Almanara Magazine

السياحة الدينية بعيون جمعية “قبس”

جمعية “قبس” لحفظ الآثار الدينية في لبنان

        انطلقت جمعية قبس لحفظ الآثار الدينية في لبنان،  صيف العام 2011م،  لهدف كبير وجليل، وهو حفظ الآثار الدينية في لبنان (أرض الرسالات، أو الأرض المباركة…)، فقد وطأ أرضه الأنبياء والقديسون والأولياء الصالحون من قديم الزمان، وكان جبل لبنان موضع مناجاة الأنبياء، ومحل كراماتهم، فقد ورد في الأثر أنه كان عصمة الأنبياء، وعش الأولياء، وجبل عامل إمتداد له، ويشكل معه، سلسلة جبال لبنان الغربية، يقابلها السلسلة الشرقية، بينهما سهل البقاع، وهذه الجبال المتصلة بجبل الجليل بفلسطين مشمولة بالأرض المباركة. قال تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من أياتنا إنه هو السميع البصير” (الأسراء/1).

      وجمعية قبس لحفظ الأثار الدينية في لبنان أولت تراث الأنبياء والقديسين والأولياء الصالحين ،  كل إهتمام وتقدير، وعملت على حفظ هذا الإرث العظيم،  من خلال مؤسسة رسمية مرخصة،   بموجب علم وخبر يحمل الرقم 698/أد سنة 2013م.

       بداية قامت الجمعية بإحصاء الآثار الدينية في البقاع  والجنوب وبعض مناطق جبل لبنان، وعاينتها عن كثب من خلال الزيارات الميدانية،  ووثقت خلال تلك الزيارات ما حفظته الذاكرة الشعبية،  بالصوت والصورة والتدوين لأكثر من 500 أثر ديني يشمل (المشاهد، والمزارات، والمساجد القديمة، والمدارس الدينية للمسلمين الشيعة الإمامية). بعد ذلك قامت الجمعية بالبحث والتحقيق حول هذه الآثار الدينية،  بالإستناد إلى المصادر، والمراجع،  والوثائق التاريخية المعتبرة ،  وأنجزت هذا العمل خلال ثلاث سنوات.

     منذ انطلاقتها عملت الجمعية على تشجيع السياحية الدينية،  وتعزيز ثقافة الزيارة للمشاهد والمزارات الدينية.

     ولأجل تحقيق هذا الهدف السامي قامت الجمعية بمجموعة من الإجراءات، وفق خطط وبرامج مدروسة ، منها: إنشاء موقع إلكتروني لنشر ما توفر لدينا من معلومات تفيد السائح.

        إطلاق تطبيق((Application يتعرف من خلاله حامل الموبايل على أماكن الآثار الدينية الموجودة على خط سيره ضمن نطاق جغرافي (قطره 2كلم) ، مع نبذة قصيرة حول كل أثر.

        إطلاق حملة إعلامية عبر وسائل التواصل الإجتماعي تصل إلى 12000مشترك.

        إعداد نشرات للتعريف بمقامات النبي شيث(ع)، وشمعون وصي النبي عيسى بن مريم عليهما السلام، وبنيامين شقيق النبي يوسف(ع)، وتوزيعها على الناس.

        المشاركة مع وحدة السياحة الدينية الثقافية التابعة لمجلس الوزراء ،  في إنتاج دليل حول السياحة الدينية،  بتزويدها بالمعلومات والوثائق المتوفرة لدينا عن المقامات الدينية في الجنوب والبقاع.

       طباعة خارطة سياحية دينية تستهدف 16 مقامًا بالتعاون مع وزارة السياحة ، مع نبذة مختصرة لكل مقام باللغات الإنكليزية، والعربية، والفارسية.

       إنتاج سلسلة حلقات تلفزيونية،  بالتعاون مع المخرج أيمن زغيب لصالح تلفزيون المنار(برنامج مشاهد)، كذلك أنتج تلفزيون الصراط أكثر من 40 حلقة حول مشاهد ومزارات في البقاع والجنوب، وبثت إذاعتا النور والإيمان الكثير من الحلقات الإذاعية حول الأثار الدينية .

      نشرت الجمعية في الإعلام المقروء مجموعة من التحقيقات التي تتعلق بعدد من المقامات الدينية، في مجلة العهد، ومجلة العتبة التي تصدر عن دار المعارف الحكمية، منها مقام النبي شيث،  ومسير السبايا في لبنان.

        أقامت الجمعية وبالتعاون مع بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت سبع دورات حول السياحة الدينية،بهدف تنشيط الحركة السياحية الداخلية، وتخريج مرشدين مؤهلين لإطلاق الرحلات السياحية التي تهتم بزيارة الأماكن الدينية، إلى جانب السياحة الثقافية، والسياحة الجهادية، وفي الجنوب أقامت دورة بالتعاون مع إتحاد بلديات جبل عامل،ودورة ثانية مع إتحاد بلديات قضاء بنت جبيل. ودورة ثالثة في بلدة جباع بالتعاون مع اتحاد بلديات إقليم التفاح. ولتعزيز السياحة في لبنان، أطلقت الجمعية مسارات سياحية متكاملة،  تجمع بين السياحات المذكورة وفق برامج متكاملة، تهدف إلى تعزيز ثقافة الإلتزام بالقيم الدينية والإنسانية السامية، وتعريف السائح على معالم سياحية جديدة، تحكي قصة الإنسان اللبناني المجاهد والملتزم بقضايا وطنه، وحمايته من عدوه الصهيوني، وعدوه التكفيري.

