Almanara Magazine

الضمير في الكتاب المقدس

الأب جورج الترس م.ل[1]

ما هو الضمير

لقد قيل فيه أنه صوت الله يرّن في أعماق القلب، وأنه النجم الهادي في ظلمات الحياة الى درب الصلاح، وأنه الدفّة التي تسيّر مركب الانسان في بحر متلاطم الأمواج، حتى تبلغ به شاطىء الأمان، أنه العين الساهر التي تنفذ الى أعماق المرء، لتشهد له أو عليه بعد كل عمل يأتيه. أما الضمير في الحقيقة فهو تلك الشريعة التي كتبها الله في قلب الانسان عندما كونه[2].

فالضمير إذن قوة باطنية يعي بها الانسان ذاته، فيدرك معها ما هو خير وما هو شرّ.

يكشف الانسان في أعماق ضميره شريعة، لم يسنّها لنفسه ولكنه مجبر على الطاعة لها. إن هذا الصوت، الذي لا يفتأ يستحثه على فعل الخير وتجنب الشر، يدوي أبداً في آذان قلبه ان اعمل هذا وتجنّب ذاك. أجل إنه ناموس حفره الله في قلب الانسان، وكرامته في أن يخضع له، وبموجبه سوف يدان[3].

“فالضمير هو المركز الأشد عمقاً في الانسان، والهيكل الذي ينفرد فيه الى الله، ويسمع فيه صوت الله”[4].

الضمير الخلقي في الكتاب المقدّس

المعرفة المسيحية للضمير الخلقي يجب أن تؤسس على اتصال بعقيدة الكتاب المقدس. اللاهوت يجب أن ينطلق من هذا المضمون البيبلي لأجل أن يحلّل وينظّم.

  1. الضمير الخلقي في العهد القديم

بالعهد القديم كلمة ضمير تظهر ثلاث مرات (سيراخ 20:10؛ 42: 18؛ الحكمة 10:17). لكن مبدأ الضمير في العهد القديم لا يستطيع أن يُختصر وببساطة بتعبير “الضمير”، لكننا نراه بكلام آخر، ومعرفة أخرى:

أ- المعرفة من “القلب”

في العهد القديم القلب هو عرّاب (شاهد) مثل شاهد للقيمة الخلقية للأعمال الإنسانيّة. داوود يقول أنه “بعد ذلك خفق القلب” في مناسبتين فعلوا بعض الشيء السيء، ( الملوك الأول 6:24، الملوك الثاني 10:24). سليمان يؤكد ضد شمعي: “قال الملك لشمعي أنك قد عرفت كلّ الشرّ الذي قلبك عارفاً به مما صنعته بداوود أبي فرد الرب شرك على رأسك” (سفر الملوك الأول 44:2). إرميا أكّد أن “خطيئة يهوذا مكتوبة بقلم من حديد بظفر من السامور منقوشة على ألواح قلوبهم وقرون مذابحهم (ارميا 1:17)، أيوب يجاوب: “قلبي لا يدينني” (أيوب 6:27). الله هو الذي يتفحص القلب وعلى القلب سيحكم، بشكل نهائي، الذنب أو البراءة للرجل. فالرب قال لصموئيل: “لا تلتفت إلى منظره وطول قامته فإني قد رزلته لأنه ليس كما ينظر الانسان فإن الانسان إنما ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب” (الملوك الأول 16: 7)؛ كما نجد في سفر الأمثال: “كل طريق للانسان مستقيم في عينيه ووازن القلوب الرب” (الأمثال 21: 2).

القلب هو مكان الشريعة الإلهيّة الداخليّة[5]. يأتي ليحوّل في الشريعة الداخليّة. “فاعلم اليوم وردد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وفي الأرض من أسفل ليس سواه” (تثنية الإشتراع 39:4). إرميا (33:31) وحزقيال (19:11) أعلنوا أن الشريعة الجديدة ستكون محفورة من الله ذاته في قلب الإنسان. كتاب الأمثال أعاد التأكيد على ما قاله تثنية الإشتراع: “خذوا مبادئي المخبئة في عمق قلوبكم… ” (1:2-5؛ 10 -15؛ 1:3-3؛ 4:4-6؛ 20-21؛ 7: 1-3).

القلب يقارن أيضاً مثل مصدر وأساس للحياة الأخلاقية. الإنسان يمشي “لأجل طرقات قلبه” (أشعيا 17:57) وهذه الطريق ستكون جيّدة أو سيّئة بحسب الجيّد أو السيّء من القلب (الأمثال 29: 27).

