الحالة اللبّنانيّة
د. ليلي مكرزل سعد
استاذة جامعية
باحثة في علوم الإدارة والتنمية
في جدليّة العلاقة بين السياحة والدين والثقافة والتنمية غنى يفيد كلاّ من هذه المفاهيم ويقود الى اكتشاف مدى تفاعلها وتكاملها. وهو تفاعل ضروري الوجود تركيزاً لكل منها وفي سبيل اعطائها الأبعاد التي تستحقّها.
ولأن السياحة هي قاعدة الانطلاق لهذا البحث الذي سيسير بنا الى السياحة التخصصية – الدينية تحديداً – وسيساعدنا على اكتشاف نتائجها الثقافية والاجتماعية والتنموية، فلا بأس، استهلالاً، من كلام موجز عن السياحة في مفهومها وتطورها ومحرّكاتها التي تتشابك – وأحيانًا كثيرة تتشابه – مع تلك التي للسياحة الدينية كما يراها العالم وكما نعيشها في لبنان ( قسم أول).
هذه السياحة المتنامية في لبنان تحمل الى مجتمعه وﺇنسانه وﺇقتصاده وعوداً لتنمية مستدامة، غير أن هذه الوعود مشوبة بمحاذير ومحكومة بمساع متعددة الأطراف بغية تحقيقها والبلوغ معها الى الأهداف المرتجاة ( قسم 2 ) وهكذا تأخذ جدلية العلاقة التي أشرنا اليها كلّ معانيها وأبعادها وفوائدها .
القسم الأول : السياحة في تنوعها وأشكالها وﺇشكالياتها
- في السياحة ، تحديداً
تحدد المنظمة العالمية للسياحة بأن هذه الاخيرة هي انتقال المرء من مكانه المألوف الى مكان آخر لمدة لا تقل عن الاربع وعشرين ساعة ولا تتعدى الاثني عشر شهراً وذلك بهدف الترفيه والترويح عن النفس، اما اهتمامات العمل والدراسات فهي خارجة عن هذا التحديد .
صحيح ان السياحة تعني الفرد، اي الشخص بذاته، وتخصّ رغباته وميوله الا انها تشمل اطرافاً كثيرة بحيث ان التنقل يستوجب توفر خدمات شتى كالسفر والاقامة والطعام وسائر وسائل الترفيه … مما يستدعي دخول اطراف عديدة في هذه الصناعة .
يعتبر الخبير الفرنسي مارك بوير[1] ان السياحة هي” ولادة للتاريخ” و “فن الغوص” في ثقافات الشعوب وحضاراتها، وهو ما كان يقوم به في العصور الوسطى الارستقراطيون الانكليز الذين كان عليهم أن يتنقلوا في اوروبا بهدف التعرّف على حضارة الشعوب وتوسيع معرفتهم وثقافتهم، من باب اثبات تميزهم بين الطبقات الاجتماعية. الا ان عوامل عدة ادت الى توسع رقعة السائحين لتشمل كبار التجار والصناعيين واصحاب الكادرات العليا مما اعطى للسياحة أهدافاً أخرى مثلالترفيه. وان ما ساهم مساهمة محسوسة في نمو هذا القطاع هو التحسين الذي طرأ على ظروف العمل والحق في الاجازات الطويلة والتنافس بين شركات الطيران… وهذا ما رفع نسبة السائحين الراغبين في الخروج عن المألوف من روتين حياتهم اليومية، فتحولت السياحة من ” نخبوية” الى “شعبية ” ، وباتت ” صناعة ” تتطلب مقومات لا بد منها لمواجهة المنافسة المتعددة المصادر والمظاهر والنتائج .
- في السياحة ، تنوعاً
انطلاقاً من ذلك كان لا بدّ من ” تنويع” السياحة التي تعددت أوجهها فصار هناك سياحات … كالطبيّة والبيئيّة والثقافيّة ولا سيّما الدينيّة ، وأمام السياحة المتعددة الابعاد راح الباحثون يدرسون القرابة بين السياحة والثقافة والترفيه ، ويخلصون الى ان الترفيه يتخطى المعنى الضيّق للكلمة الذي يعني الاسترخاء ليشمل الترفيه عن النفس او اعادة بنائها reconstitution ذهنياً مما يؤكد الطابع الثقافي للسياحة ، فالسياحة بحاجة الى الثقافة التي تستقطب شريحة كبيرة من الناس من اجل زيارة تثقيفية او المشاركة في لقاء ثقافي .
فالسياحة والثقافة تتكاملان وتتقاطعان في مجالات عديدة من اجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية[2] . من هنا فان السياحة هي ايضاً لقاء او مناسبة لالتقاء الاشخاص والمجموعات والثقافات المختلفة فالسائح الذي يترك مكانه المألوف لقضاء وقت في بيئة اخرى بهدف الاكتشاف يحمل معه عاداته وثقافته بمواجهة عادات الاخرين الذين يستضيفونه سائحاً . انها حقاً فرصة التلاقي بالآخر[3] ، والدخول الى عمق حضارته المختلفة وتفهم ممارساته والتراث الخاص به .
ومع ازدياد الطلب على السياحة سارع المستثمرون الى تطوير طرق جذب الزبائن مع اعتماد استراتيجية تنويع العروض فكانت سياحة الاستجمام حيث يرتاح السائح في منتجع بحري او جبلي بهدف الاسترخاء، وسياحة التسوّق القائمة على شراء مواد استهلاكية في ظروف او شروط جاذبة ، وسياحة البيئة والطبيعة حيث يكتشف الزائر طبيعة وجهة معيّنة وما تكتنزه من جمال وفرادة ، وسياحة الاستشفاء والنقاهة التي يتميّز بها لبنان في هذه المنطقة ، نظراً لامكاناته الطبّية والاستشفائيّة ، اضافة الى السياحة الثقافية المرتكزة على زيارة معالم اثرية، تاريخية ، هندسية او حضور حفلات موسيقية ، معارض، مسارح وعروض فنية على انواعها.
أما السياحة الدينية موضوع هذا الملف، فهي الأكثر شيوعاً في عدد من البلدان ومنها لبنان من حيث عدد الزوار وعدد المواقع الدينية المؤهّلة لهذه السياحة .
- في السياحة الدينية ، تعريفاً
هي الانتقال او السفر الى مواقع دينية محددة بهدف روحي او ثقافي او اجتماعي . وهو واقع يتنامى في مختلف بلدان العالم قياساً على ازدياد اعداد من يقومون بهذه السياحة، وعلى تعزيز العروض المواكبة للزيارات ولا سيما ﺇتاحة ﺇمكانية السفر لاكبر شريحة من الناس بحيث ناهز عدد السياح في العام ٢۰١٦ الـ مليار شخص بحسب احصاءات منظمة السياحة العالمية[4].
وفي لبنان تنامت السياحة الدينية في العقود الاخيرة وتم تحديد وتعريف نحو الـ 250 مقاماً حتى الآن[5]
- 4- في السياحة الدينية ،أشكالاً ومظاهر
تجيب الاشكال على الحاجات وتنسجم في المجالات التي تحيطها وفي طليعتها:
- المجال الروحي الذي يُدخل الانسان الى عمق ذاته في بحث وجودي من خلال مسيرة دائمة النمو، تخرجه من يومياته وترتقي فيه الى عالم يمكن ان يعطيه اجوبة على تساؤلاته وقلقه .
- المجال الاجتماعي حيث النزعة الى الانفتاح على التقاليد والطقوس وطرق التصرف، وحيث الانتقال لاسباب دينية يغلب عليه الطابع الاجتماعي والتأكيد على الهوية [6](approche sociale identitaire) وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى الرسالة التي كان قد وجهها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بمناسبة اليوم العالمي السادس عشر للسياحة في 27 ايلول 2005 حيث دعا الى ان يتسلّح السائح بالرغبة للقاء الآخرين واحترام تنوعهم وخصوصيتهم وان يكون مستعداً للانفتاح والحوار والتفهم (…)
- المجال الثقاقي: تقوم هذه النزعة على تشجيع وسائل المعرفة من خلال القيم واللغة والفنون والحضارة وسواها … وحيث ان السياحة الدينية مدعوّة الى ﺇحياء حضارات شعوبها وفنونهم مع تسليط الضوء عليها فتشكّل تكاملاً بين الثقافي والروحي [7] .
ان السياحة الدينية تشكّل في هذا المنحى وسيلة فعّالة في التوعية على أهمية المحافظة على تراثنا وتراث الانسانية – بحسب ما ورد في اعمال المؤتمر المنعقد في cordoue في 29-31 تشرين الاول 2017 حول هذا الموضوع.
في هذه الاطر وسواها تتمظهر السياحة الدينية من خلال أشكال تطوّرت عبر التاريخ وتفاعلت مع كل زمن وحاجة، وقد درس باحثون تطورات ظاهرة الحج الديني الذي أعدَّ او مهّد للسياحة الدينية مع بدايات القرن العشرين، فكانت المسارات والزيارات والتجمعات الدينية والاحتفالات العالمية مثل الايام العالمية للشبيبة وسواها.
اما الحجّ الديني فجذوره عميقة في تاريخ الحضارات والشعوب التي كانت تتنقل وتلتقي لتكريم آلهتها بعبادة تكريمية تحصل غالباً في الجبال وفي اماكن بعيدة عن أماكن الاقامة[8]. ويرى المؤرخون بأنه كان لمثل هذه المناسبات مساهمات مفيدة في تعزيز الاواصر الاجتماعية كما في تبادل المواد والبضائع، وكان يتم ذلك في مصر القديمة وفي بلاد ما بين النهرين وسواهما[9].
- لم يكن الحج الديني غائباً عن الحضارة الاغريقية وعن مدينة اولمبيا حيث كانت تقام الاعياد والاحتفالات وقد كانت المناسبات الرياضية فيها تُفتتح وتُختتم بطقوس وتقادم وتُقام في المواقع الدينية[10].
