمهم. منع الرسل من أن يرسلوهم “إلى المزارع والقرى المجاورة”. رتَّب الناس جماعات جماعات: مئة مئة. خمسون خمسون. وحين نضرب هذين الرقمين، يكون لنا /5000/ الذي هو عدد الآكلين (آ44).

أجلس التلاميذُ الناسَ على العشب الأخضر. عندئذٍ أطعمهم يسوع فشبعوا. فتصرَّف مثل الراعي الذي يُربض خرافه على مروج خضراء (مز 22: 23) ويرتّب لهم مائدة (آ5). فالشعور الذي حرَّك يسوع حين رأى الناس متروكين، اقتاده لكي يعلّمهم وينظّمهم. وما بقيَ له سوى أن يطعمهم بواسطة تلاميذ تردَّدوا أوَّلاً ولم يفهموا[12]. وفي النهاية، سوف يتعلَّمون والكنيسة أيضًا.

ما قاله مرقس، قاله متَّى (14: 14) مع إشارة جديدة تدلُّ على عمق حنان الربّ: “فلمّا خرج يسوع أبصر جمعًا كبيرًا فتحرَّكت أحشاؤه عليهم وشفى مرضاهم”. تضاعف حنان يسوع: “ما أطعمهم فقط، بل شفى مرضاهم.”

هكذا فعل يسوع مع الشعب اليهوديّ، وهكذا سيفعل مع الأمم الوثنيَّة. فنقرأ مثلاً في إنجيل متَّى: “جاء إليه جموع كثيرة، معهم عرج وعميٌ وخرسٌ وشلّ وآخرون كثيرون، وطرحوهم عند قدمَي يسوع فشفاهم” (مت 15: 29) ثمَّ دعا تلاميذه وقال: “إنّي أُشفق (splagcanizomai، تتحرَّك أحشائي) على الجمع، لأنَّ لهم ثلاثة أيَّام وهم معي، وليس لهم ما يأكلون” (آ32). ويلتقي إنجيل مرقس (8: 1ي) مع إنجيل متَّى ويقول: “هم جاءوا من بعيد” (آ3). والبعيد يدلّ على الوثنيّين، تجاه القريب الذي يدلُّ على الشعب اليهوديّ، على ما أنشد إشعيا (57: 19): “سلام للبعيد وسلام للقريب”. أمّا الآكلون هنا فكانوا أربعة آلاف: يأتون من جهات الكون الأربع، ويكون عددهم كبيرًا، لأنَّ الألف هو مكعَّب الرقم عشرة.

  • حنان الآب وحنان الابن

قرأنا هنا إنجيلَي متَّى ومرقس مع شخص يسوع الذي يتحنَّن على الجموع، تتحرَّك أحشاؤه لهم، فيطعمهم ويشفي مرضاهم. وفي إنجيل مرقس، يبدأ فيعلّمهم وكأنَّ تعليم التلاميذ الأوَّلين لم يكن كافيًا. ها هو يسوع يكمّل ما بدأ هو فينا ومعنا. وننتقل الآن إلى إنجيل لوقا مع مثلين. في واحد منهم نتعرَّف إلى الأب الذي رأى ابنه آتيًا من بعيد، فتحرَّكت أحشاؤه وركض إليه (15: 20). وفي المثل الآخر نكتشف يسوع من خلال ذاك السامريّ الذي “رأى الجريح فتحرَّكت أحشاؤه، فاقترب منه وضمَّد جراحه” (لو 10: 33-34).