تحويل الضمير هو مرتبط مع القلب. “معرفة الألم للقلب الخاص وبسط الأيدي لله” (حزقيال 6: 9؛ المزامير 51: 19؛ 146: 3).

استعمال لفظة “القلب” للضمير يوضح أنّه في الضمير أيضاً تُختبر القيم التي تُلزم أخلاقياً. وهي لا تؤثّر إلا إذا كانت راسخة تماماً في عمق داخلنا. ولذلك من المهمّ أن تتوطّد في عمقنا.

الانسان عليه أن يتبع وصيّة يسوع ويفتح قلبه على كلمة الله، ويخلق الظروف المؤاتية لتقبلها والتثقف بها. عليه أن يسمع الكلمة، ويحفظها، ويتّخذ قراراته، انطلاقاً من هذا الموقف الأساسي[6].

ب- المعرفة من “الحكمة”

معرفة الحكمة في العهد القديم غنية جداً. لأجل هذا ننظر في عملنا باختصار لمختلف وجهات النظر من الحكمة والفطنة ومن الضمير. الحكمة هي ثمرة “التجربة”، تحمل في ذاتها معنى الذكاء (البصبرة، المهارة). تظهر بالعلاقة مع الاختيار من الوسائل لتحقيق الغاية. امتلاك وممارسة الفطنة تسلك بممارسة الأعمال الجيّدة: الرحمة (أمثال 11:19)، العدالة (الملوك الأول 11:3-28) الفطنة (أمثال 4:7)، الصبر (أمثال 29:14)، الشجاعة (أشعيا 13:10).

ت- المعرفة من “الروح”

الروح متّحد بوحدة مع القلب، هو المبدأ الأساسي لكل الحياة الأخلاقية والدينية. إصلاح الحياة الأخلاقية سيكون من خلال تجديد الروح والقلب لكل واحد منا (حزقيال 10:11؛ 18: 31؛ 36: 23-26).

كما نلاحظ أن مبدأ الضمير في اليهودية يأخذ دائماً مبدأ الكمال الأكثر. أيضاً في شيعة قمران عندها تلميح للضمير، ولو لم يستعملوا كلمات تقنية.

إن حركة الضمير لا تحدث فقط على إثر فعل سيء، بل تعلن عن ذاتها أيضاً قبل الفعل[7]. نقرأ في رواية قايين وهابيل:

“فنظر الرب إلى هابيل وتقدمته، وإلى قاييل وتقدمته لم ينظر. فغضب قايين، وأطرق رأسه. فقال الرب لقايين: لمَ غضبت، ولمَ أطرقتَ رأسك؟ فإنك إن أحسنت، تنال وإن لم تُحسن، أفلا تكون الخطيئة رابضة عند الباب؟ إليك تنقادُ أشواقها، فعليك أن تسودَها” (تك 4: 4-7).

ينظر إيمان العهد القديم الى اختبار الضمير، لأول وهلة، في ارتباطه بالله، فمن وراء ما يقوله الضمير، وهو يرشد ويحذّر ويدين، يُدرَك صوت الله. وفيه يُخاطَب الانسان شخصياً.

هناك ارتباط دائم بين الضمير ودعوة الله الخاصة بكل إنسان. ففي أعماق ذاته يختار الإنسان بين الخير والشرّ. بضميره يشعر بنداء الله وبضميره يقرّر: فيختار الله، أو أنه يرفضه (مُقسياً قلبه).

الضمير لا يضع الانسان فقط في إزاء الله، بل يًظهر له أيضاً مسؤوليته تجاه سائر الناس. فيُعلمه بإلحاح جسامة العمل السيء الذي يقوم به. لذلك يبدو يأس قايين بعد قتله أخيه شديد الألم، لوعيه بأنه فعل شراً لا رجوع فيه، وله تبعات مُفجعة.

وناتان النبي ينبّه داود على إثمه الذي ارتكبه بحقّ أوريا (2 صم 12: 7-12؛ مز 51)، فيقرّ بما فعله من الشرّ، ويدركُ أنه بذلك قد أخطأت أيضاً أمام الله، ويقول: “قد خطئت إلى الرب” (2 صم 12: 13).

قلب الانسان ينال تثقيفه من شريعة الله، عندما يدع كلمة الله تفعل في داخله. هكذا يدخل قولُ الله إلى عمق الإنسان ويصير أمراً خاصاً به ودليلاً ناشطاً يهديه في حياته.

