Almanara Magazine

إنه زمن الرحمة

تتحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة ما بين كانون الأول 2015 وتشرين الثاني 2016 «بسنة مقدسة غير عاديّة». افتتح قداسة البابا فرنسيس هذه السنة في بازيليك القديس بطرس في روما يوم عيد الحبل بلا دنس في 8 كانون الأول المنصرم باحتفال تمّ فيه «فتح الباب المقدّس»[1]. وكان قداسته قد عبّر عن معنى هذه العادة في براءته «وجه الرحمة» التي فيها أعلن السنة المقدّسة، فشرح قائلاً: «سيكون الباب المقدّس الذي يفتح في هذه المناسبة باباً للرحمة، وكل من يدخل منه يستطيع أن يختبر محبّة الله الذي يعزّي ويغفر ويعطي الرجاء»[2]. يرمز هذا الباب إلى المسيح الباب الوحيد الذي منه يدخل المؤمنون إلى الخلاص، كما أكّد هو نفسه بالقول: «أنا الباب فمن يدخل مني يخلص يدخل ويخرج ويجد المرعى» (يو 10/9). فعبور عتبة الباب المقدّس تشكّل بالنسبة إلينا نحن المؤمنين قراراً يقتضي حرية الخيار وشجاعة التخلّي، فنترك وراءنا أموراً وأشياء لندخل إلى الجديد في خبرة الرحمة، تماماً كما عاش خبرة الفرح الباحث عن الكنز وتاجر اللؤلؤة، اللذان باعا كلّ ما يملكان ليشتريا ما تتوق إليه نفساهما (راجع متى 13/44-46). عبور عتبة الباب المقدّس تعني لنا نحن المؤمنين إعلان الإيمان بأنّ يسوع المسيح هو الرب، وبقدر ما نرسّخ إيماننا فيه نستعدّ لأن نجدّد حياتنا معه كما يرشدنا، وبالأخصّ في عيش الرحمة على مثاله.

1- السنة المقدّسة:

كانت السنة المقدّسة حسب شريعة موسى في العهد القديم تُعدّ «السنة الخمسين»، «السنة السبتية» والتي يسمّيها سفر الأحبار «سنة يوبيليّة»، أي تعلن بالأبواق المصنوعة من قرن العنزة المعروف بالعبريّة «باليوبل». يوضح سفر الأحبار تحديد هذه السنة بالقول: «وأحسب لك سبعة أسابيع من السنين، أي سبع مرات سبع سنين، فتكون لك أيام أسابيع السنين السبعة تسعاً وأربعين سنة. وانفخ في بوقِ الهتاف… وقدّسوا سنة الخمسين» (أح 25/8-10) تختصّ هذه السنة بتكريس كلّ شيء لله، بحيث يُعتق العبيد، ويُحرَّر المسجونون، وتُترَك الديون، ويعود الميراث إلى أصحابه، وتُمحى الخطايا والذنوب، وتبقى الأرض غير مزروعة لترتاح؛ بهذا كلّه يعلن الشعب سلطان الله وأبوّته على كلّ الكون؛ كما ويعلن أن الله هو وحده سيّد السماء والأرض وهو أب لجميع الشعوب وبالأخصّ الفقراء[3].

لقد تبنّت الكنيسة الكاثوليكيّة «السنة المقدّسة اليوبيليّة» مع البابا بونيفاس الثالث سنة 1300، وكان قد حدّد الاحتفال بها كلّ مئة سنة. ولكن لكي يُفسح بالمجال أن تشارك أجيال أكثر بسنة مقدّسة تمّ تقليص المدة إلى 25 سنة بدل المئة، وذلك ابتداءً من عام 1470[4].

2- لماذا سنة مقدّسة غير عادية موضوعها «الرحمة»؟

منذ ارتقائه السدة البطرسيّة، ينادي قداسة البابا فرنسيس «بالرحمة»، ولقد شدّد على أهميّة «التأمّل بسرّ الرحمة. فهي مصدر فرح وصفاء وسلام. إنّها أساس خلاصنا… فهي السبيل الذي يجمع الله بالإنسان، حتى هذا الأخير يفتح قلبه بالرجاء أنّه محبوب دائماً بالرغم من حدود خطيئتنا»[5]. لذلك يدعونا قداسته لأن نسمّر نظرنا في الرحمة «حتى نصبح نحن بدورنا علامة فعّالة لعمل الله». هذا هو السبب الذي دفع بقداسته إلى إعلان «سنة مقدّسة غير عادية، كزمن ملائم للكنيسة، حتى الشهادة التي يؤدّيها المؤمنون تكون أقوى وفعّالة أكثر»[6].

بالرغم من أنّ عبارة «رحمة» هي قديمة، كما يحدّدها قاموس اللغة الفرنسيّة[7]، يدعو قداسة البابا إلى إحيائها، ليس في التداول اللغوي بل في العيش اليومي. «ليست الرحمة موضوعاً لاهوتيًّا يُستخدم في العظات بل هي حقيقة تغيّر حياتنا على الصعيدين الروحي والإنساني»[8]. لقد عبّر قداسته صريحاً بالقول: «أن نشعر بالرحمة، فهذه عبارة تغيّر كلّ شيء. إنّها الشيء الذي نقدر أن نشعر به كأفضل، وهذا يغيّر العالم. فالقليل من الرحمة يجعل العالم أقلّ برودة وأكثر عدلاً. يلزمنا أن نفهم جيداً رحمة الله هذه؛ هذا الآب الرحوم الذي يملك هذا القدر من الصبر… لنتذكّر النبي أشعيا الذي يؤكّد أنّه مهما كانت الخطايا حمراء كالقرمز فإنّ حبّ الله سيبيّضها كالثلج. جميلة الرحمة!»[9]، فإحياء الرحمة بعيشنا يكسبنا القدرة لأن نعطي الفرح الذي يجعل رحمة الله مثمرة ومباركة.