  • رآه أبوه فتحنَّن

أخذ الابن الأصغر حصّته من الميراث ومضى إلى البعيد. ما نظر إلى الوراء مثل امرأة لوط التي تحوَّلت إلى عمود ملح (تك 19: 26). ولا تحسّر على البيت الوالديّ مثل العبرانيّين الذين تركوا مصر ولبثوا يحنون إلى البصل والسمك واللحم. راح فقطع كلّ علاقة بأبيه. أمّا الأب فلبث يتطلَّع يومًا بعد يوم في الطريق التي سار فيها ابنه. وانحدر الابن الأصغر وانحدر. أوَّلاً: أنفق كلَّ شيء له. بذَّر الأموال باحثًا عن لذَّة الأكل وغيرها من اللذات وكأنَّه يريد أن يملأ فراغ قلبه. ثانيًا: أحسَّ بالحاجة وشعر بالجوع. هل بدأ يتسوَّل؟ ولكن يظهر أنَّه لبث متمسّكًا ببعض كرامته. فطلب عملاً جعله يصبح على مستوى الخنازير. ونحن نعلم ما هي الخنازير بالنسبة إلى اليهوديّ: حيوانات نجسة. وهذا الابن يعيش في نجاسة دائمة. هو أمرٌ لا يُفعَل في فلسطين لأنَّ لا وجود للخنازير. فصاحبنا هو في أرض وثنيَّة. وأعمق انحدار: تمنَّى أن يأكل بعض الخرُّوب ليسدَّ رمقه. فلا يعطيه أحد. تخيَّلوا. الخنازير تأكل الخرُّوب لكي تسمن. أمّا “الابن” فلا يحقُّ له أن يأكل ممّا تأكله الخنازير.

النزول إلى مثل هذا القعر يجعل الإنسان يفكّر في صمت الليل: ماذا كان وأين صار؟ وتذكَّر البيت الوالديّ: الأُجراء العديدون يأكلون ويشبعون. أيحقُّ له أن يكون واحدًا منهم ليأكل ما يفضل من الخبز عنهم؟

تردَّد بعض الشيء بعد أن فعل ما فعل حين أغلق الباب وراءه ومضى. ولكن إن كان قلبه بهذه القساوة، فقلب والده كلّه حنان، لاسيَّما وأنَّ هذا الأب هو أبٌ وأمّ معًا. ولكن أيستطيع الابن أن يقف على رجليه بعد أن صار في الموت الجسديّ، والجوع أحد أسباب الموت في الكتاب المقدَّس، مع الوباء والسيف؟ وتجاه الموت الجسديّ، هو الموت الروحيّ: صار هذا “الابن” وثنيًّا بين الوثنيّين. يعمل أعمالاً لا يعملها حتَّى بعض الوثنيّين. ماذا بقي من الإيمان بالله؟ لا شيء. فهو يحتاج قوَّة غير عاديَّة. وهي أتت إليه حين فكَّر بأبيه.

كان ميتًا فقام. وهذا هو المعنى الرمزيّ للفعل: “أقوم”. ثمَّ “اذهب” هل يترك العيش مع الخنازير وهو يمنع الجوع عنه؟ كم يشبه طيما ابن طيما الأعمى الذي كان ملتصقًا بصخر يجلس عليه. دعاه يسوع فقفز آتيًا إليه. وإذ طلب من يسوع أن يرى، قال له الربّ: “اذهب” فذهب. وسار وراء يسوع حيث الموت، ولكن حيث القيامة.

الهدف عند هذا الأعمى كان واضحًا: السير وراء يسوع. وقارئ الإنجيل يعرف. الهدف هو الجلجلة. أمّا الهدف عند لوط فكان الضياع لأنَّه لا يريد أن يتخلَّى عن سدوم. أخيرًا، طلب أن لا يبتعد عن عالم الخطيئة، عن سدوم وعمورة، “فأمسك الرجلان (اللذان أرسلهما الله) بيده وبيد امرأته لشفقة الربّ عليه” (تك 19: 16). خاف لوط من الموت (آ19). وكيف تحيا نفسه؟ حين يكون في هذه المدينة الصغيرة، صوغر. ولكنَّه ما ترك عوائده فزنى بابنتيه (آ30-38).

لا بدَّ من انسلاخ. وذاك ما فعل “الابن” قال: “أقوم وأذهب”. وفي الحال “قام وجاء إلى أبيه” (لو 15: 20).

