Almanara Magazine

الرهبان و أملاكهم في عهد الأمراء الشهابيين

إعفاء من الجزية و إلزام بدفع الأتاوات و البلص و ضريبة الميري

 البروفسور جوزيف أبو نهرا

        في النصف الثاني من القرن العشرين برز اهتمام حثيث لدى المؤرِّخين اللبنانيين في اعتماد أرشيف المؤسّسات الرهبانيّة المسيحية مصدراً من المصادر الأساسيّة لكتابة تاريخ لبنان الإقتصادي والإجتماعي في العهد العثماني. وقد كان الإهتمام بهذا الأرشيف مقتصراً قبلاً على كتابة التاريخ الديني دون غيره.

        يساعد أرشيف الأديار على فتح آفاق جديدة في دراسة تطوّر المجتمع الريفي اللبناني ونموّه الإقتصادي، كما يساعد في تبيان الدور الديناميكي والفعّال الذي لعبه الرهبان في هذا المجال. ولكي ندرك تماماً أبعاد هذا الدور لا بدّ من العودة إلى الظروف التي نشأت فيها المؤسّسات الرهبانيّة النظاميّة منذ أواخر القرن السابع عشر بحيث شدّدت قوانينها على تلازم الحياة الروحيّة في الأديار مع العمل في الأرض كوسيلة من وسائل التقشّف وقهر الذات وميولها الجسديّة.

        كانت قوانين الرهبانيّات الناشئة حديثاً تلزم الرهبان بتأمين غذائهم وملبسهم وحاجاتهم الأخرى عن طريق الجهد الشخصي، وصولاً إلى الإكتفاء الذاتي في المأكل والملبس وصنع بعض الحاجات، حتّى يبقى الراهب محصوراً في ديره، منعزلاً عن مظاهر حياة الترف ومباهج الحياة وملذّاتها. إنطلاقاً من هذا الواقع لم يقتصر دور الأديار على كونها مراكز دينيّة ينصرف فيها الرهبان إلى العبادة والصلاة والتأمّل الروحي، بل كانت، في الوقت نفسه، مراكز نشاط زراعي وحرفي وأحياناً تجاري، لعبت دوراً فاعلاً في التحوّلات الاقتصاديّة والإجتماعيّة والثقافيّة في جبل لبنان في العهد العثماني. وقد واكب هذا الدور انتشار المسيحيين جغرافيّاً وديموغرافيّاً وساعدهم في الترقّي إلى أعلى المراتب السياسيّة حتى توصّلوا إلى سدّة إمارة الجبل في عهد الأمراء الشهابيين.

        كان سائداً في أوساط العامّة من الناس، الذين يجهلون الحقائق التاريخيّة أو لم يطّلعوا عليها الإطّلاع الكافي، بأنّ أوقاف الرهبانيّات المسيحيّة في العهد العثماني كانت معفاة تماماً من ضريبة الميري، وبأنّ هذا الإعفاء ساهم في توسّع الأملاك الرهبانيّة على حساب الأعيان والفلاّحين. لكنّ العودة إلى دفاتر حسابات الأديار وإلى أرشيف المقاطعجيين في تلك المرحلة تظهر بشكل واضح، لا لبس فيه، بأن الرهبانيات كانت تدفع بصورة نظامية ومنتظمة ضرائب الميري على أملاكها الزراعية وبأنّ بعض الإعفاءات الضريبيّة التي تمتّعت بها أحياناً كانت استثنائيّة ولأسباب خاصّة وعابرة ([1]).

        يعتمد هذا البحث، بدرجة أولى، على دفاتر حسابات والأرشيف الخاص لستة من أهمّ الأديار التي تعود إلى خمس رهبانيّات مارونيّة وملكيّة منتشرة في مختلف المناطق اللبنانيّة، وذلك لدراسة أنواع الإعفاءات الضريبيّة التي تمتّعت بها أوقاف الرهبانيّات المسيحيّة في عهد الإمارة الشهابيّة، منذ أواخر القرن السابع عشر وحتّى أواسط القرن التاسع عشر (1697-1841) :

دير مار يوحنّا الخنشارة في المتن، وهو الدير الأمّ للرهبانيّة الباسيليّة الشويريّة([2]).

دير سيّدة اللويزة في كسروان، وهو الدير الأمّ للرهبانيّة المريميّة المارونيّة.

دير المخلّص في صربا – كسروان، هو الدير الأمّ للرهبانيّة الباسيليّة الحلبيّة([3]).

دير مار اليشاع في بشرّي في الشمال التابع للرهبانيّة المريميّة المارونيّة.

دير المخلّص في جون – الشوف، وهو الدير الأمّ للرهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة.

دير مار أنطونيوس في بيت شباب – المتن، التابع للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة(*).

        تعدّدت أنواع الضرائب التي كانت تجبى في جبل لبنان في عهد الإمارة الشهابيّة، وأبرزها ضريبتا الأعناق والأرزاق، بالإضافة إلى بعض الرسوم الأخرى التي فرضها الأمراء الحاكمون اعتباطياً ودون أي مسوِّغ قانوني، وكانت تُعرف بـ”البلص”([4]). يتطرّق هذا البحث إلى وضع الرهبان والأوقاف الرهبانيّة بالنسبة إلى هذه الأنواع الثلاثة من الضرائب والرسوم.

I– الرهبان والجزية

        كانت الجزية الضريبة الوحيدة التي أعفي منها الرهبان بصورة تامّة ودائمة، وذلك انسجاماً مع حياة الفقر التي كانوا يعيشونها.

    1- إعفاء الرهبان من الجزية

        تظهر دفاتر حسابات مختلف الأديار بأن الرهبان لم يكونوا يدفعون ضريبة الجزية عن أنفسهم بل عن الفلاّحين الشركاء العاملين في أراضي الأوقاف التابعة للأديار الرهبانيّة. يعود هذا الإعفاء، في الزمن، إلى بدايات الحياة الرهبانيّة منذ القرون الأولى للمسيحيّة، وقد استمرّ في ظلّ التوسّعات العربيّة الإسلاميّة في الشرق.

        لم يكن إعفاء الرهبان من الجزية في العهود الإسلامية الأولى امتيازاً عائداً لصفتهم الدينيّة، إنّما كان ملازماً لطبيعة عيشهم المتعلّقة بنذر الفقر وحياة التقشّف اللذين تفرضهما القوانين والتقاليد الرهبانيّة. فقد أورد القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج بأن جبي الجزية يجب أن يكون محصوراً فقط بالرهبان الميسورين القادرين على دفعها : “ولا تؤخذ الجزية من المسكين الذي يتصدّق عليه… وكذلك المترهّبون الذين في الديارات إذا كان لهم يسار أخذ منهم وان كانوا هم مساكين يتصدّق عليهم أهل اليسار لم يؤخذ منهم، وكذلك أهل الصوامع…”([5]).