      رسمت الجمعية مسارات سياحية متنوعة لمساعدة السائح على اختيارالأماكن التي يرغب بزيارتها منها: مسار يجمع بين معلم مليتا السياحي، ومقام النبي صافي، وهذا المسار يجمع بين السياحة الجهادية والدينية  والطبيعية، حيث الأرض المفتوحة على السماء.

     ثمة مسارات أخرى،  وهي مهمة جدا تحكي قصص الأنبياء والصالحين، وتذكرنا بجهاد المقاومين، و تفتح أمام السائح آفاق التعرف على الآثار،  والمعالم الطبيعية ، وتجمع مقامات دينية،  وقلاعًا تاريخية، ومحميات طبيعية، وآثار الحضارات القديمة، كالمسار الساحلي الذي يبدأ من مقام النبي

يونس “ع”، وينتهي عند مقام شمعون الصفا في بلدة شمع، فهذا المسار يجمع آثارًا دينية وتاريخية “قلعة صيدا”، “وآثار صور”، وما بينهما آثار المقاومة المنتشرة على طول خط المسير.

     ثمة مسار داخلي يجمع بين الساحل والداخل، يمر بمدينة النبطية، وهي مدينة عريقة، ومن أهم الحواضر الدينية للمسلمين الشيعة في لبنان، ويمر بوادي الحجير، التي شهدت أحداثا تاريخية هامة (مؤتمر الحجير سنة 1920)، (تدمير عدد كبير من دبابات الميركافا الصهيونية في حرب تموز 2006م)، وفي الوادي محمية الحجير الطبيعية، وهي من أهم المحميات الطبيعية الغنية بالأشجار المعمرة، ويصل المسار إلى بلدة محيبيب، وفيها مقام بنيامين شقيق النبي يوسف “ع”، وبالقرب منها بلدة بليدا، وفيها خربة شعيب التي تطل على الوادي، حيث يوجد الآبار التي سقى منها موسى “ع” غنم شعيب، وفي الحارة القديمة يوجد المسجد القديم، ويسمى مسجد شعيب”ع”.

          المسار الأساس في البقاع هو مسير السبايا، وهذا المسار ديني بامتياز، يحكي لنا بعضًا من مأساة كربلاء. يبدأ في لبنان عند بلدة المشرفة قرب مدينة الهرمل، وينتهي عند بلدة سرغايا السورية، وأهم محطاته مدينة بعلبك، حيث مقام رأس الإمام الحسين(ع)، ومقام خولة بنت الحسين(ع) عند مدخل بعلبك الجنوبي، ومقام صفية بنت الحسين(ع) في بلدة حوش تل صفية، وهناك الكثير من المقامات الدينية على هذا المسير الطويل، والسير عليه يبدأ من مناطق مختلفة باتجاه مدينة بعلبك، على أمل إكتمال المسير الطويل الطويل الذي يبدأ من كربلاء بالعراق وينتهي في دمشق. فهذا المسير عشق المؤمنين المواسين للحسين (ع)، وأهل بيته ، وأصحابه الذين استشهدوا معه في كربلاء،  في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61هـ/680م  ، ومن هذه المقامات على هذا المسار:

مقام العبد الصالح : اللبوة.

تقع بلدة اللبوة في قضاء بعلبك، بمحافظة بعلبك- الهرمل، تبعد عن العاصمة بيروت 114 كلم.تذكر المصادر التاريخية أن البلدة كانت تقع على طريق القوافل القديمة المعروف بالطريق السلطاني،وكانت تشتهر بيانبيعها العذبة. اتّجه الركب الحسينيّ إليها مارًا بحصن العين، ثمّ انحدر غربًا إلى الحدود الشرقيّة للسهل، واتّجه جنوبًا، فوصل إلى مياه اللبوة، وقد ذكرأبو مخنف لوط بن يحي المتوفي سنة “157هـ/773م ” بلدة اللبوة من ضمن المنازل التى استراح فيها موكب السبايا، قال: ” وعبروا اللبوة وكتبوا (أي قادة جيش يزيد بن معاوية ) إلى صاحب بعلبك أن تلقّانا إنّ معنا رأس الحسين، فأمر بالجواري أن يضربن الدفوف، ونشر الأعلام، وضرب البوقات، وأخذوا بالفرح والسرور، مزيّنين وملطّخين رؤوسهم بالزعفران، واستقبلوا القوم ستة أميال، وسقوهم الماء والفقاع والسويق والسكّر، وهم يرقصون ويصفّقون وباتوا ثملين”

      ينسب هذا المقام إلى أحد الذين كانوا ضمن موكب السبايا، حيث توفي خلال مرور الموكب في البقاع، ودفن ببلدة اللبوة ، ويسميه الأهالي “مقام العبد الصالح “، وتعود أهميته لكونه يقع على درب السبايا.

     يقع المقام بالقرب من نبع اللبوة، وهو بناء قديم جداً، وبرغم تهدّمه في فترات سابقة، ظل الأهالي يضيئونه ليلاً، ويعتقدون بحصول الكرامات فيه.

وفي أواخر التسعينات، قام أهالي اللبوة بمحاولة ترميم المقام، فظهرت تفاصيل كشفت عن جثمان طفل بدا كفنه الأبيض دون اهتراء أو تلف، فبنى الناس في الموقع ثلاث غرف متلاصقة، ووُضِعَ قفص خشبي فوق الضريح، وبات مزاراً لأهل اللبوة والمنطقة. ويمكن الوصول إلى بلدة اللبوة انطلاقاً من العاصمة بيروت عبر طرق عدة، ومنها طريق: بيروت -الحازمية- عاليه- صوفر- شتورة- بعلبك- مقنة- فبلدة اللبوة.

