Almanara Magazine

الحرب العالمية الأولى في شعر اللبنانيين

الدكتور جان نخّول

أستاذ تاريخ في الجامعة اللبنانية

عاش الشعراء اللبنانيون كغيرهم من فئات الشعب، المآسي التي تركتها الحرب الأولى على مختلف الصعد. وقد تمّ التطرق إلى قسم منهم يتوزعون على مناطق لبنانية عديدة، انطلاقاً من الجنوب عبر صور وجزين، وصولاً إلى شعراء من الجبل اللبناني، من مناطق بعبدا وعاليه وكسروان وجبيل، وصولاً إلى الشمال، عبر البترون وطرابلس.

الشعر الصادق يخرج من رحم المعاناة، وهذا ما دوّنه الشعراء الذين اطّلعنا على نتاجهم المطبوع والمخطوط، وهم جميعهم من الذين عايشوا الحرب، وشاهدوا بأم العين الجراد يقضي على الأخضر واليابس، والجوع يفتك بالفقراء ومتوسطي الدخل، والنفي يطال رجالات البلاد، والاحتكار يتولاّه أرباب الأمر، وأخيرًا الموت الذي حصد الناس على الطرقات وداخل المنازل.

فالشاعر اللبناني عاش لوعة الحرب ثمّ تذكرها. وهو بذلك يتألّم مرتين. فهو لم يسمع بالحرب من خلال كبار السن، إنّما عايشها بجميع مراحلها، من هنا كانت طاقته معبّرة إلى أقصى الحدود، وقوة ملاحظته ثاقبة، فالفرق كبير بين اللوعة ومن عاشها وبين من يتصوّر اللوعة كما رواها له الإخباريون.

جمعنا في موضوع الحرب إحدى عشرة قصيدة لشعراء كان لهم في الحرب كلام، وحرصنا أن يكون هؤلاء الشعراء من مناطق متعددة للتعرّف على وقع الحرب في مناخات الوطن المختلفة. مع الأخذ بعين الاعتبار، أن هناك مناطق تضرّرت أكثر من غيرها.

ومن المواضيع التي اشترك الشعراء في التعبير عن مرارتها هناك قضايا النفي، والجراد، والغلاء، والاحتكار والجوع والموت.

مقدّمة :

تتحدّث هذه الأبيات التالية، عن الحرب بصورة عامّة، وعن بعض مشاكلها ولاسيّما المدة الطويلة التي رافقتها، ما أفقد الناس الأمل بانتهاء الحرب قبل انتهاء حياتهم. أستهلها بهذه الأبيات من الشعر العامي ترثي حالة اللبنانيين إبان الحرب العالمية الأولى :

دقت طبول الحرب دقــــــــــة محزنــــــــه وجيوبهم صارت خليــــــــة معفنــــــــــــــه والناس صـــــــــــارت بالحيــاة  مكفّنـــــه                       كنا حسبنا حساب ما بتقعد سنه              
دخلت بخامس عام دخله مشفترا
 يا رب تطفيها بسنـــــــــة الخامســــــة يا رب إن شئت وضلت عابســــة يا رب لا تخليها تطوي السادســــــة    أو طرطق المزراب ليلـــــة  كابســــــــــــــــة
بتموت كل الناس موته مشحــّـــــــــــرا
ماتوا بداء الجوع في عرض الطريق يا طالـما شفنـــــا الرفيقــــــة والرفيـــــق  لا أب ولا أم حنونة ولا شقيـــــــق ماتـوا مــن البـرد مـــن كتــــر الدنيــــق
لا أب جنزهم ولا في مبخـــــــــــرا[1] 
  1. النفي من مواضيع شعراء الحرب
  2. نسيب شديد

جمعنا في دراستنا هذه، إحدى عشرة قصيدة للشعراء التالية أسماؤهم :                   نجيب ديار بكري – طرابلس ونسيب شديد – البترون والخوري يوسف الحداد – جبيل ويوسف فرنسيس البرّي – كسروان وبو تامر يوسف خليل عقل – جزين                  ونقولا بو مرقص – البترون ومحمد نجيب  مروّة – صور والخوري اسطفان شديد – البترون والياس طنوس الحويك – عاليه ورشيد عساف – بعبدا.

أما الذين تكلموا عن النفي في قصائدهم فهم الشعراء نسيب شديد والخوري يوسف الحدّاد ويوسف فرنسيس البرّي.

لقد وقعنا بين أوراق الشاعر نسيب شديد (1870 – 1944) تلميذ مدرسة الحكمة، من بلدة ادّه – البترون. على قصائد تناول فيها الحرب الكبرى. ونسيب شديد كان موظفاً في ديوان القلم العربي في متصرفية جبل لبنان بصفة باشكاتب قلم الأوراق. وقد نفي إلى القدس سنة 1915 مع سواه من اللبنانيين، وقد ترك قصيدة يتحدّث فيها عن معاناته مع رفاقه، ذاكراً الأسماء وما صادفه من ضغط نفسي ومادي، وهذه هي القصيدة التي كتبها المنفي نفسه.

يوطّئ للقصيدة بقوله : “سنة 1915، وهي من سني الحرب الكبرى صدر أمر جمال باشا بنفينا إلى الشام ومنها إلى القدس وكان الرفاق جرجس بك صفا ونمر بو شمعون والشيخ طنوس جعجع ومحمود بك تقي الدين والدكتور صعب الملاط ألخ…” فيقول :

أيــــــــهــــــا الاخــــــــوانُ هــــــذي قــــــصـــــــةٌ            ســـوف يـــــرويـــــهــا بـــنـــــونـــــــا للــبــــنــــــيــن

لم يــــزل فــــــي القلـــب منها غـــــصّــــــة           كــلمـــا تـــــروى علـــــى مـــرّ الــسنـــــيـــــن       

بـــلَّـــــغونـــي الأمــــر يـــــــــــــوم الاربــــــــعــــــــــا           أن أجــــــد ّالـــسيــــر نـــحــــو الــــــقــــــدسِ

فاعــتــرانــي الهــــم والخـــــــــــوف مــــــعًـــــــــا           هـكــذا شـــــأن الــــمعيــــــل الــــمفـــلــسِ

لم يكن فــــي الجيب فلسٌ واحــــدٌ            لا ولا مـــن مــقـــــــــرضٍ أو مــسعــــفِ

حــــــرت في أمـــري وربــــــي شـــــاهـــــــــد           ان روحي أوشــــكـــــــت لــــلـــــتـــــلـــــــــــفِ

كم صديق مــــــوســـــرٍ يـــــمـــّـــمـــتُـــــــــــــــه            فـادّعــى الامـــلاق والفـقـر الشديـــدْ

ورئـــــــــيـــــسٍ طالما اسـتـــــــعــــطيــــــــتـــــــــــــــــه             نـــــــــذر مـــــالٍ قـــــــال ذا امــــرٌ بـــعـــــيــــدْ

مـــا خــــلا شـهـــمين لــن انســـــاهـمــا           طـــول عـمــري فـي حيـــاتي والمماتْ

ســـــــيـــــــدٌ من كفه الجـــــــــودُ هــــــمـــــــــــى           وهــــــمــــــــامٌ مــــولــــــع بــــــالـــــمكــــرمـــــــاتْ

ســــــيـــــــــدٌ انعشنــي فــي مــا وهــــــــبْ            وحـــبـــــانـــــي كــــــل مـــــــا كــــــان مـــــــــعـــــــهْ

دون مــــــــا منٍ ولا سبــــقٍ طلــــــــــــب            هـكــذا فـــلـــيـــعـــطِ أربـــاب الـــســـــعــــــــهْ

لـــــم أنـــــــم ليلي وقـــد أحدق بــــــــيْ            صــبـــــيـــــة يـــبـكــــون حــولـــي وبــــــنــــــــاتْ

وبــــــكــــــــاءُ الــــــــــزوج أزكـــــى كربـــــــي             فـــوق مـــا لـــي مـــن هــمـــومٍ قـــاتــــــلاتْ

ولـــــدى التوديع إدراك القطــــــــارْ             ســاعــة الـــــهــــولِ وتـــمزيـــــــــــــق الحــــشـــــا

حانت النفس وعيل الاصطبـــارْ            فــــــبـــكـــــــيــــــــنــــــــا وانـــــتحبنــــــــا ومــــــشـــــــــى

كان يومُ السبتِ يومَ السفـــــــــــــــــرِ             فــبــــلــــغــــــنـــا الشــامَ عــنـــــد الــمــــــغـــــــــربِ