3- ما هي الرحمة؟

لأنّها شعور ينبع في قلب الإنسان وأحشائه فيتجسّد في أعمال متنوّعة، رافقت الرحمة ولا تزال رحلة الإنسان الزمنيّة. تسعفنا جولة تاريخيّة سريعة لنفهم هذه الجوهرة الثمينة ومفاعيلها في تجديد عالمنا وإذكاء حرارة العيش فيه وتوثيق الربط الإنسانيّة المنمّية للإنسان والمطوّرة للعالم بذاته.

أ- الأقدمون: لم يستوقف الأقدمين البعدُ الفائق الطبيعي في شرح الرحمة، ولم يربطوه بأيّ شكل من الأشكال الروحيّة؛ إنّما رأوا فيها قيمة أدبيّة لها صلة بالخدمة، إلاّ أنّها لا تدخل في مصاف الفضائل.

نهل اليونانيّون الأقدمون كلمة رحمة من منابع لغويّة ثلاثة:

  • أوّلها عبارة Eleos للدلالة على الرأفة والعطف على الغير، بحسب الأدب الكلاسيكي الإغريقي. تكشف الرأفة على التأثر الذي يشعر به المرء تجاه تعاسة الآخر وبليّته فيتعاطف معه. أما في إطار الحكم القضائي فترمي الرأفة إلى استعطاف القاضي للحصول على رحمته وتخفيف أحكامه. كان شعب أثينا يأخذ الرحمة «كآلهة» لها عبادتها. وكان هوميروس ومفكرو عصره يعتبرون الرأفة قيمة إنسانيّة رفيعة[10]، فمن لا رحمة عنده يُعدّ بربريًّا غريباً.
  • أما العبارة الثانية Oiktirmos من جذر oiktos فتدل على النوح أو الانتحاب الذي يمثل الوجه الخارجي الملموس للرأفة، فالنوح تعاطف مع الغير يسنده في حزنه وألمه.
  • تأتي العبارة الثالثة Aplagnka لتدلّ على «الأحشاء» حيث تحصل ردات الفعل العاطفيّة القوية. تتقارب أحياناً هذه العبارة، مع تمايزها، من القلب مركز المشاعر النبيلة كالشجاعة. لقد دخلت مؤخّراً في استعمال الكتابات اليهوديّة والمسيحيّة للدلالة على الرحمة[11].

يعتبر أفلاطون وغيره من الفلاسفة الإغريق وأخصّهم الرواقيون الرحمة والشعور مع الغير «ألماً أدبيًّا» «ضعفاً بشريًّا». كما وبالنسبة إلى أرسطو ليست الرحمة فضيلة، فهي ضعف مقبول فقط عند الأطفال والعجزة؛ أما الإنسان الناضج فيلزمه أن يسيطر بعقله على عواطفه. ويشبّه الرواقيون الرحمة وكأنّها «مرض النفس» الذي يهدّد أو يعكّر صفاء الحكماء[12]. لكن من جهة ثانية تأخذ الرحمة بُعداً إيجابيًّا إذ تدخل في إطار «خدمة الآخر» وهي جزء من أدبيات الفلاسفة. فبالرغم من اعتبار الرحمة «مرض النفس»، يقدّر شيشرون الرحماء، لأنّ الرحمة بالنسبة إلى الفيلسوف الحقيقي هي حكمة وأخلاق. ما رفع قيمة الرحمة إلى مستوى أسمى هو الكتاب المقدّس، وفيما بعد ازدهار المسيحيّة.

ب- في الكتاب المقدّس، العهد القديم:

خبرة إسرائيل طويلة مع الرحمة التي عبّر عنها أبناؤه في كلمات ثلاث ألّفت قاموسه الخاص في اختباره لها وإعلانه عنها.

  • تعود العبارة الأولى إلى جذر «حِن» ويعني خدمة، نعمة، ومنه قد خرج إسم حنّة ويعني سؤال، طلب وهو إسم حنة أم صموئيل وحنة النبية التي حضرت إلى الهيكل في أورشليم يوم تقدمة يسوع (لو 2/36). فالفعل المميّز في هذه العبارة هو «صنع الرحمة»، تلبية للطلب والخدمة.
  • أما العبارة الثانية «حِسِدْ» وقد تمّت ترجمتها باليونانيّة Eleos، فتفي الأمانة الفعليّة في الالتزام، صلة بين أصدقاء وأقرباء. تشير إلى «عمليّة التقوى» أي العلاقة الروحيّة التي تربط كائناً بكائن آخر، فتدلّ على الصداقة والتضامن والولاء، ولا سيّما إذا صدرت كلّ هذه من ميثاق[13].
  • تدل العبارة الثالثة على الحب والرأفة وهي «رَحيميم» والتي ترتبط بالحشا، وتعبّر عن إحساس وعاطفة غريزيّة يتمركزان في بطن الأم، «الرحم». يتّضح لنا هذا الشعور في ردّة فعل البغي أمام الملك سليمان حيث طلب سيفاً ليشطر الصبي ويعطيه مناصفة بينها وبين جارتها، فقالت هذه «المرأة التي ابنها الحي، لأنّ أحشاءها تحرّكت على ابنها: «أرجوك يا سيّدي، أعطوها الولد حيًّا ولا تقتلوه» (1مل 3/26)[14].