        إن إعفاء الرهبان من ضريبة الجزية في عهد الأمراء الشهابيّين لم يشكّل حدثاً طارئاً بل كان استمراراً للأوضاع الضريبيّة التي كانت سائدة في زمن أسلافهم الأمراء المعنيّين. كما أنّ هذا الإعفاء كان متّبعاً في مختلف المناطق اللبنانيّة منذ ما قبل الحكم العثماني سنة 1516. ومن المعروف بأن الإعفاء من دفع ضريبة الجزية لم يكن مقتصراً على الرهبان فقط، بل كان يطال جميع رجال الدين المسيحيين ومن بينهم الكهنة العلمانيين التابعين للأساقفة في مختلف الأبرشيّات المسيحيّة([6]). ونرى ضرورة الإشارة إلى أنّ إعفاء الرهبان من ضريبة الجزية كان مترافقاً أحياناً مع تخفيضات من قبل الأمراء الحاكمين تطال قيمة الجزية المفروضة على الفلاّحين الشركاء العاملين في أملاك الأوقاف الرهبانيّة.

    2- تخفيض الجزية على الشركاء في أراضي الأوقاف الرهبانيّة

        يتبيّن من دفاتر حسابات الأوقاف الرهبانيّة أنّ ضريبة الجزية المفروضة على الفلاّحين العاملين كشركاء في أرزاق الأديار لم تكن تجبى منهم بشكل مباشر بل كانت تطلب من القيّمين على الأوقاف الرهبانيّة فيدفعونها عنهم لحاكم المقاطعة ثم يحسمون قيمتها من الحساب الشخصي لكل شريك. في عهد الأمير بشير الثاني الشهابي، تمكّن الرهبان اللبنانيّون الموارنة، سنة 1812، من الحصول على تخفيضات بلغت نصف قيمة الجزية المفروضة على شركائهم في أرزاق الأديار الكائنة في منطقتي جبيل والبترون، وذلك بصورة دائمة وليس لأجل محدود([7]).

        تظهر دفاتر حسابات دير مار يوحنّا الخنشارة بأن رهبانه كانوا لا يدفعون فقط ضريبة الجزية عن شركاء الدير بل أيضاً ضريبة الميري ورسوم البلص المتوجّبة على كل شريك ثم يحسمون قيمتها من حصّته عند بيع موسم الحرير وتقسيم المداخيل بين الدير من جهة والشركاء العاملين في أرزاقه من جهة أخرى. ورد في دفتر حسابات الشركاء (1698-1808) بأن حساب الشريك الياس المكاري كان في عجز بسبب مختلف أنواع الضرائب المتوجّب عليه تسديدها للدير الذي سبق ودفعها عنه، بما فيها ضريبة الجزية : “يتوجّب عليه ضريبة 3 قروش على الدخّان، 5 قروش ضريبة ميري على كروم العنب… قرشان و4.5 باره ضريبة جزية مدفوعة عنه للأمير عبّاس (أبي اللمع)…”([8]).

        كان المقاطعجيّون يعتبرون أنّه من الأسهل والأضمن عليهم قبض جزية شركاء الدير بصورة مباشرة من الرهبان أنفسهم وليس من الشركاء، وذلك لسببين : السبب الأوّل هو تفضيلهم التعاطي مع مكلّف واحد هو وكيل الوقف (رئيس الدير) الذي ينوب عن شركاء الدير العديدين، والسبب الثاني هو كون الشّركاء عاجزين أحياناً عن دفع الجزية المتوجبة عليهم نتيجة ديونهم المتراكمة، فيدفعها عنهم وكيل الوقف ثم يسجّلها على ذمّتهم في حسابهم الخاص. ممّا لا شكّ فيه أنّ دفع الرهبان ضريبة الجزية عن شركائهم كان يشكّل ضمانة للمقاطعجيين المكلّفين بجمع الضرائب، فيجبونها في مواعيد استحقاقها وبصورة منتظمة وأكيدة، ولكنّه، في الوقت نفسه، كان يزيد من ارتهان الشركاء الإقتصادي والإجتماعي لمصلحة الرهبان بسبب الديون المتراكمة عليهم تجاه هؤلاء.

    3- إعفاء الرهبان من السخرة

        لم يعرف جبل لبنان السخرة كنظام مؤسّساتي إقطاعي كما كان سائداً في المجتمعات الغربيّة في العصور الوسطى. لكنّ بعض الرعايا المسيحيين الذين كانوا يعيشون في ظلّ نظام أهل الذمّة في الولايات العثمانيّة كانوا يتعرّضون لبعض أعمال السخرة من قبل أهل السنّة، كحمل أغراض مسلم أو نقله أو العمل في أرضه دون مقابل([9]). أعمال السخرة هذه لم تكن مألوفة في مجتمع الجبل الذي كان يتمتّع بإدارة ذاتيّة ولا يخضع لحكم الولاة العثمانيين المباشر.

        عندما أراد بعض الأمراء الشهابيّين اللجوء إلى السخرة لإنجاز مشاريع بناء لمصلحتهم الخاصّة فإنّهم فرضوها على كل سكّان الإمارة البالغين من الذكور، مسيحيين ومسلمين ودروز. لجأ الأمير بشير الثاني إلى السخرة لأجل حفر وبناء القنوات الضروريّة لإيصال المياه من نبع الصفا في عين زحلتا إلى قصره الجديد في بيت الدين. فرض الأمير على كل ذكر بالغ حفر جزء من القناة بطول قامته، وذلك بغضّ النظر عن انتمائه الديني، لكنّه لجأ إلى إعفاء الرهبان من أعمال السخرة، بشرط أن يدفعوا بالمقابل مبلغاً ماليّاً بدل هذا الإعفاء، يساعد الأمير في دفع نفقات المهندسين والبنّائين.

        تحجّج الرهبان بفقر حالهم وعجزهم عن دفع المبلغ المطلوب من الأمير. اتّفق الرؤساء العامّون للرهبانيّات المارونيّة الثلاثة : البلديّة والحلبيّة والأنطونيّة، على أن ينفّذ رهبانهم أعمال السخرة عوض أن يدفعوا بدلاً ماليّاً ويساهموا شخصياً في شقّ القناة كمثل غيرهم من الأناس العاديين. وعندما اقترحوا ذلك على الأمير بشير وجد نفسه في موقف حرج واضطرّ إلى إعفائهم من المال المطلوب ومن أعمال السخرة أيضاً، حفاظاً على كرامته الشخصيّة وحتّى لا يقول الناس “أنّ الأمير بشير لم يقدر على إيصال الماء إلى بيت الدّين حتّى شغّل الرهبان…”([10]). لقد كان الأمير يعرف حقّ المعرفة بأنّ تكليف الرهبان بأعمال السخرة لم يكن مألوفاً في مجتمع جبل لبنان ولم يلجأ أيّ من الأمراء أسلافه إلى ذلك. ولكن إذا كان الرهبان معفيين من أعمال السخرة فإنّهم لم يسلموا من دفع الاتاوات والبلص.

II– الرهبان والإتاوات والبلص

        غالباً ما أثار غنى الأوقاف الديريّة أطماع الأمراء الحاكمين أو المقاطعجيين فكانوا يفرضون على الرهبان أن يدفعوا بانتظام إتاوات مستقلّة عن ضريبة الميري الملازمة لإنتاج أراضيهم الزراعيّة. كما كان الأمراء الحاكمون يفرضون أيضاً على الرهبان مبالغ أخرى استنسابيّة يحدّدون قيمتها ومواعيد دفعها بالتهديد والوعيد، وكانت تُعرف بالبلص.