وقضـــيـــنـــا ليــــــــلنــــــــــــــــــا بالسهــــــــــــــــــرِ               وحــــــــــــــــــشــــــــــــــــةً لا مــــــــــــــــن ام  واب 

جــــــملةُ الأرفاقِ كانــــــــــوا عشـــــــــــــــرةً            ولــــــكـــــــــلٍ حـــــــــــــــادثٌ مــســــــــــــتـــــــغـــــــربُ

وأنــــــــــــا قاسيتُ منهــــــــــم عثـــــــــــــــــــرةً              ســــــــــــوف أرويــــــــهــا لـــمــن لا يعــــــرفُ

فـــعلــــــى الخــــــوّات لــــيّ مزاحـــــــــــــمٌ              ما صفــــا[2] لـــــي معـــــــــهُ عيـــــشٌ أمـــــــــــرّْ

لم يكن لي من خليـــلٍ[3] راحـــــــــمٍ             وغــــــــــــــدا المحمود[4] صعبًا[5] كالنِــمـــــــرْ[6]

صحت ربي كيف زادت نقمتي            بـــــــــــألـيـــــا[7] فــــــأنــــِـلـــنــــــــي الــــــــــبــــركـــــــــاتْ[8]

ورأى التامــــــرُ[9] جـــــــعــــجعـــتـــــي[10]             إنــنــي لا أرتـــــوي مــــن قــــــــولِ هــــاتْ

وبسفحي بـــــــــــــردى جــــلنــــا فما              بــــــرد الــــــشــــــوق ولا أروى الــــغـــلــــيــــلْ

ورأينــــــــــا كــــــل شــــــــــــــيءٍ مظلـــما               هل تـروقُ الشـمس للجسمِ العليلْ

ولدى الـــــوالـــي مَثـــَـلــْــنــــــا فبـــــــــــدا               مــــنــــــه لـلــــــــــــــنــــاظـــــرِ آيــــــاتِ الحــنـــــــانْ

قال نحو القدس مسراكم غدا              فــــــــــاستعــــــــــدّوا ثـــم سيــــــــــروا بأمـــــــــانْ

فانصرفنا نشتري زادَ الطـــــريقْ               ونــــــــــهــــــــــيءْ كـل مـــا لـــــــذَّ وطـــــــــــابْ

فاشترى نمر طعامًا للطريـــــــــقْ                واشــتـــــرى مـــحمودُ أنواع الشــــــرابْ

  • الخوري يوسف الحداد

ومن المسؤولين المنفيين، نجد ابراهيم بك عقل 1860 – 1930 من البترون والذي كان مديرًا لناحية البترون السفلى، ففي اوائل السنة 1915، تمّ نفيه إلى القدس مع العديد من المسؤولين في إدارة متصرفية جبل لبنان، وقد عاد من أسره يوم الثلاثاء في 8 حزيران سنة 1915 بعد مضي 5 أشهر وواحد وعشرين يومًا.

وما انتهت شهور المنفى الأول حتى استدعي ابراهيم بك إلى عاليه لابلاغه قرارًا بالنفي إلى تركيا. بعد ورود اسمه كصديق للفرنسيين في أوراق القنصلية الفرنسية.

 وخلال شهر نيسان 1916 كان المنفى الثاني إلى تركيا مع رفاقٍ له من المسؤولين في متصرفية جبل لبنان. وبعد انتهاء الاحتلال التركي، عاد المنفيون إلى لبنان مع عيالهم، ومن جملتهم ابراهيم بك عقل.

بعد العودة رجع ابراهيم للسكن في دارته، وبدت عليه وعلى الأهالي علامات الارتياح، وقد أحيت ابنته الآنسة حلا، حفلة لإغاثة البائسين، ألقى خلالها خليل بك عقل، نجل ابراهيم بك، بلسان والده، القصيدة التالية وقد اقترحها عليه الخوري يوسف الحداد 1865 – 1949. وهو من بلدة عين كفاع – جبيل، وتلميذ مدرسة مار يوحنا مارون – كفرحي.

“أتركيه اتخذتِ لكِ الشعارَ                              أبنت الجنّ لولا حظر لعنٍ                   أمجزرة الورى في أيّ شرعٍ                 فلا القرآنُ صنتِ له ذمامًا                   خلصنا منك يا بنت الأفاعي            وعدنا كالأسودِ نرى أسودًا           وعدنا للشباب وصحّ عزمٌ            فروحي حيث ألقتْ تلك رحلاً           سرحتِ بنا بلا دينٍ ودنيا                وزيّنت الظلامَ لساكنيه                وكنتِ بحكمكِ الطاغي علينا          وهل يُجنى من الأشواكِ تينٌ ؟         أتيتِ كما الجرادُ تلا جرادًا            ورحتِ كما الجرادُ خلا بلادًا  فروحـي لا رجعــتِ ولا  رجعنــــــــا                  “رحلتُ بخزيةٍ وتركتُ عارًا”                    لعنّا الوحلَ خلفكِ والغبارَ                             فتكتِ بآل أحمد والنصارى                    ولا الإنجيلُ فيه رعيت جارا                     وعدنا كالظبى طابتْ شفارا                    وعدنا للحمى نحمي الذمارا                   وطاب العيش يخضرّ اخضرارا                  تلاقينا المذلة والصغارا              فما أبقيتِ أديارًا ودارا             ليألفَ فيكِ من كرهوا النهارا       كمن هو واقدٌ في القشِ نارا       ومن يبغي الرشادَ من السكارى ؟   ومثّلتِ الدمارا تلا الدمارا         رجتْ بعد الخرابِ لها عمارا        إلـى عــــــهـــــــدٍ نفـــــــضنــا له الغبــــــارا”[11]

ج- الشاعر يوسف فرنسيس البرّي

نظم الشاعر البرّي قصيدة طويلة من 338 بيتاً من الشعر، تحدث فيها عن مراحل الحرب الأولى بكافة مراحلها، ابتداء من الحرب في اوروبا وانتهاءً بانهزام الامبراطوية العثمانية وانسحابها من بلادنا . وحول النفي، الذي كان على عدة مراحل، تحدّث الشاعر البرّي عن هذا الوضع. فالشاعر يوسف فرنسيس البرّي 1864 – 1939. هو قوّال ورسّام، من بلدة غوسطا الكسروانية، تعلّم في مدرسة عين ورقة، سافر إلى أميركا 7 سنوات، وانصرف باكرًا إلى العمل مواجهًا صعوبات الحياة وبخاصة خلال الحرب العالمية الأولى.

كتب على اللحن السرياني – الماروني ما عُرف بــــــــ “جناز الحرب”. بكى فيه حال الناس الذين فتك الجوع بهم واضطرهم إلى بيع الأرض لسدّ الرمق. كذلك رسم بموهبة فطرية، لوحات زيتية وحفر ونحت، وبعض ما ترك من نقش ومنحوتات في أديرة وكنائس يشهد على موهبة لم يتوافر لها العلم والتوجيه.

ومما قاله في هذا الصدد :

خربو الأرض بعرض وطول      حتى فرنسا لا تدخلْ          لـمّا اشتد علينا الهول         ونــــــــفيـــــــوهم عَ الأنـــــــــــــــــاضـــــــــــــــولْ ويحشو فيها استحكاماتْ   سوريا ولتلك الجهاتْ           بديوا بأسر البكاواتْ           مـــــــن دون ســـــــؤال ولا قـــــــــــــــــرارْ[12]
  • الجراد عبر خمسة شعراء

وصل الجراد إلى بلادنا ربيع العام 1915، وبالتحديد خلال شهر نيسان، ويذهب بعض المعاصرين إلى تحديد يوم 13 نيسان موعدًا لوصوله، كما يحدّد ذلك الأب ابراهيم حرفوش المرسل اللبناني حيث جاء قوله : “13 نيسان 1915 وفد علينا جراد كاد يحجب نور الشمس لكثرته فهلع الناس لقدومه وبدأوا يناوئونه دون جدوى لطف الله بعباده”[13]

من خلال دراستنا، سنتناول شعراء من مناطق جزين والبترون وصور، ذاكرين الكوارث التي تعرض لها الشعب اللبناني.

في البدء سننتقل إلى منطقة جزين، حيث هناك وصف مستفيض جدًا عن الجراد، هذه الحشرة المستقيمة الجناح،  التي ليس في الحيوان أكثر فسادًا للنبات منها.

