Almanara Magazine

الكتاب المقدَّس في الكنيسة السريانية الكاثوليكية

سيادة المطران ربولا أنطوان بيلوني

المقدِّمة:

للكتاب المقدّس في الكنيسة السريانية، شأنها شأن سائر الكنائس، مكانته الخاصة والفريدة، كما يؤكدّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في دستور “الوحي الإلهي” رقم 11: “لأنّ الحقائق الإلهية التي تتضمّنها وتعلنها أسفار الكتاب المقدّس قد سُطرت بإلهام الروح القدس. وأمّنا الكنيسة المقدَّسة بفضل الإيمان الذي استلمته من الرسل، تعتبر كتب العهد القديم والعهد الجديد كلّها بجميع أجزائها مقدّسة وقانونية، لأن تلك الأسفار التي كُتبت بإلهام الروح القدس، هو الله الذي ألّفها، وسُلِّمت كما هي عليه إلى الكنيسة نفسها”.

ومن المعلوم تاريخيًّا أن الشرق الأوسط كان آراميًّا في غالبيّته في زمن المسيح بلهجاتٍ مختلفة. وكان سكّانه السبّاقين إلى الاعتراف بالإيمان المسيحي ومتمسكين به تمسّكهم بالحياة. لذلك نراهم يهتمّون بالكتاب المقدس كأعز كنز لديهم، ويحافظون عليه. وقد حملتهم غيرتهم على إيمانهم النابع من الأسفار المقدّسة، إلى إتلاف جميع الكتب التي تمتّ إلى الوثنية بصلة. وإن هؤلاء سُمّوا سريانًا في جزيرة مابين النهرين. بعد أن أصبحت كلمة آرامية مرادفة للوثنية.

وكان لهؤلاء السريان ترجمات عديدة وقديمة لما لآبائنا السريان من الرغبة في الحصول على الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، بلغتهم وهي أقرب ما يكون، إلى اللهجة الآرامية التي تكلّم بها الرب يسوع وأمّه البتول ورسله القديسون. وكان استغناؤهم عن وثنيّتهم لما وجوده في كتاب الله من غنى روحي وأدبي وفنّي وتاريخي. وركّزوا جهدهم على الأناجيل المقدّسة، البشرى السعيدة، فتنافسوا في تكريم كتاب الإنجيل ما استطاعو، فاستنبطوا خطّاً جميلاً لكتابته، وزيّنوه بأجمل التصاوير والرسوم. وخير شاهد على ذلك إنجيل ربولا الشهير، والأناجيل التي  لا تزال محفوظة في بعض الكنائس.

وسيقتصر حديثنا في هذا المقال على تكريم الكنيسة السريانية للكتاب المقدّس وعلى الترجمات المعتمدة لديها. وعلى طريقة استعمال الأسفار المقدسة في كتبها الطقسية، مستندين إلى الكتب المطبوعة. وسنعطي قبل الختام بعض النماذج من تآليف الآباء لإثبات ما ذهبنا إليه.

أوّلاً: تكريم الكتاب المقدَّس

يقول مجمع دير الشرفة في الصفحة 46: “لتُحفظ بكلّ اهتمام العادةُ القديمة، وهي أن يكون في كلّ بيعة كتاب الإنجيل، حاوياً الفصول التي تُقرأ على مدار السنة بحسب طقسنا بالسريانية، وفي البلاد التي أهلها يتكلمون بالعربية، بالسريانية والعربية. وليكن وجه كتاب الإنجيل المذكور مغشّى بصفحة من فضّة منقوش في وسطها صورة المصلوب، وفي زواياها صور الإنجيلين الأربعة. وليُنصب هذا الكتاب على نصبته المسمّاة الجلجة جُجٌولةُ، لكي يكون معروضاً لعبادة المؤمنين”. مما يضع الإنجيل المقدس إلى جانب القربان الأقدس ومكرّماً مثله، لأنه يجسّد في نظر الآباء، المسيح في كلامه الحيّ.

فالإنجيل المعروض، يقبّله المؤمنون كلّما دَخلوا الكنيسة وخرجوا منها، كما يقبّله جميع المشتركين في صلاة الفرض بعد تقبيلهم يد الأسقف المترئس في نهاية الصلاة القانونية. ويُبخّر في الرتب البيعية. ويُقبَّل الإنجيل بعد تبخيره وقراءته. وقراءة الإنجيل تعود للمترئس. فإذا سلّم الأسقف قراءة الإنجيل يعيده بعد القراءة إلى المترئس ليقبّله.

في الرتب البيعيّة، يكون نصّ الإنجيل المعيّن، مرتّلاً، وبألحان منوّعة، إلاّ في أسبوع الآلام، حيث يُطلب أن يُقرأ الإنجيل بخشوع. وعند ترتيل الإنجيل أو قراءته يبخّره الشماس، وفي الأعياد السيّدية يحيط به شمّاسان حاملان مروحتين يرفران بهما عند نهاية كل جملة. وإذا رتله الأسقف أو أصغى إليه ينزع التاج عن رأسه. وكذلك الشعب يُظهر احترامه للإنجيل بالإصغاء إليه وقوفاً وبتهيّب. وكم من المؤمنين يطلبون حمل الإنجيل المقدّس بينما الكاهن يرتلّه، وغيرهم يكتفي بأن يضع رأسه تحت الإنجيل آنذاك. وكم من المرضى يطلبون أن يتلو الكاهن الإنجيل على رأسهم لشدّة إيمانهم بفاعلية كلام الله وقدرته على شفائهم.

