Almanara Magazine

أيقونة مُشعة وسط شعب متألم

           الأب بيار بلعه م.ل.

  1. مقدمة

“أيقونة مُشعة وسط شعب متألم” عبارة إخترنا كلماتها بحرصٍ شديد لكب نُعَنوِن بها مقالنا هذا. كلمات عميقة في معانيها ومشعبة في أبعادها؛ كلمات جديرة بأن تكون عناوين أحاديث علميّة غنية أو مواضيع أبحاثٍ مُعمّقة. بالطبع هنا لا يسعنا (نظرًا لضيق المساحة) أن ننضم إلى دينامكية هذه الأحاديث، ولا نريد أيضًا ان نغوص في عمق عالم تلك المواضيع. هدفنا الحالي سرد بعض المعطيات والتأمل ببعض الحقائق التي تجيز لنا القول: أنّه بمقتضاة طبيعتنا البشريّة المخلوقة “على صورة الله كمثاله” (تكوين 1 /26 – 27) وبحكم إستحقاقات عمادنا وإلحاح حاجات عالمنا الذي شوهته الإضطرابات ومزقت قيمه النزاعات وحجبت حسنه الضيقات، نحن مدعوون لأن نكون أيقونة بهيّة للابن الوحيد الذي مَكنَّنا أن نصير أولاد الله (يوحنا 1/12)؛ أيقونة مسيحانيّة تعلن مجد الآب الذي أحبَّنا حبًّا لا حد له (يوحنا 3/16)؛ أيقونة مشعة تفيض محبّة وترشح رحمة وتبعث الرجاء وتولّد الفرح وتقود إلى القداسة.

في الصفحات لاتالية، سنقارب أبعاد ومفاعيل دعوتنا هذه وفقًا للتسلسل التالي:

  1. مقدمة
  • دعوتنا لكي نكون أيقونة مسيحانيّة

2.1 أبرز معطيات دعوتنا هذه

2.2 أيقونة مسيحانيّة

2.3 شعب متألم

  • أيقونة تفيض محبة

3.1 المفهوم المسيحي للمحبة

3.2 الحاجة الماسة للمحبة

3.3 نحت كأيقونة محبة

  • أيقونة ترشح رحمة

4.1 توصيف الرحمة

4.2 رحمة الله وحياتنا الروحيّة

4.3 نحت كأيقونة رحمة

  • أيقونة تبعث الرجاء

5.1 الرجاء في سطور

5.2 جوهر رجائنا

5.3 نحن كأيقونة رجاء

  • أيقونة تولّد الفرح

6.1 تعريف بالفرح

6.2 ينابيع الفرح والمخاطر التي تتهدّده

6.3 نحن كأيقونة فرح

  • خاتمة
  • دعوتنا لكي نكون أيقونة مسيحانية

2.1 أبرز معطيات دعوتنا هذه

* دعوتنا لكي نكون أيقونة مسيحانية نابعة من عظمة كوننا مخلوقين على صورة الآب كمثاله ومن وجوب تلبية نداء الابن “كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل” (متى 5/48) من حضور الروح القدس في حياتنا.

* من الشائع والمتعارف عليه عالميًا أن عبارة “الأنسان مخلوق على صورة الله” هي إسم لفكرة فلسفية وعنوان لعقيدة دينية ذات أثر عظيم في حضارات كثيرة وتأثير كبير على حياة شعوبها. لطالما إختلف الفلاسفة واللاهوتتيون والمفكرون على تحديده هذه الحقيقة وتوصيف مضمونها وشرح معناها؛ لكنهم متفقون بشكل شبه كامل على أنّها لا تعني أن الله يملك شكل إنسان، وعلى أنّ الله، بقعل إرادي حرّ، أغدق على الإنسان شرفًا خاصًا وميزة وفريدة لم يعطيهما لأيّ من باقي مخلوقاته، عطيّةٌ إلهيّة قوامها:

الوعي المنطقي The Consciousness

القدرة على النطق التواصلي The ability to speak and Communicate .

  • بالمفهوم المسيحي، “الإنسان المخلوق على صورة الله كمثاله” هي أكبر من فكرة فلسفية وأعمق جدًا من أن تكون مصطلح ديني شائع. في الحقيقة هي عقيدة إيمانية جذورها متأصلة عميقًا في طيّات صفحات أسفار الكتاب المقدّس بدءًا بسفر التكوين وختامًا بسفر رؤيا يوحنا[1]. هي عقيدة بلغت ملئ معناها بتجسدّ الإبن الذي جدّد صورة الله المشوهة في الإنسان ورمّم الطبيعة البشرية التي أفسدها الإنسان. بفعله هذا، ذَكّرَنا الإبن المتجسد باننا خلقنا على صورة الله في طبيعتنا الإخلاقية والروحية والفكرية وبأننا مدعوون لنعكس ألوهية الآب ونعلن إرادته ونتممها في حياتنا وذلك وفق قدرتنا على تحقيق الصفات الفريدة التي وهبنا إيّاها مجانًا بدافع حبّه اللامحدود لنا. صفات تميزنا عن سائر المخلوقات؛ نذكر منها على سبيل المثال: البنية العقلية، الوعي الذاتي، الحرية الإبداعية والقدرة على السمو نحو الكمال والإتحاد بالألوهة. يا له من سرٍّ عظيم سرّ الإنسان المخلوق من الله على صورة الله لله[2]. فمن بين جميع الخلائق المرئية وحده الإنسان نال حظوة عند الله.

أسفار الكتاب المقدّس تكلمت عن هذه الخطوة بإسحاب كبير وإجلال عظيم ساردت بإكرام وإمتنان كيف أظهر الله هذه الحظوة وعبّر عنها بطرقٍ شتى؛ على سبيل المثال لا الحصر:

  • الله خلق الإنسان على صورته كمثاله بطريقة مميزة عن سائر المخلوقات.
  • الله بارك الإنسان وجعله شريك له في تدبير شؤون الكائنات.
  • الله اقام عهدًا مع الإنسان وجعله وارثًا لملكوته.

ذروة التعبير عن هذه الحظوة تمت بتجسد الابن الوحيد، لما في ملء الزمن صار إنسانًا مثلنا فسكن بيننا(يو1/14).

من هنا يمكن القول بتأكيد تام بأن محبة الله الأب ونعمة الابن والوحيد وحضور وعمل الروح القدس الفعّال في حياتنا جعلوا منا أيقونة مسيحانية تحظى بشرف تجسيد حضور الله وسط الكائنات وتنعم بعزة مشاركته أعماله على الأرض:

شرف تجسد حضور الله وسط الكائنات:

على مرّ العصور، ضع ملوك الأرض وعظمائها تماثيل ومنحوتات لذواتهم وأقاموها في مناطق نفوذهم تذكيرًا لرعاياهم وللشعوب الخاضعة لهم بأنهم أصحاب السلطة والنفوذ وبأن لهم وحدهم يجب الخضوع والانصياع. لكن الحال لم يكن كذلك بالنسبة لشعب العهد القديم؛ فلقد نهاهم الله عن ذلك آمرًا: “إلهًا مسبوكًا لا تصنع لنفسك” (خروج 34/17) و”لا تصنعوا لكم أوثانًا ولا تقيموا تمثالاً أو نصبًا …لأني أنا الرب إلهكم” (أخبار 19/4؛ 26/1). وذلك لأن الله يعبّر الإنسان صورة مجده على الأرض ورمز حضوره في قلب الخليقة: حضور فعال، خلاّق، مُدبّرٌ، عادلٌ، محبٌ، معطاءٌ وغيرها من لاصفات الإلهية الموهبة للإنسان بفضل كونه مخلوق على صورة الله كمثاله.

عزة مشاركة الله في أعماله على الأرض:

جذور هذا الامتياز متأصلة عميقًا في فجر التكوين، تحديدصا في بدايات المهمة الأولى التي أوكلها الله لآدم وحواء في نفس اليوم الذي خلقهما فيه، فلقد امرهما قائلاً: “إنماو واكثروا وأملأوا الأرض وأخضعوها” (تكوين 1/27 -28؛ 5/1) وفي البركة التي أسبغها عليهما لمؤازرتهما في إنجاز هذه المهمة. ضمانة هذا الامتياز وبعده العملاني جسّدهما الله في مرافقته الفعاّلة للبشربشكل مستدام على مرّ العصور وفي تشجيعه المستمر لهم وقربه منهم مهما إبتعدوا عنه وعصوا مشيئته[3].

هذا الحضور الإلهي بلغ ذروة معناه وتمام كينونته وملئ جوهره في تجسد الإبن وسكناه بيننا (يوحنا 1/14). حضورٌ خلّده الإبن المتجسد بواسطة سرّ الإفخارستيا، وأكدّه بأستمرار حتى المرة الأخيرة التي ترأى فيها لتلاميذة بعد قيامته من بين الأموات وقبل إرتفاعه إلى السماء: “…هاءنذا معكم طول الأيام إلى نهاية العالم” (متى 28/20).

2.2 أيقونة مسيحانيّة

عالم الأيقونة / الأيقونات هو عالم شاسع متشعب الأبعاد تعانق آفاقه عوالم اللاهوت واليتورجيّة والفن والتاريخ والأنتروبولوجيا. بالطبع هنا، هدفنا ليس الغوص في رحاب هذا العلم ولا الإنضمام إلى الحوار أو النزاع الدائرين حول موضوع الأيقونة، بل استعارت بعض عناصر توصيفها بغرض ترصيع مضمون هذا المقال وتمتين حجته.

  • إنّ جذر لفظة أيقونة هو الكلمة اليونانية ”         ” تعني “صورة طبق الأصل” أو “تجسيد صادق”.
  • في الفكر المسيحي، إن الأسلوب المتبع في صنع الأيقونة – مثله مثل لغة الأمثال الكتابية (Bliblical Parables) – لايمكن أن يكون اللاّ صوريًّا figurative  أو رمزيًا Symbolie.
  • في الأيقونة، لا تظهر مشاعر (فرح، حزن،…) الأشخاص المرسومين فيها، بل فضائلهم مثل الطهارة، الصبر، الرجاء، المحبة،…
  • في الأيقونة، يعمّ الصمت ويخيّم الهدوء: أفواه الأشخاص المرسومين فيها هي دائمًا مغلقة ولا أثر لإشادة تدّل على الصوت. هذا الصمت العميق وهذا الهدوء الصافي يَخلُقان جوًا من الصلاة والتأمل.
  • الأيقونة هي فعل شهادة Testemony: لا يرى الشخص حين يخشع أمام الأيقونة تجسيدًا خارجيًا لشخصية تاريخيّة بل حضورًا داخليًا في النور أو عالم الإلوهة.
  • الأيقونة هي وسيلة تواصل مع عالم الألوهة، وهي أيضًا ثمرة فنٍّ نابع من الاحتفال الليتورجي بالعهد الجديد الذي أسّسه وتمّمه الابن الوحيد بتجسده وموته وقيامته.
  • جنبًا إلى جنب مع الكتاب المقدّس، الأيقونة:
  • توّلد وتشدّد الإيمان.
  • تدعو إلى لاصلاة وتخفّر على التأمل.
  • تعلّم وتذكّر بتعاليم الكتاب المقدّس.
  • تخلف وتنّمي الاختبار الروحي للمتأملين والمصلّين.
  • الأيقونة تنقلنا من العالم المنظور إلى عالم اللامنظور لتظهر لنا من (الله) وما (الحياة الأبدية) ينتظرنا في ختام حياتنا الأرضية.

إن قراءة هادئة لهذه المعطيات حول الأيقونة تظهر تطابقها شبه التام مع أهمّ نواحي حضورنا المسيحاني وسط شعبنا المتألم.

