الأب جان ماري المير م.ل.
أدى أنتهاء الحرب العالمية الأولى إلى الانتقال من الحكم العثماني إلى الانتداب الفرنسي، ومن متصرفية جبل لبنان إلى دولة لبنان الكبير.
ولكن قبل أن تتم عملية الانتقال هذه، مرّ لبنان بمرحلة انتقالية قرابة السنتين، وعرفت هذه المرحلة بالتمايز برزت في كل منها أحداث حاسمة بدلت مسيرة الأمور. سنتوقف بطريقة موجزة عند اتفاق سيكس – بيكو، ومن ثمَّ إلى مؤتمر الصلح والوفود الثلاثة. لنتوقف بعد ذلك عند دور البطاركة الموارنة خلال مئة عام بدفاعهم عن استقلال لبنان.
أولاً: من الحكم العثماني إلى دولة لبنان الكبير
- اتفاق سيكس – بيكو
هي عبارة عن تفاهم سري بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من روسيا على اقتسام الامبراطورية العثمانية وتحديد مناطق النفوذ في كُلٍ من منطقة الدردنيل وغرب آسيا بعد القضاء على السلطنة العثمانية[1].
انطلقت المفاوضات في لندن في تشرين الثاني 1915 بين مندوب الحكومة الفرنسية جورج بيكو[2]، والمندوب البريطاني السير ومارك سايكس[3]، واثير خلال تلك الجلسات موضوع متصرفية جبل لبنان ومستقبلها.
ولكن في الاجتماع الثاني الذي عقد في 21 كانون الأول 1915، بحضور مندوبين عن وزارة المستعمرات وممثلين عن وزارة الحربية ووزارة الخارجية، أصرّ البريطانيون على ألاّ تتعدى منطقة النفوذ الفرنسي، أي تلك التي ستخضع لنفوذهم المباشر، أكثر من الساحل السوري من الاسكندرون ولغاية طرطوس. أما بما يخص مناطق الساحل اللبناني والمتصرفية، فيجب أن تلحق بالدولة العربية التي سيحكمها الشريف حسين. ولكن هذا الطرح واجه معضلتين كبيرتين: الأولى موقع ومكانة بيروت من الناحية الثقافية والتاريخية، وثانيًا موقف اللبنانيين الرافض لهذا الاقتراح[4].
حاول البريطانيون بطرحهم هذا أن يبعدوا فرنسا عن مركز ثقلها وتجذرها فـي الشرق الأدنى، وخاصةً في متصرفـية جبل لبنان التي كان لهم اليد الطولى في تأسيسها. كما وأنه بطرحهم هذا نرى كيف كانت بريطانيا تسعى إلى ابعاد فرنسا عن مصالحها واستثماراتها التي عملت وخططت لها منذ أواسط القرن التاسع عشر لتكون في المستقبل موطئ قدم لها في لبنان، ومركز نفوذ سياسي واقتصادي وثقافي[5].
ولكن إزاء هذا التنافس وتضارب الآراء والمصالح، اقترح ممثل وزارة الحربية، مارك سايكس، على زميله الفرنسي جورج بيكو ايقاف الاجتماعات الموسعة ومتابعة المفاوضات معه منفردين. وهكذا تمَّ فتمت متابعت المفاوضات بطريقة سرّية بين الرجلين إلى أن توصلوا إلى توقيع اتفاق في ايار 1916، وكانت التسمية الرسمية آنذاك “اتفاقية آسيا الصغرى”، ولكن الاسم الذي التصق بها وأصبح أكثر شيوعًا هو “اتفاق سايكس – بيكو”[6].
- من سايكس بيكو إلى اعلان دولة لبنان الكبير
تميزت هذه المرحلة، والتي لم تعمر طويلاً بازدحام الاحداث، وتشابكها وتعارضها، إلى البلبلة، والتبدل السريع في اتخاذ التدابير. سنلقي الضوء ههنا على وضع لبنان بعيد جلاء الاتراك عنه ودخول الجيش الفرنسي إليه.
غادر الاتراك جبل لبنان في أول تشرين الأول 1918، فسلِّمت زمام أمور البلاد لرئيس بلدية بيروت عمر الداعوق، بموجب كتاب مقتضب مهره بتوقيعه:
“إلى عموم المأمورين:
بناءً على اعلان الحكومة العربية أصبحت المدينة تجاه أمر واقع. فلقد عهد بأمور الحكومة لرئيس البلدية. فتجاه هذه الوضعية اصبحت وضعيتكم منتهية. لذلك أطلعكم على هذه التبديلات وأودعكم أياها”[7]. وممن تلقى هذه البرقية البطريرك الماروني الياس الحويك، ويوسف الحكيم ومحمود الفضل[8]. ومّما جاء في البرقية التي أرسلت لغبطته: ” غبطة بطريرك الطائفة المارونية – إنه بعون الله تأسست الحكومة العربية المستقلة باسمنا نطلب منكم باسم العروبة والوطنية أن تؤسسوا الحكومة العربية عندكم في جبل لبنان
في 25 ذي الحجة سنة 1326
رئيس الحكومة العربية سعيد ابن الأمير علي باشا الجزائري”[9]
كان لهذه البرقية اثرها في بيروت، مركز الولاية، لأنها ادت إلى قيام سلطة اتخذت لنفسها اسم الحكومة العربية، وعهد بأمورها لرئيس البلدية. فأصدر هذا الأخير سبعة أوامر[10] طلب بموجبها من الجميع التقيد بها والعمل بما تتضمنه لحفظ الأمن ومنعًا لأي اخلال ممكن أن يحدث[11]. والجدير ذكره ههنا أنه برزت في نواحي اخرى سلطات محلية مؤقتة فمثلاً تولى شؤون صيدا رئيس بلديتها، ولكن لم يلبث أن تنحى لأن أعيان المدينة انتخبوا رياض بك الصلح لتولي رئاسة الحكومة فيها، ولما دخل جيوش الحلفاء عيّن على صيدا وملحقاتها الضابط الفرنسي “فيجل”. أما في ناحية صور فقد ألفت حكومة برئاسة الحاج عبد الله يحيى خليل[12].
أما في بعبدا، مركز السلطة الشتوي، فقد طلب المتصرف ممتاز بك من حبيب فياض رئيس البلدية، استلام الحكومة في مركز المتصرفية، وغادر حاملاً ما وجده في خزينة حكومة جبل لبنان من أموال[13]. فقام موظفو المتصرفية بتأليف حكومة موظفين ثنائية مؤقتة، منتخبين بذلك الأميرين مالك شهاب وعادل ارسلان لتولي السلطة ريثما ينجلي الموقف. وقد وضعوا محضرًا بذلك وذيلوه بتواقيعهم (بلغ عدد الموقعين 31 موظفًا) “مبررين مبادرتهم بحراجة الظروف، لأن المتصرف غادر البلاد ولم يسلم السلطة إلى ادارة جديدة تدير شؤون الشعب والبلاد، وتحرص على حفظ الأمن”[14].
بلّغ الأمير عادل شهاب البطريرك الماروني الياس الحويك بالتدابير التي تمت في مركز المتصرفية. فحبذ غبطته ما جرى، ودعاه أن يحرّض أهالي الجبل على ضرورة السكينة والمثابرة على تسيير أعمال الحكومة “بحزم وحكمة” ومّما جاء في هذه البرقية:
“سعادة مالك شهاب رئيس الحكومة المؤقتة.
أذيعوا على أهالي الجبل بواسطة الحكام المحليين وجوب الخلود إلى السكينة وأنصحوهم بتوقيف كل مخابرة تتعلق بشؤون البلاد مكتفين الآن بالحكومة المؤقتة إلى أن يكون تيسر لنا ولهم تبادل الاراء بهذا الشأن، لدى وصولنا قريبًا إلى مقرنا بكركي. نسأله تعالى حسن التوفيق لكم وللجميع،
في تشرين الأول سنة 1918
البطريرك الياس الحويك”[15].
لم تعمر حكومة عمر الداعوق في بيروت، وحكومة الموظفين في بعبدا طويلاً، لأنه سرعان ما تبدلت الأحوال، لاسيما بدخول جيوش الحلفاء على سوريا وفلسطين ولبنان.
- وصول جيوش الحلفاء
صباح الأول من تشرين الأول 1918، دخل الجيش البريطاني مدينة دمشق، كما ودخل الأمير فيصل المدينة وأعلن باسم والده قيام حكومة عربية سورية. حاولت هذه الحكومة مدّ سيطرتها إلى جبل لبنان، فأرسلت شكري باشا الأيوبي إلى بيروت وعيّن حبيب باشا السعد رئيسًا للحكومة[16].
ولكن هذه المبادرة أثارت حفيظة وردة فعل قسم من اللبنانيين وغضب الفرنسيين، لأن لبنان وفقًا لاتفاقية سايكس – بيكو يجب أن يكون خاضعًا لنفوذها. لذا عمدت السلطات الفرنسية بتعطيل هذه الحكومة وذلك من خلال الاسراع بدخول الجيش الفرنسي للأراضي اللبنانية، وانزال العلم العربي عن المباني الرسمية. وثبّت الحكم الفرنسي حبيب باشا السعد في حاكمية جبل لبنان، على ان يعاونه مجلس الادارة القديم، ثم اقام ادارة في النواحي، تألفت من مدراء محليين، ووضع إلى جانبهم مستشارين فرنسيين. وبعد أقل من شهر، أقال حبيب السعد من منصبه، وأبقاه على رأس مجلس الادارة[17].
تميزت السنة الأولى لما بعد الحرب بتمركز عددٍ ضئيل من القوى العسكرية في سوريا ولبنان، فكانت المفرزة الفرنسية، التي أنشئت بموجب قرار وزاري فرنسي بتاريخ 28 كانون الثاني 1917، لا يتجاوز عدد رجالها ألفي جندي، وكانت معدة أساسًا لحماية الأماكن المقدّسة والمؤسسات الفرنسية فقط[18].
بعد فترة من حلول الجيش الفرنسي في لبنان، عيّنت السلطات الفرنسية المفوض السامي جورج بيكو لتسلم زمام الأمور في كلٍ من سوريا ولبنان وكيليكيا. وعام 1919 حلّ الجنرال غورو مكانه، وأعلن دولة لبنان الكبير.
- مؤتمر الصلح
بعد توقيع الاتراك على هدنة مودرُس، وترتيب الجنرال اللنبي الأوضاع في سورية ولبنان. افتتح في باريس مؤتمر الصلح في 18 كانون الثاني 1919 وكان هدفه اعادة رسم خريطة العالم وفسح المجال للشعوب التي تحرّرت من الامبراطوريات الالمانية والنمساوية والعثمانية ان تقرّر مصيرها.
بدأت الوفود بالتوافد إلى مؤتمر الصلح حاملةً أماني وآمال شعوبها، ومن ضمنها ثلاثة وفود لبنانية قصدت باريس تباعًا في كانون الثاني 1919 وآب من السنة نفسها وشباط 1920[19].
تشكلت الوفود من مزيج طائفي إنما طغى عليهم بشكلٍ لافت العنصر الماروني. سافرت هذه الوفود إلى روما وقدّمت مطالبها على شكل مذكرات باسم الشعب اللبناني.
- الوفد الأول برئاسة داود عمون
فوّض إلى داود عمون برئاسة الوفد الأول وذلك بناءً على طلب مجلس الإدارة بتاريخ 9 كانون الأول 1918[20]، ومَثُلَ هذا الوفد امام مجلس العشرة في مؤتمر الصلح في 15 شباط 1919، وعرض مطالب الشعب اللبناني اولاً شفويًا ومن ثمّ بمذكرة خطية رسم فيها الحدود الجغرافية التي يطالب بها اللبنانيون[21].
باءت مفاوضات الوفد الثاني بالفشل لثلاثة أسباب: الأول للتضعضع بين الحلفاء الذين لم يكونوا قد أتفقوا بعد على مصير البلدان التي كانت خضعت للسلطنة العثمانية، وثانيًا لرغبة الرئيس الأميريكي ولسون إرسال لجنة استقصاء للشرق. وثالثًا لتفاوت الافكار والآراء بالشرق وخاصة بلبنان حول الوحدة مع سوريا والموقف من حكومة فيصل، ومسعى فرنسا إلى إنشاء دولة سورية موحّدة.
دفع هذا الوضع إلى زرع المخاوف في قلوب ونفوس اللبنانيين وقيام مظاهرات في كافة المناطق اللبنانية للمطالبة باستقلال لبنان ودفع فرنسا إلى تحديد موقفها مّما رفع لمجلس الصلح. وهنا اتجهت الأنظار نحو سيّد بكركي والمطالبة بترؤسه الوفد الثاني لرفع المطالب وتحقيق استقلال لبنان[22].
- لجنة كرينغ كراين
تشكلت هذه اللجنة من مندوبين أميركيّين برئاسة هنري كرينغ وشارل كراين. بعد أن قامت اللجنة بتحقيقاتها في فلسطين انتقلت إلى سورية[23]، ومن بعدها إلى بعلبك في 4 تموز 1919، ومن ثمّ إلى المدن الساحلية بيروت وصيدا وصور وطرابلس،… وختمت اجتماعها في 9 تموز بالصرح الطريركي – بكركي بمقابلة غبطة البطريرك الماروني وبحضور معظم الأساقفة[24].
افتتح رئيس اللجنة اللقاء بالخطاب التالي: “تأكدوا يا صاحب الغبطة أن لجنتنا زارت كل من فلسطين وسورية ولم تمثل بين يدي أحد لأخذ رأيه، بل كان الجميع يمثلون لإبداء آرائهم. أما الآن فإننا نأخذ رأيكم ونحن بين ايديكم، اعتقادًا منا أنكم تمثلون أمّةً كاملةً كما اظهرت لنا وقائع الحال”. فأجاب غبطته ملخصًا مطالبه بجملة واحدة “استقلال لبنان تحت مناظرة ومساعدة فرنسا”[25].
وحول هذا اللقاء المميز نورد ما نشرته جريدة المرسل على صفحاتها: “عند اصيل نهار الاربعاء (9 تموز) توجهت إلى المقام البطريركي اللجنة المركزية وقد استقبلت بكل ما يليق بأبناء الحرية والشعوب الحية من التجلّة والاكرام وبعد أن استراحت قليلا من عناء التعب وقف رئيسها وقال:
قطعنا مراحل متعدّدة من المهمة التي انتدبنا لأجلها ونزلنا في أقاليم كثيرة واستطلعنا أراء الشعب في مصير بلادهم – وانما لم نزر بطريركًا غيركم لاعتقادنا أنكم مرجع اللبنانيين الأكبر وموضوع ثقتهم…
وعندما بلغنا جبل لبنان رغبنا في الوقوف على أفكاركم الصائبة لما لكم من المنزلة العظمى ولما تفردتم به من النزاهة والتجرد والوطنية.
فاجاب غبطته: إن أفكاري بمصير البلاد أصبحت معروفة ومشهورة لدى الجميع، فإنني أتكلم الآن بصفتي رئيسًا روحيًا وبصفتي مستنابًا عن الشعب اللبناني على اختلاف الطوائف، ان مصلحة لبنان تقوم باستقلال لبنان الكبير استقلالاً تامًا مع مساعدة الدولة الافرنسية.
فأجاب رئيس اللجنة: لقد توجهنا إلى بعض جهات لبنان لاستطلاع أراء بنيه فكانوا جميعهم متفقين على ما صرحتم به وقد زادوني انهم قد وكلوكم رسميًا للمطالبة بحقوقهم المقدّسة.
فسأله رئيس اللجنة:
- س: أظن انكم تفضلون لبنان الكبير على غيره؟…
- ج: اننا نسعى بكل قوانا باستقلال لبنان الكبير استقلالاً تامًا. ونحن نطالب به باسم الحقوق الثابتة. وباسم دماء شهداءنا التي أريقت في هذا السبيل…ولا نظن أن الدول العظمى ترفض مطاليبنا الحقة علمًا منها أنها قد حاربت لتقبل الشعوب الضعيفة حقوقها المهضومة.