وفي كل قداس احتفالي، عند نشيد “أعظمك ياربي الملك: الابن الوحيد …” يُطاف بالإنجيل حول المذبح، يسبقه الصليب مع شمعتين، ويُبخِّر أمامه الشماس أو احد الكهنة، ويرافقه شمّاسان بمروحتين. بهذا التكريم نعلن أيماننا بحضور السيد المسيح في كلامه الحيّ، وبضرورة التبشير بالمسيح في العالم كلّه، على طلبه وأمره. وفي ختام النشيد والتطواف، يُعاد الإنجيل إلى منصّته، ويُنادى بالمسيح القدّوس إلهاً قديراً لا يموت: قَدٍيشَة آَلُؤُا. قَدٍيشَة حَيلةُنُا. قَدٍيشَة لاُ مُيٌوةُا.

ومن حيث علاقة الكتاب المقدَّس بالدرجات الكهنوتية الصغرى (مرنّم، قارئ، هوبدياقون) والكبرى (شماس، كاهن، أسقف) نراها واضحة في تقاليدنا السريانية لا سيّما في الرسامات الكهنوتية. ففي ختام رسامة المرنّم، يسلّمه الأسقف كتاب المزامير مفوّضاً إياه بقراءته في الرتب البيعية. كذلك يفعل مع القارئ فيسلّمه كتاب العهد القديم. امّا الهوبدياقون (من هو دون الشمّاس) فرسامته تؤهلّه لقراءة العهد الجديد، ماعدا رسائل مار بولس والإنجيل. فالرسائل يقرأها الشمَّاس، أمّا الاناجيل فيحقّ ترنيمها وتلاوتها للكاهن وما فوق، ممَّن يترأس الاحتفال الديني. يُقرأ الإنجيل ويرتّل في وسط الخورس أو من على المنبر. أمّا رسائل مار بولس فيقرأها الشمّاس واقفاً عن شمال المذبح وعن يمين الكاهن. وباقي القراءات يتلوها باقي المرسومين وقوفاً من الجهة المقابلة، كلٌّ بدوره.

ومن الواضح في سيامة الأسقف أن الإنجيل والتبشير به هو من مسؤوليته الأولى. فطقسنا السرياني يلزم، عند صلاة وضع اليد، بوضع الإنجيل المقدّس فوق رأس المرتسم يحمله الأسقفان المعاونان مفتوحاً حيث يوجد نص لوقا البشير (4: 18 …) “روح الربّ عليّ، لذلك مسحني لأبشّر المساكين وأرسلني لأشفي المنكسري القلب”.

ثانياً: الترجمات السريانية والعربيّة.

ظهرت سريعاً مع نشأة الكنيسة، ترجمات سريانية عديدة، للعهد القديم والجديد معاً، أو للعهد الجديد وحده. فأخذ الشعب السرياني يحفظ الكثير من نصوص الكتاب المقدَّس حتى قيل: “لا خوف على الأسفار المقدّسة من الضياع، إذ بالإمكان جمعها من صدور المؤمنين، ومن تآليف الآباء”. وللترجمات السريانية قيمتها من حيث قِدَمُها أوّلاً. لأنها رافقت الشعب السرياني في تنصّره، وأتت بلغة الرها لقربها من اللهجة القريبة بالنسبة إلى العهد القديم، ومن قرب اللغة السريانية إلى آرامية “الجزيرة” القريبة بدورها من الآرامية – اليهودية التي تحدَّث بها السيّد المسيح وأمّه المباركة ورسله الأطهار. وكأنها تُعيد إلينا النصّ الكتابي كما خرج من فم الرب يسوع وكما تداول به الرسل الأطهار، بعد أن نُقل العهد الجديد من اليونانية إلى السريانية. زد على ذلك إن الذين نقلوا الكتاب المقدّس إلى السريانية هم شرقيّون، ويعيشون في بيئة مجاورة لبيئة الأرض المقدّسة، ولهم المقدرة على فهم الأسفار المقدس وترجمتها أكثر من سواهم.  

  • الترجمة البسيطة

عندما يأمر مجمع الشرفة السريان الكاثوليك بأن يستعملوا الترجمة السريانية فشٍيطةُا المعروفة بالبسيطة، يؤكدّ ضمناً وعلناً وجود ترجمات سريانية آخرى لا تضاهيها، يحرّم استعمالها في الطقوس البيعية. دونك ما جاء في الصفحة 45: “إنّ أشرف كتاب يُستعمل في الطقس هو بلا مراء، الكتاب المقدّس، بعهديه القديم والجديد. وللكتاب المقدّس ترجمة سريانية مستحقة الاعتبار، متقادمة العهد، مقبولة في البيعة. وقد توالى استعمال البيعة الأنطاكية لها بفروعها، منذ القرن الأوّل للمسيح إلى الآن. وهذه الترجمة هي فشٍيطةُا الترجمة البسيطة. ولذلك فنختّم ونجزم بأن يكون استعمال هذه الترجمة عاماً مطلقاً في بيعتنا. وذلك في كل ما هو  طقسي من هذه الكتب، مثل قراءات العهد القديم والمزامير والتسابيح وقراءات العهد الجديد”.

“بسيطة العهد القديم، في رأي موسى بركيفا، نُقلت عن النصّ العبراني للعهد القديم، الذي اعتمدته السبعينيّة” (روبنس دوفال، تاريخ الأدب السرياني، لويس قصّار، 1992، 41 وما يلي). أما عن بسيطة العهد الجديد، فقد جاء في ملحق المعجم الكتابي: “إنها النسخة الرسميّة للكنيسة السريانية منذ القرن الخامس. وتحتوي على جميع أسفار العهد الجديد، ما عدا الرؤيا وأربع رسائل كاثوليكية: 2 بطرس، 2 و3 يوحنا، ويهوذا. وقد يكون ناقلها، على الأرجح، ربولا أسقف الرها” (الجزء الرابع، 874).