2.3 شعبٌ متألم

إن أعظم تحدٍّ يواجه البشرية على مرّ العصور هو موضوع المعاناة: كيفية توصيفها، تحديد مصادرها، تعداد رطق التعاطي مع…فلو تفحصنا نصوص الأسفار المقدّسة لوجدناها مليئة بالاشارات لامتعلقة بمعاناة البشرية سواء على الصعيد الفردي أو على الصعيد الجماعي. معاناة عبّر عنها يسوع بأسم البشرية جمعاء بصرخة مدوية وهو على الصليب “إلهي، إلهي، لماذا تركتني” (متى 27 /46).

معاناة بلغ أنينها مسامع الآب فخاطب موسى قائلاً: “سمعت صراخ شعبي…وعَلِمتُ بالآمه…فنزلت لأنقذه…”(خروج 3/7).

معاناة اثارة شفقة الإبن حين رأى الجموع الآتية إليه كأنها “غنم لا راعي لها”(متى 9/36؛ مرقس 6/34).

المعاناة بالمفهوم الكتابي هي كناية شبكة مكونات روحيّة، عقليّة، نفسيّة، وجسديّة؛ مكونات تعتبر جزءًا أساسيًا من كينونة الكائن البشري وعنصر متمّم لكيانه. في خضم هذا كلّه، نسمع صوت الراعي الصالح (يوحنا 10) يقول لنا: “لا تضطرب قلوبكم” (يوحنا 14/1)، هاءنذا معكم طول الأيام” (متى 28 / 20)، “تعانون الشدة في العالم ولكن ثقوا إني قد غلبت العالم” (يوحنا 16 /33).

هناك خمسة أنواع اساسي، متفق عليها بشكل شبه تام، تندرج تحتها كافة أشكال المعاناة التي تواجه البشرية.

النوع الأول: معاناة الخليقة

معاناة الخليقة هي واقع معيوش يتخطى حقبات الأزمنة وحدود الأمكنة…واقع تنتجه الكوارث الطبيعية والأمراض ويفرضه الموت…واقع تعيشه البشرية في كل زمان ومكان.

يربط الكتاب المقدّس، بطريقة معينة، هذا النوع من المعاناة بشر الإنسان. فلقد ورد في سفر التكوين”…ورأى الربّ أنّ شرّ الإنسان قد كثر على الأرض وأنذ كلّ ما يتصوره قلبه من أفكارٍ إنما هو شرّ طوال يومه… وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت عنفًا…لأن كلَّ بشرٍ قد أفسد طريقه عليها…فندم الربّ على إنّه صنع الإنسان على الأرض وتأسف قلبه” (تكوين 6/ 5 – 12). بحسب المفهوم الكتابي إذا، هذا النوع من المعاناة مرتبط بحالة الخليقة بعد خطيئة الإنسان الذي يستعمل / يستغل الكائنات استعمالاً / استغلالاً يخالف مشيئة الله فيسخرها لشهواته ولكبريائه. في هذا الإطار كتب القديس بولس في رسالته إلى أهل روما: “أرى أنّ الآم الزمن الحاضر لا تعادل المجد الذي ستيجلى فينا. فالخليقة تنتظر…الخليقة جمعاء تئن إلى اليوم من آلام المخاض…ونحن أيضًا منتظرين التبنيّ…في الرجاء نلنا الخلاص” (رومة 8/ 18 – 24).

عن هذا الرجاء المسيحاني الذي يعزّي ويقوّي وسط معاناة الخليقة، كتب القديس بطرس في رسالته الأولى: “…شملنا (الله) بوافر رحمته فولدنا ثانية لرجاء حيّ…لا بدّ لكم من الإغتمام حينًا بما يصيبكم من مختلف المحن…لا تخافوا….لا تضطربوا…”(1بطرس 1/1-2). هذا الرجاء الحقّ هو النقيض الصحيح لما يسمّى في عصرنا الحالي ب “حضارة الموت”.   

النوع الثاني: المعاناة الجسدية

يشمل هذا النوع من المعاناة الآلام الناجمة عن الأمراض أو الحوادث التي تصيب جسم الإنسان أو من الاذى المُسثط عليه جرّاء عوامل أخرى. ولطالما ساهمت الاكتشاف العلمية وتطور الطبّ وجودة تراكيب الأدوية مساهمة فعّالة بتخفيف – وفي بعض الأحيان – بإزالة هذه المعاناة. لكن الواقع هو أنّ المعاناة الجسدية تتخطى أحيانًا حالة الشخص المتألم لتطال محيطه العائلي والجسم الطبيّ المُكل أمر العناية به (إعياء…تعب…إرهاق).

هذا التخطي يُولّد دوامة مفعمة بمشاعر عدوانيّة وأحاسيس سلبية تؤدي كلّ من دخل آفاقها وتزيد من أضرار المعاناة الجسدية. 

النوع الثالث: المعاناة العقلية

بالرغم من قلّة التحدث عنها، تعتبر المعاناة العقلية فرعًا أساسيًا من معاناة البشر. ثلاثة شخصيات توضع عادة تحت هذا العنوان:

الهذيان Delirium، الإكتئاب Depression، نوبات الذعر Panic attcks. في حالات كهذه ينحصر دورنا (الدور الأساس / المعالجة يقوم به الاخصائيون) فقط بالدعم المعنوي والروحي للمتألمين عقليًا كي لا يشعروا أنّهم منبوذون أو مهمشون بل محبوبون وذات قيمة. فعلنا هذا يجعل منا أيقونة مسيحانيّة تفيض محبة وحنانًا وتعاطفًا وتظهر محبة الآب ورحمة الابن ومعونة الروح القدس.

النوع الرابع: المعاناة النفسية

ضحايا هذه المعاناة غالبًا ما يشعرون وكأن الرجاء قد هجرهم والحبّ تخلى عنهم، فأضحوا (بنظر أنفسهم) مخذولين من قبل أجسادهم، منبوذين من الناس ومتروكين من الله. أشد عناصر هذه المعاناة أذى وفتكًا بالمتألمين هما الغمّ الشديد / الحزن المبرح والشعور بالدونية. الحزت يستحق قلب الإنسان والشعور بالدونيّة يحطّم الفرح والحبّ المكنونان فيه ويجعل منه مرتفعًا للعذاب وللمشاعر العدوانيّة وما شابه…

النوع الخامس: المعاناة الروحيّة

هذا النوع مرتبط إرتباطًا وثيقًا بأنواع المعاناة المذكورة أعلاه: وفي أغلب الأحيان يكون نتيجة لهم مجتمعين أو منفردين. أشهر الأسئلة التي يطرحها ضحايا هذا النوع تدور حول وجود الله، وصلاحه وعدله وعلاقته بما أصحابهم / يحصل لهم…ولماذا هو وليس غيرهم…

ما يذكي هذه وغيرها من أنواع المعاناة ويزدها مرارة هو غضّ الطرف عن وجع ضحاياها وصمّ الآذان عن صراخهم. تصرف كهذا يفصل الإنسان عن جوهر هويته ككائن مخلوقٍ على صورة الله كمثاله. “مسكين” الله فهو المُلامُ دومًا (من قبل الكثيرين) عن وجود الشرّ في العالم…فعلٌ كهذا مرفوض رفضًا قاطعًا من قبلنا نحن الذين نحمل اسم ابنه الوحيد الذي جعل منّا أولادًا لأبيه السماوي…فعل كهذا يشبه مديح الشيطان وشكره على سماحِهِ للخير أن يتواجد أو يحدث في العالم. 

أنّ حضورنا بجانب الذين يعانون يشبه إنتظارنا معهم في “سكرستيا” السماء حتى إذا جاء الحبّ الأعظم الذي يفوق حبنا لهم، ينطلقون بسلامٍ معه نحو بيت الآب السماوي (يوحنا 14 / 1-3) ليحتفلوا سوية ويشركون في “وليمة عرس الحمل” (رؤيا 19/9).

هنا نستذكر كلام القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس: “تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كلِّ عزاء، فهو الذي يعزّينا في جميع شدائدنا لنستطيع، بما نتلقى نحن من عزاء من الله، أن نعزّي الذين هم في آيّةِ شدة كانت” (2 قورنتس 1/3-4).

  • أيقونة تفيض محبة

3.1 المفهوم المسيحي للمحبّة

إنّ خير نقطة انطلاق لعرض المفهوم المسيحي للمحبة ولمقاربة موضوع الحاجة لها وكيفية حضورنا كايقونة تفيض بها وسط شعبنا / مجتمعنا هو كلام القديس يوحنا الإنجيلي: “من لا يُحب لم يعرف الله لإنّ الله محبة” (1يوحنا 4/8)، فإن “الله أحبّ العالم جاد بإبنه الوحيد” (يوحنا 3/16).

المحبو في المفهوم المسيحي ليس حنان واعجاب، أو شفقة وعطف، أو تعاطف وشعور بالإرتياح، بل أعظم الفضائل وأكبر الوصايا ونمط حياة ثالوتي المنشأ والغاية.

المحبة هي أعظم الفضائل

في الرسالة الأولى إلى اهل قورنتس، نجد نشيد المحبة وهو من أروع النصوص الكتابية، فيه يبرز القديس بولس جوهر وعظمة المحبة: “…فالآن تبقى هذه الأمور الثلاثة: “الإيمان والرجاء والمحبة” (1قورنتس 13/1-13).

المحبة هي أعظم فضيلة أفاضها الله في قلب الإنسان جاعلاً منه صورة حيّة له: الله محبة (1يوحنا 4/8) ونحن أيقونة هذه المحبة فهو خلقنا على صورته كمثاله (تكوين 1/26-27). بفضل المحبة نحبّ الله لأنه الله ونحب الآخرين من أجل الله، فالله هو مبدأ وغاية المحبة.

المحبة هي أيضًا فعل إرادة وتوق لصنع البرّ والإحسان، فهي تجعل من صاحبها أيقونة حيّة تفيض كرم وقت العطاء واستعدادًا للمساعدة ومن الحاجة وتعزيّه في الاحزان وإغاثة في الشدائد ومشاركة حقّة ومجردّة من الغايات وقت الأفراح.

المحبة هي أكبر الوصايا

المحبة هي الوصية الأعظم لأنّها الوحيدة من بين باقي الوصايا المرتبطةٌ إرتباطاً جوهرياً بشخص اللّه. القديس يوحنا الأنجيلي عبّر عن هذه الحقيقة أعمق تعبير قائلاً :” إنّ اللّه محبة” (1يوحنا 4/8). فلم نسمع يوماً أحد يقول “إنّ اللّه إيمان،” بل إنّ اللّه هو مصدر وغاية الإيمان…

كذلك يصحّ القول في شأن الرجاء وباقي الفضائل أو الوصايا…

المحبة هي الوصية الأعظم لإنه بها “ترتبط الشريعة كلّها والانبياء” (متى 22/ 37- 40). هذا ما أعلنه الابن الوحيد جاعلا من المحبة نمط حياة أسسه وعاشه وأمر به:

“كل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، إفعلوه أنتم لهم” (متى 7/12).

و”أحبّوا أعداءكم وأحسنوا الى مبغضيكم…” (لوقا 6/27).

في رسالته لهم، يدعو القديس بولس أهل رومة لأنّ يتّبعوا هذا النمط :” لا يكونوا لأحدٍ دين إلاّ حبّ بعضكم لبعض، فمن أحبّ غيره أتمّ الشريعة ” (رومة 13/8). فكما كانت الشريعة لشعب التوراة عربونًا وتعبيرًا عن إلتزامهم بالعهد الذي أقامه اللّه معهم، كذلك المحبة بالنسبة إلينا نحن الذين نؤمن بالكلمة الأزلي الذي “أخلى ذاته ” (فيليبي 2/7)، هي عربون إحترامنا لأمنيته الاخيرة وتعبيرًا صادقًا عن عزمنا الثابت على تنفيذ وصيته الجديدة :” أعطيكم وصية جديدة : أحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم” (يوحنا 13/ 34) و “ما أوصيكم به هو: أحبّوا بعضكم بعضًا” (يوحنا 15/17).