ج- العهد الجديد:

يشرح البابا يوحنا بولس الثاني الرحمة أنها تلك القوة في الله القادر على أن يحوّل الشرّ إلى خير، فحبّه لا محدود. فالرحمة شعور طيّب نحو الضعفاء، نحو الصغار، نحو الفقراء، نحو المهمّشين، تحوي إلى أقصى حدّ الغفران إذ فيه تتجلّى بأعلى مستوياتها، أي إنّها تعيد الخاطئ إلى نعمة الله بالغفران. لقد تبنّى العهد الجديدة عبارة «رحيميم» فترجمها إلى اللاتينية Misericordia التي وردت في نشيد مريم مرتين وهي تحمل في أحشائها يسوع. يركّز المفهوم المسيحي على «قلب الله» أكثر منه على «أحشائه»؛ لأنّ العبارة اللاتينيّة مركبة من كلمة Miseria وتعني التعاسة، وcor تعني القلب، فتدلّ الرحمة بهذا المعنى على القلب الذي يمتلئ بالرحمة بالشعور مع الغير، الشعور نحو تعاسة الآخرين، أي «حمل قلبه على الشعور والإحساس بتعاسة الآخرين وحزنهم». فقلب الله مملوء بالحنان نحو تعاسة البشريّة، وقد جسّد هذا الحب وهذا الحنان في يسوع المسيح، الكلمة المتجسّد، فهو «وجه الله الرحوم»، علّم تعليماً مبنيًّا على الرحمة، في مثل السامري الصالح (لو 10/25-37) وفي مثل المديونين (متى 18/23-35)؛ وهو من لخّص تعاليمه بقوله في عظة الجبل: «طوبى للرحماء فسوف يرحمون» (متى 5/7). ثم يعود فيدعونا لأن نعمل بالمثل تجاه إخوتنا فيقول: «كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحوم» (متى 5/48).

لقد أظهر يسوع نفسه هذه الرحمة في البُعد الشخصي المباشر بين الله وشعبه وبالأخصّ عندما التقى وجهاً لوجه مع المرضى: لقد تحرّك قلبه نحو الأبرص «ومدّ يده فلمسه وقال له: قد شئت فابرأ» (مر 1/41)؛ ولقد التقى الأعميين في أريحا «فاشفق يسوع عليهما، ولمس أعينهما، فأبصرا لوقتهما وتبعاه» (متى 20/34)؛ كما ورأى الأرملة في نائين تبكي وحيدها «أخذته الشفقة عليها، فقال لها: لا تبكي!» (لو 7/13)؛ ويبقى مشهد الابن العائد تائباً إلى بيت أبيه، «وكان لم يزل بعيداً إذ رآه أبوه، فتحركت أحشاؤه وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبّله طويلاً» (لو 15/20)، الصورة الناطقة بقوة عن رحمة الآب الذي يدعو إلى قبول توبة الآخرين، موجّهاً كلامه إلى الفريسيّين والكتبة الذين «يتذمرون فيقولون: «هذا الرجل يستقبل الخاطئين ويأكل معهم» (لو 15/2).

عندما نتحدّث عن «الرحمة الإلهيّة»، لا يمكننا أن ننسى هذه المشاهد الحيّة، وإلاّ زوّرنا تاريخ الخلاص. فالله لم يترك الإنسان سجين الخطيئة ولا رهينة القصاص، إنّما أدخله في تدبيره الرحوم، أي في نظام رحمته، وفي مشروعها الذي نراه في شخص يسوع، ومعنى اسمه «الله يخلص».

الله لا ينسانا، إنّه دائماً جاهز ليسامحنا، ليحنو على ضعفنا، لا يريد أن يتركنا في ضياعنا، فهو لا ينظر إلى الخاطئ الذي لبسناه بل الابن الذي ألبسنا هو إياه. لا يرانا كخطأة قدامى، بل كأبناء يعودون إلى الحياة، ولهذا «رحمته عظمت علينا».

4- كونوا رحماء.

«كونوا رحماء»، فإذا كانت توصية يسوع هذه لأتباعه تطال غفران الخطايا (متّى 18/33)، أو محبّة الأعداء (لو 6/36)، فإنّ فكرة الشعور مع الغير وتحرّك القلب والخدمة والعون نستشفها من سلوك السامري الصالح، الذي أشفق على الجريح وهبَّ إلى نجدته فعامله بالرحمة (لو 10/37)؛ وأيضاً من لوحة الدينونة العظمى حيث ينادي الرب المباركين إلى ملكوته لأنّهم كانوا رحماء، بمعنى أنّهم بواسطة أعمالهم الحسنة تجاه «الصغار خدموا يسوع نفسه» (متّى 25/11-31).

أما الرسل، فلما حملوا البشارة إلى الشعوب بيّنوا ضرورة ترجمة الإيمان والمحبّة بالأعمال الحسيّة، «الإيمان، إن لم يقترن بالأعمال، كان ميتاً في حدّ ذاته» (يع 2/17). لقد جسّدت الجماعات المسيحيّة الرحمة بالأعمال الحسيّة: الغفران المتبادل (كول 3/13)، المشاركة في الخيور المادية (أع 4/34-35)، تقديم الحسنة للفقراء (أع 9/36 و10/2)؛ استضافة الغرباء (1طيم 5/10)، العناية بدفن الأموات (أع 8/2). كلّ «نشاط» يتبع «مفهوماً»؛ وتيار المحبّة خضع إلى تنظيم كما يجب، كونه خدمة مؤسّسة في الجماعة (أع 6/6-7) أو بين الجماعات (أع 11/29؛ 2قور 8)؛ كانت الكنيسة تتأسّس عبر الأنشطة الأخوية بين أعضائها»[15].