ومن النصوص القديمة للعهد الجديد، الدياطسرون لطاطيانوس، أي الإنجيل الموحّد من “الأناجيل المختلطة” آِوَنجِلــــيُون دَمحَلًطا.وهذه الترجمة قد تكون سقبت ترجمة الأناجيل المنفردة: آِوَنجِلــــيُون دَمفَإشِا التي أصبحت، فيما بعد، الترجمة البسيطة للعهد الجديد. وقد حارب القديس ربولا، أسقف الرها. ترجمة الإنجيل الموحَّد، وفرض في كل كنيسة من كنائس أبرشيته إقتناء نسخة من “الأناجيل المنفردة” والامتناع عن استعمال الدياطسّرون.

ب- ترجمات سريانية أخرى

“وأمّا العهد القديم برمّته، فتُرجم من اليونانية السبعينية إلى السريانية سنة 617 في الإسكندرية أيضاً على يد بولس أسقف تلاّ (تل موزلت) بأمر اثناسيوس بطريرك اليعاقبة الإنطاكي. (مقدمة المزامير، ص 30). كذلك تُوجد ترجمات أخرى بالسريانية عن اليونانية.

3. الترجمة العربية الخاصّة بالكنيسة السريانية الكاثوليكية

مع تراجع اللغة السريانية أمام العربية، بات لِزاماً على الكنيسة أن تتبنّى ترجمة عربية تستعملها في طقوسها. وهذا ما لحظه مجمع دير الشرفة بقوله: “إذ كانت اللغة العربية هي اللغة الجاري استعمالها في معظم الجهات المنبثّة فيها طائفتنا، وبها تُقرأ، غالباً، في بيعتنا القراءاتُ والرسائل وفصول الإنجيل، كان لا بدّ أن تكون الترجمة موافقة للترجمة البسيطة” (46).

وبفضل العلاّمة المطران يوسف داود، تحقّقت هذه الرغبة وأصبح للكنيسة السريانية الكاثوليكية ترجمتها العربية الخاصّة للكتاب المقدّس، تستعملها – دون سواها – في الكتب الطقسية والرتب الدينية. وهذه الترجمة هي الترجمة المُسمّاة “النسخة الشرقية” التي كانت تستعملها الطوائف المسيحية من سريانية وكلدانية وروميّة. وطُبع منها الإنجيل في روما سنة 1591، وهو أوّل مطبوع عربي على الإطلاق، ثمّ طبع أيضاً في روما النصّ العربي بحروف سريانية يقابله نصّ البسيطة السرياني، سنة 1703.

لم يَرُق للمطران داود النصّ المطبوع لكثرة شوائبه، بل رجع إلى أبعد ما يكون ليُعيد النصّ إلى كامل صفائه وجماله. هذا ما أكّده بنفسه في مقدّمة العهد القديم في 19 آذار 1871: “قد جعلتُ أساساً للنص الذي حرّرته الترجمة العربية المطبوعة في رومية سنة 1671 … ورأيت من الواجب أن أصحّحها على النصّ الأصلي بكلّ الضبط الممكن. ومرادي بالنصّ الأصلي الذي خرج من قلم الأشخاص الذين على قلبهم نزل كتاب العهد القديم الشريف باللغات الأصلية أي العبرانية والكلدانية واليونانية. ولمّا كان النص العبراني لا يخلو من زلل وخلل في مواضع شتّى، اقتضى أن أستعين بالترجمات القديمة المقبولة في الكنيسة، ولا سيّمَا اليونانية المسمّاة السبعينية، واللاتينية المعروفة بالولغاتا والسريانية المشهورة بالبسيطة”.

وقد بذل، أيضاً، ذات الجهد في تنقيح نصّ العهد الجديد من الترجمة عينها. فبعد أن عدّد الأسباب الوجيهة التي حملته على تفضيل “الترجمة الشرقية” على سواها، يقول، في مقدّمة العهد الجديد، في أيار 1871: “جعلتُ أتطلّب، من كلّ مكان، كلّ ما أمكنني من نسخ الترجمة المذكورة المخطوطة باليد والمطبوعة… وقصدي بها كان أن أقابلها بعضاً مع بعض، حتى أقف على حقيقة أصل نصّ هذه الترجمة خالصاً من كلّ دغل، وأعيدها على حالها الأوّل على قدر الإمكان، وأُرجعها إلى ما كانت عليه، حينما خرجت من يد مُترجمها أو أيدي مترجميها، في أصل وضعها”.

ويشهد لمقدرة هذا العلاّمة ولبلاغة ترجمته، المطران جرجيس عبد يشوع، مدبّر أبرشية آمد للكلدان، في 8/12/ 1874، وذلك في مقدّمة الترجمة التي طبعها الآباء الدومنيكان في الموصل. “أقول إنّ الرجل الفاضل العلاّمة العامل، الخوري يوسف داود الموصلي، قد صنع بذلك إلى بيعة المسيح الواحدة الرسلية القدسية القاثليقية المنبثّة في الآفاق قاطبة، جميلاً شيئًّا  يحقّ لأجله التهنئة والشكر… تصفّحتها، وإذا هي جاءت مطابقة للمرام، وقد استردّ عليها منشئها اللوذعي الصحّة والفصاحة اللتين لا بدّ أن كانتا لها في أوّل أمرها حين ترُجمت وتداولتها ألسن العرب النصارى البليغة في أيّام ظهور النصرانية في بلادهم وقبائلهم وملوك الحيرة وغسّان والبقيّة”.