- س: لماذا تطلبون مساعدة فرنسا؟
- ج: نطلب فرنسا لأن لها تقاليد في بلادنا ولها حقوق ثابتة تمكنها من مساعدتنا. فتلك تواريخها وتواريخنا أعظم شاهد على عطفها واشفاقها علينا في أيام بؤسنا…وفضلا عما تقدم إننا لا ننسى إحساناتها المتواصلة نحو هذا الجبل فقد كانت قبل الحرب وفي اثنائها تنجدنا بالمال وبكل ما في وسعها من المساعدة… وعند جلاء الأتراك عن بلادنا تجلّت فيها عاطفة المروءة والمساعدة بأبهى مجاليها فقد حرمت بنيها من المؤون اللازمة وشحنتها إلى جبلنا لتعيد رمق الحياة إلى البقية الباقية من أبناء هذا الشعب التاعس ثم لا ننسى أفضال الأمة الأميركية وعطفها على الإنسانية البائسة فإنها قد حاربت مع الفرنساويين جنبًا إلى جنب وقصرت مدة تلك الحرب الهائلة وواصلتنا باحساناتها الكثيرة لتقي أبناء الجبل من أنياب تلك المجاعة العظيمة…
وفي أثناء وجود اللجنة في بكركي جاء لزيارة ذاك المقام العالي فرع الدوحة المجد والشرف الامير فؤاد مجيد ارسلان وجناب الوطني الصادق رشيد بك نخله وعندما قال غبطته في حديثه بأنه مستناب عن الطوائف اللبنانية كافة نهض جناب الأمير وقال للجنة:
إنني أؤيد كلام غبطته:” ولما كنت زعيمًا في قومي وبيدي وكالات رسمية فاني قد حضرت إلى هذا المقام السامي لافوض غبطته للمطالبة بحقوقنا الثابتة”[26].
إن عدم إرتياح الحكومة الفرنسية لعمل لجنة كينغ – كراين، وشكوك اللبنانيين من اتفاقها مع حكومة فيصل والاستقبال الذي لقيه لدى وصوله لبيروت[27]، قد حمل ذلك إلى إتهام فرنسا بالتخاذل بتحقيق وعودها باستقلال لبنان وتوسيع حدوده إلى ما كانت عليه بالسابق، فعمت المظاهرات معظم المناطق اللبنانية وأخذت تطالب مجلس الإدارة بإرسال وفد ثاني إلى باريس برئاسة غبطة البطريرك.
ج- الوفد اللبناني الثاني برئاسة غبطة البطريرك الياس الحويك
في ظل هذه الأجواء المتوترة والمشحونة بالغضب الشعبي، خضع مجلس الإدارة لمطالب الوطنيين واصدر قرارًا بتاريخ 16 حزيران 1919، أعلن فيه عن إرسال وفدٍ ثانٍ إلى مؤتمر الصلح برئاسة غبطة البطريرك الماروني[28].
بالمقابل وافق مجلس الأساقفة المجتمع في بكركي بسفر غبطته إلى باريس ومما أوردته في هذا الصدّد جريدة المرسل نقلاً عن جريدة الحرية: “انتهى مجلس الاساقفة نهار الخميس 14 حزيران بالقرار التالي: سفر غبطة البطريرك إلى أوروبا للمطالبة باستقلال لبنان، بحدوده الطبيعية. وفي ختام الجلسة الأخيرة وقف غبطته وقال: سأسافر إلى أوروبا – كما يطلب الشعب اللبناني في أوائل الشهر القادم، وسيرافقني بعض الأساقفة ووفد أهلي يمثل الطوائف اللبنانية وسنسمع المؤتمر صوت هذا الشعب الحي. فلنتكل على الله وسننال إن شاء الله أمانينا. أما إذا انتقلت من هذه الحياة قبل أن أتم مهمتي فرجائي إليكم أيها الأبناء أن تحملوا جثماني إلى هنا وتدفنوه في سفح هذا الوادي قرب الأرزة الخالدة”[29].
غادر البطريرك الماروني من مرفأ جونيه في 15 تموز 1919، على متن الدارعة الفرنسية كسّار (Cassard).
سنورد ههنا الاحتفالات التي رافقة مغادرة غبطته من مرفأ جونيه: “”طلعت شمس (15 تموز) في جونيه على وفود تتسابق من كل الجهات لتودع غبطة البطريرك الكبير الذاهب على بركات الله وادعية أبنائه إلى باريس حاملاً أماني اللبنانيين وأمالهم بطلب الاستقلال.
وصارت ساحات جونيه لاسيما الواقعة أمام دار الحكومة تغص بالجماهير تباعًا وكلها تحمل الشارات اللبنانية وتحدو بالأهازيج الوطنية وأمامها الخيالة تلعب على ظهور الصوافن بالسيف والبنادق.
وعند الساعة العاشرة والنصف وصل وفد من بيروت المؤلف من نخبة أعيان الثغر وأدبائها يتجاوز عددهم المئتين يقلهم قطار خاص إلى جونيه فاستقبلهم وفود الجبل على المحطة بالأهازيج بالأعلام وإطلاق النار ثم مشوا من هناك تتقدمهم الوفود إلى حيث كان غبطة السيّد الجليل جالسًا يستقبل الوفود الكثيرة في دار الحكومة.
وكانت الجماهير تزدحم ألوفًا أمام الساحة الخارجية وعلى البوابة الكبرى وقف نخبة شبان آل الخازن وآل حبيش الكرام يستقبلون الناس ويحمسون الشعب، وكان من بينهم الشيخان الكريمان وديع الخازن وفريد الخازن الحاجب الأول لسمو الأمير فيصل سابقًا وكان الشبان يلعبون أمام الوفود بالسيف والترس ألعابًا تحير العقول!
وادخلت الوفود وفي طليعتها الوفد البيروتي الكريم على غبطته في بهو الحكومة الكبير فاستقبلها ذلك الوالد الشيخ بعطفه المعتاد وكان إلى جانب غبطته الكبتن دام صاحب الأيادي البيضاء في المسألة اللبنانية ويد المسيو جورج بيكو اليمنى موفدًا من قبل القومسيرية العليا لاستقبال غبطة البطريرك على ظهر الدارعة التي تقله إلى باريس، والقاصد الرسولي الذي جاء قبل يوم إلى بكركي لوداع غبطته وظل معه إلى اليوم الثاني وسيادة المطرن كيرلس مغبغب مطران الروم الكاثوليك الذي جاء مع الوفد البيروتي وعدد كبير من الأساقفة والكهنة.
وكان غبطته يصافح جميع الوفود ويخاطبهم بتلك اللهجة العائلية التي تتملك العواطف والقلوب.
وتكلم الخطباء في مواضيع مختلفة، إلى أن أشار غبطته أنه يريد الكلام فساد على الجماهير سكون مهيب وألقى غبطته عليهم خطبة نفيسة جدًا أظهر فيها عواطفه نحو أبناء الجبل من كل الطوائف والملل إلى أن قال: “أنا ذاهب إلى باريس لإدافع عن قضيتكم يا أولادي ولي ملء الثقة أننا ننال مطاليبنا من الدول العادلة وأن الله رب الدول يساعدنا لأنه يؤيد الحق ويحمي الضعيف وتأكدوا يا أولادي انني ذاهب الأن فإما أن أعود إليكم وإما لا أعود “هنا علا صياح الجمهور بل تعود بالسلامة” فاطلبوا إلى الله أن يوفقني لكي أعود إليكم حاملاً البشرى التي تنتظرونها”.
وعند الساعة الحادية عشرة حان وقت النزول إلى الدارعة فوقف غبطته ومشى بين صفوف الألوف من أبنائه الذين أخذوا يودعونه بالدموع والقلوب والأدعية حتى إذا وقف على الباب الكبير أمام السراي حيَّا تلك الجماهير لأخر مرّة وودعهم وباركهم فعلا الصياح وعلت الأدعية وألقى الشاعر الوطني شبلي الملاط أبياتًا نفيسة في الشعرين اللبناني والفرنساوي.
وركب غبطته في العربة إلى جانب “الكبتن دام” بينما كان الأهالي ينادون بأصوات يغص بها رحب الفضاء.
“فليحيا لبنان الكبير فليحيا غبطة البطريرك فلتحيا فرنسا المحبوبة!”.
وحمل الشبان العربة التي تقل غبطته و”الكابتن دام” إلى الشاطئ حيث أنزل غبطته الزورق البخاري على أكف أعيان لبنان الكبير مثل اميل بك تابت واميل افندي اده والفرد بك سرسق وشبان آل الخازن.
ولما وصل غبطته إلى المدرعة كسار التي كانت تنتظره في الخليج نزل جميع ضباطها إلى السلم وحملوه على صدورهم كالأب الحنون إلى الغرفة المعدة له للراحة ولما وطئت قدم غبطته ظهر الدارعة حيته بإطلاق 19 مدفعًا إكرامًا له وإجلالاً واستقبله باسم فرنسا على ظهرها “الكابتن دام”.
وعند الساعة الواحدة بعد الظهر تحرك مقدام الدارعة التي وضعتها الحكومة الفرنسية تحت أمرة غبطته فالتفت غبطته آخر نظرة إلى الجبل المحبوب وتساقطت دمعة جرت من عيني ذلك الشيخ الجليل المثقل بالسنين والايام لوداع هذا الوطن العزيز”[30].
وصل غبطته إلى باريس في 22 آب بعد أن عرّج على روما وقابل قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس الخامس عشر. وفي 16 أيلول 1919، طلب غبطة البطريرك الماروني من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، موعدًا ليعرض عليه الغاية من زيارته لفرنسا، فتم اللقاء في 5 تشرين الأول وتعهّد بالعمل من أجل تنفيذ استقلال لبنان[31].
قدّم البطريرك مذكرته لمؤتمر الصلح وهي تقع في خمس عشرة صفحة مطبوعة، في 27 تشرين الأول. وطالب فيها[32]؛ باستقلال لبنان، وبتوسيع حدودوه واعادته لحدوده التاريخية والطبيعية باسترجاعه ما سلخته عنه الدولة العثمانية، كما طالب بمحاسبة السلطات التركية والالمانية على الفظائع والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب اللبناني خاصة خلال الحرب العالمية الأولى. اما الانتداب وقد أقرّ بمعاهدة فرساي في 28 حزيران 1919، فالتمس أن تتعهده الحكومة الفرنسية. وبرّر غبطته مطالبه بالحجج والبراهين، مؤكدًا استقلال لبنان بالنسبة إلى سورية وأي دولة عربية أخرى[33].
وبعد عرضه لجميع الإعتبارات التاريخية والثقافية والسياسية …التي تبرّر استقلال لبنان، تطرّق غبطته إلى مسألة الحدود فحدّدها على الشكل التالي: “تنطلق في الشمال من النهر الكبير وتشمل سهل البقيعة وتلتف حول بحيرة حمص قبل ان تتجه إلى الشرق من هذه البحيرة، نحو قمة جبال لبنان الشرقية. وتتمثل، في الجنوب، بخطٍ ينطلق من جنوب جبل الشيخ ويلتفّ حول بحيرة الحولة وسهلها، فيفصلهما عن فلسطين، ثم يتجه غربًا حتى رأس الناقورة”[34].
وقبل مغادرته فرنسا زوده كليمنصو برسالة أكد فيها: “وأن هذه المخابرات قد أثبتت لكم أيضًا بكل جلاء أن الحل الذي نسعى إليه في مؤتمر الصلح هو بمجمله مطابق لأماني الشعب اللبناني الذي تمثله غبطتكم هنا.
إن رغبة اللبنانيين بالمحافظة على حكومتهم الذاتية وبايجاد حكومة وطنية مستقلة تتفق تمامًا مع تقاليد فرنسا الحرّة.
وليتأكد اللبنانيون أن تقاليدهم وأمانيهم الوطنية، ستحفظ وتحقق بمساعدة فرنسا وموازرتها وسيكونون منفصلين عن كل شعب غيرهم ويساعدون على ترقية مدارسهم واداراتهم، حتى يتمكنوا بسرعة من تلقاء انفسهم على اظهار قيمتهم الحقيقية وينظروا أخيرًا أولادهم يتمرنون في مدارسهم الوطنية، على إدارة حكومتهم الوطنية.
لا يمكن تحديد حدود هذا الاستقلال قبل ان تقرر وتتجدد نهائيًا كيفية الوصاية على سوريا.
على أن فرنسا التي بذلت كل ما في وسعها عام 1860 لكي تضمن للبنان مساحة أوسع لا تنسى اليوم أن تضييق حدوده كما هي الآن نجم عن الضغط الطويل الذي نزل بلبنان.
وأن فرنسا التي ترغب في توثيق الصلات الاقتصادية بين البلاد الموضوعة تحت اشرافها ستعتني خاصة في أن تضمن للجبل عند تحديد تخومه الأراضي السهلية اللازمة والمرافئ البحرية الضرورية لنجاحه وتقدمه”[35].
تمسكت البطريركية المارونية بهذه الوثيقة والتي اعتبرتها كمنطلق لتحقيق استقلال لبنان، وأول اعتراف رسمي بكيان لبنان يصدر عن السلطات الفرنسية[36].
د- الوفد الثالث برئاسة المطران عبد الله الخوري
شعر اللبنانيون بتناقض ومراوغات الفرنسيين بين ما تعهدوا به لغبطة البطريرك الماروني وبين الاتفاق الذي أبرم بين فيصل وكليمنصو والذي أبقى مسألة حدود لبنان معلّقة[37]. في ظل هذه الأجواء الملبدة تمّ التوافق على إرسال وفدٍ ثالث إلى مؤتمر الصلح برئاسة سيادة المطران عبد الله الخوري[38].
أبحر الوفد في 2 شباط مزودًا بتفويض رسمي وبرسائل من غبطة البطريرك الماروني لرئيس الجمهورية الفرنسي ووزرائها. وصل باريس في 11 من الشهر عينه وقابل كبار المسؤولين الفرنسيين من وزراء واعضاء مجلس شيوخ….كما قابل رئيس الوزراء ميليران في 20 آذار.
كان محور محادثات هذا الوفد هو الحصول على ضمانات وتأكيدات من الحكومة الفرنسية بما يخص حدود لبنان وعدم ضمه إلى سوريا وجعله كيانًا قائمًا بذاته منفصلاً عن البلدان المجاورة. وبعد جهود حثيثة دامت لغاية 24 آب 1920 حصل الوفد على تعهد من ميليران[39] مّما جاء فيه: “إن ما تريده فرنسا هو انشاء دولة لبنان الكبير بضمانها لبلدكم حدوده التاريخية. يجب أن يضم لبنان جبل عكار فـي الشمال، و أن يمتد جنوبا حتى حدود فلسطين. يجب أن ترتبط به ارتباطًا وثيقا مدينتا طرابلس وبيروت، شرط أن تتمتعا باستقلالٍ داخلي يأخذ فـي الاعتبار الفوارق الاقتصادية الموجودة بين . المدن والجبل…”[40]
من خلال كل ما أوردناه نرى جهود البطريركية المارونية التي بذلتها في سبيل ايجاد الكيان اللبناني والمحافظة عليه، وبالتالي المطالبة الحثيثة بعدم دمجه واليقظة من سياسة التَطَبُع والذوبان في مجتمع ظل المجاور، متبعًا بذلك سياسة المحايدة والمحافظة على خصوصيته المميزة.
ثانيًا: حماية البطريركية المارونية للكيان والحريات .
سار البطريرك الياس الحويك على خطى أسلافه البطاركة الذين لم يتركوا فرصة سانحة إلاّ وحاولوا اقتناصها مطالبين بالمحافظة على الاستقلال وصون الحريات والمعتقد، ورفع الجور والظلم عن كاهل المواطنين، حتى ولو كلفهم ذلك في بعض الأحيان التعرض للاضطهاد والتهديد والتنكيل.
سنورد ههنا ولو بطريقة مقتضبة دفاع البطاركة الموارنة عن أبناء جبل لبنان دون استثناء ومطالبتهم بالمحافظة على الاستقلال والحرية ومفهومهم التقليدي لحدود لبنان التي طالب بها البطريرك الياس الحويك في مؤتمر الصلح، لننتقل بعد ذلك لدراسة الأساب التي دفعت اللبنانيين عامةً دون استثناء إلى انتقاء غبطته لترؤس الوفد الثاني والمطالبة بحقوقهم.