  • الضمير الخلقي في العهد الجديد

رغم أن كلمة ضمير هي غير مستعملة في الأناجيل، إنما فحواها واضح للغاية. ينطلق يسوع من أقواله عن الضمير من تصوّرات العهد القديم.

“أما الزرع الذي وقع في الأرض الجيّدة، فهم الذين يسمعون الكلمة بقلب نبيل صالح، فيحفظونها، ويثمرون بالصبر” (لو 8: 15).

القلب كما في العهد القديم، مركز الوجود الانساني، الذي هو مكان المعرفة والشعور والقرار. والعبارة “مكتوب في قلوبكم” تشير بطريقة غير مباشرة إلى أن الله قد وضع في الانسان القدرة على تمييز الخير والشر بشكل عفوي.

بحسب تعليم يسوع، كلّ تصرّف أخلاقي له علاقة بالله: “وأبوك، الذي يرى في الخفية، هو يجازيك” (متى 6: 4-18).

ثم إن الضمير مرتبط بحقيقة ملكوت الله الجديدة، التي نلتقيها في يسوع المسيح نفسه. إن إرادة الله تتضح في تعاليم ملكوت الله وفي الأوضاع الراهنة. فمن المهم جداً في هذا الأمر تمييز “علامات الأزمنة”.

بالنسبة إلى المؤمنين، يسوع المسيح هو نفسه أساس الحياة الدينية الأخلاقية وغايتها. والأخلاق التي يكرز بها وبشارة الخلاص يجب عدم فصلها عن شخصه.

على الانسان أن يتبع وصيّة يسوع ويفتح قلبه على كلمة الله، ويخلق الظروف المؤاتية لتقبّلها والتثقّف بها. عليه أن يسمع الكلمة، ويحفظها، ويتخذ قراراته، انطلاقاً من هذا الموقف الأساسي.

في العهد الجديد فإن تعبير الضمير يستخدم مراراً، وخاصة من قبل القديس بولس ومن قبل كاتب العبرانيين، مع أننا نجد أن تعبير القلب المستخدم في العهد القديم يستخدم هنا أي في العهد الجديد في عدة مناسبات. وهكذا نقرأ في (1 يو 3: 19؛ 19: 20) “وبذلك نعرف أنّا من الحق ونُقنع قلوبنا بأن تطمئن أمامه. وإن كان قلبنا يبكّتنا فلنا حينئذ ثقة أمام الله”. وفي هذه الآيات ليس ثمة للشك في أن كلمة قلب تعني الضمير[8]. ويصدق على ذلك مرقس: “فأدار نظره فيهم بغيظ وهو مغتم لعمى قلوبهم ثم قال للرجل امدد يدك فمدّها فعادت يده صحيحة” (مر 3: 5).

في العهد الجديد كلمة “الضمير” شاهدة في بعض الفقرات[9]:

ثماني مرّات في: 1 كورنتس 8: 7، 10، 12؛ 10: 25، 27، 28، 29 (مرتين).

ثلاث مرّات في: 2 كورنتس 1: 12؛ 4: 2؛ 5: 11.

ثلاث مرّات في: روما 2: 15؛ 9: 1؛ 13: 5.

خمس مرّات في: عبرانيين 9: 9- 14؛ 10: 2- 22؛ 13: 18.

ستة مرّات في الرعويات: 1 تيموتاوس 1: 5- 19؛ 3: 9؛ 4: 2؛ 2 تيموتاوس 1: 3.