ثالثاً: الكتاب المقدّس في الكتب الطقسية

  1. المزامير

عندما نتكلّم على الصلاة، يتبادر فورًا إلى ذهننا كتاب المزامير، لأنّه فعلاً، كان ولا يزال الكتاب الأساسيّ للصلاة في الكنيسة. ففي كتاب قوانين الرسل الذي يعود إلى القرن الرابع، يوجد أمر صريح على الاكليرس بأن يجتمعوا كلّ يوم صباحًا ومساء، ويترنّموا بمزامير داود ويقرأوا فصولاً من بقية أسفار الكتاب المقدس. “بةِشمِةُا دعٍدّةُا زُمرٍين ةِشبحًُةُا ددَوٍيد كٌليٌوم بيٌوم” “في الخدمة الكنيسة يرتّلون تسابيح داود يومًا فيومًا”. وإنّ أحد البطاركة اليعاقبة – قرياقس في القرن الثامن – كان يحرّم رسامة الرسائلي على مَن لم يتجاوز العشر سنوات، ولم يحفظ كلّ مزامير داود. وهذه المزامير كانت مُوزّعة على ساعات الأسبوع الفرضية. غير أنّ اليعاقبة، كما يذكر المطران يوسف داود في مقدّمة المزامير، (ص 9): “حذفوا من الصلاة الفرضية كلّ المزامير رأسًا، ولم يبقوا منها إلاّ نحو خمسة عشر مزمورًا من أقصر المزامير، تُعاد كلّ يوم بعينها طول السنة. وما لم يحذفوه رأسًا من التسابيح الكتابية والمزامير أبقوا من أوّل، آية أو آيتين فقط وأسقطوا الباقي”. رغم كلّ ذلك، بقي استعمال المزامير في كلّ المناسبات وافرًا. “في الكنيسة السريانية، جميع الطقوس والاحتفالات تبتدئ بترتيل جملة من المزامير. كذا طقوس الرسامات وتبريك الماء والأغصان والسجدة والعنصرة وزياح الصليب وتبريك الزيوت وتقديس الميرون وسائر الطقوس” (ص 24، مقدّمة المزامير).

كتاب المزامير المطبوع بالسريانية سنة 1911 والمستعمل في الصلاة الفرضية، يحتوي على المزامير المائة والخمسين، مرقّمة حسب الطريقة العبرية. آياتها مقسّمة إلى شطرين لكي تسهل قراءتها جماعيًا. ويحتوي أيضًا على التسابيح الشبيهة بالمزامير والمستعملة في صلاة الآحاد والأعياد، يُضاف إليها نشيد العذراء والتطويبات الثمانية المأخوذة من إنجيل متّى، الفصل الخامس. وهذه هي التسابيح المأخوذة من العهد القديم: تسبحة موسى (تثنية 32/1-43)؛ تسبحة أخرى له (خروج 15/1-19)؛ تسبحة حنّة (1 ملوك 2/1-10)؛ تسبحة حبقّوق (3/2-19)؛ تسبحة أشعيا الأولى (26/9-19)؛ تسبحة يونان (2/3-10)؛ تسبحة آل حننيا (دانيال 3/26-56)؛ تسبحة الفتيان الثلاثة (دانيال 3/57-90) تسبحة أشعيا الثانية (42/10-13 و45/8).

  • استعمال المزامير

تدخل المزامير في جميع الصلوات الفرضية والرتب، وبشتّى الطرق. تستعمل كاملة فتقرأ بالتناوب بين الجوقتَين في صلوات الساعات الفرضية، لا سيّمَا صلاة المساء والستّار والليل والصباح. وتُستعمل المزامير موزّعة مع نشيد عِنيُنُا، فتقال آية من المزمور قبل كلّ مقطع من النشيد. وهذا التقليد باقٍ عندنا في السيامات الكهنوتية مثلاً، وفي آخر قومة من صلاة الليل كلّ يوم، وفي ستّار الصوم الكبير. وحيث سقط استعمال المزمور بهذا الشكل، بقي منه آيتان أو أكثر، تقال في مطلع النشيد، مع أول مقطعين، قبل المجدلة، كما هي العادة في صلوات كتاب الشحيم. وتُسمّى الآية فتغام (فِةجُمُا).

وقد يرتّل المزمور بكامله مع هللويه، أو تؤخذ منه بضع آيات فقط، ويسمّى عندئذٍ، قوقليون (قٌوقلــيٌون). والقوقليون يبدأ كلّ خدمة صغيرة، أي تشمشت (ةِشمِمةُا) سواء أتت مستقلّة، أم ضمن صلاة الفرض. والتشمشت تتألّف من القوقليون وبيت مرتل (عِقبُا) والحساية وأربعة أبيات من أحد الأناشيد والطلبة (بُعٌوةٌا) أي الباعوث. والاستعمال الأكثر شيوعًا للمزامير هو استعمال جملة أو آية كهتاف قبل القراءات (زٌومُرُا) أو مباشرة قبل الإنجيل مع هللويه (فِةجُمُا دآِوَنِجلــيُون).

بعد أن كانت المزامير المائة والخمسون تُتلى خلال أسبوع، موزّعة على أيامه وساعاته القانونية، تراجع استعمالها أمام إدخال تأليف الآباء والملافنة في الصلاة الفرضية، وإدخال القراءات الكتابية. ففي كتاب الشحيم (كتاب صلوات الايام الستة العادية الخالية من الأعياد)، تدخل، في صلاة المساء، المزاميرُ الآتية: 140 و141 و118 (ن) و116.

في صلاة الستار: المزمور 4 والمزموران 91 و 120.

في صلاة الليل: المزامير 133 و118 (ت) و116 والمزمور 132 مع أبيات نشيد تتبعه المزامير 148 و149 و150 و116.

في صلاة الصباح: المزامير 51 و63 و113 تتبعها المزامير 148، 149، 150 و116. وتختم الصلاة بمقاطع من المزمور 92: صالحٌ الحمدُ للربّ.

عندما تكون الصلاة الفرضية في الكتب الكبيرة (فنقيت فِنقٍيةُا)، تُستعمل مزامير ثابية لصلاة المساء ويُضاف إليها المزمور 51. وفي صلاة الليل، يُضاف على المزامير العادية أربعة مزامير، اثنان لكلّ قومة، تتغيّر مع كلّ أحد وعيد. مزامير الستّار تبقى على حالها. أمّا مزامير صلاة الصباح، فهي كما يلي بالترتيب: 51 و63 و19 وتسبحة أشعيا الثانية ونشيد العذراء والمزامير 148 و149 و150 و116، ثم التطويبات.