- الموارنة ومفهومهم للوطن
فالمارونيّة من حيث النشأة، “هي مذهب فكري لاهوتي مسيحي، له صفته المميّزة المتصلة بحضارة قديمة، هي الحضارة الآرامية السريانية، والمطبوعة بطابع مسيحي خاص، هو روحانية القديس مارون”[41].
عاش الموارنة الانطواء على الذات ومتأقلمين مع طبيعة جبل لبنان الوعرة حيث قطنوا داخل المغاور والكهوف وفي عمق الوادي المقدّس، مشكلين بذلك شعبًا صلبًا، متراصّ الصفوف، غيورًا على كيانه. ففي ظل هذا الوضع استمرت الكنيسة بتأدية دورها القيادي من حيث ارشاد الشعب في الأمور الدينية والزمنية، ومشاركته افراحه واتراحه وصلواته وقضاياه الحياتية ولاسيما المصيرية منها. وهذا ما ذكره قنصل فرنسا في بيروت رستلهوبر، في كتابه “تقاليد فرنسا في لبنان” “ما ان اعتصم الموارنة في جبالهم حتى ألفوا أمة على نصيب كبير من الإستقلال. فقد تمكنوا، في ظلال جبالهم العصيّة من صدّ الزحف العربي، حتى أصبح لبنان وكأنه قلعة مسيحية طبيعية، وقد تنظموا بإدارة اكليروسهم وكبار ملاكيهم تنظيمًا اقطاعيًا قويًا، وعاشوا في جبالهم، مدة طويلة في شبه عزلة، ولم تكن طبيعة البلد ولا أخلاق أصحابها مما يدفع إلى تاسيس المدن، فقامت القرى الكبيرة، وكل منها ملك لأحد الملاكين. وكل قرية أو منطقة كانت لها حياتها الخاصة، حياة زاخرة، ولدت شعورًا وطنيًا محليًا قويًا، وشعورًا وطنيًا شاملاً، ظهر في تعلّق كل فرد بشخص البطريرك، وما كان أقوى هذا الشعور إبان الملمات، في وجه العدو المشترك”[42].
اتصل الموارنة بروما، عبر التاريخ، غير أنهم لم يندمجوا معها على الرغم من محاولات الليتنة والتي اقتصرت على الأمور الروحية والأشكال الطقسية والمفاهيم التعليمية. غير أن هذا الاتصال دفع بالكنيسة المارونيّة بالانفتاح على العالم وأبعد عنهم التقوقع والتحجر.
يمكننا القول أن الموارنة لم يفكروا يومًا من الأيام على تأسيس وطن ديني خاص بهم، فهم حريصون كل “الحرص على الحرية وعلى الأصالة، فلا عدوّ لهم سوى عدوّ حريتهم. والحريّة بالنسبة إليهم هي الحريّة المدنيّة السياسيّة، بدونها لا مجال للحفاظ على أيّ حريّة أخرى، دينيّةً كانت أم غير دينيّة”[43].
- دفاع البطاركة الموارنة عن الحرية والاستقلال
لعب البطاركة الموارنة دورًا بارزًا في تاريخ لبنان، وقد تجلّى ذلك في مطالبتهم المتكرّرة، بالحرية والاستقلال. هذه المطالب لم تكن تحمل أي مآرب شخصية ولا طائفية، إنما هدفها الخير العام دون التفرقة والتمييز. نرى ذلك بدءًا بالبطريرك الأول مار يوحنا مارون الذي عمد منذ اللحظة الأولى لتبوءه السدة البطريركية من توحيد صفوف الموارنة فتحلقوا حوله عامدين المحافظة على تراثهم العريق وحريتهم وكرامتهم في ظل جبلهم الأشم المنيع، وواجهوا كل اضطهاد محدق بهم، كما فعلوا لدى مقاومتهم للزحف الأموي في البقاع وصدّهم للغزاة حتى الغوطة، مما اضطرهم إلى دفع الجزية للامبراطور. وقد وصف لنا المطران يوسف الدبس واقع الموارنة في تلك الحقبة بقوله: “ما هو ظنك ببطاركة الموارنة الذين لم يقيموا في المدن الشهيرة كانطاكية وأورشليم بل في كفرحي بجهات البترون وفي يانوح بجهات جبيل، وبين قمم لبنان الوعرة الصعبة المسالك، مؤثرين العزلة في اصعب المحال مسلكًا على الاقامة في المدن والتعرض للاخطار تعوزهم جميع وسائل العلم والمعرفة”[44].
وفي هذا الصدّد يورد لنا المؤرخ “ريستلهوبر” كيف ان الموارنة في تلك الحقبة كانوا يقومون بالدور الديني والزمني على السواء، كما كانوا يقودون مسيرة تلك الشعوب في وجه الطماعين المعتدين: ” بأن اعتصام الموارنة في جبالهم، جعلهم يؤلفون أمة على نصيب كبير من الاستقلال، فقد تمكنوا في ظلال جبالهم العالية العصيّة من صد الزحف العربي”[45].
أما البطريرك غريغوريوس الأول فقد توالت في عهده الغزوات والنزاعات الدموية مع الجيوش العباسيين في سهل البقاع مما اضطر هارون الرشيد (786 – 809) إلى توقيع معاهدة صلح مع الموارنة “وذلك باهتمام الأمبراطورة ايرينه”، متعهدًا بضمانة حرية المسيحيين وسلامتهم في انحاء الدولة العباسية. نرى ههنا أول مظهر رسمي للاعتراف باستقلال المسيحيين، ونضال الموارنة في سبيل المحافظة على كيانهم وحرية معتقدهم الايماني والوجودي.
في عهد البطريرك يوسف الجرجسي (1100 – 1120) ارتفع رأس الموارنة و”استمروا على عادتهم يحكمهم أعيانهم وامراؤهم على طريقة الاقطاعيين، ومرجعهم بطريركهم”، كما واستعملوا النواقيس النحاسية بدلاً من الآت الخشب، وكانوا أحرارًا في إدارة شؤونهم الداخلية الروحية والزمنية برئاسة بطريركهم. وحافظ الصليبيون على امتيازات البطريرك الماروني واحترموه، إذ رأوا فيه رئيسًا دينيًا وسياسيًا لأمته، ومثلاً لوحدتها القومية [46].
البطريرك دانيال الشاماتي (1230 – ؟) تميز بادارته وبحكمته، فجمع زعماء الموارنة ووحد صفوفهم وجعل لكل منهم حدودًا واضحة لمقاطعته. وفرض الأمن والطمانينة في بلاد الموارنة، مما دفع إلى انتشارهم ونزوحهم نحو مناطق الجنوب. وعرف عهد هذا البطريرك بعهد الازدهار الاقتصادي والعمراني. وأورد الخوري اسقف يوسف داغر حول هذا الموضوع ما يلي: “ان زعماء البلاد اجتمعوا لديه واتفقوا على توحيد كلمتهم لتوطيد اركان الامن في لبنان. ومن ثم انتفت القلاقل، وعكف الناس على أعمال الزراعة، وقطع الادغال، وحفر القنوات وتشيّيد الكنائس. وساد الأمان إلى أن استعرت نيران الحرب بين نواب الشام والمصريين، فامتاز هذا البطرك بما ابداه من مرونة في السياسة، محافظة على حقوق لبنان، ومن الاهتمام في تخفيف ويلات الشعب واغاثة المنكوبين”[47].
أما البطريركان دانيال الحدشيتي وارميا الدملصاوي، فكانا خير الرعاة المتفانيين في الدفاع عن رعيتهم وبذل ذاتهم في سبيلها، لاسيما لدى الخطر المحدق بهم من قبل المماليك الذين شنوا حملات عسكرية على الموارنة في منطقتي جبة بشري وكسروان. تكبد الموارنة نتيجة تلك الحملات خسائر فادحة مما دفعهم إلى التقوقع على نفسهم، والانزواء في مغاورهم المنيعة في وادي قنوبين [48]. ولكنهم ما لبثوا أن عادت وقويت شوكتهم بتعاضدهم فيما بينهم وتعاونهم، ليعودوا وينطلقوا من جديد كطائر الفينيق.
أما البطريرك جبرايل حجولا (1357 – 1367) فكان القائد المقدام والراعي الغيور قاد شعبه ضد الظلم والهرطقات والبدع وضد تسلط الولاة والحكام الذين كانوا يستغلون الشعب ويسلبونه حريته.
هاجم المماليك دير إيليج واعتدوا على رهبانه بالتعذيب والذبح، لكنّهم فوجئوا باختفاء البطريرك جبرائيل الذي لجأ قبل أيام إلى إحدى المغاور القريبة من مسقط رأسه. ومن أجل الضغط على حجولا، “بدأت عساكر المماليك بتنفيذ أمر السلطان، فهاجمت ضيعاً في جبيل والبترون ممعنة فيها قتلاً وتخريبًا” وحول استشهاد هذا البطريرك يورد البطريرك اسطفان الدويهي انه: “وفي سنة 1367، جرى الاضطهاد على رؤساء الكهنة واستشهد في النار بخارج مدينة طرابلس البطرك جبرايل من قرية حجولا، وكان ذلك في شهر نيسان. وإلى اليوم قبره يهب الأشفية لكل من طلبه، وقد اتخذه المسلمون مزارًا ويسمونه الشيخ مسعود”[49]. فالبطريرك حجولا خير مثال عن الماروني الصنديد المدافع عن كنيسته وأبناءه حتى أنه فضل الموت في سبيل قطيعه على أن يصيبهم أي مكروه ويطالهم أي معتدي. كما القائد الماروني الذي يجب أن يحتذى به، الذي يرفض أن يتنازل عن أرضه وحريته واستقلاله للغزاة، ففضل أن يموت وهو واقف حرقًا على أن تدنس أرضه أو يصاب أحد أبناءه بأي أذى. أما البطريرك شمعون (1492 – 1524) فقد وحّد المقدمين ونظم صفوفهم، حتى إذا خرج عن طاعته واحد منهم، وهو المقدّم عبد المنعم، رماه بالحرم. فخرج رجاله عن سلطته حتى قيل أن امراته وأولاده امتنعوا عن مخاطبته. وفي عام 1516، كانت معركة مرج دابق، فانتصر بها السلطان سليم الأول العثماني على قانصوه الغوري الممالوكي، فما كان من السلطان ان عامل أبناء جبل لبنان معاملة حسنة: “فلم يرتب عليهم الا مالاً يسيرًا، وترك لهم الحرية والاستقلال الذاتي، ولم يفرض على البطريرك الماروني الفرمان السلطاني، مع أنه فرضه على بطاركة المشرق”[50].
- مسيرة البطاركة في ظل الحكم العثماني.
سيطر العثمانيون على الشرق الأوسط، وانهوا حكم المماليك، فخضع الموارنة لهم. فقسّم العثمانيون البلاد التي احتلوها إلى ولايات أو أيالات. أما الموارنة فقد تبعوا عمومًا ولاية طرابلس، وألحقت مناطق جبل لبنان الجنوبية، من المعاملتين حتى الشوف بولاية دمشق.
خضع الموارنة لهذا التنظيم غير انهم لم يتوانوا أو يتنازلوا عن مبادئهم ومعتقداتهم الروحية والوطنية. لا بل دخلوا بمرحلة جديدة مع نظام جديد بالمحافظة على حرية ممارسة شعائرهم الدينية واستقلالية أرضهم، وصون كرامتهم.
سنتوقف ههنا عند بعض البطاركة الموارنة الذين ساسوا الطائفة بكل دقة وحزم وحافظوا على رعيتهم ودافعوا عنها، وسعوا إلى ترسيخ أركانها، في ظل النظام الجديد.
نبدأ هذه السلسلة مع البطريرك موسى العكاري (1524 – 1567) الذي أرسل “الأب انطوان الحصروني ابن الحاج فرحات إلى حلب لمقابلة السلطان سليمان خان الغازي، ليعرض على مسامعه ما يحصل من زيادة على جباية الأموال المطلوبة من دير قنوبين. وكان الأب المذكور يجيد التكلم باللغة التركية. فأعجب السلطان بفصاحته وقوة برهانه وجرأته، وانفذ أمرًا همايونيًا إلى قاضي طرابلس للنظر في الدعوى، ولكي لا يسمح لأحد بأن يتعرض للبطريرك الماروني بشيء البتة، وان يصير السهر على ان تبقى حقوق الطائفة المارونية مرعيةً بنوع خاص، وأن يعاقب بشدة كل من يتجاسر على مخالفة الأمر. وتاريخ هذا الأمر في 15 محرم سنة 961 هج أي سنة 1553 مسيحية” وقد عقب هذا الأمر خمسة مراسيم سلطانية تسجلت جميعها في طرابلس ايام حسن بك[51]. كما تواصل البطريرك العكاري مع الامبراطور شارلكان مخاطبًا اياه مخاطبة الندّ للندّ، طالبًا منه التدخل وتوجيه حملة عسكرية لإنقاذ الموارنة والمسلمين من الحكم العثماني[52]، واعادة الاستقلال لجبل لبنان ورفع مظالم العثمانيّين عنهم، وأن الموارنة مستعدين الوقوف إلى جانبه ومساندته في تلك الحملة[53].
يبدو أن هذا البطريرك لم يكن الراعي الصالح فقط للكنيسة المارونية، إنما لكلّ أبناء جبل لبنان ولاسيما المسلمين منهم، فهو تكلم باسمهم وطالب برفع المظالم عنهم، وحفظ كرامتهم وحريتهم. فالبطريركية المارونية هي الأم التي تعطف على المتألم والموجوع، وهي الأب الذي يبذل قصارى جهده وكل طاقاته في سبيل حماية أبناءه.
- البطريرك يوحنا مخلوف (1609 -1633) فقد جمع في شخصه عمق الإيمان والحنكة في السياسة، فكان الراعي الصالح القوي الشخصية، التقي الوقور، الساعي في إقرار الحلف مع الأمير فخر الدين، ومساندته بالانفتاح على الغرب،
رأى الأمير فخر الدين بالموارنة، المفتاح الذي يمكن من خلاله الانفتاح على الغرب. فمال إليهم أولاً مقدمًا لهم الحماية، ومسلمًا إليهم المراكز العليا في الإدارة والجيش، جاعلاً منهم شركاءه بالحكم. كما وبسياسته الحكيمة وبتقربه من البطريرك مخلوف اتخذ من بعض طلاب المدرسة المارونية “سفراء له في الحواضر الأوروبية، وقد ساهموا في وضع أسس سياسته الخارجية، وشاركوا في تنفيذ خططها”، كما واستغل صلتهم الوطيدة بالكرسي الرسولي[54].
- أما البطريرك جرجس عميرة ( 1633 – 1644)، فقد تابع سياسة سالفه فقد كان سفيرًا موفدًا إلى الفاتيكان وتوسكانا، لإبرام معاهدات الدفاع والمطالب الصنديد باستقلال جبل لبنان وبحرية أبناءه سواء كانوا من المسلمين أم من الدروز دون أي تفرقة وتمييز.
كما وعضد خليفة الأمير الكبير الأمير ملحم ىابن الأمير يونس، وزاره في دير القمر، وأرسل رسالة إلى قداسة البابا طالبًا منه أن يعمل كي تعترف الدولة العثمانية بالأمير ملحم، وبحقه في إرث عمه في الإمارة اللبنانية.
- البطريرك يوحنا البواب الصفراوي (1648-1656) تمكن من التواصل مع ملك فرنسا لويس الرابع عشر من خلال رئيس أساقفة طرابلس المطران اسحاق الشدراوي، لطلب الحماية والصيانة الفرنسية للبطريرك الماروني وأساقفته واكليروسه وشعبه، وقد كرّس الملك لويس حمايته للموارنة بمرسوم أبرز ما جاء به: “…أخذنا ووضعنا تحت حمايتنا ورعايتنا الخاصة بمقتضى توقيعنا بيميننا صاحب النيافة البطريرك وكل الاكليروس والموارنة المسيحيّين من رجال دين وعلمانيّين الذين يقطنون جبل لبنان خاصة”[55].