وكيف كان الاستقبال؟ من بعيد رآه أبوه. كأنّي به ينتظره فتطلّع في الطريق الموصلة إلى البيت. وهنا أطلَّت أربعة أفعال. أوَّلها: “تحرَّكت أحشاؤه” esplagcnisqh. ثمَّ “ركض” oramwn (اسم الفاعل، راكضًا) وبعده “وقع epe pesen” على عنقه trachloV autou. وأخيرًا “وقبَّله” kate jilhsen. بمودّة بعد أن حنا عليه.

في مثل هذا الوضع، ماذا يستطيع الابن بعدُ أن يقول. سبق له وأعدَّ خطابًا طويلاً. ولكن غمرة الأب الحانَّة قطعَتْ عليه كلامه: أنت ابني وتبقى ابني، ولا يمكن بأيّ حال أن تكون بين الأجراء. وجاءت علامات البنوَّة: الحلَّة الأولى. ثمَّ الخاتم. والحذاء في رجليه يعني أنَّه لم يعُد عبدًا يشبه العبيد الذين كانوا حفاة. وأخيرًا، كانت الوليمة وأيّ وليمة! العجل المسمَّن الذي يُحفَظ للمناسبة المميَّزة إن لم تكن الفريدة. والخاتمة مضاعفة: الميتُ عاد إلى الحياة. والضالّ وجده أبوه بعد أن أضاعه. اكتشف الأب ما عاش ابنه الأصغر خلال حياته بعيدًا عن البيت.

أعلن الابن أنَّه خطئ. هل كان نادمًا؟ هل تحرَّكت فيه عاطفة ما؟ لا يقول الإنجيل شيئًا. لا شكَّ في أنَّه جاء متردّدًا، خائفًا، على مثال إخوة يوسف بعد موت أبيهم: خافوا على نفوسهم: هل يظلّ يوسف يعولهم أم يتركهم وشأنهم؟ قال الكتاب: “بكى يوسف” (تك 50: 17). أمّا هم فما بكوا. وهكذا نقول عن الوالد: هو الذي تحرَّكت أحشاؤه. اشتعل في الداخل مع جميع الاستعمالات العربيَّة: تحنَّن، أشفق، رحم، ترأَّف. هو الذي ركض. تخيَّلوا هذا الشيخ يركض للقاء ابنه. قد يتردَّد الابن، ويرفض كما فعل الابن الأكبر رغم توسّلات والده (آ28). أمّا الأب فلا. انحنى على عنق ابنه وقبَّله قبلات تدلُّ على مودَّته العميقة.

قلب رحيم، حنون لدى الوالد. وقلب قاسٍ لدى الأخ الأكبر. هو لا يغفر. ولا يريد أن يرى وجه أخيه، لا من قريب ولا من بعيد، ولا يريد أن يشارك الوالد فرحته. وهذا الوالد يمثّل الله الآب الذي جاء في ابنه من أجل الخطأة، لا من أجل الأبرار، من أجل المرضى لا الأصحَّاء.[13]

  • ما يعمله الآب يعمله الابن مثله

ذاك ما قال يسوع بعد شفاء مريض بيت زاتا (يو 5: 1). والابن يقيم الموتى كما الآب يُحيي من يشاء. وكما الآب له حشا أمّ، كذلك الابن. والفعل “تحرّكت أحشاؤه” ينطبق عليه، كما انطبق على الآب.

أوَّلاً: رآها الربّ فتحنَّن عليها

كان يسوع داخلاً إلى مدينة نائين ومعه تلاميذه وجمع كبير (لو 7: 11)، كأنّي بالكنيسة ترافق المسيح الممجَّد. ربُّ الحياة داخل، وميتٌ خارج (آ12). هو وضع ميؤوس منه: أرملة. مات زوجها ومعيلها. وها ابنها الوحيد “محمول” إلى القبر. “رآها يسوع. تحنَّن عليها” (آ13). يرى يسوع، ينظر ونظرته نظرة حنان كما كانت مع بطرس بعد أن أنكره. فتحرَّكت أحشاؤه “أمام هذا الوضع المأساويّ، لا يتراجع يسوع. بل يواجه الواقع. مستقبل قاتم. فهذا الولد الوحيد كان غنى هذه الأرملة، ولا غنى لها سواه. هي فقيرة. وها هي أيَّام شيخوختها ماثلة منذ الآن أمامها.