المحبة هي الوصية الاعظم لإنّها تجعل منّا أيقونة مسيحانية للذي أعلمنا أنّه “الطريق والحقّ والحياة” (يوحنا 14/6)…

بتعبير أعمق، المحبة تجعل منّا أيقونة مسيحانية للابن الوحيد الذي حوّلها الى جسر عبورمن الموت الى الحياة (1 يوحنا 3/14 )… الى جسر عبور  عبر عليه من لدى الله…

من حضن أبيه (يوحنا 1/1، 18) ” ليأت الى العالم ” و “يسكن بيننا” (يوحنا 1/9،14).

المحبة هي أخر طلبٍ يطلبه يسوع من الآب لأجلنا في ختام حياته على الارض: ” يا أبت… لتكون فيهم المحبّة التي أحببتني إيّاها وأكون أنا فيهم” (يوحنا 17/26).

وجود المحبة فينا وحضوره في حياتنا هذا ما طلبه الابن بدالة بنوية من أبيه السماوي لإنه عارف بطبيعتنا البشرية وحاجتها الماسة الى المحبة فهو الذي صوّر طبعنا البشري (يوحنا 1/3) وهو الذي “صار بشرًا فسكن بيننا” (يوحنا 1/14)؛ وهو الذي دعانا أحبائه فأختارنا وأقامنا لنواصل عمله في تحقيق  مقتضيات هذه الحاجة (يوحنا 15/16).

3.2 الحاجة الماسة للمحبة

الحاجة للمحبة هي أهم وأعمق الحاجات الانسانية على الاطلاق. إنها حاجة كيانية وجودية. أهميتها هذه تنبع من كونها مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بالطبع البشري وبالتوصيف الكتابي للطريقة التي خُلِقَ فيها. فالإنسان مخلوقٌ على صورة ومثال المحبة العظمى لله ذاته ومدعو للمشاركة في حياة وملكوت خالقه الذي هو الحبيب الأوحد الفريد والمحبّ الاعظم الوحيد. من هنا ينبع حنين الانسان وتوقه للعيش في حالة حبّ دائم:أن يُحبّ  وينحَبّ To love and to be loved. هذا التوصيف الأنطولوجي للحاجة للمحبة يقود دائما للتحدث عن البعد السيكولوجي Psychologie للحاجة. في ما يلي، وضمن هذا الاطار، سنوجه إهتمامنا – ولو بشكل سريع ومقتضب – نحو أربعة عناصر أساسية نعتبّرها مُهمّة لفهم الحاجة للمحبة :

العنصر الاول : الإنتماء

الإنسان بطبعه مخلوقٌ جماعي، فلقد خلقهما الله ذكرًا وانثى؛من هنا تنبع حاجته للشعور بالإنتماء الى عائلة، الى جماعة، الى مجتمع، الى وطن… بناءً عليه، يمكن القول إنّ هذا الشعور هو جوهري Intrinsie متأصل في الطبع البشري، وهو أيضًا شعور وشامل Universal على حجم البشرية جمعاء بحيث يتخطى جميع الحواجز الثقافية. الاجتماعية  – العرقية – الدينينة…

كل إنسان يشعر أنه بحاجة لأن ينتمي الى شيء أكبر منه.

الشعور بالإنتماء يُنميّ الإبداع ويُحَفزّ على العمل ويشجع على فعل الخير. أضف لذلك، إنّ النظام المتبع في الجماعة مع قوانينها المرعية الإجراء توجب على أفرادها عيش قيمها والحفاظ على إرثها. في هذا الإطار، يجمع العلماء والمفكرون على نقطتين هامين:

النقطة الأولى : أن تلبية الحاجة الى الإنتماء تتّم حينما يختبر الشخص المعني سلسلة تفاعلات متكررة وإيجابية مع الجماعة الحاضنة: نمط عيشها، قوانينها، قيمها، أفرادها… ويشعر بالتالي الرعاية والإهتمام المقدمان له من قبل أفرادها.

النقطة الثانية : شعور بسعادة كبرى وبحماس شديد ينشبان الشخص المعني عندما يعني إنّ حاجته الى الإنتماء قد تمّ تلبيتها..,. وعندما يشعر إنّه تأقلم مع الجماعة التي ينتمي اليها..,. وإنّه مقبول من قبل أفرادها.

الحاجة الى الإنتماء هي قوة جامحة إن تمّت تلبيتها تؤتي ثمارًا جيدة (سعادة – حماس- استقرار نفسي…)، خلافًا لذلك تصبح مصدر أذيّة ومشاكل كثيرة.

العنصر الثاني : القبول

الجماعة المسيحية الاولى عانت من :

  • الطرد من المجامع اليهودية.
  • الإضطرابات الداخلية الناجمة عن تصرفات بعض أعضائها…
  • الإضطهاد من قبل السلطات الرومانية.

هذه الإمور الثلاث زعزعت (في بعض الاحيان دمّرت ) الشعور بالإنتماء عند افراد هذه الجماعة ممّا سبب لهم حزنًا اليمًا وضيقًا شديدًا…

المعاناة التي خلفتها تلك المأساة الثلاثة الإبعاد، جعلت المسيحييون الأولون يشعرون بأنهم مرذلون ومنبوذون بالتالي بالحاجة لأن يكونوا مقبولين وأنّ تكون هوية إنتمائهم متصرف بها… تعزيتهم الكبرى أتت من إيمانهم بالمسيح القائم من الموت الذي بقيامته جعل منهم اولادًا لأبيه وجزءًا من عائلته Familia Die.

ومن وعوده الاسكاتولوجية Eschatalogical Promises ومن تعاليمه المشجعة Metaphorical encouragement[4].

العنصر الثالث : الأمان

بحكم طبيعته، يختلج قلب الإنسان بباقةٌ من المشاعر الإيجابية والسلبية، من أقواها الشعور بالانتماء والشعور بالأمان. محينما يشعر الانسان بهذين الشعورين، يرتاح قلبه ويستكن عقله فيصبح اكثر سعادة وانتاجًا وعطاءً. بخلاف ذلك يتحوّل الإنسان الى كائن كئيب – سلبي وفي معظم الاحيان يميل قلبه الى الشرّ.

في العصور القديمة، كان الإنتماء الى مجموعة معينةٌ يمنح المنتمي اليها شعورًا بالأمان : كانت الجماعة مصدر حماية لأفرادها من هجمات الوحوش: مُعينٌ قوي في تحمّل مشقاة صراع البقاء وفي مواجهة هول غضب الطبيعة. المنافع التي كانت تقدّمها الجماعة لأفرادها كانت تنفي خوفهم على مصيرهم وتزيل قلقهم حول حالة عيش أحبائهم.

العنصر الرابع : الحبّ

في قلبَ كلّ كائن بشري يكمن شعور عميق بالحاجة الى الحبّ: أنّ يَحِبَّ وأن يكون محبوبًا.

الكتاب المقدس بشكل عام وإنجيل يوحنا بشكل خاص مليء بنصوص وآيات تصف وتشيد بعظمة الحبّ / المحبة ومفاعيلها. يسوع المسيح كان ولا يزال الجواب الحق والكامل لهذا الشعور؛ فلقد اظهر ذلك في تعاليمه وأعماله[5]:

3.3 نحن كأيقونة محبة

إنّ دعوتنا لكي نكون أيقونة محبة أو حقيقة كوننا أيقونة محبة، هي حقيقة ثالوثية المصدر وكتابية التعبير. بعبارات أوضح، هي حقيقة مثلثة الجذور نابعة من العلاقة الكيانية الموجودة بين الثالوث الأقدس وبيننا نحن البشر؛ حقيقة أعلنها الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد وأسهب في التعبير عنها في جميع نصوص اسفاره المقدسة:

الجزء الأول محبة الآب الازلي

” الله محبة ” (يوحنا 4/7) حقيقة إيمانية أعلنها الإنجيلي يوحنا التلميذ الحبيب وعبّر عنها بإسحاب في إنجيله ورسائله وفي سفر الرؤيا هذا الإعلان ليس صفةٌ اخلاقية Moral characteristic تعطى الى الله (كالقول مثلاً : إن الله كريم- غفور- صبور…) بل هو توصيف جوهر لجوهريته (كالقول مثلاً أن الله  أزلي، واحد، قدّوس…)

  • محبة الآب خلاّقة وشاملة، فهو المحبّ الحقيقي الكامل:
  • بكلمةٌ منه أبدع الآب الخليقة وأحبها (تكوين 1/31).
  • الآب أحبّ الانسان فخلقه بفعل محبة (تكوين 1/ 26، 2/ 18- 24). على صورته كمثاله.
  • الاب أحبّ العالم “حتى أنه جاد بإبنه الوحيد(يوحنا 14/23).
  • الآب احبّ الإبن (يوحنا 17/ 22) فجعل “كلّ شيء في يده” (يوحنا 3/35).

هذه المحبة الازلية الكائنة بين الآب والابن هي عنصر جوهري من الطبيعة الإلهية؛ ولقد إعتلنت وتحققت بواسطة المحبة الخلاصية المكنونة في قلب الابن (يوحنا 10/ 11، 15،13؛13/1؛ 15/13).هذه المحبة ذاته تؤهلنا الى الوحدة والإلفة مع الآب والابن بفعل وضمانة الروح القدس :

  • بدافع من هذه المحبة، الآب تبننا وجعل منّا ورثة لملكوته.
  • بدافع من هذه المحبة، الإبن فدانا وجعلنا أحباء له.
  • بدافع من هذه المحبة، الروح القدس يقدسنا يتمم مشيئة الآب في حياتنا، ويواصل عمل الابن فينا.
  • محبة الآب حيّة ومحييةٌ : فهي تنطلقن تسعى، تبحث وعلى الدوام تبادر اولاً. لا يمكننا هنا تعداد جميع المراجع الكتابية، لكن على سبيل المثال نذكر : فهي تبادر (يوحنا 6/44) و (1 يوحنا 4/19) ؛ مملؤة حياة (1 قورنتس 13/ 1- 13)، ذروة العطاء (يوحنا 3/16) ؛ تجعل منّا اولاد الاب (1يوحنا 3/1).
  • في العهد الجديد خاصة في إنجيل يوحنا نجد إرتباطًا وثيقًا بين محبة الاب وبين أفعال وتعاليم وعطايا الإبن المتجسّد : ففي كلّ واحدة من هذه نعثر على إعلان واضح وتعبيرًا حقيقي وتجسيدًا صادق لمحبة الآب.

الجزء الثاني : محبة الابن الوحيد

  • محبة الابن مرتبطة بالخلق فهو الكلمة الازلي الذي به كان كلّ شيء. كثيرون هم المفكرون الكتابييون واللاهوتيون الذيّن يعتبرون أن الخلق هو أول أعمال الله وباكورة التعبير عن محبته.

الفضل والشكر للإبن الوحيد الكائن في حضن الآب لإنه حقق هذا التعبير وأخبرنا عن الآب (يوحنا 1/17).

  • محبة الابن ظهرت جليًا في سرّ التجسد : بدافع محبته للآب وتتميمًا لمشيئته وحبًا بالانسان، الكلمة الازلي “صار بشرًا فسكن بيننا” (يوحنا 1/14). العطية المرافقة لهذا التعبير الفريد عن محبة الابن اللامحدودة هي إغراق شرف البنوة على الذين قبلوه… وآمنوا بإسمه : فلقد مَكّنهم أن يصيروا أولاد الله (يوحنا 1/12).
  • محبة الابن تجلّت بشكل واضح في العجائب التي قام بها. العطية المرافقة لهذا التعبير الغني بالحنان والرحمة هو الانتقال من الموت الى الحياة : فكل “ما فعل الآب يفعله الابن” (يوحنا 5/ 19 -20)؛ وكما أنّ الآب وهب / يهب الحياة (الخلق) كذلك الابن له القدرة والسلطان على فعل ذلك (يوحنا 5/21، 11/25؛ 14/6). وكما أنّ الآب صان/ يصون الحياة (يوحنا 3/16) هكذا افعل الإبن حين شفى المرضى ولأقام الموتى.
  • محبة الابن بلغت ملىء معناها وذروة التعبير عنها حين بذل ذاته عن احبائه (يوحنا 15/13) : فهو الراعي الصالح الذي يبذل ذاته عن خرافه (يوحنا 10/ 11)، وهو الذي ذاته خبزًا وخمرًا (يوحنا 6/ 54). هنا يكمن جوهر التعبير عن محبة الابن وذروة العطاء، أعطى ذاته، لا شيء أثمن ولا شيء أعظم من هذا التعبير. العطيّة المرافقة لهذا التعبير هي “الفرح التام” (يوحنا 15/ 9-11)، والحياة الابدية (يوحنا 6/ 54). الفعل الأوحد والاعظم الموازي لبذل الإبن ذاته / إعطائه جسده ودمه لنا هو إرسال الروح القدس لنا حتى لا يدعنا يتامى (يوحنا 14/18).