وهكذا احتل الموارنة المقام الأول بين الكاثوليك الشرقيين، كما وتمكن من التدخل من أجل تعيين الشيخ ابو نوفل الخازن نائبًا لقنصل فرنسا في بيروت[56]. وفي عهد البطريرك يوسف اسطفان (1766 – 1793) اعترف الشهابيون عام 1791 بصلاحيات البطريرك القانونية وسلطته القضائيّة من حيث يقضي ويحكم بجميع القضايا والدعاوى التي تحصل في بطريركيته[57]. ونتيجة تحالف الموارنة مع آل شهاب فقد قوي موقعهم وأصبحوا يؤازرونهم بالحكم، فتعاظم دورهم وشهدت الطائفة المارونية تحولات على مختلف الأصعدة[58].
- أما البطريرك يوحنا الحلو (1809 – 1823) فقد عزّز استقلال الطائفة التشريعي والقضائي في ما يتعلق بالاحوال الشخصية، والحقوق المدنية والتجارية والقضايا الجزائية[59].
- في أيام البطريرك يوسف حبيش (1823 – 1845) تمتع الموارنة طيلة فترة توليه السدة البطريركية بمستوى عالي من الحرية الدينية والبحبوحة، فارتفع رأسهم وقويت شوكتهم فانتشرت الأديرة وتملكوا الأراضي، كما ورفع للسلطة العثمانية الشروط المطلوب اثباتها من قبل الدولة العلية والتي تشكل في مجملها “دستورًا” سياسيًا يعطي الجبل حكم استشاري عن طريق تشكيل مجلس من “اثني عشر شخصأ منتخبين بأصوات الشعب….”.
شكلت هذه الشروط المسودة الأولى لطلب حقوق الملّة المارونية، لتستبدل ب”علم الانعامات المطلوبة من حضرة مولانا السلطان عبد المجيد للبطريرك الانطاكي الماروني ولمطارنته واكليروسه وشعبه”.
من خلال ما ورد يمكننا القول أن غبطته تمكن من خلال رفعه للبنود 14 المقدّمة للسلطة العثمانية، من تعيين ممثل له لدى السلطان[60] وبالتالي تشريع استقلالية الموارنة تحت السيادة العثمانية، و”ان الحاكم دايمًا على جبل لبنان وانطيليبان حسب المعتاد القديم لا يكون إلاّ نارونيًا من العيلة الشهابية الشريفة من كون سكان الجبال المذكورة الأكثر عددًا مما سواهم هم موارنة ويكون تنصيب هذا الحاكم الماروني على الجبل المذكور متعلقًا بغير توسط بباب همايوني…”[61].
- تميز البطريرك بولس مسعد (1854 – 1890) بإدارته الحكيمة ورجاحة عقله وأصالة رأيه، ورحابة صدره، مّما مكنّه من قيادة قطيعه، في ظل الظروف الدقيقة والعصيبة التي مرّت بها الكنيسة المارونية. فقد تمكن نظرًا لما له من مكانة مرموقة بين أبناء طائفته من أن يضع حدًا للصراع الداخلي الذي نشب بين يوسف بك كرم وطانيوس شاهين.
كما وكان ذلك السياسي الضليع المتميز ببعد نظره وحسن قراءته للأمور، فقد تمكن بفضل حدّة ذكاءه من قراءة المتغيرات الدولية والنزاعات الناشبة فيما بين الدول العظمى وكل ذلك في سبيل بسط سلطتها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط وسعيها لاقتسام أراضي السلطنة العثمانية. فكانت هذه الدول، تسعى من خلال سياستها الداخلية وعملاءها وسفراءها وقناصلها أن تبث النعرات الطائفية في مجتمع متعدّد الطوائف والمرجعيات. فأخذت كل دولة من تلك الدول تعمل على إحتضان فئة معينة لتكون امتدادًا لنفوذها في الداخل، ولتنفيذ خطتها ومساندتها عندما تدعو الحاجة. مّما أدى في نهاية المطاف إلى ما أدى إليه من مجازر دموية أودت بحياة عدد لا يستهان به من الأبرياء، ودفع بالتالي إلى وضع نظام جديد للجبل تحت رعاية تلك الدول. والبارز أنّ هذا النظام أعاد توحيد جبل لبنان بأقضيته السبعة[62]. ولكن السلطات الفرنسية أرسلت حملة عسكرية “بقيادة الجنرال “دي بوفور” الذي حمل معه مشروع بتوسيع الحدود عبر خريطة وضعها جيش الأركان الفرنسي”[63]، غير أن العثمانيين رفضوا تلك الحدود[64].
زار البطريرك روما كما زار في الرحلة نفسها فرنسا فحظيَ بمقابلة إمبراطورها، ولدى عودته إلى لبنان عرّج إلى الاستانة حيث إلتقى السلطان عبد العزيز الذي احتفى به احتفاءً عظيمًا، وخلال الزيارة طلب البطريرك من السلطان إعفاء مسلمي لبنان من الخدمة بالجيش العثماني؛ وذلك لمساواتهم بمسيحيي لبنان، فوافق السلطان على الفور. وهكذا غدت البطريركية المارونية مرجعًا لجميع الطوائف القاطنة في هذا الجبل والمشكلة تلك الفسيفساء الطائفية[65].
حاولتُ من خلال هذه العرض أن أسلط الضوء ولو بطريقة مقتضبة على دور البطريركية المارونية التاريخي و بعض البطاركة الموارنة في دفاعهم المستميت عن الحرية واستقلالية الأرض والوطن.
فمنذ البطريرك يوحنا مارون لم يساوم الموارنة على الحقيقة ولم يشكلوا جماعة دينية منغلقة متقوقعة على نفسها تسعى إلى بث الأفكار والنعرات الطائفية أو إرساء حكم ديني طائفي ذات لون واحد خاص بها. كما وأنها لم تعمل يومًا على إلغاء الاخر او احتكاره.
فالروحانية المارونية تستقي تعاليمها من الانجيل المقدّس الذي يدعو إلى المحبة والعيش للملكوت. لذا نجدها أول من آمن بالعيش المشترك. وأسهمت في خلق وطن تعدّدي يضمن الحرية والأصالة الدينية والحضارية.
كما وأن الموارنة هم شعب منفتح فقد اتصلوا بجيرانهم المسلمين والدروز وحصل بينهم أول مشاركة بالحكم عام 1516. قامت هذه المشاركة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لا على مبداء تطبيق الشريعة الاسلامية. استغل الموارنة هذا الانفتاح فخرجوا من عزلتهم في الشمال وانفتحوا نحو مناطق الجنوب مما زاد نموهم الديمغرافي، فبنوا الأديار وبنوا الكنائس، وتملكوا الأراضي،…كما وانهم انفتحوا نحو الغرب من خلال المدرسة المارونية والمرسلين الفرنسيسكان، أو من خلال المؤسسات المسيحيّة،…
هكذا أخذت يومًا بعد يوم تتخمر هذه الاختبارات والتجارب والخبرات لبناء وطن تعدّدي يحتضن الجميع ويضمن الحريات الأساسية للجميع.
وما لبنان اليوم ليس سوى نتيجة اختمار هذه الخبرات ونضال البطاركة والكنيسة معًا.
ثالثًا: البطريرك الياس الحويك يقود معركة الاستقلال
إن الازمات السياسية والظروف الدقيقة الصعبة هي التي تضع البطاركة في صدارة الاحداث، وتفرض عليهم التدخل للمحافظة على الكيان والاستقلال وعلى أبناء الوطن. من هنا برز دور وموقع الكنيسة الوطني الأكثر قوة ومناعة.
- البطريرك الحويك ولبنان الكبير
ادرك البطريرك الياس الحويك منذ توليه السدة البطريركية، أن مهامه تتخطى الموقع الديني الروحي الإرشادي، إلى تحمّل مسؤولية وطنه والذود عن مصالح كل اللبنانيّين.
- لماذا اختير البطريرك الياس الحويك لترأس الوفد الثاني
قبل استعراضنا للدور الوطني الذي لعبه البطريرك الحويك، لا بد لنا من التوقف عند العوامل والظروف التي ساهمت في ابراز هذا الدور التاريخي:
- شخصية البطريرك الياس الحويك
- تميزت شخصية البطريرك الياس الحويك بالمهابة والوعي والجرأة وقوة الشخصية وبُعد النظر والثقافة الشاملة. هذا بالاضافة إلى اتقانه عدّة لغات.
- بفضل شخصيته ومواقفه تمكن البطريرك الياس الحويك من اكتساب حب شعبه ودعمه له، فأيقن عظمة هذه الثقة، فغدى المدافع عن مصالحه الدينية والثقافية والسياسية لدى جميع المراجع، سواء أكان ذلك مع الدولة العثمانية، أو فرنسا، أو الفاتيكان. فقال فيه قنصل فرنسا في بيروت، في 12 كانون الثاني 1899: “انه معروف بأنه مرشح الدولة الفرنسية. وهو في طبعه فاضل ومستقيم وصالح ومتمسك بالسلطة ويغار عليها. وهذا الأسقف يؤيده الشعب ويضع ثقته به…”.
- عرف تاريخ بلاده ومعاناة شعبه، فسار على المسار التاريخي عينه للبطاركة اسلافه الذين لم يتوانوا يومًا في الدفاع عن شعبه و المطالبة باستقلال لبنان وصون حريته. فالحدود التي رسمها البطريرك بولس مسعد في كتابه “الدر المنظوم”، هي المناطق التي كانت تابعة للجبل تاريخيًا وقد سلخها عنه الاتراك، وهي مناطق حيوية لتأمين سبل عيش أبناءه، فها هو البطريرك الحويك يطالب بها يطالب بحق اللبنانيين باعادة ما سلخ وما سلب من أرض وطنهم[66].
- حسن قراءته للسياسة الداخلية والاقليمية، بحيث كان الصراع بلغ أوجه بين الدول العظمى المتنافسة على اقتسام أراضي السلطنة العثمانية وبسط سلطتهم ونفوذهم في الداخل من خلال التبني لبعض الطوائف واللعب على النعرات.
- كان مؤمنًا بالتعايش وأن الوطن لا يمكنه أن يقوم إلاّ بامتزاج شعبه وبالتفاهم بين الناس على مختلف طوائفهم ودياناتهم.
- آمن البطريرك الياس الحويك أن الاكليروس هم عصب التقدّم العلمي والثقافي للشعب لذا عمل على تشجيع وتأسيس المدارس في كل قرية، لنشر العلم ومحو الأمية. فقد تميز عهده بإزدياد النشاط التربوي ليشمل العنصر النسائي في القرى الجبلية.
كما وأنه صبّ اهتمامه على تقوية المدارس الاكليريكية، كفتح المدرسة المارونية في روما، من جديد، كما عمل على تفعيل دور العلاقة التاريخية التي تربط بين لبنان وفرنسا، فأرسل تلامذة اكليريكيين للدراسة في كل من باريس في اكليريكية سان سولبيس، وفي مدينتي ليل وروّان وغيرها من الاكليريكيات الفرنسية.
إن الاهتمام في البعد التربوي والثقافي قد ساهم في محو الأمية وبالتالي في نشر الايمان والنضج الفكري والسياسي “بالعلم والايمان نبني الأوطان”. من هنا نرى هذا التحول الكبير الذي شهده لبنان منذ أواسط القرن التاسع عشر من حيث تأسست المدارس والجامعات والمصارف…كل ذلك كان له الفضل في تبلور الأمور ونضجها وبروز طبقة في المثقفين وعدد من الصحف والأحزاب السياسية التي أخذت تعمل إما بالعلن وإما بالسرّ ولكن جميعها كانت تصبو نحو هدف واحد وهو الاستقلال والسعي نحو الحرية والتحرّر.
- عرف عن البطريرك الياس الحويك، بأنه الرجل المثقف لا بل العلاّمة، فقد نال شهادة الملفنة في روما. كما وأنه كان يتقن عدة لغات مّما سهل عليه عمليّة الاتصال والتواصل والانفتاح على الجميع، ولاسيما أثناء التفاوض والاستشارات والمشاورات. فاستطاع بفضل ذلك إيصال أفكاره بشكل واضح وسليم دون الاستعانة بأي ترجمان.
- سبق البطريرك الياس الحويك كل الجماعات المحيطة بلبنان بالدعوة للخروج من العزلة، فحمل مشعل النهضة في الشرق دينًا وأدبًا واتبع نهجًا اقتصاديًا وتربويًا خاصًا مما جعله مثالاً يحتذى به. كما وأنه تميز بفنّ الحوار والدبلوماسية من حيث لم يقطع شعرة معاوية مع أحد، دون مكابرة وعناد، وقد تجلى ذلك في حواره مع جمال باشا الذي حاول مرارًا وتكرارًا نصب المكايد من أجل الايقاع به واعتقاله، ولكنه تمكن بفضل فطنته وحكمته واتكاله على نعمة الروح القدس من مواجهته دون خوف[67]. كما ولدى ترؤسه الوفد الثاني إلى مؤتمر الصلح ومواجهته للمفوض السامي لدى محاولته الانتقاص من حرية الشعب اللبناني، أو حصول إي خلّل أمني أو قانوني أو إتخاذ أي قرار مجحف بحق أبناء الوطن.
- موقع البطريركية والبطريرك الماروني داخليًا
- خروج لبنان من الحرب العالمية الأولى، كمن خرج من غيبوبة، فالانظمة السياسية الداخلية والخارجية تغيرت، وكذلك بدا التضعضع والخلّل لدى بعض القيادات السياسية المحلية، فلم يكن هناك من يسدّ الفراغ ويعيد الثقة للبنانيّين، سوى البطريركية المارونية المتمثلة بغبطة البطريرك الياس الحويك الذي كان خير قائد ومثالاً بالتفاني في سبيل أبناء لبنان[68].
- ثقة اللبنانيين المطلقة بالبطريركية المارونية، وهذا ما تجلى من خلال سلسلة اللقاءات والاجتماعات والمظاهرات التي حصلت في جميع المناطق اللبنانية دون استثناء رافعين العرائض للسلطات المعنية والسياسية مطالبين غبطته بترؤس الوفد الثاني[69]. والجدير ذكره ههنا أن العرائض رفعت من جميع المناطق ومن جميع الأديان، لاسيما تلك المسلوخة عن لبنان من قبل تركيا: جبل عامل، جزين، عكار، بعلبك، البقاع، زحله[70]،… كما وأن أبناء الجاليات اللبنانية المنتشرة في مختلف اصقاع الأرض: كمصر أميركا والارجنتين والبرازيل[71]….أيدوا هذه المطالب ولا بل حتى انهم قد اكتتبوا للمشاركة في تكاليف سفر الوفد.
- ثقة اللبنانيّين المفرطة بغبطته البطريرك، وقد جاءت نتيجة خبرة، لما عاينوه ولما لمسوه أثناء الحرب العالمية الأولى، حين دعى الأساقفة ورؤساء الأديار والأوقاف لمدّ يد العون ومساندة الفقراء والمحتاجين، وبذل كل ما يملكون في سبيل إطعام الجياع، واستقبال المشردين.
- يظهر لنا أنه كان هناك تنسيق داخل البطريركية المارونية بين النخب السياسية والثقافية ضمن الطائفة من جهة، وانفتاح للتعاون مع النخب داخل الطوائف الأخرى من جهة ثانية. كما وكان هناك شبكة من العلاقات المنظمة على مستوى الكتل الشعبية على امتداد المناطق اللبنانية وبلاد الانتشار[72].