– لم تكن أعمال الرحمة محدّدة، لأنّ أعمال المحبّة غير محدّدة بدورها، فهي تتجاوب مع حاجات الإنسان التي لا حدود لها أيضاً، إلاّ أنّ المفكرين المسيحيّين في الأجيال الأولى عدّدوا هذه الأعمال انطلاقاً من نواة موحّدة. مثلاً راعي هرماس ( وسط القرن الثاني في روما) وضع لائحة من عشرين «عمل صالح» تشكّل تابعاً «للفضائل» فتسهّل «العيش لأجل الله»[16]. أما قبريانوس من قرطاجة (+258) فيعيّن أعمال الرحمة التي ترافق الصلاة، والتي يعدّدها سفر طوبيا وهي مساعدة الفقراء ودفن الموتى؛ كما والتي يعلن عنها سفر أشعيا 58/6-9؛ «حلّ قيود الشرّ وفك ربط النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وتحطيم كلّ نير»… أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل البائسين المطروحين بيتك،… أن تكسو العريان وأن لا تتوارى عن لحمك».

يتلاقى معهما غريغوريوس النزيزي بحيث يحرّض على إعانة المحتاجين فيقول: «يجب أن تنفتح بكل كياننا على جميع الفقراء وعلى جميع التعساء، مهما كان اسم معاناتهم: … الأرامل، الأيتام، المنفيين، ضحايا الأسياد القساة، والقضاة السفهاء، الجباة الشرسين، اللصوص المفترسة، والسارقين الضارين، الأشخاص الهالكين في الخسارة أو في غرق»[17].

– أما فيما يخصّ أعمال الرحمة الروحيّة فكان اعتبارها مؤخّراً، مثل الغفران، والمساندة المتبادلة بين الأخوة أو تحريضهم. لقد علّق أباء الكنيسة الأوّلون على إنجيل الدينونة العظمى في متى 25 وأعطوا شروحاً روحيّة لأعمال الرحمة الجسديّة ذاتها. لقد عبّر أوريجانس أنّه «إضافة إلى أنّ الطعام واللباس ينفعان الجسد، فهنالك غذاء النفس بالأطعمة الروحيّة، وطلب غطاء حكمة الله لها، ولباس الفضائل المتنوّعة بتعليم العقيدة، واستقبال القريب بقلب مزيّن بالفضائل، وبالأخير الحنو على الضعفاء لتقويتهم، بتعليمهم، وتعزيتهم، أو استعادتهم؛ وكلّ عمل من هذه الأعمال يطال المسيح»[18]. وبالخط نفسه يضع يوحنا فم الذهب الإعانات الروحيّة المتعدّدة، المشورة، الحماية والحماس الرسولي، في موازاة المساعدة الجسديّة[19].

– يعود تحديد اللائحتين، الأعمال الجسديّة والأعمال الروحيّة، إلى القديس أغوسطينوس، فهو يرسم الموازاة بين النوعين من الأعمال. إذ بعد أن دلّ على الرحمة نحو الجسد، ألمح إلى إمكانية مساعدة النفس بالمشورة، بالتعليم، بالمسلك حسب الروح. إلاّ أنّ هذه التعدادات بعيدة عن الرحمة. لكنّه فيما بعد فإنّه زاد، من ناحيته إلى الأعمال العادية: «تعزية المحزونين، تحديد السُبُل للضائع، إرشاد من هو في حيرة»، ومن ناحية أخرى فإنّه حدّد لائحة ثانية من المساعدة: الغفران. ففي عظته 42 أعلن: «يوجد نوعان من الرحمة: العطاء والغفران؛ عطاء الخير الذي نملكه؛ وغفران الشرّ الذي نتعرض له»[20]. وهذا التقسيم أصبح كلاسيكياً من بعده.

لقد حدّدت الكنيسة في تعليمها الرسمي مفهوم «أعمال الرحمة» بنوعَيه الجسدي والروحي مستندة، في التاريخ الغابر، على كلام الله، مستوحية منه ومن حياة يسوع بالذات وسلوكه مع الفقراء أخوته الصغار، أنّ «أعمال الرحمة هي أعمال المحبّة التي نساعد بها القريب في ضروراته الجسديّة والروحيّة. التعليم والنصح، والتعزية، وتقوية العزم هي أعمال رحمة روحيّة مثل المغفرة والاحتمال بصبر. وتقوم أعمال الرحمة الجسديّة خصوصاً على إطعام الجياع، وإيواء من ليس لهم منزل، وإكساء ذوي الثياب الرثة، وعيادة المرضى وزيارة السجناء ودفن الموتى. وبين هذه الأعمال الإحسان إلى الفقراء هو من الدلالات الرئيسة على المحبّة الأخويّة: وهو ممارسة للعدالة ترضي الله»[21].

5- مفاعيل الرحمة.

لقد اجتهد آباء الكنيسة مستندين على نصوص كتابيّة في تحديد مفاعيل الرحمة وممارستها في أفعالها. لقد برز موضوع هذه المفاعيل في كتاباتهم وفي مواعظهم حول الصدقة، «الإحسان إلى الفقراء». في كتابه «الأعمال والحسنات» لخص القديس قبريانوس هذه المفاعيل نستعرضها كما أوردها في ترتيبه.

أ- أعمال الرحمة وغفران الخطايا: أكّد آباء الكنيسة مراراً، مستندين على كلمات سفر الأمثال 15/27: «كلّ حريص على الكسب يقلق بيته والذي يكره الهدايا يحيا»، وابن سيراخ 3/30: «الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفّر الخطايا».