مقام السيدة صفية :حوش تل صفية.

وينسب هذا المقام لإحدى بنات الإمام الحسين (ع) اللواتي شهدن واقعة كربلاء، وتوفيت خلال مرور موكب السبايا في منطقة البقاع في طريقه نحو مدينة دمشق.  ودفنت مكان وفاتها في القرية التي تعرف اليوم “بحوش تل صفيّة” في قضاء بعلبك، بمحافظة بعلبك-الهرمل، وتبعد عن العاصمة بيروت حوالي 80 كلم. ذُكِرَت السيّدة صفيّة في مصادر تاريخيّة متأخّرة وأقدم مَن ذكرها هاشم البحراني المتوفّى سنة 1107هـ/1695م في رواية مسندة إلى السيد السدّي في حواره مع الأخنس بن زيد الذي كان من أتباع عمر بن سعد في واقعة كربلاء، يقول الأخنس: “أنا الذي أُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد (لع) بوطء جسم الحسين (ع) بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعًا من تحت علي بن الحسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت أذني صفيّة بنت الحسين(ع) لقرطين كانا في أذنيها”.

        لا يُعْرَفُ بالتحديد تاريخ بناء المقام، ولكن الدلائل المختلفة تشير إلى قدمه. وفي أوائل القرن العشرين، كان المقام غرفة بسيطة من الحجر والتراب دون سقف، تضم داخلها ضريح السيدة صفية. وكان مقصداً لأهالي المنطقة من مختلف الطوائف، من طالبي البركة، والمؤمنين بكرامات صاحبته. خضع المقام  للتوسعة والتجديد مرات عدّة، وفي العام 2018م، أدخل على بناء المقام تعديلات كثيرة، بحيث صار بناء تراثيًا واسعًا، عليه المهابة، وأمامه باحة واسعة وحديقة لاستراحة الزوار، يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء،  ويعتقدون بقداسة صاحبة المقام ، ويتحدثون عن شفاء مرضى ببركتها ، ويقدمون لها النذورات .

    يمكن الوصول إلى مقام السيدة صفية انطلاقاً من العاصمة بيروت، عبر طرق عدة، ومنها طريق عاليه- صوفر- شتورة- النبي أيلا- شمسطار- النبي رشادة- فقرية حوش تل صفية.

مسجد رأس الحسين(ع): بعلبك

بعلبك مدينة تاريخية قديمة، سماها اليونان والرومان “هليو بوليس” أي مدينة الشمس،  وسماها العرب بعلبك، ويُقال بأنها كانت مهراً لبلقيس ملكة سبأ، وبها قصر النبي سليمان “ع”، وهي أهم محطة على الطريق السلطاني بين حمص ودمشق، نزل بها موكب السبايا، في مرجة رأس العين أعلى مدينة بعلبك، على بعد 1000متر تقريباً من وسط المدينة، وبعلبك مركز المحافظة والقضاء، تبعد عن العاصمة بيروت 85كلم، وأول ذكر لها في المصادر التاريخية ورد في ترجمة أبي الغمر عبد الملك البعلبكي المتوفي سنة 550هـ/1155م، وهو أديب وشاعر إمامي، ذكره ابن شهر أشوب في “معالم العلماء” و “مناقب آل أبي طالب” في شعراء أهل البيت “ع” وقال بأنه توفي برأس عين.

         لا توجد أية نصوص تاريخية تتحدث عن مسجد رأس العين قبل سنة 676ه/1277م، وهي السنة التي جدده بها الظاهر بيبرس، وإنما المتداول بين أهل المدينة أن أصله مشهد بني في المكان الذي نزله موكب السبايا القادم من حمص في طريقه إلى دمشق، يقول الدكتور حسن نصر الله في كتابه تاريخ بعلبك، ج2 ص510: “وقصة هذا المسجد ذكرها ابن شهر أشوب وملخصها: “لما حمل جند الأمويين رأس الإمام الحسين”ع”، إلى دمشق، مروا ببعلبك فاستقبلهم سكانها مهللين فرحين بقتل الخوارج. وأقام الجيش في رأس العين، يرتوي ويطلب الراحة، لكن السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب”ع”،  كشفت حقيقة الأمر للسكان، وعرفتهم أن القتلى هم آل بيت رسول الله”ص”، فانقلب أهالي بعلبك ضد جند يزيد، وهاجموهم يريدون أخذ الرؤوس ودفنها. ولمـّا فشلوا عبّروا عن وفائهم ببناء مسجد في الموضع الذي نصبت فيه الرؤوس، وأسموه مسجد رأس الإمام الحسين(ع)”.

            مقام السيدة خولة: بعلبك.

             يقع مقام السيدة خولة عند مدخل بعلبك الجنوبي، بجانب قلعتها الشهيرة، وهو من أهم المعالم الدينية في المدينة، على الطريق السلطاني بين حمص ودمشق، وتتحدث الذاكرة الشعبيّة لأهالي بعلبك ومحيطها عن أثرين هامّين، خارج أسوار المدينة، يتعلّقان بالركب الحسينيّ، وهما مقام السيّدة خولة بنت الحسين(ع)، ومقام السيدة صفية بنت الحسين(ع).