- اما اليونانيون فكان الدين يطبع كل مجالات حياتهم على صعيدي الجماعة والافراد، فكان لكل مدينة آلهتها ولكل من الآلهة اختصاص معين كإله الخصب، وإله الخمر، وإله المطر… الخ
- اما اليهود فكان عليهم، بحسب التوراة، ان يقيموا ثلاثة اعياد هي الفصح – الذي يذكر بخروجهم من مصر بقيادة موسى – والاسابيع او العنصرة – (الاربعين) التي ترمز الى تسليم الوصايا الى موسى، وعيد المظال – الذي يرمز الى مرارة الضياع في الصحراء والمكوث في مواقع مؤقّتة . هذه الاعياد كانت تتطلب مسيرة حج حيث ينبغي على كل ذكر ان يسير الى اورشليم وبالتحديد الى الهيكل ليقدم القرابين . وبعد ان تهدّم هيكل اورشليم عام 70 استعاض اليهود عن الحج بطقوس تذكارية ودخل الحج اليهودي في مرحلة تراجع ليترك المكان الى ما يسمى حج الذاكرة .
- في المسيحية لم يكن الحجّ يوماً الزامياً ولم يعرفه المؤمنون قطّ أقلّه في القرون الثلاثة الاولى، ولكن مع الامبراطور قسطنطين عرف الشرق أولى زيارات الحج الى الاراضي المقدسة ﺇثر طلب والدته القديسة هيلانة تأمين ما يلزم من موارد ووسائل لتشييد مواقع دينية في أماكن عدّة تجسّد حياة المسيح وهي أماكن يذكرها في كتاباته القديس جيروم[11].
أما في الغرب، وتحديداً في روما، فكان لآثار الاضطهاد وأمكنة التعذيب والمخابئ التي كان يلجأ اليها المسيحيون ( les catacombes) او السراديب، موقع مهم في الذاكرة الايمانية لدى المسيحيين، فصاروا يزورون اماكن الاستشهاد ويحيون تذكارات الشهداء الذين نُقلت ذخائر الكثير منهم لتكون في أساس بناء الكنائس في مدن ومناطق عديدة… من هنا القول ان الحجّ المسيحي ابتدأ من روما حيث مار بطرس هامة الرسل، والشهداء، وانتقل الى المدن المجاورة فاوروبا والعالم المسيحي .
والجدير ذكره ان العجائب والظهورات التي اعترفت بها الكنيسة اتاحت وجود اماكن حجّ جديدة في مناطق وبلدان لم تكن على خريطة الحج الديني من قبل مثل لورد في فرنسا وفاتيما في البرتغال ومديغوريه في البوسنه وعنايا في لبنان وسواها من المواقع العالمية…
- اما الحج ّعند المسلمين: فهو ركيزة من ركائز الاسلام الخمس ( الصوم، الصدقة، الصلاة، الزكاة ، الحج ) ، والكعبة هي المكان المقدس الذي يرجوه كل مسلم ويفرضه الدين على ” كل من استطاع اليه سبيلاً ” واذا كان الحج الى مكه سهلاً نسبياً واقل كلفة بالنسبة لمسلمي المنطقة، الا ان شعوباً اخرى تستعيض عنه بزيارة مدن مكرمة اخرى، مثل ” قم” و ” مشهد” في ايران ، حتى ان بعض المتعبدين يوصون بان يدفنوا في مثل هذه الاماكن . وتعتبر كربلاء مكان حج اساسي للمسلمين الشيعة حيث مقام الحسين ، حفيد النبي . في الهند وباكستان يكرم المسلمون اولياء عندهم ويحجّون الى مقاماتهم في مدن عدّة مثل ” دلهي” و” ديبال-دال ” [12] (Roussel, 1972, p.99)
ويختلف الامر بين الحج والسياحة الدينية بحيث ان الاول بالنسبة للمسلم واجب اساسي ينبغي ان يمارسه مرة في حياته على الاقل ولا يمارس شعائر اخرى خارج الحج الكبير بعكس المسيحيين.
أما التجمّعات الدينية، فتشكّل الأعياد والمناسبات الدينية أساساً لها وحافزاً عليها، وهي حالات نشأت مع المجموعات القبليةّ والعائليّة والدينيّة في المناطق المختلفة . وﺇذا كان التجمّع دينيّاً في أساسه، إلاّ أن طقوسه قد تأخذ طابعاً ﺇحتفالياً ﺇجتماعياً مثل عيد الأنوار في مدينة ليون الفرنسية، الذي هو عيد دينيّ تحفل فيه الكنيسة في 8 كانون الاول، مع ﺇعلان عقيدة الحبل بلا دنس[13].
وقد تشكّل هذه التجمّعات لحدث استثنائي او مميز مثل اعلان تقديس أو تطويب أو ملاقاة شخصية دينيّة كالحبر الأعظم، او احياء الأيام العالمية للشبيبة التي أطلقها البابا القديس يوحنا بولس الثاني سنة 1984 وبدأت مع تجمّع لـ 250 ألف شاب ثم ناهز العدد الخمسة ملايين في بعض الأحيان كما في سنة 1995 في الفيلبين .
ولا بد من ذكر مؤتمرات حوارية تعقد سنويًا، مثل سان ايجيدبو وملتقى الاديان في العالم الذي انعقد لاول مرة في شيكاغو سنة 1893، وضم ممثلين عن ديانات ومذاهب عديدة بهدف عقد حوار بين الاديان على مستوى العالم، ويتجدد هذا اللقاء سنوياً منذ 1993 .
اما المسارات أو السير على دروب معتبرة دروباً مقّدسة فقد أصبحت مطلباً للكثير من السياح. وهي تخلق”مساحة مفتوحة للعبور الحرّ للافكار وللاشخاص”[14]، علماً أن الكثير من هذه الدروب قد رسمها الأقدمون، ومنهم قدّيسون او أبطال او شيوخ متصوفون أو أنبياء[15] كما قد تعود لجماعات أو رهبانيات، وحديثاً لمتعهدي السياحة الدينيّة.
ويساهم الابتكار والخيال في صنع مسارات جديدة على خطى قديس او تقليده – مثل درب القديسين في منطقة جبيل، البترون، وان في السير على مثل هذه الدروب، مع عصا الحاج ، يعيد صورة الحج الاولى ويسمح بالدخول الى عمق علاقة السائر بالله خصوصاً عندما تكون الدروب صعبة المسالك، وتتطلب مشقات وجهوداً، كأن هذه الصعوبة وما تتركه من عناء جسدي تسهم في ادراك الانسان وتحوّله، حتى ان ” مسيحي القرون الاولى كانوا يذهبون الى روما او فلسطين سيراً على الاقدام ” لاعتقادهم ان التعب ومخاطر الطريق تمنحهم مزيداً من الانعامات والاستحقاقات[16] .
وعلى سبيل الذكر فان أول درب ديني تمّت تسميته ” بدرب الصليب ” هو الذي اقترحه في القرن الرابع الرهبان الفرنسيسكان على الحجاج الآتين الى اورشليم وهو السير مع المسيح في ساعات نزاعه ابتداء من بستان الزيتون حتى مجلس بيلاطس (R.Roussel, p 27).
ويبقى مسار الحجاج نحو القديس جاك دي كومبوستيل مميزاً جداً وحيوياً ومبعثاً لروحانية دائمة التجدد يمارسها ويعيشها شباب اليوم . انها اقتفاء لاثر خطى القديس زمن تنقلاته للرسالة والبشارة، وقد عاش المعاناة التي يحاول حجاج اليوم عيشها في اجتيازهم للمسافات ( تفوق الثلاثماية كلم) بين اكثر من بلد اوروبي حتى بلوغ مقام القديس في اسبانيا. ولعل الازدياد المطَّرد في عدد الزوار هو ما جعل الاسقف المحلي Mgr. Aillet يتخوّف من كثرة الترويج لهذا المكان من قبل جمعيات سياحية واعتباره كمعلم سياحي، مما يهدد بأن يفقد قيمته الروحية الأصيلة[17].
ولئن تميّزت هذه الطرق والوسائل بالدينامية والتجدد الروحي، الاّ ان مخاوف الاسقف هذه تختصر مواقف كثيرة من فقدان الهوية الحقيقية لهذه الأمكنة وطابعها الروحيّ في ظل تنامي المركنتيلية وتأثيرها على هذا القطاع، وهذا ما ستلفت اليه الفقرة 6 فيما بعد .
- السياحة الدينية وﺇسهاماتها
تحرّك السياحة بليون سائح كل عام مما يساهم بـ 10 % من الناتج القومي و 6 % من مجمل الصادرات العالمية .
ان هذه الارقام – بحسب تقرير منظمة السياحة العالمية لسنة 2015 – تؤشر الى قدرة السياحة وامكانياتها ليس فقط في النمو الاقتصادي، انما في التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه الكرة الارضية. وهي بحسب التقرير المذكور – تحتل المرتبة الثالثة من مداخيل الصادرت بعد المحروقات والمواد الكيماوية، وتسبق صادرات المواد الغذائية والسيّارات، وتعتبر من القطاعات الاقتصادية الاكثر قدرة على خلق فرص عمل واعالة ملايين الاشخاص.
ولأن السياحة مصدر تنمية شاملة، فان تطورها يواكب توسع الكثير من الاستثمارات ولا سيما على المستويات الاقتصادية والعقارية والتجارية والاجتماعية … ولا غرابة طالما ان السياحة تقوم على الحركة والسفر، وطالما ان التنقل يستلزم تفعيل قطاع النقل والاقامة والتغذية، بالاضافة الى البيئة المؤاتية ثقافياً واجتماعياً .