وإنّ أيّام الصوم الكبير وأسبوع الآلام لها مزاميرها الخاصّة والغنيّة. وهكذا، مهما تراجع استعمال المزامير أمام تأليف الآباء، يبقى عددها وافراً، ولا تفقد مكانتها وأهميّتها في الصلاة نظرًا إلى تنوّع معانيها والمواضيع التي تتناولها.

رابعًا: القراءات الكتابية في الممارسات الطقسية

  1. الأناجيل ورسائل القدّيس بولس

القراءات الكتابية المستعملة يوميًا قراءات الأناجيل ورسائل مار بولس في القدّاس؛ لذلك اهتمّت الكنيسة بطبع هذين الكتابين، كتاب الأناجيل وكتاب الرسائل، على انفراد، تسهيلاً لاستعمالهما. وكلاهما مطبوعان، في كنيستنا، باللغتين، السريانية والعربية، في حقلين متقابلين. أمّا النصّ العربي، فكان مكتوبًا بالكرشوني، أي بالحرف السرياني المطابق للحرف العربي. وهذه نظرة على محتوى الكتابين:

في كتاب الأناجيل، توزّع النصوص المختارة على ثلاثة أقسام. في القسم الأول، ترد الأناجيل المعيّنة لدورة الآحاد والأعياد السيدية وما يرافقها، ابتداء من أحد تقديس البيعة وانتهاء بالأحد السابع بعد عيد الصليب. والقسم الثاني الذي يشمل أعياد القدّيسين، يبتدئ في أول تشرين الأول وينتهي في آخر أيلول. وبما أنّه يوجد دورة القدّيسين 154 يومًا، لا ذكر لقدّيس فيها، لزم قسم ثالث يسدّ هذا الفراغ، وهو يحتوي على 27 قراءة موزّعة على ستة أيّام الأسبوع، بمعدّل أربع قراءات لكلّ يوم، يختار منها ما يناسب بطريقة تجعلها تمرّ كلّها خلال الشهر. وأنّ قراءة واحدة مأخوذة من الدياطسرون لا تزال تُقرأ في قداس خميس الأسرار.

وكتاب رسائل مار بولس المرافق لكتاب الأناجيل، يتبع التقسيم عينة يومًا فيومًا. غير أنّ فيه قسمًا رابعًا مضافًا بين الأول والثاني، فيه 29 قراءة لمناسبات خاصّة، موزّعة على الشكل الآتي: 6 قراءات للرسل، و7 للأساقفة والملافنة، وقراءة للأساقفة الشهداء، و4 للشهداء، و7 للمعترفين، و4 للبتولات الشهيدات والقدّيسات.

  • الفناقيث

سبعة كتب ضخمة تضمّ الصلوات الفرضية التي تُقال على مدار السنة الطقسية، في أيّام الآحاد وأعياد الدرجة الأولى والثانية. يُقسم كلّ كتاب إلى قسمين، يتبع القسم الأول الدورة السيدية، والثاني دورة أعياد القدّيسين. وإنّ الكتاب الأول، المُسمّى العمومي ( جَوُنُيُا) يكمّل دورة القدّيسين، إذ فيه فرض لكلّ فئة من القدّيسين كالرسل والشهداء والمعترفين والملافنة… نعود إليه عندما لا يكون لأحد القدّيسين فرض خاصّ به، أو عندما ينقص فرضه بعض الصلوات.

القراءات في هذه الصلوات الفرضية مقتصر عمومًا على قراءة إنجيل في آخر صلاة المساء، وإنجيل في آخر صلاة الصباح. تكثر القراءات في أيّام الصوم وفي أسبوع الآلام. ففي أيّام الصوم، في آخر صلاة المساء، يوجد أربع قراءات عوض القراءة الواحدة العاديّة، اثنتان من العهد القديم واثنتان من العهد الجديد. وهذه القراءات تتناول، عادة، المواضيع المناسبة أي الصوم والتوبة والصلاة والغفران. وهي تتبع مباشرة نشيد الطلبة (بُعٌوةُا) في آخر الصلاة الفرضية.

وفي أسبوع الآلام، حيث تطول الصلوات، تزداد أيضا القراءات الكتابية بذات النسبة تقريبًا. ففي يوم الاثنين مثلاً، يوجد خمس قراءات لصلاة المساء، وستّ للقومة الأولى من الليل، وخمس للقومة الثانية، ولصلاة الصبح خمس أيضًا، كلّها مأخوذة من العهد القديم والجديد. كذلك قراءات أربع للساعة الثالثة. وبما أنّ يوم الجمعة العظيمة هو اليوم الأهم في عمل الفداء، فصلواته تكاد لا تنتهي، وقراءاته لا تُحصى. نأخذ، مثلاً، صلاة الليل: فلكلّ قومة من القومات الثلاث الأولى خمس قراءات تنتهي بالإنجيل كالعادة، وللقومة الرابعة قراءة واحدة من الإنجيل. أمّا الصلوات التالية، فلصلاة الصبح ستّ قراءات، وللساعة الثالثة خمس، وللساعة السادسة ثمانٍ، وللساعة التاسعة ستّ. وكلّ ذلك تبعًا للتقليد المعروف: على قدر أهميّة العيد، تطول الصلاة.

  • كتاب العبّ

يُسمّى بهذا الاسم الكتابُ الأكثر استعمالاً لدى كاهن الرعية، والمفروض أن يكون في متناول يده دائمًا وكأنّه في عبّه، لأنّه يضمّ صلوات المناسبات اليومية، بما فيها صلوات الجناز ورتب بعض الأسرار، كالعماد والتثبيت والزواج ومسحة المرضى.

في هذه الرتب والأسرار، لا يوجد عادة أكثر من قراءتين، أي رسالة وإنجيل، علمًا بأنّ بعضها كان له أكثر من قراءتين فيما مضى، كرتبة الجنّاز مثلاً.