- سافر غبطة البطريرك إلى فرنسا بتفويض رسمي من قبل مجلس إدارة جبل لبنان، بصفته ممثلاً للشعب اللبناني، ونزولاً عند رغبة جميع اللبنانيين، دون استثناء، والذين عبروا عن رغبتهم هذه بالمظاهرات التي غصت بهم الشوارع والساحات والطرقات: من جونيه إلى بعبدا…هذا بالاضافة إلى الوفود الشعبية التي زارت بكركي مطالبةً غبطته بالسفر إلى فرنسا ورفع مطالب اللبنانيّين بالاستقلال[73]. وحول هذه المظاهرات والوفود الشعبية سنتوقف عند ما أوردته “المرسل” على صفحاتها واصفةً توافد الأعيان والمظاهرات التي أمت بكركي مطالبةً غبطته بتمثيلهم في مؤتمر الصلح: “فهب أبناء بيروت وأعيانها وأكابرها من الأمم المسيحية يؤلفون الإجتماعات والوفود يؤمون بكركي مقر البطريركية المارونية ملتمسين من ذلك الشيخ الجليل غبطة البطريرك ان يكون وممثلاً عنهم لدى المؤتمر يتكلم بلسان كل فرد منهم ويبلغ إلى مجلس الأربعة تمنياتهم ومطالبهم وقد تألف وفد كبير الشهر الماضي من آل سرسق وتويني وبسترس وطراد وفياض وثابت وبسول وقشوع وطرزي ونصر… من جميع الأسر البيروتية النصرانية وشخصوا إلى بكركي وبيدهم وكالات مسجلة قانونية تنطق بتفويض غبطة البطريرك أن يقوم مقامهم لدى المؤتمر يطلب ضم بيروت إلى لبنان الكبير تحت حماية فرنسا وما انتهى الوفد إلى جونيه لاقاه أبناؤها وأهالي القرى المجاورة بالإحتفال وضروب الإبتهاج والمظاهرات. وبعد أن انتهوا إلى بكركي وقدموا الوكالات لصاحب الغبطة لم يسعه إلاّ إجابة إلتماسهم فجدّد كالنسر شبابه وهو في السادسة والسبعين من عمره وعقد النية على السفر محافظة على حقوق الأهالي وضمانة لحسن مستقبل لبنان وأخذت بعد ذلك تتزاحم الوفود من كل لبنان الكبير على اختلاف مذاهبه على الكرسي البطريركي وبيدهم الوكالات القانونية عن قراهم ومدنهم وعيلاتهم…”[74]
- مكانة البطريرك خارجيًا
للبطريركية المارونية مقامها ومكانتها، على صعيد السياسة الداخلية كما الخارجية. فجميع سفراء وقناصل الدول الأجنبية يدركون جيدًا هذا الموقع، ويسعون إلى أخذ رضاها وبركتها. فإننا في هذه الأسطر الوجيزة سوف نتوقف عند سياسة البطريرك الياس الحويك الخارجية:
- دعمت الحكومة البريطانبة الدروز توازنًا مع دعم فرنسا للموارنة. فانتهى هذا الصراع الدولي بمحنة 1860، بإقامة متصرفية جبل لبنان، على ان يعين السلطان المتصرف بالاتفاق مع القوى الأوروربية. فقسم بذلك لبنان إلى سبع مناطق إدارية.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى احتلت فرنسا لبنان وفقًا لاتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، بين فرنسا وبريطانيا العظمى. هذا هو الواقع السياسي والعسكري للبنان نهاية الحرب العالمية الأولى.
- قامة سياسة البطريرك الياس الحويك، على العدالة والمساواة ونبذ الطائفية بقوله “طائفتي هي لبنان”، وجابه الطغيان بالمنطق والجرأة ولم يخف، ممن كانوا يضمرون له الشر وينصبون له المكايد، والذين سعوا إلى بث الوشايات للسلطان والصدر الأعظم وذلك من أجل تحطيم شخصيته وممارسة الضغط عليه، غير أنه تحدىّ كل ذلك وزار السلطان عبد الحميد في عقر داره، فوقف الأخير لا شعوريًا لدى استقباله، ودعاه لتناول الإفطار على مائدته، ومنحه أرفع وسام في الدولة العثمانية[75].
والجدير ذكره ههنا أن غبطته لدى قراءة خطابه أمام السلطان، كان أحد المترجمين يترجم للسلطان ما يقوله البطريرك، فاجاب: “إني أفهم ما يقول. أقرأ الاخلاص في عينيه”.
- الأمير فيصل لدى دخوله دمشق في أول تشرين الأول 1918، على أثر انتهاء الحكم العثماني، يُعلم البطريرك الحويك بتأسيس الحكومة العربية المستقلة، كما ويطلب منه تأسيس الحكومة العربية في لبنان[76]. جاء هذا الاتصال نظرًا للموقع السياسي والشعبي الذي يحتله البطريرك. كما وأنه نابع من اعتراف علني بدور البطريرك والبطريركية المارونية في لبنان، بأنه لا قيام ووجود له دون الموارنة.
لم يُجب البطريرك على البرقيّة بل فضل التريث ريثما تتبلور الأمور وتتوضح الرؤية، كما وأنه دعى الأميرين مالك شهاب وعادل ارسلان، اللذين انتخبا لإدارة شؤون الجبل، واللذين أبرقا له ليطلعاه على ما جرى، حول تشكيل الحكومة. فكان جواب غبطته بدعوة الاهالي إلى السكينة “وتوقيف كل مخابرة تتعلّق بشؤون البلاد، مكتفين الآن بالحكومة المؤقتة…”[77].
- فيما كانت مواقف وسياسة الامير فيصل تقوم وتدعو على اعتبار لبنان جزءًا من سوريا، وهذا ما أعلنه ودعى إليه رسميًا في مؤتمر الصلح، كان البطريرك الياس الحويك يطالب باعادة ما سلخ من لبنان، واستقلاله عن سوريا[78].
- لجنة الاستفتاء الأميريكية لم تزر أحد من المسؤولين في كُلٍ من سوريا وفلسطين ولبنان، باستثناء غبطة البطريرك التي زارته في مقره البطريركي في بكركي بحضور معظم أساقفة الطائفة، وقد أعلن ذلك بشكلٍ واضح رئيس اللحنة الذي افتتح الاجتماع بالعبارات التالية: “تأكدوا يا صاحب الغبطة أن لجنتنا زارت كل من فلسطين وسورية ولم تمثل بين يدي أحد لأخذ رأيه، بل كان الجميع يمثلون بين يديها لإبداء آرائهم. أمّا الآن فإننا نأخذ رأيكم ونحن بين ايديكم، اعتقادًا منا أنكم تمثّلون أمّة كاملة كما أظهرت لنا وقائع الحال”[79]. إن هذه العبارات تدل على المكانة المرموقة التي تحتلها البطريركية المارونية، على الصعيد الروحي والسياسي، كما وأن جميع المرجعيات الخارجية والداخلية، لا يمكنها أن تتخطاها، نظرًا لما تمثله ولتاريخها العريق، لا بل كان الجميع يمثل لديها لأخذ بركتها والاطلاع على رأيها وموقفها.
كانت ولا تزال البطريركية المارونية، الصرح المشرِّع أبوابه لاستقبال جميع الزوار، ولتزويد كل سائلٍ ومتسائل بالموقف الحكيم والبعيد كل البعد عن التطرف والتمييز.
- عرفت الكنيسة المارونية علاقة وطيدة مع السلطات الفرنسية، فإليها كان يرنو البطاركة ويطلبون الدعم والتدخل عند الحاجة والضرورة. وما قام به البطريرك الحويك ليس سوى اكمال ومتابعة لتلك المسيرة، غير أنه سارها بخطواتٍ حذرة وحكيمة دون أن يفسح المجال للسلطات العثمانية أن تأخذ منه أي مأخذ أو من البطريركية. وهنا لا بد لنا من سرد هذه الحادثة التاريخية التي حدثت في 13 تشرين الثاني 1913، لدى وصول الأسطول الفرنسي إلى ميناء جونيه لإلقاء التحية على البطريرك، فسقط خاتم غبطته في البحر، فتداعى الضباط إلى لإكتتاب لشراء خاتم جديد، وقُدِّم له في يوبيله الأسقفي عام 1914. وفي يوبيله صرّح الجنرال ويغان: “عرفنا ان ابناء هذه البلاد لم يستنيبوا بطريركًا كبيرًا صديقًا لنا فقط بل رجلاً راجح العقل، واسع الصدر، وصداقته تشمل كل الطوائف في لبنان الكبير”.
كما ولا بد لنا من ذكر مبادرة المفوض السامي دي جوفنيل في 6 كانون الأول 1925، والسابقة لتلك التي كان مقرّر أن يقوم بها البطريرك الياس الحويك في نهار 7 كانون الأول: “أتيت إلى الشيخ الشاب حاملاً تحية الجمهورية الفرنسية وانا سعيد أن أرى هذه الجماهير حولك تعتبر وتحترم مقامك وسلطتك الدينية كما تعتبرها فرنسا وتجلّها”.
يظهر من كل ما أوردناه أن السلطة الفرنسية كانت محافظة وتحترم هذه العلاقة الودية مع البطريركية، كما وأنها تجلّ كل الإجلال شخص البطريرك الياس الحويك، الذي كان خير الصديق، والذي تحمل من أجل تلك الصداقة كل اضطهاد وتهديد ومشقة، كما وأنه بالرغم من ذلك لم يساوم يومًا على حقوق أهله ووطنه.
- – فكان السياسي الفطن المرِن، الذي كان يحسن القراءة السياسية للتطورات والتحالفات العالمية والاقليمية ومدى انعكاسها على لبنان. فهو قام بالمفاوضات مع السفارات الأجنبية والباب العالي والقنصلية الفرنسية، وأعاد المطران بطرس البستاني من منفاه.
- لعب الاغتراب اللبناني دوره الفاعل بدعم البطريرك الماروني باتصالاته مع الخارج، كما وأتى دوره مكملاً لما كانوا قد بدأوا بلمطالبة به[80]، ففي سنة 1908 وضع المحامي بولس نجيم في باريس كتابه شارحًا فيه القضية اللبنانية: “لكي يتاح للبنان أن يلعب في سوريا الدور العظيم الذي اسنده إليه التاريخ والطبيعة، اقتضى القيام باصلاح عملي جبار، أوله اعادة النظر في حدوده. فنظاما 1861 و 1864 شوّها لبنان وسلباه بعضًا من أخصب مناطقه. وفوق ذلك لكّه، حرماه من مرفأ بيروت الكبير، بوضع هذا المرفأ تحت إدارة الباب العالي المباشرة. وهكذا لم يعد للتجارة اللبنانية الناشطة المزدهرة منفذ إلى البحر، والباب العالي لا يسمح بإنشاء مرفأ جديد على الساحل اللبناني”.
“الجميع في لبنان ينادون بالاستقلال، ومجلس الادارة يحبّذ الحركة الاستقلالية بكل قواه، ولكن الكرسي البطريركي عزيمته أشد من عزيمة الشعب والمجلس…فنهار البارحة الموافق 3 حزيران كان اجتماع في بكركي مؤلف من جميع الاساقفة للنظر في موضوع الاستقلال فقرّروا ايفاد البطريرك الماروني مع جماعة من اللبنانيين كمندوبين من قبل الشعب بوكالة رسمية منه…”
وفي 16 حزيران 1919، التأم مجلس الادارة مرة أخرى واتخذ قرارًا بالاجماع ينتدب فيه البطريرك إلى مؤتمر الصلح للمطالبة باستقلال لبنان الكبير في حدوده الطبيعية “استقلالاً تامًا إداريًا وسياسيًا”[81].
أما يوسف السودا فيذكر: أخذنا ننشر المقالات ونتصل بوجوه الجالية ومفكريها إلى أن وقف الرأي العام اللبناني على حقيقة الحال، وأقر إنشاء جمعية تحت شعار لبناني لا طائفي غايتها الدفاع عن كيان لبنان وامتيازاته ومحاربة الانضمام”[82].
إن هذه الظروف وسواها كان لها الدور البارز والفعال لاختيار البطريرك الياس الحويك لترؤس الوفد الثاني إل مؤتمر الصلح والحصول على تجاوب فرنسا ومنح لبنان استقلاله.
ثالثًا: البطريركية المارونيّة ودفاعها عن الاستقلال.
شهد تاريخ البطريركية المارونية إلتفاف جميع اللبنانيين، ولمختلف المذاهب، حول مقامها. فهم ينظرون للبطريرك نظرة أب، فهو الوكيل الذي يفوِّضون إليه تأمين مصالحه والمدافعة عن حقوقه، “فهو دائمًا مرجعًا للشعب بكل أموره”[83].
كما ولا يجهل أحد ما للبطريركية المارونيّة من دور فعّال في إشعاع الجو المشبع بالتسامح، والدفاع عن حقوق اللبنانيّين وصوّن حريتهم واستقلالهم، والوقوف إلى جانبهم في المحن والنكبات والكوارث التي عرفها لبنان في تاريخه القديم والمعاصر.
سنتوقف الآن عند دور البطريركيّة المارونيّة في دفاعها عن استقلال لبنان خلال قرن (1920 – 2020)، وذلك انطلاقًا من سلسلة مواقف وتصاريح إدلى بها البطاركة باسم الشعب اللبناني المؤتمنين على مساره في مختلف الأمور الدينية والدنيوية. فالبطريرك الياس الحويك عايش الحرب العالمية الأولى، والبطريرك عريضة الحرب العالمية الثانية، والبطريرك المعوشي ثورة 1958 وأحداث 1970، والبطريرك خريش الحرب اللبنانية منذ العام 1975، والبطريرك صفير الحرب الداخلية داخلية والخارجية داخلية مّما أدى في نهاية المطاف إلى تحرير لبنان من الوجود السوري والاسرائيلي وعودة الأمان والاستقرار. أما اليوم فيواجه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حربًا من نوع آخر وهي أشد ألمًا من الحروب السابقة: فهي حرب اقتصادية سياسية واجتماعية.
- البطريرك الياس الحويك
- ترأس الوفد الثاني لمؤتمر الصلح
كشف البطريرك الماروني الياس الحويك للمفوض السامي الفرنسي جورج بيكو عن رغبته بزيارة فرنسا للمثول أمام مؤتمر الصلح ليطالب باستقلال لبنان. حاول جورج بيكو أن يقنعه بالعدول عن القيام بهذه الخطوة ولكنه لم يفلح. يظهر لنا موقف المفوض السامي هذا استياء السلطة الفرنسية من إلحاح اللبنانيين على الاستقلال، “معتبرة أنّ ذلك يزيد موقفها حرجًا ويحول دون السماح لها باستعمال الورقة اللبنانيّة في مفاوضاتها مع حلفائها، مع فيصل والمطالبين بالوحدة السورية”[84]. كما وأن إصرار البطريرك الماروني بالسفر إلى باريس يدل على أن قضية استقلال لبنان تعلو ولا يُعلى عليها، فلا مساومة على مطالب الشعب بالاستقلال، ولا حتى استغلال ثقتهم من أجل مآرب شخصية وذاتية، حتى ولو مع أقرب الحلفاء وأشدهم صداقة.
هذه أول مواجهة يمكن القول أنها تمت بين البطريرك والسلطات الفرنسية. والتي دعت إياه بعدم المثول أمام مؤتمر الصلح، لرفع مطالب الشعب اللبناني، لا بل كانت بالنسبة له مصدر عزم وتشبث بالقضية الموكلة إليه، فدافع عنها بكل عزم واندفاع متمسكًا بالآمال المعلقة عليه من قبل الشعب.
- استقلال لبنان انطلاقًا من مذكرة مؤتمر الصلح
“ان استقلال لبنان كما أُعلن وكما يفهمه مجمل اللبنانيّين، ليس استقلال الأمر الواقع الذي نجم عن انهيار الدولة العثمانية فحسب، إنه أيضًا استقلال تام إزاء أية دولة غربية ستقام في سوريا”[85]. أما الانتداب الذي سيفرض على لبنان فسيخضع له مؤقتًا، على شرط أن يحتفظ بحقّه كدولة سيّدة مستقلة. على أن يعمل على عدم التفرقة بين الطوائف لا بل أن تسعى فرنسا إلى ترسيخ الوحدة الوطنية.
كما يترتب عليها أن تحترم جميع الحريات، في إطار نظام ديمقراطي، وصون حقوق جميع الاقليات باعتماد التمثيل النسبي في المجالس النيابية المنتخبة. وأن تسعى السلطة الفرنسية المنتدبة على تنمية إمكانية البلاد وتُنشئ المدارس والمؤسسات الوطنية[86].
- البطريرك الحويك بطريرك الوحدة الوطنية
كان البطريرك الحويك لا يعمل لفئة دون الأخرى ولاسيما في القضايا المصيرية والوطنية، وهذا ما ظهر أثناء الحرب العالمية إذا دعى إلى فتح أبواب الأديار امام جميع الجياع دون استثناء، ولدى اجتماع غبطته بجمال باشا في 31 تموز 1915 طلب منه: “…في شأن بعض المنفيين عن لبنان إلى الشام والقدس الذين لم يكن أرجعهم كلّهم من منفاهم. فأجابني جمال: “هؤلاء ليسوا كلّهم من قومك وطائفتك وكان من جملتهم مصطفى بك العماد الدرزي. فأجبته: هذا الأمر لا طائفية فيه. هؤلاء كلّهم من لبنان فلا يجمل أن يعود البعض ويبقى الآخر منفيًا. فأصدر أمرًا في الحال بعودتهم”[87].