لقد خلقت السياحة منذ العصور القديمة مساحات للتبادل التجاري بسبب حراك الجماعات والافراد وحاجاتهم المتبادلة، ويكون العرض مقابل عرض آخر أو مقابل تسديد النقود، مما استوجب وجود “مصرفيين” يجاورون اماكن العبادة لخدمة الحجاج في ايداع وحفظ النقود لأسباب أمنيّة، أو لتصريف العملة او حتى للاستدانة مقابل رهن.
ومع تطور الحج والتبادل نشطت حركة الاستيراد والتصدير بعد ان فُتِحَتْ امامها اسواق كثيرة حول المواقع الدينية حيث يتهافت حشد كبير من الحجاج الآتين من كل مكان. وكان التجار يتسابقون لملاقاة الزوار حاملين معهم كل مستلزمات الحج، ويتنافسون في طريقة عرض بضائعهم.
منذ حضارة الاغريق حتى العصور الوسطى كانت الطقوس الدينية تمتدّ على عدّة أسابيع مفسحة المجال أمام حركة اقتصادية واسعة، مما مهّد لاقامة متاجر وحوانيت على طريق الحجاج . ويلاحظ الباحث روسيل ان ” كل فرنسا شهدت ازدهار تظاهرات تجارية حول مراكز العبادة الاكثر شهرة” [18] .
وينطبق هذا الواقع ايضاً على خدمة الحجاج المسلمين من قبل اصحاب المصالح والبائعين المتجولين الذين كانوا يستفيدون من “الموسم” ويبيعون العنبر والبخور والصباغ والعطور واللؤلؤ والخشب والزيت والحرير والقطن والحديد المصنّع وسواها من البضائع.
ان نجاح هذه التجارة تلازم مع قيام صناعة محلية امتهنها حرفيون كاللوازم الدينية والمسابح والملابس التقوية وادخل عليها فيما بعد مهارات ومواد وعناصر جديدة كالقماش والحجر والرخام والحديد والمعدان والفضّة والذهب والاحجار الكريمة. ففي روسيا مثلاً نشطت صناعة الايقونات واللوحات الفنية المتخصصة، وكذلك في اسيزي في ايطاليا وفي بروج في بلجيكا المشهورة بفن التطريز اليدوي dentelles et broderies وكانت هذه المهنة قد بدأت لحاجات الالبسة الطقسية، ثم تطورت لتطال غير الديني .
وتفرّدت بعض المزارات بصناعة وتجارة سلع خاصة كما بوجود مهن وأعمال خاصّة بها كالشمع مثلاً حيث يضيء زوار مقام لورد نحو 8 طن منه سنوياً، وهي كمية تحتاج الى من يهتّم بتنظيمها خصوصاَ أنها حصّرية للمعبد . وكذلك يمكن الحديث عن تربية وبيع المواشي التي تشكّل أضاحي وتقادم أساسية بخاصة لدى المسلمين.
أما حاجات الحجّاج من مأوى ومأكل ومشفى وسواها، فقد برزت منذ بداية الحج المسيحي، حيث كانت السلطة الكنسية تسعى لتأمين مكان اقامة للحجاج يرتاحون فيه من عناء الطريق دون ان يكون هذا المكان فندقاً او نزلاً للرفاهية ، ثم تطورت بعد ذلك الامور، فبرزت المبادرة الفردية وتنافست في تقديم هذه الخدمات، وكان السكّان المحلّيون أول المستفيدين من هذه الفرص لايواء الحجّاج في منازلهم، وتقديم وجبات الطعام مقابل بعض المال .
أما اليوم فقد أصبح هذا القطاع الجزء الاهم من ﺇسهامات السياحة في اقتصاد الدول ونمو الشعوب وحوار الحضارات والثقافات، ويتجلى هذا بخاصة في “بيوت الضيافة” التي درجت وتوزعت في كل البلدان، كما في السّاحات العامّة حيث يقيم المحليّون أعيادهم وطقوسهم بحضور الضيوف الأجانب. تجدر الاشارة الى أن هذه الخدمات قد تجنح أحياناً الى الفوضى وعدم التنظيم، وهذا ما سندرجه في الجزء اللاحق من هذا القسم حيث نبرز بعض الآثار السلبية للسياحة الدينية.
غير أن ﺇسهامات السياحة لا تقتصر على المناحي الاقتصادية بما فيها الصناعة والتسويق التجاري، ولا على تقديم المأوى والطعام وما يستتبع كل ذلك من مكاسب مادية بل على الانفتاح والتبادل الثقافي والتفاعل الانساني بين كل المعنيين، حيث يتسنى للضيف التعرف الى الآخر بكل تفاصيل حياته وتقاليده وعاداته، وحيث يجهد المضيف على تقديم افضل ما عنده وجعل صورته اكثر لمعاناً وتراثه اكثر غنى ومعنى وحضارته اكثر قيمة وانفتاحاً لتحاكي الحضارات الاخرى.
يؤكد بعض الباحثين أن الاعياد الدينية والطقوس التي ترافقها تعزز اواصر العلاقات والروابط بين افراد المجتمعات كما تعزز علامات التضامن بين الجماعة. ﺇن تعلّق الجماعات بتراثها والمحافظة على الأصالة وعلى تقديم خصائصها بمهارة وفن وﺇتقان يساهم الى حد كبير في نموّ مجتمعها وتحسين ظروف معيشتها ولنا امثال كثيرة على ذلك، كما الحال في منطقة سان اميليون Saint Emilion الفرنسية التي تضم عدداً كبيرًا من الكنائس والاديار، وتتميز بانتاج النبيذ وبعض اصناف الحلوى macaron، ويحتفظ رهبان الأديرة هناك “بالوصفات السرية” في بعض الصناعات الخاصة بهم ويتناقلونها من جيل الى جيل.
يضاف الى كل ذلك ازدهار الفن وتضاعف عدد اللوحات والمعارض وافلام السينما والحفلات الموسيقية وتأليف القصص وسير القديسين واعداد البرامج والاشرطة والوثائقيات…. وكلّ ذلك يشكّل ثروة فنية وثقافية في خدمة التسويق السياحي، ولعل مثل هذه المؤلفات تنعش في الذاكرة رحلات ابن بطوطة الذي جال في العالم الاسلامي ودوّن المعالم والعادات وكذلك القديس جيروم الذي حجّ مرات عدة الى الاراضي المقدسة وكتب “يوميّات حج”.
- في السياحة الدينية وﺇشكالياتها
ﺇن ثمّة آثارًا أو نتائج سلبية للسياحة الدينية من شأنها ان تثير موضوع علاقة الانسان والمجتمع بالزمان والمكان[19] فالى واقع كثافة الزوار وتأهيل الامكنة واعاقة تحرك السكان المحليين هناك قضيتان تثاران في هذا السياق.
- أولهما تتناول ” تجّار الهيكل” حيث تبرز أهمية الفصل بين الدينيّ والدنيويّ، أو بين السماوي والأرضي، فمع قيام السياحة كصناعة اقتصادية مريحة ازداد عدد المستثمرين في هذا القطاع، وراحوا يتنافسون في تقديم عروض ومواقع لجذب العدد الاكبر من السياح. وقد ميّز Michel Bauer [20] بين السياحة الدينية والسياحة نحو مكان ديني حيث الأخيرة كناية عن معلم للاكتشاف وأخذ الصور، قد يكون معبداً او مكان ضريح لقدّيس أو ولي أو كاتدرائية رائعة الجمال، مما يجعل هذه الأماكن مفتوحة للسياحة ويفقدها صفة الخشوع والسكون والصلاة.
ﺇن ﺇستباحة الأمكنة الدينية من قبل ” تجّار الهيكل” ظاهرة مسيئة جداً، ولعلّ ما يحصل في بازيليك القلب الاقدس على تلّة مون مارتر الباريسية، يشهد باستمرار على هذه الاستباحة، حيث تتّم عبادة القربان الاقدس على مدار الساعة في خشوع وصمت للراهبات الساجدات والمؤمنين ، ويتم في الوقت عينه ، وعلى بعد امتار في قلب البازيليك، بيع التذكارات وتبادل أحاديث البيع والشراء . وقد اعترض كثيرون على هذه الظاهرة النافرة مستذكرين آية يسوع ” بيتي بيت الصلاة يدعى …” الا أن هذا الاعتراض، وان جاء من شخصيات دينية مرموقة، لم يلق أذاناً صاغية .
وثمة امثلة كثيرة عن أديار كرّست للصلاة والصمت، فرغت من رهبانها الذين آثروا الانسحاب الى أماكن أكثر هدوء وسكينة مثل رهبان Haute Savoie، وكذلك رهبان La Grande Chartreuse.
- أما القضية الثانية فهي مخاطر العبث بالتراث مع ما تتضمنه الكلمة من عادات ومبادئ وثقافة ولغة وتقاليد وأعياد شعبية وفنون وحرفيات ومهارات، ومع ما يجسّد هذا التراث على مستوى المنشآت والمحميّات الطبيعية والمعالم والتحف المعمارية …
ﺇن هذا التراث، بمكوّناته، معرّض للعبث والضرر بسبب السياحة وأعداد السائحين والتوسّع وشراء الاراضي المجاورة للمواقع وبناء الفنادق والمطاعم والمحلاّت. ولنا على ذلك اكثر مثل: ففي مكة تمّ جرف الاحياء القديمة ومنها بيت السيدة خديجة احدى زوجات النبي ، وبيت الخليفة ابو بكر لبناء فنادق وتأهيل مراحيض عامة[21].
اما لورد، القرية الفرنسية الوادعة التي كان سكانها لا يتجاوزون الاربعة الآف، يعيشون من مقالع الرخام، فقد تحولت بعد ظهورات العذراء سنة 1858 الى مركز حج يؤّمه ستة ملايين زائر سنوياً، هناك قام المستثمرون ببناء الفنادق والمطاعم ومحلات بيع التذكارات[22]، وتنبسط كلها على طول الارصفة التي تؤدي الى المغارة والمعبد، مما يعيق حركة الانتقال ولا سيما بالنسبة للمرضى المقعدين . وقد اتخذت البلدية مؤخراً قراراً يمنع ويغرّم هؤلاء التجار مبررة القرار ضد التجّار “لأنهم شوّهوا وجه المنطقة التي هي بالأساس للحجّ والصلاة وليست للتجارة والاستغلال”.