  • كتاب الحبريات في مجلّدين

اسم الكتاب يدلّ على أنّ استعماله محصور بالأحبار أي الأساقفة في المجلَّد الأَوّل توجَد رتب تقديس الميرون وسائر الزيوت. وبركة الكنائس والمذبح والطبليت والأواني المقدّسة والايقونات، وفي المجلَّد الثاني توجد الرسامات والسيامات الكهنوتية وتلبيس الرهبان والراهبات. وفي مجمل رتب هذا الكتاب، القراءات وافرة العدد من المزامير. وسنأخذ، كمثل، الرتب الأغنى بالقراءات، كرتبة تلبيس الراهب والراهبة، ورتبة تبريك الميرون.

في رتبة تلبيس الراهب تقال ثلاثة مزامير (51، 63، 41) مع نشيد العذراء، وتقرأ سبع قراءات من العهد القديم (تكوين، العدد، تثنية الاشتراع، ايوب، ابن سيراخ، اشعيا، ارميا) وثلاث من العهد الجديد (1 بطرس، قولسي، إنجيل من لوقا)، ثمّ تتبع قراءة أخرى عند غسل رجلي الراهب.

في رتبة تلبيس الراهبة تختلف القراءات، لكنّها لا تنقص إلاّ قليلاًَ. فبعد قراءة ثلاثة مزامير (51، 65، 32)، تأتي ست قراءات من العهد القديم (تكوين، اشعيا قراءتان، باروك، دانيال، زكريا) وثلاث من العهد الجديد (أعمال، 1 طيمو، متّى).

أمّا رتبة تقديس الميرون، فهي، في طقسنا، الأولى بدون منازع، من حيث الأهميّة والغنى الروحي، وتستحقّ دراسة خاصّة. فيها وحدها تتوزّع المزامير على ثلاث جوقات، لا على جوقتين كما هي العادة في الصلاة الفرضية وغيرها.

في مطلع الرتبة، ثمانية مزامير (83، 45، 89، 92، 84، 86، 99، 110) ترتّل بالتتابع بالألحان الثمانية مع هللويه (قوقليون) أكثرها كامل رغم طوله. تتبعها التسابيح التي تستعمل عادة في صلاة الفرض الصباحية، ومعها نشيد مريم العذراء والتطويبات. ثمّ تأتي القراءات: عشر من العهد القديم بما فيها المزمور الخامس والأربعون مكرّرًا. (تكوين، خروج، 1 صموئيل، 2 ملوك، مزمور 45، نشيد الأناشيد، 2 ملوك، حزقيال، أشعيا)، ثم ترتّل أجزاء من ثلاثة مزامير (100، 131، 150) بشكل قوقليون، مع هللويه. هذا ما عدا الجمل الآتية كهتاف (زٌومُرُا) قبل بعض القراءات. إلى أن تأتي قراءات العهد الجديد الثلاث: ( 1يوحنا، 2 قور، وإنجيل مجمّع من متّى ويوحنا). كما أنّه، عند بركة الميرون، تتوالى وتتعالى هتافات مأخوذة أيضًا من المزامير. وممّا يزيد إظهار أهمّية هذه الرتبة كون الاحتفال بها امتياز عائد للبطريرك. وتقام يوم خميس الأسرار، ولا تعاد كلّ سنة إلاّ إذا نفد الميرون المكرّس.

  • كتاب المعدعدون معَدعدُنُا

إنّه الكتاب الذي يضمّ الرتب التي تقام في أيّام الأعياد، ابتداءً من عيد الدنح، وانتهاءً بعيد ارتفاع الصليب. إنّ الرتب فيه متفاوتة الطول بحسب أهمّية العيد. وبعضها يقال ضمن القدّاس والبعض الآخر مستقلّ عنه كرتبة السجدة يوم الجمعة العظيمة. لذا نرى بعض الرتب محرومة كلّيًا من القراءات، كرتبة تبريك الشمع في 2 شباط، ورتبة زياح الصليب في 14 ايلول. بينما أكثرها غنيّ بالقراءات، بين الرتب الهامّة الست، اثنتان (تبريك الأغصان والغسل) لهما خمس قراءات، وأربع (تبريك الماء، السجدة، السلام، العنصرة) لها ستّ قراءات. وكالعادة، إنّ القراءات موزّعة بين العهدين القديم والجديد، أمّا قراءات رتبة السجود في العنصرة، فجميعها مأخوذ من العهد الجديد، قرءاتان لكلّ من السجدات الثلاث، الأولى من أعمال الرسل والثانية من إنجيل يوحنّا.

خامسًا: الكتاب المقدّس في مؤلّفات الآباء

إنّ آباء الكنيسة السريانية، وفي مقدّمتهم مار أفرام، أُولعوا بالأسفار المقدّسة، فطالعوها وحفظوها وعاشوها، ودخلت في صميم حياتهم، وتجلّت في تآليفهم. وانّ دخول هذه التآليف المشبعة بالكتاب المقدّس، بكثرة في الصلاة الفرضية، برّر التقليل فيها من المزامير والقراءات، لأنّ آباءنا أدخلوا أحداث الكتاب المقدَّس وأقواله في كتاباتهم وأشعارهم، وحلّلوها وشرحوها بكلّ ما آتاهم الروح القدس من أنوار علوية. وقد ساعدهم على ذلك كون الشعر السرياني خاليًا من القافية، ومبنيًا على عدد المقاطع وعلى طريقة توزيعها. فأتت أحيانًا نصوص الكتاب كما هي حرفيًا، وبشكل عفوي، تحت أقلامهم.