    1- الرهبان والإتاوات

        كان على الرهبان أن يدفعوا، بصورة منتظمة، لحكّام المقاطعات الواقعة فيها مختلف أديارهم، إتاوات ماليّة أو هدايا عينيّة وذلك في أوقات مختلفة، حسب العادات والتقاليد المتّبعة في كلّ مقاطعة.

        كانت الإتاوات الماليّة المدفوعة نقداً تسمّى “مال مقطوع” أو “مقارضة” وذلك للإشارة إلى ميزتين ملازمتين لهذه الإتاوات. الميزة الأولى : “مال مقطوع” تشير إلى صفة الإستنسابيّة الغير مقيّدة بقانون أو نظام بحيث أنّ المبلغ المطلوب ليس مفروضاً مباشرة على المداخيل الإنتاجيّة للأشخاص المكلّفين، بل هو مفروض بشكل إعتباطي تبعاً لإرادة الأمير الحاكم. والصفة الثانية “مقارضة” تعكس النتيجة السلبيّة لهذه الإتاوات لأنّها تؤدّي إلى تآكل إدّخارات الأوقاف الديريّة أو الفلاّحين نتيجة قرض المقاطعجي لأموالهم. وقد سمّيت “مقارضة” أيضاً نسبةً لما توحي به مع تشبيه ما يسبّبه نهم المقاطعجي في أكل مال المكلّفين بالتأكّل الذي تحدثه الحيوانات القارضة بما تقرضه من طعام لتسدّ شهيّتها منه.

        إلى جانب الإتاوات التي كان يفرضها المقاطعجيون، كان الرهبان والفلاّحون ملزمين بدفع إتاوات أخرى للأمير الحاكم. كما كان بإمكان الرهبان رفع شكواهم إلى الأمير في حال زادت مظالم المقاطعجيين في فرض الإتاوات. هذا ما فعله الرهبان البلديّون الموارنة، سنة 1812، عندما اعترضوا أمام الأمير بشير الشهابي على دفع ضريبة المقارضة مرّتين في السنة الواحدة، مرّة للأمير الحاكم ومرّة للأمراء المقاطعجيين أبي اللمع أصحاب عهدة المتن. استجاب الأمير بشير لطلب رئيس عام الرهبانيّة، الأباتي اغناطيوس بليبل، وكتب إلى الأمراء اللمعيين يطلب منهم رفع المقارضة عن الرهبان : “… تقدّمت لنا تشكيات من أعزازنا رؤساء الأديرة للرهبنة البلديّة ومحلاّتها الكائنة في عهدتكم أنّكم تطلبون منهم مالاً على سبيل المقارضة فعليكم الامتناع عن ذلك بعد الآن كلّياً لأنّ المال المرقوم نحن نطلبه من رؤسائها والرؤساء يوزّعون ذلك على محلاّتهم وتوجّب عليكم رفع قارشكم عنهم بذلك ولا تكلّفوهم بعد اليوم شيئاً…”([11]).

        بالإضافة إلى مال المقارضة، كان الرهبان ملزمين بتقديم هدايا عينيّة إلى المقاطعجيين، تنوّعت أحجامها وأسماؤها تبعاً لشخص المقاطعجي وأهمّيته من جهة، وللمناسبة التي يجري فيها تقديم الهديّة من جهة أخرى. تظهر سجلاّت دير مار اليشاع في بشرّي أنّ الهديّة المقدّمة من الرهبان إلى المشايخ حكّام المقاطعة كانت تسمّى “مشيخيّة”([12]). وفي كسروان كانت الهديّة المقدّمة إلى مشايخ آل الخازن الموارنة، حكّام المقاطعة، تسمّى “عيديّة” لأنّها كانت تقدّم بمناسبة عيد الفصح، العيد الكبير. أمّا الهديّة التي كان الرهبان يقدّمونها إلى مشايخ آل حماده الشيعة حكّام مقاطعة الشمال فكانت تسمّى “رمضانيّة” لأنّها كانت تقدّم بمناسبة عيد رمضان.

        ورد في صكّ الحماية الذي أعطاه الشيخ سلمان حماده، حكام منطقة جبّة بشرّي، إلى رهبان ديريْ مار أنطونيوس قزحيّا وسيدة حوقا، سنة 1763، أنّ الرهبان كانوا ملزمين، إلى جانب الهدايا الموسميّة، بدفع ضريبة عينيّة من القمح تسمّى “ذخيرة” تساهم في تغطية نفقات الحملات العسكريّة. وقد ورد في هذا الصك أنّ دير قزحيّا كان ملزماً سنويّاً بدفع عشرة شنابل قمح وعشرة شنابل شعير كذخيرة، إلى جانب أربع ذبائح في عيد رمضان. أمّا دير حوقا فكان ملزماً بدفع أربعة شنابل قمح كذخيرة وتقديم ذبيحتين سنويّاً إلى جانب ذبيحة رمضان([13]). كانت الإتاوات والهدايا مفروضة على جميع سكّان الإمارة في جبل لبنان وليس فقط على الرهبان. وكان يجري دفع الإتاوات وتقديم الهدايا مرّة في السنة وفي أوقات منتظمة. أمّا البلص فكان يجري فرضه أكثر من مرّة في السنة ولم يكن بالإمكان التخلّص منه بسهولة لأنّه كان يفرض من الأمير الحاكم ولحسابه الخاص.

    2- الرهبان والبلص

        البلص هو كناية عن ضريبة استنسابيّة غير منتظمة كان يفرضها الأمير الحاكم بصورة اعتباطيّة وأحياناً أكثر من مرّة في السنة، وذلك بالإضافة إلى الإتاوات التي كانت مواقيت دفعها أكثر انتظاماً وكانت تدفع مرّة واحدة سنويّاً. ورد في قاموس المنجد أن فعل “بلص” يعني “أخذ ماله منه ولم يدع له شيئاً”، أمّا “البلص” كمصدر للفعل المذكور فهو “أخذ المال من الرعيّة ظلماً ودون وجه مشروع”([14]).

        إذا اختفت ضريبة البلص مع زوال عهد الإمارة في أواسط القرن التاسع عشر، فإنّ العبارة لم تختف من الذاكرة الشعبيّة لما تركته هذه الضريبة الإستنسابيّة وغير العادلة من أثر سيّئ في نفوس الناس. فما زال فعل “بلص” شائعاً بين اللبنانيين للإشارة إلى التعدّي على مال الغير أو على حقّه ظلماً ودون أي مسوِّغ قانوني.

        كانت ضريبة البلص تطال جميع سكّان الإمارة في جبل لبنان ولم تكن تستثني الأديار التي نالت منها الكثير من المظالم، وبخاصة في عهد الأميرين يوسف وبشير الثاني شهاب اللذين غالباً ما فرضاها من أجل جمع أكبر كمّية من المال لإرضاء حاكم عكّا أحمد باشا الجزّار كي يحتفظ أحدهما بالإمارة أو ينحّي الآخر عنها لمصلحته. حتى أنّ أحمد باشا الجزّار نفسه فرض ضريبة بلص على رهبان دير مار الياس الطوق في زحلة، سنة 1789، وقدرها 600 غرشاً([15]). في السنة نفسها فرض الأمير بشير ضريبة بلص على جميع سكّان الجبل، بمن فيهم الرهبان. كان المبلغ المفروض على الرهبان الشويريين يساوي ثمانية أكياس (4000 غرشاً). نزولاً عند توسّلات المدبِّر الأوّل في الرهبانيّة، الأب تاوفانوس، الذي أظهر عجز رهبانيّته عن دفع المبلغ المذكور، رضي الأمير بشير بخفضه إلى النصف وجعله أربعة أكياس فقط([16]).