صحيح أن الازدياد الهائل في أعداد السياح وعدد الرحلات الجوية والبرّية والبحريّة قد ساهم في الانماء الاقتصادي لعدد من الدول المعنيّة بالسياحة، ولكن الصحيح ايضاً ان هذا الواقع، على حسناته ، قد ترك آثاراً سلبية ومسيئة لدول ومجتمعات راهنت على هذا القطاع، ولكنها خسرت بالمقابل الكثير من ثرواتها الطبيعية والاجتماعية، وكان لتلوث البيئة وللاحتباس الحراري ولسياحة الجماعات(tourisme de masse) دور سببي واضح، ناهيك عن سوء الاندماج المطلوب والتفاعل بين ثقافة الضيف وثقافة المضيف.
ﺇن هذا الواقع يقودنا الى البحث عن بدائل ﺇصلاحية تكون التنمية المستدامة نواتها الجوهرية، مرتكزة على عناصر ثلاثة هي البيئة والانماء الاقتصادي والمجتمعي، وهذا ما يتطلب الحفاظ على الطبيعة ومواردها المتجددة وغير المتجددة، والحدّ من الهدر والاستهلاك العشوائي للثروات واحترام المجتمعات وثقافتها وتقاليدها، والحفاظ على التراث ونقله سليماً الى الاجيال اللاحقة.
- السياحة والتنمية المستدامة
التنمية تعني التحسين والارتقاء الى ما هو افضل، ولانها مسيرة نحو التطور، تهدف الى جعل الامور غير ما هي عليه، كان لا بدّ من المحافظة على ديناميتها بصورة دائمة، فكانت التنمية المستدامة التي تلبّي متطلبات عالم اليوم من دون التفريط في قدرة الاجيال الآتية على تلبية احتياجاتها، بحسب تقرير اللجنة العالمية للتنمية “Brundtland”
تمثّل التنمية المستدامة فرصة جديدة لقيام سياسات اقتصادية، اجتماعية، بيئية وثقافية اكثر فعالية تهتم بالانسان وبمستوى عيشه (تعليم، طبابة، ترفيه) وذلك في كل بقاع الارض وتؤمن له فرص عمل بدون تمييز ومردوداً يتيح له العيش بكرامة وتحافظ على منظومة بيئية نظيفة متوازنة قابلة للحياة والعيش فيها .
تتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف المعيشة من دون زيادة استهلاك الموارد الطبيعية وهي عملية متحركة باستمرار تنطوي على ﺇرادة تغيير ﺇيجابي في سلوكيات وأساليب ﺇقتصادية، ﺇجتماعية، ثقافية وبيئية، مع ما تتطلّبه من وعيّ كامل وتصميم يهدف الى تحسين المجتمع.
ﺇن قابلية التنمية للحياة والاستمرار تفرض تكامل وتضافر جهود جميع المعنيين بها (المجتمع، الحكومات، المنظّمات، السياسة، الاقتصاد… )
تؤكد,(2010) Valéry Patin أنه ﺇذا كانت القيمة الكبيرة التي يعطيها الناس للبيئة والارض التي يسكنونها ( ويتفاعلون عليها ) تتمثل بتعلّقهم في تاريخهم وهويتهم المتجسّدة في تراثهم، فان عدم الاستهلاك والاستباحة يؤكدان استمرارية هذا التراث ونقل القيم من جيل الى جيل.
سجّل العام 2015 انجازات كبيرة للقطاع السياحي، فكان القطاع الاكثر نمواً في الاقتصاد لناحية خلق فرص عمل، مما يعزز موقع السياحة في الاهتمامات الوطنية والعالميّة ويعتبرها عنصراً اساسياً في النمو الاقتصادي والثقافي والبيئي، بحسب ما جاء في كلمة الامين العام للامم المتحدة أمام 154 ممثلاً لحكومات العالم، وذلك في المؤتمر المنعقد في نيويورك في أيلول 2015 والتي اعتمدت خلالها اجندة 2030 التي حددت 17 هدفاً للتنمية.
بحسب هذه الاخيرة ينبغي على الدول والمعنيين في القطاع السياحي وضع استراتيجية قيد التنفيذ من تاريخه لغاية العام 2030 من شأنها ان تروّج لسياحة مستدامة قادرة على تأمين فرص العمل وتشجيع الثقافة وحماية التراث ودعم بضائع ومنتجات السكّان المحليّين.
يتوجب على المسؤولين توفير آليات قادرة على متابعة ورصد تأثيرات التنمية المستدامة على السياحة مع تسليط الضوء على أهمية ﺇدارة المواقع والأمكنة السياحية[23]. صحيح أنها تتطلّب تضافر جهود كل المعنيين الاّ أن تضارب المصالح يشكّل العقدة الأكثر صعوبة( De Baker,2005) من هنا ضرورة اللجوء الى سياسات شاملة تحلّ كل عناصر التشابك بين أصحاب المصالح ويخطّط لها انطلاقاً من خصوصية كلّ موقع وكل عنصر من عناصر التراث ونوع الخطر المتوقّع للحد من تأثير السياحة على التراث ( Lozato Giotart, 2007).
القسم II
السياحة الدينية في لبنان ووعود التنمية
حيال واقع السياحة الدينية في لبنان، الذي شهد تطوراً ملموساً في العقود الاخيرة، يراهن المعنيون على مستقبل هذا القطاع انطلاقاً من معطيات واقعية وموضوعية، واستناداً الى خصائص تتمتع بها هذه الارض المقدسة، الحاضرة في الكتاب المقدس وفي رسالة السيّد المسيح، والمتجددة باستمرار في عيش الشهادة وحياة القديسين الذين اصبحت مقاماتهم مراكز حج عالمية.
فما هي مقومات السياحة الدينية في لبنان ؟
وماذا عن الوقائع التي تسهم في تحقيق التنمية وتأمين ديمومتها؟
أولا : مقومات السياحة الدينية في لبنان
اعتبر لبنان الذي حضن تاريخه حضارات متعددة وديانات عميقة الجذور ارضاً مقدسة استقبلت ولا تزال وفود الحجاج من مختلف الاصقاع وعلى مدى الحقب الطويلة ، ولطالما تردد ان بلاد الأرز هي جنّة الخالق وموطئ قدمه، وان جبال لبنان هي بحسب تفسير الكتاب المقدس “وقف الله” وأما سواحله فقد وطأتها أقدام السيد المسيح ومن بعده الرسل، وفي ﺇحدى مناطقه في الجليل تحققت أعجوبته الأولى وكانت أمه مريم، المدّعوة الى عرسقانا الجليل، وراء توقيت تلك الأعجوبة.
- لقد كان لبنان أرضاً مقدّسة من الاجيال البعيدة، قبل مجيء السيد المسيح ، ويتحدث المؤرخون عن مدينة الشمس ( بعلبك) التي كانت تشهد زيارات الراغبين في الحج الى مقام الاله بعل ( اله الشمس) وعبادته، وكان الزوار يتوافدون عبر المرافئ سالكين الطرق الى داخل البلاد للقيام بالعبادة المفروضة، وقد حافظ هذا المكان المقدس على هيبته رغم الغزوات وازمنة الاضطراب، وكان الاله المعبود هو الذي يتغيّر حيث كان يأتي الفاتحون بآلهتهم فيحلّ بعد بعل، جوبيتر وباخوس وفينوس تماشياً مع تعاقب الحضارات الفينيقية فالاغريقية والرومانية، وهذا ما لفت اليه عالم الآثار المعروف [24]Ernest Renan في مؤلفه Mission de Phénicie حيث لاحظ أنه مع كلّ فتوحات جديدة كانت تخضع الشعوب وتقاليدها للدين الجديد، وبذات المعنى كتب الاب غودار Goudard واضع كتاب “العذراء في لبنان”: يكفي لعالم الآثار أن ينبش قليلاً التراب لايقاظ صدى أجيال وثنية، وليس الحجّ سوى لتلّمس هذه الآثار وﺇيقاظ الايمان بلبنان ورؤية المعابد البيزنطية التي لبست بالكنائس حلّتها البيضاء.. [25]
لقد صلّت الشعوب في لبنان في الأماكن نفسها منذ أن كانت معابد فتحوّلت الى كنائس وبعضها الى جوامع، وهذا ما لم يحصل في أي مكان آخر حسب Renan الذي أحبّ لبنان وأقام فيه وكتب عن بيبلوس التي كانت محطّ ﺇعجابه وتقديره وقد اعتبرها “الارض المقدّسة ” حيث كان يأتيها الحجاج من كل صوب ففي هذه الناحية تتجلى في كل خطوة بقايا آثار دينية هي الاكثر غرابة في تاريخ البشرية[26].
ﺇن بلدة يانوح، مثلاً، التي تبعد عن مدينة جبيل نحو 40 كلم تحوي بقايا معبد روماني تحوّل الى كنيسة القديس جاورجيون ( الازرق) ومذبحاً للسيدة العذراء بناه البطاركة الموارنة الذين اقاموا في هذه المنطقة في القرن العاشر. وفي هذا السياق لا بد من ذكر مغارة افقا حيث ينبع نهر ادونيس، وحيث تتواجد، في الجهة المقابلة، اثار معبد الآلهة فينوس الذي هُدم وأُعيد بناؤه مرات عدة على مرّ التاريخ. وقد شهدت تلك الامكنة ايضاً تعاقب حضارات مختلفة منذ الفنيقين فاليونانيين والرومان والبيزنطيين والموارنة[27].