وهذه بعض نماذج مختارة من الصلاة الفرضية، تُرينا بوضوح مدى تأثير الكتاب المقدّس على كتابات الآباء. نبدأ بثلاثة مقاطع شعرية مأخوذة من الفنقيث الرابع (الصوم) وكأنّها مقتطفات حرفية من الإنجيل:

  • بيت من قولو: ةؤَر جَبرٍآيِل فنقيث الرابع الصوم صفحة 418.

بيَومُا دشَبةُا مؤَلِك ؤّوُا مرن يشوع. باِسطوُا دمِةقرِا دَشلِيمٌون. وآِشكَح ةَمُن لَمشَريُا. دَرمِا بعَرسُا وؤُكَن آِمَر لِؤ. آُو جَبرُا لمٌون لاُ بطٍيل لُك. عَل آُسيٌوةُا دؤَدًٌمَيًك. وفَنٍي ؤَو مشَريُا. دلَية آْنُش دمُا داِةةزٍيعوّ مَيًُا نَرمِينيّ بجَو مَعمٌودٍيةُا. برٍيك ؤّو. ديَؤب لِؤ حٌولمُنُا ÷

“في يوم السبت، كان يسوع سائرًا في الرواق المسمّى رواق سليمان، فوجد هناك مُقعدًا ملقى على فراش. فقال له هكذا: يا رجل، لِمَ لا تهتمّ لشفاء أعضائك؟ أجابه المُقعد: ليس لي من يلقيني في البركة بعد تحرّك المياه. تبارك من وهبه الشفاء”.

  • بيت من قولو: بأَفرُا حزَآوٌؤّي ةَلمٍيًدِا صفحة 534.

مُرَن ةٍاةِا مَلكٌوةُك. ونِؤوِا بَارعُا أِبيُنُك. آَكمُا دآٍيةَوؤّيّ بَشمَيُا. شبٌوق لَن حَوًبَين وَحطؤًَين. وَلنِسيٌونُا لاُ ةَعلَن. اِلاُ  فَأُن مِن بٍيشُا ÷

“ربنا، ليأت ملكوتك، ولتكن مشيئتك في الأرض كما في السماء. إغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، ولا تُدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير”.

  • بيت من الباعوث: بُعٌوةُا آَفرِيمُيةُا صفحة 602.

ؤُا لبَيةُك شِمعٌون عِلِة. ومَيًُا لـإِجلَي لاُ قَرِبة. وؤُدِا اَنّةةُا زُنٍيةُا. بدًِمعِيذ إَجلَي اَشٍيجَة. وكَد دُحلاُ نَشقَة آِنِين. وَبسَعرُذ شَويَة آِنِين.اَمٍين اَمٍين آُمَر آْنُا. دبَسبَرةُا كُةِب آْنُا لُذ. زِليّ آَنّةةُا شبٍيقٍين حَوبَيًكيّ. وعَطيُا كٌلُذ سَكلٌوةِكيّ ÷

“ها قد دخلتُ يا شمعون بيتك، فلم تقدّم ماء لغسل رجليّ، وهذه المرأة الزانية غسلت رجليّ بدموعها. وبخوف قبّلتها، ونشّفتها بشعرها. الحقّ الحقّ أقول لك: سأكتبها في بشارتي. إمضي أيتها المرأة، غفرت لك خطاياك، ومُحيت جهالتك”.

وفي المقاطع التالية، يذكر الآباء الحدث الكتابي ويحلّلونه، تارة بإضافة بعض الشروح عليه، وطورًا بالذهاب إلى أبعد ما يكون من التحليل لإبراز المعنى بكلّ غناه.

  • بيت من قولو: قٌوقُيُا  صفحة 56 من كتاب السيامات الكهنوتية

“طوبى للعبيد الصالحين عندما يأتي سيدهم، فيجدّهم مستيقظين، يعملون في كرمه. يشدّ وسطه ويخدمهم، لأنّهم تعبوا معه من الصبح إلى المساء، الآبُ يتكِئ عمّاله، والابن يخدمهم، والروح القدس الفارقليط يجدل أكاليلهم (هللويه) ويضعها على رؤوسهم”.

  • بيت من قولو: آِنُا آْنُا نٌوؤرُا شَرٍيرُا  صفحة 635 من فنقيت الصوم

“لمّا تلقّى شمعون الأمر، أنْ خُذِ الخيط وصِلْ إلى البحر. هناك سمكة تحمل إستارًا غير مصنوع بالأيدي. شمعون يركض نحو البحر، والسمكة تركض نحو اليبس. لم يصد الصيّادُ الصيدَ، بل صاد الصيدُ الصيّاد، لانّه يحمل له سرًّا خفيًّا”.

  • بيتان من مدارش: لكِنشُا عِلُيُا  صفحة 845 من فنقيت الصوم

“إنّ سلالة الملوك تُكتب بالرجال لا بالنّساء. يوسف بن داود خطب ابنة داود. ولأنّ الإله لا يستطيع أن يُكتب باسم أمّه، لذا كُتب باسم يوسف زوجها. فمن كليهما ربط جنسنا. إذ إنّه ولد من مريم وكُتب في ملوك ابن داود”.

“لم يكن ملائمًا أن يُحبل به (بالمسيح) من زرع يوسف، ولا أن يولد بدون يوسف. مريم التي ولدته لم يُكتب باسمها. ويوسف الذي كتبه باسمه، لم يمنحه الزرع. تبع اسم يوسف، من دون جسده. وأشرق من مريم،من دون خطّيبها، فأصبح ربّ داود وابنه”.

وفي أشعار أخرى نرى الرموز مكدّسة، وكأنّ كلّ كلمة تخفي حدثًا، كما تظهر أيضًا المقابلات بين الرمز والسرّ والمعلن، ممّا يدلّ على الإرتباط الوثيق بين العهدَين، القديم والجديد.