لو أنَّ يسوع إنسان من الناس، لكان أشفق على هذه المرأة. حرام! ما أتعسها! ولكن تحدَّث الإنجيل عن “الربّ kurioV”. وها هو الربُّ يمسك الوضع بيديه (آ13). وبدأ فنظر، وتوجَّه نظره نحو الأمّ لا نحو الابن. فحرَّك هذا النظرُ عند يسوع تعاطفًا عميقًا. رفض هذا الموت. وقال للمرأة: “لا تبكي”. بعد الآن انتهى البكاء. ومع الكلمة التي قال، كانت الحركة: لمس النعش فتوقَّف حاملوه. يقول فيتمُّ ما يقول. يقوم بحركة فيُطاع. وفي النهاية، يدعو الصبيّ لكي يستيقظ، وكأنَّه كان نائمًا. ذاك ما تفعله الرحمة في قلب الربّ. قال لها: “لا تبكي” توقَّفت عن البكاء. وها هي تعزَّت حين استعادت ابنها.[14]

ثانيًا: يسوع السامريّ

هكذا دعا اليهود يسوع “سامريًّا” (يو 8: 48) لأنَّهم لم يفهموا كلامه. ودعوه أيضًا بعل زبول أو رئيس الشياطين. وشُبّه بالقاضي الظالم، وبالوكيل الخائن. وما أطيب إنجيل لوقا يرينا يسوع “سامريًّا” ينحني على إنسان ملقى على الأرض ويضمّد جراحه. وهكذا تكون عبارة “تحرَّكت أحشاؤه” منطبقة على يسوع. هو من يشفق ومن يرحم ضعفنا ويشفي أمراضنا. وقبل أن نشرح النصَّ الإنجيليّ، السامريّ الصالح (لو 10: 25-37) نقرأ ما قال أوريجان (+253) في عظاته حول إنجيل لوقا:

“بحسب أحد الشيوخ الذي أراد أن يفسّر مثل السامريّ الصالح، الإنسان النازل من أورشليم يمثّل آدم. أورشليم هي الفردوس. أريحا هي العالم. اللصوص هم القوى المعادية. الكاهن هو الشريعة واللاويّ هو الأنبياء، والسامريّ هو المسيح.

ثمَّ إنَّ الجراح ترمز إلى العصيان، والمطيَّة هي جسد الربّ، والفندق الذي يستقبل جميع الذين يريدون أن يدخلوا فيه هو صورة الكنيسة…”.

ونعود إلى النصّ الإنجيليّ. طرح العالِم بالناموس سؤالاً أوَّل حول الشروط للدخول في الحياة الأبديَّة. ودعاه يسوع ليجيب هو بنفسه. حينئذٍ قال له يسوع: “بالصواب أجبتَ، افعل هذا فتحيا” (لو 10: 28). أي تنال الحياة الأبديَّة التي طلبْتَها. ولكن أراد هذا الكاتب أن يبرّر نفسه: كيف طرح سؤالاً يعرف الجواب عليه. فقال: “ومن هو قريبي؟” (آ29). فانطلق يسوع في المثل ليفهمنا أنَّ القريب هو من يرسله الله إلينا، أو يجعله في طريقنا لكي نهتمَّ به: “كان رجل نازلاً من أورشليم إلى أريحا…” (آ30).