        كانت كلّما زادت مداخيل الأديار بفعل استصلاح الرهبان للأراضي البور وزراعتها، أو بفعل بعض الهبات، كلّما استثارت أطماع المقاطعجيين والأمراء الحاكمين فزادوا في بلصها. وكانت شهيّتهم ترتفع إذا وصلتهم أخبار عن إخفاء بعض الأعيان لثروتهم في أحد الأديار بغية ابعادها عن المطامع والحفاظ عليها في مكان آمن. هذا ما حدث لدير مار أنطونيوس قزحيّا في وادي قنّوبين عندما أودعه البطريرك الماروني يعقوب عوّاد، بعد إقصائه عن منصبه، مبلغ خمسة أكياس (2500 غرشاً) كأمانة يسترجعها وقت الحاجة. عرف حاكم المقاطعة الشيخ عيسى حماده بالأمر فأخذها عنوةً سنة 1710 بعد أن تعدّى على رهبان الدير الذين حاولوا منعه من الاستيلاء عليها([17]).

        على خلاف المقاطعجيين الذين كانوا يفرضون البلص مباشرة على الأديار الواقعة في إطار مقاطعتهم، فإن الأمراء الحاكمين كانوا يفرضونها على الرؤساء العامّين للرهبانيّات فيوزّعها هؤلاء على مختلف أديارهم تبعاً لنسبة مداخيل كل دير وقدراته الإقتصاديّة. سنة 1791 فرض الأمير بشير مبلغ ثلاثين كيساً (15000 غرشاً) على الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة التي أعربت عن عجزها في دفع المبلغ المطلوب. بعد واحد وعشرين يوماً من المفاوضات، توصّل الرئيس العام، الأباتي عمانوئيل الجميّل، إلى اقناع الأمير بشير بتخفيض المبلغ وجعله سبعة عشر كيساً فقط (8500 غرشاً) يدفع خمسة منها في الحال ويقسّط القسم الباقي لمدّة شهر([18]).

        كانت مصاريف الأمير بشير في تزايد مستمرّ لأنّه كان يخضع بدوره للبلص من الوالي أحمد باشا الجزّار فيلبّي مرغماً كيما يحتفظ بمنصبه، ومن ثم يفرض البلص على رعاياه ومن بينهم الرهبان. سنة 1792 فرض زيادة ضريبة الميري بنسبة 50% (مال ونصف) وطلب من الرهبانيّات دفع ضريبة بلص جديدة كان نصيب الرهبانيّة الشويريّة منها ثلاثة أكياس (1500 غرشاً)([19]).

        لقد تحمّل الرهبان عبء الإتاوات والبلص مثل غيرهم من الفلاّحين والأناس العاديين، لكنّهم استفادوا أحياناً من بعض التخفيضات والإعفاءات في ما يخصّ ضريبة الميري على أرزقاهم.

III– الرهبان وضريبة الميري

        يظهر من دفاتر حسابات الأديار ومختلف وثائقها، أنّ الضريبة على أرزاق الأوقاف الديريّة كانت ترد أحياناً باسم “الميري” وأحياناً باسم “الخراج”. مع العلم أنّ تسمية “خراج” كانت أوسع لأنّها كانت تشمل الأعناق والأرزاق : خراج الأعناق (الجزية) وخراج الأرزاق (الميري). وبما أنّ ضريبة الميري كانت الأهمّ بالنسبة إلى مداخيلها فقد استعمل تعبير “خراج” مجرّداً للدلالة عليها دونما توضيح أنّه خراج الأرزاق. ولكن تعبير “الميري” هو الأكثر شيوعاً للدلالة على ضريبة الأرزاق وذلك في السجلاّت الديريّة وفي سائر السجلاّت والوثائق الأخرى.

        كانت الأوقاف الديريّة تدفع ضريبة الميري مثلها مثل أرزاق الفلاّحين العاديين. استفادت هذه الأوقاف أحياناً، وبصورة استثنائيّة، من بعض التخفيضات أو الإعفاءات ولكن ذلك لم يشكّل أبداً قاعدة عامّة.

    1- دفع الأوقاف الرهبانيّة لضريبة الميري

        تعدّدت أنواع الوثائق في أرشيفات الأديار، التي تثبت أنّ الأوقاف الرهبانيّة كانت تدفع بانتظام ضريبة الميري على مداخيلها الزراعيّة. تنوّعت هذه الوثائق بين دفاتر حسابات كما في أرشيف دير مار يوحنّا الخنشارة، أو حجج بيع وشراء أراضي كما في أرشيف سيّدة اللويزة، أو وصولات قبض ضريبة الميري من الرهبان كما في دير مار اليشاع في بشرّي. وفي معظم الأديار نرى أنّ نصوص حجج شراء الأراضي من قبل الرهبان كانت تشير صراحة إلى أنّ دفع ضريبة الميري المتوجّبة على الأرض المشتراة “أصبح على عاتق الرهبان الشارين”([20]).

        وتشير بعض حجج الشراء أحياناً إلى قيمة ضريبة الميري المتوجّب دفعها على الشاري، وتتراوح هذه القيمة تبعاً لمردود الأرض. سنة 1775 كان رهبان دير سيّدة اللويزة يدفعون ضريبة الميري على كرم عنب قيمتها زلطه([21]). في السنة التالية (1776)، اشترى رهبان الدير جلاًّ كبيراً في محلّة وطى نهر الكلب، قيمة الميري المفروضة عليه سنوياً ستة قروش، “وإذا فرض الأمير الحاكم على الأرض ضريبة ميري إضافية فهي على عاتق الرهبان الشارين”([22]).

        الملاحظ أنّ قيمة ضريبة الميري المفروضة على بعض عودات التوت التي اشتراها رهبان دير سيّدة اللويزة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كانت تتناسب دائماً مع نسبة مدخول هذه العودات. سنة 1777 اشترى الرهبان عودة توت قيمتها 619 قرشاً وعليها ضريبة ميري 15 و3/2 قرشاً([23]). وسنة 1792 اشتروا عودة توت أخرى قيمتها 40 قرشاً وعليها ضريبة ميري قرش واحد([24]).

        اشتهر الرهبان باستصلاح الأراضي البور وتوسيع أرزاق الأوقاف الديريّة مع زيادة مداخيلها. وكان من شأن ذلك فرض ضرائب ميري جديدة على الأراضي المستصلحة تتناسب مع قيمة إنتاجها. ساعد هذا الوضع في زيادة مداخيل المقاطعجيين نتيجة استصلاح الرهبان للأراضي في مقاطعاتهم، وهذا ما دفع بالمقاطعجيين الدروز في منطقة الشوف إلى تشجيع الرهبان على إنشاء أديار جديدة في مناطقهم. من المعروف أنّه في المجتمع الريفي اللبناني، اشتهر الرهبان بأنّهم كانوا يملكون أراضي زراعيّة واسعة وبأنّهم كانوا يدفعون في العديد من المناطق أكبر نسبة من ضريبة الميري، وذلك بالرغم من بعض التخفيضات والإعفاءات التي تمتّعت بها الأوقاف الرهبانيّة.