              يُنْسَبُ المقام عند مدخل بعلبك الجنوبي لخولة بنت الإمام الحسين عليه السلام ماتت على يسار الطريق جنوبي المدينة عند باب دمشق : ويقول إبن بعلبك المؤرخ ألوف: “ومزار خولة للشيعة “المتاولة ” وهي إبنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وقيل أنه لمَا سبي أهل البيت في زمن الأمويين، وأتي بهم دمشق، مروا ببعلبك فماتت خولة فيها، وفي دار مزارها شجرة سرو قديمة العهد جداً”.

         يتناقل آل صافي النجفيّون عن آبائهم وأجدادهم بأنّ مقام السيّدة خولة كان معروفًا، ويزار من الناس. وبعد فتوى ابن تيميّة سنة 705هـ/1305م دارت معارك في بعلبك، وتهجّر أهلها منها، وهُدم المقام، ولم يعد يعرف إلّا عند الخواص من الشيعة.وقد سكن سيدان من آل الصافي إلى جانب الضريح بعد سنة 705هـ/1305م، ودُفن أحدهم إلى جانبه وهو السيد محمد بن حسين الصافي، وبقيت ذرّيّته في بعلبك، ثم ارتحلوا إلى العراق، وكان إلى جانب المقام قبر قديم جدًا واسم صاحبه السيد محمّد الموسوي النجفي.

            في 5 جمادى الثانية عام 1100هـ/1688م، قام الحاج محمد بن علي الغربية بوقف حقل مجاور لمرقد السيدة خولة، وفي سنة 1170هـ/1756م زاره الرحّالة الإنكليزي روبرت وود، ورسمه إلى جانب شجرة السرو المعمّرة، وأمامه طريق بعلبك دمشق.

            في عام 1200هـ / 1785م قرّر حاكم بعلبك إسحاق روحي، ومفتيها خليل العميري، ونقيب السادة من آل مرتضى، تجديد المقام، وطلبوا من مخاتير القرى مساعدتهم بالمواد اللازمة للقيام بعمليّة التجديد، وفي سنة 1315هـ/ 1897م التقط الألماني هرملت برشاروت صورةً فوتوغرافيّةً لمقام السيّدة خولة أثناء زيارته لمدينة بعلبك، ويبدو المقام فيها محاطًا بسور مرتفع وبوابته الخارجيّة وشجرة السرو المعمّرة، وفي سنة 1342هـ/1922م ،قام السيد عبد الحسين شرف الدين بزيارة للمقام، وصلّى بالناس الظهر جماعةً فيه، وضاق المكان بالمصلّين، والتقطت بعض الصور التذكاريّة في المكان، وفي سنة 1378هـ/1959م تولّت مديرية الآثار ترميم المرقد والعمل على تصنيفه ضمن الأبنية التاريخيّة، في بدايات القرن الخامس عشرالهجري، الواحد والعشرين ميلادي كان المقام عبارة عن بناء حجريّ مربّع “غرفة واحدة” ضلعه ستة أمتار، تحوي الزاوية الشماليّة الغربيّة منه ضريح صاحبته، يعلوه صندوق خشبيّ مزخرف بآيات قرآنيّة، وأشكال هندسيّة، ويفوح منه شذا القداسة، وعطر الرسالة.

          وللمقام جدران سميكة تحمل أربعة عقود حجريّة صغيرة، ويتوسط جدارها الجنوبي محراب حجريّ بسيط، وتشير البلاطات الخارجيّة إلى وجود مسجد صغير كان إلى جانب المقام، تبدو عليه ملامح العراقة والقدم، تظلّله شجرة سرو قديمة.  وفي عام 1416هـ/1996م، تبنّى الإمام السيّد علي الخامنئي إعادة بناء المقام من جديد وبشكل فخم، حتّى أصبح آيةً في الهندسة المعماريّة، والزخرفة الرائعة، يزوره الناس من لبنان وخارجه، وصار المقام من أهم المعالم الدينية في بعلبك والبقاع.

         ومن أهم المقامات والمزارات الدينية :

                  مقام النبي شيث:البقاع

      للنبي شيث أكثر من مقام في لبنان، ويحمل اسمه أكثر من قرية وبلدة، ففي جبل عامل  تقع بلدات جبشيت وبرعشيت وعدشيت، وفي البقاع له مقام معظم في بلدة أخذت إسمها منه، فصارت تعرف “ببلدة النبي شيت”. و تقع في وسط شرق سهل البقاع على السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، وتتبع إداريًا لقضاء بعلبك، بمحافظة بعلبك – الهرمل، وتبعد عن العاصمة بيروت 70 كلم.

صاحب المقام شيث بن آدم، وهو ثالث أولاده بعد هابيل وقابيل، وولد بعد مقتل هابيل، فعُرِفَ “بهبة الله”، وهو وصي أبيه آدم”ع”، وخليفته ووارث علمه، أنزل الله عز وجل عليه خمسين صحيفة، وورد ذكره في زيارة الناحية المقدسة: “السلام على شيث ولي الله وخيرته”. 

      يقع المقام وسط البلدة القديمة، وهو قديم يعود لمئات السنين، ومن الشواهد على قدم المقام وجود وقفية تنص على أن أحد المحسنين قد جعل قسمًا كبيرًا من أراضيه  وقفا لمقام النبي شيث، ويعود تاريخ هذه الوقفية إلى سنة “518هـ/1124م”. وقد ورد ذكره في العديد من النصوص التاريخية، فقد ذكره الهروي “ت: 611 هـ/1214م” في كتابه الزيارات، وزاره الرحالة عبد الغني النابلسي “1143هـ/1730م”.