نضرع الى الابن الذي أحبّنا وجعل منّا أولادًا لأبيه السماوي  أنّ يرسخ محبة الآب في قلوبنا فنصبح آية تمجّد الآب وتظهر لعالمنا المتألم أننا أيقونة محبته اللامتناهية التي تساهم في تخفيف معاناته بمعونة الروح القدس البارقليط وفعل محبته في حياتنا.

الجزء الثالث: محبة الروح القدس

كتابيًا، هبة الروح القدس هي خاتمة العطايا التي أغدقها الابن على البشر في نهاية رسالته على الأرض وقبل إرتفاعه للجلوس عن يمين الآب (يوحنا 14/ 18، 16/7)، (يوحنا 20/22)؛(أعمال 2/2-4).

  • محبة  الروح القدس تذكرنا بمحبة الآب لنا : تلك المحبّة الفيّاضة اللامتناهية التي دعتنا الى الوجود وكانت في اساس فعل خلقه لنا على صورته كمثاله.فهي التي اغدقت علينا شرف أن نكون شركاء له في تدبير شؤون الخليقة، وورثة لملكوته وأيقونة فريدة تعكس عظمة محبته وبهاء مجده.
  • محبة الروح القدس تواصل عمل محبة الابن لنا وتبقى مفاعيلها حيّة في حياتنا : فهي تزيل ثقل اليتم عن كاهلنا وتصون شعورنا بالبنوة للآب وتديم تنعمنا بثمار هذه البنوة. هذا فحوى وعد يسوع لنا:” لن اترككم يتامى” (يوحنا 14/18). محبة الروح القدس لنا هي محبة مفعمة بالحنان والعطف والعناية والتدبير والحماية؛ فهو المعزي والمؤيد الذي سيكون معنا طوال الأيام (يوحنا 14/16).
  • محبة الروح القدس تعلّمنا، تقودنا الى القداسة وترشدنا الى” الحقّ كلّه” (يوحنا 16/13). فهي تصون صورة الله فينا وتحميها من النشوة بفعل الخطيئة والشر متحفظ  بالتالي إيقونة المحبة التي تجسدها وتملاءها نعمًا وتنمي ثمار أعمال وتزيد وهج اشعاعها بهاءً وسط عالمنا المتألم المشتاق الى الفرح، والتوّاق الى الرجاء والمحتاج الى الرحمة.

4- أيقونة ترشح رحمة

4.1 توصيف الرحمة

  • بالمفهوم الشائع، الرحمة هي التعرّف على معاناة وحاجاتهم المرتبطة بها، أو الناجمة عنها، ثم السعي لتخفيف او إزالة هذه المعاناة من خلال إتخاذ الإجراءات المناسية والقيام بالأعمال المؤاتية. بهذا تصبح الرحمة تعبيرًا ملموسًا عن المحبة لأولئك الذين يعانون.
  • يختلف توصيق الرحمة بإختلاف المقاربة التي يعتمدها كلّ قاموس أو معجم : فمنهم من ينظر إليها كوعي وجداني لضيق الآخرين  مصحوبٌ بالرغبة في تخفيف تداعياته عليهم. والبعض الآخر يحدّدها كشقفة متعاطفة وقلق على معاناة أو مصائب الأخرين دون ربطها بأي فعل أو نية لعمل شيء ما تجاهها. وغالبًا ما يحجّم معنى الرحمة ويوضع تحت شعار خاص بإحدى المشاعر النبيلة مثل الرأفة، التعاطف، العزاء، الحنان، الشفقة، وما شابه. هذه وما شابهها هي بحد ذاتها قيّمة للغاية وثمينةٌ كثيرة لاكنها تفتقر الى عنصر نشط في ذلك: العمل او السعي في تخفيف وإزالة المعاناة. بتعبير أوضح، مكون الفعل هو ما يفصل بين هذه المشاعر الإنسانية وبين الرحمة. فالرحمة تتدخل وتفعل عندما يبتعد الآخرون عن ضحايا الضيق، أو الشدة، أو المعاناة. فهي تحفزنا لمساعدتهم وتدفعنا للتصرف نيابة عنهم.
  • كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثولكية يخصص فصلاً من مضمونه للتحدث عن الرحمة. فبحسب توصيفة لها، الرحمة هي ثمرة المحبة (عدد 1829)، وأعمالها هي أعمال المحبة (عدد 2447)، وهي واجب على علينا نحن المسيحيين (عدد 1473). في هذا الإطار، تشير الرحمة الى كلّ من الشعور والفعل اللذين ينبعان منهما كما هي الحل في الكتاب المقدس.
  • الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد مليء بالنصوص والآيات التي تتكلم عن الرحمة خاصة رحمة الله تجاه البشر؛ نذكر على سبيل المثال لا الحصر في العهد القديم رحمة الربّ الإله كانت دومًا تتخطى خطيئة البشر وتسمو فوق معاصيهم، فهي مرادفة وتعبير لمحبته لهم : المحبة كانت الشعور الأول الذي اختلج به قلب الله قبل واثناء عملية خلق الانسان. شعور مفعمٌ بالفرح والعبور يفوق ادراك البشر.

هنا يمكن القول أنّ الخلق كان التعبير الأول عن محبة الله للإنسان، أمّا الرحمة فكانت التعبير التالي لهذه المحبة بعد ذلّة الإنسان: بدءًا مع آدم وحواء (تكوين 3/ 15، 21) واستمرار مع شعب التوراة (أفرادًا وجماعات) على امتداد  على امتداد مراحل تاريخه[6] من خلال العهد الذي قطعه معهم.

ففي كلّ مرّة كان الشعب ينكس بالعهد ويعصي الشريعة، كان الله يعفو عنهم ويحدّد العهد معهم مرفقًا ذلك ببركاته.

  • في العهد الجديد أيضًا نالت الرحمة حيزًا كبيرًا من أسفاره المقدسة : فهي تصف يسوع برحمة الآب الحنون المتجسدة، وهو ايضًا ينبوع الرحمة الإلهية المتدفق على البشر خاصة على المرضى والمساكين.

ولطالما فاقت رحمته قدسية الشريعة وضرورة العمل بمقتضياتها[7]، فهو ربّ الشريعة ومقدّس مضامينها، وهو الابن المحبّ الحنون الذي قصده الكثير (مرقس 1/40-44) من المحتاجين ضارعين بلهفة وصارخين بلوعةٌ “رحماك يا رب … رحماك يا يسوع…” (متى 9/27، 26، 15/21، 17/13) و (لوقا 7/13؛ 17/13). وهو الذي عظّم شأن الرحمة وفضّلها على الذبائح حين قال ” أريد رحمة لا ذبيحة” (متى 9/13).

  • خلاصة القول هنا أن الرحمة هي من أهم المواضيع في الكتاب المقدس، ولقد إحتلت حيزًا مهمًا في أسفاره. هناك ثلاثة تعابير أظهرت وجسدت رحمة الله في الكتاب المقدس:
  • حبّه الدائم لشعبه.
  • حنانه الوالدي عليهم.
  • وفائه الثابت للعهد الذي أقامه معهم.

4.2 رحمة الله وحياتنا الروحية

رحمة الله وحياة الانسان (بشكل خاص بُعدُها الروحي) هما حقيقتان غاص في رحب فلكهما كل فكر بشري واستكنّ في حنايا آفاقهما اختبارات البشر بأفراحها وأجزانها، بأمجادها  وهوانها فأثمرت أعمال وأقوال لا حدّ ولا حصر لها ( منحوتات، لوحات، كتب، أمثال، حكم، تعاليم …). ثمار أثرت في طبيعة عيش البشر على مرّ العصور.

في الاسطر التالية سنقارب بشكل مقتضى جدًا مكونين اثنين عن العلاقة التي تربط رحمة الله وحياتنا الروحية:

المكوّن الاول: مبادرة ثالوثية نحونا قوامها الدعوة للمشاركة في حياة الآب.

 المكوّن الثاني: جوابنا على هذه المبادرة المترجم بسعينا لتميم مقتضياتها.

ثمرة إلتقاء هذان المكونان هي صيرورة أيقونة الرحمة التي دعينا أن نكونها في وسط عالمنا المتألم :” كونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم” (لوقا 6/ 36).

المكوّن الأوّل: مبادرة ثالوثية نحونا

أفضل نقطة انطلاق للتحدث عن مبادرة الله نحونا هي العودة الى مضامين الاسفار المقدسة. ففي زمن التوراة كان العهد الذي أقامه الله مع شعبه ثمرة رحمته لهم : رحمة لا متناهية، غير مشروط، مجانيةٌ أغدقها الله عليهم رغم معصيتهم له وتركهم لشريعته في غالب الاحيان.

  • بناءً على ما تقدم يمكن القول أنّ العهد الذي أقامه الله كان ثمرة رحمته اللامتناهية والغافرة لمعاصيهم، وبأنّ هذه الرحمة هي ثمرة محبته اللامحدود للإنسان … رحمةٌ مدحتها وشجعت على إقتناءها جميع أسفار الكتاب المقدّس[8]…  يسوع نفسه أعطى الطوبى للرحماء (متى 5/7) ودعانا لنكون رحماء كما أن أبانا السماوي رحيم (لوقا 6/36)… هذه الرحمة النابعة من قلب الاب الحنون والمجسّدة بإعمال وأقوال الابن المتجسد هي عنصر أساسي ومكوّن جوهري من حياتنا الروحية.
  • حياتنا الروحية هي هبة مهيبة نلنا من لدن الآب الذي وهبنا الحياة بواسطة الابن الوحيد وبضمانة من الروح القدس الحيّ المحييّ هبةٌ ثمينة نلناه من الكرّام الكريم بإستحقاقات ” الكرمة الحق” (يوحنا 10/1) الذي جعل منّا أغصانا له،  و ” الراعي الصالح”(يوحنا 10/11) الذي دعانا لأن نصغى الى صوته ونتبعه فنصبح بذلك أفرادًا في عائلة الله Familia Die.

الأب هو المبادر : فهو من أسس المبادرة الثالوثية نحونا : أحبّنا أولاً، وهبنا الحياة ودعانا للمشاركة في أعماله وحياته …

الابن هو الوسيط ينقل مبادرة الآب الينا ويجسِدُها بيننا، ويرفع جوابنا الى الآب، وينميّ تجاوبنا مع دعوة الآب.

الروح القدس هو المرشد يشرح لنا مبادرة الآب، يقودنا الى الحق كلّه فيساعدنا في الايجابة على هذه الدعوة ويرافقنا في إتمام مقتضياتها.

يلاحظ هنا كيفية مشاركة الاقانيم الثلاثة في خلوّ وتنمية واستمرار حياتنا الروحية وصيانتها حتى اتمام غايتها.

ألا وهي : تمجيد الآب … مشاركتنا في حياته أن نكون أيقونة رحمة على مثاله وبحسب أعمال وتعاليم الابن تحت هدي الروح القدس.