    2- تخفيضات الميري على الأوقاف الرهبانيّة

        لجأ الأمراء الشهابيّون إلى عدّة طرق شرعيّة وغير شرعيّة للإفادة من مدّخرات الأوقاف الديريّة، ولكنّهم كانوا دائماً حريصين في الحفاظ على صداقة الرهبان لهم، وذلك لما كان يتمتّع به هؤلاء من تأثير روحي ومعنوي وإقتصادي في مجتمع الجبل. بالرغم من قيام بعض الثورات الفلاّحية للإعتراض على بعض الضرائب غير العادلة، فإن الفلاّحين العاديين كانوا يرون نفسهم مرغمين على دفع ضريبة الميري المطلوبة منهم كاملةً. لكنّ الرهبان توصّلوا أحياناً إلى الحصول على تخفيضات لقيمة ضريبة الميري المفروضة على أرزاقهم([25]).

        سنة 1766 وهب الأمير يوسف شهاب الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة عدّة أديار خربة في منطقتَيْ جبيل والبترون، مع أرزاق مهملة ومتروكة تابعة لها، وذلك بغية إعادة إعمارها واستثمار الأرزاق التابعة للأوقاف الديريّة([26]). وبما أنّ إعادة الإعمار كان يتطلّب توظيف أموال وجهود كبيرة، فقد منح الأمير الرهبان تخفيضات على ضريبة ميري الكروم والزيتون، وأعفاهم من الضريبة على المواشي، كما أعفى شركاءهم العاملين في أرزاق الأديار المذكورة، من الضريبة على الأشخاص (الجوّالي). كذلك حصل الرهبان على وعد من الأمير الحاكم بإعفائهم من كل ضريبة إضافيّة أو إتاوة تفرض مستقبلاً على المكلَّفين في منطقتَيْ جبيل والبترون([27]).

        سنة 1812، أصدر الأمير بشير شهاب أمراً إلى الجباة في منطقتَيْ جبيل والبترون، قضى بتخفيض قيمة ضريبة جوّالي الشركاء العاملين في أرزاق الأديار إلى النصف، وكذلك الضريبة التي يدفعها الرهبان عن دواليب حلّ شرانق الحرير. وورد في وثيقة أمر التخفيض الذي أصدره الأمير بأنّه يجري تطبيقه بصورة دائمة و”لأجل ممدود غير محدود”([28]).

        بالإضافة إلى أديار جبيل والبترون، كانت أديار منطقة بشرّي تشكو عجزها عن دفع الضرائب المتزايدة. سنة 1830، قدّم رئيس عام الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، الأباتي إغناطيوس بليبل، وبعض رؤساء الأديار، مذكّرة إلى الأمير بشير، يطلبون فيها إجراء مسح جديد للأراضي الزراعيّة (ديموس) وإعادة النظر بضريبة الميري بغية تخفيضها. استجاب الأمير لطلبهم وحصل الرهبان على تخفيض سنوي لضريبة الميري على أرزاقهم، يفوق 2000 غرشاً([29]).

        مثلما حصل الرهبان على تخفيضات للأعباء الضريبيّة المفروضة على أرزاق الأوقاف الرهبانيّة، فقد تمكّنوا من الحصول أحياناً على بعض الإعفاءات الكاملة.

    3- إعفاءات إستثنائية على الأوقاف الرهبانيّة

        تعدّدت الأسباب التي جعلت الرهبان يحصلون على إعفاءات من ضريبة الميري العائدة إلى أرزاق الأديار فتنوّعت بين استصلاح أرض بور أو مهملة وتقديم خدمات اجتماعيّة، تعليميّة أو روحيّة.

    أ- الإعفاء مقابل استصلاح أراضي زراعيّة

        المعروف أنّ ضريبة الميري كانت تفرض على الأرض الزراعيّة وليس على الأرض البور، على انتاج الأرض وليس على الأرض بحدّ ذاتها، مهما بلغت مساحتها. كانت نسبة مداخيل المقاطعجي في جمع ضريبة الميري ترتفع أو تنخفض تبعاً لنسبة الأراضي المزروعة ونوعيّة إنتاجها الزراعي. وفي سبيل تشجيع الرهبان على استصلاح أراضي بور، منحهم الأمراء الحاكمون والمقاطعجيون أحياناً بعض الإعفاءات من ضريبة الميري في السنوات الأولى التي تلي استصلاحهم للأرض. ومن الأمثلة على ذلك : الرهبان المخلّصيّون في الجنوب، والرهبان الشويريّون في المتن.

        سنة 1716، حدّد الأمير حيدر شهاب ضريبة الميري على أرزاق مزرعة مشموشة بالقرب من قرية جون في الشوف، التي اشتراها مطران صيدا الملكي، افتيموس الصيفي، بمبلغ 12 قرشاً سنوياً. وكان المطران قد اشترى تلك المزرعة مع أرزاقها ليبني فيها أوّل دير (الدير الأمّ) للرهبانيّة المخلّصيّة التي أسّسها في صيدا، في أواخر القرن السابع عشر. أعفى الأمير حيدر رهبان دير المخلّص الجديد من ضريبة الميري على كل الأراضي المستصلحة وكذلك على نصبات الأشجار المشتولة حديثاً، فلا يدفعوا سنوياً غير مبلغ 12 قرشاً الذي حدّده لهم، بغضّ النظر عن تزايد انتاجهم الزراعي مستقبلاً([30]).

        سنة 1732، وهب الأمير أحمد شهاب إلى الرهبان الشويريين دير مار شعيا المهجور في برمّانا ليعيدوا استصلاح أراضيه المهملة. ومن أجل تشجيعهم على القيام بذلك وتكبّد المصاريف الضروريّة، فقد أعفاهم الأمير من ضريبة الميري على أرزاق الدير في السنوات الثمانية الأولى التي تلي استصلاحها. وقد ورد في صكّ تسليم الدير ما يلي : “… سلّمت دير مار شعيا إلى الأب نصرالله الحلبي، رئيس عام دير مار يوحنّا الشوير، وخلفائه من بعده… وضمنّا لهم الحماية من كل تعدّي سواء من بطرك أو مطران أو أي كان. ولا ناخذ ميرة المكان إلاّ بعد ثماني سنوات ابتداءً من تاريخه. حرّر في 12 شعبان 1153 هـ (1732 م). أحمد شهاب”([31]).

        ان مهلة الثماني سنوات التي أعفى فيها الأمير أحمد شهاب الرهبان الشويريين من دفع ضريبة الميري تعتبر مدّة معقولة وكافية لاستصلاح الأرض والبدء باستثمار نتاج الأشجار المزروعة حديثاً. لم يكن قصد الأمير إعفاء الرهبان نهائياً من ضريبة الميري ولكن اعطاءهم الفرصة الكافية لتوفير انتاج زراعي جديد يساهم في توسيع القاعدة الضرائبيّة لزيادة مداخيله من ضريبة الميري.