      كان المقام عبارة عن حوش خارجي  فيه أشجار معمرة، وفيه مسجد مرتفع، وله قبة خضراء بناها الحرافشة، وبمحاذاته لجهة الجنوب يوجد مرقد النبي شيث”ع”، وفي فناء الحوش الخارجي دورات مياه، وسور حجري يحيط بالمقام.

   للأسف هُدِمَ المقام القديم، وأُعيدَ بناؤه في تسعينات القرن الماضي، وجرت توسعته، فصار يضم مئذنتين، وقبتين، ومسجدين، وقاعة للمحاضرات، وباحة للزوار، وغرف للمنامة. أمّا الضريح الشريف ففي قاعة الزوار، يحيط به مجموعة أقواس تراثية الشكل ملبسة بالكاشي، ويبلغ طوله أكثر من اثنين وثلاثين متراً.

       وما يزال المقام مقصداً للزوّار من مختلف المناطق، وبخاصة خلال المواسم والمناسبات الدينية.

ويمكن الوصول إلى بلدة النبي شيت انطلاقاً من بيروت عبر طرق عدة، ومنها طريق: عاليه- صوفر- شتورة- رياق- فبلدة النبي شيت.

      مقام النبي أيلا عليه السلام : البقاع .

      عرف مقام النبي أيلا في منطقة البقاع منذ عصور قديمة، وتناقلت الأجيال حكايا كراماته فتعلق أهالي المنطقة به، وهوت إليه أفئدة المؤمنين، وبنوا بيوتهم حوله، حتى تحول المكان إلى بلدة سموها باسمه “بلدة النبي أيلا”.

      هو إلياس بن ياسين بن فحناص بن ألعازر بن  هارون بن عمران التشبي، يعود بنسبه الى النبي يعقوب عليه السلام، يُسمَّى بالعبرية إيليا، ويُعرَف باللغة  الإغريقية إيلياس، وبالعربيه إلياس، وعرف في القرن الثاني عشر هجري بالنبي إيليا .

     ولد عام  850 قبل الميلاد في بلدة تشبه جنوبي بلدة قدس العاملية،  شمال صفد، سكن في الجولان وتجول في بلاد الشام ووصل في تجواله إلى بلدة صرفة [ الصرفند ] على ساحل البحر، بين صيدا وصور، وفيها عمل معجزة فأحيا ابن الارملة أليسع، وكان إلياس من الصالحين، قال تعالى: “وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين” (الأنعام3).

      تصدى للملك آخاب وزوجته إيزابيلا التي أدخلت عبادة الأصنام إلى المملكة في القرن التاسع قبل الميلاد، وقد وردت في الروايات الإسلاميه أن الله تعالى قد أرسله بعد النبي حزقيل لينهى قومه عن عبادة الأصنام، فتصدى للملك آخاب وزوجته في بعلبك من مدن الشام، ودعاهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام، قال تعالى: “وإن إلياس لمن المرسلين* إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين* الله ربكم ورب آبائكم الأولين * فكذبوه فإنهم لمحضرون * إلا عباد الله المخلصين* وتركنا عليه  في الآخرين*”  (سورة الصافات 123 – 129).

        يطلق عليه لقب الحيّ، وهو ليس الخضر عليه السلام فبينهما ثلاث مائه عام، فقد ورد عن إبن عباس: إن إلياس صاحب البراري،  والخضر صاحب الجزائر، يجتمعان بعرفات.

        عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “كان الياس يقول في سجوده أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي، قال:فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك…”

     تعرض المقام للهدم أكثر من مرة، وأعاد بناءه أمير بعلبك وبلادها الأمير علي بن موسى الحرفوشي سنة999ه / 1590م.

       زاره الرحالة النابلسي سنة 1100 ه/ 1688 م، فقال: “ثم سرنا حتى وصلنا إلى قرية نبي الله أيلا، بفتح الهمزة وسكون الياء، فصعدنا إليه في ذلك الجبل، وترجينا من بركاته عطاء ونيلا، وزرناه وصلينا الظهر بالجماعة هناك، وإذ بجماعة من العرب اتخذوا ضيافة ووفوا نذرًا لهم، فكان لنا معهم في ذلك الطعام اشتراك، ووجدنا في الجهة المرتفعة من ذلك المزار ماءً جاريًا في فسقية مبلط ما حولها بلطائف الأحجار، مؤذنة بأنه كان عليها في الزمان الأول قبة مرتفعة والماء  ينزل إليها من عين في أعلى الجبل متسعة، ووجدنا حجرا كأنه كان  مبنياً في تلك القبة، وهو موضوع على العكس في بنيان هناك، وأحرف كتاباته منكسة، فقرأناه بعد جهدٍ جهيد، ووجدنا فيه أبياتاً متضمنة تاريخ بناء تلك القبة، الذي كان مشيدًا، وهذا النظم منسوب الى السيد عبد الكريم من أهل كرك نوح عليه السلام، وهو قوله عليه رحمة الملك العلام.

هذه قبة لها تقديسكعروس لها الجميل النفيس
بين نوح وبين شيث تراهاذات نور يضيء منه الجيس
وهي محفوفة بجنان وردوثمار قطوفها لا تخيس
شاد أركانها الأمير علي [1]وله في خلائها تأسيس
ولها رونق بحضرة أيلانزهة الواردين وهو الأنيس
إن تاريخها الأمير بن موسىقد بناها فحب نعم الجليس

وذلك في سنة تسع وتسعين وتسعمائة، والجيس المذكور في الأبيات مكان منتزه في الفُرزُل، بضم الفاء، وسكون الراء المهملة، وزاي مضمومة، ولام ـ قرية هناك، وقلنا في مدح تلك الحضرة على حسب التيسير هذا النظم القليل الكثير:

قد ركبنا العزم خيلالنبــــــي الله أيلاء
فرأينـــــــاه مزاراًبث فينا حب ليلى
نوره يشرق منه وهب الزوار نيلا
جبل عال عليهقرية طابت مقيلا
وبها ماء زلالسال من أعلاه سيلا

       ثم زاره مرة ثانية سنة 1112 ه/ 1700م ، وزاره الشيخ إبراهيم آل عرفات القطيعي سنة 1221 ه/1806م.