إن الإحسان إلى الفقراء يؤدّي إلى مغفرة الخطايا. يقول القديس أغوسطينس صريحاً: «إذا دخلتم إلى الملكوت، ليس لأنّكم بدون خطيئة، إنّما لأنّكم بواسطة إحساناتكم دفعتم ثمن خطاياكم»[22]. أما من جهته، فيقول القديس يوحنا فم الذهب: «الرحمة هي ملكة الفضائل… مهما كثرت خطاياك، فإنّ إحسانك يفوقها كلّها وزناً»[23]. للوهلة الأولى يبدو أنّ هذا البُعد الخلاصي الذي تحمله الصدقة ينذر بخطر الاستغلال وقد نبّه منه الآباء بذاتهم، إذ لا تكفي أعمال الصدقات والرحمة بدون توبة القلب، «فالرب لا ينظر إلى من يعطي بل إلى الروح الذي فيه يعطي»[24]. ويقولها صراحة يونان من أورليان: «لا نشتري الله بالمال حتى نخطأ، ولكنّنا نصلّي إليه كيلا نخطئ»[25].

لكن من جهة ثانية كانت العلاقة بين الصدقة والغفران متبادلة، بحيث تعتبر الصدقة أو الإحسان ثمرة التوبة[26]، أو تعويضاً عن الخطيئة وتكفيراً عنها، كما فعل زكا إذ وزّع أمواله على الفقراء ورد أربعة أضعاف ما كان قد سلبه[27]. لقد ترك هذا التعليم أثراً بالغاً في الوسط الاجتماعي والثقافي، إذ أثمرت الصدقات والإحسان، «علاجاً للنفس»، فأعطت الأراضي، والكنائس والمؤسّسات التي تقوم بالخدمات الروحيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في الكنيسة وفي المجتمع[28].

ب- أعمال الرحمة ترفع الصلاة إلى الله: يؤكّد طوبيا البار أنّ الصلاة التي يدعمها الصوم والصدقة هي غنى، «الصدقة تنجّي من الموت وهي تطهّر من كلّ خطيئة. الذين يتصدّقون يشبعون من الحياة» (طو 12/8-9). استناداً إلى كلام طوبيا شدّد الآباء على أن تُدَعَّم الصلاةُ بالصوم؛ يسأل أغوسطينس: «كيف يمكن للمزمور 76/3 أن يقول أنّنا نتلمس الله بأيدينا، إن لم يكن بواسطة الأعمال»[29]. هنا نفهم معنى جمع المال أثناء الصلاة، وبالأخصّ عند الاحتفال بالافخارستيّا يوم الأحد، إنّه الإحسان والصدقة، كما جرت العادة في أنطاكية والقسطنطينيّة وروما. لقد جمع الآباء في شروحاتهم بين الصلاة والصوم والصدقة؛ «فإنّه بالواحدة أو بالأخرى يستجلب المرء رحمة الله. يجب أن تجمع الصلاة والصدقة معاً، الأولى تتضرع والثانية تكتسب، الأولى تطلب الحضور أمام القاضي، والثانية تستحقّ نعمته، الأولى تقرع على الباب والثانية تفتحه الأولى تعبّر عن رغبة والثانية تعطي المرغوب»[30].

ج- الجزاء المنتظر: «كنز في السما» (متى 6/20) أو اكتساب الملكوت (متى 25/34)؛ عنصران بارزان في منافع أعمال الرحمة. يكافئ الرب المحسنين أضعاف إحساناتهم. عندما كتب أثناسيوس حياة القديس أنطونيوس ذكر أنّه يجب أن يكتسب منذ الآن الخيرات الحقيقيّة وبالأخصّ: «المحبّة، محبّة الفقراء، الوداعة، والضيافة… التي سوف نجدها هناك تستقبلنا في أرض الطوباويّين».

د- خدمة الرب يسوع: بتبنّيه لأخوته هؤلاء الصغار أعطى يسوع نظرة جديدة للفقراء؛ مما أغنى الأدب المسيحي عند الآباء بتعابير مثل «أعطى المسيح»، «أطعم المسيح». لقد شبّه أحدهم «أعمال الرحمة» بدهن مريم قدمَي يسوع بالطيب في بيت عنيا. «الطيب الثمين هو أعمال الرحمة. فإذا قمنا بأعمال رحمة وسلام، فكأنّنا دهنّا قدمَي الربّ بطيب ثمين»[31].وكما استقبل زكّا العشّار يسوع في بيته، فإنّ كثيرين يحسدونه ويرغبون في رؤية الربّ؛ يرسم القديس أغوسطينس الطريق التي يجب أن نسلكها وقد خطّطها المسيح نفسه وعبّدها لنا؛ لذلك يوصي القديس الراغبين باستضافة المسيح: «أنظر إليه ممداً عند الباب، أنظر إليه إنه جائع وهو يعاني البرد لا يملك شيئاً، إنّه غريب»[32].

هـ- الأخوّة في الإنسانيّة: لم تقتصر فكرة الأخوّة عند بعض آباء الكنيسة على «أخوّة يسوع الصغار، أي فقراء الروح»، بل تعدّت إلى اعتبار أنّ ما يجمع بين الناس في أصلهم وفي مصيرهم هو يشكّل الأخوّة في الإنسانيّة. لقد استند الفلاسفة الوثنيّون بداية على هذا المبدأ لتركيز مفهوم واجب الإحسان؛ وهذا ما نعود لنراه عند القديس أمبروسيوس الذي يعتبر أنّ «الرحمة واجب نحو الجميع»، ولكن بالأولويّة نحو الأخوة في الإيمان[33]. إلاّ أنّ القديس غريغوريوس الكبير يأخذ الموضوع بتعبير بيّن وواضح، فيؤكّد على أنّ الإحسانات تطال حتى الغرباء، وقد استوحى فكرته هذه من أيوب الصدّيق. يقول: «بالنسبة إلى قلب رحوم، ما يهمّ أكثر ليس إلفة الولادة إنّما المعرفة. لأنّ المحتاج، بمجرّد أنّه إنسان، لم يعد غريباً»[34].