رجل بين حيّ وميت. هي المأساة في الطريق! مرَّ اثنان في الطريق. كاهن… وكذلك لاويّ… مرَّا “صدفة” في الطريق. ولكن لا صدفة في مشاريع الله. هذا الجريح أمامكما، فكيف تتصرَّفان. بقساوة القلب أم بالرحمة؟ تميلان عنه أم تركعان بجانبه؟ بالأنانيَّة والخوف من خطر يدهمكما؟ أم بالمحبَّة والشجاعة؟ ما الذي يدفعكما؟ الرحمة والحنان أم التعلُّق بالشريعة بحيث لا تتنجَّسان بالدم من هذا الجريح؟ تغلَّبت القساوة والأنانيَّة والشريعة. وهكذا مال الكاهن واللاويّ عن الجريح وتابعا طريقهما وكأنَّهما لم يريا شيئًا، إن كانا رأيا إلاَّ أنَّهما لم يفعلا شيئًا. فأساس سؤال يسوع ومثله: “اذهب وافعل كذلك”. وما لا نعمله يبقى غير معمولٍ. إلاَّ أنَّ الربَّ يستغني عنَّا، ويحزن ويتأسَّف. وفي أيّ حال، يجد شخصًا ثالثًا لا تحترمونه، ولا تحبُّونه. بل تحتقرونه: سامريّ مسافر، مع دابّته، في تجارة، في عمل هامّ. هو لا يشبه الكاهن الذي أنهى خدمته في الهيكل حيث تعلَّم ما يقول سفر اللاويّين: “أحبب قريبك كنفسك” (لا 19: 18). بل إنَّ سفر الخروج قال: “إذا صادفْتَ ثور عدوّك أو حماره شاردًا، تردُّه إليه. وإذا رأيتَ حمار مبغضك وقع تحت حمله وابتعدت عن حلّه، فلا بدَّ لك أن تحلَّ الحمل عنه” (خر 23: 4-5). وسوف يأخذ يسوع مثلاً يدعو فيه الفرّيسيّين إلى عدم قساوة القلب: رجل يده يابسة. هل يُشفى يوم السبت أم لا؟ لا جواب. بل نظرة رافضة. حينئذٍ قال لهم يسوع: “أيُّ إنسان منكم له خروف واحد، فإذا سقط في السبت في حفرة، أما يمسكه ويقيمه؟” (مت 12: 11).

نختبئ مرارًا وراء أعذار وأعذار ولا نفعل شيئًا. أمّا السامريّ فما طلب عذرًا به يتهرَّب فيقول: أنا معجَّل. أنا ماضٍ في تجارة والوقت يدهمني. لا. لم يقل شيئًا من ذلك. وما الذي دفعه إلى ذلك؟” تحرَّكت أحشاؤه esplagcnisqh. دائمًا الفعل عينه مع “أحشاء الرحمة”. وسيعلن الكاتب الناموسيّ في النهاية أنَّ قريب الجريح هو “الذي صنع معه الرحمة” (آ37) eleoV.

ووردت الأفعال: تقدَّم، اقترب بعد أن كان بعيدًا. ثمَّ ضمَّد جراحاته. لا بالشفقة الخارجيَّة، بل بالأدوية المعروفة في أيَّامه: “صبَّ عليها زيتًا وخمرًا” عناية رائعة، تامَّة. ونعود إلى أوريجان:

“مع السامريّ (يسوع) كان زيتٌ يقول فيه الكتاب: “الزيت يجعلُ الوجهَ يشعّ” (مز 104: 5)، الوجه الذي اعتنى به، بلا شكّ. وإذ أراد أن يهدّئ التهاب الجراح، نظّفها بالزيت، وبخمر ممزوجة بأشياء مرَّة. ثمَّ جعل الجريح على مطيَّته، أي على جسده الخاصّ، لأنَّه تنازل واتَّخذ الوضع البشريّ.

“هذا السامريّ يحمل خطايانا (مت 8: 17) ويتألَّم من أجلنا. حمل الجريح واقتاده إلى الفندق، أي إلى الكنيسة. وهي مفتوحة للجميع ولا ترفض العون لأحد، ويسوع يدعو الجميع إليها: “تعالوا إليَّ أيُّها المتعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم” (مت 11: 28).

“حقًّا، حارس النفوس هذا بان أقرب من أهل الشريعة والأنبياء حين رحم ذاك الذي وقع بين أيدي اللصوص. دلَّ أنَّه قريبه. لا بالكلام بل بالعمل.