  • بيت عن العذراء في نشيد: مَوربُا  صفحة 500 من الشحيم

لِكيّ دقَدِموّ أُروٌكيّ نبٍيًِا. باإُزَيؤٌون مَليًَي ةِؤرُا بسَنيُا وجِزةُا وَعنُنُا. وقٍبٌوةُا. ددٍيَةيٍقٍي وَمنُرةُا وشَبطِؤ دآَؤروٌن. ولٌوحًِا دنُمٌوسُا ÷

“سبق الأنبياء فصوّروكِ برموزهم المملؤة عجبًا. بالعوسجة والجزّة والغمامة وقبّة العهد والمنارة وعصا هارون ولوحَي الوصايا”.

  • بيتان من المدراش: آُدُم حطُا  صفحة 471 من الفنقيت السابع

“برمز الصليب تحلّت مياه موارت المرّة. وبالصليب تحلّت المرارة التي نفثتها الحيّة في الفردوس بمشورة المبغض لحواء”.

“الصليب سُلَّم الخلاص. به يصعد الأبرار إلى العُلى. برمز الصليب، رأى يعقوب السلّم الحيّ الذي في بيت ايل. تبارك من صوّره الانبياء برموزهم”.

  • أبيات مختارة من مدراش: ؤُا قطٍيل ؤّوٌ بمِأرِين صفحة 158 من الفنقيت الخامس

“هوذا حمل الفصح مقتول في مصر، وحمل الحق مذبوح في صهيون. لننظر إلى كلا الحملين لنرى هل بينهما شبه أم اختلاف.

لنفحصْ ونقابل بين مزايا الحمل الرمزي والحمل الحقيقي. فنرى الرمز ظلاًّ والحق اكتمالاً.

حمل الله أخرج بدمه الشعوب من الضلال كما من مصر. حُملان كثيرة ذبحت، وبواحد فقط غلبت مصر.

قُرّبت الحملان في الأعياد. وبواحد فقط غُلِبَ الضلال. الرمز في مصر، هو حقيقة في الكنيسة، وكمال المكافأة في الملكوت”.

الختام

بعد أن استعرضنا رتبنا وكتبنا الطقسية، نتوقّف عند هذا التفاوت الصارخ بين رتب تكاد تكون محرومة من القراءات الكتابية، وأخرى تغصّ بها. فنتساءل عمّا إذا كان هذا التقليل من القراءات قديمًا أم مستحدثًا. وعن نسبة ورود الأسفار المقدّسة في ممارستنا الليتورجية.

إن كتابًا طبعه المطران قورلس بهنام بنّي سنة 1877، وسمّاه كلندار السنة لابرشية الموصل، يُظهر بوضوح أنّ قراءات القدّاس الاحتفالي والصلاة الفرضية أيام الآحاد والأعياد، والرتب البيعية، كانت أوفر. في هذا الكتاب، بعد السنكسار الذي يمتدّ إلى مائتي صفحة، تأتي أربعة أقسام تتناول القراءات. ففي القسم الأول، قراءات الدورة السيدية، وفي الثاني، قراءات دورة القدّيسين حسب الأشهر، ابتداءً من تشرين الأول. وفي الثالث، قراءات لمختلف فئات القدّيسين والقدّيسات. وفي الرابع، القراءات العائدة إلى الجنازات.

إن هذا الكتاب استخدم في انتقاء القراءات جميع أسفار الكتاب المقدّس، ما عدا أربعة عشر فقط، كلّها من العهد القديم. وعلى سبيل المثال، نلاحظ أنّه حيث نقوم حاليًا بقراءتين في قدّاس أحد تقديس البيعة وأحد تجديدها، يفرض هذا الكتاب ست قراءات لكلّ أحد من هذين العيدَين، ثلاثًا من العهد القديم وثلاثًا من العهد الجديد. ويمكن إعطاء أمثلة عديدة أخرى تدلّ كلّها على أنّ القراءات في الماضي كانت أوفر في جميع الرتب الطقسية. حبّذا لو أخذنا ذلك بعين الاعتبار عند التجديد الليتورجي الواجب إجراؤه.

إنّ مجال العمل في الحقل الليتورجي في طائفتنا واسع جدًّا. المتخصصون في الليتورجيا قليلون، واللجنة الطقسية مرت بظروف صعبة. والكتب الطقسية آخذة في الاختفاء لندرتها. وما جُدّد طبعه منها في الحقبة الأخيرة لم يلحقه أي تطوير إلاّ من حيث الإخراج، ما عدا كتاب القدّاس الذي أعطي على سبيل الاختبار لمدّة خمس سنوات، وبقي الكتابّ الوحيد المستعمل، وفي النافورا الأقصر من بين الثلاث الموجودة فيه.

يوجد عمل ليتورجي هام قام به المثلث الرحمة مار اغناطيوس انطوان الثاني حايك، وهو، كتاب القداس الكامل بنوافيره العديدة، وبتعليمَاته الطقسية الشاملة، والتي تتناول القدّاس اليومي البسيط والقدّاس الحبري بما فيه خدمة القدّاس المناسبة، لأنّ القدّاس في طقسنا السرياني موزّع على الكاهن وعلى الشماس وعلى الشعب. كما قام أيضًا بتنقيح كتاب القراءات الإنجيلية في القداس، بلغتيه السريانية والعربية، بعد أن ملأ بقراءات جديدة الفراغ الموجود في الأيام التي ليس فيها عيد. وهكذا حاول إدخال جميع فصول الأناجيل الأربعة. أملنا أن تكون هذه الكتب الطقسيّة الجديدة فاتحة لسلسلة طويلة من الكتب التي نتمنّى أن تجدّد وفق تعليمَات المجمع المسكوني في دستور الليتورجيا المقدّسة، القائل في الفقرة 23: “يجب البدء دومًا بدراسة لاهوتية وتاريخية وراعوية متقنة، للمحافظة على التقليد المقدّس، ولكي تبقى الطريق مفتوحة لتقدّم شرعي أمام كلّ جزء من الطقسيات التي يجب إعادة النظر فيها”.

Scroll to Top