و- الرحمة والكمال: رأى آباء الكنيسة في الرحمة وأعمال الرحمة عنصر كمال، وقد شدّدوا على أن تنطبع فيها الحياة المسيحيّة. هذا ما نستشفه من كلام لوقا الإنجيلي «كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم» (6/36). إنّ التشبّه بالله يبرز في أعمال الرحمة وممارسة أعمال الخير. فبالنسبة إلى القديس يوحنا فم الذهب «الرأفة والشعور مع الغير، هما الوسيلة لمساواتنا مع الله»[35]. أما من جهته، ففي روما يعلم البابا لاوون أنّه «حيث يجد الله همّ الرحمة، يرى صورة خلاصه الخاص»[36]، فأعمال الرحمة إذاً هي علامات القداسة وثمارها.

تعاليم الآباء هذه مجتمعة توجّه لنا نداء، نحن من نعيش سنة يوبيل مميّزة للولوج أكثر في «فهم الرحمة الإلهيّة» حتى نحيا «الرحمة الإنسانيّة». أمام التعاسة الصارخة في عالمنا تأتي الرحمة الحاضنة لتصغي وتلبي فتعمل أعمالها وتطيّب قلب الله في بلسمة جراح الإنسانيّة. هذه الرغبة عبّر عنها قداسة البابا فرنسيس في براءة إعلان سنة الرحمة حتى «يعي ضميرنا النائم أغلب الأحيان أمام أسى الفقر، فيدخل أكثر وبشكل دائم إلى قلب الإنجيل حيث الفقراء المفضلون لدى الرحمة الإلهيّة»[37]. وهنا نستذكر خطاب يسوع الأخير في إنجيل متّى حيث يصوّر لنا الإنسانيّة في حاجاتها والمحبّة في حيويّتها؛ وعندها تتحقّق مشيئة الربّ، أن يحيا الإنسان وتكون له الحياة على ما يرتضيها الله. فالرحمة أكثر من حالة، إنها حضور؛ والحضور يكمل بالعمل؛ «فأعمال الرحمة» لا تتحقّق إلاّ بالرحمة؛ ولهذا طلب يسوع «كونوا رحماء» حتى تأتي أعمالنا رحومة.

إنّه زمن الرحمة، لقد دقّت ساعة الرحمة وحان موعد تلبية النداء، لأنّ الحاجة إلى الرحمة كبرى في عالمنا وفي كنيستنا. «علّ الأماكن حيث تتواجد الكنيسة، في رعايانا وبالأخصّ في جماعاتنا، تصبح جزر رحمة في وسط بحر اللامبالاة»[38].

ليس من الصدفة أن تتبع «سنة الرحمة»، «سنة الحياة المكرّسة»، بل هي من العناية الفاعلة في مسيرة نموّ÷ا الروحي وسعينا إلى الخلاص؛ لأنّ من يعرف أن يكون بكلّيته لله ويتشبّه به، ومن يتبع يسوع ليتتلمذ في معيّته ويتبنّى طُرُق عيشه يتخرّج من مدرسته متشبّهاً به أي إنّه يتخرّج من مدرسة المسيح «رحوماً»، بحسب دعوة المعلم «كونوا رحماء». فالدعوة بعد «التلمذة» في سنة الحياة المكرّسة هي «الرحمة» في سنة الرحمة. فجميعنا دخلنا مدرسة يسوع بالتكرّس العمادي، وجميعنا نتخرّج من مدرسته بالتشبّه به، فنعمل مثله هو «وجه الرحمة»، وشهادة تخرّجنا «رحماء كالآب»، وعليه لقد دقّت ساعة الرحمة، وحان زمن الرحمة!


[1] «الباب المقدّس» عبارة ترتبط بالسنة اليوبيلية إذ يفتح الباب عند إعلان هذه السنة. تعود هذه العادة إلى القرن الخامس عشر، كما يصف أحدهم ويدعى جيوفاني روتشاللي من مدينة فيتربو الإيطالية، إذ يقول أنّ البابا مارتينوس الخامس هو أوّل من فتح الباب المقدّس سنة 1423 في بازيليك مار يوحنا اللاتران في روما، وهي كاتدرائيّة البابا. ثمّ جاء من بعده البابا ألكسندر السادس سنة 1499 فحافظ على هذه العادة ولكنّه وسّع مجالها إلى البازيليكات الأخرى في مدينة روما: مار بطرس في الفاتيكان، مريم العظمى، مار بولس خارج الأسوار. جرت العادة قبل سنة الألفين اليوبيليّة أنّ البابا يفتح الباب المقدّس في بازيليك القديس بطرس، ويفوّض أحد الكرادلة ليفتح الأبواب في الكاتدرائيّات الثلاثة الباقية. أما البابا يوحنا بولس الثاني فقد غيّر العادة وأصبح هو بنفسه من يفتح ويغلق الباب المقدّس في الكاتدرائيّات الأربع؛ على أن تبقى بازيليك مار بطرس هي الأولى التي يفتح بابها والأخيرة التي يغلق بابها بعد انتهاء سنة اليوبيل.