ثلاث مرات في: 1 بطرس 2: 19؛ 3: 16، 21؛

  • معرفة الضمير: “الضمير هو حكم ديني، خلقي” أو ذهنية “دينية – خلقية”، فنرى في الرسالة الثانية إلى كورنتس: “بل ننكر خفايا الخزي ولا نسلك بالمكر ولا نغش كلمة الله ولكن بظهور الحق نوصي بأنفسنا لدى ضمير كل انسان أمام الله” (2 كور 4، 2؛ 5، 11)؛ أما في الرسالة إلى أهل روما نرى: “فلذلك يلزمكم الخضوع له لا من أجل الغضب فقط بل من أجل الضمير أيضاً” (روم 13، 5)، الضمير يظهر أيضاً مثل شاهد “ويظهرون عمل الناموس المكتوب في قلوبهم وضميرهم شاهد وأفكارهم تشكو أو تحتج في ما بينها” (روم 2: 15؛ 9: 1)؛ “لأن فخرنا هو شهادة ضميرنا” (2كور 1، 12)؛ بولس يشير دائماً في نتيجة الضمير، الذي هو شاهد صالح غير قابل للفساد.
  • الضمير: تصرّف خلقي طبيعي مشترك لكل الناس “الأمم الذين ليس عندهم الناموس إذا عملوا بالطبيعة بما هو في الناموس فهؤلاء وإن لم يكن عندهم الناموس فهم ناموس لأنفسهم” (روم 2:14). في هذا النص، يؤكد القديس بولس، أن كلّ الأشخاص لديهم القدرة على الحكم الخلقي.
  • الضمير هو إلتماس أخير للقرار الخلقي، فالقديس بولس يعتبر أن الضمير يقرّر التحديد الأخير لنوعية خلقية للعمل.
  • تنشئة وتربية الضمير. القديس بولس يرغب للكل بذهنية منوّرة وواضحة “ولست أعني ضميرك بل ضمير غيرك فلماذا تُدان حريتي من ضمير غيري. إن كنت أنا أتناول بشكر فلماذا يُفترى عليّ فيما أنا شاكر عليه” (1 كور 10: 29-30)، على الرغم من أن الرغبات الأكثر للقلوب التي تُحب.
  • المسيحيين لديهم واجب تشكيل الضمير الخاص: يفحص ذاته “فليختبر الانسان نفسه” (1كور11: 28)؛ “فامتحنوا أنفسكم هل أنتم على الإيمان. اختبروا أنفسكم” (2 كور 13: 5). التفتيش عن إرادة الله “لا تتشبهوا بهذا الدهر بل تحوّلوا إلى صورة أخرى بتجديد عقولكم لتختبروا ما مشيئة الله الصالحة المرضية الكاملة” (روم 12: 2).
  • الضمير يجب أن يكون “جيد” و “مستقيم” و “صالح”. “أيها الرجال لقد تصرفت أمام الله بكل نيّة صالحة إلى هذا اليوم” (أع 23: 1).
  • كاتب رسالة أعمال الرسل وضع الضمير بعلاقة مع الإيمان والهرطقة. المسيحي الكامل هو من عنده الإيمان بدون خطأ، بدون حلّ وسط (تسوية) مع الهرطقة وداخل الضمير الجيد والكامل. لا يستطيع أن يمتلك ضمير صافي إذا لا يوجد عنده إيمان كامل. الإيمان هو شرط ضروري لأجل ضمير خلقي جيّد.

يقول بولس الرسول في رسالته إلى رومية: “يؤمن الانسان بقلبه” (روم10: 10). وإن كان يستخدم الرسول الكلمة بمعناها الكتابي العادي كتعبير عن المركز الروحي في حياة الانسان، فإن من الواضح أن هذا الاستعمال يتضمن الضمير الذي كما رأينا يحتل مركز القلب.

إن الضمير ليس مجرد شعور الانسان بالذات وهو أمر يختص به الانسان، ولكنه أيضاً إحساسه بنفسه من حيث صلته بالله. أي أن الضمير هو الرابطة الحيوية بين شعور الانسان بالذات وبين الشعور بالله.

  • كاتب الرسالة الى العبرانيين وضع الضمير بعلاقة مع الخطيئة والتطهير (التنقية). دم المسيح يستطيع أن ينقّي الضمير الانساني من الخطيئة لأجل أن يعمل من الوجود الانساني عبادة جديرة لله. “دم المسيح الذي بالروح الأزلي قرّب نفسه لله بلا عيب يطهّر ضمائركم من الأعمال الميتة لتخدموا الله الحيّ” (عب 9،14).

في المبدأ البيبلي الضمير يكتسب تدرّج أكثر حي. التدرج من الشخصانية، من الحوار، من المحافظة على التعاليم الدينية، الى آخره…

هكذا قد رأينا أن تعبير “القلب” المستعمل في العهدين القديم والجديد يعني الضمير[10]. وهنا من الأفضل أن نفهم كلمة قلب بهذا المعنى فتصبح الآية “ففتح الرب ضمير ليديا لتصغي إلى الكلمة”.