  • الآب يفيض من محبته لنا – خلقنا على صورته ومثاله (تك 1/27)؛ وهو الذي أحبنا أولاً (1 يو 4/19) وجاد بإبنه الوحيد من أجل خلاصنا (يو 3 /16).
  • الآب هو الذي دعانا- بفيض من رحمته – (يو 6/44) وسلّمنا الى إبنه (يو 17/9).
  • الآب رهو الحياة وواهب الحياة وغاية الحياة الابدية (يوحنا 1/ 3-4) (يوحنا 5/1 -6، 26).
  • الابن (بكل ما قاله وجميع ما فعله) هو الوسيط الذي نقل الينا مبادرة الآب … فهو يفعل أعمال الآب ويعلن
  • ما تعلّم من الآب … (يوحنا 8/ 28- 29).
  • الابن أعلن وجسد محبة الآب وأظهر رحمته لنا… وبه نأتي الى الآب…
  • الروح القدس يواصل عمل الابن في حياتنا ويذكرنا بما قاله وبما فعله، وهو يصون حياة الله فينا …

يرافقنا … يقودنا… في مسيرتنا الروحية نحو بيت الآب. بذلك يزداد اشعاعنا كأيقونة رحمة وسط عالم متألم.

المكوّن الثاني: تجاوبنا على المبادرة الثالوثية

عند قراءتنا لإنجيل يوحنا (بشكل خاص) وباقي أسفار الكتاب المقدس (بشكل عام) نعي عمق حضور الثالوث الاقدس في حياتنا. هذا الوعي ينمي فينا الفهم لجلالة شرف إنتسابنا الى عائلة الله ولعظمة المبادرة الثالوثية نحونا، ويحفزنا بالتالي للسعي في إتمام مقتضياتها وموجبات هذا الشرف. حياتنا الروحية اذا هي متجذرة في رحمة الله المعلن عنها في الاسفار المقدسة.

  • نقطة انطلاقنا في التجاوب مع المبادرة الثالوثية هي الإيمان اليقين أنّ الله قد اختار بملىء ارادته وبفيض من محبته لنا أن يكون رحيمًا معنا، وبأنه أبانا الرحيم (لوقا 6/36) الرؤوف والطويل الأناة (مزمور 145/ 8-9). ضمن نطاق نقطة الإنطلاق هذه يجب إدراج القناعة العميقة بأنّ رحمة الله تثمر سلامًا داخليًا حقيقيًا وحبًا معطاءً وحياة روحية.

يلي ذلك وجوب معرفة الحاجة الى الرحمة وعدم تجاهل موجباتها : أضف الى ذلك قبول النعمة الإلهية والاستناد عليها حين استثمار المواهب المرافقة لها والمعطاة إلينا[9].

من المؤكد أن موضوع الحياة الروحيّة هو أعمق وأشمل وأكبر من أن يعالج في بضعة مقاطع هنا نظرًا لضيق المساحة ولمحدودية قدرتنا على التوسع فيه  في الصفحات التالية لذلك اخترنا ان نقارب بشكل مقتضى بعدًا واحدًا من ابعاده ألا وهو :

4.3 نحن كايقونة رحمة

إنّ حقيقة كوننا أيقونة رحمة وسط عالمنا المتألم أو دعوتنا لكي نكون كذلك هما في الواقع بعد ان لنعمة إلهية واحدة أفاضتها محبة الله لنا واثمرتها رحمته علينا.

لنتأمل هنا في التسلسل الرائع كبواكير ما يكنّه الله لنا :

  • باكورة محبة الله تجلّت عندما خلقنا على صورته كمثاله … بعد السقطة الاولى للإنسان ورغم استمرار بني البشر في إرتكاب المعاصي، فاضت محبة الله رحمةٌ. أولى ثمار هذه الرحمة هو الوعد بالخلاص / مجيء المخلص الذي تمّ في ملىء الزمن، “فنلنا من الابن الممتجسّد نِعمةً على نِعمة” (يوحنا 1/ 16- 17). محبة – رحمة – نعمة، هذة الحقائق الثلاث تولينا شرف أن نكون أيقفونة رحمة تذيع مجد الله في المسكونة. هذا الشرف يتطلب منا الاضطلاع ببعض الاعمال الصالحة والتصرف بإنسانية وحكمة تجسد البعض الإلهي لرحمة الله (يعقوب 3/17) الذي هو “طويل الأناة… وعظيم الرحمة…” (مزمور 145/8).

في ما يلي بعض الخطوات العملية التي تبلور هذا التجسيد :

  • نجدة المحتاجين بفرح … من يرحم فليرحم ببشاشة (رومة 12/8).
  • إعطاء الآخرين فرصة ثانية للعودة عن اخطائهم وتصحيحها أو التعويض عن الأضرار التي خلفتها (أفسس 4/31- 32).
  • الرأفة بالضعفاء  وتقوية عزم المتعبين وتشجيع الآخرين في المضي قدمًا حتى يصبو ما يرنوا اليه من صلاح. أعمال كهذه هي إقتداء بأعمال الآب (لوقا 6/36) -37).
  • الصلاة من أجل الذيبن لا يعرفون الله والصلاة مع الذين يعرفونه، هذا النوع من الصلاة ينبع من حفظ النفس في المحبة ومن انتظار رحمة ربنا يسوع المسيح (يهوذا 21- 22).
  • السعي الدائم لتمتين العلاقات الانسانية والحفاظ على صلاحها… ولبناء جسور محبة نعبر بها نحو المهمشين والمساكين والمتعبين، لأن المحبة هي كمال الشريعة (رومة 13/10) والربّ يريد رحمة لا ذبيبحة (متى 9/13).

هذه وغيرها من أعمال الرحمة  تغيّرُ نمط حياتنا وطريقة نظرتنا لامور كثيرة … في إطار هذا التغيير، تصبح معاناة الآخر معاناتنا وحسرة شخص يعاني تصبح حزنًا لنا.بالتالي يسطع بهاء أيقونة الرحمة. التي دعينا ان نكونها – ويشع نورًا يشع  في دياميس معاناة عالمنا المتألم. إنّ الضيقة الشديدة التي يعاني منها شعبنا في أشكالها المتعددة : العوز المادي … الضغط الجائر… استحفال الفساد وتعسف الفاسدين… الامراض الجسدية والاستقام النفسية… والموت… تظهر حاجة مجتمعنا المتألم المعانيى الى أيقونة رحمة تبعث الرجاء في ارجائها وفي قلوب افراده…

5 أيقونة تبعث الرجاء

5.1 الرجاء في سطور

  • بحسب المفهوم المدني ( غير الديني)، الرجاء هو حالة ذهنية متفائلة مبنية على توقع إيجابي أو نهاية سعيدة مرجوة لظروف حياة شخص أو جماعة. في هذا الإطار نستعمل عبارات معينة لتوصيف الرجاء على أنّه “توقع بثقة” أو “تقدير رغبة ما مع توقع.”
  • بعض هن علماء النفس يعتبرون ان الرجاء يأتي من تلقاء ذاته عندما تلوح الأزمات في الافق، أو حين حدوث الكوارث ليفتح آفاق جديدة ويؤسس لإمكانيات إبداعية احدث من سايقتها. آخرون يعتقدون أنه مع بروز حاجات عظيمة أو حلول ضيقات شديدة، تأتي مجموعة من الأفكار مصحوبة بجملة مشاعر إيجابية كالشجاعة والفرح والإقدام والحماس… هناك أيضًا قسم من المفكرين يربط بين الرجاء وبين هدف محدّد مسبقًا مشفوعًا بخطة دقيقة لتحقيق هذا الهدف.
  • في الواقع، هناك كمّ هائل من الابحاث والدراسات حول الرجاء والمغفرة أو الصفح ومدى تأثيرها على صحة الإنسان وعلى عملية شفاء بعض الامراض. ولقد أثبتت نتائج الكثير منها جدوى ونجاح توظيف الرجاء في برنامج العلاج.
  • مقابل ذلك، ينادي أصحاب التيارات الليبرالية والافكار الفلسفية المتحررة ان الرجاء ووعوده هم عديمي الجدوى والفائدة كونهم خدعة براقة للعقول الضعيفة ولذوي النفوس البسيطة… لهذا العالم بحاجة لوعود جديدة وامال جديدة…
  • هناك أيضًا الكثير من الاشخاص الذين يعتبرون الرجاء كأمنية يرجون أن تتحقق في المستقبل القريب… وخبرتهم في الحياة تؤكد ذلك .
  • أمّا في إطار العمولة فالرجاء يركّز على البعد الإقتصادي ويرتكز على تطوير الاقتصاد وتمكين المجتمع للسير به  نحو مستقبل أفضل – من الجيد هنا استحضار عبارتين تستعملنا في هذا المضمار:
  • الرجاء يُزهِرُ خلود
  • الرجاء هو ذلك الطائر الجميل الحَاطِطُ على أغصان النفس منشدًا بغير إنقطاع لحنًا عذبًا من دون كلمات …بالإضافة لهاتين العبارتين،غالبًا ما تعتمد بعض الرموز للدلالة على الرجاء مثلاً : طائر السنونو، المرساة، الحمامة، وغيرها…

في كتابه الشهير الكوميديا الإلهية The Divine Comedy، كتب الفيلسوف Dante  بما معناه : أنّه على المدخل الرئيسي للجحيم هناك عبارة مكتوبة فوق عتبته تدعو الداخلين من خلاله الى التخلي عن كلّ رجاءٍ وادفنه في الخارج قبل الدخول الى رحاب.

بالطبع ليس الحال كذلك بالنسبة الينا نحنةالذين ” من صنع الله خلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدها الله بسابق إعداده لنمارسها ” (أفسس 2/ 8- 10)؛ لهذا نهتف مع القديس بطرس قائلين :” تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، شملنا بوافر رحمته فولدنا ثانية لرجاء حيّ…” (بطرس 1/3)، ونشارك القديس بولس إيمانه بأنّ الشدائد ” تُعِدُّ لنا قدرًا فائقًا أبديًا من المجد” (2 قورنتس 4/17) هذا تعبير صادق عن جوهر رجاءنا المسيحاني.

5.2 جوهر رجاءنا

حالنا كحال الكثير من الناس حولنا، غالبًا ما نقع ضحية الاحباط واليأس امام هول كارثة قاسية، أهم وسط معاناة معينة، أو ضيق من أي نوع كان فَتُظلِمُ نفسُنا وينكسرُ قلبنا فتعمّ ظلمة يأسنا على جميع من حولنا … فنتحول وقتها من أيقونة رجاء الى “إفّةِ همّ وغمّ”

في أوقات صعبة وظروف عصيبة كهذه علينا ان نستنجد برجاءنا لإنّ رجاءنا ليس فكرة فلسفية أو اسطورة عقائدية. إنه احدى الفضائل الثلاث العظيمة التي يعطى معنا حقيقيا حياة على الارض وينمي توقنا الى الحياة الابدية. رجاؤنا هو ثاولثي المبدأ والغاية هكذا تصفه.

الأسفار المقدسة ويعرّف عنه كتاب ” التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية[10].

  • –         5.2.1 رجاؤنا والآب

الله الآب هو مبدأ أو غاية رجاءنا فهو الذي وضع مشروع سعادتنا الابدية وهو من أرسل بيسوع للكشف عن هذا المشروع وإتمامه. من هنا يمكننا القول إن رجاؤنا ينبسط منذ بدء بشارة يسوع في إعلان التطويبات…

فالتطويبات تسمو برجائنا الى بيت الآب، تمامًا وبشكل أعظم اكمل كما سمى رجاء شعب العهد القديم بهم الى ارض الميعاد. رجاؤنا هو الرفيق في مسيرتنا عبر ما يعترضنا من محن وضيقات وتحديات الى أن نصل الى بيت الآب (يوحنا 14/ 1-4) الى ” حيث دخل يسوع لأجلنا كسابق” (عب 6/19-20). لكن الآب يحفظنا، باستحقاقات يسوع المسيح والآمه “في الرجاء الذي لا يخذل” (رومة 5/5)

فالرجاء هو ” مرساة نفسنا” (عب 6/19) وهو أيضًا سلاح يحرسنا في معركة الخلاص اي في مسيرتنا الروحية نحو بيت الآب : ” فلنلبس الإيمان والمحبة درعًا، ورجاء الخلاص خوذة (1 تس 5/8).