    ب- الإعفاء مقابل خدمة المؤمنين

        لم يكتف الرهبان بالعيش في إطار ديرهم منصرفين إلى الصلاة والعمل في الأرض بل انفتحوا على المحيط الاجتماعي حول الدير يقدّمون له الخدمات الروحيّة ككهنة رعايا، أو يعلّمون الأولاد في مدرسة تابعة لديرهم، بالإضافة إلى خدمات أخرى ذات طابع إجتماعي أو طبّي. وكانوا، مقابل هذه الخدمات، يحظون بتقدير العامّة من الناس وكذلك الحكّام، فينالون بعض الإعفاءات الضرائبيّة.

        كانت ضريبة الميري تفرض بشكل جماعي على كلّ قرية أو مزرعة ثمّ يجري توزيعها على المكلّفين بالنسبة لمداخيل أرزاق كلٍّ منهم، وبينها أرزاق الأوقاف الديريّة. سنة 1701، تضامن سكّان قرية إهدن في الشمال وأجمعوا على أن يدفعوا بأنفسهم ضريبة الميري المتوجبة على أرزاق دير مارت مورا وذلك تقديراً لإشعاع الدير الروحي والاجتماعي. قدّم أعيان القرية إلى القسّ جبرائيل حوّا، رئيس الدير، تعهداً خطياً يلتزمون فيه بإعفاء الدير من توزيع ضريبة الميري المتوجبة على قريتهم وذلك لتشجيع الرهبانيّة المؤسّسة حديثاً على الثبات في دير مارت مورا التابع لخراج إهدن([32]).

        في بداية القرن التاسع عشر، وهب الأمير بشير الرهبان البلديين الموارنة، سنة 1811، أرضاً من أملاكه الخاصة في معلّقة زحلة ليبنوا فيها كنيسة تكون بخدمة الموارنة الموجودين في المنطقة، وأعفاهم من دفع الضريبة على الأرض وعلى الناس الذين يعملون في خدمتهم : “أعطينا إلى عزيزنا القسّ اغناطيوس بليبل رئيس عام الرهبان اللبنانيين أرضاً في المعلّقة، ليبني فيها كنيسة للنصارى الموجودين فيها… وأعطيناهم أنّه مرفوع عن الأنطش (بيت سكن الرهبان الذين في خدمة الكنيسة) وعن أجيرهم ومكاريهم جميع التكاليف لأجل خدمتهم للنصارى الموجودين في المعلّقة… ومهما تعمّر كنائس للموارنة في الموضع المذكور لا يكون لهم قارش في الرعيّة ما زالهم ساكنين بالمطرح المذكور…”([33]).

    ج- الإعفاءات الممنوحة من المقاطعجيين الدروز

        عمد بعض المقاطعجيين الدروز على تشجيع الرهبان لتأسيس أديار في مقاطعاتهم من أجل توسيع الأراضي المستصلحة وزيادة مداخيلهم من ضريبة الميري، فمنحوهم إعفاءات من ضرائب ورسوم أخرى غير الميري. تلك كانت حال الشيخ كنعان أبي نكد الذي وهب الرهبان الموارنة أرضاً في بلدة الناعمه ليبنوا فيها ديراً جديداً (دير مار جرجس).

        في صك هبة الأرض الذي يعود إلى سنة 1756، يحدّد الشيخ أبي نكد قيمة     الميري المتوجب دفعها عن بعض المنتجات الزراعيّة، ويمنح الرهبان بعض الإعفاءات.   أعفى شركاءهم وخدّامهم ورعاتهم من الجزية والسخرة. كما أعفى أيضاً من الضريبة   دوابهم وبقرهم وماعزهم ونحلهم وأشجار الزيتون. طلب من الرهبان دفع ضريبة الميري كاملة ولكنّه، بالمقابل، أعفاهم من رسم “النطارة” (حراسة) و”الخوليّة” (المراقبة) وكذلك من البلص.

        ويذكر صك الهبة أن أي شخص يتّخذ من الدير ملجأً يكون بحماية رهبانه ولا يطاله أي تعدٍّ من أيٍّ كان ولا يجوز القبض عليه من قبل السلطة داخل حرم الدير الذي يعتبر مقدّساً ويوازي في حرمته الأملاك الخاصّة بالواهب الشيخ كنعان أبي نكد([34]).

        إن الامتيازات الضرائبيّة التي حصل عليها الرهبان من المقاطعجيين الدروز لا يمكن مقاربتها فقط من وجهة نظر اقتصاديّة إذ هي تندرج في إطار الإنفتاح وحسن الجوار الدرزي – الماروني في مجتمع الجبل حيث كان الرهبان يلعبون دوراً أساسيّاً في الحياة الإقتصاديّة والإجتماعيّة في المناطق المشتركة بين الدروز والموارنة ويتمتّعون باحترام الأعيان الدروز وعامّة الشعب.

    د- إعفاءات أرضيّة مقابل مكافآت سماويّة

        يعود هذا النوع من الإعفاء الضريبي إلى أسباب دينيّة، إذ كان قصد مانحي الإعفاء توسّل صلوات الرهبان من أجل الحصول على بركات ربّانيّة لهم أو لأفراد عائلتهم. كان بعض المقاطعجيين يفضّلون التضحية ببعض المداخيل الماديّة نتيجة الإعفاءات مقابل الحصول على بركة الله وعلى السعادة الأبديّة في اليوم الآخر. إنّه نوع من التوظيف على أمد طويل يطال الأبديّة، يعطي فيه الرهبان من منحهم الإعفاء عهداً بالتوسّط من أجله أمام الله، فيشمله ببركته ورحمته. لم تكن هذه القناعات محصورة بالمؤمنين المسيحيين، بل طالت بعض الأعيان الدروز.

        في 9 شباط 1712 أعفى الشيخ قبلان القاضي دير المخلّص في جون من ضريبة الميري وكافة أنواع الضرائب والرسوم طالباً من الرهبان، مقابل هذا الإعفاء، الصلاة والدعاء إلى الله من أجل حفظ ابنه محمد وطول عمره :

“… ويكون هذا الدير المعمور سالم من جميع التكاليف ومن مال السلطان ومهما جدّدوا في مزرعة الرصيف وعند الدير من توت وزيتون وتين وكرم وزرعوا ما يحطّوا شي لا مال ولا غيره. ويكون الدير وما يتبعه وما يستقني له المطران (افتيموص الصيفي) في أرض جون من معزى ونحل الجميع معاف من التكاليف ومال الميري الذي عايد إلى السلطان نصره العزيز الرحمن. وهل المكان (هذا المكان) الرهبان الذين يقطنوا فيه ما مرادنا منهم غير الدعا إلى ولدنا محمّد…”([35]).

والجدير ذكره أن شروط الإعفاء هذه احترمها ورثة الشيخ قبلان وحفدته، ومنهم الشيخ علي جنبلاط الذي صادق على نصّ الحجّة الموجودة بيد الرهبان : “وقفنا على هذه الحجّة بعد وفاة المرحوم عمّنا ويعمل بموجبها. علي جنبلاط.”([36]).

        سنة 1766 أعفى الأمير يوسف شهاب الرهبان الموارنة البلديين من دفع ضريبة الميري عن الأديار والأرزاق الخربة التي وهبهم إيّاها في منطقة جبيل كي يعيدوا إعمارها وذلك بنيّة عمل الخير تجاه الله تعالى لعلّه يكافئه خيراً في هذه الدنيا وفي الآخرة([37]).