لقد ذكر الكتاب المقدس لبنان ( 70 مرة ) كما ذكر ارزه ( 75 مرة ) ومدنه صور ( 59 مرة) وصيدا او صيدون ( 50 مرة) [28] كما ورد اسم 35 مدينة و 10 امكنة من لبنان مثل جبل حرمون (جبل الشيخ) الذي اتى على ذكره ارميا ( 18/14) وجبل الباروك الذي ذكره حرقيال (27/5) والملوك الاول (5/14) و”جنة الملك” في كميا (2/7) واستير (3/7) اما نشيد الاناشيد فيضم مقاطع غنية وجميلة عن لبنان لعل اروعها “هلمي معي من لبنان، هلمي يا خليلتي ” (4/8) وسواها الكثير…
وقد أصبح الأرز في المزامير رمزاً للقداسة “الصّديق كالنخل يزهر ومثل أرز لبنان ينمو” (مز 92/12) وهو زرع الله “اشجار أرز لبنان التي زرعها” ( مز 104/16)
كما يذكر العهد الجديد مدناً لبنانيّة مثل قانا، وبمكان ليس ببعيد “تجلّى الرب لثلاثة من تلاميذه” – بحسب ﺇنجيل مرقس – وكذلك صيدون وصور والصرفند كأمكنة كان يزورها المعلم للبشارة، بعيداً عن الفريسيين، ولقد ذكر الانجيليان لوقا ( 6/17) ومرقس (3/8) اندهاش الرب يسوع من ﺇيمان سكّان هذه القرى وأشار متى ( 15/21 – 28 ) الى تهنئة الرب للمرأة الكنعانية التي شفى ابنتها على “ايمانها العظيم” الذي لم يرَ مثيلاً له في اورشليم.
كرّر البابا القديس يوحنا بولس الثاني في أكثر من مناسبة أهمية كون لبنان أرضاً مقدّسة، وكان له في عظة قداسه التاريخي في بيروت في 10 ايار 1997 قول مأثور: “ان على هذه الارض المقدّسة أوكل الرب الى بطرس مفاتيح الملكوت”.
ومع بدايات الكنيسة كان الرسل يعبرون المدن اللبنانية خلال رحلاتهم وتنقلاتهم بين أورشليم وانطاكية، ويروي كتاب أعمال الرسل ( 27/1-6) كيف أن جوليوس تحنّن على بولس الرسول فسمح له، خلال سفرته الرابعة وهو أسير، أن يقضي أياماً قليلة في صور لينعم برؤية اصدقائه.
- هذه الارض المقدسة هي أيضاً وطن قديسين، فتاريخ لبنان وسنكسار الكنائس الشرقية يزهوان باسماء المئات بل الالاف من الشهداء والمعترفين والابرار والصديقين منذ القرون الاولى للمسيحية … وبحسب موسوعة شهداء الكنائس الشرقية للدكتور الياس خليل[29] فان لبنان وحده قدم نحو 545 شهيدًا، غير العذارى الشهيدات في بعلبك الذي لا يزال عددهن النهائي مجهولاً، وان اكويلينا الجبيلية هي مثال عن شهيدات الايمان، وقد كانت تعلّم رفيقها الوثني حبّ المسيح فقتلت وهي في الثانية عشرة، اما القديسة مارينا فقد عرفها تاريخ كنيستنا شهيدة منذ القرن الرابع.
- أحصى فيكتور صوما عدد القدّيسين المكرّمين في لبنان وخلص الى نتيجة مآلها ان من بين الـ 302 قديس تأكّد أن هناك نحو 88 منهم أمضوا قسماً من حياتهم في لبنان [30]، وثمة كثيرون ممن لم يتمّ ﺇعلان قداستهم بحسب قوانين الكنيسة الرومانية.
أما تاريخنا المعاصر فقد شهد ﺇعلان قداسة الراهب اللبناني الماروني الأب شربل مخلوف ومعلّمه في الرهبنة الأب نعمة الله كساب الحرديني والراهبة اللبنانية المارونية الأخت رفقا الريّس ثم تطويب كلّ من الأخ اسطفان نعمه، من الرهبنة ذاتها، والأب يعقوب الحداد الكبوشي وثمة مكرّمون أعلنتهم الكنيسة ووضعت دعاواهم على طريق التطويب فالتقديس كالبطريرك اسطفان الدويهي، والراهب المخلصي الأب بشارة بو مراد والبطريرك الياس الحويك وثمة آخرون كالمرسلين الكبوشيين طوماس صالح وليوناردو ملكي من بلدة بعبدات الذين استشهدوا في تركيا وقد قّدم ملف تطويبهم الى مجمع دعاوى القديسين في روما سنة 2012.
أما في الاسلام فان الأولياء الذين عاشوا التقوى والفضيلة هم موضوع تكريم وﺇجلال كي يكونوا قدوة للاخرين، ففي بيروت يكرّم الامام عبد الرحمن الاوزاعي الذي عايش فترة الانقسام في الدين الاسلامي بين السنة والشيعة والخوارج، وكان يرفض التطرف، ويدعو الى الحوار، وقد ساند المسيحيين ابان الحكمين الاموي والعباسي[31].
أما عند الدروز فقد برز أولياء واصفياء كالامير جمال الدين عبد الله التنوخي (1417) وهو من قدّم أرضاً للمسيحيين لتشييد كنيسة في عبيه ( الشحار الغربي).
ونذكر عند الشيعة السيدة خولا بنت الحسين التي توفيت بعد موقعة كربلاء نتيجة التعب والعطش والجوع وأثناء مسيرة قافلة السبيّ نحو الشام، ماتت في الخامسة من عمرها ودفنت في بعلبك على مقربة من القلعة، وهي تعتبر من آل البيت الواجب زيارتهم بما أنها حفيدة النبي ، ويقصد مقامها الشيعة من كل العالم .
ج – المواقع الدينية في لبنان
تتعانق الجغرافية اللبنانية مع تاريخ هذا الوطن فتحفل بالمقامات والمواقع الدينية التي تملأ مساحته من شماله الى جنوبه، ومن سواحله نحو الجبال مروراً بالداخل والبقاع… فأينما توجه السائح يرى قبة تدلّ على كنيسة أو دير ومأذنة تعلو الجوامع والحسينيات بالاضافة الى المزارات ومدارس الفقه، وهي مواقع تاريخية بمعظمها، وبعضها حديث البناء. يحصي الاب خليل علوان، الخبير في شؤون السياحة الدينية، أن ثمّة 1927 كنيسة في لبنان، مشيدة على اسم 678 قديس أو شفيع، وأنها موجودة في 929 مدينة أو بلدة[32] وتحتلّ السيدة العذراء الصدارة من حيث عدد المزارات والصروح المبنيّة على اسمها وقد بلغ عددها التسعماية، موزعة بين كنيسة ودير ومزار ومؤسسة.
وللقديسين المحاربين حصّة كبيرة عند اللبنانيين ، فللقديس جاورجيوس 350 موقعا[33] ولمار الياس 262 ويصلّي له المسلمون والدروز، وللملاك ميخائيل 93 موقعا وهو يرمز الى القوّة والانتصار. ينقل فكتور صوما عن المؤرّخ “مفرّج” قوله أن الأمراء الدروز الذين كانوا يحكمون الجبل سمحوا ببناء الكنائس شرط أن تكون على اسم قدّيسين قبضايات[34].
وتشهد بعض المناطق والبلديات كثافة بالمواقع الدينية مثل بلدة حردين التي تضمّ نحو 30 كنيسة ودير ومزار، والعاقورة 40 أما يانوح فقد أحصي فيها 30 موقعا[35].
ويبقى الوادي المقدّس الشاهد الأكبر على هذه الغزارة اذ أحصي فيه 30 ديراً، 6 محابس،11 مغارة و 6 أديرة رهبانية.
لاحظ الباحثون ان المواقع الدينية تمتدّ وتتركّز على المرتفعات والمناطق البعيدة وذلك لأكثر من سبب، منه الأمني ومنه الرغبة في الابتعاد عن الضوضاء والعيش في السكون الذي يساعد على الصلاة والتأمل. ففي محافظة جبل لبنان التي يفوق ارتفاع بعض مناطقها الـ 2600 م، ثمّة 1067 مكان عبادة للمسيحيين ( كنائس وأديرة) باستثناء المسلمين .
أما في بيروت، فيبلغ عدد كنائسها 101 وجوامعها 57 وتتجاور دور العبادة لمختلف الطوائف كما في قلب العاصمة بين كاتدرائية مار جرجس المارونية وجامع محمد الامين وللباحث الأب توم سيكنغ اليسوعي دراسات حول المواقع الدينية في بيروت.[36]
وكما سبقت الاشارة فإنّ هناك العديد من المقامات التي تعود للانبياء يكرّمهم المسيحيّون كالنبيّ أشعيا والنبيّ دانيال والنبيّ اليشع وابراهيم ، أما المسلمون فيكرّمون نوح وياطر ودنيال وشيت وداود وسليمان ويونس[37]وكلها وجوه كتابيّة معروفة وكان للكثير من المستشرقين ابحاث ازاء هذه المشاهدات .
ثانيا : التنمية المستدامة في وقائع من لبنان
تشهد المواقع الدينية ﺇقبالاً كثيفاً من زوّار محلييّن مقيمين ومغتربين ومن سوّاح من مختلف الجنسيات، بعض تلك المواقع يغصّ بالزوار على مدار الأشهر والأيام وحتى الساعات – مثل عنايا وحريصا – ومنها في المناسبات والأعياد فقط . واللافت هو قيام مواقع دينية جديدة نتيجة اكتشاف أو معلومات جديدة عنها أو عن المنطقة ، كلّ هذا من شأنه أن يدفع بعجلة الانماء نحو الأمام .