كما وكان يدعو: “علينا أن نحب أبناء وطننا ونعيش معهم بسلام ووئام. علينا أن نحبّ الموتى والأحياء منهم، فقد أعطونا حياتهم وجاهدوا من قبلنا في الدفاع عن الوطن…”. كما وأنه كان يعتبر حبّ الوطن لا يمكنه أن ينفصل أبدًا عن الايمان وهذا ما أعرب عنه بخطابه في كنيسة مار جرجس المارونية بيروت – غداة عودته من مؤتمر الصلح – بيومين: “ولكن كلّنا شعب واحد بدون تمييز بين المذاهب والطوائف…ويجب على الشعب أن يحبّ وطنه بعد الله”[88].
وعلى أثر لقاءه بالجنرال ساراي أعلن: “وقد اشتغلت دائمًا للسلام بقولي وعملي ومع اني بطرك الموارنة. فقد انتدبني أبناء لبنان كلهم لاطلب لهم استقلال بلادهم إذًا انا لكل واحد منهم لا للموارنة فقط”[89]. ولما زاره أعضاء المجلس النيابي في عام 1926، صرّح رئيس المجلس موسى نمور لما زار غبطته: اننا قد اتينا لنستقي دروس الوطنية من ينابيعها، فكان جواب غبطته: ” فلتكن لي السلوى قبل أن افارق هذه الدنيا أن أكون مطمئن البال إلى استعدادتكم الطيبة فلا تكون مساعينا ذهبت أدراج الرياح، بل أخذت تتحقق على يدكم، يعزيني أن أراكم على مصلحة لبنان متفقين، عارفين أنه لا يوجد في لبنان طوائف بل طائفة واحدة ادعوها لبنانية تريد مصلحة لبنان”[90].
- دفاع البطريرك الياس الحويك عن وحدة الوطن واستقلاله
تمسك البطريرك الحويك باستقلال لبنان وكان المدافع الشرس عنه، فقد واجه الجنرال غورو يوم زاره في أواخر سبتمبر من العام 1921 معربًا: “هذا وإن لبنان لم يرضخ يومًا من الأيام لحُكم أجنبي. إن جدودنا وآباءَنا ما ارتضوا بهذه الجبال الجرداء ينزلونها معتصمين، إلاّ وهمهم الوحيد حماية حريتهم وحقوقهم فلا تصل إليها وإليهم يدُ الغزاة الفاتحين”.
“واليوم إذا كان استقلال لبنان في خطر فأنا، رغم شيخوختي، بل رغم ما تكبدته من المشاق وعانيته من التعب في السفرة الأخيرة، أنا أركب البحر بلا اهمال فأذهب إلى باريس ولن أعود منها إلاّ وفي يدي عهدٌ خطي رسمي أن الاستقلال امر نهائي ثابت لا رجوع فيه.
وأنا أرى أنهم في أوروبا يتكلَّمون كثيرًا عن سوريا ولا يذكرون لبنان. فنحن نريد أن تعترف الدول باستقلال لبنان كما اعترفت به فرنسا. بل نطلب أن تُقِره وتعتمدَه جمعية الأمم.
يا حضرة الجنرال، نحن نثق بك، ونثق بفرنسا، لكن يجب ان لا تُمد يدٌ إلى استقلال لبنان. وإذا مُسَّ يومًا، فأنا أؤكد لكم أن البلاد تهُبُ بل تشتعل على مسِّه احتجاجًا”[91].
لم تمضي بضعة سنوات حتى عاد موضوع استقلال لبنان وترسيم حدوده تظهر إلى الساحة من جديد، لاسيما إبان الثورة السورية الكبرى 1925 – 1927، والتي حملت السلطات على إعادة النظر في العلاقات اللبنانية السورية. فلم يقدم الكولونيل دي جوفينيل إلى حلّ الخلاف والنزاع إنما ترك باب الاشاعات مفتوحًا بأن فرنسا ستعمل على تغيّير الحدود اللبنانيّة السورية. ففي لقاء جمع بين البطريرك الياس الحويك والمفوض الفرنسي بالوكالة دو ريفي نسمع لهجة غبطته ترتفع لتصل لحدّ التهديد إذ يقول: “اننا ذهبنا إلى باريس فأثبت لنا المسيو بونكاريه والمسيو كليمنصو محافظتهما على التقاليد وعلى استقلال لبنان بحدوده الحالية. فعلما هذه الضجة التي تثيرونها، طارةً بسلخ هذه المدينة وطورًا بفصل طرابلس وإلحاقها بالوحدة السورية. اننا نحب السعادة والخير والرفاه لسوريا. ولكننا نحافظ على حقوقنا في الوقت نفسه. إن طرابلس هي جزء متمم لأراضي لبنان فهؤوها لبناني، ومياهها لبنانيّة، وثروتها من لبنان، فكيف يعقل أن تجتازوا بها الأراضي اللبنانية لتوصلوها إلى سوريا وهي لم تكن من سوريا قط، حتى في ايام تركيا لأنها كانت تابعة لولاية بيروت…”[92]
أما الدفاع عن وحدة هذا الوطن فهي منوطة: “بنظام جنديّتها تدافع عن حدود الوطن وتمنع الأجانب من الإستيلاء عليه قسرًا – تسعى لنظام الحياة الاقتصادية، وتدرّب على الزراعة وعلى استثمار المعادن – تسهر على مصلحة الريّ والإنارة والملاحة – تساعد على تصدير الحاصلات إلى الخارج إنماءً للثروة، كما وتسهل نشر المعارف والفنون، وتصنع بشرائعها حاجزًا في وجه المظالم”.
نستنتج أن البطريرك قد فهم بسرعة أن القومية اللبنانية هي الحلّ للبنان وشعبه. بحيث كما رأينا من بعض المواقف أنه لم يكن يطالب بامتيازات خاصة لطائفته إنما لجميع أبناء الوطن، معتبرًا أن الجميع أبناءه: “لم أطلب أبدًا امتيازات للطائفة المارونية ولم أطلب أبدًا حقوق للموارنة اكثر من بقية أبنائي اللبنانيين. إن رؤية الوحدة وحدة الشعب في خدمة الوطن العزيز لهي أثمن شيء عندي. ليبارك الله كل الذين يريدون خير لبنان إلى أية طائفة انتموا”. وغداة عودته من مؤتمر الصلح صرح أمام الجماهير الغفيرة التي كانت باستقباله: لما رأيت اجماع كلمتكم عليّ لم أجد بدا من تلبية طلبكم رغمًا عما كان يعترض مهمتي من المصاعب. وأنا الآن أشعر بفرح كبير لأني تمكنت من أن أحقق هذه الثقة وأتيح لي أن أطلعكم على الحقيقة بذاتي. دق كان اتحادكم من أسباب نجاحي وسيكون من اتحادكم من أسباب نجاح الوطن”[93].
- البطريرك الحويك والشؤون الاجتماعيّة والانسانيّة
إن البطريركيّة المارونية بقيت أمينة للحركة التاريخية، كما وظلت تخاطب أبناءها واللبنانيين جميعًا في امورها الحياتيّة بوجهيها الديني والدنيوي. من هذا المنطلق لم يفصل البطاركة الأمور الدينية عن الأمور الاجتماعية بحكم أرتباطها بالشعب ارتباطًا إيمانيًا عقائديًا وزمنيًا و وجدانيًا. والهدف من وراء ذلك إيثار الحق على الباطل، والصدق على الكذب،…وبناء مجتمع لبناني معافى تسوده العدالة الإجتماعية والسلام والوأم.
فنرى غبطته، أثناء الحرب العالمية الأولى، يدين تصرفات وتآمر بعض الأشخاص على أبناء الوطن بحيث كانوا يقومون بضروب التعسف والظلم بالايتام والأرامل واحتكار بعض الأصناف المعيشيّة ومصادرة بعض السلع: “لم تكن لنفسنا راحة من جراء ما كنّا نشاهده من تفنّن رجال الحكومة التركية في ضروب العسف والظلم وقيام فئة وإن قليلة من أبناء البلاد لمساعدتهم على الايقاع بإخوانهم والمتاجرة بأرواحهم فاندفعوا بعامل الطمع الممقوت وحبّ الاتجار الذميم إلى تضييق الخناق على رقاب العباد إذ لم يدعوا صنفًا من الأصناف اللازمة للمعيشة إلاّ احتكروه ولا مدخولاً وإن زهيدًا من مداخيل الشعب المسكين إلاّ صادروه”.
من هنا كانت دعوته للميسورين لمساندة الفقراء والمساكين بقدر الامكان، وايجاد فرص عمل لهم، ففي المنشور السادس عشر الذي وجهّهه للاكليروس والعلمانيّين ما يلي: “ومن أنواع الإسعاف للمحتاجين تشغيلهم بما يقدرون عليه. فمن تيسّر له أن يشغل البعض منهم ويدفع لهم أجرة تعبهم فيفيدهم ويستفيد منهم”[94]. كما ودعى أبناء الوطن إلى الهروب من البطالة والانكباب على العمل: “الواجب عليكم أن تكونوا رجال شغل وعمل”[95]؛ “لا جرم ان المسيح كان يؤازر القديس يوسف في الشغل بحرفة النجارة…ومن المحتمل على رأي بعض العلماء المشاهير أنه تعالى قد تعاطى مهنة بعد وفاة والقديس المذكور لأنه لم يُدع في الاناجيل المقدّسة ابن النجار فقط بل دعي نجارًا أيضًا كما ورد في مرقص وأراد بذلك…أن يبكت الأغنياء الذين يحتقرون ذوي المهن والوضيعة وأن يعلّم هؤلاء أن لا يأنفوا أن يشتغلوا في مهنهم”[96].
لم يكتفِ غبطته بتوجيه المواعظ والإرشادات، بل كان خير مثال وقدوة في المبادرة التي قام بها بفتح أبواب البطريركية على مصراعيها، لاستقبال القفراء والمعوزين: “وظل يفرق على الفقراء دون تمييز بين دين ودين ولا بين طائفة وأخرى مدّة أربع سنوات متوالية، فلم يمرّ يوم إلاّ وتتدفق من القصر البطريركي الخيرات على البؤساء والمساكين”، “افتحوا البطريركية وأعطوا، أعطوا الجميع. البطريركية هي أم، هي أم جميع اللبنانيّين”. كما وأمر الكهنة بفتح الأديار أمام المهجرين والجائعين، واوصاهم محددًا واجباتهم بكل دقة: “تنافسوا في أعمال الغيرة الرسولية وبكلما توجبه وظيفتكم والرسوم البيعية. حرّضوا أبناءكم في هذه الشدة على التسليم المطلق لمشيئة الله القدوسة….” وفي رسالة 18 شباط 1916 الموجهة إلى المطران انطوان عريضة يقول: “…نحرّضكم ونتوسل إليكم بأحشاء ربنا يسوع المسيح بأن تتابعوا عملكم المقدّس بمساعدة المساكين الذين وصلوا في بعض الأماكن إلى حالة تستدعي بذل النفس والنفيس في إغاثتهم قبل أن يدركهم الموت جوعًا…”[97]
أما فرنسا فقد تدخلت وتواصلت مع غبطته لأجل مساعدة اللبنانيين لوضع حدٍ للمجاعة وذلك من خلال رهن أملاك البطريركية لتأمين المؤونة للشعب. وبعد احتلال جزيرة رودس من قبل الجيش الفرنسي، أوكل إلى المطران بولس عقل لكي ينظم سريا المساعدات المرسلة من قبل المهاجرين إلى أهلهم في لبنان بمعاونة السيّد ترابو حاكم الجزيرة. وعند انتهاء الحرب اهتم البطريرك بإعادة المبعدين والمنفيين اللبنانيّين والسورين إلى الوطن الأم.
والجدير ذكره ههنا أن البطريرك الياس الحويك، لم يهتم فقط بالموارنة واللبنانيّين فقط، إنما بجمع أطفال الأرمن اليتامى في مدرسة الآباء العازاريين في عينطورة، ولأجل هذه الغاية أمر بجمع الأموال والملابس من منطقة كسروان لمساعدتهم، كما وأهتم بايجاد مأوى للمهجرين الأرمن في لبنان.
- البطريرك الياس الحويك والشؤون الاقتصادية
آمن البطريرك الياس الحويك باللبناني وبحدّة ذكائه وقدرته على الاستيعاب وسرعت التأقلم والتقدم والتطور، لذا نسمعه يصرح في مقابلة أجريت معه في باريس غداة مثول في مؤتمر الصلح بأن: “اللبنانيين على أتم الاستعداد للسير في معارج الرقي والتقدم ويشهد على ذلك أولئك الذين جلوا من وطنهم إلى كافة أرجاء العالم فاحرزوا فوزًا عظيمًا ونجاحًا باهرًا لا يستهان به. وأن الشعب اللبناني شعب ذكي نشيط يرغب في الصائع ولا نيقصه سوى معدات الأعمال التي يرجو نيلها من فرنسا الكريمة”[98].
كما وأنه أدرك أهمية الاكتفاء الذاتي والسعي إلى أن تفي منتوجات البلاد حاجات السكان: ” والوطني الصميم يقتصد في مأكله ومشربه وملبسه وأثاثه وترفه لمساعدة المصلحة العامة. وإذا أردنا وطنًا حقيقيًا فلنتعلم الاقتصاد قبل كل شيء تاركين البذخ جانبًا، ومستعملين محصولات بلادنا أولاً، وعند الاضطرار نعود إلى محصولات وبضائع الاجانب”[99].
إن أساس الاقتصاد السياسي هو الابتعاد عن التبعية الاقتصادية، لقد شاء الحويك أن يكون لبنان وطنًا قادرًا بمحاصيله الزراعية وأمكاناته ولو البسيطة الاستغناء عن جيرانه، مستفيدًا بذلك من خبرة المتصرفية التي لقنت أبناء الجبل درسًا قيّمًا بسياسة الاتكال على الذات والاكتفاء الشخصي.
- حياد لبنان
رأينا دفاع البطريرك الياس الحويك المستبسل في سبيل استقلال لبنان، كما وسنرى كذلك دعوته لحياده عن الصراعات الداخلية والخارجية، وقد برز موقفه هذا عندما تمّ وضع دستور لبنان عام 1926[100]، إذ دعى المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفنال أن ترسل له حكومته نسخة من دستور سويسرا (المحايدة) بعدما وجده مناسبًا للتركيبة اللبنانية.
(يتبع)
[1] غربي غالي : دراسات في تاریخ الدولة العثمانیة والمشرق العربي (1288 – 1916)، دیوان المطبوعات الجامعیة ، الجزائر ، 2007، ص 206؛ بینر مانسفیلد : تاریخ الشرق الأوسط ، تر : عبد الجواد سید ، الفتح للطباعة ، الإسكندریة ، 2006 ، ص30؛ النُعماني، بسام عبد القادر، بعد 100 عام من اتفاقية سايكس – بيكو: قراءة في الخرائط، تونس، 2016، ص 1.
[2] جورج بیكو( PICOT GEORGES) 1870-1951 : دبلوماسي فرنسي تنقل في مناصب السلك الخارجي وإ شتهر بكونه الطرف الفرنسي في الإتفاقیة، كان قنصلا في بیروت عام 1914، عين مندوبًا مكلفًا بمفاوضات الحكومة البريطانية، بشأن مستقبل الولايات العربية في السلطنة العثمانية، مع مندوب الحكومة البريطانية السير مارك سايكس عضو مجلس العموم البريطاني، أجرى مباحثات مع الملك حسین في الحجاز، ولما إنتهت الحرب أصبح أول مفوض سامي لفرنسا في لبنان من العام 1917 حتى 1920. فتحي، نجدة صفوة: الجزیرة العربیة في الوثائق البریطانیة نجد والحجاز(1914 – 1915)، ج1 ، دار الساقي ، بیروت ، 1996، ص 71.