       يبدو المقام في هذ العصر غاية في الجمال والهندسة، مبني من الحجر الأحمر، تعلوه قبة خضراء، وشرفة ذات عقود مقوّسة. أمّا داخل المقام فعبارة عن قاعة مزينة بالبلور والخشب المزخرف، وبلاط أرضه من المرمر والغرانيت  الأحمر، وباب المقام ضخم من الخشب الممتاز، يتوسط القاعة ضريح محاط بقفص خشبي ذي نقوش بديعة، وما زال المقام على مكانته بين الأهالي بمختلف طوائفهم .

      ويمكن الوصول إلى بلدة النبي أيلا انطلاقاً من العاصمة بيروت عبر طرق عدة، ومنها طريق: عاليه- شتورة- تعلبايا- زحلة- أبلح- فبلدة النبي أيلا.

         مقام يونس (عليه السلام)- بلدة الجيّة:جبل لبنان.

       مقام يونس (ع) في بلدة الجية الساحلية، محافظة جبل لبنان،  قضاء الشوف، يبعد عن بيروت 30 كلم. يُنْسَبُ لنبيّ الله يونس بن متّى أو يونان بن أمتاي، واسمه السرياني”يونة”، ويقال أنه من بلدة جت حافر، وبها مسقط رأسه، وهي على بعد  3كلم من صفورية في الجليل بفلسطين .

     هو صاحب الحوت، ابتلعه ولفظه بأمر الله تعالى، وقص علينا القرآن الكريم قصته في سور عديدة،  حيث غادر قومه غاضباً بعدما رفضوا الاستجابة لدعوته، قال تعالى: “وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الضالمين- فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين” (الأنبياء87-88).

     ركب البحر وشاءت إرادة الله أن يبتلعه الحوت،  فلبث في بطنه مسبحاً مستغفراً حتى لُفظه الحوت إلى الشاطئ. قال تعالى: “وإن يونس لمن المرسلين* إذ أبق إلى الفلك المشحون* فساهم فكان من المدحضين* فالتقمه الحوت وهو مليم* فلولا أنه كان من المسبحين* للبث في بطنه إلى يوم يبعثون* فنبذناه بالعراء وهو سقيم* وأنبتنا عليه شجرة من يقطين* وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون* فآمنوا فمتعناهم إلى حين” (الصافات:139/148) .

يقع مقامه في الجية عند الشاطئ الرملي للبلدة،  حيث يُعتقد أن المقام شيّد في المكان الذي وصل إليه (ع) بعدما لفظه الحوت. وبناء المقام قديم جداً، فيه غرفة صغيرة مربعة،  ذات قبة صغيرة،  مبنية على عقود من حجر الصخر الرملي،  تزيّنه أعمدة رخامية. وفي المقام قبر مجهول الهوية. وقرب المقام توجد آثار قديمة لم تكشف أسرارها بعد. وقد ارتبط هذا المقام بوجدان أهل المنطقة، وما زال مقصداً للزوّار، ويمكن الوصول إليه، عبر سلوك الطريق البحري جنوب بيروت مروراً بخلدة، السعديات، وصولاً إلى الساحل الجنوبي لبلدة الجية.

      مقام النبي يعقوب (ع) في قرية روم: جبل عامل.

     تقع قرية روم في قضاء جزين ، بمحافظة لبنان الجنوبي، وتبعد عن العاصمة بيروت حوالي 60 كلم. ينسب المقام فيها للنبي يعقوب “ع”.

    سكن النبي يعقوب”ع” بعد عودته من العراق في أرض كنعان، واشترى أرضا عند نابلس، وكانت تدعى شكيم، ونصب فيها خيمة، وأقام هناك مذبحا، وانتقل إلى مصر بطلب من إبنه يوسف “ع”، وعاش فيها 17 سنة،  وبعد وفاته حنطه أطباء مصر، وجاء به يوسف”ع” وإخوته إلى حبرون في موكب عظيم، ودفنوه في مغارة قرب جده ووالده (ع)، وذلك ضمن الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بفلسطين. ولذلك،  فمقام يعقوب (ع) في قرية روم لا يضم داخله أي قبر. وتقول الذاكرة الشعبية أن المقام بني في  المحل الذي أقام فيه يعقوب (ع)،  خلال مروره وأقامته بهذه القرية.

     يقع هذا المقام وسط القرية،  وهو بناء أثري عتيق،  مشيّد  على عقود حجرية،  وتعلوه قبة دائرية. وليس بعيداً عنه تقوم حسينية ومئذنة. كما تنتصب أمام المقام

ثلاث أشجار من الأرز،  تعود إلى زمن ترميم المقام في عشرينات القرن العشرين.

     ويحظى المقام بتقدير أهالي المنطقة من مسلمين ومسيحيين،  كما يقوم المسلمون بإقامة صلواتهم داخله، وإحياء مناسباتهم وشعائرهم الدينية.