ﺇن السياحة الدينيّة هي ﺇذن عنصر أساسي في التنمية المستدامة التي تتمظهر في نواحٍ عديدة كالثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة وقيم الحوار والتلاقي… ولنا في هذه الأطر امثلة غنيّة.
التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة:
تتلازم التنمية الاقتصادية مع السياحة النامية والمتطورة ، غير أن هذا الامر غير ثابت نظراً لارتباط السياحة بالحالة العامة في البلاد التي قد تكون هشّة ومعرّضة لهزّات ومفاجآت… بيد ﺇن للسياحة الدينية حسابات اخرى، فهي خارجة نسبياعن دائرة الخطر وبالتالي أكثر صموداً أمام التحدّيات التي ترهن السياحة. والحقيقة أنه رغم كلّ الأزمات السياسيّة والامنيّة التي ألمّت بالوطن خلال السنوات العشر الماضية، فان السياحة الدينية لم تتوقّف ولم تتأثر بتراجع عدد السياح بل ازدادت مشاريع التنمية وطالت مواقع كثيرة .
فالاقبال المتزايد على مزارات القديسين المحلييّن حمل المسؤولين الدينيين والمدنيين على تطوير مناطق جديدة كان للقديس صاحب المزار علاقة بها في حياته. ولنا من قرية بقاعكفرا، مسقط رأس القديس شربل، مثال حيّ على ذلك حيث يؤمّها سنوياً حوالي المليون زائر رغم بعدها عن المدينة وارتفاعها نحو 1800 متر عن سطح البحر وصعوبة الوصول اليها في الشتاء. في هذه البلدة، التي اعتبرت القرية النموذجية الرابعة في العالم[38]، قرّرت الرهبانية اللبنانية المارنية سنة 1950 شراء بيت القديس القائم في وسط بقاعكفرا، للمحافظة على تراثه الروحي، ثم عملت الرهبانية على استصلاح المكان المحيط بالمنزل وتملّكت البيوت المجاورة ليقوم دير للرهبان في خدمة هذا المزار. وبالتعاون بين بلدية بقاعكفرا ومنظمة (كوراي) الفرنسية تم استصلاح الأزقّة والأدراج وواجهات البيوت القديمة مع الحرص على ﺇبقاء طابعها الأثري الذي كانت عليه زمن القديس، في بداية القرن التاسع عشر. يشمل برنامج التنمية هذا، تنشئة السكان على كيفية استقبال الزوار وتحويل منازلهم الى بيوت ضيافة، وقد تمّ ﺇنشاء تعاونيّة زراعيّة لتصنيع منتجات الأرض وبيّعها للزّوار، في مسعى من جميع الهيئات المعنيّة بالترويج لسياحة دينية مستدامة من خلال المحافظة على التراث الروحي والاجتماعي والثقافي لهذه البلدة، ومن خلال جعل الأزقّة صالحة للتّنقل بين بيت القديس والكنيسة والمغارة التي كان يصلّي فيها، والحفاظ على أجواء الصلاة التي ينبغي أن تميّز مثل هذه الزيارات .
ﺇن ما يتمّ تحقيقه في بقاعكفرا يتمّ ايضاً في حردين، ضيعة القديس نعمة الله كساب، وفي لحفد ضيعة الطوباوي الأخ اسطفان نعمه، وفي حملايا، ضيعة القديسة رفقا الريس.. وهي قرى كانت بالأساس منسيّة وتعيش على هامش الأحداث، الا أنها أصبحت اليوم حاضرة بقوّة على الخريطة السياحية والدينية وقد شملتها، الى بركات قديسيها، التنمية الشاملة التي أصابت مجتمعاتها والكثيرين من اهلها. ولا يسعنا في هذا المجال الا ذكر مزار سيدة لبنان في حريصا وما شهده في العقود الأخيرة من حركة عمرانية وتطوير في محيط المعبد أعطاه بعداً رعوياً وروحياً وثقافياً دون أن يكون ذلك على حساب النواحي الجمالية والبيئية والفنيّة .
شهد هذا المزار، منذ تشييده سنة 1905 وتدشينه سنة 1908 أعمال بناء وتحسين يقوم بها القّيمون على المعبد، الأباء المرسلون اللبنانيون، وقد بلغ عدد الزائرين السنويين نحو مليونين ونصف مليون زائر[39]، يأتون من مختلف المناطق والطوائف والجنسيّات، وتتضاعف هذه الأعداد خلال شهري أيار وتشرين الاول. يعمل في المزار حوالي 120 شخصاً من البلدات المجاورة، اضافة الى 80 سيدة تعملن في منازلهن في صناعة المسابح أو في صناعة قطع تَقَوية أخرى وتذكارات مختلفة.
كما أن الطريق الممتدّة من جونيه الى حريصا تشهد حركة عمرانية حيّة ومن مظاهرها المطاعم والمؤسسات التجارية .
أما عنايا، من جهتها، فتعتبر ظاهرة فريدة في ما شهدته من تطوّر وحركة ﺇنمائية ما كانت لتنعم بها لولا نعمة وجود القديس فيها. فمنذ القرن المنصرم، ومع دفق الاعاجيب التي تمّت بشفاعة القديس شربل، تصاعد عدد الزوار بدون انقطاع، ويبلغ عددهم السنويّ نحو 4.5 ملايين، وقد تحوّلت هذه القرية المغمورة الى مزار عالمي، ونمت وتطوّرت على مختلف الصعد ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، بمعزل عن الاشعاع الروحيّ الذي شهدته المنطقة كلّها.
لدير مار مارون عنايا وللمؤسسات التابعة له (مزارع، مصانع…) فضل على عنايا والقرى المجاورة يتجلّى في شكل مباشر من خلال عدد العاملين في هذا الدير وتلك المؤسسات وقد بلغ عددهم الـ 600 شخص، بالاضافة الى العاملين في منازلهم حسب الطلب، وبشكل غير مباشر من خلال الفنادق والمطاعم والمحال التجارية التي يملكها أبناء عنايا والقرى المجاورة، علماً ان عدد سكان عنايا – كفربعال لا يزيد عن 480 نسمة.
وبعيداً عن عنايا يمكن ذكر أماكن حجّ دينيّ أخرى مثل جربتا حيث ضريح القديسة رفقا وكفيفان حيث ضريحا القديس نعمة الله والطوباوي الأخ اسطفان، وقد نمت حركة المطاعم في تلك المنطقة ايضاً ، كما يمكن ذكر مزار سيدة بشوات في البقاع، وما يجاورها في دير الاحمر من مشاريع تطوير وخلق مراكز جديدة للسياحة الدينية نذكر منها أكبر مسبحة وردية في العالم. وهو مشروع ضخم وواعد، وقد أُعِدّ ليكون مركز حج ورياضات روحية “دار ودير سيّدة الورديّة”.
كما يُذْكَر في هذا المجال دير القديسة فيرونيكا جولياني في بلدة القصيبة المتنيّة ويضمّ الكنيسة الأولى في العالم على اسم هذه القديسة، وهذا المقام يقصده آلاف الزوار للصلاة والعبادة .
ويستعيد الجنوب، من جديد، وجهة الحج الديني خصوصاً في قرية كوكبا التي تبعد 106 كلم عن بيروت، وقد شهدت منذ 2014 تحوّلاً كبيراً، مع اكتشاف بقايا هياكل عظيمة تعود الى ألفي سنة[40] ومع روايات يتناقلها الكبار في البلدة عن نبع ماء قائم حالياً شقّه الربّ ويعرف بـ”عين المسيح”، وقد بلغ عدد الزوار سنة 2017 نحو 35 الفاً، مع ما يرتّب ذلك من نتائج اقتصادية تسهم في نمو البلدة والجوار.
ثالثا : السياحة الدينية عنصر انفتاح وحوار
تشكّل السياحة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ لبنان، البلد الذي يشكّل فيه الدين محوراً أساسياً في كيانه وحياته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد تقاطع في لبنان تاريخه وجغرافيته ليجعلا منه منصّة للقاء الشعوب وتفاعل الأديان وحوار الثقافات التي يحملها الحجّاج والسيّاح الآتون من كل حدب وصوب .
ﺇن روح المغامرة التي كانت للفنيقين ولأحفادهم من بعدهم، والتي كانت شواطئ المتوسط مسرحاً لها، شكّلت عنصراً رئيسياً في نجاح المبادلات وفي تطوير مفهوم الأعمال والانفتاح .
هذا التبادل الاقتصادي والثقافي المتجسد بالحوار قد سمح باستقبال افكار جديدة وتبنيها، بالاضافة الى قيم ﺇنسانية عالمية كالتسامح والاعتدال والسخاء وقبول الآخر على اختلافه.
يتبين بحسب دراسة اجراها باحثون[41] أن اللبنانيين يعلّقون أهمية كبرى على دور الدين في السهر على القيم الأخلاقية، وفي نشر المحبة بين الناس” كما أن نسبة عالية منهم تلتزم بممارسة الواجبات والشعارات الدينية، وﺇن زيارة الأماكن الدينيّة والتبرّك بذخائر القديسين أصبح أمراً شائعاً في لبنان، تنقله وسائل الاعلام، وأنه غالباً ما نجد تعدديّة واضحة في زوّار المواقع الدينية بخاصّة المسيحية منها ولا سيما مزارات السيدة العذراء وأضرحة القديسين .
هذا الاختلاط يتآلف مع النسيج اللبناني ﺇذ ﺇن الاندماج الثقافي والتعددية الطائفية تشكلان نقطة تمايز مع الدول المجاورة، ﺇضافة الى ثقافة الانفتاح وحريّة المعتقد والتصرّف والتعبير.