أما بالنسبة إلى رمزيّة «الباب المقدّس» فإنّنا نستشفّها من طبيعته بالذات؛ إذ حتى سنة 1975 كان الباب المغلق يحكم إغلاقه ببناء حائط وراءه؛ وفي رتبة الصلاة على الباب جرى التركيز على الحائط الذي يمنع في الأيام العادية الدخول من الباب المقدّس.

فعند فتح الباب لافتتاح سنة يوبيل كان يقضي الأمر بهدم الحائط لابراز معنى اليوبيل. ولهذا كان يذكر في الرتبة آلات العمار لدورها ورمزيّتها كالمطرقة لهدم الحائط، المسترين للبناء، الحجارة التي تحمل كتابات وشعارات للباباوات، المياه المباركة لتبريك الحجارة، والشعارات التي تحمل التأريخ وعناوين سنة اليوبيل، أما الباب فمن ناحيته كان بسيطاً عادياً لا نقوش عليه، ويحوي دفّتَين.

لقد تمّ تعديل في رتبة افتتاح سنة اليوبيل في سنة 1975 بحيث تمّ التركيز فيها على الباب أكثر من على الحائط. فالباب يدلّ على الفصل بين مكانَين، بين الداخل والخارج، ويرمز إلى الفصل بين الخطيئة والنِعمة (ميخا 7/18-19)؛ كما وأنّ الباب يسمح بالدخول إلى مكان جديد، وهو يرمز إلى الدخول في وحي الرحمة وليس في الحكم النهائي. «فهلاّ تتعلّمون معنى هذه الآية: «أريد الرحمة لا الذبيحة»، فإنّي ما جئت لأدعو الأبرار، بل الخاطئين» (متّى 9/13). وأيضاً يؤمّن الباب الضمانة والحماية، إنّه يرمز إلى الخلاص وإلى السلام: «أنا الباب فمن دخل منّي يخلص» (يو 10/9).

ولهذا في رتبة فتح الباب، يدخل قداسة البابا العتبة وهو يحمل الإنجيل المقدّس علامة أنّ المسيح الكلمة المتجسّد هو من يدعونا لكي نتبعه؛ ومن ثمّ يقرأ من إنجيل لوقا 4/14-25 حيث يُعلن يسوع في المجمع أنّ روح الربّ عليه ويؤكّد على رسالته في إعتاق الأسرى وإفراج المظلومين ليُعلن السنة مقدّسة للربّ، سنة رضى. هذا معنى الباب وهذا هي الدعوة لكي يدخل منه المؤمن ليعيش خياراته الجديدة في سنة اليوبيل.

[2] «وجه الرحمة»، البابا فرنسيس، براءة بابويّة لإعلان سنة يوبيل الرحمة، روما، 11 نيسان 2015، عدد 3.

[3] A.A.V.V., Théo, l’encyclopédie Catholique pour tous, Droguet et Ardant, Fayard, Paris, 1989, p. 766.

[4] لقد نقل البابا اكليمنض الرابع سنة 1343، سنة اليوبيل من مئة إلى خمسين سنة وكان ذلك سنة 1350 ثمّ البابا أوربانس الرابع في سنة 1389 قلّصها إلى مدة 33 سنة تيمّناً بسنوات حياة يسوع على الأرض. أما في الأخير فالبابا بولس الثاني في سنة 1470 حدّد سنة اليوبيل كلّ 25 سنة؛ وهكذا ثبتت من ذلك الوقت (راجع Théo، ص 766).

أما بالنسبة إلى السنة المقدّسة الغير عادية، المميّزة، فإنّها مخصّصة لمناسبات خاصة لها طابع مميّز يمس حياة الكنيسة ككل، مثل حالات الحروب وحالات الأوبئة الفتاكة؛ أو مناسبات أحداث تاريخيّة في مسيرة الكنيسة. بدأت الدعوة إليها في القرن السادس عشر، وآخر سنة مقدّسة احتفل بها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1983 لتذكار 1950 سنة على موت يسوع وقيامته، «سنة الفداء». أما عدد سنوات اليوبيليّة المقدّسة العادية حتى يومنا فهو 26 سنة. (راجع المرجع نفسه، Théo، ص 766).

[5] «وجه الرحمة»، عدد 2.

[6] وجه الرحمة»، عدد 2.

[7] «Miséricordieux, adjectif du 12ème siècle, de miséricorde», le nouveau Petit Rober de la langue française, éd. Le Robert, Paris, 2008, p. 1609.

[8] اللجنة البطريركيّة المارونيّة لسنة الرحمة المقدّسة، يوبيل سنة الرحمة في الكنيسة المارونيّة، توجيهات عامة ورتبة فتح الباب المقدّس، مطابع الكريم، جونيه، ص 8.

[9] البابا فرنسيس، مقابلة عامة أثناء التبشير الملائكي في الفاتيكان، 17 آذار 2013.

[10] راجع الإلياذة 11/556؛ والأوديسّه 19/253.