فهو كعامود النار الذي رافق شعب العهد القديم في مسيرتهم نحو أرض الميعاد. هذا الرجاء الذي مصدره الآب يعطينا الفرح في المحنة والشدة والضيق :” وليكن فيكم فرح الرجاء، كونوا صابرين في الضيق ” (روم 12/12). وهو يُعبّر عنه ويغذّى في الصلاة، خصوصا صلاة ” الأبانا” التي هي موجز كل ما يحملنا الرجاء على أن نرغب به… نستطيع إذن أن نرجو مجد السماء، الذي وعد به الله محبيه (روم 8/ 28- 30) والعاملين مشيئته (متى 7/21). ويجب على كلِّ واحد منّا في كل ظرف أن يرجو، بنعمة الآب، الثبات الى المنتهى (متى 10/ 22).

إنه أبينا السماوي ، إله الرجاء، الذي يغمرنا بالفرح والسلام… لتفيض نفوسنا رجاء (ر وم 15/13).والحصول على فرح السماء – كمكافأة أبدية من الآب – على الاعمال الصالحة التي عملنها بنعمة المسيح…

رجاؤنا هذا يتطلب قلبًا متواضعًا وواثقًا وفي نفس الوقت شجاعًا يجعلنا نرجع الى حالة الاطفال (متى 18/3) لأن الآب يكشف ذاته للأطفال (متى 11/22).

بالرجاء نبتغي من الآب وننتظر بثقة راسخة الحياة الابدية والنعم لاستحقاقها. لا شيء من شأنه أنة يثبت رجاءنا مثل اليقين العميق المحفور في نفوسنا بأن لا شيء يستحيل على الله ؛ ولأنّ الله لا يكذب (عدد 23/19) (عب 6/18).

رجاءٌ  كهذا لا يمكن ولا يجب ان ينزعزع مهما كان نوع الضيقات التي تواجهه لأن المسيح أكدّ لنا : “فلن لكم هذه الاشياء، ليكون لكم بني السلام. تعاون الشدة في العالم ولاكن ثقوا إني قد غلبت العالم” (يو 16/33). فهو “الذي يقوم ليسوس الأمم وعليه تعقد الامم رجاءها.” كما تنبأ اشعيا النبي عنه (أشعيا 11/10).

5.2.2 رجاؤنا والابن

بقلب مفعم بالحب نحونا، الابن الوحيد الذي في حضن الآب صار بشرًا وسكن بيننا (يو 1/14، 18).

ومكنّنا أن ” نصيرا أبناء الله” (يو 1/12). والتطويبات التي اعلنها كلمة الاله الازلي على الجبل ترسم لنا الدرب وتصف محبته لنا، وتعبّر عن دعوته لنا لنشترك في مجد الآمه وقيامته. وتنير افعالنا والموافق التي تميز حياتنا نحن المدعوين لكن نكون أيقونة رجاء وسط عالمنا تعكس محبته وتذكّر بحضوره الدائم معنا وبيننا. هذه التطويبات هي المواعيد البادية التناقض التي تدعم رجاءنا في المضايق. وهي تعلن ما نحصل عليه من الآن بصورة خاصة من البركات والمكافآت.

رجاؤنا بالابن المتجسد يبلغ ذروة معاناة كلّ مرّة نحتفل فيها بالافخارستيا منتظرين الرجاء السعيد، ومجيء مخلصنا يسوع المسيح وطالبين أن نمتلىء من مجده في ملكوته. يقول القديس بطرس ” عظيم هو هذا الرجاء، رجاء ان نكون معه في بيت أبيه… رجاء سماوات جديدة وأرض جديدة يقيم فيها البِرّ.” (2 بط 3/13).

5.2.3 رجاؤنا والروح القدس

الروح القدس هو الضامن الالهي لرجاءنا. فهو “روح الحقّ المنبثق من الآب” ( يو 15/26) الذي يعلّمنا  “جميع الاشياء” ويذكّرنا جَميعَ ما قاله الابن (يو 14/ 26)، ويفيض رجاءً في نفوسنا بقوة لاهوته (روم 15/ 13).

لا يمكن الرجاء بيسوع المسيح بمعزلٍ عن روحه القدوس. فالروح القدس هو “روح الحقّ” (يو 16/13) الذي يأخذ ممّا ليسوع ويخبرنا به 0يو 16/14) ويرشدنا الى الحق كلّه (يو 16/13).

وهو المؤيد والمعزي الذي أرسله الابن الينا من لدن الآب (يو 15/ 26) ليكون معنا في الضيقات ولكي لا نكون أيتامًا …

  • الروح القدس يذكّرنا دومًا إنّ رجاؤنا يرتكز على سرّ موت وقيامة المسيح.
  • الروح القدس يعلّمنا ان الرجاء هو أولاً التصاق الانسان بالآب التصاقًا شخصيًّأ … لأنّ الله هو الرجاء الذي لا يخيب ولأن الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله.
  • الروح القدس يأتي ” لنجدة ضعفنا” و “يشفع لنا بأنّات لا توصف” (روم 8/26). نجدته هذه وتشفُعَهُ لنا يزدان من رجاءنا ويبعثان الفرح في قلوبنا.
  • الروح القدس يربينا على الصلاة في الرجاء… لأن الصلاة تغذي فينا الرجاء وتنمي فينا الحماس الرسولي لاتمام موجبات دعوتنا كأيقونة رجاء.

5.3 نحن كأيقونة رجاء

لمعرفة عمق حقيقة أننا أيقونة رجاء في وسط عالمنا المتألم يجب العودة الى الأسفار المقدسة لأن حنايا صفحاتها مليئة بالنصوص التي تتحدث عن الرجاء. نصوص تظهر البعد الكتابية لهذه الحقيقة :

ففي العهد القديم إرتبط رجاء شعب التوراة في العهد الذي أقامه الربّ الإله معهم وفي المواعيد التي وعدهم بها. بتعبير اخر، كانت محاور رجائهم تقوم على :

  • بلوغ أرض الوعد… البقاء فيها… العودة إليها…
  • أن يبقى الله حاضرًا معهم وبينهم.
  • الحصول على خيرات المحافظة على الشريعة وحفظ مقتضياتها.

أمّا في العهد الجديد، فمحور رجاءنا وغايته هو يسوع المسيح… التوق لنكون معه (رومة 12/ 12؛

 عبرانيين 6/11)… الثقة بأنه يستجيب لصواتنا (1 يوحنا 5/14؛ متى 7/7؛ يوحنا 16/23)… وانتظار عودته (متى 25/ 1- 13) .

(1 تسالونيقي 4/ 13)… ليصحبنا معه الى بيت الآب (يوحنا 14/ 1- 7).

هذا البعد الكتابي ينمي ويحفز البعد العملاني لكوننا أيقونة رجاء. هنا وضمن هذا الإطار، من المفيد جدًا إدراج بعض المقترحات التي تساهم في الحفاظ على بهاء هذه الأيقونة وعلى ازدياد وهج اشعاعها :

  • اتباع مبدأ “بالرغم من كل شيء” (معاناة … ضيقات… مظالم… مأسي… فساد… خيبات امل…) سنحافظ على رجائنا.
  • الثقة بأن ما لدى الله من “افكار في شأننا… هي أفكار سلامٍ لا بلوى” (إرميا 29/11)… فلنتشجع ونرجوه (مزمور 27/ 13- 14).
  • اليقين بأن أبانا السماوي لا يهملنا (مزمور 138/8)… فهو الذي بدأ فينا أعمالاً صالحة، وهو الذي يتممها (فيليبي 1/6). فلنفوض أمرنا له (أمثال 16/3) وهو يرشدنا في الطريق التي نسلكها (مزمور 32/8).
  • الايمان بأن سبيل الابرز هو مثل نور الفجر (أمثال 4/18).
  • التأمل العميق بعظمة أننا من صنع الله (أفسس 2/10)… مما ينمي قناعتنا بأن جميع ” الاشياء نَعملُ الخير الين يحبون الله (رومة 8/ 28) ؛ فهو يأتي دومًا لنصرة احبائه (مزمور 28/ 7) (اشعيا 49/23) فيحميهم (ارميا 29/ 11) ويحررهم من الخوف والقلق (مزمور 46/2-3).

بعض النصائح العملية

  1. صنع رؤية/ تصميم لحياتك
  2. تخيّل ما ستكون عليه حياتك في المستقبل.
  3. هاون بين نتيجة هذا التخيل وبين الواقع التي تعيشه الآن.
  4. صنع بعض الاهداف لتحقيق ذلك.
  5. تأكد من أن هذه الاهداف قابلة للتحقيق.
  6. تعاطى بشجاعة مع الاحباط واليأس
  7. شخص عوارض الاحباط واليأس.
  8. حدّد اسباب وجودهم.
  9. ابحث/ اختار طرق التعاطي مع هذه الالسباب والعوارض.
  10. قييم رجاءك
  11. حدد ما هي حالة رجاءك (قوي… ضعيف… مترنخ …)
  12. ما هي الوسائل التي تصونه (صلاة… تأمل… إرشاد…)
  13. استبدل الافكار السوداء باخرى إيجابية.
  14. أذكر وعدد النعم التي اغدقها الله عليك.
  15. نمّي رجائك
  16. على الصعيد الشخصي (تنمية الحياة الروحية).
  17. انخرط أكثر فأكثر في حقل أعمال الرحمة.
  18. إنّ فقدان الأمل وخسران الحماس والاعتداد المفرط بالنفس والاستسلام لليأس والاحباط وكلّ ما يدور في فلكهم المظلم هم ألدّ أعداء الرجاء واخطر المخاطر التي تهدده وتفصى على الفرح وحبّ الحياة الناجمين عنه.
  19. أيقونة توّلد الفرح
  •  تعريف بالفرح
  • بالمفهوم الشائع للكلمة، الفرح هو عاطفة يثيرها الرفاه والنجاح، أو الحظ السعيد أو إحتمال إمتلاك ما يرغب الشخص .
  • كلمة فرح هي لفظة مقتصبة لكنها معبّرة وتتخطى تعريفها كشعور نابعٍ من وسط ظروف سعيدة أو من أحداث إيجابية لتصبح حالة ذهنية مستقرة من الرهن والثقة بالنفس والأمل.
  • بحسب المفهوم المسيحاني، الفرح هو شعور جميل يختلج في النفس المؤمنة يولِدَهُ الروح القدس فيها فيجعلها ترى حسن الله وصلاحه في كل شيء فتباركه وتشكره على نعمة وبركاته. وهو أيضًا اليقين المستقر بإن الله يدبر حيانتا كأولادٍ له. هذا اليقين مقرون بثقة ثابتة بان كل شيء سيكون على ما يرام في نهاية المطاف … ثقة نابعة من القناعة بأن “جميع الاشياء تعمل لخير الذين يحبّون الله” (رومة 8/28).
  • فرح المؤمنين ينبع من وعيهم أنّهم أغصان في الكرمة الحقّ (يوحنا 15/1-17) وبأنّ ثباتهم فيها يعطيهم القدرة علة تخطي كلّ الظروف مهما كانت مؤلمة.

هذه القدرة تُوَلّدُ التوق لنيل إكليل الظفر على مثال القديسين والشهداء الذين ثبتوا على رجائهم وبذلوا حياتهم في سبيل إيمانهم. هنا لنتأمل بمضمون الاثنين الواردتين في الرسالة الى العبرانيين :” لذلك فنحن الذين يحيط بهم هذا الجمّ الغفير من الشهود، فلنلقِ عنّا كلّ عبء”… ولنخصّ بثبات ذلك الصراع المعروض علينا، محدمّين الى مبدىء إيماننا ومُتممِّهُ، يسوع الذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمّل الصليب مستخفًا بالعار… (عبرانيين 12/ 1-2).