صحيح أن سنوات الحرب الأليمة قد تركت ذيولها على الحجر والبشر، الا أن عبثيتها فرضت واقع تأكيد الهويّة والانتماء للوطن من قبل كل العائلات الروحيّة، فباتت كل طائفة تؤكّد دورها في تحقيق كيان هذا الوطن عبرالاضاءة على تاريخها وقيمها وتراثها وﺇسهاماتها في ﺇعلاء شأن الوطن، مع عودة الى الجذور والى الممارسات التقوية الشعبية التي راحت تأخذ مداها، وهذا ما يراه علماء الاجتماع والدين طبيعياً في مثل هذه الظروف، فالانسان، متى تعرّض لخطر داهم يبحث عن مرجع أو ملاذ يطمئنّ اليه ويحتمي فيه من المجهول[42]، اذ ان عند مواجهة المصير المظلم كالموت أو الفشل يتضرّع الناس طالبين “تدخلات خارقة “ويلجأون الى قدّيسين ” قادرين على التدخل” [43].
ﺇن دراسات كثيرة تنكبّ على تحليل ظاهرة تدفّق غير المسيحيين على مواقع مسيحية ويعتبرون أن أسبابها تعود الى الحاجة لالتماس شفاء أو نعمة أو التخلّص من همّ لا يستطيع الانسان الخروج منه بمفرده. وقد سجّلت أعاجيب وشفاءات كثيرة مع غير المسيحيين وقد تعرفوا الى القديس من خلال جيران أو اصدقاء او زملاء لهم في العمل أو من وسائل الاعلام والتواصل.
بالمقابل فان المناسبات الهادفة الى الانفتاح والحوار بين الأديان هي الى ازدياد، فحركة “أديان”، مثلاً، تقوم بخطوات عملية مرتكزة على القيم المشتركة بين المسيحية والاسلام وتتّخذ سنويّا من واحدة من هذه القيم عنواناً للحوار والدراسة والتأمل ويلتقي مسؤولون دينيّون ومجموعة من العلمانيين في مواقع لها رمزيتها حيث يتبادلون الافكار والتطلعات حول العنوان المقترح.
ومن المبادرات نذكر دعوة رجال الدين من مختلف الطوائف الى لقاءات في وادي قنوبين حيث يقومون بمسيرة روحيّة ويطوفون في الطبيعة ويلتقون في المقر البطريركي لتلاوة صلاة مشتركة وتبادل التأملات والاختبارات حول التعددية العلائقية في لبنان، وتؤكد الباحثة كنفاني زهّار[44] في هذا المجال “ان الناس الى ايّة طائفة انتموا يحتفلون بأعياد سواهم الدينيّة ويقومون بزيارات حجّ ويتبعون الطقوس الخاصّة حتى ولو كانت معاكسة لدينهم”.
وفي هذا السياق يجدر ذكر نتائج دراسة ميدانية قمنا بها في دير مار مارون عنايا سنة2018 ودلّت على أن 64 % من الزوّار يرحّبون بالتعددية الدينيّة في المزار، فيما 27.2 % لا تزعجهم هذه الظاهرة، أما المتحفظون فهم 7% والرافضون 1.8 %.
كما اشارت الدراسة الى ان 66 % من الزائرين المسلمين يتحاورون دائماً وغالباً مع سواهم من الزوّار المسيحيين والمسؤولين دينيين، وان 80 % من السياح من مختلف الطوائف يتحاورون دائماً مع زوار آخرين، اما غالبية المسيحيين ( 75 %) فقليلاً أو نادرًا ما يحاورون سواهم.
ان من شأن هذه الدراسة، ومثيلاتها، أن تضع أمامنا الواقع الحواري والتفاعلي بين الزوّار في موقع دينيّ مما يعزّز الانفتاح بين الطوائف والأديان والثقافات، اذ ان السياح الذين يتواجدون في هذه الامكنة هم من جنسيات مختلفة وثقافات متنوعة. فالشعب يقيم حواراً حياتياً بعيداً عن الحوارات العقائدية والفقهية واللاهوتية. وكما ان الحجّ الدينيّ هو خروج من الذات للامتلاء من الله، هو أيضاً دخول الى عالم الآخر ومعرفته في خصوصيته واختلافه وقبوله واحترامه .
رابعا : السياحة الدينية حامية القيّم
تشكّل طبيعة لبنان وميزاته المناخية وغنى ثرواته المائية والنباتية رأسمالاً فريداً يميّزه عن سواه من دول الجوار، الا ان حماية هذه الثروة وحسن ﺇدارتها والسهر الدائم على البيئة تشكّل تحدّياً كبيراً للحكومة وللجمعيات الأهلية ولمجموعة المواطنين.
والحقيقة ان التلوّث وسمومه، والهدر المائي ومشاكل الفوضى العمرانية، ومشاكل النفايات والمقالع والكسارات، والمعالجات المبتورة والمسيّسة لكل هذه المواضيع الشائكة من شأنها أن تقضي على الثروات الطبيعية التي ينعم بها لبنان، ومنها المساحات الخضراء والسهول الواسعة التي استبدلت بأبنية عشوائيّة تضاف الى مخيمات البؤس التي تضمّ نحو مليوني مهجّر سوريّ ولاجئ فلسطيني.
في غياب مخططات توجيهية شاملة واستراتيجية للتنمية والتطوير الانساني والمجتمعي والعمراني، يحضر دور الكنيسة والمؤسسات الدينية لا ليحلّ محلّ الدولة بل ليعوّض بالقليل عن الكثير الذي لم تقم به هذه الأخيرة، ولعلّ ما تقوم به هذه المؤسسات في مختلف المناطق والقطاعات يعوّض الى حد ما عن تقصير الأجهزة الرسمية، ويرتكز، الى ذلك، على سلّم قيم غائبة او مغيّبة في معظم الاحيان.
فالكنيسة مثلاً التي اعتمدت مبدأ الشراكة في عدد من المناطق، واستمرّ هذا المبدأ لاكثر من قرن، لتحوّله فيما بعد الى ما يرضي شركاءها ويطمئنهم أكثر حيث قسّمت الأرزاق وجعلتهم يتملكونها كما في ميفوق، قنوبين وعنايا التي تمثّل الوجه الأصفى لتعاون الكنيسة والناس الذين لا يبرحون يرددون: ” لو من مار شربل والدير ما النا وجود “.
السياحة الدينية في هذا الاطار، حاملة قيم العطاء والمشاركة والانصاف، ودافع لتشجيع التضامن المجتمعي والعدالة التوزيعية بين كل المعنيين بها. ولعّل مؤسسات الكنيسة هي في صلب هذه المسؤولية التضامنية وكأنها في ما تقوم به جواب حسي وملموس على تعليم الكنيسة الاجتماعي وعلى المشاركة في الانتاج.
هذه المسؤولية التضامنية ظهرت ايضاً في ﺇطار ﺇتفاقية التعاون التي تمّ توقيعها سنة 2009 بين الرهبنة اليسوعية وجمعية ARC EN CIEL[45] بالنسبة لادارة الأراضي الشاسعة التي تحيط بدير تعنايل بحيث عملت على تشجيع السياحة البيئية والترفيهية وحوّلت ريع هذه النشاطات الى خدمة أهدافها الانسانيّة ولا سيما منها خدمة أصحاب الحاجات الخاصّة، فقامت بفضل تلك المبادرات السياحة المسؤولةالتي بموجبها يكون الزائر من خلال مساهمته داعماً للنشاطات الانسانية للجمعية.[46]
والى هذه الفوائد الاجتماعية والانسانية ليس من ينكر او يتنكّر للفوائد الروحيّة والتقويّة التي توفّرها السياحة الدينيّة بل الحجّ الى وادي قنوبين[47]، فهناك، الى التراث والثقافة والبيئة، الصلاة والتأمل والعودة الى الذات والى الوجدان الجماعي وهناك أيام النسك والتشقف التي تتوفّر للراغبين من الشبيبة، في ترويض للنفس وامتحان لقدرة التحمّل والتّمرس على الصبر وتحمّل الشدائد، والسموّ بالروح الى عالم يبعدها عن الماديّات والشؤون الحياتية الضيّقة.
هذا الوجه المنير من وجوه السياحة هو بالحقيقة سياحة ليس في الجغرافية فقط، ولا حتى في التاريخ، بل في الارتقاء الانساني نحو الاسمى والأبهى والأنقى.
ختــــــــــــــــــامــــــــــًا
فان في صفحات هذه الدراسة محاولات لتبيان مفاعيل السياحة الدينية وأثرها في المجتمعات والاضاءة على أهمية التنمية المستدامة من خلال أبحاث علميّة وكتابات حول مكوّنات هذا القطاع الحيوي ومقوّماته، وهو قطاع ينمو باضطراد ويتخذ أشكالاً متعدّدة ومتجدّدة، ان لبنان غنيّ بالمواقع الدينيّة التي شهدت وتشهد حركة زوّار كثيفة، وهي مصدر أمل دائم لمستقبل واعد للسياحة الدينية في مسارها التنمويّ المستدام، وقد كرّس لبنان سنة 2018 للسياحة الدينية بالتزامن مع ﺇعلان الكرسي الرسولي لبنان “وجهة مميزة للسياحة الدينية” تمّ ﺇدراجه على لائحة المواقع الدينية العالمية.
ﺇن هذه السياحة ، على الرغم من غياب استراتيجية فاعلة لتطويرها ينبغي ان تضعها الحكومة بالاشتراك مع القطاع الخاص، تقدّم فرصاً ومساحة دائمة للحوار بين الأديان والثقافات مما يعزّز اللحمة الاجتماعية ويساهم في التفاعل بين مكونات الوطن والتكامل بين مناطقه بصورة متوازنة ومتّزنة ويحرّك العجلة الاقتصادية ويعمل على ﺇنماء الأرياف ويعزّز الهويّة ويركّز الانتماء ويؤكّد على أهمية الالتزام والعمل على مستوى دعوة لبنان كأرض مقدّسة ووطن للقديسين .