“إذًا يمكننا حين نتبع هذا الكلام: “اقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمسيح” (1 كو 11: 1) أن نقتدي بالمسيح ونشفق على الذين وقعوا في أيدي اللصوص، فنقترب منهم ونصبُّ الزيت والخمر على جراحهم ونضمّدها، ونحملهم على مطيّتنا ونحمل أثقالهم. ولهذا قال لنا ابن الله متوجّهًا إلينا جميعًا ليحثّنا نحن قبل معلّم الشريعة: “اذهب أنت أيضًا وافعل كذلك” (لو 10: 37). وإن عملنا نلنا الحياة الأبديَّة في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين. آمين” (1 بط 4: 11).

الخاتمة

ذاك هو كلامنا على الله الذي هو أب وأمّ، بحيث نستطيع أن نصلّي: أبانا وأمّنا الذي في السماوات… فأحشاؤه أحشاء أمّ وهو الذي ولدَنا وربَّانا وحملنا على ذراعه ولا يزال. وابنه يسوع المسيح أعطانا أجمل صورة ملموسة. المرضى، تحنَّن عليهم. الجائعين أطعمهم، والسامريَّة أعطاها الماء الحيّ بحيث لا تحتاج أن تأتي كلّ يوم إلى البئر في وقت الظهيرة. لا مجال لغضب الله! غضبه حزن وبكاء على أولاده. ولا يريد “العقاب” لأحد بشكل مباشر. فالعقاب الذي نحسبه “من عند الله” إنَّما هو نتيجة أعمالنا. ذاك كان وضع الشعب الأوَّل. يترك الربُّ ويلجأ إلى الأصنام وينتظر الخلاص بواسطتها! يا للغباوة. والابن الضالّ ترك البيت الوالديّ. ولكن الحمد لله أنَّه رجع. أبوه كان ينتظره. بل أمّه التي تحرَّكت أحشاؤها وغمرته بحنانها… ماذا ننتظر بعد ذلك في سنة الرحمة؟ اعتادت الكنيسة اللاتينيَّة أن تعيّد في أحد توما رحمة الله. فيسوع قال للقدّيسة فوستينا: “أرغب أن يكون الأحد الأوَّل بعد القيامة عيد الرحمة… ففي هذا اليوم، تنفتح أحشاء رحمتي فأصبُّ بحرًا من النعم على النفوس التي تقترب من ينبوع رحمتي”. وقال البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني: “أظهر يسوع يديه وجنبه. أي أرانا جراحات حاشه وآلامه، خصوصًا جرح قلبه الذي منه تجري موجة الرحمة التي تنصبُّ على البشريَّة. وعبْر قلب المسيح المصلوب تصل الرحمة الإلهيَّة إلى الناس. وهذه الرحمة ينشرها المسيح على البشريَّة في إرسال الروح الذي هو أقنوم الحبّ في الثالوث.”


[1]  J. SOKOLOWSKI, Lois sacrées des Cités grecques, Supplément, Paris, 1962, n. 120, 10; 125, 4; 135, 89; PHILON, Des lois spéciales, 1, 216.

[2]  ورد هذا الفعل في صيغة المعلوم مرَّة واحدة في اليونانيَّة الدنيويَّة Calendrier des cultes, à Cos. Voir 2 Mac 6, 8 : agein kai splagcni zein  الاشتراك في المأدبة الطقسيَّة.

[3]  Le mot splagcnon est cité dans Dict. Theol. Du NT (VII, 548, par Köster) vient de E. CHAMBRY (ed), Corpus fabularum Aesopicarum XLVII.

قال صبيّ لأمّه: “أكلت كثيرًا من splagchna (أحشاء). وفي النهاية، تقيَّأت أحشائي” فأجابته أمّه: “لا أحشاءك أكلتَ، يا صغيري، بل تلك التي أكلت.”

[4]  فيلون، رمزيَّة الشرائع 1: 12؛ في السكر 106؛ الشرائع الخاصَّة 1: 62.

[5]  رج 2 مك 9: 5-6 (ألم في الأمعاء)؛ أع 1: 18 (أمعاء يهوذا)؛ 4 مك 5: 30؛ 10: 8؛ 11: 19. رج يوسيفس، العاديّات 15: 359 (في صيغة المفرد)؛ الحرب 2: 612: “جلدهم يوسف بالسياط حتَّى تعرَّت أمعاؤهم.