        سنة 1839، أعفى جرجس عوّاد، مقاطعجي منطقة بشرّي، دير مار اليشاع من ضريبة الميري المفروضة على مزرعة مار نهرا التابعة للدير، وذلك بصورة مستديمة ونهائيّة. وكانت قيمة الميري المفروضة على المزرعة المذكورة تساوي قرشاً وأربع بارات، تنازل عنها المقاطعجي مقابل صلوات الرهبان المؤبّدة عن نيّته ونيّة أولاده. وقد ورد في صك التعهّد أنّه لا هو ولا أولاده من بعده يحق لهم العودة عن هذا الإعفاء([38]).

خلاصة

        إنّ دراسة أنواع الضرائب والإعفاءات الضرائبيّة للأوقاف المسيحيّة والرهبان في عهد الإمارة الشهابيّة تستتبع الملاحظات التالية :

        1- بدأت هذه الإعفاءات بالظهور منذ أواخر القرن السابع عشر، وتزايدت في عهد الأمير يوسف شهاب (1736-1788)، وهو أوّل أمير ماروني حكم جبل لبنان بعد تنصّر الأمراء الشهابيّين. إذا ما تواجدت هذه الإعفاءات قبلاً فبنسبة ضئيلة وبشكل غير مطلق. لقد كانت تشكّل استثناءً وليس قاعدةً، إذ أنها كانت ظرفية وتأثّرت بعوامل شخصيّة الطابع، ولم تكن ملازمة للصفة الدينيّة العائدة إلى كونها أوقاف مسيحيّة.

        2- إنّ الإعفاءات الضرائبيّة لمصلحة الرهبان والأوقاف الديريّة برزت بنوع خاص في القرن الثامن عشر، في مرحلة شهدت زيادة في عبء الضرائب المتكرّرة والإتاوات المرتفعة والبلص الجائر. تعتبر الإمتيازات التي حصل عليها الرهبان في تلك المرحلة بمثابة برهان على مكانتهم الإجتماعيّة وعلى قدرتهم في التصدّي لظلم الحكّام واستبدادهم. لم يلجأ الرهبان إلى نصوص قانونيّة تخوّلهم الإفادة من هذه الامتيازات بل وظّفوا صداقاتهم مع الطبقة الحاكمة واستفادوا من الاحترام والتقدير اللذين كان يكنّهما لهم الجميع : فلاّحون وأعيان وحكّام.

        3- نلاحظ، من جهة أخرى، أنّ المرحلة التي زادت فيها نسبة هذه الإمتيازات الضرائبيّة، ترافقت مع تراجع نفوذ المقاطعجيين بسبب صراعاتهم الداخليّة ومواجهاتهم مع الأمير الحاكم من أجل السلطة أو لمواجهة التسلّط. وتميّزت هذه المرحلة أيضاً بتصاعد قدرة ونفوذ رجال الإكليروس، وهذا ما جعلهم قبلة الأطراف المتنازعين، فمنحوا الرهبان بعض الإعفاءات والتخفيضات الضرائبيّة من أجل الفوز بتأييدهم والحصول على المزيد من دعمهم.

        4- بالرغم من تصاعد نفوذ الرهبان فإنّهم لم يكونوا قادرين على الوقوف لوحدهم بوجه الحكّام والتخلّص من الإتاوات والبلص ودفع ضريبة الميري الواحدة أكثر من مرّة في السنة، وبخاصّة في عهد الأمير بشير الثاني. وهذا ما يفسّر وقوف الرهبان إلى جانب الثورات الفلاّحية لمواجهة تجاوزات هذا الأمير، في عامّية أنطلياس (1820)، وعامّية لحفد (1821). وفي سنة 1840 بلغت نقمة الإكليروس حدّاً دفع بالبطريرك الماروني يوسف حبيش إلى التهديد بإصدار حرم ضد كل مؤمن من أبناء كنيسته يتردّد في الوقوف إلى جانب الثورة العامّة التي قامت في الجبل لمقاومة استبداد الأمير بشير وسيطرة حليفه محمّد علي على مقدِّرات البلاد([39]).

        5- بالرغم من التخفيضات والإعفاءات الضرائبيّة لمصلحة الرهبان أو أراضي الأوقاف التابعة لهم، بقيت الأوقاف الديريّة، في العديد من مناطق الجبل، تشكّل ناتجاً مهمّاً لضريبة الميري، وذلك نتيجة لإتّساع أراضي الأديار وتزايد انتاجها الزراعي. حتّى أنّ بعض الأوقاف الديريّة كان يدفع أكبر نسبة من ضريبة الميري المفروضة على القرية المتواجدة فيها أملاكه. لقد كانت أرزاق الأديار المستثمرة زراعياً، بالنسبة للعديد من المقاطعجيين والأمراء الحاكمين، بمثابة الدجاجات التي تبيض ذهبا و ذلك نسبة لوفرة الضرائب التي كان يدفعها الرهبان على أرزاقهم الواسعةً.

        6- إنّ دراسة تاريخ لبنان الإقتصادي والإجتماعي من خلال أرشيفات الأديار يدفعنا إلى التساؤل اليوم عن مدى استثمار الأوقاف الرهبانيّة الواسعة بصورة عقلانيّة ومفيدة. إنّ توجّهاً تحديثيّاً في هذا المنحى، يظهر الدور المهمّ الذي يمكن أن تلعبه الأوقاف المسيحيّة والإسلاميّة على السواء في حال أعيد النظر بدورها من أجل توظيفها بصورة أكمل في تطوير الإقتصاد وتنمية المجتمع والترقّي بإنسانه.

        7- تبقى أرشيفات الأديار من المصادر الأساسيّة لكتابة تاريخ لبنان الإقتصادي والإجتماعي في العهد العثماني. لا بدّ من رفدها بمصادر أخرى محليّة وخارجيّة ليأتي البحث التاريخي أوسع شمولاً وأكثر تكاملاً. وفي هذا المجال لا يمكن الإستغناء عن أرشيفات المحاكم الشرعيّة اللبنانيّة أو الأرشيف العثماني في اسطمبول الذي يحوي العديد من الكنوز الدفينة، وهي تنتظر من ينفض عنها الغبار و يحلل مضامينها بموضوعية ليعيد إلى الحقيقة التاريخية بريقها فتتبدد الأوهام و تزول الأفكار الخاطئة.

خريطة توزيع الأديرة اللبنانيّة موضوع البحث


([1]) لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، ثلاثة أجزاء، الجزء الأوّل والثاني صدرا في القاهرة سنة 1924، وصدر الجزء الثالث في بيروت سنة 1959، بعد وفاة المؤلّف؛ جزء 2، ص 200. أنظر أيضاً أرشيف دير مار يوحنّا الخنشارة، حجّة الملكية رقم 21، سنة 1727.

([2]) سمّيت هذه الرهبانيّة الملكيّة الكاثوليكيّة بالباسيليّة نسبةً إلى القدّيس باسيليوس الذي تتبع قوانينه الرهبانيّة.

([3]) كانت الرهبانية الباسيلية الحلبية تشكل عند تأسيسها، في أوائل القرن الثامن عشر، جزءاً من الرهبانية الباسيلية الشويرية، وقد انفصلت عنها نهائياً سنة 1829 على أثر خلافات بين الرهبان الحلبيّي الأصل والرهبان اللبنانيين.