     ويمكن الوصول إلى قرية روم في قضاء جزين انطلاقاً من العاصمة بيروت عبر سلوك طرق عدة، منها: خلدة – الجية – صيدا – حارة صيدا – لِبعا- كفر فالوس – أنان وصولا إلى بلدة روم.

     مقام هارون- بلدة الخرطوم: جبل عامل . 

       مقام هارون في بلدة الخرطوم، محافظة لبنان الجنوبي، قضاء صيدا، يبعد عن العاصمة بيروت حوالى 60 كلم،  ينسب لنبي الله هارون بن عمران (ع).

        قال السيد محسن الأمين في خطط جبل عامل ص: 180″مشهد هارون في خرطوم من ساحل صيدا، منسوب لهارون أخي موسى عليهما السلام، تزوره اليهود”،  كذلك ذكره الشيخ ابراهيم سليمان في كتابه “بلدان جبل عامل”.

       يقع مقام النبي هارون (عليه السلام) قرب مقبرة البلدة،  ويرجع تاريخه إلى أكثر من ستماءة عام،  حسب الدراسات الأثرية والعمرانية. وهو عبارة عن بناء حجري عتيق ،  يقوم على العقود والقناطر،  تعلوه قبة دائرية،  وفيه محراب صلاة. ويوجد تحت المقام طابق سفلي،  هو عبارة عن قبو محفور في الصخر، ينزل إليه بدرج صخري أيضا،  ويضم قبوراً منحوتة،  ولكنها فارغة، تعود على الأرجح إلى أكثرمن ألفي عام.

لمقام النبي هارون (عليه السلام) مكانة لدى أهالي المنطقة،  منذ مئات السنين   فكان مقصداً لمواكبهم خلال المواسم والمناسبات الدينية،  كما اعتادوا على عقد النذور على نية صاحبه، وما زال محافظاً على مكانته إلى اليوم، ويمكن لقاصديه أن يصلوا إليه عبر طرق عدة، ومنها طريق (بيروت – صيدا – الزهراني – االبيسارية – أنصار- سيناي – وصولاً إلى بلدة الخرطوم).

       مقام الخضر في بلدة حومين التحتا :جبل عامل .

وينسب هذا المقام للخضر (ع)،  الذي يُقال أن اسمه الحقيقي هو إيليا، وقيل خضرون،  وقيل غير ذلك،  وهناك شبه إجماع على أن الخضر (ع) هو العبد الصالح الذي التقاه نبي الله موسى (ع) كما وردت قصتهما في سورة الكهف. وهذا المقام يقع في بلدة حومين التحتا، في قضاء النبطية، التي تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 57 كلم.

يقع مقام الخضر (ع) عند الطرف الشمالي الغربي للمقبرة، وهو مشيّد بالحجارة الصخرية، ويتألف من غرفتين: إحداهما للرجال، والثانية للنساء، هذا إضافة إلى باحة واسعة تربط بين الغرفتين. ويضم مبنى المقام محراباً للصلاة، وبئر ماء قديمة، كما تعلوه قبة حجرية دائرية، فيما تنتشر بعض النحوتات والنقوش على حجارة البناء،  ويخلو المقام من أي قبر أو ضريح. وفي عام 2000 م،  شهد المقام عملية ترميم واسعة حافظت على طابعه التراثي،  وعملت على تظهير عقوده الحجرية الأثرية،  وللخضر”ع” مقامات عديدة في لبنان، وهو ليس النبي الياس “ع” فبينهما ثلاث مئة عام. يمكن الوصول إلى بلدة حومين التحتا، من العاصمة بيروت عبر طرق عدة،  منها طريق خلدة – صيدا – مغدوشة – عنقون – وصولاً إلى بلدة حومين التحتا. 

      مقام محيبيب: جبل عامل .

      ينسب هذا المقام لبنيامين شقيق النبي يوسف “ع”، وهو الإبن الثاني عشر لنبي الله يعقوب”ع”، ويطلق عليه إسم محيبيب، وهو تصغير كلمة محبوب،  وذلك لشدة حب والده يعقوب (ع) له ولأخيه يوسف (ع)، كما ورد في الآية الثامنة من سورة يوسف.

كان المقام قائماً في تلة منعزلة، ثم أعيد الاهتمام به أوائل القرن العشرين،  وسكنت جواره بعض العوائل خدمة للمقام وطلباً لبركة صاحبه، فنشأت قرية حملت إسم صاحب المقام”محيبيب”، التي تقع ضمن قضاء مرجعيون، محافظة النبطية،  على بعد 115 كلم من العاصمة بيروت.

يقع المقام في أعلى التلة وسط قرية محيبيب، يشرف على مناطق واسعة من شمال فلسطين المحتلة، وهو بناء قديم يتألف من غرفتين، قائم على أعمدة وعقود صخرية، عليه قبة دائرية، أمامه رواق تعلوه القناطر والعقود التراثية، والفناء الخارجي مفتوح على السماء ومحاط بسور من الحجر الطبيعي،  وفي الزاوية الشمالية الشرقية تقع المئذنة الحجرية التي تظهر من بعيد كمنارة ترشد إلى موقعه، ويضم المقام في داخله قبراً سبق أن كان يعلوه شاهد بكتابات قديمة،  وبحسب الذاكرة الشعبية، سرق هذا الشاهد تاجر صهيوني قبيل قيام الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة.