[6]  فيلون، في الثواب والعقاب والمباهلة؛ Testament d’Abraham, A, 3, 5

[7]  فيلون، يوسف 25؛ 4 مك 14: 13: “تأمّلوا حنايا الرحمة لدى أمّ تعيد كلّ شيء إلى محبَّة ثمرة رحمها”. ذاك هو الحبّ الأموميّ أو الغريزة الأموميَّة.

[8]  أي 30: 27 (“غلَت أحشائي ولم تهدأ”). Voir P. DHORME, L’emploi métaphorique des Noms de parties du corps en hébreu et en Akkadien, Paris, p. 111ss; 134ss; P. LACAU, Les Noms des parties du corps en Égyptien et en Sémitique, Paris, 1970 §219; G. SCHMUTTERMAYER, « RHM-Eine lexitralische Studie » Biblica, 1970, p. 499-532. Voir pour cette partie C. SPICA, Lexique théologique du Nouveau Testament, Cerf/Editions Universitaires Fribourg, 1991, p. 1409-1412.

[9]  هي الترجمة المشتركة (الشاعر يوسف الخال والأب بولس الفغاليّ) جمعيَّة الكتاب المقدَّس، بيروت، 1993.

[10]  Jenni-Westermann, Theologisches Handwörlerbuch zum Alten Testament, München-Zürich, 1988, p. 762-767.

يربط الفعل “ر ح م” برحم المرأة. ويعطي إحصاء بعدد المرَّات التي يرد فيها الفعل والاسم. الخوري بولس الفغاليّ، إنجيل متَّى، الجزء الأوَّل، بدايات الملكوت، الرابطة الكتابيَّة، 1996، ص 487ي (تجلّي رحمة الله). ثمَّ، الجزء الثاني، سرّ الملكوت، 1998، ص 211ي.

Craig S. KEENER, A Commentary on the Gospel of Matthew, Grand Rapids, Michigan/Cambridge, U.K., 1999, p. 291-293 puis p. 350ss; R. T. FRANCE, The Gospel of Matthew (NICNT), Grand Rapids, Michigan/Cambridge, U.K., 2007, p. 349-355; puis p. 453-462.

[11]  عد 27: 17: هو كلام على يشوع: “يخرج أمامهم (إلى الحرب) ويدخل أمامهم إلى المدينة، يُخرجهم ويُدخلهم لئلاَّ تكون جماعة الربّ كالغنم التي لا راعيَ لها”؛ 1 مل 22: 17. يتحدَّث النبيّ ميخا بن يملة: “رأيتُ كلَّ إسرائيل مشتَّتين على الجبال كخراف لا راعي لها”: رج 2 أخ 18: 16؛ يه 11: 19.

[12]  Camille FOCANT, L’évangile selon Marc, Paris, Cerf, 2004, Serie « Commentaire biblique, Nouveau Testament », 2, p. 247-249; William L. LANE, The Gospel of Mark (NICNT), Grand Rapids, Michigan/Cambridge, U.K., 1974, p. 226-230.

[13]  François BOVON, L’évangile selon saint Luc, 15, 1-19, 37, Labor et Fides, 2001, p. 44-50; Joel B. GREEN, The Gospel of Luke (NICNT), Grand Rapids, Michigan/Cambridge, U.k., 1997, p. 577-586.

[14]  François BOVON, L’évangile selon saint Luc 1-9, Labor et Fides, 1991, p. 345-358; A. GEORGE, « Le miracle dans l’œuvre de Luc » in Les miracles de Jésus selon le Nouveau Testament, éd. X. LEON-DUFOUR, Paris, 1977, p. 249-268; Les Pères de l’Église commentent l’Évangile, Abbaye de Clervaux, Brepols, 1991, p. 419.

راجع تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلُّس الإسكندريّ، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، القاهرة، 2007، سلسلة “نصوص آبائيَّة”، 116، ص 331.

Scroll to Top