هذا التأمل يدعونا الى التعمق بالبعد الكتابي للفرح المسيحاني.ة يُنظَرُ الى موضوع الفرح في العهد القديم لمظلة تضلل في أفيائها باقة كبيرة ومتنوعة من إختبارات عاشها شعب

 التوراة، فكانت لهم مصادر فرح عظيم. نذكر على سبيل المثال لا :

  • اللقاء الحميم بين حبيبين (نشيد الاناشيد1/4).
  • الزواج (أمثال 5/18)؛ ولادة الاطفال (مزامير 113/9)
  • الاشتراك في الاحتفالات الدينية (تثنية 16/ 13- 15) (2 أخبار 30/ 21- 22).
  • حصاد الغلال (أشعيا 9/3) ، شرب الخمر (مزمزو 104/15).

أمّا على الصعيد الروحي، فكان للفرح عندهم أفق أرحب يلامس عالم الألوهة لأنه نابع من وعيهم وتقدريهم لبركات الربّ ونعمه عليهم  ومن التنعم بإنجازاته القديرة في وسطهم ومن أجلهم (مزمور 14/7)؛ أمثلة على ذلك :

  • فرحٌ لأن الربّ أحاصهم بالحبّ (مزمور 32/11)
  • فرحٌ لأن الرب جلب لهم الخلاص (مزمور 40/ 16 ؛ 64/10)
  • فرحٌ هو جواب لكلمة الله (مزمور 119/14) ولمكافأته التي اسبغها على شعبه (اشعيا 65/14) وعلى تقوية عزيمتهم (نحميا 8/10).
  • فرح الخروج من مصر (خروج 18/ 9- 11).
  • العودة من السبي (إرميا 31/ 1-19).
  • ترميم اسرائيل (مزمور 14/7).

ترددات بعد هذا الفرح انتقلت الى العهد الجديد فازدادات عمقًا ووضحًا واتساعًا حتى لامست السماء ؛ الملائكة ابتهجوا في ميلاد يسوع (لو 2 /10).

ولطالما اتخذ يسوع من هذا الفرح السماوي مرجعًا او نقطة انطلاق رمزية ليحدث عن ملكوت السماء :

  • فرح السماء بخاطىء واحد يتوب (لوقا 15/7).
  • فرح المرأة حين وجدت فلسها الضائع (لوقا 15/8- 10).
  • فرح الاب بعودة إبنه الضال (لوقا 15/ 11- 23).
  • فرح الرجل الذي وجد الكنز (متى 13/44).

هناك أيضًا الكثير من نصوص العهد الجديد التي تأتي على ذكر الفرح، مثلاً :

  • فرح في عرس قانا الجليل (يوحنا 2/ 1- 11).
  • الفرح بولادة يوحنا المعمدان (لوقا 1 /14 ،58).
  • فرح التلاميذ (لوقا 10/17- 20 ؛ 24/25).
  • فرح المجوس امام طفل المغارة (متى 2/10).
  • الاضطهاد هو مناسبة للفرح (يعقوب 1/2).
  • فرح في الألم والشدة (1 بطرس 4/ 13- 14) (2 قورنتس 7/ 4- 16).
  • الفرح هو جزء من الايمان (فيليبي 1/25).
  • ملكوت الله هو برّ وسلام وفرح (رومة 14/17).

وذروة الفرح في العهد الجديد هي الإلفة مع الربّ يسوع (يوحنا 15 و17).

بناءً على ما تقدم، يصح القول بأنّه

في صميم موضوع الفرح في العهد الجديد، نجد المبدأ القائل : أنّ المؤمنون يعيشون الفرح الانجيلي في شتى ظروف حياتهم حتى وسط الضيقات والشدائد (يعقوب 1/2).

هذه نعمة مصدرها الايمان بأن يسوع المسيح هو مخلصنا (رومة 10/9) وهو ما زال يعمل في حياتنا (فيليبي 2/13). وهو الوحيد الذي يملىء قلوبنا ونفوسنا وحياتنا كلّها فرحًا (رومة 15/13). بالطبع هناك فترات مظلمة في حياتنا ناتجة عن ضيقات وتحديات تواجهنا…

يسوع نفسه عانى من رفض البشر ومعصيتهم… ولقد دعى “رجل الاوجاع” (أشعيا 53/3). في لحظات كهذه نجد تعزيتنا ونستعيد فرحنا عند سماعنا كلام يسوع في التطويبات (متى 5/ 1- 11)، فهي تعتبر في نظر الكثيرين من اللاهوتيين مصدر مهم من مصادر فرح المؤمنين ونبع من ينابيع تعزياتهم  الإلهية.

6.2 ينابيع الفرح والمخاطر التي تتهدده

الله الآب  هو نبع الفرح  الاساس ومعطية معناه التامّ؛ فهو خالق طبعنا البشري وهو ضامن كيونتنا وواهبنا شرف تجسيد فرح محبته وسط الخليقة ومجد مشاركته في حياته. في هذا الاطار يقول كتاب التعلبم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية :

351 يخلُقُ الله ولا يترك خليقته على ذاتها. إنّه لا يكتفي. فمنحها الكينونة والوجود، فيصونها في الكينونة كلّ حين، ويهبها أن تعمل، ويقودها الى نهايتها، والاقرار بهذه التبعية الكاملة بالنسبة الى الخالق هو ينبوع حكمةٍ وحرية، وفرح وثقة.

  • الابن الوحيد هو الينبوع الثاني لفرحنا، فهو الذي أظهر الارتباط الوثيق بين الفرح الذي يهبه هو وبين محبة الآب وحفظ وصايا الابن والثبات  في محبته كتب القديس يوحنا في انجيله :

قال يسوع :” كما أحبني الآبن فكذلك احببتكم أنا أيضًا، أثبتوا في محبتي. اذا حفظتم وصاياي ثبتون في محبتي كما أنا حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته. قلت لكم هذه الاشياء ليكون بكم فرحي فيكون فرحكم تامًا (يوحنا 15/ 9- 11).

فرحنا نابع من فرح الابن الذي زرعه في قلوبنا من خلال مفاعيل المحبة المضطرمة بينه وبين أببه السماوي…

فرحنا نابع من ” دعوة الابن ومن رؤيته” كما ورد في إنجيل يوحنا :

“أنتم أيضًا تحزون الآن ولكني سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم وما من أحد يسلبكم هذا الفرح” (يوحنا 16/22).

فرحنا نابع من صلاة الابن عشية الآمه وموته، حين تضرع الى الآب قائلاً

“يا أبت القدوس احفظهم باسمك… ليكونوا واحدًا كما نحن واحد… ليكون فيهم فرحي التّام” (يوحنا 17/11- 13).

هنا لا يسعنا إلاّ الترنيم مع حبقوق النبي :

“أما أنا فأتهلل بالربّ وأبتهج بإله خلاصي (حبقوق 3/17).

  • الروح القدس

مثل الاب والابن، الروح القدس هو ينبوع فرح لا ينبض؛ نقرأ في كتاب التعليم المسيحي:

1832 ثمار الروح هي كمالات يُنشئها فينا الروح القدس كبواكير المجد الأبدي، والتقليد الكنسي يعدد منها اثني عشر :” المحبة والفرح والسلام …” (راجع ايضا غلاطية 5/ 22- 23).

  • من هنا يمكن القول إن الفرح الذي يهبه الروح القدس هو من بواكير المجد الابدي؛ هذا يدعونا للتأمل بالمعنى اللاهوتي لما ورد في إنجيل لوقا (لو 10- 21).

” في تلك الساعة، تهلّل (يسوع) بدافعٍ من الروح القدس فقال :” أحمدك يا أبن …”

  • فرح الروح يوازي = فعل الاب ← كشف سرّه للصغار

← تسليم الإبن كلّ شيء

  • يسوع فرح بكشف الاب سر محبته للبشر.
  • يسوع فرح بالهدية التي تسلمها من الآب “كل شيء.”
  • هذا الفرح إمتدى الى التلاميذ حين قال لهم يسوع

” طوبى للعيون التي تبصر ما أنتم تبصرون…” (لو 10/23)؛ فلقد ابتهجوا لما عاينوا فرحه ولما لمسوا بهجته حين أعطى التطويبات على الجبل واسمًا الفضائل دربًا نحو بيت الآب.

الفضائل الإلهية والتطويبات الكتابية

العدد 2015 من كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثولكية يتحدث عن العيش في سلام التطويبات وفرحها؛ اما العدد 1829 منه، يُعلن أن ثمار المحبة هي الفرح والسلام والرحمة… وفي العدد 1804 نقرأ ان الفضائل تمنح الفرح، وبحسب العدد 163، ” الايمان يذيقنا مسبقًا فرح ونور الرؤيا الطوباوية” ( راجع ايضًا 1 قورنتس 13/12)

  • في الإتجاه المعاكس لتدفق خيور هذه الينابيع توجد مخاطر جمّة أبرزها :
  • فقدان السعادة والحماسة للعيش.
  • ضياع المفهوم الصحيح للفرح

بالنسبة للخطر الأول، من الشائع والمعترف به عامة، أنّه حتى أكثر الاشخاص نضجًا روحيًا وصلابة نفسية يمرّون في لحظات حزن جارح وفي أوقات كآبة قاتلة … الكتاب المقدّس يعرض علينا ثلاث حالة:

الأولى لرجل بار: أيوب الذي تمن إنّه لم يولد بسبب الاوجاع والمصائب (أيوب 3/11).

الثانية لملك جبار : داود الذي ثمنى ان يهرب في البرية بداعي الخوف والدعوة (مزمور 55/ 6-8).

الثالثة لنبيّ عظيم : ايليا الذي هرب وطلب من الرب أن يأخذ حياته بسبب الاضطهاد ( 1 ملوك 19/ 3-5).

الخطر الثاني هو ضياع المفهوم الصحيح للفرح :

  • إن ما يعطي الفرح قيمته ويُحدد جودته هو المصدر الذي أتى منه :
  • الشخص الذي يفرح بالنكات البذيئة ← فرحه بذيء.
  • الشخص الذي يفرح بالعنف والانتقام ←فرحه منحرف.
  • الشخص الذي يفرح بالامور المادية ← فرحه عابر.
  • وحده الانسان الذي يفرح بالربّ هو من يملك “الفرح التّام” ولاحد يستطيع أن يسلبه منه ولا شيء يقدر أن يزعزعه.
  • من هنا يصح القول أنّ ضياع المفهوم الصحيح للفرح، بمعنى آخر الانحراف خلف أفراح منحرفة هو خطر عظيم يهدد فرحنا المسيحاني ويشوه اشعاع إيقونة الفرح التي دعينا أن نكونها وسط عالمنا المتألم الحزين.

6.3 نحن كأيقونة فرح

سؤال جاد غالبًا ما يطرح عند التحدث عن الفرح :

هل يمكن عيش الفرح أو الشعور به بشكل مستمر؟

جزء من الايجابة على هذا السؤال يكمن في التمييز بين الفرح كحالة مصدرها الله والوعي أنّ هذه الحالة هي قصص من مقاصده علينا و بين بعض المشاعر العادية التي تنتابنا في لحظات سعيدة مثل السعادة، الابتهاج، اللذة، الاغتباط وما شابه…

الجزء الآخر قوامه تأكيد على إمكانية العيش بفرح دائم حتى في احلك الاوقات وذلك بالحفاظ على الإلفة التي ننعم فيها مع الرب يسوع الذي مجّد آباه العلي وفرّحه بتميم مشيئة وابهج قلبه الوالدي الحنون بالكشف عن محبته الابوية نحونا؛ وهو الذي فرّح البشرية بتجسده وسكناه وسط أولاده وما زال يبهجوا قلوب الذين يقبلونه ويؤمنوا به.

هذا الفرح عبر عنه الانجيليون الاربع في أناجيلهم ومدحه الرسل في رسائلهم:

عن الشعور بالفرح خلال الضيقات، كتب القديس يعقوب الرسول :

“انظروا يا اخوتي الى ما يصيبكم من مختلف المحن نظركم إلى دواعي الفرح الخالص” (يعقوب 1/2).