*      أنظر خريطة توزيع هذه الأديار المرفقة في آخر البحث.

([4]) لغوياً: “بلصَ فلاناً” تعني أخذ ماله منه ولم يدع له شيئاً. والشائع بين العامّة أن البلص هو أخذ المال ظلماً من الرعيّة ودون وجه مشروع.

([5]) القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، بيروت، دار المعرفة، 1979، ص 122.

([6])   أ. سميليانسكايا، الحركات الفلاّحية في لبنان، النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، عرّبه عن الروسيّة عدنان جاموس، بيروت، دار الفارابي، 1972، ص 53. أنظر أيضاً :

Ibrahim Aouad, Le droit privé des Maronites au temps des émirs Chéhab (1697-1841), Paris, Paul Geuthner, 1933, p. 27 s.s.

([7]) أصدر الأمير بشير أمراً إلى ملتزمي جمع الضرائب في منطقتي جبيل والبترون يعلمهم فيه بتخفيض قيمة الجوالي (الجزية) والسباق (ضريبة دواليب الحرير) المتوجبة على شركاء الرهبان وعلى أرزاقهم إلى النصف. راجع نصّ هذا الأمر في: لحد خاطر، بين أمير وراهب، بيروت، 1970، ص 110. لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، جزء 3،  ص 212.

     في عهد الحكم المصري (1832-1840) فرض محمّد علي، سنة 1833، ضريبة الفردة التي ألزم بدفعها كل الذكور من عمر 12 سنة، وذلك بغضّ النظر عن انتمائهم الديني، كما أمر أن تدفع مسبقًا عن سبع سنوات؛

Souad Abou el-Rousse Slim, Le métayage et l’impôt au Mont-Liban, XVIIIe et XIXe siècles, Beyrouth, Dar al-Machreq, 1987, p. 130.

([8]) أرشيف دير مار يوحنّا الخنشارة، دفتر حسابات الشركاء (1798-1808)، ص 122.

([9])   عن وضع أهل الذمّة في المجتمعات الإسلاميّة، أنظر :

Antoine Fattal, Le statut légal des non-musulmans en pays d’islam, Beyrouth, Institut des lettres orientales, 1958.

         أمين ناجي، لن نعيش ذمّيين، بيروت، آفاق مشرقيّة، 1979.

([10])   عندما اجتمع الرؤساء العامّون للرهبانيّات المارونيّة الثلاثة بالأمير بشير تكلّم بإسمهم الآباتي اغناطيوس بليبل، فقال : “… إن طاعة سعادتكم عندنا أمر واجب وفرض لازم، ولكن نحن ناس ننذر الفقر ولا مال لنا إلاّ بعض موارد  نجنيها من أرضنا بعرق جباهنا، إنّما عندنا رجال أقوياء في عمل الواجب، وهم على استعداد لأن يقوموا أكثر من المفروض عليهم، ولذلك استحضرنا عدداً كبيراً منهم، ومعهم من خير سعادتكم كل ما يلزم من القوت بحيث لا يحتاجون شيئاً سوى شربة الماء الباردة…”، لحد خاطر، المرجع المذكور، ص 96 و97.

([11])   لحد خاطر، المرجع نفسه، ص 109.

([12])   أرشيف دير مار اليشاع، بشرّي، وثيقة رقم 8/3، سنة 1817.

([13])   لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، جزء 2، ص 265.

([14])   قاموس المنجد، الطبعة 18، بيروت، المطبعة الكاثوليكيّة، 1965، ص 48.

([15])   روفائيل كرامة، مصادر تاريخيّة لحوادث لبنان وسورية، مخطوطة كتبها كشاهد عيان لأحداث عصره أحد الرهبان الشويريين. حقّقها ونشرها المطران باسيل قطّان، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، 1929، ص 112.

([16])   المصدر نفسه، ص 113.

([17])   لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، جزء 1، ص 80-83.

([18])   إلى جانب أرشيفات الأديار التي تتضمّن معلومات مفيدة عن عمليات البلص التي كانت تتعرّض لها، يمكن مراجعة :لويس بليبل، المرجع المذكور، جزء 2، ص 114؛ لحد خاطر، المرجع المذكور، ص 112؛ بطرس فهد، تاريخ الرهبانيّة اللبنانيّة، 12 جزءاً، جونية، 1963-1982، جزء 5، ص 510؛

Toufic Touma, Paysans et institutions féodales chez les Druses et les Maronites, du XVIIe siècle à 1914, 2 vols, Beyrouth, Pub. de l’Université Libanaise, 1972, II, p. 641.

([19])   روفائيل كرامة، المصدر المذكور، ص 132.

([20])   أرشيف دير مار أنطونيوس، بيت شباب، حجج الشراء رقم 32، 54، 46، 98، 124، 126، 140، 154، 260، 261، 307، 497-500.

([21]) الزلطه هي وحدة عملة كانت توازي 4/3 القرش؛ أرشيف دير سيّدة اللويزة، حجّة رقم 37، 1775.

([22]) المصدر نفسه، حجّة رقم 39، 1776.

([23]) المصدر نفسه، حجّة رقم 39.

([24]) المصدر نفسه، حجّة رقم 71.

([25])   عرف مجتمع الجبل عدّة ثورات فلاّحية ابتداءً من القرن الثامن عشر وأبرزها : ثورة أهالي الشمال ضد زيادة الضرائب من قبل والي طرابلس، سنة 1727. ثورة 1770 وثورة 1799 ضد الأمير يوسف. عامّية أنطلياس، سنة 1820 ضد الأمير بشير الثاني، وعامّية لحفد، سنة 1821، ضدّ الأمير نفسه.

([26])   الأب مارون كرم، تاريخ الملكيّة في الرهبانيّة اللبنانية المارونيّة، بيروت، 1972، ص 79-82.

([27])   لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، جزء 2، ص 274 وما يليها.

([28])   لحد خاطر، المرجع المذكور، ص 110.

([29])   المرجع نفسه، ص 111؛ لويس بليبل، المرجع المذكور، جزء 3، ص 273.

([30])   قسطنطين باشا، تاريخ طائفة الروم الملكيّة والرهبانيّة المخلّصية، جزءان، صيدا، 1938-1939، جزء 1، ص 256.

([31]) أرشيف دير المخلّص، صربا، سجل رقم 1، حجّة رقم 32.

([32]) لويس بليبل، المرجع المذكور، جزء 1، ص 42.

([33]) لحد خاطر، المرجع المذكور، ص 90 و91.

([34]) لويس بليبل، المرجع المذكور، جزء 2، ص 199 و200.

([35]) قسطنطين باشا، المرجع المذكور، جزء 2، ص 199 و200.

([36]) المرجع نفسه.

([37]) لويس بليبل، المرجمع المذكور، جزء 2، ص 274.

([38]) أرشيف دير مار اليشاع بشرّي، حجّة رقم 87/4.

([39]) Archives des Affaires Etrangères Françaises, Correspondance politique, Beyrouth, Registre I, Rapport du consul Bourrée, n° 41, le 17 juillet 1840.                                                                                  

Scroll to Top