[3] مارك سايكس: SYKES TATTON MARK(1879 -1919) سیاسي بریطاني ودبلوماسي، عمل ملحقًا عسكريًا في اسطنبول، عضو مجلس العموم البريطاني ومندوب سياسي بريطاني لشؤون الشرق الأوسط، إهتم كثیرًا بالمسائل الشرقیة من خلال كتاباته ورحلاته الكثیرة من طرف الدولة العثمانیة
TOYNBEE ARNOLD, WESTEM QUESTION IN GREESE AND TUEKEY, ASTUDYIN THE CONTRASTE OF CIVILIZATIONS, HOWARD FERTING, 1970, P48.
[4] عبد الرحمان برج : دراسة في التاریخ العربي الحدیث والمعاصر ، مكتبة الأنجلو المصریة ، القاهرة ، 1977 ، ص223؛ أنطوان، الحكيم، من اتفاق سايكس بيكو إلى دولة لبنان الكبير، مجلة الدراسات الأمنية، والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية، العدد 83، 2020، ص 98-99؛ خوري، فيليب، سوريا والانتداب الفرنسي سياسة القومية العربية 1920 – 1945، ترجمة مؤسسة الابحاث العربية، بيروت، 1997، ص 55- 58.
[5] زين، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، بيروت، 1971، ص 92؛ أنطوان، الحكيم، من اتفاق سايكس بيكو إلى دولة لبنان الكبير، مجلة الدراسات الأمنية، والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية، العدد 83، 2020، ص 98-99.
[6] راجع بنود هذه الاتفاقية النُعماني، بسام عبد القادر، بعد 100 عام من اتفاقية سايكس – بيكو: قراءة في الخرائط، تونس، 2016، ص 7 -34؛ خليفه، عصام، لبنان والمياه والحدود 1916 – 1975، بيروت، 2012، ص 9 – 32.
[7] نشرت جريدة “النهار” هذا البيان في عددها 11814، تاريخ تموز 1973.
[8] حلاق، حسان، تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1952، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان،1976، ص 57؛ زين، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، بيروت، 1971، ص 84.
[9] حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية في ترجمة معلي منار الطائفة المارونية، مطبعة المرسلين اللبنانيين الموارنة، جونيه، 1935، ص 583؛ مزهر، يوسف، تاريخ لبنان العام، ج2، ص 867.
[10] راجع؛ جورج أديب كرم، لبنان تسعة أيام من 27 أيلول إلى 6 تشرين الأول 1918، بيروت، 2014، ص 34.
[11] يبدو ان هذه البرقية وجهت أيضًا الى “الشعب اللبناني”، بواسطة مخاتير القرى معلنة “أن سوريا اعلنت استقلال العرب، وعلى اللبنانيين الذهاب إلى بعبدا لتأليف “حكومة استقلالية”” زين، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان،…ص 220، حاشية 25.
[12] ىل صفا، محمد جابر، تاريخ جبل عامل، ص 221 – 225.
[13] راجع بهذا الخصوص، الحكيم، يوسف، بيروت ولبنان في عهد آل عثمان، بيروت، 1964، ص 192؛ مزهر، يوسف، تاريخ لبنان العام، ج 2، د.ت، ص 863 – 864.
[14] كرم، جورج أديب، لبنان تسعة أيام من 27 أيلول إلى 6 تشرين الأول 1918،…ص 43.
[15] حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية، جونيه، 1935، ص 580.
[16] اوفدت هذه الحكومة شكري باشا الأيوبي إلى لبنان، سعيًا لانشاء حكومة موالية للحكومة العربية القائمة في دمشق، ولكنها واجهت عقبات كثيرة وفشلت هذه المبادرة راجع: الحكيم، يوسف، سورية والعهد الفيصلي، بيروت، 1966، ص 22-23؛ زين، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط، وولادة دولتي سوريا ولبنان،…ص 216.
[17] الخوري، بشارة خليا، “حقائق لبنانية”، الجزء الأول، بيروت، 1960، ص 92؛ الحكيم، يوسف، سورية والعهد الفيصلي،…ص 312؛ كرم، جورج ديب، لبنان تسعة ايام…ص 52- 56.
[18] ضاهر، مسعود، تاريخ لبنان الاجتماعي 1914 – 1926، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثالثة، 2015، ص 37؛ Jean, Pichon, le Partage du Proche Orient, Paris, 1936, p142
[19] أنطوان، الحكيم، من اتفاق سايكس بيكو إلى دولة لبنان الكبير، مجلة الدراسات الأمنية، والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية،…ص 100 – 102؛ الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920، الدار اللبنانية للنشر الجامعي، بيروت، 2018، ص 152.
[20] Hokayem, Antoine, Bittar, Marie – Claude, L’Empire ottoman, les arabes et les grandes puissanses, 1914-1920, collection l’ histoire par les documents, VI, Beyrouth, Les Editions Universitaires du liban, 1981, p 23-25, doc n°11C.
الخوري، بشارة، حقائق لبنانية، الجزء الأول، بيروت، 1960، ص 278 -279.؛ شعيب، علي عبد المنعم، تاريخ لبنان من الاحتلال إلى الجلاء 1918 – 1946، دار الفارابي، بيروت، 1990، ص 19
[21] “من الشمال النهر الكبير، ومن الجنوب القاسمية، ومن الشرق سلسلة جبال لبنان الشرقية، بحدود الأقضية الأربعة: بعلبك، البقاع، حاصبيا، وراشيّا. ومن الغرب البحر. وذلك طبقًا لخارطة لبنان التي وضعها، في العام 1862، مجلس قيادة الحملة الفرنسية إلى سورية بناءً على التحقيقات التي قامت بها الفرقة الطوبوغرافية التي رافقت تلك الحملة في العامين 1861 – 1862. إن لبنان بحدوده هذه يضم مدن طرابلس وبيروت وصيدا، وأقضية عكار وبعلبك وحاصبيا وراشيا وصيدا ومرجعيون…” الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920،…ص 164؛ المرسل، السنة السادسة، 29 كانون الثاني 1919، ص1؛ الأب ريمون هاشم، الانتداب الفرنسي على لبنان، ظروفه واقراره، دولة لبنان الكبير، اعلان الدستور، منشورات الجامعة الانطونية، 2007، ص 88 – 91.
[22] حول هذه الوفود والمظاهرات المطالبة باستقلال لبنان وتكليف غبطة البطريرك، سنتكلم فيما يلي.
[23] حول تجولات هذه اللجنة راجع: جريدة المرسل، السنة السادسة، العدد 428، السبت 5 نيسان 1919، ص 1؛ والعدد 432، الأربعاء 23 نيسان 1919، ص2؛ والعدد 434، الأربعاء 30 نيسان 1919، ص 3، وراجع أيضًا: الحداد، حكمة، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة، دار نظير عبود، 1996، ص 112؛ Rabbath, Raymond, Formation Historique du Liban Politique et constitutionnel, essai et synthese, Librairie Oriental, Beyroth, 1973, P 284
[24] حول اعمال اللجنة في لبنان راجع: جريدة المرسل، السانة السابعة، الأعداد 472 -473، السبت 24 والأربعاء 27 أيلول 1919، ص 2
[25] حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية، جونيه، 1935، ص 593.
[26] البطريرك الماروني واللجنة المركزية، المرسل، السبت 13 أيلول 1919، العدد 469، ص 1-2.
[27] راجع جريدة المرسل، العدد 449، السنة السابعة، الأربعاء 2 تموز 1919، ص 1؛ والعدد 450، السبت 5 تموز 1919، ص1
[28] الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920،… ص 173؛ جريدة المرسل، السنة السابعة، العدد 457، السبت 2 آب 1919، ص 2، الحداد، حكمة، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة، دار نظير عبود، 1996، ص 116.
[29] جريدة المرسل، السنة السابعة، العدد 462، الأربعاء 20 آب 1919، ص 2.
[30] سفر صاحب الغبطة بطريرك الأمة المارونية إلى مؤتمر باريس، المرسل، الاربعاء 10 أيلول سنة 1919، العدد 468، ص 2 – 3.
[31] ماتي غبطة البطريرك في رومية، المرسل، الاربعاء 17 أيلول 1919، العدد 470، ص 1 -2؛ حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية،… 598.
[32] الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920،… ص 177؛ الخوري، الخوري إسطفان ابراهيم، مجاعة أهالي جبل لبنان خلال الحرب الكونية الأولى (1914 – 1918)، منشورات المركز الوطني للتوثيق والأبحاث، لبنان، 2016، ص 24 -26؛ ملاط، هيام جورج، منطق لبنان الكبير: “لا ” لانضمام جبل لبنان إلى سوريا “لا” لانضمام الليطاني وحرمون إلى فلسطين، مجلة مرايا التراث، العدد الحادي عشر، خريف 2019 / شتاء 2020، ص 62.
[33] الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920،… ص 177؛ الخوري، الخوري إسطفان ابراهيم، مجاعة أهالي جبل لبنان خلال الحرب الكونية الأولى (1914 – 1918)، منشورات المركز الوطني للتوثيق والأبحاث، لبنان، 2016، ص 24 -26.
[34] الحكيم، أنطوان، من متصرفية الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920،… ص 178.
[35] جريدة المرسل، السنة السابعة، العدد 511، السبت 28 شباط 1920، ص 3.
[36] حول أعمال هذا الوفد راجع: شعيب، علي عبد المنعم، تاريخ لبنان من الاحتلال إلى الجلاء 1918 – 1946، دار الفارابي، بيروت، 1990، ص 22؛ الأب ريمون هاشم، الانتداب الفرنسي على لبنان، ظروفه واقراره، دولة لبنان الكبير، اعلان الدستور، منشورات الجامعة الانطونية، 2007، ص 143 -184؛
[37] راجع بهذا الخصوص جريدة “البرق” عدد 3311، تاريخ 21 كانون الثاني 1920؛ مزهر، يوسف، تاريخ لبنان العام، ج2، …ص 909.
[38] ترأس هذا الوفد: سيادة المطران عبدالله الخوري، وعضوية كُلٍ من الأمير توفيق ارسلان، والشيخ يوسف الجميل، والاستاذ امثل اده والسيّد الفرد سرسق (كان في باريس). وكامل الأسعد، وانضم اليهم فيما بعد المطران كيرلس مغبغب.حول هذا الموضوع راجع: سلامه، سامي، مفكِّرة المطران عبد الله خوري يومياته إبان المفاوضات من أجل لبنان الكبير، باريس 1920، منشورات جامعة سيّدة اللويزة – لبنان، مكتب الابحاث والانماء، 2001.
[39] الأب ريمون هاشم، الانتداب الفرنسي على لبنان، ظروفه واقراره، دولة لبنان الكبير، اعلان الدستور، …، ص 184 – 189.
[40] الحكيم، أنطوان، من اتفاق سايكس بيكو إلى دولة لبنان الكبير، مجلة الدراسات الأمنية، والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية، العدد 83، 2020، ص 100-102.
[41] نعمان، الأباتي بولس، نشأة الكنيسة المارونية وعلاقتها بالقديس مارون وبالوطن اللبناني، ضمن إطار كتاب “المارونية في امسها وغدها”، مجموعة محاضرين، الكنيسة في الشرق 1، منشورات دير سيّدة النصر نسبيه – غوسطا، 1997، ص 21.
[42] Ristelhueber, R, Les Traditions Francaises au Liban, Paris, 1925, p 15, 35 – 40.
[43] المجمع البطريركي الماروني.
[44] الدبس، المطران يوسف، تاريخ سوريه، المجلد الخامس، ص 367.
[45] الحداد، حكمة ألبير، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة ، دار نظير عبود، 1996، ص 20 – 21؛
Ristelhuber, Renee, Tradition francais au liban, Paris, 1918, p15-17.
[46] داغر، الخوارسقف يوسف، بطاركة الموارنة، بيروت، 1957، ص 25.
[47] داغر، الخوارسقف يوسف، بطاركة الموارنة،… ص 31؛ فهد، الأباتي بطرس، بطاركة الموارنة واساقفتهم من 685 إلى القرن 12، دار لحد خاطر، بيروت، 1985، ص 187.
[48] حول تلك الحملات راجع: سعاده، الأب اغناطيوس، من هو البطريرك الذي اعتقله المماليك في الحدث سنة (1283)؟، المنارة (1984)، والمقال عينه تم نشره الكاتب في في على دروب التاريخ ، رجال وأعمال، منشورات الرسل، 2000، ص 86 – 116؛ الجميل، بطرس، زجليات ابن القلاعي، بيروت، 1982، ص 94؛ الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الازمنة، مخطوطة الكريم، ورقة رقم 115، أما طبعة فهد، جونيه، 1976، ص 261؛ السمراني، الأب فيليب، السلطان قلاوون في لبنان وسوريا، في مجلة المنارة(1934)4، ص 203 – 207؛ ضو، الأب بطرس، تاريخ الموارنة، المجلد الثالث، 1976، ص 472 – 476، الدويهي، البطريرك اسطفان، سلسلة بطاركة الطائفة المارونية، طبعة الشرتوني، بيروت، 1901، ص 26.
[49] بدوي، سليم، البطرك مسعود، دار سائر المشرق، 2016.
[50] الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الأزمنة، نشره الأب كريستيان توتل، ص 236؛ فهد، الأباتي بطرس، بطاركة الموارنة وأساقفتهم القرن 16، دار لحد خاطر، بيروت، 2001، ص 27.
[51] الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الطائفة المارونية، ص 165؛ الدبس، المطران يوسف، الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل، ص 287؛ داغر، الخوراسقف يوسف، بطاركة الموارنة، 1957، ص 46؛ الملاح، عبدالله، البطريركية المارونية والفرمان العالي الشأن، في المنارة (1985)1-2، ص 234.
[52] “بين المسلمين والاتراك عداوة حتى الموت. لأن هؤلاء احتلوا أرضهم؛ لذلك فهم يكرهونهم كل الكره، والاتراك ليس فقط لا يثقون بهم، بل يسيئون معاملتهم في أشخاصهم ومقتينياتهم، فيعاملونهم كأسرى أكثر منهم كخدّام. وبالواقع، ليسوا اسياد ممتلكاتهم، وهم يائسون ويصلّون إلى الله كي يأتي المسيحيون ويستولوا على هذه الأرض انتقامًا لهم من اعدائهم. ويعرفون بالخبرة ان المسيحية قد عاملوهم افضل من الأتراك. صدقوني، وأنا أكتب الان عن وعي كامل، انه ما ان يأتي االجيش المسيحي إلى هذه الأرض حتى ينتفضوا كلهم ضد التركي”. سعاده، الأب اغناطيوس، البطريرك موسى العكاري والامبراطور شارلكان مشروع حملة صليبية، على دروب التاريخ، رجال وأعمال، منشورات الرسل، جونيه، 2000، ص 176.
[53] حول تلك الحملة راجع: سعاده، الأب اغناطيوس، البطريرك موسى العكاري والامبراطور شالكان مشروع حملة صليبية،…ص 165 – 186.
[54] سافر مطران قبرص جرجس بن مارون عدة مرات إلى أوروبا وروما مرسلاً من قبل الأمير، كما وفعل ذلك الخوري يوحنا الحصروني الذي قابل قداسة البابا أوربانوس الثامن حاملاً إليه رسالة من الأمير، كما قام بالدور عينه ابراهيم الحاقلاني. حول هذا الموضوع راجع: أبو نهرا، جوزيف، الاكليروس والملكية والسلطة ابحاث في تاريخ لبنان الاجتماعي والاقتصادي، دار النهار، بيروت، 2007، ص 13 – 36؛ قرألي، الخوري بولس، فخر الدين المعني الثاني حاكم لبنان ودولة توسكانا ( 1605 – 1635)، روما، منشورات المجلة البطريركية، 1938؛ رعد، مارون، مقام الأمير فخر الدين المعني الثاني في الغرب، بيروت، 1980؛ ماريني، جيوفاني، تاريخ فخر الدين أمير الدروز الكبير، ترجمة عن الايطالية الأب بطرس شلفون، بيروت الدار اللبنانيية للنشر الجامعي، 1985.
[55] J.C, murewitz, Diplomacy in the Near and middle East, London, March, vol 1, 1958, P 24
الحداد، حكمة ألبير، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة ، دار نظير عبود، 1996، ص 25.