  • الشاعر بو تامر عقل

وقد نظم بو تامر يوسف خليل عقل (1847 – 1936) من بلدة بتدين اللقش، وهو شاهد عيان، لفاجعة الجراد، قصيدة رنّانة وصف فيها انتشار هذه الآفة الكارثية، التي انتشر الخوف منها في إقليم جزين ، وهي تعطي وصفًا حيًّا للجراد صاغه الناظم بطريقة حوارية وفكاهية طريفة[14]، نقتطف منها بعض المقاطع حيث يقول فيها :

 1- وصول الجراد

بأول هلّة نواره[15]                                      لو أول ما لو تانيْ                لو أولْ ما لو تانيْ                   الساحل والجبل تالي             من بلاد عكا ليافا                وخمس سنين تاني خمسة عشر      وصل للقدس وحوّل صوب يافا   بست أيام طاف الأرض كلّهـــــــــــــا     إجانا جراد الطيارْ            بحر وما نعرفلو قرارْ            من قِـبـلي جايي شماليْ          من يافا لَبلاد عكارْ           زروعْ اللقّيسي هافا                   أجانا جراد من نجد العيديي      وعاد امتد صوب القاسميي       مــــــن حــــــوران لـــحدّ اللادقــــــــــــيـــــــــي

2- حلول الجراد على الأرض وتفقيسه

وإذا حطّ على الأرض ملاها      أصفر اللون من الشوفي رعبني    أرض الوافقت هو غرزها          بس تكون عا المشلول سرحه    قلنا راح وعملنا الفرحا          حاطط ودع عنا بالأراضي      وتاري بعدها ضربة القاضي    وبالزحّاف بتكون المصيبـي     فقس بالرميلي والقصيبـي        وعا بساتين صيدا مال ليلي   علي عاشجارها ومرشق ورقها  جرْدها منسوب أرض اللي مرقها   وإذا طار كَسَف المضيـي      وزلـمو زغار ولكن حربجيـي            بس تكون عا المشلول طريــي   مكوّم عا الأرض مفلوش طرحا حاطط ودع بدل الطاق ميـي  قلنا راح وصار البال فاضي وبالزّحاف بتكون الأذيـي     وأكل رزقنا يا ناس غصيبـي   وكدّ وجدّ بسهل الغزيـي[16]     وخلّى شجارها كلّها عريــي     وليل نهار ما عاود فارقها      ومــــا خــلّـــى ولا عشبــــي طـــــريــــــــــــــي

وصف مكافحة الجراد في بلدة بتدين اللقش – قرادي

لا تقولوا ما نشّيناش       ثمانماية حملي عملنا قشاش      ألفين أقه جراد حواش                  قال الضابط ما برضاش       من الشيخ روح جبلي ختومي  يـما مشو عا الحكومي             أهل الضيعا ملزومي        هيدي عليكم مكرومي      تحرقوا الزحاف بوقيد          ناس منكم تنــزل عا تعيـد[17]      مش راح يخلّي خضورا          لا ملّولي ولا حَورا            أكل الغار وأكل الخروب      بكره طعمتهم منّوب        وبعشرين تموز مطلوب                    مــــــــا يخلـيــــــــــش تــــمـــــــــــار منّــــــــــــــــــوب  ونحن قللنا مروي                    وجاهدنا فوق القوي                 دبيناهم بالهوّي                        جبلي علم من المختار                  تا علّملك عا الورقه                   أما برسل الفرقا                    بالحواش وبالتنسيق                   تحرقوا الزحاف بالنار           أما افتحولوا خلجان          وناس تقشّلوا بلان                بِدِيرة عرب بستان                غير الخروبي والغارْ                ها مش مأكولي يا فلان        الزنزلختي والريحان              وراحل من عرب بستان          غــــــــــيــــــــر كــــــــــــــــروز الــــــــصـــنــــــوبــــــــــــــــــــر     

وصف مكافحة الجراد في بلدة جزين وغزوه للسرايا الحكومي

لاقوا الزحّاف للمعبور        كانوا مجتمعين طابور              بقيوا ينشّوا للفطور            كبار صغار حتى كلّوا          بأربع ساعات انحلوا              ساعتها الشباب فلّوا              والشيخ راح للبيك             الزحاف وصل للشالوف[18]             خلاهن وجهم مكسوف          بقي ماشي صفوف ألوف           بجراعه من دون خوفْ           طلع عا راس السروي             تعمشق بذيال الفروي             لا يخاف من صاحب ثروه          الزحاف طلع عا جزينْ          أكل العريش والتينْ                 أنحس من سنة الستين[19]          يـــــــــــا مســـــــــــاكين يا فـــــــــــــلاحيـــــــــــــن                          الطالع من أرض بكاسين       ثمانماية وخمسة وتسعين          حتى كلّوا كبار وصغار             يردوا الزحّاف عا الوادي         وما عاد لهم جلادي             بحيث ما معهم زوادي                     قلّوا الزحاف وصل للديار         بعد أن كحّل الوادي            وطلع كعم الارادي           ودخل دار السعادي[20]           زنرها داير مندارْ                        وقرقش اذنين البوابْ                          للمير حارس ابن شهاب           ومن مير وسلطان يهاب                         قصدو حتى يأذيها                                وما خلاّ أخضر فيها                      أو تعبت أهاليها                مـــــــــــــــا استـــــــعوضــــــــــــــوش البــــــــــــــــــذار                   

الجراد لا يفرق بين غني وفقير :

قطع عا عمرة داود[21]        واستحسن فيها يقعد         بالشام مثلا مش موجود         قبابيــــــــــــــــــــط الزحــــــــــــــــــــــــاف قــــــــــــــــود           وقال ها العمره منظومي   وخمنها دار حكومي         وأعلى من برج التومي[22]                      فاتــــــــــــــــوا مـــــــــــــــــن تحت السيــــــــــــــــــــار            
***
داود ركض لبشاره          الزحاف وصل للحارة          قلو بشاره ركوض غاره                       لا تخــــــــــــــــــــــاف من الخســـــــــــــــــــــــــــــــــــاره        قلو أعطينـي الشمسيات                  وراح بياكلي التوتات               ودير بالك للزريعات        بحيـــــــــــث المصريــــــــــــــــــات كتـــــــــــــــــــــــــار       
***
اشترى ثلاثماية شمسيه                   صرخ اركضوا ليــي        استكرى ميـي غربـيـي               تسعـــــــــــــــــــه مــــــــــــــن الكـــــــــــراميــــــــــــــــــــــــــه                              وحق الشمسيه عشرين         اسعفوني يا أهل جزين     وثلاثين من بتدين                       وعشــــــــــــــــــره من بيت القطّـــــــــــــــــار[23]        
***
قلو يخرب عمرك يا زحاف     لا بتفزع ولا بتخاف            قلو يا رَحيم وقاف                          أنـــــــفــــقــــد مـــــــنـــــي ثــــــمــــــــــان آلاف ما عمري خمنتك هيك                  لا من آغا ولا من بيك                   معست الزحاف بإجريك      خمســــه كــبـــــــار وتـــــلاتـــــــــــــي صغــــــار      

انتشار الجراد في جبل لبنان :

الزحاف كان فاقس قسمين  تالي الوادي عا الجنبين                    صارع العالم شهرين                       من المتين لوادي التيم             أكل الساحل والجرد            بــــــعـــــــــــــزق الـغــــــــــــــــلـــــــــي بالــقـــــــــــــــــــــــــرد وناس بيقولوا تلاتي                         من باتر لبنواتي[24]                           متل كون الزناتي[25]                            كانه نبع وفوار                                    وما خلا للعالم قوت          وتــــــلــــــــــــتـــــــــــــيـــــــــن العــــــالم بتمــــــــــــــوت


جزين بعيد الجراد :

بتمرق عْلى إقليم جزين      كأنه شهر كوانين           مرشق العريش والتين             لا فــــــي كــــوســــــــــــــا ولا لـــقــــطيــــــــــــــــن بأول الصــــــــــــــــــيـــــــــــفـــــــــــــــيــــي                                            بين شهور الفـــيـــضــي            وريحة الــمـــيـــي جـــــيـــــي                                 ولا فــــي لـوبــــــــي ولا فــــي خيـــــــار[26] 
  • الجراد في شعر الشاعر نقولا مرقص