[11] Kittel, art. Aplagna, t. 7, p. 549

[12] Cf. Sénèque, de Clementia, II, 314, 4/4

[13] تطوّرت معرفة مفهوم «الحسد» في تصميم تدخّلات الربّ: «أما عند الله، فإنّ هذا اللفظ يعبّر عن الأمانة لعهده، وعن الرأفة الناشئة عنه للشعب المختار (الرحمة في خر 34/6)، وبكلمة تعبّر اللفظة عن محبّة الله لشعبه، وعما يصدر عنها من إحسانات (حز 20/6 وتث 5/10 و2صم 22/51 وإر 32/18 ومز 18/51). لكن هذه الـ «حسد» في الله تستدعي الـ «حسد» في الإنسان أيضاً، أي بذل النفس والصداقة الواثقة والاتكال والحنان والـ «برّ»، وبكلمة واحدة، المحبّة التي تتجلّى في الخضوع لمشيئة الله بسرور في محبّة القريب (هو 4/2 و6/6). وهذا المثال الأعلى، الذي يعبّر عنه كثير من المزامير، سيصبح مثال الحسيديم الأعلى (1 مك 2/42+). راجع الحاشية 21 حول هوشع 2/21، الكتاب المقدّس، دار المشرق، طبعة ثالثة، 1988، ص. 1902.

[14] هذا الإحساس في حشا الأم، يتمركز أيضاً في قلب الأب كما في إرميا 31/20: «أيكون أفرائيم أبناً لي عزيزاً ولداً أتنعم به؟ فإنّي كلما تحدّثت عنه لا أنفكّ أذكره فلذلك اهتزت له أحشائي سأرحمه رحمة، يقول الرب». ويذهب أيضاً هذا الإحساس إلى الأخوة الذين هم بدورهم يشعرون بهذا الإحساس الغرائزي، وهذا ما حصل ليوسف ابن يعقوب لما رأى أخاه بنيامين بعد طول غيبة، فأسرع يوسف «وقد اخترقت أحشاؤه شوقاً إلى أخيه ورغب في البكاء، فدخل الغرفة وبكى هناك» (تك 43/30) (راجع، معجم اللاهوت الكتابي، دار المشرق، بيروت 1986، ص. 374).

[15] Iréné NOYE, «Miséricorde (œuvre de)», dans dictionnaire de spiritualité, t. X, éd. Beauchesne, Paris, 1980, col. 1329

[16] اللائحة التي وضعها هرماس هي التالية: مساعدة الأرامل، زيارة الأيتام والمعوزين، فدية خدّام الله من العبوديّة، أن نكون مضيافين، لا نعارض أحداً، الهدوء، أن ننزل تحت الجميع، تكريم العجزة، حماية العدل، الحفاظ على الأخوة، تحمّل العنف، الصبر، لا نضمر الحقد، تعزية النفوس الحزينة، عدم رفض القلقين في الإيمان إنما مساعدتهم على التوبة، إعادتهم إلى قلوبهم، إستعادة الخطأة، لا تقهر المديون ولا المعوز، وغيرها من الأعمال المشابهة» (R. Joly, dans sources chrétiennes, 53 bis, p. 181)).

[17] العظة 14، حول محبة الفقراء، PG 35، ص 864-865.

[18] In Matteaum latin 72, GCS 38, p. 168-172.

 [19]يوحنا فم الذهب، عظة حول أعمال الرسل 6/4، وعظة حول التكوين 3/4.

[20] Iréné Noye, «Misericorde (œuvre de), dans Dictionnaire de spiritualité, t. X, éd. Beauchesne, Paris, 1980, col. 1333

[21] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، المكتبة البولسية ومنشورات الرسل، جونيه، 1998، عدد 2447.

[22] عظة 60/10.

[23] عظة 3 حول التوبة.

[24] مار أغوسطينس، في مدينة الله، 21/27/3.

[25] يونان من أورليان، في قوانين العلمانيّين، 3/10.

[26] القديس غريغوريوس الكبير، العظة حول الإنجيل 1/20.

[27] القديس بطرس كريزولوك، العظة 28/5.

[28] إنّ قراءة بعض وصايا الأشخاص لميراثهم وتركتهم تبيّن التعليلات التي كانت تُعطى للصدقات التي كانت تُستَوفَى، ومن هذه التعليلات: الاعتراف بالخطايا ورفضها؛ من أجل استحقاقات المعطي، وعلى نية أقربائه الأحياء والأموات، وعلى نية الكنيسة جمعاء؛ وهكذا كان يتمّ التأكيد على الإيمان بشركة القديسين. هذه كلّها تدلّ على البُعد الخلاصي الذي تحمله الصدقات.

جان كسيانس، في محاضراته، 20/8 يذكر أنّ الصدقة هي الثمرة الثالثة بين الاثني عشر للتوبة والتكفير عن الجريمة. فالذين لا يقدرون تحمّل التكفير الصعب عن خطاياهم كانوا يتحرّرون منها بواسطة «الصدقة، (دفع فدية)، أي ثمن تحرير إنسان أو عبد، ولكنه من الأفضل إذا أعطى الشخص نصف أمواله وعوّض بأربعة أضعاف الاساءات التي صنعها» مثل زكّا (القانون 8/28 من كتابا الكفارات في قميان، وسط الجيل السابع).

[29] رسالة 130/24، كتبها إلى بروبا الغنية حول موضوع الصلاة.

[30] أسابيوس، القرن الخامس، عظة 8/4.

[31] كروماس من أكويلا، عظة 11/5.

[32] مار أغوسطينس، عظة 25/8.

[33] القديس أمبروسيوس، في الخدم، 1/30/148.

[34] القديس غريغوريوس الكبير، الأخلاق 21/19/31.

[35] القديس يوحنا فم الذهب، في الرسالة الثانية إلى طيموتاوس 6/3. راجع أيضاً اكلمنضوس الإسكندري، العظة حول خلاص الغني، 31.

[36] البابا لاوون، العظة العاشرة في الصوم، 5.

[37] البابا فرنسيس، براءة إعلان سنة الرحمة، «وجه الرحمة»، عدد 15.

[38] البابا فرنسيس، رسالة صوم 2015.

Scroll to Top