[56] راجع بهذا الخصوص رستلهوبر، تقاليد فرنسا في لبنان، ترجمه الخوري بولس عبود، 1911؛ الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريخ الطائفة المارونية، عنيّ بنشره رشيد الشرتوني، 1890، ص 220؛ دريان، المطران يوسف، النبذة التاريخية،…ص 173.
[57] زياده، الخوري يوسف، القضاء الماروني وعلاقته بالشرع الروماني، مطبعة المرسلين اللبنانيّين، جونيه، 1929، ص 72؛ ابي يونس، ألكسندر، دور البطريرك الماروني يوسف راجي الخازن 1845 – 1854 في تاريخ القائمقاميتين، من خلال محفوظات بكركي، أطروحة دكتوراه باشراف الدتور عبد الله الملاح، الجامعة اللبنانية، بيروت، 2021، ص 19-20.
[58] خليل، روني سمعان، البطريرك الماروني يوسف حبيش 1823 – 1845 عصر التحولات الكبرى، سلسلة موارنة في التاريخ1، 2017، ص 214.
[59] البستاني، فؤاد افرام، مار مارون ومؤسسته، في المنارة (1985) 1-2، ص 16
[60] حول سيرة هذا البطريرك راجع: نعمان، الأباتي بولس، الذكرى المئوية الثانية لولادة البطريرك يوسف حبيش (1787 – 1987)، البطريرك يوسف حبيش وموقفه من الكتابيين (البيبلشيين)، منشورات معهد التاريخ في جامعة الروح القدس الكسليك، لبنان، 1992؛ خليل، روني سمعان، البطريرك الماروني يوسف حبيش 1823 – 1845 عصر التحولات الكبرى، سلسلة موارنة في التاريخ1، 2017
[61] أرشيف بكركي، ملف البطريرك يوسف حبيش رقم 16، وثيقة رقم 5805، خليل، روني سمعان، البطريرك الماروني يوسف حبيش 1823 – 1845 عصر التحولات الكبرى،…ص 365؛ أبي يونس، ألكسندر، دور الموارنة في إنشاء دولة لبنان الكبير والمحافظة عليه، في المنارة (2014)3، ص 108-110.
[62] الشوف، والمتن، وكسروان، والبترون، والكورة، وجزين، وزحلة. وقد بلغت مساحتها 3727 كلم. راجع: ملاح، عبدالله، وديب، سليم، حدود متصرفية جيل لبنان ومساحتها بين الواقع والتقدير، مجلة حنون، عدد 20، 1988، ص 33 – 56.
[63] راجع حول هذا الموضوع: ألكسندر أبي يونس، دور الموارنة في إنشاء دولة لبنان الكبير والمحافظة عليه، المنارة (2014)3، ص 112
[64] وهي تضم: حاصبيا وراشيا ومرجعيون وصيدا وبيروت وطرابلس وعكار والبقاع وبحيرة الحولة وبحيرة حمص ووادي النصارى. المرجع السابق نفسه.
[65] الدبس، المطران يوسف، الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل، ص 553؛
[66] مسعد، البطريرك بولس، الدر المنظوم، مطبعة طاميش، 1863، ص 273 – 274.
[67] طلب جمال باشا من البطريرك المثول بين يديه في قصره بين صوفر وبحمدون، وفيما هو في الطريق، عرض عليه أحد المرافقين: “ها أنت يا أبانا شاخص لمقابلة جمال باشا، فهلمّ نفكر معًا في ما تجيبه على بعض الأسئلة التي قد يطرحها”. فأجاب البطريرك برباطة جأش وهدوء طبع: “أرى أن الاهتمام بهذا الأمر يضعف إيماني بعناية الله بي. ألم يقل جلّ اسمه: إذا قدموكم إلى الملوك والولاة، فلا تهتموا بما تجيبون. لستم أنت بالمتكلمين. بل روح أبيكم هو المتكلم فيكم؟”. راجع بهذا لخصوص الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية،…ص والملاح، عبدالله محاولة نفي البطريرك الياس الحويك (1915-1918)، في كتاب لبنان في الحرب العالمية الأولى، منشورات الجامعة البنانية، بيروت، 2011، ص 774-779؛ صليبا، لويس، لبنان الكبير! أم لبنان خطأ تاريخي، طبعة ثانية، دار ومكتبة بيبليون، جبيل – لبنان، 2016، ص 62-63.
[68] حول دور البطريركية المارونية في الحرب العالمية الأولى راجع: عقل، الخوري بولس، دور المطران بولس عقل في الحرب، في كتاب لبنان الحرب العالمية الأولى، ص 566 – 567؛ والخوري، الخوري اسطفان ابراهيم، مجاعة أهالي جبل لبنان خلال الحرب الكونية الأولى (1914 – 1918، منشورات المركز الماروني للتوثيق والابحاث، لبنان، 2016، ص 209.
[69] “إن الحركة اللبنانية هي حركة قوية تشمل جميع الجبل وأكثر المنسلخات، والجميع ينادون بالاستقلال، ومجلس الإدارة يحبّذ الحركة بكلّ قواه ونفوذه، والكرسي البطريركي عزيمته أشد من عزيمة المجلس والشعب، حتى ان جميع أهل لبنان يتظاهرون بكل معنى الكلمة: إما الإستقلال أو الموت وهم حاضرون للمظاهرة ضد فرنسا حتى بالثورة لأجل نوال الاستقلال”. السودا، يوسف، في سبيل الاستقلال…، ص180؛ والجدير ذكره أن جميع هذه العرائض موقعه من قبل جميع المناطق والتي كانت مسلوخه عن جبل لبنان وتمثل جميع الطوائف دون استثناء نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أهل راشيا واليمونة ودير الاحمر، أهل صيدا وصور، مناطق الجبل، والبقاع،… رزق، هدى، لبنان بين الوحدة والانفصال هزائم الانتفاضات 1919 – 1926، دار بيسان، بيروت، 1998، ص 56 – 57؛ الحداد، حكمة، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة، دار نظير عبود، 1996، ص 66 – 72 و 181-190؛؛ حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية،…ص 594؛ البعيني، حسن أمين، دروز سوريا ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي 1920 – 1943، المركز العربي للابحاث والتوثيق، 1993، ص 91-96.
Rabbath, Raymond, Formation Historique du Liban Politique et constitutionnel, essai et synthese, Librairie Oriental, Beyroth, 1973, P 284
[70] خليفه، عصام، أبحاث في تاريخ لبنان المعاصر، دار الجيل – بيروت، 1985، ص 120 – 124؛ الحداد، حكمة، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة، دار نظير عبود، 1996، ص 66 – 72 و 181-190.
[71] خليفه، عصام، أبحاث في تاريخ لبنان المعاصر، دار الجيل – بيروت، 1985، ص 61 – 124
[72] خليفة، عصام، البطريرك الياس الحويك وإعلان قيام الدولة اللبنانية، في مجلة المنارة (1995) 2-3، ص 115؛ أبي عبد الله، عبد الله اببراهيم، دولة لبنان الكبير من العام 1918 إلى العام 1945، الجزء السابع، دار نوبليس، 1991، ص 7 – 35؛ محسن، ابراهيم، الاحزاب اللبنانية بين الصحوة الوطنية والايديولوجات الطائفية، في دولة لبنان الكبير ( 1920 – 1996) 75 سنة من التاريخ والمنجزات، مجموعة مؤلفين، منشورات الجامعة اللبنانية – بيروت، 1999، ص 247 – 288؛ الملاح، عبد الله، موقف الجالية اللبنانية في الأرجنتين من لبنان الكبير 1918 – 1920، في في دولة لبنان الكبير ( 1920 – 1996) 75 سنة من التاريخ والمنجزات، مجموعة مؤلفين، منشورات الجامعة اللبنانية – بيروت، 1999، ص 310 – 329، السودا، يوسف، في سبيل لبنان 1906 – 1922، ص 25؛ صليبا، لويس، لبنان الكبير! أم لبنان خطأ تاريخي؟، طبعة ثانية، دار ومكتبة بيبليون، جبيل – لبنان، 2016، ص 93 – 94؛ الحداد، حكمة، لبنان الكبير، الطبعة الثالثة، دار نظير عبود، 1996، ص 79 – 112.
[73] هاشم، الأب ريمون، الانتداب الفرنسي على لبنان، ظروفه واقراره، دولة لبنان الكبير، اعلان الدستور، منشورات الجامعة الأنطونية، 2007، ص 84؛ 122-123؛ 142، 144، ملاط، هيام جورج، منطق لبنان الكبير: “لا” لانضمام جبل لبنان إلى سوريا “لا” لانضمام الليطاني وحرمون إلى فلسطين، مجلة مرايا التراث، العدد الحادي عشر خريف 2019 /شتاء 2020، ص 64 -66؛ جحا، شفيق، معركة مصير لبنان في عهد الانتداب 1918 -1946، ج1، 1995، ص 95 – 97.
[74] سفر صاحب الغبطة بطريرك الأمة المارونية إلى مؤتمر باريس، المرسل، الاربعاء 10 أيلول سنة 1919، العدد 468، ص 2.
[75] راجع بهذا الخوصوص الكوكب البار في رحلة غبطة السيد السند الخطير والعلامة المفضال الشهير مار الياس بطرس الحويك بطريرك انطاكيا وسائر المشرق على الطائفة المارونية الى رومية وباريس والاستانية العلية، للأب اوغوسطين البستاني الديراني.
[76] مزهر، يوسف، تاريخ لبنان العام، ج2، بيروت، د.ت، ص 867؛ زين نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار، بيروت، 1977، ص 74؛ حلاق، حسان، تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1952، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1976، ص 57.
[77] مزهر، يوسف، تاريخ لبنان العام،…ص 867.
[78] الحكيّم، أنطوان، من متصرفيّة الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920، الدار اللبنانيّة للنشر الجامعي، 2018، ص 152 – 161.
[79] حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية في ترجمة غبطة ابينا وسيّدنا الملفان مار الياس بطرس الحويك، مطبعة جميعة المرسلين اللبنانيّين، جونيه، 1935، ص 593.
[80] انقسم اللبنانيين ولاسيما الموارنة بمطالبتهم باستقلال لبنان إلى خمسة تيارات: – أقلية تدعو للوحدة مع سوريا في ظل الانتداب الفرنسي. – وأقلية تدعو للحكم الفيصلي (اكندر عون، رشيد نفاع، جورج حرفوش، يوسف نمور، ابراهيم النجار، حبيب اسطفان، يوسف الحويك…)، – أقلية دعت للبنان الصغير، – “تيار غير قليل يدعو لقيام لبنان الكبير في ظل حماية الدول الكبرى وإطار العلاقات الودية مع الداخل العربي وبخاصة سوريا” – أم الاأغلبية الساحقة فكانت تطلب بقيام دولة لبنان لاكبير، بحدوده التاريخي، في ظل الحماية الفرنسية (البطريركية المارونية، أعضاء مجلس الإدارة، وحزب النهضة، وبعض الوجهاء والأعيان المسيحيين من رجال دين ودنيا) راجع حول هذا الموضوع: عصام خليفة، من الميثاق الوطني إلى الجلاء 1938 – 1946، بيروت، 1988؛ الكسندر أبي يونس، دور الموارنة في إنشاء …ص 115؛ محسن، ابراهيم، الاحزاب اللبنانية بين الصحوة الوطنية والايديولوجات الطائفية، في دولة لبنان الكبير ( 1920 – 1996) 75 سنة من التاريخ والمنجزات، مجموعة مؤلفين، منشورات الجامعة اللبنانية – بيروت، 1999، ص 247 – 288؛ حلاق، حسان، تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1952، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 2010؛ فرنجيه، سايد، التيارات السياسية ضمن الطائفة المارونية في لبنان من 1918 إلى 1936، دار أبعاد، بيروت، 2017؛ خليفه، عصام، أبحاث في تاريخ لبنان المعاصر، دار الجبل، بيروت، الطبعة الأولى، 1985؛ جحا، شفيق، معركة مصير لبنان في عهد الانتداب الفرنسي 1918 – 1946، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1995.
[81] M. Jouplain, La question du Liban, etude d histoire diplomatique et de droit international, jounieh, 1961, pp 544-545.
[82] السودا، يوسف، في سبيل لبنان، 1906 – 1922، ص 25.
[83] المنشور التاسع للبطريرك الياس عشر، عنيَّ بنشره الأب فيليب السمراني، الذخائر السنّية، مطبعة المرسلين اللبنانيين الموارنة، جونيه، 1933، ص 514.
[84] الحكيّم، أنطوان، من متصرفيّة الجبل إلى دولة لبنان الكبير 1914 – 1920، الدار اللبنانيّة للنشر الجامعي، 2018، ص 174.
[85] من المذكرة التي قدمها غبطته لمؤتمر الصلح في باريس 25 تشرين الأول 1919، ص 7.
[86] راجع بهذا الخصوص المذكرة التي رفعها غبطة البطريرك إلى مؤتمر الصلح.
[87] السمراني، الأب فيليب، الذخائر السنيّة،…ص 544.
[88] السمراني، الأب فيليب، الذخائر السنيّة،…ص 605.
[89] حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية، مطبعة المرسلين اللبنانيين، جونيه، 1934، ص 657-658.
[90] المرجع السابق.
[91] البطريرك الحويك مستقبلاً الجنرال غورو في الديمان “بعد اعتراف فرنسا بضرورة استقلالنا سنة 1860، لن أرضى بعد ستين سنة أن يُمس ويحكمنا الغير”، مرايا التراث، العدد الحادي عشر، خريف 2019 – شتاء 2020، ص 53؛ حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية،… ص 661 -662؛ صليبا، لويس، لبنان الكبير! أم لبنان خطأ تاريخي؟، طبعة ثانية، دار مكتبة بيبليون، جبيل – لبنان، 2016، ص 256 – 257.
[92] البطريرك أنطوان بطرس عريضه، لبنان وفرنسا وثائق تاريخية أساسية تبرز دور بكركي في مواجهة الانتداب الفرنسي والاحتكارات الفرنسية، نقلها إلى العربية فارس غصوب، راجعها وقدم لها مسعود ضاهر، سلسلة تاريخ المشرق العربي الحديث2، دار الفارابي، بيروت، 1987؛ وراجع أيضًا حرفوش، الأب ابراهيم، دلائل العناية الصمدانية، ص 661 – 662؛ صليبا، لويس، لبنان الكبير! أم لبنان خطأ تاريخي،…ص 90 – 93 و 297 -306 و 347.
[93]عودة السيّد البطريرك إلى الوطن، المرسل، الأربعاء في 25 شباط سنة 1920، العدد 500، ص 2.
[94] راجع بهذا الخصوص: “الذخائر السنيّة”،… ص 464.
[95] المنشور الحادي عشر، “الذخائر السنية”،…ص 332.
[96] المنشور الرابع عشر، “الذخائر السنيّة”، ص 431.
[97] حول أعمال الرحمة والرسائل الرعوية التي وجهها غبطته لوضع حدٍ للمجاعة راجع: الخوري اسطفان ابراهيم الخوري، وثائق البطريرك الحويك السياسية، تقديم، الخورأسقف سعيد الياس سعيد، المركز الماروني للتوثيق والأبحاث، 2013؛ الأباتي أنطوان ضو، مساعدات البطريركية المارونية في الحرب العالمية الأولى، أوراق بطاركة قنوبين 6، منشورات رابطة قنوبين للرسالة والتراث، قنوبين 2018؛ جهاد عيسى، يوميات المطران أنطوان عريضه (1910 – 1918)، منشورات رابطة قنوبين للرسالة والتراث، 2018، المونسنيور عبدو توفيق يعقوب، الياس بطرس الحويك بطريرك الموارنة بطريرك لبنان 1834 – 1931، دار الفارابي، 2016.
[98] تصريح غبطة البطريرك الماروني، في المرسل، الأربقعاء في 17 أيلول سنة 1919، العدد 470، ص 3.
[99] السمراني، الأب فيليب، الذخائر السنيّة، ص 8016
[100] خاطر، لحد، الانتخابات النيابية في تاريخ لبنان، قدّم له وحققه عبد الله الملاح، دار لحد خاطر، بيروت – لبنان، 1996، ص 120 – 136.