كما أن كارثة الجراد في بلدة بقسميا البترونية، كان لها صداها في قصيدة شاعر محلي هو الزجّال نقولا بو مرقص، من مواليد 1860 . فقد أرسل نقولا رسالة إلى ولده سركيس المهاجر منذ العام 1902 إلى الديار الأميركية، ضمنها قصيدة[27] ، يتحدث فيها عن الجراد الذي زار بلادنا خلال الحرب، ومما جاء فيها :

طلبت مني يا ولدي الأفادي      جانا جراد لا تحصى عدده           جانا جراد ولا تحصى عدده             غضب الله وعلينا لبده                  حيث الناس ما عندها أمانه بعض الناس مشيت بالخيانه                              يا ولدي بأول نوار            تجاوز عنا وعاد بزَّر                   ما في عاده من زمان نوح        تللى الأرض والسطوح          غْلَقنا وسكرنا سكاكرْ            صار يشارع ويفاكرْ            يطلب منا للمونة           مابتقدروا تكحتونا               ورتت أجدادي لبنان          وأيش بتعمل يا إنسان             الجـــــــــــــرد قـــــــــــــــهّـــــــــــــــار العـــــــــــــــــــــــالـــــــــم                     تريد تعلم شو صار في بلادي                                            تَلاّ الأرض من بعر وسوادي            من الساحل إلى الجرد مدده                                 حيث الناس ما عندها عباده    لا دمِّه فيها ولا ديانه                كلامي صدق ما فيها زياده           جانا جرد الطيار                        من ألفين عام ما فيش عاده      ما بقش يخلص ويروح       والسكاكر شدّاده                      وعنا عِمل مواكرْ            ويطلب منا الزوادهْ            ويقول بتبغضوني               لبنان ورتت أجدادي            معود جي عليه من زمان           الجرد قهّار الاعادي              لا بيحــــــــــــــــكــــــــــــــــــــي ولا بيتكــــــــــــــلم        
لابــــِــــــــــــد مــــــتـــــل الــلـــــــــــبــــــــــــــــــاده
الشاطر يكحش من رزقاته     الذكي هوي ومراته            أكل كرومنا وكل العشايب          أكل التوت أيضًا والعنايب       خلّى الناس كليتا حزينة      كلام الله بحيثن تاركينه          عا عمايلنا با دانا            ولــــــــــــو نستـــــــــــــــاهـــــــــــــل عطــــــــــــــانـــــــــــــا      يكحش عا رزق الثاني         والدَوره عالوحداني                 وخلّى التين والزيتون سايب وخلّى الناس كلها في كمادي     تا تبقى فايقه طول السنين           بالضربات صار فينا إباده           بحيث ما بقينا نستاهل            العــمــرو ســـتــــــيــــن صــــــار جـــاهــــــــــل

ج- الشاعر مخايل منعم

ونكمل كلامنا عن الجراد في بلاد البترون ببيتين من الشعر نظمهما مخايل منعم (1883 – 1977) من كفيفان البترون، وقد رأيناهما معلّقتين على غلاف إحدى مفكراته العائدة للعام 1914، وقد جاء نظمها على الشكل التالي :

مرّ الجراد على زرعي فقلت له     فقـــام إلــــيـــه خطيـــب فـوق سنبلـــــــــة            إلزم طريقك لا تورعْ بإفسادِ         وقال إني على سفرٍ لا بد من زادِ                


د- الشاعر محمد نجيب الهمداني

وقد ذكر الشاعر الجنوبي محمد نجيب مروّة الهمداني، لمحة عن الجراد خلال قصيدة عن الحرب العالمية الأولى. والشاعر من مواليد بلدة الزرارية – قضاء صور سنة 1879، ترعرع في قرية سلعا – قضاء صور، ما دخل مدرسة ولا تعلم عند معلم، كوّن نفسه بنفسه واستطاع بمجهوده الشخصي أن يصير أديبًا وشاعرًا ورجل دين أيضًا. سافر إلى افريقيا الغربية سنة 1929، وعاد إلى وطنه بعد إصابته بنوع من مرض الفالج في دماغه فأفقده شيئًا من صوابه، بقي على هذا مدة اربع سنوات، ثمّ توفي سنة 1956. ومـمّا قاله في الجراد نورد الأبيات التالية :

أذاكرٌ أنت أم ناسٍ بأوّله     سَدّت جميع الجهات الست كثرته  فكان في الأرض أمثال البحار إذا وكان في الجو أمثال الغيوم فلم        ومــــــــذ ترحّـــــــــــل قـال النــــــــــــاس كلّهمُ           جيش الجراد لحاه الله قد هجما ؟         وراع كلّ البرايا حيثما قَدُما                 فاضت وأصبح فيها الموج ملتطما يمطر على الناس إلاّ الجدب والنقما  زال البلاء وجيش الضيم قد هزما[28].

هـ – الشاعر الخوري اسطفان شديد

وننتقل إلى شاعرٍ آخر من منطقة البترون هو الخوري اسطفان شديد، فالشاعر الخوري اسطفان شديد : ولد في بشعلة – البترون سنة 1850، وتتلمذ في مدرسة مار يوحنا مارون – كفرحي منذ العام 1868. كان من البارزين باللغة السريانية. رسمه المطران يوسف فريفر كاهنًا في 30 آذار سنة 1875. خدم رعية بلدته منذ سيامته حتّى العام 1928 حيث ترك الرعية لتقدّمه في العمر ، تعاطى الطبابة أحيانًا. توفيّ بتاريخ 14 تشرين الأول سنة 1931.

من مؤلّفاته “تاريخ الحرب من سنة 1914 إلى أواخر 1918، وصف ما حلّ باللبنانيين من مظالم الأتراك وعوامل المجاعة والفقر والأمراض والشقاء، وهي أشد المصائب التي حلّت بالشعوب منذ ابتداء العالم حتّى هذا اليوم، لا أعاد الله لها عهدًا آمين”. المطبعة اللبنانية، ساحة البرج، بيروت، بشعله في 10 أيّار سنة 1919، 32 ص، 338 بيتًا من الشعر الزجلي، وهذه بعض أبياتٍ من قصيدته :

ويأتي جراد يعمّ الأرض                        الجوع يسود  بطول عرض      الخوري والشيخ ينسوا الفرض      والحْــــــــــــــــــــــريم يبحـــــــــــــــــــــنَ العــــــــــــــــــــرض                                                                         وياكل كل نْبات فيها                  بحالِه ما نسمع فيها                           البشر تترك باريها                           يبيعــــــــــــــــــــوا حالـــــهــــــن بالرسمــــــــــــــــــــــــــــــــــال
  • الاحتكار والمصادرة والتلاعب بالأسعار والوزن

عند كل حربٍ، يعمد بعض التّجار إلى احتكار المواد الغذائية وغيرها، لبيعها بأسعار مرتفعة، وهذا ما حصل أثناء الحرب، كذلك يتمّ التلاعب بالوزن، نظرًا لضعف السلطة المركزية وانهماكها في الأعمال الحربية ما عطّل الحركة التجارية في الدولة العثمانية وزاد ذلك من عملية الاحتكار مصادرة السلطة حيوانات النقل من خيول وبغال وجمال،.

  • الشاعر الياس الحويك

لقد عمد الشاعر والمؤلف الياس طنوس الحويك، إلى كتابة قصيدة عن الحرب العالمية الأولى، مؤلفة من 64 بيتًا من الشعر. والمؤلف هو من بلدة بدادون – عاليه، ولد سنة 1874، درس في معهد الحكمة على يد الشيخ عبد الله البستاني، اشترك في تحرير جريدة الروضة سنة 1894، عُيِّن ترجمانًا خصوصيًا على عهد المتصرف مظفر باشا                   (1902 – 1907) وترجمانًا لقنصل هولندا في بيروت، ترك قرابة 48 مؤلفًا في القصة والشعر والفلسفة والمسرح، معظمها لا يزال مجهول المصير، توفي عام 1957.

وضمن هذه القصيدة، هناك أبيات عن الاحتكار، وتطور حال المحتكر من فقير إلى غني على حساب الفقراء والمعدمين، ذاكراً ان الاحتكار طال جميع الأشياء. ونورد هنا ثمانية أبيات من هذه القصيدة[29].