        النواة والمركز في المعنى الكتابيّ للضمير هو العلاقة بالله. ففي صوت الضمير، الذي يدعو إلى فعل الخير وتجنّب الشرّ، يُسمع الله صوتَه. وهو يدعونا إلى الاصغاء إلى صوته، والتوجّه نحوه، والعيش بالتالي بمقتضى إرادته. وهذا يتمّ لنا بقدرة الروح القدس، “الحقّ أقول في المسيح لا أكذب فإن ضميري شاهد لي بالروح القدس” (روم 9: 1)، الذي إنما يهدي إلى معرفة الخير.

الضمير هو القاعدة الأخيرة الحاسمة بالنسبة إلى الأخلاق الشخصية. لا مرجع أهم من الضمير، يساعدنا على أن نقف بوعي أمام الله، ونبحث عن إرادته. لا شك في أنه يتوجب على كل مسيحي أن يجتهد في الوصول إلى حكم ضميري يتلاءم والإيمان. 

تربّي الكنيسة الضمائر بإظهارها الله الشعوب وبإظهارها مساواة البشر جميعاً بصفتهم أبناء الله، وسلطانهم على الخليقة الموضوعة لخدمتهم، وواجبهم بالالتزام من أجل ترقيّ الإنسان كلّه وكل إنسان[11].

إنّ الكنيسة بواسطة الرسالة الإنجيلية، تأتي بقوة تحرّر وتفعل لصالح الترقّي، وبصورة خاصة لأن الرسالة الإنجيلية تؤول إلى توبة القلب والروح، وتفترض الاعتراف بكرامة كلّ أحد، وتعدّ للتضامن والالتزام وخدمة الآخر، وتدخل الإنسان في مشروع الله الذي يقتضي بنيان ملكوت سلام وعدالة، ابتداء من هذه الحياة. “إن الرؤيا الكتابية في “السموات الجديدة والأرض الجديدة”  (اش 65 / 17، 2 بط 3 / 13، رؤ 21 / 1)، هي التي كانت في التاريخ الدافع والهدف لمسار البشرية وتقدمها. إن ترقيّ الإنسان يأتي من الله ومن المثال الذي هو يسوع الإنسان – الإله. ويجب أن يقود إلى الله[12]. هذا هو السبب الذي لأجله يوجد رباط وثيق بين التبشير بالإنجيل وترقّي الإنسان[13].

ويجد المؤمنون في الكنيسة وتعليمها عوناً كبيراً على تنشئة ضميرهم، كما يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني: “على المؤمنين في سعيهم إلى تنشئة ضميرهم أن يمعنوا في التأمل بتعليم الكنيسة المقدس الحق. فالكنيسة الكاثوليكية هي بإرادة المسيح معلمة الحقيقة ومهمتها إعلان الحقيقة التي هي المسيح وتعليمها، وأن تعلن وتثبت بسلطتها الخاصة مبادئ النظام الأخلاقي المتحدرة من الطبيعة البشرية ذاتها. فاالكنيسة دائماً في خدمة الضمير ليس إلاّ، وتسنده لئلا يكون “متزعزعاً مائلاً مع كل ريح تعليم من خداع الناس” (أف 4/14)، ولئلا يضلّ عمّا هو خير الانسان الحق، ولكي يبلغ المؤمنون في الامور الصعبة خاصة الحقيقة ويتثبتوا فيها.


[1] . حائز على دكتوراه في اللاهوت الخلقي، وماستر في أخلاقيات علم الحياة، وإجازة في تطوير علم أخلاقيات الحياة

[2] أنطونيوس بطرس خريش، في واجب تثقيف الضمير، رسالة عامة بمناسبة زمن الصوم، 1981، 4.

[3]  المجمع الفاتيكاني الثاني، كنيسة في عالم اليوم، 16.

[4] المرجع ذاته، 16.

[5] M. Vidal, Manuale di etica teologica, Morale Fondamentale, 1, Cittadella Editrice, Asisi, 1994, 529.

[6] مجلس أساقفة كنيسة المانيا، الميسيحية في أخلاقياتها، عرّبه المطران كيرلس سليم بسترس، طبعة أولى، 1999، جونية، 113.

[7]، 110. المرجع ذاته

[8] أ. هالسبي، الضمير، تعريب نجيب جرجور، 1968، 11.

[9] M. Vidal, Manuale di etica teologica, Morale Fondamentale, 1,  530

[10] هالسبي، الضمير، تعريب نجيب جرجور، 1968، 76.

[11] يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي، 58

[12] بولس السادس، “ترقي الشعوب”، 14.

[13] يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي، 59.

Scroll to Top