في هذا الاطار أيضًا، كتب القديس بطرس:

“إنكم تهتزون له فرحًا، مع أنّه لا بدّ لكم من الاغتمام حينا بما يصيبكم من مختلف المحق” (1 بطرس 1/6).

عن الشعور بالفرح خلال الضيقات، كتب القديس يعقوب الرسول : “انظروا يا اخوتي الىى ما يصيبكم من مختلف ىالمحن نظركم إلى دواعي الفرح الخالص” (يعقوب 1/2).

في هذا الاطار أيضًا، كتب القديس بطرس:

“إنكم تهتزون له فرحًا، مع أنّه لا بدّ لكم من الاغتمام حينا بما يصيبكم من مختلف المحن” (1 بطرس 1/6).

قناعتهم هذه نابعة من قول الذي وهبهم الفرح التّام حين قال لهم: “لا تضطرب قلوبكم…” (يوحنا 14/1).

“انتم تحزنون الآن، لكني سأعود فاراكم فتفرح قلوبكم” (يو 16/22).

“احملوا نيري… لأن نيري لطيف وحملي خفيف …” (متى 11/28- 30).

” هاءنذا معكم طوال الأيام الى نهاية العالم” (متى 28/20).

  • صاحب المزامير، من ناحيته، لم يردّد في سكب نفسه أمام الله شاكيًا له إحباطه وألمه وخيبة أمله…

لكنه في كل مرة كان يختم مزموره بآيات مفعمة بالتشجيع والامل يشيد بها بحضور الربّ ويحمدُ اعماله المملؤة محبة وحماية وخلاصًا وبركة (مزمور 3و6و13و16و18).

عندما نحذ واحذوى صاحب المزامير يزدادةوهج اشعاعنا كأيقونة فرح وسط عالمنا المتألم … أيقونة شعاعها يشجع على الاجتهاد في عيش مقتضايات معمودينا، ويقوي اليقين بأن اللاه معنا في جميع ايام حياتنا حتى في الضيقات فلنشكره على الدوام ولنصغي الى صوته إلى أنين المتألمين بإنتباه ولنسعى جهدًا لتخفيف الامهم اذا امكن محو معاناتهم.

  • خاتمة

إنّ حقيقة كوننا أيقونة مسيحانية تفيض محبة وترشح رحمة وتبعث الرجاء وتوّلد الفرح بالاضافة الى دعوتنا للإضطلاع بمقتضاياتها وسط عالمنا المتألم تجدان عمق معناهما وتبلغان تمام إبعادهما في عناصر جوهرية ثلاث أعرب عنها بشكل رائع سفر التكوين في الاسطر الاولى من صفحات فصوله:

  • الله خلق الانسان على صورته كمثاله.
  • الله أعطى الانسان البركة الأولى والأعظم في بدايات الخلق.
  • الله وهب الانسان شرف مشاركته في تدبير شؤون الخليقة.

هذه العناصر الثلاث التي فاضت في البدء بفعل محبة الله العظمى ينابيع محبة ورحمة ورجاء وفرح في كيان الانسان فأظهرت عظمة كونه صورة الله..,. لكن الانسان بزلته الأولى (تكوين 3/1 -23) شوه صورة الله فيه وعكّر دفق هذه الينابيع وما زال يفعل ذلك حتى يومنا هذا والى منتهى الإيام في كل مرة يعصي الربّ الإله وينكس عهد الشراكة مع الله.

رغم كلّ ذلك لم يتوقف إلهنا المحبّ من الاسراع الى نجدة الانسان والسعي الى ترميم تلك الصورة الإلهية.ذروة هذا المجهود الالهي تجلّت بتجسد الابن الوحيد الذي رقم صورة الله في الانسان فأظهر لهم محبة ورحمة الآب زارعًا في نفوسهم فرحة وفي قلوبهم رجائه..,. وبعد قيامته، نفّذ وعده وارسل الينا الروح القدس روح الحق الذي يجدّد طبعنا بحضور ويرشد الى الحق ويعلمنا كيفية ان نكون أيقونة مسيحانية وسط عالمنا المتألم.


[1]  أنظر على سبيل المثال: تكوين 1/26-27؛ 5/1-2؛ 9/ 6؛ الحكمة 2/23؛ يشوع 17/1-3؛ 1 قورنتس 11/7؛ 2 قورنتس 3/18، 4/4-7؛ روما 8/28-29؛ قولسي 1/14؛ عبرانيين 1/ 2-3.

[2]  بحسب اللاهوت المسيحي، هناك ثلاثة طرق لشرح وفهم عقيدة “الانسان مخلوق على صورة الله” Imago dei:

  • الطريقة الأولى: تنطلق من “الأساس الجوهري” لتحديد صورة الله ضمن التركيبة النفسيّة – الروحيّة للإنسان. بمعنى أنّ هناك أوجه شبه بين الله والانسان مثلاً العقل، الإرادة،…
  • الطريقة الثانية تنطلق من “الأساس العلائقي”. بمعنى أن الإنسان قادر على إقامة علاقات مع الله ومع الآخر…علاقات معقدة Complex، متشبعة ومترابطة…، علاقات تجعل الإنسان شبيهًا لله. 
  • الطريقة الثالثة: تنطلق من “الأساس الوظائفي” أي من الدور الذي يجب على الإنسان الإضطلاع به في الكون والمخلوق: ملك عادل، مدّبر حكيم، خادم أمين، شريك وفي،…

لمزيد من المعلومات راجع أيضًا كتاب التعليم المسحي للكنيسة الكاثوليكية من العدد رقم 355 لغاية العدد رقم 384. 

[3] وردت عبارة “أنا معكم/ مَعَك/ مَعَكِ” بصيغة أو بأخرى 80 مرّة في الكتاب المقدّس. أما عبارة “لا تخف” فقد وردت اكثر من ذلك بكثير وذلك بصيغ متعدّدة وموجهة سواءً لجماعة (الشعب، قبيلة، أهل مدينة، جماعة الرسل) أو لأفراد (أشعيا، مريم، يوسف،…وعدد كبير من الشخصيات الكتابية).

[4] راجع (يوحنا 14/ 1- 4،22،27) (يوحنا 15/ 1- 8، 18- 27)، (يوحنا 16/20) ستبكون وتنتحبون … ستحزنون لكن حزنكم سينقلب فرحًا. راجع ايضًا : (يوحنا 17/ 14- 16)، (متى 5/10)،  (2قورنتس 12/10)، (رؤيا 6/ 10- 11؛ 19/ 1- 3)

يسوع يشعر بالرفض/ أنه مرفوض :” لو كان الله أبوكم لأحببتموني … أنتم أولاد أبيكم إبليس (يوحنا 41،44) جاء الى بيته فماقبله أهل بيته (يوحنا 1/11). اذا أبغضكم العالم فاعلموا أنه أبغضني قبل أن يبغضكم (يوحنا 15/18).

[5] راجع:

يوحنا 13/1 : يسوع أحبّ أخصاءه الذين هم في العالم، أحبهم منتهى الحبّ

         1 يوحنا 4/19 : علينا أن نحبّ لأن الله أحبنا أولاً… 

  • شفاعة يسوع لنا ← “يسوع البّار شفيع عند الآب” (1يو 2/ 1-2).

            “المسيح … الذي عن يمين الآب يشفع لنا” (رومة 8/34).

هو الكرمة يو 15/ 1- 17 الراعي الصالح يو 15/ 1- 21.

  • احب كنيسته وبذل نفسه من أجلها (افسس 5/25).

” من قبل وصاياي وعمل بها أحبّني ومن أحبّني  أحبّه أبي، وأنا احبّه وأظهر له ذاتي” (يو 14/21).

  • “أنا اخترتكم ” (يو 15/16). ” لن أترككم يتامى”(يو 14/18)
  • الحب يجعل منّا مسكنًا لله :” من أحبّني سمع كلامي  فأحبّه أبي، ونجيء إليه ونجعل منه مقامًا ” (يو 14/23).
  • حبّ يتحول الى فرح (يوحنا 15/11) حبّ يمجّد الله (يوحنا 15/8).
  • وصيّة يسوع (يوحنا 15/12) ووعده لنا (يوحنا 14/ 1- 4).

[6] مثلاً مع: نوح (تكوين 9/ 8- 17)، ابراهيم (تكوين 22/17)،… والعديد من الامثلة؛ فلقد وردت كلمة رحمة كصفة من صفات الله 262 مرة.

[7] قام يسوع بسبع معجزات يوم السبت :

  • إخراج روح نجس من رجل (مرقس 1/21- 28).
  • شفاء حماة بطرس (مرقس 1/29-31).
  • شفاء رجل ذي يدٍ شلاّء (مرقس 3/ 1-6).
  • شفاء المرأة المحنية الظهر (لوقا 13/ 10- 17).
  • شفاء رجل مصاب بالاستسقاء (لوقا 14/1-6).
  • شفاء المقعد عند بركة بيت حسدا (يوحنا 5/ 1- 18).
  • شفاء الرجل المولود أعمى (يوحنا 9/ 1- 16).

[8] •           نذكر على سبيل المثال المراجع التالية :

(متى 5/7) (متى 9/13) (لوقا 6/36) (يعقوب 2/13).

(عبر انيين 4/16) (عب 12/6) (1 بطرس 1/3) (طيطس 3/5).

(1 يوحنا 1/9) (روما 15/ 9- 13) (روما 12/1).

[9] في ما يلي بعض من المراجع الكتابية التي تغني التأمل في هذا الموضوع :

(ميخا 6/8)؛ (عبرانيين 4/16)؛ (يعقوب 4/6)؛ (يعقوب 2/13)؛ (روما 6/23)؛ (أفسس 1/7)؛ ( 1 بطرس 1/3)؛ (طيموطاوس 1/8 -9)؛ ( قولوسي 2/12)؛ (2 يوحنا 1/3)؛ (مزمور 84/ 11).

[10] –           البنود التالية المأخوذة من كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثولكية تعطينا فكرة واضحة عن المفهوم المسيحي للرجاء

1817 الرجاء هو الفضيلة الإلهية التي بها نرغب في ملكوت السماوات، والحياة الابدية، رغبتنا في سعادتنا، واضعين ثقتنا بمواعيد المسبح، ومستندين لا إلى قوانا بل الى عون نعمة الروح القدس…

1818 إنّ فضيلة الرجاء تلبّي التّوق الى السعادة الذي وضعه الله في قلب كلّ انسان، وتضطلع بالآمال التي تبعث الناس على العمل، وتنقيها لتوجّهها نحو ملكوت السماوات. إنّها تصون من تخاذل العزم، وتساند حين التخلّي، وتطيب النفس في ترقب السعادة الأبدية… الرجاء يقود الى سعادة المحبة.

2090 …الرجاء هو الترقب الواثق للبركة الإلهية ولرؤية الله السعيدة. وهو أيضًا خشية إهانة محبة الله، ونيل العقاب.

  • بعض المراجع الكتابية حول الرجاء

في العهد القديم :

تثنية 31/6 ؛ 29/29.

عدد 23/19.

مزامير 27/1،5 ؛ 33 /17 ؛ 24/5 ؛ 61/5 

62/5 ؛ 119/ 114 ؛ 131 /3

امثال 10/ 28

في العهد الجديد : متى 6/31 -32

يوحنا 3/16 ؛ 4/ 13- 14

أعمال 2/26 ؛ 17/ 32

رومة 5/2 ؛ 12/12؛ 8/ 24- 25 ؛ 28 -31

15/13

1 قورنتس 15/19

2 قورنتس 4/16 -17

1 تسالونيقي 4/16 -18

2 تسالونيقي 2/16-17

عبرانيين 6/ 15 -25 ؛ 11/1

1 يوحنا 3/2- 3 ؛ 5/ 13- 14

1 بطرس 1/ 3- 6 ، 13 ،15 ، 20- 21

Scroll to Top