فالملح في بحرنا بالعين ننظرهُ     نحتاج اكبر ما نبغي وأَصغرهُ                 لا نجتني من صخور الارض حاجتنا وعندنا كلُّ شيء صار محتكرًا        ما شدّدوا للذي قد كان محتكرًا   وبعدما كان ذا ضيق وذا شظفِ  وبعدما كان بالاسمال ملتحفًا    وشاطـــــروهُ الذي قد كان يكـــــســــــــبــــــــهُ             وليس ينفعنا منه سوى النظرِ         من النسيج إلى الدّبوس والابرِ                 من الطعام ولا شيئًا من الثمرِ      لا وفّق الله مسعى كلِ محتكرِ         عقابهُ فغدا من محرزي اليسرِ       صرنا نراهُ اخا تيهٍ وذا صَعَرِ         أضحى يميس بما يكسوهُ من حِبَر  وكـــــان مــــا فـعـلـــــــــــــــوهُ غيـــــــر مســــــــــتــــتـــرِ
  • محمد نجيب الهمداني

أما الشاعر محمد نجيب مروّة الهمداني، فقد تطرق في شعره إلى ارتفاع الأسعار والاحتكار والتلاعب بالمواد الغذائية، ونقتطف ثمانية أبيات من قصيدة له عن الحرب يخاطب فيها التّجار الجشعين الذين يجمعون الثروات الطائلة على حساب الفقير دون وازعٍ من ضمير.

ألا يا باعة الغلاّت إنّا         لماذا صار واحدكم إذا ما       لمــــــاذا كل شخــــــــص صــــــار منكــــم                       نراكم في الحقيقة شرَّ باعَهْ          أتاه المشتري يبغي ابتلاعه؟                  إلــى الطمـــــع العظيـــــم يـــــمــدُّ باعـــــــــــــه؟
***
ويا تجّار أقمشة البرايا          لماذا باحتيالِكُمُ رفعتم          ولـمّـا قيل قد رخصت عمدتم      ولـمّـا جاءكم خبر صحيح            فـــــرفقـــًا بالـــفـــــقـــيـــر ولا تـــــطــــــــيـــــــلــــــــــــوا                      وأرباب المعامل والصناعه          إلى جوّ السما سعر البضاعه؟                  إلــى تكذيب هاتيك الإشاعه        بذلك لا تحبُّون استماعه            لأجــــــل غطـــــــــــاء عــــــورتــــــــــــه نِـــزاعــــــــه[30]
***

ج- يوسف البرّي

وفي قصيدة يوسف فرنسيس البرّي، المؤلفة من 338 بيتًا، يورد ابياتًا عن التلاعب بالأسعار والوزن والاحتكار، وحول هجرة الناس إلى أماكن بعيدة عن قراهم. وهذه ثمانية ابيات من قصيدته[31] :

صارو للقوت معتازين          بدّو في طحن الرزين          والدكنجي يبيع ويزين              وبـــــيـــــتـــــمـــــلــــعــــب بـــــالــــــــمــــــــيـــــــازيــــــــــــــن                      وأيام الراحه بعيده               بأيام الحصيده                             الرطل بريال مجيدي                           فـــــــــــــوق الــــســــــــــــــــــــــــرقــــــــــــــــه بالـــــعيـــــــــــــــــــار
***
ساد الغلا بالمعمور              بحيث كان القمح محصور           من كتر الظلم والجور                منــــــهــــــــــم قـــصــــــدو صيـــــــدا وصـــــــــــور              وجال يهبّط حيطان              عَلَى حسابه في حوران                   العالم تركت الأوطان                 ومـــــــنـــــــهـــــــم صــــــــوب ديـِـــــــــــــرة عــــكـــــــار
***

د- الخوري شديد

أما الخوري اسطفان شديد، فقد ركز على المصادرة التي قام بها الجيش العثماني، ومما قاله :

أول ما لـمّوا التـنكات       وعادوا لـمّوا الحِيوانات           وبعده فرضوا المصريّات    وعـــــــــــمـــــــــــــــلوا جملـــــــــــــــة توزيعــــــــــــات وتنّوا في لـمّ الخياش                                  من كل بيت لحاف وفراش    وفحم وحطب عالحراش                          عـــــــــــــــــــــالأفــــــــــــراد وعـــــــــــالأجمــــــــــــــــــــــــال

***

بالميه سبعة وتَلاتينْ       ومثله عالعنب والتينْ        مِنِ الفقرا والمتّين                    تديّــــــــــــــــــــن القـــــــــــــــرش بسيـــــــــــــتن انوضَع رسم عَلى الزيتْ       والتحصيل بِكَيت وكَيتْ         قطعاً ما انعفى ولا بيتْ         لَيـــــــــــــــــكون الــــــــــــــــدفع مـــــــــــــــــــعــــــــــــــجّل                        

***

ولْ تَــمْ من المعّازي         ونصف العسل للغازي                   من الخمرا إخدوا العازي              وللجنـــــدي الـــــــدرزي قــــــــــــــــــزازه من الاربع روس إخدوا راس        منشان تتحلّى الأضراس        بحسبَما يكون الأدراس            لْيشربـــــــــــهــــــــا بســــــــــرّ العــــــــــــــقّــــــــــــال[32] 

***            

  • الغلاء عند الشاعر بو تامر عقل وزميله الخوري اسطفان شديد :

ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصورة جنونية خلال الحرب، لأسباب عديدة، منها تأثير الحرب المباشر، يضاف إليها بوار المواسم بسبب الجراد، كما كان لسياسة الاحتكار التي اتبعها التجار في جميع المناطق اللبنانية، الدور المهم في ارتفاع أسعار السلع، وكانت الضربة القاسمة عندما عمدت الدولة العثمانية إلى إصدار العملة الورقية المساوية للعملة الذهبية. ما دفع الناس إلى الامتناع عن التعامل بها. وسبب أزمة نقدية ساهمت في غلاء المواد الأساسية. وسنورد الآن أبياتاً شعرية من نظم بو تامر يوسف خليل عقل من بلدة بتدين اللقش، والقصيدة مؤلفة من 188 بيتًا من الشعر، مع الإشارة إلى ان الأسعار الواردة في الأبيات الشعرية، تفتقر إلى الدقة، لأنها لم تحدد التاريخ باليوم والشهر، وهذه هي الأبيات[33] :

العالم محروق سلاّفها                   شو ها السنة الردية                 ها من كتر الخطيــي                  دول الأجنبيــي قطعوا                        تنكة الكاز بثلاثميـــي                   تا نرجع للدقيات مثل الفلفل   مقطوع عنّا واردهم انشا الله يكتروا     ما رخص غير السمنات             شو ها السنـي الملعوني                      لا تيني ولا زيتوني                          كـــلّ أشـــجــــــــار الـــــــمــــــســــــــكــــــــــونــــــــي                                               من العازي وهمّ العسكر            طلعت عا العالم مُرّه                 تزعزعت أهل الكره                          الردّ بـمــرّه                                    وبثمانين رطل السكر             والكمون والبنات والرزيات         القمحات هللي عيشتنا منهن   والرطل بعشرين دينار                    طلعت عا الناس خساره             ولا بصلي ولا خياره                         مـــــــــا عــــــــــاد فـــــــــيـــــــــــهــــــــــا عِــــرقْ أخضـــر

والشاعر الخوري اسطفان شديد يصف وضع الغلاء على الشكل التالي :

جور الوبا والغلا                  جماهير هشلوا بالفلا             النصراني نسي الصلا                             العــــــــــــــــــالم بالجـــــــــــــــــــــــــوع تتْـــــــــــقــــــــــــــــلّا                   عمّ العالم بالعموم                             وجمهور نام ما عاد يقوم                             والمسلم دشّر الصوم                والحــــــــــــــــــكّام تــــــــــــلّــــــــــــــــــوا العـــــــــــــــــــــــــــدال

***

انباع رطل القمح بستين                   والدره بخمسه وستين                         والظِلِم للمحتاجين                       ومــــــا عــــــــــاد فـــي ملجــــــــــــا ولا مْعيْن وبخمسين رطل الشعير                   وكيف بدّو يعيش الفْقِير                          من الدوله فوق التعتير             والــــــــبـــــشــر قــــــطعـــــــــــوا الآمــــــــــــــــــــــــــــال[34] 
  • الإعاشة وتوزيع المساعدات في كل من شعر برّي وشديد

نادرة هي المعلومات عن الإعاشة في الحرب الأولى، ولم نطّلع على دراسات وافية عن هذا الموضوع في الكتب والمراجع التي اطلعنا عليها، وهي عديدة، وقد تطرق الشاعر            يوسف فرنسيس البرّي إلى هذا الموضوع بصورة عرضية، دون تحديد مواد الإعاشة وكيفية توزيعها. وذلك عبر أربعة ابيات من قصيته الطويلة، وهذا هو نصّها [35]:

بالاعاشه حدث فَصلْ                   مرّت بنت ومعها وصلْ                 شافا ذاك المندون أصلْ              بـــــــــــــــــالــــــــــزور طلـــب منـــهـــا الـــــوصــــــلْ                  قدّام دار الحكومي                      تا تاخد قوت اليومي                 سلب منها مبرومي                          ومــــــــــا صــــــــــان بــــنــــــات الأبـــــكــــــــــــــــــــــــار                                   

ونحصل على معلومات أدق عند الموظف الشاعر نسيب شديد، الذي ذكر أنه استطاع الحصول بموجب وثيقتين (رخصتين) على القمح والزيت، دون تحديد السعر والتاريخ ولا الفترة الزمنية بين الدفعة الأولى والثانية للإعاشة. وهذا ما كتبه الشاعر شديد في وثائقه : “وإلى قدرت بك وقد اعطاني وثيقة بماية وخمسين كيلو وأعطى لغيري 200 كيلو من [القمح]

يا من له قلبـي رقص                   إن الكسور نقــيــصــة                 فاضف الى الخمسين مقدارًا              مئتان آتت بالحساب              إن فـــــــــــزت فـــــيــــهـــا فـــــــقــــصـــــــــتـــــــــــــــــــي            أتمم بعد لك ما نقصْ                      في العد عنها العلم نصْ                 تصحح بالحصص                          وبالــوثــيــقـة بالأخـص                              يــــــا قـــــــوم مـــن أحــــــلــــــــــــى الـــــقــــــصـــــص                                   

إلى قدرت بك قايمقام البترون (1916 – 1918) وقد عهد إليه في توزيع قمح البدار فقلت فيه حظًا وافرا وقلت :

روحي الفداءُ لحاكمٍ                   أحيا به عدلاً وساوى                 يملي القلوب بلطفه              وتسابقت في حبِّه                            وغدا البدار موفرًا                           سْــــلـــــــــــــــيـــــــــــــــمــــان ربُّ الـــــــــــــــــكـــونِ إذ            ساس البلاد بحكمتهْ                      الحكم بين رعيتهْ                 فغدت رهينة منعته                          ترجو البقاء بخدمتهْ                              دوما كوافر نعمته                                  قــــوّى الــــضــــعـــيـــــف بــــــــــــــقــــــدرتـــــــــــــــــــه[36]                                    

“في سني الحرب الكبرى وقد أعوز الزيت وكان صبحي بك أبو النصر مدير قلم الأوراق وكنت أنا باشكاتب قلم الأوراق. وكان صبحي بك يتردد على اسمعيل حقي بك متصرف لبنان 15/5/1916 – 14/7/1918 ويقدم له أوراق الوثايق التي كان اسمعيل حقي بك يمضيها لطالبــي وثايق الزيت أخص منهم بالذكر المتاوله من عائلة حاطوم من البرج. فقلت لصبحي بك إني بحاجة إلى الزيت لعله يحصِّل لي وثيقة وطلبت إليه ترجمة الأبيات التي نظمتها” :

ست وعشرون سنه                   ملازمًا وظيفتي                 صدئتُ من طول المدى              وجيبةٌ فارغةٌ                            فهل يجيزون امرءًا                           جرةُ زيتٍ خالصٍ                    فحبذا وثيقةً                                          تـنــــــــــــزع عنه صدءًا                        والله يـــــــــــــــــجــــــــــــــــــــزي حـــــــــــــــــــــاكـــــمـــــــــــًا            قضيتها في المسكنه                      مشتغلاً كالـمــكنه                 بخدمة ممتهنه                          وعنقٌ مرتهنة                              أمسى بهيميْ كفنَه                                  يغسل فيها عفنه                                                   حظت بكفٍ محسنه                                        اخنى وتجلو درنه                            بالـــــــــــــــعـــــــــــدل أحــــــــــــــــــــــــيــــــــــــا وطـــــــــــنــــــــــــه                                   

“فلم ينجح صبحي بك ويظهر أنه لم يحسن العربية فيترجم الأبيات. فمرّ صباحًا صبحي بك وكان سمع الأبيات في دار الأمير مالك [شهاب] فترجمها وحصّل لي 80 كيلو زيت[37]“.

وحول توزيع المساعدات، نذكر الدور الكبير، للبطريرك الماروني الياس الحويك 1899 – 1931، في تخفيف الأزمة الخانقة التي ضربت الجبل اللبناني. فأمر الأديار بالمساعدة واستدانة المال ففعلوا. وفتحت بكركي أبوابها لإطعام الجياع. على وقع هذه الأعمال تحدث الشاعر فرنسيس البرّي، ابن منطقة كسروان والتي يقع دير بكركي في دائرتها ومّـما قاله :

نطلب للبطرك الياس                        فضله عمّ عموم الناس                       لشخصه لا أحد ينقاس                   روح الله بـــــــــــــــــقـــــلــــــــــــبــــــه مــــــــــــؤســـــــــس حتّى خيط حياته يزيد             في لبنان قريب وبعيد                     هذا بالعالم فريد                                                    لا شك إنـــــــه مـــــــن الأبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار
***
البطرك فرّق وجاد                              حتّى لعموم البلاد                                           فرق ماله الخاص وعاد                                 وأعـــــطـــــى الـــــــــــرؤســـــــــــــــــا والــــعـــــــــبـــــــــــاد مبلغ واهي الكميّه               كان يفرّق يوميّه                                    تديّن بالميّه ميّه                                          حتّــــــــــــى تـــــــــــــــــفـــــــــرّق بالأديــــــــــــــــــــــــــــــار[38] 
***

قامت الأديار بفتح أبوابها أمام البائسين المنهكين من الجوع، ومن بينهم دير سيدة مشموشة، وقد وصف دوره بو تامر يوسف خليل عقل، في مساعدة المحتاجين والقرى التي استفادت من المساعدات :

ولا ننسى دير مشموشي            لصبّاح ومشموشي                              من جزين لمغدوشي                                         دوم هــــا لــــــــصـــــــــــالــــــــــــــو مفـــــــــــــروشـــي الفرّق وقت الحرب حْسَان                              لبتدين والحرف وللميدان                     يطعموا كلّ مين جيعان                                               ناس تــــــــــدخـــل وناس تــــــــــــــضــــــهــــــر[39].
  • الجوع والموت كارثتان مترابطتان في تاريخ الحرب الأولى

لما كانت ظروف الحرب قد قضت على التبادل التجاري، وبسبب انقطاع أموال المغتربين وبوار المواسم الزراعية، واجتياح الجراد لبلادنا. اضطر الناس إلى طلب المواد الأساسية لعيشهم وهي تتمثل بالقمح أساسًا. لذلك زادت الضائقة على الناس وبدأت المجاعة بين المواطنين ليليها الموت المحتم.

  • يوسف البرّي

لقد دفعت المجاعة الناس إلى بيع ما يملكون ورهن ما يستطيعون رهنه للبقاء على قيد الحياة، وهذا ما وصفه الشاعر يوسف فرنسيس البرّي في قصيدته [40]:

ما فضّل موجود إنسان              والذي باع البستان                 بالآخر يصبح عريان                  دايــــــــــــــــــــر ظــــــــــــــــــلـــــــط بـــــلا شــنــتـــــــــــــــــــان حتّى رهن قطعة مِلك                   طلع ثمنه عَلك بعَلك                           ومِهري مثل كعب السلك                                 لا يـــــوجد عَـلَـــــــــــــى بــــــــــدنـــــــــــــــــــه ســـتــــار
***
صار السبع بزّي بسين                      أن قلت لانسان إنت منين                 بدّي روح شوف لي رغيفين                               صـــــــــــــار لـــي بـــــلا أكـــل يـــــــــومــيــــــــــــــــــــن هل كان يزمجر ويهدّ                   يقول لك منّي فاضي ردّ                        منشان حتّى جوعي سدّ                                          مـــــــا بـــقـــيـــــــــــــــــت إقـــــــــــــــــدر اتـصــــــــــــبّــــــــــــر
***
ضربنا معدّل إنه مات                   الأغلب ماتو على الطرقات                  كل إنسان عندو رزقات ويــــــــــــــــصــــرفـــهم في ثــلاث وقـعـــــــــــــــــــات من الخليقه ثلاث أرباع                      من بعد ما الرزق انباع                    ياكل فيهم ما بيشبع                                     وبـــيـــضـــــــــــــــــمّ الـــــبــــــطـــــــــــــــــــن مـــــــــــــــخـــــــوّر                           
***
  • محمد نجيب الهمداني