آمن أهل القرى المجاورة بمكانة مقام محيبيب وبكرامات صاحبه، وكان يُقْصَدُ خلال المواسم الدينية للزيارة والتعبّد،  وتقدّم لصاحبه النذور. وفي السنوات الأخيرة خضع المقام لعملية ترميم، وتأهيل وفق المواصفات التراثية. يمكن الوصول إلى المقام عبر طرق عدة، منها طريق بيروت – صيدا – عدلون – دير قانون النهر – معروب – وادي الحجير – ميس الجبل – وصولاً إلى قرية محيبيب.

          مقام عمران(ع) في بلدة القليلة : جبل عامل.

         يقع المقام في بلدة القليلة في قضاء صور،  بمحافظة لبنان الجنوبي،  وتبعدعن العاصمة بيروت 85 كلم .

     يعود عمران بنسبه للنبي سليمان بن داود (ع) ،  وهو والد الصديقة العذراء مريم “ع”. ذكره الله في القرآن الكريم،  فقال تعالى “ومريم بنت عمران”، وهو غير عمران بن يصهر والد النبي موسى “ع”، وبين العمرانين ألف وثلاثمائة سنة ،  ويسمى في الاناجيل المنحولة ب “يواقيم”.

     كان عمران رجلاً عظيمًا من عظماء بني إسرائيل، وهو نبي أرسله الله الى قومه. فقد جاء عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر(الإمام الصادق عليه السلام) عن عمران أكان نبيًا ؟ فقال “ع” : نعم كان نبيًا مرسلاً إلى قومه، وأخوه يعقوب بن ماثان هو من تحدث القرآن الكريم عن آله في كلام زكريا: ” فهب لي من لدنك  ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب وأجعله رب رضياً “، قال جمهور المفسرين: ليس المراد من يعقوب هنا ولد إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، بل يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان، كان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكريا، وكان لعمران أخت تزوجت من حمون بن عمة، فأنجبت شمعون الصفا، وصي المسيح وخليفته، فشمعون الصفا “ع” هو ابن عمة مريم.

    وتذكر المصادر التاريخية أن عمران (ع) توفي في الجليل، وبما أن الأطراف الجنوبية من جنوب لبنان كانت تاريخياً جزءاً من الجليل، فيمكن لوفاته (ع) أن تكون في تلك المنطقة. 

     يقع المقام في قرية القليلة ضمن منطقة كانت تعرف قديماً بمزرعة عمران،  وهو عبارة عن غرفتين من الحجر الصخري العتيق، الأولى غرفة الضريح،  وفيها محراب الصلاة،  وتعلوها قبة دائرية صغيرة. أما الغرفة الثانية من المقام ففيها محراب آخر،  وتعرف بغرفة أم النبي، وقد أضيف للمقام مصلى حديث و مئذنة، وأهالي المنطقة يقدّسون صاحب المقام، ويعتقدون بكراماته.

    ويمكن الوصول إلى قرية القليلة حيث مقام النبي عمران (ع)  إنطلاقا من العاصمة بيروت عبر الطريق الساحلي: خلدة – الجية – صيدا – صور – رأس العين فقرية القليلة.

      مقام شمعون الصفا: جبل عامل .

      ينسب  المقام لوصي المسيح عيسى بن مريم (ع)، شمعون الصفا، واسمه في الإنجيل سمعان بن يونا أو يونان الملقب بـ”الصفا”، وفي المصادر الإسلامية هو شمعون بن حمون بن عامة، وسمعان كلمة عبرية، تقابلها شيمون بالسريانية،  وشمعون بالعربية. والصفا كلمة عربية تعني: الحجر الصلب الأملس، ويقابلها باليونانية بيتروس، ومنها بطرس، وبالآرامية كيفا، ومعناها الحجر أو الصخر.

هو سليل الأنبياء،  فوالده حمون بن عامة، يعود بنسبه إلى سليمان بن داود(ع)،  وهو من بلدة جسكالا المعروفة اليوم ببلدة الجش بفلسطين، وأمّه سيدة جليلة تربت في بيت من بيوتات الأنبياء، فهي أخت النبي عمران(ع)، والد السيدة مريم العذراء،  فشمعون الصفا(ع) هو ابن عمّة السيدة مريم ع، وهو في الوقت ذاته ابن خالها[2].

    يقع المقام في قرية شمع في قضاء صور، بمحافظة لبنان الجنوبي، على بعد 99 كلم جنوب العاصمة بيروت، وهو بناء ذو طبقتين. السفلية قديمة جداً، ويرجّح بأنها تعود إلى الفتح الإسلامي، أمّا الطبقة العلوية فقائمة على عقود حجرية،  وترجع للحقبة الفاطمية في القرن الحادي عشر للميلاد. وتعلوه ثلاث قباب متفاوتة الحجم، إضافة إلى مئذنة إسطوانية.

      تدل علاقة أهالي المنطقة بالمقام على مكانة صاحبه في وجدانهم الديني والشعبي،  كما يدلّ على ذلك تعاقب الحضارات على الاهتمام بعمارته وتجديده.

      وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006م، تعرّض محيط المقام لغارات جوية عنيفة، أدّت إلى تعرّض جزء كبير منه للتدمير. لكن سرعان ما سارع الخيّرون إلى ترميمه، وبنائه على الشكل التراثي السابق.

ويمكن الوصول إلى قرية شمع في منطقة صور، انطلاقاً من العاصمة بيروت عبر الطريق البحري جنوباً، مروراً بمدينة صور، فرأس العين، وصولاً إلى قرية شمع.

هذه هي باختصار بعض المقامات الدينية، على أكثر من مسار سياحي، التي تدعو جمعية قبس لحفظ الأثار الدينية المؤمنين لزيارتها.


 

 

Scroll to Top