[1] مارك بوير هو مؤرّخ فرننسي و متخصص في السياحة. نال جائزة الأكاديمية الفرنسيّة . له الكثير من المؤلفات حول السياحة نذكر منها :Histoire de l’invention du tourisme, le tourisme de masse, Ailleurs Histoire et Sociologie du tourisme,…..
[2] Rémy. Knafou,, (1997), “Une approche géographique du tourisme”, in Espace géographique, tome 26, n3, pp.193-204.
[3] Georgia Ceriani, Mathis Stock, Philippe Duhamel, Rémy Knafou, (2005), “Le tourisme et la rencontre de l’autre. Voyage au pays des idées reçues », L’Autre, Vol 6 n 1, pp.71-82.
[4] حسب احصاءات المنظمة العالمية للسياحة فأن العام ٢۰١٦ شهد حركة سياحة كثيفة رغم الهجمات الانتحارية على بعض المواقع السياحية في العالم وقد سجّلت الأرقام ٩٥٦ مليون سائح بين شهريّ كانون الثاني وأيلول أي بزيادة ٤ % عن أعداد سنة ٢۰١٥ .
[5] وقّعت الدولة اللبنانيّة مع الحكوومة الايطاليّة اتفاقيّة دعم وتمويل تعزيز السياحة الدينيّة الثقافيّة منذ العام ٢۰١۰ ، وبعد سبع سنوات من العمل، تمّ انجاز مرحلة أولى من هذا المشروع عبر الاعلان عن ٢٥۰ موقع ديني أثري أو ذي تاريخ دينيّ أو يلبس أهميّة روحيّة معيّنة والعمل جار للوصول الى الألفي موقع..
[6] Miguel Segui Llinas, ( 2007), “La religion, signe identitaire face au tourisme”, in Cahier Espaces 96, Sites religieux et tourisme, octobre, pp.30-34.
[7] Pierre Talec, (1993) , « Définitions du tourisme religieux », in Cahiers Espaces, n 30, Tourisme religieux, ETE, PP.19-23 20
[8] Bertrand. Lafont , (2013) , “Sur les traces des premiers pèlerins dans l’ancien Proche-Orient”, in Le monde de la Bible, n 205, pp.18-23.
[9] تميّزت حضارة بلاد ما بين النهرين باقامة مدن كُرّس كل منها لإله شيدت له معابد في وسط المدينة وكانت تشكل الملتقى لكثير من الحجاج في كل المناطق .
[10] Marie Francoise Baslez , ( 2013) , “Pèlerinage dans le monde gréco-romain », in Le Monde de la Bible, n 205, juin-juillet-août, pp24- 27.
[11] القديس جيروم ( + 419) قام بعدة زيارات حج بهدف التعليم وكتب مذكرات رحلاته وقد قال في احداها : ان كل اسبوع في اورشليم هو الاسبوع العظيم، حيث ينتقل الحجاج من مكان الى آخر وفق مراحل درب الجلجلة منذ دخوله الى اورشليم حتى صلبه وقيامته .
[12] Roussel. Romain , ( 1972) Les pèlerinages, Collection Que sais-je, 2ème édition refondue, PUF, 125p.
[13] ابتدأت الاحتفالات بهذا العيد في المدينة منذ 1852 لتصبح تظاهرة شعبية منذ 1989 وتدوم الاحتفالات عدة ايام وتستقبل زواراً من مختلف انحاء العالم .
[14] R. lankar , (2007) , “ Le tourisme religieux, acteur d’un dialogue pour la paix”, in Les Cahiers Espaces, 96, p 16- 26.
[15] Catherine Mayeur- Jaouen, (2002), Saints et Héros du Moyen-Orient Contemporain, Editions Maisonneuve& Larose, Paris, 353p.
[16] Romain.Roussel,( 1972), Les Pèlerinages, Collection Que sais-je, 2ème édition refondue, PUF, 125P
[17] بيان الأسقف المسؤول عن راعوية السياحة والحجّ الديني في فرنسا
[18] Romain Roussel, op cit, p.79.
[19] Rémy. Kanafou, op cit, p 22
[20] بوير هو باحث، عالم ﺇقتصاد وأيضا عالم ﺇجتماع. أنشأ في مركز الأبحاث والدراسات الفرنسي l’Observatoire des dirigeants, سنة ١٩٨٨ ، ثمّ أسس لاحقا مؤسسته الخاصّة للاستشارات . كتب مقالات عديدة ودراسات عن السياحة الدينيّة .
[21] مقال نشرته جريدة لو موند الفرنسية عرضت فيه حديث للسيّد عرفان العلاوي مدير مؤسسة الأبحاث في التراث الاسلامي.
[21]في لورد حالياً 169 فندقاً بقدرة استيعابية لـ 24576 سرير، اضافة الى البيوت المفروشة وبيوت الضيافة بالاضافة الى 220 محل لبيع التذكارات.
[23] بين هذه الاهداف الاخيرة الـ 17 يتم ذكر السياحة بشكل واضح ومباشر في كل من الهدفين الثامن والتاسع .
[24] ارنست ريناه هو مؤرخ وكاتب فرنسي وعالم يفقه اللغات. كتب في اللاهوت وفي تاريخ المجتمعات والاديان . امضى سنة كاملة في لبنان امضاها معظمها في منطقة جبيل .
[25] كتب جوزف غودار الراهب اليسوعي عن عبادة تكريم مريم العذراء في لبنان وزيّن هذا المؤلف بصور عديدة تحديده تمثّل مريم بلغت 600 صورة .
[26] كُلّف رينان بقرار رسمي في 11 تشرين الاول 1860 بالقيام بمهمة تنقيب ودراسة آثار في المنطقة ، فبقي في الشرق الادنى سنة بكاملها أبحر من بيروت في 10 تشرين 1861 .
[27] كتاب وزارة السياحة ص 63
[28] القسيس غسان خلف : لبنان في الكتاب المقدس ص 9
[29] انجز د. الياس خليل وعدد من المؤلفين والباحثين في عام 2017 ” موسوعة شهداء كنائس آسيا الصغرى، الشرق الأوسط وشمال افريقيا” وتمّ توقيع هذا المجلّد الديمان بحضور البطريرك الماروني في ختام سنة الشهادة والشهداء .
[30] فيكتور صوما 1995 ، ص 461 ” على خطى القديسين” له مؤلفات اخرى منها : ” على خطى العذراء والمسيح في لبنان ” 2014 .
[31] تعبيراً عن وفائهم للامام، سار المسيحييون بأعداد كبيرة في مراسم تشييعه وحافظوا على ضريحه أثناء الحروب الصليبية .
[32] حوار مع الاب خليل علون، أمين عام اللجنة الأسقفية لتنميّة الحجّ والسياحة الدينيّة في لبنان 4/11/2015
[33] منها 276 كنيسة و 270 دير و 26 مدرسة ومستشفيات ومغارة ، ويتم تكريمه من قبل المسلمين ايضاً على اسم الخضر، نقلاً عن فكتور صوما، مرجع سابق، ص 470 -480
[34] فكتور صوما، مرجع سابق، ص 110
[35] نور حداد استاذة جامعيّة وباحثة وخبيرة في السياحة الدينيّة.
[36] يعمل الاب توم سيكنغ منذ سنوات عديدة على دراسة الواقع الديني في لبنان . عام 2008 قام بدراسة مع جوسلين ادجيزيان بعنوان “Les lieux de culte des diverses communautés à Beyrouth municipe” in Espaces Religieux Du Liban, Tome I, USJ, pp 117-129.
[37] من مداخلة للمهندس خالد عمر تدمري في السراي الحكومي 4/11/2010
[38] وفق ما نقلته الوكالة الوطنية للاعلام .
[39] وذلك بحسب الاحصاءات المقدّمة من الاب خليل علوان، الرئيس العام الأسبق لجمعية المرسلين اللبنانيين ، ورئيس معبد سيدة لبنان سابقاً .
[40] نبيل أبو نقول، (٢۰١٥ )، “حرمون من آدم حتى المسيح” ، الطبعة الثانية، ٢۰٨ صفحات.
[41] مراجعة دراسة ل عايدة بوجيكيان، عبده قاعي وجوزيف خوري (1991) ، حول “توجهات ثقافيّة وقيمّ دينيّة في لبنان”، CEROC
[42] طوم سيكينغ مرجع سابق
[43] دراسة للأب شربل شلالا 2011
[44] Aida Kanafani-Zahar,(2000), “ Pluralisme relationnel entre chrétiens et musulmans au Liban: L’émergence d’un espace de laïcité relative”, Archives de Sciences sociales des religions, 109/2000, pp.119-145.
[45] ARC EN CIEL منظمة تأسست سنة 1985 في لبنانهدفها مساعدة الأشخاص من ذوي الصعوبات والاحتياجات الخاصة . انشأت عدة برامج ومشاريع بهدف التنمية المستدامة مثل البيئة، الزراعة، صحة وحركة المعوقين، أعمال ﺇجتماعية لصالح الفئات المهمّشة، مواكبة الشبيبة من ذوي الصعوبات ، السياحة المسؤولة..
[46] ورد في الموقع الرسمي لـ Arc en ciel ان هذه التجربة قد أفادت عام 2017 نحو 55 الف شخص ( اصحاب اعاقة او حاجات خاصة) من خلال مساهمات السواح الذين بلغوا 120 الفاً.
[47] يعتبر الوادي المقدس مثلاُ اساسياً في السياحة المستدامة التي يتداخل فيها الطابع الروحي والثقافي في اطار بيئي طبيعي فاتن . ادرج الوادي على لائحة الاونيسكو التراث العالمي عام 1998 ، ويعتبر احد المواقع الروحية الاكثر اهمية في العالم . وقد شكل هذا المكان تاريخاً لا يزال في وجدان الكنيسة المارونية التي تعمل على انعاشه باختبارات نسكية جديدة ، ونشاطات ثقافية تعيد الى التراث تألقه .