كذلك تطرق الشاعر الجنوبي محمد نجيب الهمداني إلى الجوع في قصيدة مؤلفة من 21 بيتًا من الشعر نقتطف منها هذه الأبيات الثمانية [41]:

ألا إنَّ هذا العصر للجوع والغلا    فكم من ديار فيه من أهلها خلت       وكم من بلاد أهلك الفقر أهلها  ترى ساكنيها لا تزال بطونهم            وأطفالهم من شدة الجوع لم تزل      تحوم فلا تلقى لديها من القِرى    فمن ذلك (الحلبا) التي قبل طبخها  سلام على (الرز) الذي كان طبخه وللموت والأمراض والحرب مجمعُ  فها هي بعد اليوم قفراء بلقعُ                 ولم يُبْقِ فيها للمعيشة مطمعُ         جياعى ومن أكل البقول تقرقعُ         مضمّرة الأحشاء غرثى تقعقعُ                           سوى مأكلاً يُدمي القلوب ويُوجعُ تُبَلُّ مرارًا بالمياه وتُنْقَعُ                 تـــــلـــــــذّ بــــه كــــــــل الـنـفـــــوس وتــقــنــــــــــــــــــعُ

ج- الشاعر رشيد عساف فياض

وبسبب الجوع، وارتفاع أسعار القمح وفقدانه من الأسواق، لجأ الناس إلى أكل الخبز المصنوع من الشعير. وهذا ما عرضه الشاعر رشيد عساف 1857 – 1930 . وهو من بلدة بعبدا، ومن أعلام الزجل اللبناني القدماء، من مؤلفاته “الدست وأولاده” وهو مناظرة ظريفه بينه وبين الشاعر حنا الياس حنا، وقصة سفر إلى أميركا . وهذا ما قاله شاعرنا :

اليوم مناكل خبز شعير                       خــــــــــــايـــــــف مـــــــــــا تــــــــــــقــــوم الحـــميـــــــــــــــــر وبكرا منطرق شهنوقه                       وتـطـــــــــــالـــبـنـــــــــــــــــــــــــــا بـــحـــــــــــــقــــــــــــوقـــــــــــــــــــــــــا

ثمّ وفّقه الله إلى لّحام من اصدقائه، فطلب منه رشيد شيئًا من العظام فاشترط عليه اللحام أن يقول ردَّه فيعطيه، فقال :

رطل شعير بعشر قروش                       كـــنــــــــــــــــا رضـــيــنـــــــــــــا بــــــــــــشـــــــــهــنـــوقـــــــــــــــه والدامي عضمه وكروش                       صـــار بــدنـــــا نـشـــــــهــــــــــنــــــق ونـــهـــوش[42]

د- الخوري شديد

ومما قاله الشاعر الخوري اسطفان شديد عن الجوع ونتيجته :

الجوع والوبا والموت            نبعا من النسا مثبوت           حصره عاصحاب الكهنوت       واللـــــــــــــــي كـــــــــــــان يلبـــس كبّــــــــــــــــــــوت مع كل أسباب الخراب           والشيطان واقف عرّاب          صاروا حمّالين جراب               صـــــــــــــــار اليــــــــــــوم بـــــــــــــــــلا شــــــــــــــروال

***

صار غصبن عنّه الجيعان          صبّح حافي بلا شنتان           ما خلّوا مواشي بلبنان                     لا مـــــــــــــن حمـــــــــــــير ولا كــــــــــدشـــــــــــــان   يبيع كلشي للبيع يصلح                مستّر في شقفه مشلح           ولا فردة بقر تفلح              ولا مــــن بغـــــــــــــــال ولا من جمــــــــــــــــــال       
***
وفي كل الضيعه والعصّ           تترقبنا متل البسّ                 وناب الجوع يحصد ويقصّ        تـــمــــوت الناس ما تسمع حــــــــــــــــــسّ              عين الحاكم بالمرصاد                لتشوف شي معنا تصطاد        متل منجل الحصّاد              لا صـــــــرخه ولا نـــــــــــــدب رجـــــــــــــــــــــال  

***

لا نسمع صرخه من الناس        صار الموت جناس جناس        وفي موتى انلفوا ببلاس            اندفنوا بــــــــــــلا خــــــوري وشمّـــــــــــــــــــــــــاس           ولا دمعه تطير من جفان        الأكثر بليوا بلا مدفن                      أو قطعه عواض الأكفان             ولا بخّــــــــــــــــور عـــنـــهـــــــــــــــم ينشـــــــــــــــــــــال
ومن عاد فَكّر في زاجه          أمّا المدووخ بالحاجه                       ويعمل ألف ديباجه            وبالــــــــــــــــــكاد إن كان بلْجـــــــــــاجــــــــــــــــه إلعريان أمّا الموجوع                            وحاير في أمره مكتوع                     تا يصير له لقمه يسدّ الجوع      يــحســــــــــــن عليــــــــــــه ابن حـــــــــــــــــــــــــلال       

***

حصره عَ أهالي لبنان          انفقد تلتين السكان               والباقي حفيان عريان               وقــــــــــــــــوم الكانـــــــــــــــوا كبار الشــــــــــــــــان بحر النقمه عليهم فاض        شي بالجوع شي بالأمراض                 مختلفه معه الأغراض                       صــــــــــــاروا اليـــــــــــــــوم بأوشـــم حــــــــــــــــال

***

من كانوا يناموا عْلَى حصير       وإذا أكلوا خبز شعير                واليوم من زود التعتير                  وأكــــــــــــــلوا لحـــــــــــــم كلاب وحميـــــــــــــــــــر ويضرب المتل فيهم                           تسخر البشر فيهم              الجياع أكلوا بنيهم              حيـــــــــــــث ما عـــــــاد نظروا الغـــــــــــــــلال

***

ومع أرملتين من حردين           ضد الحنّيّه والدين                ذبحوا اولادن بالسكين           ولـــــــــــمـــــــــا إكتشفـــــــــــــوا الكميـــــــــــــــــــــــن    جرى حادث في المينا           يا رب العرش عفينا                   وسليوهم بالخلقينا                             وجدوا شواش روس عشر طفـــــــــال

***

وجرى حادث مع حرمه          بلغت حاجه الملتهمه            صبحت متل المنطرمه            قطعـــــــــــــــت من جسمـــــــــــا فرمـــــــــــــــــــه          جِلْيله  وإلَها  سبع  ولاد                     ويَدْها ما عاد  طالت زاد         وتضعضع معها الإرشاد                   وطعمــــــــــــت طفل من الأطفــــــــــــــال        
***
السته بقيوا خفقانين              عاد ذبحت صبي من بنين       ومن سمع للآيه طنين             لله يـــــــــــــــا جبـــــــــــــــــــــــل صنــــيـــــــــــــــــــــــــــــن   ومَن أكل لحم انتعش                   وضحّته للباقي معاش             وقلبه مالان وارتعش            ثلجــــــــــك لجمـــــــــــــــال وانتعــــــــــــــــــاش[43]

الخاتمة

استعرضنا في هذه المقالة، بعض فصول الحرب العالمية الأولى، من خلال شعراء توزعوا على ثمانية أقضية لبنانية، ابتداء من الجنوب، مروراً بجبل لبنان وانتهاء بالشمال.

والشعراء، موضوع الدراسة، تجاوزوا سن المراهقة، وأحياناً عمر الشباب، لذا فهم ناضجون، ومدركون لما  يجري حولهم من أحداثٍ سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها.

أصغرهم سناً، هو مخايل منعم، الذي كان له من العمر 31 سنة عند بداية الحرب في العام 1914، يليه محمد مروّة 35 سنة، وأكبرهم سناً هو بو تامر عقل 67 سنة يليه الخوري اسطفان شديد 64 سنة. وإذا أخذنا متوسط عمر الشعراء العشرة، الذين لدينا تواريخ ميلادهم، فإن الرقم يتوقف عند 50 سنة. وهذا يعطينا فكرة واضحة عن صحة المعلومات المنقولة، مع بعض التحليل الخجول.

بعض هؤلاء الشعراء كان أمياً، مثل بو تامر عقل ونقولا بو مرقص، ما أفقد الشعر المنقول عنهم، في بعض الأحيان، الوزن الشعري المطلوب. وقد يعود هذا إلى خللٍ في التأليف، أو في نقل المعلومات ونسخها، أو عند الطباعة. ونجد هذا الخلل أيضاً عند الشعراء المتعلمين، أمثال مخايل منعم والخوري اسطفان شديد ويوسف البرّي. أمّا ما أورده نجيب مراد ديار بكري، من شعرٍ فهو في بعض مقاطعه غير موزون، ولا ندري، إن كان قائله يجيد القراءة والكتابة.

ثمّ التطرق إلى نحو ألف ومئة بيتٍ من الشعر، تحدث فيها الشعراء عن الحرب، بعضها مخطوط وبعضها الآخر مطبوع . ما يلفت النظر أن الشاعر الخوري شديد، كتب قصيدة مؤلفة من 338 بيتاً من الشعر، وصف فيها مراحل الحرب من بدايتها حتى نهايتها. وهكذا فعل الشاعر يوسف البرّي في قصيدته المؤلفة أيضاً من 338 بيتاً، وقد اعتمد على الشاعر شديد لينسج على منواله وهذا ظاهر من البيت التالي :

“الخوري بشعله” بكتابو          قايل عنهم كم جملة[44] 

ونجد تطابقاً في الأفكار والمعلومات والوقائع عند شعراء الحرب ومثلاً على ذلك، نورد الحديث عن الجراد، حيث يقول الشاعر بو تامر خليل :

بـــــــأوّل هــــــــــلّــــــة نـــــــــــــــــــوار            إجانا جراد الطيـــــــار

بينما يقول الشاعر نقولا بو مرقص :

يا ولــــــــــــــــــدي بأول نـــــوار           جـانـــــــــــا جراد الطيـــــــار

مع العلم أنّ الشاعر الأول هو من منطقة جزين والثاني من بلاد البترون، ولم يكن هناك أيّة وسيلة اتصال بين المناطق. ونشير إلى ورود معلومات متقاربة، بل متطابقة أحياناً حول مواضيع أخرى متشابهة عند العديد من الشعراء.

هناك دوافع عديدة، أهابت بالشعراء الكلام عن الحرب، وأهمها الجوع والموت، لقد فقد الشعراء أقارب لهم وأحباء، من هنا كانت نظرتهم الإنسانية إلى هذه الحرب المدمّرة.

لقد أجاد الخوري اسطفان شديد، في وصف المآسي الكثيرة التي خلفتها الحرب، بخاصة كونه خادم رعية بشعلة، التي فقدت 184 شخصاً من سكانها خلال الحرب، من أصل 909 أشخاص، ما جعله يؤلف كتيباً عن الحرب من بدايتها حتى نهايتها.

إنّ الشعر الذي نظمه هؤلاء الأشخاص، يترك صدى في عقول السامعين والقارئين، ويحرِّك الأحاسيس الدفينة، التي شغلتها هموم الحياة عن ذكرى الحرب المدمِّرة، بخاصة الشعر الزجلي الذي هو أقرب إلى الناس من الشعر الفصيح.

أورد الشعراء في قصائدهم، خاصة الطويلة منها، أسباب الحرب، وبدايتها، مع ذكر المعتدين والأبرياء، وكانت الخاتمة بمهاجمة الأمبراطورية العثمانية، والترحيب بدولة فرنسا.

نشير في هذا الصدد، إلى أنّ المعلومات التاريخية الواردة في الأشعار، وكذلك الأسعار، وأيّة معلومات أخرى، غير دقيقة، كونها تفتقر إلى التاريخ الصحيح للحدث، لأنها اعتمدت القافية أساساً للموضوع، مع غياب الحواشي للدلالة على حدثٍ معيّن أو معلومات غامضة.

وأخيراً نطرح السؤال التالي :

هل كان الكلام في الحرب العالميّة الأولى تاريخاً بشعر أم شعراً في إطار التاريخ ؟


[1] – يوسف حميد معوّض، حرب الجوع وأيام سفر برلك، مجلّة المنارة، السنة 46، العددان 2 و 3 ، 2005، ص 343، نقلاً عن نجيب مراد ديار بكري، سنين الغلاء، طرابلس، دون تاريخ، الأرجح أن يعود تاريخ النشر إلى عشرينيات القرن الماضي.

[2] – جرجس بك صفا.

[3] – خليل بك الخوري.

[4] – محمود بك تقي الدين.

[5] – الدكتور صعب الملاط.

[6] – نمر شمعون.

[7] – الياس حسون.

[8] – الياس افندي بركات.

[9] – جرجي تامر.

[10] – طنوس جعجع.

[11] – ميشال أبي فاضل، ابراهيم بك عقل، مطبعة دكاش – عمشيت 2013، ص 215 .

[12] – يوسف فرنسيس البرّي، زهرة لبنان وصدى كسروان، اعداد وتقديم جوزف أبي ضاهر، مركز فينيكس للدراسات اللبنانية، الشعر اللبناني 7، PUSEK، 2010، ص 72 – 73.

[13] – الأب ابراهيم حرفوش، ماجريات، حققها وقدّم لها الأب اغناطيوس سعاده، ج2، منشورات الرسل، 2003، ص 33.

[14] – القصيدة (من 9 صفحات بخط اليد) محفوظة في منزل أحفاد المذكور، قد اطلع عليها الدكتور الياس القطّار ، عند الأستاذ عبد الله عقل.

[15] – أيار.

[16] – الرميلة والقصيبي قرى من الشوف، والغزيي لربما بلدة الغازية.

[17] – بلدة في قضاء جزين في أسفل بلدة بتدين اللقش.

[18] – الشالوف هو المصطلح المعتمد في جزين للدلالة على الشلال.

[19] – 1860 التي جرت فيها مذابح دامية.

[20] – سراي الحكومة.

[21] – عمارة داود رحيّم، وكانت ولا تزال من العماير الجميلة في جزين وصاحبها من كبار المرابين الأغنياء.

[22] – تومات جزين.

[23] – بتدين يعني بتدين اللقش. والكراميه يعني عائلة كرم. والعائلة الثانية من آل القطّار.

[24] – باتر هي أول قرية من جهة الشوف. وبنواتي قرية بعد بكاسين.

[25] – كون الزناتي هي القصة الشعبية عن حروب عائلة الزناتي في تغريبة بني هلال.

[26] -الياس القطّار، جزّين في الحرب العالمية الأولى : الجراد والمجاعة والضائقة الحياتية، مقالة ضمن كتاب، لبنان في الحرب العالمية الأولى، جمعه ونسّقه انطوان القسيس، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات التاريخية (51)، ج2، بيروت 2011، ص 640 – 645.

[27] – مقابلة مع السيّدة مريم شيبان 1915 – 2000 ، من بلدة بقسميا، بتاريخ 11/9/1984.

[28] – الشيخ محمد مروّة الهمداني 1879 – 1956، جمعها ولده حسن مروّة، دار المحجة البيضاء، بيروت، (1432 هــ) 2011 ، ص134.

[29] – مخطوطة ديوان شعر الياس طنوس الحويك، مكتبة المرسلين اللبنانيين الموارنة، جونيه، ص 76.

[30] – محمد نجيب مروّة الهمداني، المرجع السابق، ص136.

[31] – يوسف فرنسيس البرّي، المرجع السابق، ص 75.

[32] – الخوري اسطفان شديد، المرجع السابق، ص 4 – 5 .

[33] – الياس القطّار، المرجع السابق، ص 654.

[34] – الخوري اسطفان شديد، المرجع السابق، ص 7 و 15 .

[35] – يوسف فرنسيس البرّي، المرجع السابق، ص77.

[36] – ارشيف نسيب شديد، المحفوظ عند حفيده الأستاذ نسيب شديد ، ادّه – البترون.

[37] – أرشيف نسيب شديد، المحفوظ عند حفيده الأستاذ نسيب شديد ، ادّه – البترون.

[38] – يوسف فرنسيس البرّي، المرجع السابق، ص 78 – 79.

[39] – الياس القطّار، المرجع السابق، ص 645.

[40] – يوسف فرنسيس البرّي، المرجع السابق، ص 76.

[41] – محمد نجيب مروّة الهمداني، المرجع السابق، ص 135.

[42] – مجلّة الحارس، الجزء السادس، اول آذار 1929، السنة السادسة، ص372.

[43] – الخوري اسطفان شديد ، المرجع السابق، صفحات متفرقة.

[44] – يوسف فرنسيس البرّي، المرجع السابق، ص 77.

Scroll to Top